المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة قصيرة/ كبرياء



عبد الحميد الغرباوي
31/05/2007, 11:02 PM
كبرياء

كان يسير غير عابئ بهزء المدينة و صخبها...
الشارع طويل و عريض..
هذه المدينة الهازئة، كانت ، قديما، تحبه..
هو لا يزال يحبها..
و كلما هم في لحظة من لحظات اليأس أن يستنجد بها صارخا:
"أيتها الغبية أحبك"
يصرخ فيه كبرياؤه:
" أيها الأحمق كن صلبا.. لا تضعف أمام الأنثى و لو كانت عجوزا شمطاء كمدينتك.. الإناث لا يخضعن للضعاف.. و هن أمام الأقوياء من الرجال يسترخصن أنفسهن.."
***
مدينته امرأة عجوز، جسدها بحر شاسع و دور و عمارات و غابات و حدائق و حانات مليئة بالحكايات، و هو يحبها فله على كل شبر من جسدها أثر هو صورة أو ذكرى..
لا يزال يتذكر ذلك المساء حين سألته و في سؤالها مداعبة:
" بم يذكرك هذا اليوم؟"
فرد عليها غير مبال:
" بلا شيء.. بماذا سيذكرني..
هذا اليوم كسائر الأيام..
اسمعي ، أيتها العجوز، الأيام نكتة كبيرة.."
" اعصر دماغك أيها الحبيب و بلا فلسفة.. فكر جديدا.."
" إعفيني أرجوك.."
" اليوم عيد ميلادك أيها القط الدائخ.."
قالت ضاحكة و أهدته قطة سمراء بعيون عسلية و أهداب تسحر..
" أقدم إليك زينة.."
و احتفاء بالمناسبة، ذهب و زينة، ليلتها، إلى أكبر حديقة بالمدينة،...
عيون العجوز المدربة تحرسهما و ترعاهما.
اقتعدا كرسيا.
يحكي لها و تحكي له.
تبكي على صدره و يبكي على صدرها. و بين الدمعة و الدمعة رشفة قبلة..
بعد ذلك رقصا على أنغام النسائم و زفرات الأنفاس..
و حين تعبا رقصا و غناء، تعانقا و تلاشيا في العناق..
و من ليلتها لم يفترقا إلى أن كان ذات صباح برده قارص...
استيقظت زينة تموء:
" أنا جائعة.. انهض أيها القط الكسلان و ابحث لنا عن لقمة.."
" و من أين يا حبيبتي؟.. انظري..."
و أخرج لها ببرودة تخز داخل جيوبه الفارغة..
" و من أين يأتي الآخرون بالمال.."
" لا أعرف.."
ماءت مواء حادا:
" في أمور السرير أنت تعرف و في أمور ضروريات البطن، أنت لا تعرف.."
ماءت باكية ثم لملمت حوائجها و انصرفت قائلة:
" ابحث لك عن واحدة تقتل جوعها بالحب.."
و كان ذلك آخر عهد له بها..
***
لعلها اليوم، في مكان آمن، تحب و تنام و تأكل و تشرب حد الارتواء..
لعلها بين الفينة و الأخرى تستنهض صورا و ذكريات من الماضي فتطلق آهات حنين..
لعلها نسيته، و هي الآن تنام بين أحضان قط لا تسأله زادا و لا مالا بل تسرق الزاد و المال من الغرباء و تطعمه..
رذاذ..
مطر غزير وشيك..
أسرع في المشي و الشارع العريض الطويل، طويل...
و المدينة الهازئة لا تأبه به، و كبرياؤه بداخله يهتف:
" ابصق في وجه كل القطات...
و ابصق في وجه العجوز الشمطاء..
و سر رافعا رأسك.."
بصق، و واصل سيره مرفوع الرأس.

خليل حلاوجي
01/06/2007, 05:34 PM
تحضرني هنا مقولة الاديب الكبير المرحوم كامل الشناوي حين قال
انا لاافزع الا من شيئين
غموض مرض اعرفه
وغموض امرأة اعرفها

في قصة اديبنا الرائع الغرباوي تنقلب محاور التعجب ، اذ الغموض يشمل اليوم كل الرجال وكل النساء وكل القطط

\

قصة كبرياء .... وجدت في ثنايا سطورها لوعة القاص وهو يحاول ان يجتهد في امالة المرايا لتكون امام القارى ، لعله يشاهد فواجع ارصفتنا الحزينة ... في زمن الزيف هذا والهوان


\

وخزة
و هو يحبها فله على كل شبر من جسدها أثر هو صورة أو ذكرى..
اليس الالطف ان نقول كصورة او ذكرى
مجرد ... وجهة نظر ... ذوقية لانقدية


\

تقبل بالغ تقديري لادبك الرفيع

احتفاء بالمناسبة، ذهب و زينة، ليلتها، إلى أكبر حديقة بالمدينة،...

عبد الحميد الغرباوي
02/06/2007, 12:32 AM
قصة كبرياء .... وجدت في ثنايا سطورها لوعة القاص وهو يحاول ان يجتهد في امالة المرايا لتكون امام القارى ، لعله يشاهد فواجع ارصفتنا الحزينة ... في زمن الزيف هذا والهوان
أخي خليل،
تعليقك هو في حد ذاته إبداع..
تحية لقلمك، و لروحك الشفافة..
مودتي

عبد العزيز غوردو
02/06/2007, 06:12 PM
لله درك مبدعا وناقدا أستاذي الغرباوي...
لست أدري لماذا أحببتها من أول قراءة، قصتك: ألأن ألقها أبهج ذائقتي؟ أم لأن طقوسها تشبه طقوسي... وتحتويها؟
الجواب على ذلك قد أجده في قراءة ثانية أو ثالثة... أو رابعة... أو قد لا أجده أبدا...
وهذا يستهويني: أن أظل مأسورا بلذة النص حتى اللانهاية...

دمت متألقا أيها الفذ

هري عبدالرحيم
03/06/2007, 02:55 AM
الأستاذ الغرباوي:
يسعدني جدا أن أقرأ لك،فطريقة السرد عندك تأسرني ،وتتركني أقرأ وأعيد القراءة،وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على الإتقان ،إتقان الصنعة التي ليست هنا سوى الإبداع الذي ننشده.
ملاحظة بسيطة :لماذا أنت مقل في نشر نصوصك هنا مع العلم أن لك معينا لا ينضب؟
واستضيف القاريء للإطلاع على هذا الرابط للإستزادة من معرفة عبد الحميد:
http://arabswata.org/forums/showthread.php?t=11161

عبد الحميد الغرباوي
04/06/2007, 01:34 PM
لست أدري لماذا أحببتها من أول قراءة، قصتك: ألأن ألقها أبهج ذائقتي؟ أم لأن طقوسها تشبه طقوسي... وتحتويها؟
ــــــــــــــــــــــــــ عبد العزيز غوردو
شكرا أخي عبد العزيز غوردو لتفاعلك مع نص " كبرياء"...
الحقيقة أني و أنا أقرأ عملك القصصي، أحسست كما لو أن البطل في قصتك و شبيهه في هذه القصة، يعيشان في مجال واحد، و يتقاسمان هموما واحدة، و يعانيان معاناة واحدة، لذا دعوتك إلى قراءته..و النص هو من مجموعتي القصصية ( تفاحة نيوتن) منشورات، دار الحوار بسوريا. 2000.
مودتي

جمال عبد القادر الجلاصي
04/06/2007, 08:05 PM
الأستاذ المبدع عبد الحميد الغرباوي:

الكتابة تحت تأثير الوعي بخطورة ما نكتب هي أكثر أنواع الكتابة

واستحضار القارئ المنتظر للنص هو همّ اضافي للمبدع

القصة كتبت بوعي حاد، وبلغة تدرك جيّدا ما تريد

الانتقال الحاد من القبل إلى المواء، من الحزن الجارف إلى الجسد الصارخ

كمن يغازل الأسلوب

احترامي سيدي لقلمك المبدع

عبد الحميد الغرباوي
06/06/2007, 08:30 PM
الأستاذ الغرباوي:
يسعدني جدا أن أقرأ لك،فطريقة السرد عندك تأسرني ،وتتركني أقرأ وأعيد القراءة،وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على الإتقان ،إتقان الصنعة التي ليست هنا سوى الإبداع الذي ننشده.
ملاحظة بسيطة :لماذا أنت مقل في نشر نصوصك هنا مع العلم أن لك معينا لا ينضب؟
واستضيف القاريء للإطلاع على هذا الرابط للإستزادة من معرفة عبد الحميد:
http://arabswata.org/forums/showthread.php?t=11161
الأستاذ/ الأديب عبد الرحيم هري،
شهادتك وثيقة أعتز بها.
بالنسبة لكوني مقلا في نشر نصوصي هنا، فقط لكي لا أكون مستحوذا، فهناك العشرات من الأقلام المتمكنة، و الأخرى التي تشق لها طريقها بإصرار على درب الإبداع، و التي يجب أن يفسح لها مجال لإبراز مواهبها، و الحظوة بقراءات لأعمالها و التعليق عليها..
مودتي

عبد الحميد الغرباوي
07/06/2007, 01:10 PM
.... واستحضار القارئ المنتظر للنص هو همّ اضافي للمبدع
جمال عبد القادر الجلاصي
ــــــــــــــــــ
الأديب جمال،
أجل، أخي، فلا يمكن أن يكون هناك إبداع في غياب قارئ، أو قراء...
كل إبداع هو موجه إلى قارئ مفترض...
الفكرة تغري بدراسة أو دراسات مستفيضة...
مودتي

عبد الحميد الغرباوي
09/06/2007, 05:53 PM
أخي عبد الرحيم هري،
... كما لا يفوتني أن أشكرك على ما بذلته من جهود في سبيل التعريف بمجمل أعمالي في اللغة و الأدب.
http://arabswata.org/forums/showthread.php?t=11161
مودتي

ريمه الخاني
09/06/2007, 06:41 PM
عندما نصل للمحبوب...نجد كم كانت المسافات ترينا مالا كنا نرى....
ان نعيش الواقع بتفاصيله وبقوة هو الانجاز
نص قوي جدا حتى في نهايته..
واعجبني التعقيب هنا

للاستاذ حلاوجي القارئ باجادة

انا لاافزع الا من شيئين
غموض مرض اعرفه
وغموض امرأة اعرفهاوازيد
وغموض رجل جمعني به عمل ما ....

د- صلاح الدين محمد ابوالرب
09/06/2007, 07:09 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفاضل المبدع عبد الحميد الغرباوي

((((((((((بصق، و واصل سيره مرفوع الرأس))))))))))))))))

تبدع وتترك النهاية يسبح بها القارىء
وهنا يبصق القط ويواصل سيره مرفوع الراس
ترى هل بصق على تجربته ام على حقيقة انقياده للتجربة
وحتى متى سيبقى مرفوع الراس
اهي مثل تلك التي بين ...النكسات

تحية

د.حنان فاروق
09/06/2007, 10:12 PM
السلام عليكم
القطة رمز أدبي للخيانة..والخداع..
هى معك طالما تطعمها..وإن قصرت نشبت مخالبها فى عنقك..
وهكذا المخادعون فى كل مكان وزمان..
ورغم أنا نلتقى بالكثير منهم كل يوم بطريقة أو بأخرى..إلا أن كبرياءنا قد يجبرنا فى كثير من الأحيان أن نغض الطرف عنهم..لنستمر احتراماً لأنفسنا..

ابراهيم عبد المعطى داود
13/06/2007, 01:05 AM
ألأستاذ الفاضل / عبد الحميد الغرباوى
سيدى أين أنت من نصوصى 00
أريد سيدى أن أتعلم منكم 00
وأن أعرف مستوى كلماتى 00
أريد أن تكتحل عينى برؤية نقدكم الهادف على كل نصوصى 00
مع عظيم إمتنانى 00
ابراهيم عبد المعطى ابراهيم

عبد الحميد الغرباوي
14/06/2007, 12:43 AM
العزيزات، و العزيزون:
ريمة الخاني
د. حنان فاروق
صلاح الدين محمد أبو الرب
ابراهيم عبد المعطي ابراهيم ..
شكرا على تفاعلكم...
سعيد لوجودي بينكم/ بينكن..
أتعلم، و أستفيد من الجميع
مودتي

محمد فؤاد منصور
14/06/2007, 02:07 AM
كبرياء

" في أمور السرير أنت تعرف و في أمور ضروريات البطن، أنت لا تعرف.."
ماءت باكية ثم لملمت حوائجها و انصرفت قائلة:
" ابحث لك عن واحدة تقتل جوعها بالحب.."
و كان ذلك آخر عهد له بها..
***
لعلها اليوم، في مكان آمن، تحب و تنام و تأكل و تشرب حد الارتواء..
لعلها بين الفينة و الأخرى تستنهض صورا و ذكريات من الماضي فتطلق آهات حنين..
لعلها نسيته، و هي الآن تنام بين أحضان قط لا تسأله زادا و لا مالا بل تسرق الزاد و المال من الغرباء و تطعمه..
رذاذ..
مطر غزير وشيك..
أسرع في المشي و الشارع العريض الطويل، طويل...
و المدينة الهازئة لا تأبه به، و كبرياؤه بداخله يهتف:
" ابصق في وجه كل القطات...
و ابصق في وجه العجوز الشمطاء..
و سر رافعا رأسك.."
بصق، و واصل سيره مرفوع الرأس.
الأخ الفاضل عبد الحميد
جميل جداً هذا النص المغزول بإتقان والمحمل بالفكر .. فى هذا المقطع نحن أمام رؤيتين إحداهما ترى البقاء فى إشباع الضرورات الغريزية والأخرى ترى فى الكفاح والسعى من أجل لقمة العيش قيمة الأنسان وشرفه ..أهنئك على هذا الأبداع المتميز ..وتقبل تحياتى.
دكتور/ محمد فؤاد منصور
الأسكندرية :vg:

عبد الحميد الغرباوي
19/06/2007, 10:50 PM
و هذه قراءة أخرى من قاص و محلل أدبي متميز...
أخي محمد فؤاد منصور أحييك من صميم الفؤاد..
و مزيدا من النشاط و التفاعل مع نصوص منتدى القصة القصيرة..
لك كل التقدير و الاحترام...
مودتي