المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عندما يُبَشِّر بوش بـ "حرب عالمية ثالثة"!



جواد البشيتي
20/10/2007, 11:49 AM
عندما يُبَشِّر بوش بـ "حرب عالمية ثالثة"!

جواد البشيتي

"الحرب العالمية الثالثة" إنَّما هي، بحسب تصريحات صحافية أدلى بها الرئيس بوش في البيت الأبيض، العاقبة (التي قد تكون حتمية) المُتَرَتِّبة على امتلاك إيران القنبلة النووية؛ ولكن، لماذا يمكن أن يؤدِّي تحوُّل إيران إلى "قوة نووية عسكرية" إلى "حرب عالمية ثالثة"؟ الرئيس بوش نفسه أجاب عن هذا السؤال إذ قال: "في إيران رئيس (نجاد) يُعْلِن أنَّه يريد القضاء على دولة إسرائيل؛ لذلك (أي لهذا السبب) أقول لقادة العالم (أي للرئيس الروسي بوتين) إذا رغبتم في تفادي حرب عالمية ثالثة فإنَّ عليكم أن تسعوا إلى منع طهران من امتلاك ما يَلْزَم لصنع السلاح النووي". إنَّ درء مخاطر نووية إيرانية (محتملة، وليست بواقعية حتى الآن) عن إسرائيل هو، في رأي الرئيس بوش، السبب الذي قد يشعل فتيل حرب عالمية ثالثة.

الرئيس بوش لَمْ يَقُلْ إنَّ هجوماً عسكرياً إيرانيا (بالأسلحة النووية أو بغيرها) على إسرائيل يمكن أن يفضي إلى نشوب حرب عالمية ثالثة، فنشوبها يمكن أن يصبح حقيقة واقعة إذا العالم لم يَقُم بما ينبغي له القيام به لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، فوجود رئيس في إيران تتهمه الولايات المتحدة بأنَّه "يريد" القضاء على دولة إسرائيل (النووية من رأسها حتى أخمص قدمها) مع تسلُّحه بقنبلة نووية يمكن أن يقود إلى نشوب حرب عالمية ثالثة؛ فإذا ما نَشِبَت، بسبب ذلك، فإنَّ روسيا هي التي تتحمَّل مسؤولية نشوبها؛ لأنَّ رئيسها بوتين لَمْ يَزُرْ إيران فحسب، وإنَّما أعلن منها أنَّ بلاده "لن تقبل أي عمل عسكري (تقوم به الولايات المتحدة) ضد إيران، انطلاقاً من أراضي أيِّ دولة من دول حوض بحر قزوين.. وترى أنَّ عملاً كهذا يُعَدُّ أمْراً مستحيلاً". وتسعى روسيا، بالتعاون مع إيران في المقام الأوَّل، إلى جعل هذا البحر (الذي هو أكبر مسطَّح مائي مُغْلَق في العالم) مع ما يتمتَّع به من أهمية استراتيجية لجهة مخزونه من النفط والغاز، بمنأى عن النفوذ الاستراتيجي العسكري والاقتصادي والسياسي للولايات المتحدة.

ما أغاظ إدارة الرئيس بوش هو أنَّ بوتين بزيارته (التاريخية) لإيران، وبنجاحه (على ما يبدو) في منع الولايات المتحدة من اتِّخاذ أراضي دول حوض بحر قزوين منطلقاً لعمل عسكري ضدها، قد أعلن رفض روسيا قبول "المقايضة" التي اقترحتها عليها الولايات المتحدة، ضِمْناً، إذ أكَّدت عزمها على المضي قُدُما في خُططها لنشر أجزاء من درعها المضاد للصواريخ الباليستية في تشيكيا وبولندا قائلةً، غير مرَّة،، وفي حُجَّة أرادت لها أن تكون ضعيفة غير مُقْنِعة، إنَّ الهدف ليس تعريض الأمن القومي الروسي للخطر وإنَّما اعتراض وتدمير صواريخ إيرانية تستهدف أوروبا والولايات المتحدة.

موسكو فهمت الرسالة إذ قرأت ما بين سطورها، فالولايات المتحدة أرادت أن تقول لروسيا إنَّ العدول عن نشر تلك الأجزاء من الدرع المضاد للصواريخ مشروط بأن تقف موسكو من البرنامج النووي الإيراني موقفا يوافق موقفها منه. وقد جاء الرد الروسي إذ أعلنت موسكو أنَّ إصرار واشنطن على المضي قُدْما في عملية نشر "الدرع" سيُعَقِّد الجهود المبذولة لحل أزمة البرنامج النووي الإيراني.

طهران فهمت هذا الرد الروسي على أنَّه تأييد ضمني لها لمضيها قُدُما في تحدِّيها النووي؛ أمَّا واشنطن ففهمته على أنَّه اقتراح مقايضة مضاد، بموجبه تتوقَّف الولايات المتحدة عن نشر "الدرع"، فتنضم إليها روسيا في سعيها لتجفيف مَصادِر قلقها من البرنامج النووي الإيراني.

وبما يَتَّفِق مع ذلك نَفْهَم النصف الآخر (الذي على أهميته لَمْ يلقَ اهتماما إعلاميا وسياسيا كافيا) من زيارة بوتين لإيران، فالرئيس الروسي عقد لقاءً مع المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله خامنئي (الذي هو السلطة العليا هناك) واقترح عليه حلاًّ روسياً (لَمْ تُذَع تفاصيله) لأزمة البرنامج النووي الإيراني. ولا شكَّ في أنَّ هذا الحل الروسي المقْتَرَح يشتمل على كل ما من شأنه أن يَجْعَل العالم متأكِّدا أنَّ البرنامج النووي الإيراني، ولـ "أسباب موضوعية"، لن يُمَكِّن إيران من أن تغدو "قوَّة نووية عسكرية"، فإذا نجحت موسكو في سعيها هذا فإنَّ الولايات المتحدة يَصْعُب عليها، عندئذٍ، أن تكون مُقْنِعة للعالم، ولأوروبا على وجه الخصوص، بحُجَجِها للمضي قُدُما في نشر أجزاء من درعها المضادة للصواريخ في تشيكيا وبولندا.

الرئيس بوش تحدَّث في وضوح عن خطر نشوب حرب عالمية ثالثة، وعن سبب نشوبها، وهو امتلاك إيران قنبلة نووية مع وجود رئيس إيراني "يُعْلِن أنَّه يريد القضاء على إسرائيل". وكان لا بدَّ لهذا "التهديد (وليس "التحذير")" من أن يُقْلِق موسكو وعواصم أوروبية، فالحرب التي يُشْعِل فتيلها امتلاك إيران قنبلة نووية لا يُمْكنها أن تكون، أو أن تصبح، "حربا عالمية ثالثة" إذا لم يتَّسِع نطاقها، إقليميا ودوليا، وتَجْتَذِبَ إليها قوى دولية مهمَّة كمثل روسيا والصين، أي إذا لم ينقسم العالم إلى معسكرين متصارعين بالحديد والنار.. والسلاح النووي. ويكفي أن يتحدَّث الرئيس بوش عن احتمال نشوب "حرب عالمية ثالثة" للسبب الذي ذَكَر حتى يُفْهَم حديثه على أنَّه تحذير مُبَطَّن لروسيا من أنَّ المواقف التي وقفتها حتى الآن من إيران وبرنامجها النووي يمكن أنْ تفضي، في آخر المطاف، إلى توريطها في مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة.

وعليه، اضطَّر روبرت غيتس (وزير دفاع الولايات المتحدة) إلى تفسير كلام بوش بما يجعله قريبا في معناه إلى تحذير نائبه (ديك تشيني) من مغبَّة حدوث "هولوكوست نووي"، أو "مَحْرَقة نووية"، في الشرق الأوسط إذا ما سمح العالم لإيران بامتلاك سلاح نووي، فقال: "الرئيس (بوش) إنَّما أراد أن يقول إنَّ إيران النووية ستستفز جيرانها، فَيَنْتُجَ من هذا الاستفزاز، على الأرجح، سباق للتسلُّح النووي في الشرق الأوسط، فتتافقم، بالتالي، مخاطر وقوع حوادث، أو وصول هذه الأسلحة إلى أيدي إرهابيين".

الولايات المتحدة المُثْخَنة بجراحها العراقية تبدو الآن في عَجْزٍ (مُوَلِّدٍ لشعور بالإحباط لدى إدارة الرئيس بوش مع ما يترتَّب على هذا الشعور من مَيْلٍ إلى المغامرة والتهوُّر) عن مواجهة تحدِّيين متداخلين (متكاملين) هما: التحدِّي النووي الإيراني، والتحدِّي الروسي الذي رأيْنا بَعْضاً منه في "معاهدة شنغهاي"، ثمَّ في بحر قزوين، وكأنَّ قَدَر الولايات المتحدة أن يقودها الرئيس بوش إلى حيث تَكْتُب بدمها (أي إلى العراق) ميلاد عالمٍ جديد لا مكان فيه لها بوصفها "القوَّة العظمى في العالم".