المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطر لغة الشات



د- صلاح الدين محمد ابوالرب
11/05/2007, 11:25 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بحمد الله اتيحت لي الفرصة هذا الاسبوع لاقدم محاضرة بعنوان اثر الاعلام باللغة عند الناشئة في مؤتمر اللغو والخطابة في الجامعة الاردنية -عمان
ومن الحديث كان هناك نقاش جيد حول تأثير لغة الشات في اللغة العربية التى رأيت فيها خطرا كبيرا يتلخص في استبدال الحرف العربي بالحرف اللاتيني ولها قوانينها واسليب مبتكرة لاستبدال الاحرف غير المنطوقة بالانجليزية لاعداد
وللنقاش المستفيض التى لقيته من الحاضرين ولاهمية الموضوع رايت ان اعود به لصحبة الفكر والكلمة من رفقة واتا بعد انقطاع ارغمنى عليه امور نقابية في نقابة الاطباء الاردنية تبعها الاستعداد لاكثر من مؤتمر
الموضوع بينكم ... والنقاش مفتوح
تحية

د- صلاح الدين محمد ابوالرب
14/05/2007, 07:27 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول بعض مروجي لغة الشات ان اللغة العربية قاصرة في التعبير عن كل مانريد
مارايكم..
تحية

د- صلاح الدين محمد ابوالرب
18/05/2007, 12:17 PM
في تركيا حيث اكبر الكنوز من الكتب العربية القديمة
لا نجد اي عناية تذكر بها لان اللغة هناك بالحرف اللاتيني الذي ابعد الناس عن الحرف العربي
وعن التراث وترك المجال للدسائس والتخريب
تحية

غالب ياسين
18/05/2007, 12:34 PM
اخي الفاضل د. صلاح الدين ابو الرب حفظه
فعلا موضوع مهم جدا سيدي الفاضل
تسجيل حضور ولي عوده ان شاء الله للمشاركة بفعاليه
:fl: :fl: :fl: :fl:

د- صلاح الدين محمد ابوالرب
18/05/2007, 12:54 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفاضل والعزيزالاخ غالب ياسين
فعلا الموضوع مهم ويحتاج للنظر والتمحيص انا بانتظار نقاشك ومن يرغب
تحية

غالب ياسين
19/05/2007, 09:18 AM
اللغة الجديدة.. أخطار ومتع

انتقلت من الشارع ودهاليز الإنترنت إلى الروايات


القاهرة: إيهاب الحضري

تحبها أم لا تحبها، هي لغة بدأت تطل برأسها من عالم الأدب، وتفرض نفسها على القراء. لغة تجمع بين التراكيب العامية، واختصارات جمل «الشات» الانترنتية، والألفاظ المنحوتة، والمصطلحات الأجنبية المعربة. لغة لا تستبعد العبارات المستخدمة من قبل الفئات المهمشة، او الحلقات الضيقة والطبقات السفلية. بمعنى آخر، صارت اللغة الأدبية مفتوحة أبوابها للوافد والجديد والهامشي، تحتضنه كما لو انها لم تفعل ذلك أبداً، من قبل...


بلغة صادمة تختلف مع السائد إلى درجة التباين، رسمت روايات عديدة صدرت في الآونة الأخيرة ملامح مختلفة لعالم يحيط بنا، قد نراه ونتجاهله، وربما يكون هناك من لا يشعر بوجوده أساسا. عالم اجتذب مبدعين عديدين عبر عقود مضت، لكنهم تناولوه بلغتهم ولم يحاولوا أن ينقلوه كما هو، انقاذا للقارئ من صدمة متوقعة، لكن اختلاف المفاهيم جعل الصدمة الناتجة عن غرابة الألفاظ، التي تصل أحيانا إلى درجة الفجاجة، هي التي تلفت الانتباه وتثير الإعجاب بعمل ما.

لم يقتصر الأمر على محاكاة لغة الفئات المهمشة التي عبر عنها حمدي أبو جليل في روايته «لصوص متقاعدون» قبل سنوات، ثم محمد الفخراني في روايته «فاصل للدهشة» قبل أسابيع، بل امتد إلى عالم الانترنت الذي دخلت لغته المختزلة ضمن سياق رواية «بمناسبة الحياة» لياسر عبد الحافظ، جنبا إلى جنب مع اللغة الخاصة بفئات مجتمعية متدنية أو متمردة. وقبل ذلك كان أحمد العايدي قد جمع في روايته «أن تكون عباس العبد» بين تلك المفردات المنحوتة ولغة الميكروباص والروشنة. على أن جرأة اللغة ساهمت فقط في إضفاء جاذبية على الأعمال التي مزجت بين المفردات وعالمها بشكل روائي. أما الروائيون الذين انشغلوا بالبعد التسجيلي الذي يستمد من الغرائبية اللغوية مادة للتفرد فلم تنل أعمالهم نفس الدرجة من الاحتفاء. إنها تجربة مغايرة، تحمل ملامح تميزها كأعمال مجددة، لكن الإغراق في تفاصيل سريعة التبدل يجعل بعض هذه الأعمال مهددا بخطر عدم الفهم بعد سنوات، فهل ستحتاج هذه الروايات، بعد سنوات قليلة، إلى مترجمين يتولون إعادة ترجمة بعد مقاطعها أو مفرداتها إلى العربية لكي تتمكن أجيال لاحقة من فهمها؟!!!

جمال الغيطاني: يكتبون ما نخشى التفكير فيه

* يرى الروائي جمال الغيطاني أننا في فترة تتكون خلالها مصطلحات جديدة، مستلهمة مما هو مستخدم في الشارع والميكروباص، لكنها لغة ذات طبيعة خاصة: «تتشكل بسرعة وتختفي بسرعة أيضا، والسبب أن الأنماط التقليدية للغة لم تعد كافية. هناك شباب يكتبون بلغة لم يكن أحدنا يملك حتى جرأة التفكير فيها، لكن الزمن أصبح له مفرداته التي ستتواجد، شئنا أم أبينا». لا يخلو الأمر من إيجابيات، حسبما يؤكد الغيطاني: «إنها مفردات تجعل الكاتب أكثر قدرة على التعبير عن الواقع». لكن الحديث عن السلبيات، يحتاج إلى إسهاب أكبر: «هناك خطر حقيقي في استخدام هذه اللغة، ورغم أن الفصحى أصبحت معزولة عن الواقع لدرجة أنني أواجه أحيانا صعوبات في فهم بعض المصطلحات المتداولة حاليا، إلا أن المشكلة تتمثل في أن لغة الشارع تتغير بسرعة كبيرة، مما سيجعل لغة هذه الروايات غير مفهومة بعد أعوام، وسيضطر أحمد العايدي مثلا، في روايته «أن تكون عباس العبد» لعمل هوامش، كي تظل تعبيراته مفهومة بعد أن تحل محلها مصطلحات أخرى، فالعامية تتغير بسرعة كبيرة».

هل هو اتجاه يثبت أسس وجوده أم أنها مجرد محاولات فردية؟ سؤال يرد عليه جمال الغيطاني بقوله: «كل ما أستطيع أن أقوله حتى الآن إنني معجب بالمغامرة وأشجع عليها، يمكن أن تتنامى لتسفر عن شيء له قيمة، وقد تختفي كالفقاعة، الذي سيحسم ذلك هو تقبل القارئ، والحركة النقدية، ولا بد أن يمضي الاثنان معا لأن هناك كتبا (غير روائية) حققت اعلى مبيعات دون أن يعني ذلك أنها تحتوي مضمونا ادبيا راقيا. الذي يحدد جودة المضمون هو النقد، ولسوء الحظ لا يوجد لدينا نقد. فهناك ناقدان أو ثلاثة أو أكثر قليلا لكن عدد النقاد عموما غير كاف لصناعة حركة نقدية». لكن جمال الغيطاني لا ينفي أن أصحاب هذا الاتجاه أصبحوا يمثلون تيارا تدعمه شبكة الانترنت في أحوال كثيرة، ويضيف: «نحن نخدع أنفسنا عندما نصادر عملا ما، هناك منطقة غير خاضعة لأي رقابة هي الإنترنت. وأحمد العايدي، مثلا، قادم من هذه المنطقة تحديدا. على الانترنت أدب لا يتعامل معه أحد، لمجرد أنه ليس مكتوبا على ورق. في المدونات تجد كتابة مختلفة لكن أحدا لا يهتم بها». قبل أسابيع تحفظ جمال الغيطاني في افتتاحية «أخبار الأدب» على استخدام إحدى القنوات الخاصة للعامية، بصورة مبالغ فيها، لدرجة أنها وصلت إلى نشرات الأخبار. والاتجاه الذي نتحدث عنه يدعم مصطلحات ومفردات غير فصيحة، وربما تكون عامية غير عادية أيضا. إنها تنحت مصطلحات مغايرة، ألا يمثل ذلك خطرا على اللغة بدوره؟ سؤال يريد عليه قائلا: «انها ظاهرة خطيرة بالفعل، لكن المشكلة أكبر مما يفعله الأدب باللغة، لأن تأثيره يظل محدودا. المشكلة تتمثل في استخدام اللغة كقيمة اجتماعية يترتب عليها وضع اجتماعي معين. فخريج المدارس الأجنبية صار صاحب فرصة أوسع في العمل، لأن اللغة الأجنبية أصبحت أكثر دعما للإنسان في مجتمعه العربي، وظهرت طبقة جديدة جذورها غير مرتبطة بالواقع. ومعظمنا يذكر الخبر الذي نشرته الصحف عن الزوجة التي طلبت الخلع لأن زوجها يتحدث العربية في المنزل. هذه هي الخطورة الحقيقية على اللغة العربية، لا ما يفعله الأدباء، وهذه المشكلة ستبلغ ذروتها خلال عشرين عاما إذا لم ننتبه إليها. سيظهر جيل يقرأ القرآن بدون أن يعرف معناه وسيحتاج إلى ترجمة معانيه مثله في ذلك مثل مسلمي تركيا. ليست المشكلة الحقيقية في اللغة الجديدة التي يكتب بها الشباب، لكن مشكلات اللغة العربية أكبر من ذلك، وإذا كانت ثمة سلبيات في هذا الأسلوب الكتابي فهي سلبيات تعود في الأساس على الكتاب الذين سيفاجأون بعد أعوام بأن اللغة المستخدمة ليست مفهومة وهو ما يهدد كتاباتهم. فهذه اللغة تتبدل بسرعة لكنها أيضا تجربة مهمة تحتاج التركيز عليها».

إبراهيم عبد المجيد: لغة جديدة أم لغات؟

* التجربة لفتت الانتباه إذن، لكن هل هي تجارب متنوعة تندرج تحت رؤية عامة ؟ أم أنها تجارب متناثرة لكل منها اسسها المغايرة وليس هناك رابط بينها إلا الصدفة التي جعلت توقيت ظهورها متقاربا؟ هل نحن بالفعل أمام لغة جديدة أم أمام جيل يستخدم مفردات سبقه الشارع في نحتها وكذلك الوسائط الحديثة؟ طوفان من الأسئلة يواجهه الروائي إبراهيم عبد المجيد بجملة حاسمة في البداية: «لدي تحفظ على مصطلح اللغة الجديدة، لأنه يوحي بنشأة تيار بينما الحقيقة أنه لا يوجد تيار يمكن أن يحتكر هذا المصطلح حتى الآن»، يبدأ عبد المجيد بعد هذا الحكم القاطع إصدار حيثياته، فيقول: «ليس هناك تيار سائد يكرس للغة بعينها، فهناك كتاب جدد ولكل منهم أسلوبه، لغة العايدي مثلا ليست هي نفسها لغة محمد الفخراني أو صفاء النجار وهم متقاربون في العمر. أصبح العالم الآن متداخلا مع وسائط أكثر حداثة، وصارت الميديا تشكل جانبا كبيرا من تعامل الناس العاديين. ومن الطبيعي أن يظهر كتاب صغار السن من وسط هؤلاء فيكتبون باللغة المتداولة بينهم. هذا ليس معناه ان لغة أدبية جديدة تتشكل لكنه يكون نتاج هذه التكوينة، من هنا أقول إنها ليست تيارا لأنها ليست سمة لكل أبناء الجيل كما أنها لم تطغ على التيارات الموجودة بالفعل». ويرى إبراهيم عبد المجيد أن من يكتبون بهذه اللغة كتاب أتوا من فئات ثقافية مختلفة، وأعمار متباينة لكنهم: «ليسوا كثيرين، غير أنني أتوقع أن يتكاثر عددهم، اللغة عندهم في معظمها لغة ميديا، عندما تدخل غرف الشات في الإنترنت تفاجأ بلغة مختلفة، من يتعامل معه باستمرار سيتأثر بهذه اللغة ويكتبها تماما مثل من يحب التراث فيكتب بلغته القوية، وهناك من تكون ثقافته اجنبية فيكتب بطريقة ثالثة. إذن من يتعامل عبر الإنترنت ويزور «المولات» باستمرار سيستعمل لغة مختلفة وهذا طبيعي، واعتقد ان لغتهم ليس بها افتراء على اللغة العادية، لكنها تمنحها جماليات اخرى، لذلك انا لست ضدها». هل يتعامل عبد المجيد مع الأعمال التي تستخدم في انساقها هذه المفردات من باب الفضول؟ وهل يمكن لكاتب من جيل مختلف أن يتفاعل معها، أم أنه سيشعر بالغربة وسط متغيرات لغوية تعبر عن اخرى اجتماعية قد لا يكون معايشا لها؟ سؤال يرد عليه عبد المجيد مؤكدا أنه شعر بالتفاعل مع معظم الروايات التي تنتمي لهذه النوعية: «لا أكمل كتابا إلا إذا احببته وقد اكملت الكثير منها، انها اعمال مختلفة عن جيلي والجيل السابق»، وماذا عن الإحساس بالدهشة؟ عبد المجيد لا يشعر بالدهشة : «لا أصاب بالدهشة لأني منفتح على اللغة، لهذا لا تدهشني اللغة غالبا اما الذي يصيبني بالدهشة عادة فهو المضمون. اللغة أمر عليها باعتبارها انتاجا معاصرا». انفتاح عبد المجيد على اللغة يجعله يرى أن اللعب عليها إبداعيا أمر مهم، ويوضح: «النحت على مستوى المفردات والصور مهم، كما أن جماليات اللغة التي تتمثل في جانب منها بالصياغة النحوية ليست مقدسة فيما يتعلق بالتقديم والتأخير مثلا، وفي رواياتي أكسر الترتيب اللغوي العادي، غير أن هذا لا يعني التلاعب في القواعد ونصب الفاعل ورفع المفعول به».

محمود عكاشة: الأدب يحتضن المتغيرات

* الدكتور محمود عكاشة، مدرس علم اللغة بجامعة الإسكندرية، لا يعترض على ما يحدث، رغم ان تحفظات اللغويين عادة ما تظهر في مثل هذه الظروف، لكن الضرورة هي التي تؤدي إلى ذلك: «هناك بعض أصوات الخطاب اليومي لا يمكن التعبير عنها بالفصحى، كما أن هناك ألفاظا حديثة لا يوجد لها مقابل عربي، فحدثت لها عملية تطويع واصبحت في بعض الأحوال تخضع لقواعد اللغة العربية في تصريفها، مثل «موبايل» و«سينما» و«كومبيوتر» وكل ما يتعلق به من الفاظ وأفعال تم استحداثها، ومن الصعب أن نمنع استخدامها على مستوى التعامل اليومي وكذلك على مستوى الأدب». ويرى عكاشة أن منع لفظ ما أو مجموعة تركيبات من الاستعمال لن يكون ممكنا، ويشير الى أن التعامل الأمثل هو احتواء هذه المفردات والتركيبات اللغوية في النص الأدبي، لأن هذا يثري اللغة.

ويوضح أن القرآن استوعب الألفاظ الأعجمية وتعامل معها وفق قواعد اللغة العربية، ويضيف: «أنا مع التجديد دون ابتذال، فلا يجب أن تؤدي هذه الحالة إلى انحدار أدبي، على المستوى اللغوي. انا احترم تعامل نجيب محفوظ مع اللغة، لقد قدم نموذجا لكيفية احتواء العمل الأدبي للغة المحيطة دون ان يهبط إليها». ويرى عكاشة ان الكتاب أنفسهم يجب أن ينتبهوا لذلك لأن سرعة تغير هذه المفردات ونحت تراكيب جديدة تجعل كتاباتهم مهددة بخطر عدم الفهم: «الجبرتي مثلا كان يكتب ألفاظا بالعامية الدارجة التي سادت في عهد محمد علي، الآن حاول قراءتها، لن تفهم الكثير منها لأنها كانت تعبر عن الحياة اليومية وقتها. يحدث هذا رغم أن المسافة الزمنية لم تتجاوز مائتي عام، وهو ما يعني أن الجاذبية التي تجعل عددا من الكتاب يقبل على هذه المفردات ستتلاشى بعد فترة وتبقى اللغة في حاجة لمن يترجمها لقراء مستقبليين».

غالب ياسين
19/05/2007, 09:23 AM
http://www.jouhina.com/__print.php?filename=20070310203058123

غالب ياسين
19/05/2007, 09:30 AM
من مؤتمر الوسائط الحديثة والأدب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأدب العربي في عصر الإنترنت

بقلم: أحمد فضل شبلول

ليس هناك شك في أن شعبية شبكة الإنترنت تزداد يوما بعد يوم، بعد أن كانت مقصورة في بداية عهدها (في عام 1969) على الأغراض العسكرية، وخاصة أثناء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وما أن تفتت الاتحاد السوفيتي وانهار، وانتفى ـ أو قلَّ ـ الغرض العسكري لهذه الشبكة، إلا وسارع الجميع من أجل استغلالها في الأغراض المدنية كافة، فأصبح للشبكة، ومن يتعامل معها، وجودٌ كونيٌّ افتراضي، وأصبح الواقع الذي تمثله، واقعا افتراضيا، يأتي موازيا تماما للواقع الطبيعي الذي نحياه فعلا، وكل هذا يتم دون استخدام الورق والأحبار والأقلام وما إلى ذلك، الأمر الذي ينتفي معه تماما وجود الكتاب الورقي (التقليدي) أثناء حديثنا عن هذا الواقع الافتراضي، الذي يرفع شعار "عالم بلا ورق"، بل ظهر ما يسمى بالإنسان الافتراضي، وهو الإنسان الذي يتعامل مع هذا الواقع الافتراضي، وهو جالس في بيته أمام جهازه الإلكتروني، منفتح على العالم الافتراضي من خلال شبكة الإنترنت، هذا العالم الذي يمنحه شكلا أقرب ما يكون إلى شكل الأيقونة الصغيرة، التي تظهر على شاشة سطح المكتب. وهو بهذا الشكل يتخفَّى تماما ولا تظهر إلا أفكاره ومعتقداته ومواهبه ولغته الحاملة لتلك الأفكار والمعتقدات والمواهب، وربما تنحرف اللغة عن طبيعتها في هذا الواقع الافتراضي، وتنشأ لغة جديدة تناسب هذا الواقع الذي يفرز لغة خاصة به ـ في بعض الأحيان ـ هي أقرب إلى لغة الاختزال، وهو ما بدأ يتشكل بالفعل من خلال لغة الشات أو المحادثة والحوار داخل الغرف الإلكترونية (من خلال الماسنجر).
هذا الواقع الافتراضي بدأ يُنتج أدبه، وبدأ يُنتج ثقافته البعيدة كل البعد عن المنتجات الورقية من كتب ومعاجم وموسوعات وصحف ومجلات.. الخ، حيث صار كل شيء رقميا، فهناك الأدب الرقمي، وهناك الثقافة الرقمية، وتحولت الكتب لأن تصبح كتبا إلكترونية أو كتبا رقمية (مثل e – book ) وبدأت المعاجم والموسوعات تتحول هي الأخرى لكي تصبح إلكترونية، وانتشرت مقولة بيل جيتس "إن كل تراث لن تتم رقمنته سيصبح تراثا منسيا".
ومن هنا أخذ المثقفون أو الأدباء الرقميون، يسارعون في تحويل أعمالهم السابقة إلى أعمال رقمية تنشر في مواقعهم، أو مواقع الغير، على الشبكة الدولية، وفي الوقت نفسه يحاولون نشر أعمال قدمائهم من خلال وسيط رقمي، وسأضرب مثالا بالموسوعة الشعرية الرقمية، التي أصدرها المجمع الثقافي بأبوظبي والتي تحتوي في آخر إصدار لها على أكثر من مليونين وأربعمائة ألف بيت شعر، وتهدف إلى جمع كل ما قيل من الشعر العربي منذ ما قبل الإسلام وحتى العصر الحديث، وقد ضمت هذه الموسوعة التي جاءت في أسطوانة مدمجة واحدة، دواوين 2300 شاعر عربي، بالإضافة إلى 265 مرجعا أدبيا تضمها زاوية المكتبة، فضلا عن زاوية المعاجم التي تحوي عشرة معاجم لغوية، تعد أهم معاجم اللغة العربية. مع ملاحظة أن هذه الأسطوانة تباع في مصر بعشرة جنيهات مصرية فقط (أي أقل من دولارين) وأن لها موقعا على شبكة الإنترنت، من الممكن إنزال الموسوعة منه بالمجان.
ولنا أن نتخيل لو أن المجمع الثقافي بأبوظبي لجأ إلى الطباعة الورقية لمثل هذه الموسوعة، ماذا سيكون حال المتعاملين معها، أو حال مستخدميها. لن أتحدث عن المكان الذي ستشغله أجزاء الموسوعة على الأرفف الخشبية أو المعدنية، ولن أتحدث عن سعر هذه المجلدات، وإنما سأتحدث عن الخدمة البحثية التي يسعى إليها الباحث في حالة طلب معلومة معينة عن شاعر أو عصر أو بيت شعري، كم سينفق من الوقت في حالة البحث ورقيا، وكم سينفق من الوقت في حالة البحث رقميا؟ ثم نقارن بين تدوين المعلومة بعد العثور عليها. في الحالة الأولى يلجأ الباحث إلى تدوين المعلومة بخط يده في أوراقه، وفي الحالة الثانية يلجأ إلى عمليتي النسخ واللصق في المكان المحدد من بحثه، دون أدنى تكلفة في الوقت والجهد. ثم أنه من الممكن أن يخطئ الباحث وهو ينقل المعلومة من مكانها بالمجلد، إلى مكانها في بحثه، أما في حالة النسخ واللصق فنسبة حدوث الخطأ قليلة جدا، إن لم تكن صفرا، فضلا عن إمكانية سماع القصيدة ملقاة بصوت أحد الشعراء أو الفنانين، وهو الشيء المستحيل حدوثه في حالة الطباعة الورقية.
ونتيجة لكل الإنجازات الرقمية التي تحققت في السنوات القليلة السابقة، فكَّر مجموعة من الأدباء والكتَّاب العرب المتعاملين مع شبكة الإنترنت، وأصبحت جزءا من إيقاع حياتهم اليومية، في تكوين اتحاد كتَّاب الإنترنت العرب، وقطعوا شوطا بعيدا في هذا المجال، وأصدروا بيانهم التأسيسي الذي جاء فيه:
)إننا نعيش الآن في لحظة تحول كبرى، ولحظات التحول هي لحظات ارتباك وحيرة وضبابية، وأصحاب الرؤى وحدهم هم القادرون على الإبصار، وتلمس الدرب فيها، ذلك أننا وجدنا أنفسنا ـ نحن العرب ـ فجأة في ظل ثورة أخرى لم نستعد لها كأمة، وداهمتنا كمد كاسح بحيث غدونا متلقين لا مشاركين فيها، وهذه الثورة هي الثورة الرقمية التي أخذت تجتاح كل جوانب الحياة من حولنا ونحن لا نشعر، فلقد ولد العصر الرقمي، وتغير المجتمع والناس من حولنا، وتغيّر شكل الحياة تبعا لذلك، وتغيّرت المفاهيم والقيم، أو هي في طريقها للتغيّر السريع .. وظهر إلى الوجود مفهوم الحياة الرقمية، والمجتمع الرقمي، والواقع التّخيلي والإنسان الافتراضي.
لقد زُلزلت ـ إثر هذه الثورة الكاسحة ـ سلسلة المفاهيم والقيم الراسخة والمتوارثة على مدى الأجيال، وظهر للوجود نظام قيمي جديد، ومفاهيم أخرى مختلفة للحياة والواقع الذي ما عاد واقعا مستقرا وثابتا كما كان، بل أصبح واقعا افتراضيا تحول فيه الخيال إلى واقع، والواقع صار كما الخيال، وحتى الخيال نفسه انتفى من كينونته الحلمية، فصار معرفة لا يحدها شيء سوى قدرات العقل البشري اللامحدودة.. فأين نحن من ذلك كله؟
إذا انتظرنا.. فإن العالم لن ينتظر، والقطار يسير بسرعة الضوء محيدا المسافة التي أصبحت نهاية تقترب من الصفر مثبتا الزمن وعابرا له في ذات اللحظة.
إننا نشعر أن المسئولية الكبرى تقع الآن على عاتق المثقفين العرب أينما كانوا، فهم طليعة هذه الأمة، وضميرها الحي، لطرح رؤى وأطر جديدة ومغايرة، تتواءم مع تسارع الحياة الرقمية الجديدة والمجتمع الرقمي والواقع الافتراضي الجديد.
وقد لاحظنا أن هناك العديد من الجهود الفردية المتناثرة هنا وهناك من قبل مثقفين وكتاب عرب متحمسين للحاق بركب هذه الثورة، والمشاركة الفعالة فيها، وفي صنع المستقبل وكسر الحدود الجغرافية المصطنعة بيننا في الوطن العربي، وبيننا جميعا والعالم، خصوصا وأن المسافة غدت نهاية تقترب من الصفر، فارتأينا أن هذه الجهود الفردية المتميزة بحق، وحتى تكون أكثر فعالية وتأثيرًا، لا بد لها من ناظم يجمعها ويوحدها ويدافع عنها ويحمل رسالتها للعالم كله.
لهذا .. ومن هذه المنطلقات جميعها ارتأينا نحن ـ مجموعة من المثقفين والكتاب والإعلاميين العرب ـ تأسيس هيئة ثقافية عربية رقمية تسمى "اتحاد كتاب الإنترنت العرب"، ونحن ومن خلال تأسيسنا لهذا الاتحاد نضع صوب أعيننا العمل الجاد لتحقيق الأهداف التالية:
ـ نشر الوعي بالثقافة الرقمية في أوساط المثقفين والكتاب والإعلاميين العرب، وكذلك نشر الوعي بالثقافة الرقمية بين أوساط الشعب العربي.
ـ يسعى الاتحاد جاهدا لتحقيق قفزات نوعية في وعي الشعب العربي عموما للالتحاق بركب الثورة الرقمية التي تجتاح العالم.
ـ المساهمة الفعالة في نشر الثقافة والإبداع الأدبي العربي، من خلال استخدام وسائل العصر الرقمي، بما فيها شبكة الإنترنت.
ـ توحيد الجهود الفردية للمثقفين العرب عموما وأعضاء الاتحاد خصوصا لنشر وترسيخ مفهوم الثقافة الإلكترونية، والدخول بقوة فاعلة ومؤثرة عالميا للعصر الرقمي.
ـ رعاية المبدعين والموهوبين العرب، وتنمية قدراتهم والعمل على إبرازها ونشرها رقميا.
ـ السعي الحثيث لإدخال الثقافة والإبداع العربي بأصنافه كافة، ضمن سيل المعلومات المتدفق السريع.
ـ ترسيخ مفهوم أدب الواقعية الرقمية، بصفته الأكثر قدرة على الاتساق مع روح العصر.
ـ إنشاء دار نشر إلكترونية تسهم في نشر الإبداع الأدبي العربي بكافة أشكاله.
ـ التواصل الفعَّال والمؤثر مع سيل المعلومات المتدفق من خلال التواصل مع المثقفين من أرجاء العالم كافة، وإنشاء صيغ للتبادل الثقافي معهم باستخدام شبكة الإنترنت.
ـ العمل على إيجاد مكتبة إلكترونية عربية شاملة تحتوي على الإنتاج الثقافي العربي ونشره إلكترونيا.
ـ الدفاع عن حقوق الملكية الفكرية للكتاب الذين يمارسون كتاباتهم رقميا وعلى شبكة الإنترنت.(.
***
وهناك أربعة محاور من الممكن الحديث عنها تحت عنوان هذه المشاركة "الأدب العربي في عصر الإنترنت":
الأول: المواقع التي تنشر الأدب العربي ـ نشرا إلكترونيا ـ على شبكة الإنترنت.
الثاني: الإنترنت كموضوع من موضوعات الأدب العربي الحديث.
الثالث: تقنيات شبكة الإنترنت كوسيلة للنشر الأدبي الإلكتروني .
الرابع: الناقد الأدبي الإلكتروني (وهو مشروع مقدم لأصدقائنا من المبرمجين العرب).

أولا: المواقع التي تنشر الأدب العربي على شبكة الإنترنت
مع استمرارية ثورة الاتصالات التي يشهدها العالم حاليا، وتأسيس ملايين المواقع باللغة العربية على شبكة الإنترنت، وازدياد شعبية الشبكة في السنوات الأخيرة، لجأ الكثير من الأدباء والناشرين العرب إلى تأسيس مواقع أدبية وثقافية وإخبارية على الشبكة، بل تحول بعض الناشرين العرب التقليديين إلى ناشرين إلكترونيين، أو هم في سبيلهم إلى ذلك.
ومن أكثر المواقع تعاملا مع إنتاج الأدباء العرب، نذكر: أراب وورلد بوكس (منتدى الكتاب العربي) الذي تشرف عليه الكاتبة المصرية أماني أحمد أمين، وناشري الذي تشرف عليه الكاتبة الكويتية حياة الياقوت، وجهات (جهة الشعر) الذي يشرف عليه الشاعر البحريني قاسم حداد، وأنهار الذي يشرف عليه الشاعر الكويتي فيحان الصواع، وأصوات معاصرة الذي يشرف عليه الشاعر المصري د. حسين علي محمد، وموسوعة الشعر العربي التي يشرف عليها الشاعر د. علي محيلبة، وأدب الأطفال الذي يشرف عليه الكاتب الفلسطيني رافع يحيى، والموسوعة الشعرية التابعة لموقع المجمع الثقافي بأبو ظبي، فضلا عن مواقع اتحادات الكتاب العربية، وأهمها موقع اتحاد الكتاب العرب بسوريا، وموقع أرابك ستوري (القصة العربية) الذي يشرف عليه جبر المليحان، وموقع ألف قصة، وموقع مرايا بالإمارات، وغيرها، فضلا عن المواقع الشخصية للأدباء أنفسهم، الذين يستضيفون فيها أصدقاءهم ومحبيهم من الأدباء والشعراء، مثل موقع دندنة للشاعر والناقد علاء الدين رمضان، وموقع الشاعر بهاء الدين رمضان، وموقع "أوتاد" للشاعر الإماراتي إبراهيم محمد إبراهيم، وغيرها، وهي مواقع متخصصة في نشر الأدب (شعرا وقصة ومقالا ودراسة وبحثا .. الخ) غير أن مثل هذه المواقع الشخصية، عادة ما تعتمد على شخص مؤسسها وجهده، فإذا أصيب بمكروه ـ لا قدر الله ـ أو توفي، فلن تقوم للموقع قائمة بعد ذلك، وهذا ما حدث ـ على سبيل المثال ـ مع موقع الأروقة للشاعر والكاتب العراقي علاء عبد المحسن، الذي كان يقيم في المغرب، وكان موقعه ممتازا بالفعل، ولكن عندما توفاه الله، لم يكمل أحد ما بدأه علاء. وأهمل ابنه ـ الذي رحل إلى فرنسا ـ ذلك الموقع، وأسس لنفسه موقعا آخر، وذاب في الفضاء الإلكتروني، أو تلاشى من الوجود الرقمي ذلك الموقع المهم.
هناك أيضا مواقع ومجلات إلكترونية، يشكل الأدب والثقافة جزءا كبيرا من اهتماماتها، مثل: أمواج سكندرية (الموقع الثقافي لمدينة الإسكندرية) التي يشرف عليها الكاتب الصحفي حسام عبد القادر والقاص منير عتيبة، وميدل إيست أونلاين الذي يشرف عليه د. هيثم الزبيدي، والمشرق والمغرب العربي، وهذه مجرد أمثلة فحسب، وغيرها الكثير والكثير.

ثانيا: الإنترنت كموضوع من موضوعات الأدب العربي

وفية خيري وليل الإنترنت
دخلتْ شبكة الإنترنت فضاء القصة العربية القصيرة، وأصبحت إحدى مفرداتها، بل شكلت عالما قائما بذاته يتحكم في إيقاع الحياة الخاصة لشخوص القصة. وبعد أن رأينا في هذه الشبكة منطلقا جديدا لأدب الرحلات الإلكترونية (يراجع كتاب "رحلات سندباد الإنترنت" لعبد الحميد بسيوني، على سبيل المثال) نجد الكاتبة المصرية وفية خيري في قصتها القصيرة "والليل .. إذا جاء .." المنشورة في جريدة الأهرام (الجمعة 16/1/2004) تستفيد من هذه التقنية الجديدة في نسج حياة بطلة قصتها التي تعرفت على جهاز الكمبيوتر وعالمه من ابنها الذي أهداه والده جهازا بمناسبة نجاحه في الإعدادية. وبدوره يفاجأ الابن والدته بسؤاله عما تفعل أمام جهاز الكمبيوتر في ساعة متأخرة من الليل؟.
ونعرف من خلال تقدُّم السرد أن الأم مُطلقة، وأنها تعاني من الوحدة والاكتئاب، فتلجأ إلى تناول المهدئات، وقد وجدت في الكمبيوتر والإنترنت وغرف الدردشة والبريد الإلكتروني والمواقع المختلفة، تسليتها الكبيرة التي تقضي على أوقات فراغها ووحدتها، واكتئابها، وخاصة حين يكون وحيدها خارج المنزل.
تقول الأم لابنها: "أنت لا تعرف يا بني مدى عذابي ووحشتي إذا جاء الليل واضطررت إلى دخول الفراش، حينئذ آخذ في التقلب يمينا ويسارا وأنا أستجدي النوم فيمتنع عليَّ ويجافيني، وأظل مفتحة العينين، أحدق في سقف الحجرة المظلمة، وقد سكن كل شيء حولي بعد أن أغلقت حجرتك عليك لتنام".
ومن ثم تلجأ إلى تلك العوالم الجديدة التي بالفعل تنقذها من وحدتها واكتئابها، ونعرف أنها امرأة جامعية مثقفة، ولكنها لا تعمل، بسبب شروط زوجها، الذي في النهاية تركها ليتزوج من أخرى.
كل هذا كان حافزا لتحلِّقَ الأم في عوالم الإنترنت، وتجدها بديلا فاعلا عن حياتها الشقية، وعن روتين العمل في البيت، والاهتمام بالابن، وتحاول أن تجد حياة أخرى افتراضية، عبر الصداقات التي اكتشفت من خلالها كنوزا من التواصل مع الآخرين، في مختلف بلدان العالم، لقد انفتح العالم أمام الأم، بعد أن كان مجرد شقة صغيرة لا تخرج منها إلا فيما ندر، ترعى فيها حياة وحيدها، وعندما يخرج لمدرسته أو لمقابلة أصدقائه أو المبيت عند والده، تصبح شقتها وغرفتها جحيما بالنسبة لها.
ومن خلال السرد تتعرض الكاتبة إلى تقنيات الجهاز وبعض مفردات التعامل مع الشبكة، مثل الضغط على مفتاح يقطع الاتصال بالشخص الذي يسيء استخدام الصداقة، فيستبعد من قائمة الأصدقاء، وما إلى ذلك.
ومن خلال غرف الدردشة، والبريد الإلكتروني، يعرف الأصدقاء الإنترنتيون أحوال الأم، بل إنها ترسل صورتها ومعلومات كثيرة عن نفسها، بما فيها عنوانها، فتنهال عليها عروض الزواج من أماكن شتى في العالم، فهذا مصري هاجر إلى أستراليا وماتت زوجته ويملك مزرعة هائلة وله ابن، ويرغب في الزواج منها ويعيش الابنان معا. وهذا أستاذ جامعة فلسطيني يعيش في الأرض المحتلة، غير متزوج، ويطلب زوجة تتحمل معه حياة الكفاح والصمود والمقاومة. وهذا شاب أردني متزوج يحب مصر، ويرغب في الزواج منها على أن يقضي معها ستة أشهر في مصر، وستة أشهر مع زوجته الأخرى في الأردن .. وهكذا.
غير أن أهم ما تقابله الأم على الشبكة شابا من الأرجنتين يدرس الدكتوراه عن تاريخ مصر الحديث، ويرغب في مساعدتها لإنجاز دراسته، فتكتب له أسماء الكتب التي من الممكن أن يرجع إليها، وتنشأ صداقة علمية بينهما، فتلخص له وتترجم، وتشعر أنها تقدم خدمة كبيرة لإنسان في حاجة إليها، ويتحقق التواصل والمؤانسة مع الآخرين، عبر الشبكة.
هكذا تنقلب حياة الأم رأسا على عقب، وتتحول حياتها إلى أحلام جديدة، وآمال وردية، فتسرح في الخيال، وتجوب العالم وهي جالسة أمام الكمبيوتر، وتصبح الإنترنت ضرورة يومية لها، لا تستطيع الاستغناء عنها، في ظل الظروف المعيشية أو النفسية التي تواجهها في وحدتها وعزلتها.
ونفاجأ في نهاية القصة، بشخص من أصدقاء غرف الدردشة يدق جرس الباب، فيفتح صغيرها، ويجيبه بأنه أخطأ العنوان. وعندما علمت الأم بذلك تمنت ألا يكون هذا الشخص هو زميلها في غرفة الدردشة من الأرجنتين، فهي تدين له بالكثير، فقد غيَّر اتجاهها ونقلها من حال إلى حال. ولكنها تذكرت أنها لم تعط له عنوانها.
ومن خلال إجابة الابن، نستطيع أن نكتشف عدم رضاه عن سلوك أمه على الشبكة، والترويج لزواجها بهذه الطريقة الإلكترونية، إنه من الجيل الأحدث، جيل الكمبيوتر والإنترنت، ومع ذلك يرفض بعض نتائج أو بعض معطيات أو بعض آثار الشبكة التي طالت أمه، فقد أعطت عنوانها إلى أصدقاء غرف الدردشة، وها هم يبدأون في الوفود إلى المنزل، فكانت إجابته الحاسمة على أولهم. وتحمد الأمُّ اللهَ على أن ابنها أنقذها من ورطة كانت ستقع فيها.
القصة جديدة في موضوعها، وتتفاعل مع عوالم التقنية الجديدة التي اقتحمت حياتنا وبدأت تؤثر فيها، واستطاعت الكاتبة وفية خيري، أن تستفيد من تلك العوالم، وتوظفها توظيفا فنيا من خلال قصتها القصيرة ذات البناء التقليدي، الذي لم تغامر فيه أو به، على الرغم من مغامرات بطلتها على الشبكة.
ندى الدانا وأحاديث الإنترنت
أما الكاتبة السورية ندى الدانا فقد استطاعت أن تجسد عبر أقاصيصها الأربع المنشورة تحت عنوان "أحاديث الإنترنت" بموقع آراب وورلد بوكس ((www.arabworldbooks، ألاعيب الشباب في مجال العاطفة على شبكة الإنترنت، وكيف يتخذون منها مجالا للتسلية والترفيه والسخرية من بعضهم البعض.
لقد اقتحمت الكاتبة عالم الشباب الجديد، وعرفت كيف يفكر معظمهم، وما هي اهتماماتهم سواء البنات أو الأولاد، فلم يعد هناك فروق حاسمة في هذا الموضوع، فالكل قابل للخديعة، والكذب، ما دمنا لا نرى بعضنَا وجها لوجه. وبما إننا وراء الشبكة قادرين على إخفاء أنفسنا، وأسمائنا، ولون عيوننا، ومظهرنا الخارجي، وربما الداخلي، فكل شيء مباح. الحب مباح، الكره مباح، الجنس مباح، النصب مباح .. كل شيء .. كل شيء. وأخشى أن يظهر من يدَّعى على الشبكة أنه الله، أو أحد رسله، ما المانع، والأمور هكذا؟.
لقد جلبت إلينا شبكة الإنترنت، عوالم مثيرة وجديدة وجادة، وأيضا تافهة وسطحية، تماما مثلما هي الحياة، ما كان المرء يستطيع أن يفكر فيها من قبل. وهذه الأمور كانت في حاجة إلى من يعيد صياغتها في صورة فنية مثل: القصة، أو الرواية، أو المسرحية، أو القصيدة، أو أي شكل فني آخر. ولقد قرأنا من قبل كتاب "رحلات سندباد الإنترنت" لعبد الحميد بسيوني، وقصة "والليل إذا جاء" لوفية خيري، وها هي الكاتبة العربية ندى الدانا، من خلال قصص قصيرة جدا تضع يديها أيضا على ذلك العالم المثير التافه، الذي يتلاعب فيه الفتي بشعور الفتاة، أو الفتاة بشعور الفتى، فالكل يتسلى، ولا مجال للأحاسيس والمشاعر الحقيقية، أو المشاعر الراقية، في عالم السيبر سبيس، أو عالم الفضاء التخيلي.
في الأقصوصة الأولى "ثلاثة آلاف" تكتب إحدى الفتيات في أحد مواقع الحوار على الشبكة رقم ثلاثة آلاف، قرب اسمها، ويتساءل الكثيرون من التافهين عن سر هذا الرقم، وتتلاعب الفتاة بهؤلاء التافهين، وفي كل مرة تقدم تفسيرا لهذا الرقم، فمرة ثلاثة آلاف معجب، وأخرى ثلاثة آلاف ليرة، ومرة يعني هذا الرقم ما حطمته من قلوب الرجال، ومرة تجيب بأنها تقصد من وراء الرقم، إرسال ثلاثة آلاف تحية. وهكذا إلى أن قالت مرة الحقيقة، فهي تعني الألفية الثالثة.
بهذه الأقصوصة نكتشف تفاهة الأفكار التي يبحث عنها معظم المتجولين عبر الشبكة، وخاصة عندما يجدون فتاة تتجاوب معهم.
في الأقصوصة الثانية نكتشف لعبة الحب الخاسئة، فمن خلال المراسلة أو الدردشة عبر الشبكة، قالت له: يا حبيبي، فظن أنها تحبه، واكتشف أنها تقول ذلك لكل من يراسلها ويدردش معها في الغرف الإلكترونية، ولما اكتشف الخديعة، خاف أن تكرهه وترفض الزواج منه، فتقدم لها كي يتزوجها بالفعل، فرفضته قائلة: لا أريد الزواج الآن، يجب أن أُنهي دراستي في الجامعة، أنا ألعب لعبة الحب عبر الإنترنت. هكذا تكون ممارسة الحب والتسلية عبر الشبكة، ويكون الاعتراف بذلك، دون أي خجل أو حتى مواربة.
في الأقصوصة الثالثة يتواعد الشاب مع الفتاة على اللقاء، بعد أن تراسلا وتحدثا على الشبكة، ويفاجئ الشاب أن فتاته رانيا، ليست فتاة، ولكنها شاب مثله، خُدع من قبل الخدعة نفسها، فقرر أن ينتقم لنفسه، ولكنه يعتذر في النهاية بقوله الصريح، عند المواجهة: أنا سامي أحب المزاح والتسلية، أعتذر إذا كنت جرحت عواطفك، لكن القدر انتقم مني، فقد خدعني شاب آخر ادعى إنه فتاة، وتسلى بي، أحسست بفظاعة ما فعلته معك، لذا وافقت أن أراك وأنهي قصة الخداع.
أما الأقصوصة الرابعة والأخيرة من أقاصيص ندى الدانا، فبعد أن يراسل الشاب فتاته، ويعجب بذكائها ونضجها، ويمنِّي نفسه بالزواج منها، فهي في العشرين من عمرها، وشقراء، وعيناها خضراوان، ورائعة الجمال، وتدرس في كلية الآداب، ولديها هاتف نقال، واسمها رهف، وغير هذا من الأكاذيب الإلكترونية. وعندما يطلب لقاءها تحضر له، فيكتشف أنها في العاشرة من عمرها، وأنها تمزح معه، ثم تقول قولتها الحكيمة: ما أغباكم أيها الشباب! وما أتفه عقولكم! وهذه المقولة الأخيرة أعتقد أنها رأي الكاتبة نفسها، وليس مقولة رهف ذي العاشرة من العمر.
حياة الياقوت والمسيخ الإلكتروني الدجال
استطاعت الكاتبة الكويتية حياة الياقوت في قصتها "المسيخ إلكترونيا" ـ المنشورة في موقع ناشري Nashiri.net ـ أن تجسد مشاعر المتعاملين مع شبكة الإنترنت، خاصة الذين ينتظرون بريدا إلكترونيا كل لحظة، وعندما يفتحون صناديقهم ولا يجدون شيئا، أو يجدون عبارة "صفر الرسائل" ينتابهم الإحساس بالخيبة والفشل، وكأن هؤلاء أصبحت حياتهم الجديدة معلقة على رسائل تصلهم من أي مكان، لا يهم تحديده، ولكن المهم أن تتوالى الرسائل. فكون رسالة ما وصلت إلى الصندوق الإلكتروني معناه أن أحدا في العالم يتذكرك، ويهتم بك، ويكتب إليك. وهنا يتحقق شرط الحياة في السيبر سبيس، أو الفضاء التخيلي، أو في العالم الإلكتروني أو الرقمي.
إلى جانب ذلك تثير الكاتبة قضايا دينية، أو قضايا في الاعتقاد الديني، من أهمها قضية المسيخ الدجال، وظهوره المنتظر، والذي هو من أشراط قيام الساعة. هذا المسيخ يأتي من الفضاء الخارجي (وربما يأتي من كوكب المريخ الذي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية الآن سبر أغواره). وكانت شخص القصة تعتقد أنه أعور، بمعنى أن له عينين، واحدة منهما معطوبة، ولكن أن يكون له عين واحدة في وسط رأسه، فهذا ما لم تكن تتوقعه، ولهذا أُصيبت بالرعب، وصدمتها المفاجئة عند رؤية صورته على هذا النحو من خلال رسالة بريدية وصلتها توًّا، ولم تحاول التأكد من مصدرها أو من صحة الخبر. وهذا دلالة على التعجل في تناول الأمور. فعالم الفضاء التخيلي، أو العالم الرقمي لا يمهل الإنسان حتى يتفكَّر ويتأنَّى، ويعطي للأمور أوزانها.
وشخص القصة فتاة من الجيل الجديد الذي يلم بالقشور، ولا يعرف التفاصيل، بل يتكاسل في طلب المعرفة الحقة. ولا أرضية دينية له تحميه من الأكاذيب والضلال. على عكس الجيل السابق (جيل الأم) المتمسك بدينه، ويعد للأمر عدته، ولديه الحلول الروحية عندما تواجهه مثل هذه الأكاذيب والأوهام. فالفتاة لم تعرف كيفية التصرف عندما اعتقدت أن الصورة المرسلة إليها من خلال البريد الإلكتروني هي صورة المسيخ الدجال. لقد أصابها الفزع، وغطت شاشة الكمبيوتر بورقة خفيفة، ثم أطفأت الجهاز، ولجأت إلى أمها لتنقذها، وعندما قدمت أمها الحل الروحي بقراءة أو بحفظ الآيات العشر الأوائل، والآيات العشر الأواخر من سورة الكهف، للإحساس بالأمان جراء ظهور المسيخ الدجال على هذه الصورة، راوغت نصائح أمها، التي لا تناسب تركيبة شخصيتها، وعندما بدأت تبحث في حجرتها ـ بناء على طلب أمها ـ عن المصحف المهمل (رمز إهمال الدين) والذي يعلوه التراب وسط ركام أوراقها ورفوف الزينة بحجرتها، وجدت أنه شيء ثقيل على نفسها أن تفتحه وتقرأ فيه، فالحل إذن في مواقع الإنترنت الإسلامية التي لا تعرف أسماءها، على الرغم من كثرتها، وعلى الرغم من أنها تتعامل مع الشبكة منذ خمس سنوات، فإنها لم تفكر في استخدام خاصية البحث عبر محركات البحث المعروفة، فتتصل بابنة الجيران لتدلها على أحد هذه المواقع، ولكن الجارة الطالبة بكلية الهندسة، تخصص كمبيوتر، لا تعرف هي الأخرى، فتطلب إمهالها بعض الوقت للبحث.
هنا تضع الكاتبة حياة الياقوت يدها على قضية من أخطر قضايا الجيل الجديد الذي يتعامل مع الشبكة، ولا يعرف مجرد أسماء المواقع ذات الصلة بالعقيدة والتراث والإسلام. وعلى قضية أخرى لا تقل أهمية، وهي الانقطاع الكبير الحادث بين الأجيال، أو بين آخر جيلين يعيشان معا، جيل الأم التي ربما لا تعرف شيئا عن عالم الكمبيوتر والإنترنت، ولكنها تعرف عن دينها وقيمها الروحية ومعتقداتها الدينية، وبالتالي تمسكها بهويتها، وجيل الأبناء الذي يعرف كيف يتعامل مع جهاز الكمبيوتر (رمز التقدم العلمي) ويبحر في عالم الإنترنت، ولكنه لا يعرف شيئا عن معتقداته وقيمه وهويته، ورموزه الروحية. إنه جيل لاه عابث، غير مدرك لحقيقة ما يُراد به، وسط هذه الثورة العلمية والتكنولوجية. وهو لا يبحث سوى عن التسلية في غرف الدردشة، ويقضي حياته اليومية في انتظار الرسائل الإلكترونية التي جاءت واحدة منها إلى شخص القصة، فكشفت الكثير عن شخصيتها، وشخصية المحيطين بها.
ونتيجة لهذه التركيبة النفسية المتشظية، والرامزة إلى أشياء كثيرة في عالمنا المعاصر، لم تلمح أن كل ما وصلها ما هو إلا كذب وتلفيق. لم تلمح أنه تحقيق ملفق عن المسيخ الدجال، كُتب لغرض الإثارة وبث الرعب والصدمة عن طريق إرسال صورة من خيال إنسان ما لبعض المتعاملين مع الشبكة.
إن الشيء الوحيد الذي تعلمته شخص القصة من هذه الحادثة، هو أن عليها في المرات القادمة ان تقرأ عنوان الرسالة الإلكترونية الواردة إليها. أما المصحف الذي وقعت عينها عليه فقد أشاحت بنظرها بسرعة عنه، مدعية أنها لم تره، بينما تلمس كمبيوترها بحنان، وتخرج.
بهذا لم تتعلم شخص القصة شيئا ذا فائدة في حياتها، وكأن كل ما حدث لا أهمية له، فلا هي رجعت لاحتضان مصحفها ومصالحته، فترمز بذلك إلى التصالح بين العلم والدين، ولا هي تفاعلت مع ابنة الجيران التي اتصلت بها على هاتفها النقال، فهي لم تعد في حاجة إلى المواقع الإسلامية التي بحثت عنها طالبة الهندسة. ولا هي تحدثنا ثانية عن أمها التي حاولت مساعدتها للخروج من خوفها ورعبها عندما شاهدت الصورة على شاشة الجهاز.
وإنما ستكمل حياتها الرقمية على الوتيرة نفسها.
هل تريد حياة الياقوت أن تقول لنا: إنه لا فائدة في ذلك الجيل الجديد ـ على الرغم من أنها واحدة منه ـ الذي شغلته إنجازات الثورة الرقمية، أو الثورة العلمية، رغم القشور التي وصلت إليه، فانصرف إليها واندفع نحوها بكل ما يملكه من طاقة وحيوية، ناسيا أو متناسيا قيم مجتمعه وعاداته وتقاليده، التي تتمثل في واحدة منها، في ردود الأم عليها بقراءة أو حفظ بعض آيات سورة الكهف، لترتاح النفس وتطمئن عند ذكر المسيخ الدجال.
لقد قال الزعيم المصري سعد زغلول وهو على فراش المرض: لا فائدة. أو بالعامية المصرية (مفيش فايدة). وحقيقة لم أعرف على أي شيء قالها سعد زغلول، وماذا كان يقصد من ورائها، فقد تعددت التفسيرات حول ذلك.
ولكن عندما تقول قصة حياة الياقوت من خلال بنائها التقليدي "المسيخ إلكترونيا": لا فائدة. فإننا سنكون بذلك أمام قضايا مجتمعية وثقافية خطيرة، يجب أن نبحثها ونتوقف أمامها لندرسها في ضوء تعامل شبابنا مع أجهزة الكمبيوتر، ومع شبكة الإنترنت، وما حدث من متغيرات مجتمعية، تدخل في صلب بنية العلاقات بين أفراد المجتمع الواحد. وهذا ما يثيره الفن الجيد، الذي ينبه ويثير، ويحذر من خطر قائم، أو من خطر قادم.
إن قصة "المسيخ إلكترونيا" تسير في منظومة القصص التي اتخذت من عالم الكمبيوتر والإنترنت موضوعا أو مفتاحا لها، وعلى ذلك فهي تتلاقى مع قصص الكاتبة السورية ندى الدانا "أحاديث الإنترنت"، وقصة الكاتبة المصرية وفية خيري "والليل .. إذا جاء" . وفي انتظار إبداع جديد للكاتبة الكويتية "حياة الياقوت" تسبر به أغوار شبكة الإنترنت، وتأثيرها الخطير في بنية تعاملنا اليومي والإنساني معها.

ثالثا: تقنيات شبكة الإنترنت كوسيلة للنشر الأدبي الإلكتروني

القصص السابقة ـ على سبيل المثال ـ اتخذت من عالم الإنترنت مجالا أو موضوعا لها. ولكن يلاحظ ـ بعامة ـ أن أدباءنا لم يستفيدوا بعد من تقنيات النشر على الشبكة، أو من ثورة النشر الإلكتروني، فما زالت معظم الأعمال خطية كما هو الحال في المجلات والصحف والكتب الورقية، ولم نر ـ على الأقل ـ في الأدب العربي، مَنْ كتب قصة أو رواية عربية، تتخذ من تقنية لقطات الفيديو ـ مثلا ـ مرجعية لأحد أشخاص الرواية، أو من يتخذ من تقنية ربط النصوص، أو الهايبر تكست Hypertext (أي النص الفائق الذي يرتبط بنصوص أخرى عن طريق روابط (لينكات) داخل النص، كما يمكن ربطه بملفات الصوت والصورة والأفلام المتحركة) أو من أسلوب بناء الشبكة، أو من أسلوب الوصلات (اللينك links) أو عالم الوسائط المتعددة (مالتي ميديا) أو ما شابه ذلك، أسلوبا لكتابة العمل الأدبي. وعموما هي تقنيات في حاجة إلى دراستها دراسة جيدة، كما يدرس الروائي شخصيات روايته، حتى يعرف كيف يوظفها توظيفا صحيحا داخل النص. وأعتقد جازما أن هذا ما سيحدث في المستقبل القريب. أو هو ما بدأ يحدث بالفعل، فها هو الروائي الأردني محمد سناجلة يحاول عبر روايته الإلكترونية أو الرقمية "ظلال الواحد"، ثم روايته "شات" استخدام مثل هذه التقنيات، كأول أديب عربي.
إذن فليفكر معي أدباؤنا في مثل هذه التقنيات الإلكترونية، وكيفية توظيفها في عالم الأدب، بالإضافة إلى تقنيات الكتابة نفسها، واللغة الفنية التي سوف تستخدم في هذا المجال.
يقول محمد سناجلة عن اللغة في رواية العصر الرقمي، إن الكلمة لن تكون سوى جزء من كل، فبالإضافة إلى الكلمات يجب أنْ نكتب بالصورة والصوت والمشهد السينمائي والحركة. وأن الكلمات نفسها يجب أنْ ترسم مشاهد ذهنية ومادية متحركة، أي أنّ الكلمة يجب أنْ تعود لأصلها في أنْ ترسم وتصور، وبما أنّ الرواية أحداث تحدث في زمان ضمن مكان، وهذه الأحداث قد تكون مادية ملموسة أو ذهنية متخيلة فعلى الكلمات أنْ تمشهد هذه الأحداث بشقيها. أيضا على اللغـة (الأدبية) أنّ تكون سريعـة، مباغتة، ومن هنا فلا مجال للإطالة والتأني. وأن حجم الرّواية يجب أنْ لا يتجاوز المائة صفحة على أبعد تقدير، ولن يكون هناك مجال لاستخدام كلمات تتكون من أكثر من أربعة أو خمسة حروف على الأكثر، أمّا الكلمات الأطول فيفضل أنْ يتم استبدالها بكلمات أقصر تؤدي نفس المعنى إنْ أمكن. أما الجملة في اللغة الجديدة فيجب أنْ تكون مختصرة وسريعة، لا تزيد عن ثلاث أو أربع كلمات على الأكثر.
وهذا يعني أنّ على الروائي نفسه أنْ يتغير، فلم يعد كافياً أنْ يمسك الرّوائي بقلمه ليخط الكلمات على الورق، فالكلمة لم تعد أداته الوحيدة. على الروائي أنْ يكون شمولياً بكل معنى الكلمة، عليه أنْ يكون مبرمجاً أولاً، وعلى إلمام واسع بالكمبيوتر ولغة البرمجة، عليـه أنْ يتقـن لغـة الـ HTML على أقل تقدير، كما عليه أنْ يعرف فنّ الإخراج السينمائي، وفنّ كتابة السيناريو والمسرح، ناهيك عن فن الـ Animation (الرسوم المتحركة).
وفي هذا يقول سناجلة عن روايته: "لقد حاولت شيئاً من كل ما سبق في روايتي "ظلال الواحد"، ففي نسختها الرقمية المنشورة على الإنترنت في الموقعwww. Sanajlehshadows.8k.com كان هناك مشاهد حركية، ومؤثرات صوتية، وصور، ومقاطع من أفلام سينمائية، إلاّ أنّ "ظلال الواحد" ليست سوى البداية فأدواتي ما زالت بحاجة لتطوير وعمل كثير".
رابعا: الناقد الإلكتروني
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الجزء من البحث يقول: هل نستطيع أن نجد ناقدا يحمل القيمة النقدية المطلقة للعمل الأدبي الذي يمارس نقده؟
على سبيل المثال لو عرضنا أمر رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ على ناقد محايد لا يعرف من هو نجيب محفوظ، ولا يعرف ملابسات الرواية ولا قرار منع طباعتها في مصر، ولا شيء عن الضجة التي أثارتها وانقسام الناس حولها ما بين مؤيد ومعارض .. ترى ماذا يقول هذا الناقد؟
للإجابة عن مثل هذا السؤال يجب أن نتأمل العالم من حولنا، ونرى تطوره التكنولوجي والتقني الذي يقفز بأسرع من لمحات البصر، فبعد التطور العظيم الذي حققته أجهزة الكمبيوتر الشخصية، وبعد النجاح الهائل الذي حققه المبرمجون ـ ولا يزالوا ـ من الممكن لي أن أطلب من أحد الأصدقاء المبرمجين تصميم برنامج يطلق عليه اسم الناقد الإلكتروني، يكون من أهم وظائفه تحليل اللغة التي يستخدمها الأديب في عمله، وتحليل الحوار سواء كان باللغة الفصحى أو العامية، وتحليل الشخصيات الواردة في هذا العمل، بل ومقارنتها بشخصيات متشابهة في أعمال أخرى وتحليل الأحداث تحليلا فنيا أو بنيويا وتحليل الصراع الإنساني داخل العمل، وما إلى ذلك. وعندها نستطيع أن نرى أنواع التناص الأدبي أو مقدار التأثير والتأثر (ولا نقول السرقة) بين عمل إبداعي وآخر، وفي أكثر من لغة.
ولاشك أن مثل هذا البرنامج سيسهم إسهاما فعالا في الكشف عن قيمة العمل الإبداعي، فبعد أن أعرض عليه رواية "أولاد حارتنا" على سبيل المثال، فإنني بالتأكيد سأتلقى رسائل نقدية منه، تضع تلك الرواية في مكانها الصحيح على خريطة الرواية العربية والعالمية، دون أدنى تحيز أو انفعال.
وبما أنه لدينا أكثر من نوع من أنواع الكتابة الأدبية أو أكثر من جنس أدبي (شعر، قصة قصيرة، مسرحية، رواية، مقال أدبي، مقال نقدي ..الخ) فإنه من الممكن لأصدقائنا المبرمجين أن يقوموا بتصميم برنامج خاص لكل نوع أدبي، ذلك أن المواصفات المطلوبة لبرنامج نقد الشعر ستختلف بالتأكيد عن المواصفات المطلوبة لبرنامج نقد الرواية، فالشعر يحتوي على موسيقى وأوزان وإيقاعات وتفعيلات وبحور شعرية بسيطة ومركبة، ولغته الفنية تعتمد على الإيحاء والتكثيف والرمز، بطريقة أكثر إثارة من القصة القصيرة على سبيل المثال، ومن هنا فإن تصميم البرنامج الخاص بالشعر، على سبيل المثال أيضا، يجب أن يختلف عن برنامج الرواية أو القصة .. وهكذا.
غير أنه في جميع الأحوال يجب أن يكون هناك تراكم معرفي وخبرة تذوقية، وإذا كانت شبكة الإنترنت العالمية تستطيع تحقيق التراكم المعرفي، فكيف لها أن تحقق الخبرة التذوقية؟ (سؤال أوجهه للزملاء المبرمجين).
***
أيضا يفيد برنامج الناقد الإلكتروني المقترح في اكتشاف السرقات الأدبية، وفي الكشف عن علاقة النص الأدبي بغيره من الأعمال الأخرى التي سبقته، أو المعاصرة له.
إن هذا البرنامج من الممكن أن يفيد عملية البحث العلمي، ويفيد الحركة النقدية في العالم كله إفادة عظيمة، لذا فإنني أطالب أصدقاءنا المبرمجين أن ينشطوا في هذا الاتجاه الذي سيكون له أبلغ الأثر في إيقاف علمية السطو الأدبي على جهود الآخرين، وبخاصة في مجال الرسائل العلمية من ماجستير ودكتوراه حيث لوحظ في العقود الأخيرة ارتفاع نسبة سرقة الرسائل العلمية والأبحاث الأدبية.
أيضا من الممكن لبرنامج الناقد الإلكتروني أن يحدد مستوى العمل الإبداعي المرسل للناقد (البشري) عبر البريد الإلكتروني، فبالتأكيد هناك حد أدنى لجودة العمل الأدبي أو الفني، وبالتأكيد هناك حدود فاصلة بين كل جنس أدبي وآخر. ومهما بلغت درجة تأثر الآداب والفنون ببعضها البعض، أو تداخلها مع بعضها البعض، فيما يسمى بـ "عبر النوعية"، فلابد من ضوابط معينة. هنا من الممكن للبرنامج بعد تغذيته ببعض القواعد النقدية، وبعض المعلومات أن يقرر استقبال عمل ما لأنه يستوفي هذه الشروط، أو يقرر عدم استقباله لأنه دون الحد الأدنى، وبالتالي فإن هذا البرنامج يساعد الناقد في الاختيار، وفي وضع حد أدنى لجودة العمل الذي سيتعامل معه عبر البريد الإلكتروني، إما بقراءته على شاشة جهازه أو بطباعته على الورق.
وفي تصوري فإن برنامج الناقد الإلكتروني لن يفحص المؤلفات أو النصوص الأدبية أو النقدية فحصا تافها أو هزيلا أو ركيكا، وليس في مقدوره أن يفعل ذلك، فهو لا يعتمد على المزاج الإنساني أو مزاج الناقد الشخصي، ولا على الأهواء التي تثيرها المشاحنات الفكرية.
إن السؤال الذي يطرح نفسه بعد ذلك هو: هل سينتهي النقد الإلكتروني إلى نوع من الاستبدادية الإلكترونية ـ إن صح التعبير ـ وبالتالي فقدان حرية الناقد (البشري) الذي سيعتمد اعتمادا أساسيا على مخرجات هذا البرنامج ونتائجه في استكمال الرحلة النقدية؟ وهل سينتهي هذا النقد إلى نوع من الصلابة المعرفية التي تتيحها الشبكات العالمية؟ حيث إن المعلومة المقدمة ستظل كما هي دون محاولة تمحيصها واكتشافات دلالات معرفية أخرى حولها؟ أو كما هو في علم الحساب 1+1= 2 دون محاولة ابتكار آفاق معرفية جديدة والاكتفاء بما تقدمه الشبكات من معلومات؟
لا أعتقد حدوث ذلك لأن الإنسان الذي اخترع الأجهزة الإلكترونية، وتوصل إلى الشبكات العالمية لن يقف طموحه وإبداعه عند حدود، فهو دائم التجدد، دائم الإبداع، لا يركن إلى نمط واحد، بل إن الديمقراطية المعرفية التي تتيحها شبكة المعلومات ستجعله يبحث دائما عن الجديد. ونأمل أن يكون الجديد دائما في صالح الإنسان الذي كرمه الله على سائر المخلوقات.
***
أعتقد أننا بهذه المحاور الأربعة: المواقع التي تنشر الأدب العربي على شبكة الإنترنت. والإنترنت كموضوع من موضوعات الأدب العربي. وتقنيات شبكة الإنترنت كوسيلة للنشر الأدبي الإلكتروني، وحلم الناقد الإدبي الإلكتروني، نكون قد أسهمنا في رسم معالم الأدب العربي على شبكة الإنترنت خلال الحاضر والمستقبل القريب، التي يتوقع د. سليمان العسكري (رئيس تحرير مجلة العربي الكويتية) مزيدا من اتساع رقعة النشر الإلكتروني العربي من خلالها، وما يصاحبه من انخفاض في حجم النشر الورقي لمنتجات الثقافة العربية بعامة.

أحمد فضل شبلول ـ الإسكندرية
نائب رئيس اتحاد كتَّاب الإنترنت العرب
ورئيس لجنة الإنترنت باتحاد كتاب مصر

د- صلاح الدين محمد ابوالرب
19/05/2007, 11:59 AM
[QUOTE=غالب ياسين;79559]اللغة الجديدة.. أخطار ومتع

انتقلت من الشارع ودهاليز الإنترنت إلى الروايات


القاهرة: إيهاب الحضري

تحبها أم لا تحبها، هي لغة بدأت تطل برأسها من عالم الأدب، وتفرض نفسها على القراء. لغة تجمع بين التراكيب العامية، واختصارات جمل «الشات» الانترنتية، والألفاظ المنحوتة، والمصطلحات الأجنبية المعربة. لغة لا تستبعد العبارات المستخدمة من قبل الفئات المهمشة، او الحلقات الضيقة والطبقات السفلية. بمعنى آخر، صارت اللغة الأدبية مفتوحة أبوابها للوافد والجديد والهامشي، تحتضنه كما لو انها لم تفعل ذلك أبداً، من قبل...


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...

الفاضل غالب ياسين

ان ماذكرته هنا هو لغة الروشنة او السأسأة....وغيرها
اما ما كنت اقصده انا هنا هو استخدام الحرف اللاتيني بديلا عن الحرف العربي
اما الموضوع الاخر فله مجال سنفتحه قريبا مع الاحترام لكل راغبى الكتابة بالعامية
تحية

د- صلاح الدين محمد ابوالرب
19/05/2007, 12:05 PM
http://www.jouhina.com/__print.php?filename=20070310203058123



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


وهذا الموضوع ياسيدي والمرتبط مع الرابط الذي اشرت ادعو الجميع ان يتصفحوه ففيه وجهة نظر الشباب حول التشات بحد ذاتها ومخاطرها
يبقي موضع اللغة المستخدمة

تحية

د- صلاح الدين محمد ابوالرب
29/05/2007, 08:52 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مما قرأت ان الحرف الاندونيسي القديم كان الحرف العربي
وان هناك العديد من امهات الكتب باللغة العربية وهى ايضا مهملة

شكرا على التثبيت
تحية

د- صلاح الدين محمد ابوالرب
23/08/2008, 11:50 AM
هناك من يصر على استعمال مفردات اجنبية في حديثه
وحتى في محاضرته
اهو فشل في التواصل بين اللغة والعلم
ام هو فشل في ايصال المعلومة
ام هو لحاق بركب القوي

د- صلاح الدين محمد ابوالرب
08/11/2008, 08:15 PM
نلاحظ في الافلام العربية الحديثة وبين فئة الفنانين بشكل عام وحتى بين العديد من الطبقات الغنية في العالم العربي ان اغلب مفرداتهم اصبحت انجليزية بل انهم احيانا يشعرون السامع بانهم يفشلون في التعبير عن نفسهم الا بواسطة استخدام المفردات الانجليزية