المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما لكم لا ترجون للَّه وقارا



كاظم فنجان الحمامي
27/11/2014, 06:12 PM
ما لكم لا ترجون للَّه وقارا

كاظم فنجان الحمامي

لا ريب أن المعنى اللغوي لكلمة (وقار) في المعاجم العربية يعني: الكياسة والرزانة والحلم. من قولهم: وقُرَ الشخص يَوقُره، وَقارًا ووقارةً. كان الرجل وَقُوراً: أي كان حليماً رزيناً مهيباً. جاء في الحديث: (إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ فامْشُوا إِلَى الصَّلاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ والوَقَارِ)، وقالوا: (عَيَّرَتْنِي بِالشَّيْبِ وَهْوَ وَقَارٌ)، فالوقار خصلة حميدة من خصال مكارم الأخلاق، تعبر عن الرقي في إظهار الاحترام. قال الله تعالى: ((لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ))، فالتوقير هو الإجلال والتفخيم والتبجيل والتعظيم والاحترام. وقال تعالى: ((مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا)). أي ما لكم لا تبالون لله عظمة، وأي عذر لكم بعد تخليكم عن الوقار في عباداتكم وممارساتكم اليومية ؟.
لقد تحدثنا بإسهاب في مقالات سابقة عن المغالاة في الطقوس العبادية، فتناولنا التطبير والتطيين والسير على الجمر، وطعن الصدور بالخناجر في حلقات الذكر والدروشة، حتى جاءت المناسبة التي ننتقد فيها الاغتسال ببول البعير، وشرب بول البعير، والتطبب ببول البعير، فهل من الوقار أن يغتسل المؤمن ببول البعير ؟، وهل من الحكمة أن نترك قول رسول الله (ص): (النظافة من الإيمان)، ونسعى لتطبيق حديث مشكوك فيه، فنجلس خلف قوائم الإبل بانتظار أن تصب بولها على رؤوسنا ؟. وكيف يكتمل التوقير والتعظيم عند الذين ماانفكوا يذودون بالدفاع عن جواز استعمال بول البعير ؟.
لقد كثر الحديث هذه الأيام عن أبوال النوق والإبل كعلاج لبعض الأمراض، وهو شيء في واقع الأمر يحيرني لسببين: فمن الناحية الدينية نعرف أن البول من النجاسات، فهو لو مسّ الثوب ينقض الوضوء ويستوجب تطهيره. ومن الناحية العلمية معروف أن البول من إفرازات المواد الضارة للجسم ، وبالتالي لا يجوز إرجاعه لأي جسم .
لقد ربط النبي صلى الله عليه وسلم الشفاء بموافقة الدواء للداء، فلكل دواء مقدار معين يعمل به، وينبغي ألا يزيد ولا ينقص، فتشخيص المرض ووصف الدواء هو من شأن أهل الاختصاص. ثم أن الله وهبنا ما لا يُعد ولا يُحصى من وسائل علاجية طبيعية ناجعة بأتم معاني الكلمة لو تعاملنا معها بطرق علمية حديثة، وبالتالي لست ادري لماذا ضاق الحال واتجهنا إلى أبوال الإبل ؟.
ليس في الكون كله كتاب أصح من القرآن، فهو المصدر المقدس الثابت. قال تعالى: ((فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون))، وقال جل شأنه: ((فبأي حديث بعده يؤمنون)). من هنا يتعين على كبار الفقهاء البت بالأحاديث التي أجازت التعامل مع بول الإبل باعتباره من الأحاديث التي تتعارض مع ما ورد في الحديث: (تنظفوا بكل ما استطعتم فإن الله بنى الإسلام على النظافة ولن يدخل الجنة إلا كل نظيف)، فليكن هاجس الحقيقة والمعرفة هو الدافع للنقد.
لم يكن الناقد في وضع حرج مثلما هو الحال اليوم. فقد تحول نقد الحديث اليوم إلى جرم وفتنة، وكل من تجرأ على نقد حديث من البخاري أو مسلم اعتبر من الزنادقة. وتلك مفارقة تاريخية ، فكيف استطاع السلف أن يتحلوا بالروح العلمية والنقدية، بينما الخلف اليوم أكثر دوغمائية وانغلاقا ؟. كان أحمد بن حجر العسقلاني من أشهر النقاد عند شرحه للبخاري في كتابه (هدي السّاري)، وهو مقدمة (فتح الباري شرح صحيح البخاري)، فأشار إلى وجود أخطاء كثيرة في أحاديث البخاري من حيث الأسانيد والمتون. ولسنا مغالين إذا قلنا أن نقد الحديث كان سنة عند الأولين، فالحافظ الدراقطني في كتابه (الإلزامات والتتبع)، انتقد أكثر من مائتين حديث بعلل معظمها غير قادح، وقد أجاب ابن حجر وغيره عن بعضها، واستصوبوا أغلبها. ثم أن كتب نقد الحديث كثيرة، فالشيخ الألباني قد ضعف بعضها في الصحيحين، وكان منطلقه النقدي العام سليمًا متسقاً مع مناهج المحدثين السابقين الذين سجلوا بعض الملاحظات على أحاديث الصحيحين، ولم يكن يوماً ساعياً نحو كسر هيبة الصحيحين من قلوب الناس، ولا مبالغًا في دعاوى الرد والتضعيف.
https://www.youtube.com/watch?v=NVaTMBwosOI