المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفَوْرَة”النَّفْطِيَّة” وَرَاء قيَام الحُرُوبِ و زَعْزَعَة اسْتِقرار الشعوب -علجية عيش -



علجية عيش
08/02/2017, 12:40 PM
حديث عن التزاوج العربي الفارسي.. و وقفة مع الدعم العربي للثورة الجزائرية
------------------------------------------------------------------------------------
منذ قرون اجتازت الأمة العربية مرحلة الانصهار و التطور، حيث لم يشهد بلد إلا و استبشر بالإسلام دينا، و استطاع الإسلام أن يوطد العلاقة العربية الفارسية، عن طريق التزاوج العربي الفارسي، و قد كانت إيران من الدول الإسلامية التي أعلنت موقفها الرسمي العلني من الثورة الجزائرية، كدولة مسلمة و عرضت القضية الجزائرية في مؤتمر القاهرة، و الحقيقة التي تقال للتاريخ هي أن مصر كانت أول المؤيدين و الداعمين للثورة الجزائرية خاصة في الجانب الدبلوماسي ، و هذا التنسيق بين الجزائر و مصر أتاح فرصة الاتصال بـ: 48 سفيرا معتمدا لدى جمهورية مصر لتدارس القضية الجزائرية

قراءة/علجية عيش

بمجيء الإسلام كانت الشام و العراق و مصر نقطة ازدهار العروبة، ثم امتدت منها إلى السودان و شمال إفريقيا، و تابع الإسلام سيره حتى وصل شرقا إلى إيران و الهند و الصين، و غربا إلى اسبانيا و شمالا إلى جزر البحر البيض المتوسط و بلاد الأناضول و روسيا و جنوبا إلى إفريقيا و سواحلها الشرقية و الغربية، و لما اقترن الإسلام بالعروبة عاش العالمين العربي و الإسلامي عيشة الجسد الواحد، و كان القرآن دستور الدين الإسلامي الجديد و تولى الرسول (صلعم) تطبيق هذا الدستور و شرحه، و قد عبّر الرسول عن ذلك بقوله: ” ليست العربية بأحدكم من أب و لا أمّ، و إنما هي اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربيّ” ، و من هنا سهر الخلفاء على حماية العروبة مبتعدين عن مظاهر التعصب لأيّ جنس أو لون، وأول شيء بدأت ترجمته هي “الدواوين”، لم تكن اللغة العربية سبيلا للتواصل فقط و إنما للتفقه في الدين و في وسط هذا البناء العربي ظهرت القومية العربية الواحدة، و أنجبت الأمة العربية قادة عظاما من أمثال طارق بن زياد و هو من أهل بلاد المغرب، اعتنق الدين الإسلامي بعد الفتح الأموي، و تجلت مواهبه في فتح بلاد الأندلس و كذلك خالد بن الوليد.

حديث عن التزاوج العربي الفارسي

تؤكد معظم الكتابات أن الحسين كان له الفضل في أسلمة أهل فارس، و إيقاف النزاع الذي كان بين العرب و الفرس و ما حدث في موقعة “صفين”، و موقعة النهروان التي كان فيها كان الانتصار لعلي بن أبي طالب، عندما تزوج الحسين بن علي بن أبي طالب من ” شهربانوه” ابنة يزدجر الثالث أخر ملوك آل ساسان، و انضم الشعوبيون إلى فرقة “الشيعة” و نادوا بأن علي أحق بالخلافة، ذلك أن الشيعة رأت أن الخلافة من أركان الدّين و قد أوصى النبيّ لعلي بن أبي طالب، و بناء على هذه الوصية يعتبر علي و ليّ الله ، و يمكن القول أن التزاوج العربي الفارسي عَمَّقَ هذا الانصهار، كما ساهم هذا التزاوج العربي الفارسي على نشر الحضارة العربية الإسلامية في هذه البلاد، فكانت محط أنظار الأمم و الشعوب، و ليس كما تقول الكتابات بسبب انتصار العرب على الدولة “الساسانية” التي كانت آخر دولة فارسية، ما يمكن الإشارة له هو أن بعض المؤرخين أرجعوا أسباب الخلافات إلى أن العرب كانوا يعتقدون أنهم مواطنون من الدرجة الأولى في الدولة الإسلامية و أن العنصر الفارسي لهم مواطنة من الدرجة الثانية، الأمر الذي دفع بأهل فارس وقف ذوبانهم في المجتمع الإسلامي السُّني، و حسب المؤرخين فإن العرب أعطوا للفتوحات الإسلامية طابع الغزو، و كانوا يعتقدون أن الفضل يعود إليهم في أسلمة فارس و البلاد الأخرى، فما كان على العنصر الفارسي إلا أن يحمل لواء الدعوة “العلوية”، وقتها فكر العباسيون التقرب من العلويين، حيث لجأ علي بن عبد الله بن العباس إلى التقرب من أبي هاشم بن محمد ابن الحنفية الملقب بـ: ” إمام الوقت العلوي”، و جمعت بينهما صداقة قوية وثيقة دفعت ابن الحنفية إلى إسناد الوصاية إلى ابن عباس، لكن تحالف العنصر الفارسي لم يستمر طويلا، فما أن دبَّ الضعف في الخلافة العباسية، كان العنصر الفارسي أول من أعلن الخروج عليها و أعلن عن قيام الدولة “البوهية”.

معظم الدراسات التاريخية تشير إلى أن هذا الصراع استمر و ترك فراغا سياسيا و دينيا كبيرا، و هذا الفراغ الديني و السياسي كان وراء ظهور بعض الحركات لإحياء ماضي الشعوب و التفاخر بعصبياتها الجغرافية و التاريخية، و الرد على العرب الذين تعالوا على الداخلين في الإسلام من غير العرب، من هذه الحركات نجد حركة أبي مسلم الخراساني، و حركة الفضيل بن سهل، و غيرها، و رغم تصدي الخلفاء الراشدين لهذه الحركات، إلا أن كل محاولاتهم باءت بالفشل، لأن فريقا من قادة الحركات الدينية و السياسية وحدوا صفوفهم و اندفعوا داخل البلاد العربية تحت ستار “التشيع” لآل علي بن أبي طالب، و جعلوا من مدن العراق و الساحل الشرقي للجزيرة العربية مركزا لنشر الفكر الشيعي، و قد أخذت إحدى هذه الحركات اسما لها و هو ” الشعوبية”، و هو مصطلح يعني العودة إلى ماضي الشعوب، و أطلق عليهم اسم “الموالي”.

كان الشعوبيون يجيدون اللغة العربية، و كانوا يتمركزون بكثرة في البصرة و الكوفة، و اشتغلوا بالكثير من الحرف حتى ملكوا ناصية الصناعة و التجارة، و اتخذوا لهم سوقا سمّوه ” المربد” على شاكلة سوق “عكاظ” الخاص بالعرب، و يبعد سوق المربد على البصرة بنحو 03 أميال، حيث صار مجالا خصبا للشعراء الذين لعبوا دورا كبيرا في الهجاء السياسي، و لم يتخلى الشعوبيون على شعوبيتهم رغم دخولهم في الإسلام ، بل ظلوا متمسكين بتقاليدهم و نزعاتهم، و صبغ بعضهم الإسلام بصبغة فارسية، أما الكوفة فقد اتخذت كما يقول المؤرخون عاصمة لخلافة علي بن أبي طالب ، و بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان على يد ابن سبأ، بدأ الصراع بين علي بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان، ممّا أدى إلى تقسيم الأمة إلى ” شيع” متنافرة، اتخذت كل منها لنفسها مبادئ سياسية و آراء دينية، فكان أهمها فرقة “الخوارج” و “الشيعة” و “المرجئة”.

إيران و تداعيات “الفورة النفطية”

استمرت العلاقات العربية الإيرانية إلى حيث مجيء الدولة “الصفوية” بزعامة إسماعيل الصفوي عام 906هـ – 150 ميلادية ، التي أعلنت مطلع القرن السادس عشر ميلادي اتخاذ المذهب “الشيعي” مذهبا رسميا للدولة خلافا لمذهب الدولة العثمانية و باقي الأقطار العربية، من هنا بدأ التاريخ الحديث لإيران، حيث استغلت بريطانيا الصراع السني الشيعي، في رسم حدود المصالح العليا للإمبراطورية و الاستثمار في المناطق الواقعة من وادي النيل غربا، إلى إيران شرقا مرورا بشبه الجزيرة العربية، و عمل الاستعمار البريطاني على إضعاف الدولة العثمانية لبسط هيمنته على الدول العربية ( الكويت، الإمارات، البحرين، عمان..الخ)، و في ظل تداعيات “الفورة النفطية” و اكتشاف النفط في إيران عن طريق إحدى الشركات البريطانية بعد اتفاق عام 1907 مع روسيا، وجهت “واشنطن ” اهتمامها صوب طهران عشية انتهاء الحرب العالمية الثانية، من أجل التعرف على طبيعة العلاقات العربية الإيرانية و الاستثمار في هذه العلاقات لصالحها، و لم يكن هذا الاهتمام وليد الصدفة، لأن العامل الاقتصادي كان المحدد للسياسة الخارجية الأمريكية، و بالفعل فقد نجحت أمريكا في فرض وجودها كوسيط رئيسي بين الدول العربية و إيران، بل توجيه علاقتها بهذه الدول و صياغتها، كما رغبت موسكو في استغلال الثروة النفطية الإيرانية لكنها فشلت، و كان لهذا الفشل وقع خطير على اقتصادها.

تمكنت إيران من إخراج القُوَّات الروسية من أراضيها، و دفعها هذا النجاح إلى توسيع مناطق نفوذها في الشرق الأوسط، و اعتمدت واشنطن في ذلك على خط دفاعي ثنائي تمثله الدولة العبرية ” إسرائيل” لكي تعزز القوة بين إيران و إسرائيل على حساب جيرانها العرب في ظل حكم ” القاجار” و ساعدت الشاه في الخلاص من مصدق، و ما كان على الشاه إلا الرضوخ لمطلبها في تعيين نعمة الله ناصري الذي كان أبرز قادة الانقلاب ضد مصدق رئيسا لجهاز الاستخبارات الإيراني ” السافاك”، و قام بحركة تعيينات في المناصب العليا في الدولة و كان أغلبها المقربون من أمريكا، أبرزهم أمير عباس هوفيدا الذي عين رئيسا للوزراء، لم تقبل الولايات المتحدة بالهزيمة، حيث فكرت في إعادة ترتيب أوضاعها الإستراتيجية عن طريق استخدام العرب لضرب إيران الثورة، لكن ما كان على إيران إلا تصدير الثورة إلى دول الخليج ذات الأنظمة المحافظة.

انعكاسات ولاية الفقيه على العلاقات العربية

شرع الإمام الخميني و نظامه في الترويج لمبدأ ولاية الفقيه، من أجل أن تبقى الثورة الإسلامية حبيسة الحدود الإيرانية ، و خلقت إيران ما أطلق عليه بـ: ” تثوير الإسلام” كتوجه إيديولوجي، و كان هذا التوجه الإيديولوجي يملك تأثيرا في المناطق التي تثق في رجل الدين، و تستمد منه الشرعية أكثر من الأنظمة الحاكمة، لأن الخطاب الديني آنذاك دخل في متن اللعبة السياسية، و الأمثلة كثيرة ذكرها بعض المؤرخين، منها واقعة احتلال الحرم المكي في أوائل 1980 عندما قام شخص يدعى “جهيمان العتيبي” في محاولة منه تغيير نظام الحكم في السعودية و الإعلان عن قدوم المهدي المنتظر و هو المقابل السّنى لعودة الإمام الغائب في المذهب الشيعي، و طبعت العديد من الدول العربية مثل مصر النموذج الإيراني الذي عبر عن الإسلام الثوري، وبداية من القرن العشرين شهد العالم العربي و الإسلامي جدلا كبيرا للصراع السني الشيعي، حول المسالة السياسية و أولوية الفقيه، و وضع الخميني شروطا أهلية الفقيه بالولاية، و تولد عن هدا الصراع ما سمي بـ: “فقه التكفير” عند جماعات الإسلام السياسي في مصر، تونس و في الجزائر و البحرين و سوريا بدرجات متفاوتة، و الخلاف حول “المرجعية الدينية” بين السنة و الشيعة و التي احتدم الصراع حولها بين حوزة النجف في العراق و حوزة قم في إيران.

الدور العربي في دعم الثورة الجزائرية

لم يكن على قادة الثورة الجزائرية أيام الاحتلال الفرنسي إقناع الرأي العام بأن الجزائر ليست جزءًا من فرنسا، خاصة و أن جبهة التحرير الوطني لم تكن على وفاق مع الحركة المصالية، حيث كانت تقوم بعمل موازي و تحاول إيهام الرأي العام العربي بتمثيلها الشعب الجزائري كحركة تحررية، في رسالة رفعها مصالي الحاج إلى الجامعة العربية بتاريخ 25 نوفمبر1954 تضمن تعيين أحمد مزغنة ممثلا عن الحركة في الخارج، غير أن جبهة التحرير الوطني تمكنت من تجاوز هذه العقبة في مؤتمر باندونغ المنعقد في أفريل 1955 ، و كانت فيه إيران حاضرة، بحكم أنها من الدول الإسلامية التي لم تكن في تلك الفترة تعرف استعمارا مباشرا عدا النفوذ الروسي و الإنجليزي في عهد الشاه رضوان بهلوي، ما مكنها من إعلان موقفها الرسمي العلني من الثورة الجزائرية، و أن تكون عضوا في الكتلة الأفروىسيوية عام 1955، حيث أكدت حضورها القوي في مؤتمر التضامن الآفرو آسيوي المنعقد بالقاهرة في الفترة ما بين 27 ديسمبر 1957 و الفاتح جانفي 1958 على أساس أن دعمها للثورة الجزائرية في هذا المؤتمر، قائم على أساس التضامن مع دولة مسلمة و شعب مضطهد من طرف الاستعمار .

وقد شرعت في جمع التبرعات و جمع الملابس و الأدوية و المواد الغذائية و الأسلحة، و قد جاءت قضية اللاجئين الجزائريين لتؤكد إيران مرة أخرى تأييدها للثورة الجزائرية، كونها تشكل جزءا لا يتجزأ من الوطن العربي، و كان من الطبيعي أن تفتح قيادة الثورة مكاتب تمثيلية دائمة لها بالدول العربية، لتعزيز روابط التلاحم بينها و بين هذه الدول، خاصة بعد توافد أعداد كبيرة على كل من تونس و المغرب الأقصى، حيث سارعت إيران إلى تقديم الإعانات للهلال الأحمر الجزائري عن طريق المنظمة العالمية ممثلة في الصليب الأحمر الدولي، و الحقيقة التي تقال للتاريخ هي أن جمهورية مصر كانت أول المؤيدين و الداعمين للثورة الجزائرية خاصة في الجانب الدبلوماسي ، و هذا التنسيق بين الجزائر و مصر أتاح فرصة الاتصال بـ: 48 سفير معتمدا لدى جمهورية مصر لتدارس القضية الجزائرية، أما العراق فقد كان لها حضور قوي كذلك في دعم الثورة الجزائرية في مؤتمر باندونغ ، و كان للوفد العراقي موقف مشرف في أول دورة عقدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن القضية الجزائرية لا تخص فرنسا وحدها و لم تتوان بغداد منذ البداية من تقديم المساعدات للجزائر سياسيا و عسكريا.