المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال (( أطباء ادباء ))



تميم فخري الدباغ
04/09/2013, 09:32 AM
اطباء .... ادباء ( 1957 )
قبل سنة من هذا التاريخ كتب الكاتب الفرنسي الشهير الدكتور جورج ديها ميل وعضو الاكاديمية الفرنسية كتب يقول "في يوم ما وهو ليس ببعيد عندما اقف عند مدخل الفردوس وعلى عتبة الخلود فإن من المؤكد أن توجه هالي اسئلة – كما هي العادة الجارية في عصرنا الحاضر- عن جواز سفري مثلاً، واوراقي الشخصية وشهاداتي .. ومن يدري عن اشياء اخرى، وقد يحاول احد الملائكة الكرام المشددين في واجبهم ان يسألني عن مهنتي ايضاً خلال رحلتي الارضية وإني متأكد بأني بدافع من العاطفة والعرفان بالجميل، سأجيبه بأني كنت طبيباً ... والحق اقول بأنني كرست احسن ما في حياتي لكتابة ثمانية من الكتب ولذا فإنني معتبر من قبل معاصري ككاتب قبل كل شيء ... ولكنني في الطب تدربت في شبابي، وبالطب فتحت عيني على الدنيا والى الطب مدين باكبر جزء من معرفتي ومن ثم فقد كان أبي طبيباً، وأنا طبيب وإثنان من أبنائي أطباء، وثلاثة من أبناء اخواني اطباء، وهيبو قراط استاذي وسوف استمر على النظر اليه كأستاذ لي حتى النفس الأخير".
فهذه الأسطر المختصرة المعبرة عبر الكاتب الفرنسي عن مدى امتنانه الى دراسته الطبية وبهذه الاسطر تكلم عن لسان كل طبيب اديب منذ بدابة الحضاية البشرية. والاطباء الذي اشتهروا في غير الطب كثيرون خلدهم التاريخ لما قدموه للبشرية من انتاج ساهم في تبيان الفكر الانساني، وكان أكثر ما ساهم فيه الاطباء – بغض النظر عن ميدان الطب طبعاً- هو ميدان الكتابة والأدب. وفي أواخر سنة 1956 وفي أحضان مدينة (سان ريمو) الجميلة المطلة على شاطئ البحر الابيض المتوسط انعقد اول مؤتمر عالمي للأطباء الكتاب وكان مؤتمراً فريداً في نوعه فقد ضم مختلف الاجناس والأمم، ولكنهم كانوا جميعاً مربوطين برباطين وثيقين هما مهنة الطب ومهنة الكتابة، لذا كان يطلق عليهم الأطباء الكتاب وهنا قد يتساءل المرء هل الأصح ان نسميهم بالأطباء – الكتاب أم الكتاب – الأطباء؟ ففي اللغة الفرنسية يطبع عليهم تعبير (ecrivqins medicins). أما في اللغة الإيطالية فيطلق عليهم بـ(medici scritorri). على أن لب المسألة ليست في التسمية ولكن الذي يدعو للتساؤل هو تلك الظاهرة التي تفسر كثرة وجود اطباء يجدون متسعاً من وقتهم للكتابة أو المساهمة في أي ميدان آخر مع أنه يندر أن تسمع عن محامي – كيميائي مثلاً! أو عن سياسي فلكي. وبالإضافة الى ذلك فإن الاطباء الادباء لم تنفرد بهم أمة واحدة وإذا شئنا ذكر الامثلة على سبيل الحصر لا العد لذكرنا الكاتب الشهير (سوموسن موم) وهو انكليزي وقد اكتسب معظم خبرته من دراسته الطبية. وهنالك الكاتب الفرنسي (جورج ديها ميل) الذي قرأنا ما كتبه في أول المقال، والأديب الفرنسي (روبين فلوبير) الذي درس الطب قبل تفرغه للأدب، والمؤرخ الفرنسي (أميل ليتريه) الذي ألف قاموساً طبياً وكان كاتباً وروائياً وفيلسوفاً وهو طبيب أيضاً. وهنالك (نشيكوف) الروسي وهو طبيب وروائي معروف. وهنالك (وايل ميشيل) الأمريكي وقد كان طبيباً ماهراً وفيسولوجياً اخصائياً بالأمراض العصبية والعقلية ومع ذلك ففي خلال 50 سنة من حياته الف تسعة كتب طبية وكتب اكثر من مائة مقالة طبية وتسع عشرة رواية وسبعة دواوين للشعر وكتب عن حياة احد المشاهير، وكانت رواياته تحليلية نفسية وتاريخية. ولا يمكننا إلا أن نذكر الطبيب العبقري (السير آرثر كونان دويل) الأنكليزي وهو مشهور بروايات (شرلوك هولمز) المعروفة، وكان بالإضافة الى ذلك مؤرخاً وروائياً ورياضي وروحاني، ثم كيف لا نذكر الدكتور (دافيد ليفنجسون) الأنكليزي الذي يعد من أعظم الرحالة المكتشفين، فهو الذي يرجع اليه الفضل في اكتشاف معظم مجاهل افريقيا الوسطى والجنوبية.
ولا يفوتنا ذكر الدكتور (لكود برنارد) الفرنسي الذي اشتهر بمؤلفاته عن فلسفة وتاريخ الطب وكذلك الدكتور (هنري موندور) الذي كان جراحاً ماهراً ومع ذلك وجد متسعاً من الوقت لأن يكتب عن حياة (مالارميه) واعتبر بعد ذلك من أحسن رواة سيرته. ومن الأطباء العرب برزت اسماء خالدة منذ القدم (فأبن سينا) كان طبيباً وفيلسوفاً وأديباً. ومن الكتاب المعاصرين نذكر المرحوم الشاعر الدكتور (ابراهيم ناجي) المصري. وهكذا يتبين لنا بأن الأطباء والأدباء غير مقصورين على بلد معين، بل أن شعبية أو لنقل عمومية الطب هو السبب الحقيقي في وجودهم. إن دراسة الطب وممارسته تفتح الآفاق لدراسة النفس البشرية ومآسيها بصورها المتباينة فالطبيب تتاح له الفرصة أكثر من أي انسان آخر ان يتلمس مشاكل مجتمعه وأن يتحسس الآم الغير واختلاجات النفس كما أن طبعة مهنته تجعله أن يكون مدققاً في الأسباب والنتائج وأن يكون موضوع امانة وثقة للإطلاع على أسرار لا تتاح لغيره ... وأن يكون ميالاً الى ايجاد حلول شافية لكل معضلة انسانية. وهنالك مهن أخرى قلما نجدها تخلق من ذويها كتاباً ذوي مواهب خارقة فذة وعلى النقيض من ذلك نجد مهناً أخرى نتنج كتاباً أفذاذاً، فمن رجال الجيش والبحرية والسياسة والطب والمحاماة تجد مجموعة من أفذاذ الكتاب والروائيين والمؤرخين. وعلى اساس هذه الظاهرة قد يميل المرء الى الاعتقاد بأن الكتابة كمهنة بحد ذاتها كانت سابقاً نادرة الوجود. أما في القرنين التاسع عشر والعشرين فقد تبدلت الاحوال ولا أعني بأن الآباء والأمهات يدفعون بأولادهم الى مهنة الكتابة، ولكن بعضهم من بلغ العشرين من العمر يندفع في طريق الكتابة ويتخذها وسيلة لإشباع رغبته الفنية ووسيلة لكسب العيش في نفس الوقت. وفي الحرب العالمية الأولى والثانية كان الأطباء ممن انتجوا قطعاً أدبية حية عن الحرب ومآسيها وأهوالها وكان انتاجهم يختلف عن انتاج غيرهم من المؤرخين الذين يسردون الوقائع فقط ولا يقلون مشاعر من قاسوا هذه الحروب وكافحوا فيها ولاقوا ما لاقوا. ويجب أن نذكر في معرض هذا الحديث بأن للأطباء الأدباء جمعيات خاصة بهم في فرنسا وإيطاليا منذ سنين. ففي فرنسا مثلاً يترأس هذه الجمعية الآن الدكتور (لوك دارتني) وهو طبيب وشاعر وقصاص ومسرحي، وتعقد هذه الجمعية اجتماعاتها عندما تريد وتقوم بالإشراف على نشر مؤلفات أعضائها كما أنها إستطاعت أن تساهم في إعانة جمعية ارامل وأيتام الأطباء في فرنسا كما أنها تعرض بعض الأفلام الثقافية العلمية. وبالاختصار فإنها تساهم في النشاط الثقافي والإجتماعي على السواء ..... ( ) .

ملاحظة : الدكتور الدباغ ألف كتابا في السبيعينات يحمل اسم (( الاطباء ..الادباء )) وسع مفهوم هذه الفكرة المطروحة في مقاله هذا .

عبدالله بن بريك
05/09/2013, 07:04 AM
سيبقى الطبّ أنبل المهن،يخفف من معاناة المعذبين و يخلو من الجوانب السلبية.
تحيتي و شكري ،على هذا المقال القيّم.