المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحــلـــــم بأن أكون رئيـســـــــــــــــــاً للجمهـــــــــــــــــوريــة



NAJJAR
07/06/2007, 07:00 AM
أحلم بأن أكون رئيساَ للجمهورية

حينما كنا صغاراَ، كان يحلو لآبائنا أن يسألونا عما نحلم به ولاسيما السؤآل التقليدي "ماذا تحلم بأن تكون؟". وكنا نتبارى في إختيار الوظائف والتخصصات، وبالطبع كانت الرتب العسكرية لها الزهو التقليدي الذي يتمثل في اللباس العسكرى. لم تكن لأحلامنا حدود ولكن كانت هناك حدود نفسية لمدى تقبل الآباء لهذه الأحلام. أذكر بأن أحد أصدقاء طفولتي قال: "أحلم بأن أكون رئيساَ للجمهورية". لقد كان أبوه ناظراَ للمدرسة، وهو منصب لم يكن يحلم به الكثيرون من آباء القادة في العالم. ولقد ناله من الضحك الساخر الكثير، وقال له والده: " يابني.. احلم بشىء لا تكون نتيجته نفي أبيك إلى حر الصحراء أو برد الزنزانة" ثم ابتسم ابتسامةَ لم نفهم معناها.

لقد أخطأ جيل الآباء أخطاءَ جسيمة في توجيه الأبناء وما كان لهم أن يفعلوا ذلك. لقد تصوروا رئيس الجمهورية وكأنه نصف إله، فهو كائن دائماَ على صواب، ويجمع من العلم ما لا يعرفه أحد. سليل أسرةِ عريقة في السياسة. والسياسة محرمة على من ليس له مقعد في أي من المجلسين أو مؤسسات الدولة السيادية. لقد تصوروا أن على الابن أن ينظر دائماَ إلى أبيه، وألا يشذ عن درب أترابه. لم يكن السبب هو أن منصب رئيس الجمهورية هو منصب قد يتنافس عليه الملايين؛ ولكن هي الفلسفة الأفلاطونية الجامدة التي تعتمد على الطبقات المغلقة. لقد عبر آباؤنا عن فلسفة لا يعرفون مصدرها ولا يهتمون بمدى تعارضها مع مبدأ العدالة الاجتماعية في أن لكل مواطن الحق بأن يحلم وأن لا يسفه أحد حلمه، وأن الله وحده هو الذي يقرر من يكون رئيساَ ومن لا يكون.

لقد عنى آباؤنا بتلقيننا دروساَ خاطئة وساعدهم أساتذتنا في ذلك وكنا لا نعلم ولا نعرف حقنا في أن نعلم، بل كنا لا ندرك أننا لا نعلم. لقد علمنا أساتذتنا أن طه حيسن هو قاهر الظلام وأديب الأمة، وعرفنا فيما بعد ما عرفنا، ولم يكن سوى إناء يصب فيه مستشرقو الغرب أحقادهم على الإسلام، فقاده غروره إلى أن يدعو إلى نقد القرآن وهو يقول بأن كازانوفا الفرنسى "معلمه" أفضل من علماء الأزهر الكرام. وعلمونا أن نقول "يحيا سعد"، ولقد علمنا بعد بأن سعدا لم يكن يعرف في الأساس بالثورة التى نسبت له، وأن تمثيلية قد حبكت لتمجيده، وأنه أنفق مال الشعب في الميسر"القمار" وترك المناضل محمد فريد ليموت من الجوع في الخارج. علمنا أساتذتنا أن نضرب المثل بقاسم أمين في تحرير المرأة، ويشهد ميدان التحرير بأنه لأول مرة في تاريخ مصر منذ المسيح تمشى النساء سافرات بعد أن أرغمن على خلع الحجاب عشية الاحتفال بسعد الذي أهدى له قاسم أمين كتابه فيما بعد. ولا يزال التجهيل مستمراَ.

لقد أسقط آباؤنا ومعلمونا عقدة الإسلاميين على عقولنا، نعلم أنهم كانوا يحبوننا ويخشون علينا مصير الإسلاميين وما عانوه من ظلمِ واضطهاد، ونعلم أنهم كانوا على قليل درايةٍ بالأمور، وأن ساحة الفكر السياسي لم تكن مفتوحة مثل اليوم، و حرية الرأي لم تكن متاحة ولم يتغير واقعها بعد. لكننا في كل الأحول كنا نود لو لم يعلمونا ما هو خطأ، فذلك ظلمٌ كبير، ونحن اليوم نبذل جُهدين للتعلم، أحدهما بمحو ما تعلمناه من خطأ والآخر بالبحث عن الحقيقة في بيئة ضبابية، كالذي يحقق في جريمة مر عليها عشرات السنين ومات شهود الإثبات فيها والنفي.

هذه هى العوامل التربوية التى جعلت الحلم برئاسة الجمهورية حلماَ مسفهاَ، وليس العلم أو النسب أو القرب من مراكز صنع القرار. وعندما يقول سياسى مخضرم بأن عملية البحث عن بديل جارية وتمر السنون دون العثور على من يتناسب مقاس رجله على " فردة" الحذاء، فإننا نأسف لذلك كثيراَ، لا لعدم الوصول إلى البديل، ولكن لأن سياسياَ على مستوى رفيع لم يكن ليهين الشعب بهذا الشكل. يا قوم..أليس منكم رجلُ رشيد؟؟؟

أما أنا، فمن حق طفلى أن يحلم، وسألقنه الحق ما علمته، وسأخبره بأنه "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم" وأن "الساكت عن الحق شيطانُ أخرس" وأن " أفضل الجهاد.. كلمة حقٍ عند سلطانٍ جائر" وأنه "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" وذلك عملاَ بقول الله عز وجل "وليَخشَ الَّذينَ لو تَرَكُوا مِن خَلفِهِم ذُرِّيَةً ضِعافاَ خافُوا عَلَيهِم، فَليَتَّقُوا الله وليَقُولُوا قَولاً سَدِيدًا" وأنه حين سأل الرسول صلى الله عليه وسلم ابا بكرِ الصِّدِّيق عن أولاده " ماذا تركتَ لهم" ، قال "تركتُ لهم اللهَ ورسوله".