مجاهد محمد
08/09/2007, 12:14 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مواقف من حياة الداعية زينب الغزالي رحمها الله
هناك الكثير من المواقف والقضايا التي عاشتها الداعية الكبيرة السيدة زينب الغزالي، نحن في حاجة إلى أن نتأمَّلها ونستفيد منها في حياتنا وفي مجتمعاتنا، ومنها هذه القصة، فبعد أن تأسست جمعية "السيدات المسلمات" في ربيع الأول 1356هـ= 1937م كجمعية إسلامية ثقافية اجتماعية، تهتم بإصلاح المجتمع المسلم عمومًا والمرأة المسلمة خصوصًا، ذاع صيتها في أنحاء مصر.
وبدأت الداعية الشابَّة زينب الغزالي رئيسة الجمعية، ومعها الواعظات، في إلقاء الدروس الدينية في المساجد، وممارسة الأنشطة الاجتماعية، وأقبل عليهن خلق كثير من مختلف طبقات المجتمع المصري، وأصبح تأثير الجمعية ملحوظًا.
وذات يوم زارها أحد رجال القضاء في مقر الجمعية وقدَّم لها الشكر على جهودها الكريمة في حلِّ مشكلة شخصية كان يعاني منها، وقبل أن تعتريها الدهشة أبلغها بأن مشكلته كانت مع زوجته، وأن الأمر بينهما تعقَّد حتى كان الحل هو الطلاق، وقبل فترة بدأت الأمور تتحسَّن بدرجة كبيرة، وأدرك أن السرَّ في هذا التحسُّن يرجع إلى أن زوجته بدأت تواظب على حضور دروس الداعية زينب الغزالي، وبالتالي تغيَّر الوضع إلى الأفضل، وأنه يشعر بالامتنان لها، ولذلك جاء ليشكرها بنفسه على ما حقَّقته لبيته وأسرته وحياته، من سعادة واستقرار.
وقبل أن يغادر عرَض على الداعية المخلصة عرضًا غريبًا، وقبل أن تبدي فيه رأيها طالبها بالتمهُّل والتفكير فيه أولاً، قال لها إن شقيقه يعمل طبيبًا، ويدير مستشفى للأمراض الجلدية في القاهرة تسمَّى "الحوض المرصود" (لا تزال قائمةً للآن في حي السيدة زينب وتعالج الأمراض الجلدية)، وهذه المستشفى- وقتها- كانت مخصصةً لعلاج الأمراض الناتجة عن العلاقات الجنسية في بيوت البغاء، كان مصرَّحًا بها في مصر في ذلك الوقت، حتى ألغاها البرلمان بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت المستشفى تؤوي النزيلات من هذه النوعية.
ورأى القاضي المسلم أن هؤلاء المتمرِّغات في أوحال الرذيلة لهن حق عند زينب الغزالي!! إنه حق النصح والوعظ والتذكير, فلعل هناك من ينفتح قلبها للتوبة أو يمس الإيمان شغاف قلبها، أو تستمع إلى هاتف الإيمان فتتخلَّص من ذنوبها، وذكَّرها القاضي الواعي بأنه فقد الأمل في حلِّ مشكلته الخاصة, حتى ساعدته هي على الاستقرار والسعادة من جديد, وأن هؤلاء النزيلات في حاجة إليها أشد منه، وغادر القاضي على أمل أن تفكر الداعية الشابة في الموضوع، عسى الله أن يشرح صدرها.
عرضت الداعية زينب الغزالي الأمرَ على مجلس إدارة الجمعية, لكنَّ الغالبية رفضت الموضوع بدافع الحرَج أو الحساسية أو أن هؤلاء لا أمل فيهن، وأن هناك من هن أولى ببذل الجهد، وأن هذا الموضوع- في النهاية- سيُسيء إلى الجمعية، لكن الداعية وجدت نفسها مشدودةً إلى خوض هذه التجربة, وقالت لنفسها: مهما كانت رداءة هذا الوسط, فلماذا لا أسعى لتوصيل نور الله إليهن؟ ولماذا لا أساعدهن على التوبة؟
وبالفعل تحمَّلت هي مسئولية القرار، وزارت المستشفى الذي كان يئنُّ بساكنيه، وبدأت تلقي محاضرةً أسبوعيةً, ترغِّب في الإيمان وفي الجنة، وفيما عند الله للطائعين والمحبِّين, وترهِّب من النار ومن عذاب العصاة والمذنبين, وتفتح باب التوبة لمن عقدت العزم، وطالتها أنوار الهداية، وشيئًا فشيئًا انجذبن إليها واطمأنت قلوبهن بين يديها، ولمسْن فيها صورة الأم الحنون, والأخت المحبة, والصديقة المخلصة, والمسلمة الواعية, وبدأ الجميع ينتظر اللقاء الأسبوعي بلهفة, والذي تحوَّل إلى ندوة, وبدأت التساؤلات: ماذا نفعل؟! وكيف نعيش بعد أن نبَذَنا الأهل ولا مورد رزق لنا؟ وهل سيقبلنا المجتمع؟ وهل لا زالت أمامنا فرصة للتوبة والحياة الكريمة؟ وهل هناك من يمد لنا يد العون؟!
كانت الداعية العظيمة تتلقَّى الأسئلة وتفتح باب الأمل, حتى سمعت إحداهن تعلن توبتها وندمها وعزمها على ألا تعود للمعصية أبدًا، وسرعان ما تبعتها ثانية وثالثة ورابعة، وتحمَّلت زينب الغزالي عبء مساعدتهن لبدء حياة كريمة، من خلال تبرُّعات المحسنين وأهل الخير والإيمان، الذين لا ينقطع منهم زمان، وساعدت بعضهن على الزواج بأقل التكاليف، وكانت تتعهَّد بيوتهن بالزيارة وبالمساعدة، وكانت تأكل في بيوتهن تواضعًا منها، وفي إحدى الزيارات سألت صاحبة البيت: هل ترين حياتك أفضل الآن أم في السابق؟
فأجابتها بأنها كانت تأكل من أفخر أنواع الطعام، وتلبس من أفضل الملابس، وتسكن الشقق الفارهة, والآن هي تأكل أبسط الأغذية، وقد لا تجد في بيتها أية ضروريات, لكنها تشعر بالأمن والأمان والرضا من الله, وهذا أعظم نعم الله عليها.. هكذا كانت زينب الغزالي داعيةً إلى طريق النور والهداية.
ماذا تقول للدعاة والداعيات في هذه الأيام؟
مواقف من حياة الداعية زينب الغزالي رحمها الله
هناك الكثير من المواقف والقضايا التي عاشتها الداعية الكبيرة السيدة زينب الغزالي، نحن في حاجة إلى أن نتأمَّلها ونستفيد منها في حياتنا وفي مجتمعاتنا، ومنها هذه القصة، فبعد أن تأسست جمعية "السيدات المسلمات" في ربيع الأول 1356هـ= 1937م كجمعية إسلامية ثقافية اجتماعية، تهتم بإصلاح المجتمع المسلم عمومًا والمرأة المسلمة خصوصًا، ذاع صيتها في أنحاء مصر.
وبدأت الداعية الشابَّة زينب الغزالي رئيسة الجمعية، ومعها الواعظات، في إلقاء الدروس الدينية في المساجد، وممارسة الأنشطة الاجتماعية، وأقبل عليهن خلق كثير من مختلف طبقات المجتمع المصري، وأصبح تأثير الجمعية ملحوظًا.
وذات يوم زارها أحد رجال القضاء في مقر الجمعية وقدَّم لها الشكر على جهودها الكريمة في حلِّ مشكلة شخصية كان يعاني منها، وقبل أن تعتريها الدهشة أبلغها بأن مشكلته كانت مع زوجته، وأن الأمر بينهما تعقَّد حتى كان الحل هو الطلاق، وقبل فترة بدأت الأمور تتحسَّن بدرجة كبيرة، وأدرك أن السرَّ في هذا التحسُّن يرجع إلى أن زوجته بدأت تواظب على حضور دروس الداعية زينب الغزالي، وبالتالي تغيَّر الوضع إلى الأفضل، وأنه يشعر بالامتنان لها، ولذلك جاء ليشكرها بنفسه على ما حقَّقته لبيته وأسرته وحياته، من سعادة واستقرار.
وقبل أن يغادر عرَض على الداعية المخلصة عرضًا غريبًا، وقبل أن تبدي فيه رأيها طالبها بالتمهُّل والتفكير فيه أولاً، قال لها إن شقيقه يعمل طبيبًا، ويدير مستشفى للأمراض الجلدية في القاهرة تسمَّى "الحوض المرصود" (لا تزال قائمةً للآن في حي السيدة زينب وتعالج الأمراض الجلدية)، وهذه المستشفى- وقتها- كانت مخصصةً لعلاج الأمراض الناتجة عن العلاقات الجنسية في بيوت البغاء، كان مصرَّحًا بها في مصر في ذلك الوقت، حتى ألغاها البرلمان بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت المستشفى تؤوي النزيلات من هذه النوعية.
ورأى القاضي المسلم أن هؤلاء المتمرِّغات في أوحال الرذيلة لهن حق عند زينب الغزالي!! إنه حق النصح والوعظ والتذكير, فلعل هناك من ينفتح قلبها للتوبة أو يمس الإيمان شغاف قلبها، أو تستمع إلى هاتف الإيمان فتتخلَّص من ذنوبها، وذكَّرها القاضي الواعي بأنه فقد الأمل في حلِّ مشكلته الخاصة, حتى ساعدته هي على الاستقرار والسعادة من جديد, وأن هؤلاء النزيلات في حاجة إليها أشد منه، وغادر القاضي على أمل أن تفكر الداعية الشابة في الموضوع، عسى الله أن يشرح صدرها.
عرضت الداعية زينب الغزالي الأمرَ على مجلس إدارة الجمعية, لكنَّ الغالبية رفضت الموضوع بدافع الحرَج أو الحساسية أو أن هؤلاء لا أمل فيهن، وأن هناك من هن أولى ببذل الجهد، وأن هذا الموضوع- في النهاية- سيُسيء إلى الجمعية، لكن الداعية وجدت نفسها مشدودةً إلى خوض هذه التجربة, وقالت لنفسها: مهما كانت رداءة هذا الوسط, فلماذا لا أسعى لتوصيل نور الله إليهن؟ ولماذا لا أساعدهن على التوبة؟
وبالفعل تحمَّلت هي مسئولية القرار، وزارت المستشفى الذي كان يئنُّ بساكنيه، وبدأت تلقي محاضرةً أسبوعيةً, ترغِّب في الإيمان وفي الجنة، وفيما عند الله للطائعين والمحبِّين, وترهِّب من النار ومن عذاب العصاة والمذنبين, وتفتح باب التوبة لمن عقدت العزم، وطالتها أنوار الهداية، وشيئًا فشيئًا انجذبن إليها واطمأنت قلوبهن بين يديها، ولمسْن فيها صورة الأم الحنون, والأخت المحبة, والصديقة المخلصة, والمسلمة الواعية, وبدأ الجميع ينتظر اللقاء الأسبوعي بلهفة, والذي تحوَّل إلى ندوة, وبدأت التساؤلات: ماذا نفعل؟! وكيف نعيش بعد أن نبَذَنا الأهل ولا مورد رزق لنا؟ وهل سيقبلنا المجتمع؟ وهل لا زالت أمامنا فرصة للتوبة والحياة الكريمة؟ وهل هناك من يمد لنا يد العون؟!
كانت الداعية العظيمة تتلقَّى الأسئلة وتفتح باب الأمل, حتى سمعت إحداهن تعلن توبتها وندمها وعزمها على ألا تعود للمعصية أبدًا، وسرعان ما تبعتها ثانية وثالثة ورابعة، وتحمَّلت زينب الغزالي عبء مساعدتهن لبدء حياة كريمة، من خلال تبرُّعات المحسنين وأهل الخير والإيمان، الذين لا ينقطع منهم زمان، وساعدت بعضهن على الزواج بأقل التكاليف، وكانت تتعهَّد بيوتهن بالزيارة وبالمساعدة، وكانت تأكل في بيوتهن تواضعًا منها، وفي إحدى الزيارات سألت صاحبة البيت: هل ترين حياتك أفضل الآن أم في السابق؟
فأجابتها بأنها كانت تأكل من أفخر أنواع الطعام، وتلبس من أفضل الملابس، وتسكن الشقق الفارهة, والآن هي تأكل أبسط الأغذية، وقد لا تجد في بيتها أية ضروريات, لكنها تشعر بالأمن والأمان والرضا من الله, وهذا أعظم نعم الله عليها.. هكذا كانت زينب الغزالي داعيةً إلى طريق النور والهداية.
ماذا تقول للدعاة والداعيات في هذه الأيام؟