المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفكر الإسلاميّ الوسطيّ ... بين ضغوط بينديكت والجابريّ !!!



الدكتورمروان الجاسمي الظفيري
13/11/2006, 09:34 AM
الفكر الإسلاميّ الوسطيّ ...
بين ضغوط بينديكت والجابريّ :

التاريخ: 14-9-1427 هـ
الموضوع: الشهاب الثقافي
بقلم: وسام فؤاد(1)
أشفق على الفكر الإسلامي من تلكم الضغوط الهائلة المحيطة به. ففي حين يتحرى هذا الفكر السبيل نحو التجديد والمعالجة، ويتلمس طريق الوسطية السوي بعيدا عن تجاذبات الإفراط والتفريط؛ فإذا به يواجه ما نرى كل يوم من ضغوط نرى أن هدفها يتمثل في إجهاض أجنة الفكر الإسلامي التجديدية، أو منعها من التكون السليم، أو التعجيل بإنجاز ولادات قسرية قيصرية تنتج ذرية شائهة تحتاج إلى عقود لإنضاجها؛ إن كانت مؤهلة للنضج.



أو قد يكون هدفها دفع الفكر الإسلامي برمته إلى مساحة اليمين، مما يبرر إشعال الحرب العالمية الثالثة بشرائطها الواردة في كتابات أسموها – زورا وقسرا – بالأناجيل، والإنجيل منها براء.

بابا الفاتيكان والفاشية الكاثوليكية

لم تكد عاصفة الرسوم الدانمركية المسيئة لخير الأنام تخمد حتى ارتفعت عقيرة أبي الفاتيكان تسئ للرسول صلى الله عليه وسلم إساءة فاقت مشكلة الرسوم الدانمركية. فالرسوم الدانمركية في النهاية مثلت في أحد أبعادها الأكثر اعتبارا حالة صحافية تحاول تحصيل أكبر قدر ممكن من الإثارة لغرض تجاري مادي، ولم تلبث حالة الإثارة أن تحولت لمتتالية من النشر الصحافي والأحداث المرتبطة بالقضية. أما اليوم، فإن مصدر المشكل الجديد يتسم بعدة سمات:

1 – هو شخص سياسي يعي جيدا ما يفعل ويدرك أبعاد خطوات قدمه جيدا، وإن كان البعض يرى أنه ربما كان مجبرا على التزام هذا الموقف. كما أنه عالِم كهنوتي يعي أن ما يقوله ليس بحقيقة، وإنما هي محض افتراءات ذات خلفيات سياسية وحضارية.
2 – أنه أحد أهم قادة الرأي بالنسبة للشريحة الكاثوليكية من سكان الكوكب بأطيافها المتنوعة، وهو ما يجعل تصريحاته تمثل رسالة سياسية قوية في وقت تحاول فيه الأقليات المسلمة في الغرب استعادة اتزانها بعد الضربات الموجعة التي يكيلها لها الإسلاميون المتطرفون من ناحية والساسة الغربيون من ناحية ثانية.
3 – أنه شخص يمثل قيادة دينية لمؤسسة من أكبر المؤسسات التنصيرية/التبشيرية في العالم، بما يعني أنه يعلن أنه خصم للدعوة الإسلامية ومجاف لكل رموزها، على خلفية مهمة المؤسسة التي يقبع يجثم على رأسها.
4 - بعض الأبواق ذات الغرض غير الخفي أعلنت أنها توجهت للبابا بحقيقة مشاعر المسلمين وما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من مشكلات على الصعيد العالمي، ولكنه لم يكترث، واكتفى بإلقاء البيان الذي لم يقارب الاعتذار في لغته بأي شكل.
5 – نفس الأبواق ذات الهدف غير الخفي سربت للصحافة أن هناك من أشار على أبي الفاتيكان قبيل المحاضرة بان محاضرته بها تعبيرات قد تؤدي لحدوث مشكلات جمة على الصعيد الدولي، لكنه رفض الإنصات لها.
6 – مع إصرار الأمة الإسلامية على الاعتذار خرج رئيس وزراء دولة كاثوليكية سابق – في مزايدة انتخابية رخيصة - ليقول إن على المسلمين أولا أن يعتذروا عن احتلالهم التاريخي لأسبانيا، متناسيا أن قومه اقترفوا وقتلوا من المسلمين في محاكم التفتيش ما لم يقتله المسلمون في مواجهاتهم لفتح الأندلس ولا طول مقامهم فيها، ناهيكم عن استمرا احتلال أسبانيا لمدينتي سبتة ومليلة المغربيتين.

وتحليل هذا الموقف يشي بأن هذا الرجل لا يمكن إلا أن يكون يمينيا متشددا، في أي حال الأحوال، ومع أي نظرة لرؤيته لمحل العالم الإسلامي في منظومته ستتأكد تلك الاطروحة. فلو نظرنا لدوافعه التنصيرية سنجد أنه يميني بالنظر لتمركز حركة الدعوة الدينية حول الذات الدينية بشكل يكاد يكون متطرفا.

ولو نظرنا لمنهج معالجته لعلاقات العالمين الإسلامي والكاثوليكي في توقيتها الراهن فسندرك أن اتجاهه يميني، وذلك بالنظر لحساسية وضع المسلمين في الدول الكاثوليكية، كفرنسا وإيطاليا وإسبانيا.. إلخ، وعدم تقديره لحساسية هذا الوضع، مما يعني أن من تفضيلاته زيادة هذا الوضع تعقيدا أو إبعاد المسلمين عن أوروبا. وربما كان سر نقمته تفوق الدعاة المسلمين على دعاة ومنصري الفاتيكان برغم الإمكانيات المادية الهائلة المتاحة للفاتيكان.

ولو نظرنا لمنهج رده على دعوات الاعتذار لأجل تعزيز علاقة الحوار والتفاهم لوجدنا أن نزوعه يميني محض، لدرجة دفعت علمائنا الإجلاء كالدكتور محمد سليم العوا وأترابه للإعلان عن الانقطاع النهائي للحوار الإسلامي مع الفاتيكان.

فما سر هذا الموقف في هذه التأقيتات ما لم يكن رغبة في إشعال فتيل الأزمة الإسلامية المسيحية مجددا في ضوء رؤية الفاتيكان لمستقبل العلاقة بين العالمين الإسلامي والمسيحي وانهيار توازن القوى بينهما وشيوع أفكار نهاية الزمان لدى الطرفين بصورة مريبة لا نفهم في إطارها سر الدفع باتجاه هذه المواجهة.

الجابري والشبهات الكلاسيكية الساذجة

وثانية الأثافي أطروحة أن خرج علينا فيلسوف كبير كنا نظن به رجاحة العقل، خرج هذا الفيلسوف ليعيد علينا شبهة ترددت بحق القرآن من 1400 عام. لقد خرج الأستاذ الدكتور محمد عابد الجابري أستاذ الفلسفة بجامعة محمد الخامس بالمغرب على الأمة بقوله: "إن القرآن وقع به بعض التحريف، وأن علماء الإسلام السنة اعترفوا بذلك". وقال الجابري في مقال له بعنوان: "ما سقط وقيل عن القرآن"، نشره بصحيفة الاتحاد الإماراتية: "إن جميع علماء الإسلام من مفسرين ورواة حديث وغيرهم يعترفون بأن ثمة آيات وربما سوراً قد «سقطت» أو «رفعت» ولم تدرج في نص المصحف، وأنواع النقص في ذلك كثيرة".

وفي عرض يشي بأن كاتبه لم يقرأ أبدا في «علوم القرآن»، أو لم يسمع عن «علوم أصول التفسير»، أو لم يتناه لمسامعه اسم علم بأكمله يصنف في المكتبات تحت مسمى: «علم الناسخ والمنسوخ»، في إطار هذه الصورة من الجهالة استشهد الجابري بنحو ١٣ رواية تشير إلي أن القرآن وقع به نقص وتحريف، قائلاً: "يذكر القرطبي في تفسيره لسورة «التوبة» وعدد آياتها ١٣٠، وفي سياق عرضه للروايات التي تتناول عدم وجود البسملة في أولها رواية جاء فيها «أنه لما سقط أولها سقط بسم الله الرحمن الرحيم معه»، وفي رواية أخري عن حذيفة أنه قال «ما تقرأون ربعها أي سورة التوبة»".

والواقع أني لا أريد أن أدخل في تفاصيل مناقشة هذه الشبهات، فضلا عن أنبئ الدكتور محمد عابد الجابري بها، فأي تلميذ في المراحل الثانوية الأزهرية عندنا بمصر يعلم أن هناك علم اسمه الناسخ والمنسوخ، والأصغر منه يعلم أن هناك علوم اسمها علوم الحديث؛ مهمتها الكشف عن محاولات الدس والتدليس والوضع والكذب، سواء على الصحابة أم على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبلهم.

لكن القفز على هذه العلوم وتجاهل أدبياتها لا يمكن اعتباره إبداعا او ظاهرة صحية بحال. والأليق أن نناقش نتائج الدراسات التي تناولت مثل هذه المقولات.

ولكني أريد أن أوضح أن حجم الضغوط على العالم العربي والإسلامي صار كبيرا، فبعض هذه الضغوط سياسي، وبعضها عسكري، وبعضها تعبوي شعبي، وبعضها اجتماعي، وبعضها ثقافي، وجل هذه الضغوط مفتعلة ويمكن تلافيها لو توفرت إرادة التعايش. فهل تتوفر إرادة التعايش؟ هذا ما نود طرحه على الغربيين!.

إن التيارات الإسلامية الراديكالية الكائنة عبر العالم، سواء أكان وجودها في دول غربية أو عربية وإسلامية، هذه التيارات تنفي أن تكون إرادة التعايش الجميل والاحترام المتبادل هي الإرادات المتوفرة في العقل الغربي في هذه الآونة. وبناء على هذا يبررون التمسك بخطاب العنف في مواجهة الغرب على اعتبار أن الغرب يصوغ حاضر ومستقبل العالم في حلقة مفرغة لا يمكن الفكاك منها إلا بكسرها. ومما يؤسف له أن شرائح من الغرب تكرس هذه الوجهة من النظر وتغذيها، بل وترفض أن تفعل بخلاف ما يغذيها، ويكأن تغذية هذه النزعة اليمينية هو الهدف الذي تتحراه وتطلبه.

لكن ما يضيرنا حقا أن نجد شريحة من قمة النخبة تنتقي الأوقات الحرجة لتقوم فيها بطرح قضية أقل ما يقال عنها أنها من التوافه المحقرة، بالنظر لكونها مردود عليها بدل المرة آلاف المرات، حيث يقوم أعضاء هذه النخبة بإثارة هذه القضايا المثيرة إعلاميا في مجموعة من الصحف العادية، بما يلبِّس على القارئ العادي، ويشتت الجهود في محاولة رتق الفتق الذي فتقته رموز هذه النخبة التي كبرت أعمار بعض المنتسبين لها، فلم يقووا على إدراك دلالات كبر السن في مساحات الفكر، وهكذا نهمل أولويات أمتنا ونتوه مع أمثال الجابري الذي كان بالأمس يدلنا؛ فصار اليوم يضلنا.

هام لمسيرة الفكر الوسطي

من يحاول أن يجمع كل النوازل التي تنزل بأمتنا ويبذل جهدا في نظمها وفق رؤية منظمة سيجد الآلاف ممن سيتهمونه بالارتكان إلى النظرية التآمرية. ولهذا، نرفض أن نعرض لأسباب غير منطقية تربط بين حروب بوش على العالم الإسلامي، وترخص وتجاوز الصحف في التعامل مع رموز العالم الإسلامي، وتهجم المؤسسات الدينية العالمية على قيم وتاريخ ودين العالم الإسلامي، واستخدام الشعوب الغربية العنف والتضييق ضد المسلمين وأكل حقوقهم أو انتقاصها، كما لن نرصد إلى جانب ذلك تلك الزلات من ألسنة القادة الغربيين بين الفينة والأخرى للإشارة إلى الحرب الصليبية الجديدة.. إلخ، وتحريك ذلك كله باتجاه مواجهات مستمرة بين العالمين الغربي والإسلامي. لن نحاول أن نتتبع عورات نعلم يقينا أنها عورات يمينية قال فيها ربنا جل وعلا: "كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة" (التوبة: 8). ومن ناحية ثانية، نحن مطالبون كأمة وسط بألا ينجرف مفكرونا وعلماؤنا مع كل هذه الضغوط اليمينية نحو طرح يميني إسلامي بديل، يحاول أن يتصلب خلف ذاته القومية، وأن يتشبث باعتزازه بأمته ودينه لينجز إثر ذلك خطابا يمضي في الاتجاه الخاطئ وغير المخطط، يكون بعيدا كل البعد عن حقيقة الإسلام وجوهر الدين.

إن أهم معلم من المعالم التي على رموز أمتنا وعلمائها الأجلاء ومفكريها وقادتها الشرعيين أن يراعوها في إطار هذه الظروف أن يجعلوا الجميع في حرص على استئناف مخاض التجديد والاجتهاد الذي تحتاجه الأمة؛ بعيدا عن تأثيرات اليمين المعادي في ديار الغرب واليمين المغالي في ديار الإسلام، فكلاهما سيجعل الخطاب الإسلامي وليد الحلقة المفرغة التي لا تزال تورثنا الحال التي نكابدها.

وفي المقابل، إن قام أحد العلماء الجهابذة بفتح ملف مشبوه، فلابد وأن يتصدى له طالب علم واحد في كل قطر على حده، لكي يكفي الأمة سوء ما كتب، ولكي لا نضخم تأثير ما كتب، وذلك لئلا ينشغل بقية علمائنا بالتفاهات عن الأولويات. عسى الله أن يهدينا ويهدي جميع خلقه سواء السبيل.

والله أعلم ...
-----------------------
(1) للتواصل:wessamfauad@hotmail.com

عبدالصمد زيبار
19/11/2006, 03:11 PM
شكرا على هذا المقال حقيقة الفكر يواجه بالفكر هذا رابط لقرائة مفصلة لطرح منهجي وسطي لأحد رواد التاريخ و الفكر الاسلامي القرآني الوسطي

http://arabswata.org/forums/showthread.php?p=6815#post6815

احمد كمال قلقاس
25/09/2008, 12:00 AM
جزاكم الله حيرا على هذا الموضع الرائع الذي اوضح لنا الكثير من الامور

عبيدة ابو رميلة
25/09/2008, 12:21 AM
موضوع رائع...
كم هو مؤلم ان نجد من يدعون انهم علماء في الدين الاسلامي هم نفسهم يشوهون هذا الدين بفتاويهم واجتهاداتهم واقترابهم من المشتبهات واستغلالهم لاي دخيل من اجل الاساءة الى هذا الدين العظيم وبالتالي تغذية عقول الاعداء والضعفاء