محمد فؤاد منصور
13/05/2007, 01:11 AM
المهجورة
----------
بقلم: دكتور محمد فؤاد منصور
-----------------------------
الأسكندرية
----------
m_mansour47@hotmail.com
------------------------------------
تقع قرية " المهجورة" فى أقصى جنوب الوادى فى حضن الجبل المطل على النيل حين يبدأ إنحرافه الأخير قبل أن يمضى على إستقامته مستأنفاً طريقه نحو الشمال ، تتكون القرية من بيوت فقيرة لاتزيد على خمسين بيتاً توحدّت أسطحها بحيث أصبح من الممكن الأنتقال بينها جميعاً من أعلى ودون اللجوء إلى الطريق الضيق الذى يمر بها جميعاً وكما توحدّت أشكال البيوت التى بنى معظمها بالطوب اللبن كذلك توحدت أشكال الأهالى ونمط تفكيرهم وطرائق حديثهم ومايستهويهم من مواضيع يجتمعون عليها كل مساء فى الدكان الوحيد بتلك القرية والذى كان يعمل وصاحبه الشيخ عماشة بمثابة محطة لتوزيع البضائع التى ترد من المركز إلى جانب كونه منتدى رجال القرية ومحط رحال المارين بها من رجال الإدارة وهو ما أضاف للدكان ميزة جديدة بحيث أصبح وكالة للأنباء المحلية والتى تأتى بالأخبار الطازجة من المركز مباشرة.
أهل المهجورة لهم من أسم قريتهم نصيب فهم قد ظلّوا منسيين دائماً ،أغلب الظن أن أحداً لم يسمع بأسم قريتهم من قبل فلم يهتم بهم ولم يشعر بوجودهم أحد حتى أولئك المرشحون للمجالس النيابية لم يكونوا يشغلون أنفسهم ويضيعون وقتهم الثمين فى عمل الجولات الأنتخابية لكى يحظوا ببضعة عشرات من الأصوات لاقيمة لها فى موازين الربح والخسارة بالنسبة لهم فكانوا يكتفون بإرسال من يعلق لافتة ضخمة على مدخل القرية لكل مرشح فى الغالب لايقرأها أحد لجهل أغلبهم التام بقواعد القراءة، لذلك كانوا يكتفون بتلخيص الشيخ " عماشة " لما جاء فى تلك اللافتات من أسماء والذى كان بمقدوره دائماً أن يخفى عنهم مايريد إخفاءه مستغلا جهلهم بالقراءة او زهدهم فيها .
الشيخ عماشة بالرغم من قلة حظه من التعليم المنتظم وبالرغم من إرتباكه إذا أضطر أن يقرأ مباشرة إحدى اللافتات بصوت عالٍ لأنه يتعثر بين الحروف ممايضطره فى كثير من الأحيان ان يلخص المفهوم بشكل عام فقد كان أهل القرية يعتبرونه المتعلم الوحيد بالقرية ، هو مؤسسة كاملة فى الواقع لاأحد يذكر متى جاء إلى القرية ولامتى أصبح قبلة رجالها والمفتى العام لأهلها يتحلقون حوله كل مساء وهو متربع فى باب الدكان الوحيد الذى يمتلكه ،وهو كذلك معلم الصغار الذين يأتون إليه كل صباح حاملين ألواحهم المعدنية وأقلامهم المصنوعة من البوص فيخطّون بضع آيات من كتاب الله يعكفون على ترديدها وحفظها على الرغم من أنه لم يكن يحفظ هو نفسه سوىبعض السور التى تؤهله ليؤم المصلين وليتربع على عرش الإمامة دون منازع.
لم يكن الشيخ عماشة من ملاّك الآراضى فى القرية وليس له من عمل فى الواقع سوى تجارته البسيطة فى ذلك الدكان الذى أفتتحه بجوار مصلاّه ليلقى فيه تعاليمه على أهل القرية البسطاء إلى جانب تعليم الصغار مبادئ الدين كما يفهمه هو وكما يستقيه من بعض الكتب الصفراء المهترئة والتى يحتفظ بها فى ذلك الكوخ الذى أعدّه لإقامة الشعائر على حافة النهر وفى المقابل كان أهل القرية يبعثون إليه بماتيسر من الغلال لدى كل حصاد وهكذا مضت حياته رخاءاً دائماً ونعيماً مقيماً ينهض قبل الفجر بقليل فيمضى إلى مصلاه وبعد أنتهاء الشعائركان يفضل البقاء هناك حيث أعدّ لنفسه متكأً عند جذع شجرة ضخمة من أشجار الكافور التى يغطى ظلها صفحة النهر، قد يستسلم لنوبة من النعاس يصحو بعدها على صياح الصغار الذين بدأوا فى التوافد على المصلى فى بداية يوم جديد وقد يطير النوم من عينيه فينهض ليحضر صينية الشاى التى أحتفظ بها فى الكوخ ويبدأ فى قتل الوقت بإعداد أدوار الشاى مثنى وثلاث ورباع حتى يحين موعد الصغار .
لم يكن الشيخ يستبقى الصغار طويلاً فبضاعته المحدودة من العلوم والمعارف لم تكن تكفى لأكثر من ساعة أو ساعتين يقوم بعدها بصرف الصغارإلى منازلهم فلم يكن يشغله مقدار مايتلقاه الصغار من معارف بقدر ماكان مهماً أن يشعر أهل القرية بالجهد الذى يبذله فى تعليمهم مبادئ الدين فيضمن بذلك أن تستمر إمدادات الغلال دون إنقطاع .
قبيل الظهرينهض الشيخ فيقطع المسافة التى تفصل الدكان عن ضفة النهر حيث نبتت أعواد البوص وتكاثفت ويغيب وسطها ليقضى حاجته ثم يهبط بضع درجات من الحجر الجيرى حتى يصل إلى حافة النهر فيتوضأ ثم يؤذّّن للصلاة ويقف مستعداً ليؤم القادمين.
هكذا كان ينقضى يوم الشيخ عماشة بين المصلى والدكان لايعكر صفو أيامه شئ وهكذا كان يمكن أن ينقضى ماتبقى له من عمر فأهل القرية يقدرون صنائعه ويفخرون بمعارفه وحكاياته وهو بدوره يطالع كتبه الصفراء ويستقى منها خطبه وحكاياته ويضيف عليها من بنات أفكاره ما يؤجج رغبتهم فى معرفة المزيد وينتزع عبارات الأعجاب وآهات الأستحسان حين يقف بينهم خطيباً يروى عن السلف الصالح من المعجزات مايشبه الأساطير.
غير أن دوام الحال من المحال كما يقال فقد صحت القرية ذات صباح على ضجيج يصمّ الآذان ، عربات نصف نقل وميكريفونات وأعلام تنتشر فوق أغصان الشجر فقد تقرر بناء مدرسة إبتدائية ومسجد فى هذه المنطقة المهجورة والمظلومة على ضفة النهر العظيم لتخدم مجموعة القرى المتجاورة والمعزولة عن بعضها البعض وحضر المسئول الكبير بنفسه ليضع حجر الأساس بيديه وبدأت القرية المهجورة تتصدر المشهد كله وشهد الناس شيخهم وهو يتقدم لمصافحة المسئول وقد شدّ نطاقه وأحكم عمامته وأصلح جبته وقفطانه .
أغتبط أهل القرية لأن الله أوجد بينهم من هو مؤهل للتحدث مع كبار القوم بوصفه كبيرهم وأمامهم ومعلم أبناءهم.
لكن الأحداث لاتمضى كما يشاء الناس دائماً فسرعان ماأنتصب بناء المسجد على ضفة النهر وتهيأ السكن الجديد الملحق بالبناء ليستقبل الشيخ الإمام حين روّع الناس ذات صباح بتوقف سيارة من سيارات الأجرة محملة بحقائب وبقج أمام المسجد مباشرة وترجل منها شيخ شاب وسيم الملامح رائع الهندام يتبعه رجل فى منتصف العمر يبدو كمعاون له .
تجمع الناس من كل صوب وحدب وأمتلأت الساحة أمام المسجد بأهالى المهجورة يتقدمهم الشيخ عماشة يستطلعون الأمروسرعان ماسرت بين القوم همهمات تفيد أن الحكومة قد أرسلت الشيخ الشاب ليكون إماماً للمسجد الجديد،وبدأ اللغط يزداد حدة شيئاً فشيئاً حتى تطور الأمر إلى مشادة كلامية وللمرة الأولى يجد الشيخ عماشة نفسه فى موقف المدافع عن قلعته الحصينة وتشجع بتحلّق الأهالى حوله فعلت نبرته المزمجرة الغاضبة:
- ومن قال إن القرية بحاجة إلى إمام جديد وأنا هنا منذ ثلاثين سنة .
ردّ الشيخ الشاب فى تأدب وخجل مراعياً أن الشيخ فى عمر والده:
- ولكن هذه أوامر الحكومة وليس لنا دخل فيما تقرره كما تعلم.
بدا الغضب على وجه الشيخ عماشة على حين سرت صيحات إحتجاج لايبين مصدرها
- لانريد إلا الشيخ عماشة.
تحرّج الموقف وبدا أنه لن يمر بسلام ولن يجدى فيه التأدب حتى النهاية ، قال الشيخ الشاب وقد وجد أن لامفر من المواجهة:
- ولكن أسمح لى يامولانا أنت غير مؤهل بينما أنا خريج كلية أصول الدين.
صاح صوت بين الجموع:
- وهل من أصول الدين أن تحل محل رجل فى عمر والدك ؟.
على حين أستدرك آخر:
- نحن لاتهمنا الشهادات ونتمسك بالشيخ عماشة مهما كان الأمر.
قال الشاب بلا خجل وقد خلع عنه الحياء تماماً:
- أهدأوا ياجماعة الشيخ عماشة فى سن والدى صحيح ولكنه غير مؤهل، إنه حتى لايحفظ سورة البقرة.
- بلا بقرة بلاجمل ،من تكون حتى تشكك فى علم الشيخ عماشة؟.
ثم ضاقت الحلقة حول الشيخ الشاب وتقدم أحد الوقوف وأمسك بخناقه وصاح وهو يلوح بقبضته الأخرى فى الهواء:
- أمش من هنا أحسن لك.
عند ذاك لم يجد الشيخ الشاب مفراً من أن يشير إلى من معه أن يتبعه إلى السيارة التى كانت ماتزال واقفة تتأهب للرحيل.
*************** دكتور/محمد فؤاد منصور
----------
بقلم: دكتور محمد فؤاد منصور
-----------------------------
الأسكندرية
----------
m_mansour47@hotmail.com
------------------------------------
تقع قرية " المهجورة" فى أقصى جنوب الوادى فى حضن الجبل المطل على النيل حين يبدأ إنحرافه الأخير قبل أن يمضى على إستقامته مستأنفاً طريقه نحو الشمال ، تتكون القرية من بيوت فقيرة لاتزيد على خمسين بيتاً توحدّت أسطحها بحيث أصبح من الممكن الأنتقال بينها جميعاً من أعلى ودون اللجوء إلى الطريق الضيق الذى يمر بها جميعاً وكما توحدّت أشكال البيوت التى بنى معظمها بالطوب اللبن كذلك توحدت أشكال الأهالى ونمط تفكيرهم وطرائق حديثهم ومايستهويهم من مواضيع يجتمعون عليها كل مساء فى الدكان الوحيد بتلك القرية والذى كان يعمل وصاحبه الشيخ عماشة بمثابة محطة لتوزيع البضائع التى ترد من المركز إلى جانب كونه منتدى رجال القرية ومحط رحال المارين بها من رجال الإدارة وهو ما أضاف للدكان ميزة جديدة بحيث أصبح وكالة للأنباء المحلية والتى تأتى بالأخبار الطازجة من المركز مباشرة.
أهل المهجورة لهم من أسم قريتهم نصيب فهم قد ظلّوا منسيين دائماً ،أغلب الظن أن أحداً لم يسمع بأسم قريتهم من قبل فلم يهتم بهم ولم يشعر بوجودهم أحد حتى أولئك المرشحون للمجالس النيابية لم يكونوا يشغلون أنفسهم ويضيعون وقتهم الثمين فى عمل الجولات الأنتخابية لكى يحظوا ببضعة عشرات من الأصوات لاقيمة لها فى موازين الربح والخسارة بالنسبة لهم فكانوا يكتفون بإرسال من يعلق لافتة ضخمة على مدخل القرية لكل مرشح فى الغالب لايقرأها أحد لجهل أغلبهم التام بقواعد القراءة، لذلك كانوا يكتفون بتلخيص الشيخ " عماشة " لما جاء فى تلك اللافتات من أسماء والذى كان بمقدوره دائماً أن يخفى عنهم مايريد إخفاءه مستغلا جهلهم بالقراءة او زهدهم فيها .
الشيخ عماشة بالرغم من قلة حظه من التعليم المنتظم وبالرغم من إرتباكه إذا أضطر أن يقرأ مباشرة إحدى اللافتات بصوت عالٍ لأنه يتعثر بين الحروف ممايضطره فى كثير من الأحيان ان يلخص المفهوم بشكل عام فقد كان أهل القرية يعتبرونه المتعلم الوحيد بالقرية ، هو مؤسسة كاملة فى الواقع لاأحد يذكر متى جاء إلى القرية ولامتى أصبح قبلة رجالها والمفتى العام لأهلها يتحلقون حوله كل مساء وهو متربع فى باب الدكان الوحيد الذى يمتلكه ،وهو كذلك معلم الصغار الذين يأتون إليه كل صباح حاملين ألواحهم المعدنية وأقلامهم المصنوعة من البوص فيخطّون بضع آيات من كتاب الله يعكفون على ترديدها وحفظها على الرغم من أنه لم يكن يحفظ هو نفسه سوىبعض السور التى تؤهله ليؤم المصلين وليتربع على عرش الإمامة دون منازع.
لم يكن الشيخ عماشة من ملاّك الآراضى فى القرية وليس له من عمل فى الواقع سوى تجارته البسيطة فى ذلك الدكان الذى أفتتحه بجوار مصلاّه ليلقى فيه تعاليمه على أهل القرية البسطاء إلى جانب تعليم الصغار مبادئ الدين كما يفهمه هو وكما يستقيه من بعض الكتب الصفراء المهترئة والتى يحتفظ بها فى ذلك الكوخ الذى أعدّه لإقامة الشعائر على حافة النهر وفى المقابل كان أهل القرية يبعثون إليه بماتيسر من الغلال لدى كل حصاد وهكذا مضت حياته رخاءاً دائماً ونعيماً مقيماً ينهض قبل الفجر بقليل فيمضى إلى مصلاه وبعد أنتهاء الشعائركان يفضل البقاء هناك حيث أعدّ لنفسه متكأً عند جذع شجرة ضخمة من أشجار الكافور التى يغطى ظلها صفحة النهر، قد يستسلم لنوبة من النعاس يصحو بعدها على صياح الصغار الذين بدأوا فى التوافد على المصلى فى بداية يوم جديد وقد يطير النوم من عينيه فينهض ليحضر صينية الشاى التى أحتفظ بها فى الكوخ ويبدأ فى قتل الوقت بإعداد أدوار الشاى مثنى وثلاث ورباع حتى يحين موعد الصغار .
لم يكن الشيخ يستبقى الصغار طويلاً فبضاعته المحدودة من العلوم والمعارف لم تكن تكفى لأكثر من ساعة أو ساعتين يقوم بعدها بصرف الصغارإلى منازلهم فلم يكن يشغله مقدار مايتلقاه الصغار من معارف بقدر ماكان مهماً أن يشعر أهل القرية بالجهد الذى يبذله فى تعليمهم مبادئ الدين فيضمن بذلك أن تستمر إمدادات الغلال دون إنقطاع .
قبيل الظهرينهض الشيخ فيقطع المسافة التى تفصل الدكان عن ضفة النهر حيث نبتت أعواد البوص وتكاثفت ويغيب وسطها ليقضى حاجته ثم يهبط بضع درجات من الحجر الجيرى حتى يصل إلى حافة النهر فيتوضأ ثم يؤذّّن للصلاة ويقف مستعداً ليؤم القادمين.
هكذا كان ينقضى يوم الشيخ عماشة بين المصلى والدكان لايعكر صفو أيامه شئ وهكذا كان يمكن أن ينقضى ماتبقى له من عمر فأهل القرية يقدرون صنائعه ويفخرون بمعارفه وحكاياته وهو بدوره يطالع كتبه الصفراء ويستقى منها خطبه وحكاياته ويضيف عليها من بنات أفكاره ما يؤجج رغبتهم فى معرفة المزيد وينتزع عبارات الأعجاب وآهات الأستحسان حين يقف بينهم خطيباً يروى عن السلف الصالح من المعجزات مايشبه الأساطير.
غير أن دوام الحال من المحال كما يقال فقد صحت القرية ذات صباح على ضجيج يصمّ الآذان ، عربات نصف نقل وميكريفونات وأعلام تنتشر فوق أغصان الشجر فقد تقرر بناء مدرسة إبتدائية ومسجد فى هذه المنطقة المهجورة والمظلومة على ضفة النهر العظيم لتخدم مجموعة القرى المتجاورة والمعزولة عن بعضها البعض وحضر المسئول الكبير بنفسه ليضع حجر الأساس بيديه وبدأت القرية المهجورة تتصدر المشهد كله وشهد الناس شيخهم وهو يتقدم لمصافحة المسئول وقد شدّ نطاقه وأحكم عمامته وأصلح جبته وقفطانه .
أغتبط أهل القرية لأن الله أوجد بينهم من هو مؤهل للتحدث مع كبار القوم بوصفه كبيرهم وأمامهم ومعلم أبناءهم.
لكن الأحداث لاتمضى كما يشاء الناس دائماً فسرعان ماأنتصب بناء المسجد على ضفة النهر وتهيأ السكن الجديد الملحق بالبناء ليستقبل الشيخ الإمام حين روّع الناس ذات صباح بتوقف سيارة من سيارات الأجرة محملة بحقائب وبقج أمام المسجد مباشرة وترجل منها شيخ شاب وسيم الملامح رائع الهندام يتبعه رجل فى منتصف العمر يبدو كمعاون له .
تجمع الناس من كل صوب وحدب وأمتلأت الساحة أمام المسجد بأهالى المهجورة يتقدمهم الشيخ عماشة يستطلعون الأمروسرعان ماسرت بين القوم همهمات تفيد أن الحكومة قد أرسلت الشيخ الشاب ليكون إماماً للمسجد الجديد،وبدأ اللغط يزداد حدة شيئاً فشيئاً حتى تطور الأمر إلى مشادة كلامية وللمرة الأولى يجد الشيخ عماشة نفسه فى موقف المدافع عن قلعته الحصينة وتشجع بتحلّق الأهالى حوله فعلت نبرته المزمجرة الغاضبة:
- ومن قال إن القرية بحاجة إلى إمام جديد وأنا هنا منذ ثلاثين سنة .
ردّ الشيخ الشاب فى تأدب وخجل مراعياً أن الشيخ فى عمر والده:
- ولكن هذه أوامر الحكومة وليس لنا دخل فيما تقرره كما تعلم.
بدا الغضب على وجه الشيخ عماشة على حين سرت صيحات إحتجاج لايبين مصدرها
- لانريد إلا الشيخ عماشة.
تحرّج الموقف وبدا أنه لن يمر بسلام ولن يجدى فيه التأدب حتى النهاية ، قال الشيخ الشاب وقد وجد أن لامفر من المواجهة:
- ولكن أسمح لى يامولانا أنت غير مؤهل بينما أنا خريج كلية أصول الدين.
صاح صوت بين الجموع:
- وهل من أصول الدين أن تحل محل رجل فى عمر والدك ؟.
على حين أستدرك آخر:
- نحن لاتهمنا الشهادات ونتمسك بالشيخ عماشة مهما كان الأمر.
قال الشاب بلا خجل وقد خلع عنه الحياء تماماً:
- أهدأوا ياجماعة الشيخ عماشة فى سن والدى صحيح ولكنه غير مؤهل، إنه حتى لايحفظ سورة البقرة.
- بلا بقرة بلاجمل ،من تكون حتى تشكك فى علم الشيخ عماشة؟.
ثم ضاقت الحلقة حول الشيخ الشاب وتقدم أحد الوقوف وأمسك بخناقه وصاح وهو يلوح بقبضته الأخرى فى الهواء:
- أمش من هنا أحسن لك.
عند ذاك لم يجد الشيخ الشاب مفراً من أن يشير إلى من معه أن يتبعه إلى السيارة التى كانت ماتزال واقفة تتأهب للرحيل.
*************** دكتور/محمد فؤاد منصور