المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رحلة إلى الأعماق - رواية من الخيال العلمي في حلقات -ج7 - نزار ب. الزين



نزار ب. الزين
18/11/2007, 02:48 AM
رحلة إلى الأعماق
قصة من الخيال العلمي في حلقات
الجزء السابع
نزار ب. الزين*

أبطال القصة :
د.عبد الله من المغرب تخصص ألكترونيات و برمجة و هندسة الحاسوب
د. هشام من سورية تخصص معادن و سبائك معدنية
د. مجدي من مصر تخصص جيولوجيا و طبقات الأرض و علم الزلازل و البراكين
د. حمود من الإمارات العربية المتحدة /أمارة دبي تخصص كيمياء ، فرع النفط و الصناعات النفطية
د. رياض فلسطيني يعيش في الأردن تخصص ميكانيك و محركات ثقيلة .

بعد أن تشاور العلماء العرب الخمسة فيما بينهم ، رفضوا فكرة الإنقسام إلى فريقين و رؤوا ضرورة بقائهم معا ، على أن تتم زيارة المختبرات فيما بعد .
و هكذا توجهوا جميعا إلى المركبة يرافقهم نمرود و كرزون معا ، و سرعانما حررهم نمرود من فقاعاتهم المصنوعة من المادة المعتمة ، ثم اتخذ كل موضعه استعدادا للإنطلاق .
قال لهم نمرود مقترحا : " ما رايكم أن نبدأ بتجمعات المياه العذبة ؟ " فوافقوه في الحال .
تقدم كرزون من الدكتور رياض و أخذ يرشده إلى الإحداثيات التي يجب اتباعها للوصول إلى أول جيب مائي يستحق الإطلاع و الدراسة و بأسرع وقت ممكن .
و تنطلق المركبة بركابها مخترقة باطن الأرض صعودا في اتجاه الشمال الغربي ، و إن هي إلا دقائق لم تبلغ العشر ، حتى وجدوا أنفسهم يسبحون بمركبتهم في وسط مائي شديد الظلمة ، ما أن وصلوا إلى سطحه حتى شاهدوا بكشافاتهم أنهم ضمن كهف ، ما لبث الدكتور عبد الله ان أخبرهم أنه بواسطة المسح الصوتي ، تمكن من التأكد أنهم ضمن كهف عملاق يتوسطه هذا الماء الذي بدا له – أيضا - و كأنه بحر واسع أو محيط مترامي الأطراف ...
قال لهم نمرود مؤكدا :
- نعم إنه محيط ، إنه بحجم ما تطلقون عليه المحيط الهندي ، و كله من الماء العذب !
أصابتهم الدهشة و عقدت ألسنتهم ..
و بعد فترة صمت ، علق الدكتور مجدي بصوت متهدج عَكَسَ انفعاله الشديد :
= لو أن البشر تمكنوا من اكتشاف هذا المحيط من المياه العذبة و تمكنوا من الوصول إليه و استثماره ، لكفوا عن الصراع و الحروب إلى الأبد ، فإن هذا الماء وحده كافٍ ليحوِّل الكرة الأرضية بجبالها و هضابها الجرداء و صحاريها القاحلة إلى جنة وارفة ....
يجيبه نمرود :
- ليس هذا فحسب ، بل هناك تجمعات مائية أخرى من المياه العذبة في عدة أماكن ، ساطلعكم عليها تباعا ، إن شئتم !
و يتساءل الدكتور هشام :
= و لكن كيف تكوَّن هذا المحيط و في هذا العمق ؟ و يلتفت إلى إلى الدكتور عبد الله متسائلا " كم هو عمقنا الآن في جوف الأرض ، أخي عبد الله ؟ " فيجيبه الدكتور عبد الله : " نحن على عمق أقل بقليل من ثلاثة آلاف و خمسمائة متر ! تحت بحر الصين مباشرة ، و هو البحر الذي يفصل اليابان عن الصين . "
و يقاطعهما نمرود مجيبا على استفسار الدكتور هشام :
- على مدى ملايين السنين ، كانت المياه تتسرب من المحيطات و البحار أو من الجبال دائمة الغطاء الثلجي ، إلى أعماق سحيقة في جوف الأرض ؛ و بتأثير الحرارة الشديدة في الأعماق تتبخر متحررة من أملاحها و تتحول إلى أبخرة تبدأ بالصعود بين الشقوق ، إلى أن تصل إلى طبقات أبرد ، فتتحول من جديد إلى ماء و لكنه ماء عذب ، في ظاهرة قريبة من ظاهرة تكون المطر فوق سطح الأرض ، و تحت تأثير الضغط العالي و الجاذبية يحاول الماء التسرب من جديد إلى الأعماق ، إلا أن بعضه و أثناء حركته الراجعة قد يصادف صخورا لا تسمح له بالتسرب فيتجمع فوقها ، و تصادف في هذا المكان وجود صفيحة غرانيتية ضخمة سمحت بهذا التجمع المائي هائل الحجم .
يعلق الدكتور هشام : " هناك مقولة علمية تفيد بأنه حيثما يوجد ماء توجد حياة ، فلِمَ لا نباشر بالبحث عن حياة ما ، هنا ؟ "
يوافقه زملاؤه و يقررون الغوص من جديد ، فيشغل الدكتور عبد الله الكشافات الضوئية جميعا ، بينما استعد الدكتور مجدي لجمع العينات ، أما الآخرون فاتجهوا إلى المراقبة الخارجية عن طريق كاميرات الفيديو أو شاشات الرادار ..
و تبدأ من ثم الأعاجيب بالظهور ، أسماك شبيهة بأسماك البحار المعروفة و لكن لا لون لها و لا عيون ، منها الكبير بحجم قرش و منها الصغير بحجم عقلة الإصبع ، يبدو أنها تعيش في عالم شمي كما يعيش النمل .
و على حين غرة يبرز أمامهم مخلوق مائي عملاق ، بدا وكأنه يتجه نحوهم مباشرة و بسرعة كبيرة ؛ صاح الدكتور عبد الله بأعلى صوته : " أعلى سرعة يا أخي رياض ، إنه يهاجمنا " .
و يتمكن الدكتور رياض بمناورة بارعة من تحاشي الإصطدام بهذا المخلوق الذي يعادل حجم حوتين كبيرين من نوع الحوت الأزرق ، على الأقل .
و بعد التقاط الأنفاس ، يعلق الدكتور عبد الله : " إنه بطول ستين مترا أي أكثر من ضعف طول مركبتنا ، لو أننا ارتطمنا به لكنا واجهنا كارثة ! " فيرد عليه الدكتور هشام واثقا بما يقول : " لا أظن ذلك ، فمركبتنا قوية ، فقد اخترقت الصخور الصلبة و قاومت الضغط الهائل ، و لو أننا اصطدمنا به لقطعناه إربا !.." أما الدكتور حمود فكان سؤاله موجها للدكتور عبد الله : " هل سجلت الواقعة (أخوي) عبد الله ؟ " .
يضحك الدكتور عبد الله و يضحك الآخرون ..و قد تذكروا مقلب الزمن الضائع ..
يقاطعهم كرزون قائلا و قد تملكه الإعجاب الشديد :
- مركبتكم هذه سوف تغير وجه العالم ، أتدرون ؟
*****
تعود المركبة إلى سطح الماء ، فقد قرر العلماء البحث عن شاطئ هذا البحر المذهل ، و لكن بعد بضع دقائق يرصد الدكتور عبد الله صوت هدير عالٍ ، يسلط كشافات المركبة في كل اتجاه للتعرف على مصدر الصوت ، و فجأة يكتشف اقتراب المركبة من شلال هائل ، فيصيح الدكتور عبد الله صيحة ( أرخميدس ) : " إنه شلال ، شلال حقيقي يربو ارتفاعه على المائة متر ، و كأني أمام شلال فيكتوريا الأفريقي الذي شاهدت فيلما عنه ذات يوم . "
يتساءل الدكتور حمود مشدوها :
= بحر و مخلوقات مائية و شلال عظيم في عمق يزيد على ثلاثة آلاف و خمسمائة متر ؟ هذا يعني أننا قرب شاطئ هذا البحر ... و يعني أيضا ، أن الإنسان لا زال يجهل الكثير الكثير عن كوكبه الأزرق !..
يصدق نمرود على كلامه و يضيف :
- أخبرتكم قبلا ، أن البخار الصاعد من الأعماق ، بعد أن يتبرد و يتحول إلى ماء عذب ، و لكنه يحاول العودة من جديد إلى الأعماق بتأثير الجاذبية ، و ما ترونه هو إحدى تلك المحاولات ، لولا أن القاع الغرانيتي قد حبسه ؛ و إذا تجولتم في هذا البحر فسترون في أطرافه الكثير من المصبات المائية بعضها لا يتجاوز نصف متر و بعضها على شكل شلالات أخرى ، و لكن هذا الشلال الذي ترون هو أعظمها ..
يقترح الدكتور تسمية هذا المحيط المائي العذب : " بحر السلام العالمي " فيؤيده الآخرون ؛ و يمتدح نمرود و كرزون هذا الإقتراح ، و يبدأ الدكتور رياض بتحريك المركبة من جديد فوق سطح الماء ، كما يبدأ كل من الدكتورين عبد الله و مجدي بإجراء القياسات اللازمة عن طريق المسح الراداري و المغناطيسي و الليزري ، ليصبح بالإمكان تسجيل هذا الإكتشاف العلمي في الجهة المعنية في الأمم المتحدة .
و بينما هم يقومون بمهمتهم يلاحظون اقترابهم من شاطئ صخري ، فيتوجهون نحوه .
يقترب الدكتور حمود من نمرود سائلا :
- هل بوسعك إحاطتنا بفقاعات من المادة المعتمة لنتمكن من التجوال على الشاطئ ، كما فعل الأخ جِمنا من قبل ؟
يجيبه نمرود:
= بالطبع ، و لكن هل لديكم كشافات خاصة ؟ فكشافاتكم لن تعمل و أنتم ضمن فقاعات المادة المعتمة ؛ نحن مثلا لا نحتاج إلى الضوء ، أما أنتم فلا يمكنكم الحركة بدونه ، فالظلام دامس كما تلاحظون !
يتدخل الدكتور عبد الله قائلا :
- في الحقيقة نحن لم نكن نعلم عن وجود المادة المعتمة أصلا ، و بالتالي ليس لدينا مثل هذه الكشافات .
يقاطعهم كرزون مطمئنا :
= لا تشغلوا بالكم ، سأذهب في الحال إلى المملكة لإحضار ما يلزم
وأمام الأعين المذهولة يتلاشى كرزون ثم يختفي .
يتوجه الدكتور حمود إلى إحدى الخزائن ، فيستخرج منها مجموعة أعلام هي أعلام الإمارات و مصر و سورية و فلسطين و المغرب التي تمثلهم جميعا ، و هو يقول : سأغرس هذه الأعلام على الشاطئ ، لنؤكد أننا أصحاب هذا الإكتشاف الذي سوف يغير وجه العالم كما قال أخونا كرزون .
*****
أثناء فترة الإنتظار ، أخذ نمرود يحدثهم عن أماكن الماء العذب في أعماق الكرة الأرضية ، فقال من ضمن ما قال :
= هذا البحر هو اكبرها ، و لكن هناك بحرا آخر في أعماق المحيط المتجمد الجنوبي ، يختلف عن هذا ، بأنه على شكل بحيرات متعددة تربط بينها شبكة من الأنهار ، و هو أقرب إلى سطح الأرض من ( بحر السلام العالمي ) هذا .
و هناك بحيرة كبرى في أعماق الربع الخالي في السعودية ، و بحيرة كبيرة على شكل جيوب متعددة ، تحت مصر و السودان و أطراف ليبيا و تمتد إلى دارفور حيث تدور الحرب الأهلية هناك من أجل الإستحواذ على مصادر المياه ! أليست هذه مفارقة كبرى ، يتصارعون على الماء و الماء الغزير تحتهم ؟؟
ثم يضيف قائلا :
= و هناك بحر كبير يمتد في أعماق اوربا و تعيش فيه بعض حيوانات ما قبل التاريخ العملاقة و التي تسمونها بالدايناصورات .
ثم أضاف :
= فإذا كنتم ترغبون ، ساصحبكم إليها جميعا .

*****
عندما وصل زكرون ، رش مادة ما لم يتمكنوا من معرفة كنهها و طبيعتها ، و لكن بعد لحظات انتشر الضوء في المكان إلى مسافة عشرات الأمتار بعدا و ارتفاعا ، فتكشف النكان عن شاطئ فسيح .
قال لهم نمرود :
= أنتم الآن ضمن فقاعاتكم ، أنتم ترون كل شيء ، و لكن أحدا لا يراكم ، اعتقد أن الأمير جِمنا أخبركم بهذا من قبل .
ما أود أن أقوله ، أنكم قد تُجابهون مخلوقات مخيفة ، فلا تأبهوا بها أو تخشونها ، فهي لن تراكم و لذا لن تهاجمكم .
أما الأمر الآخر الهام أيضا ، هو أن فقاعاتكم من المادة المعتمة ، سوف تسمح لكم بالتجوال بالسرعة التي ترغبون ، ما عليكم إلا أن تفكروا بالمكان الذي ترغبون بزيارته حتى تجدون أنفسكم فيه .
أما الأمر الثالث فكما تعلمون ، فلكي تتمكنوا من الخروج من مركبتكم ( دبي 1 ) أحطتها بفقاعة من المادة المعتمة ، أي أنكم لن تتمكنوا من رؤيتها ، لذا وضع لكم كرزون علامة ضوئية خضراء فوق تلك الصخرة المجاورة للمركبة ، حتى إذا ابتعد أحدكم عن المجموعة لسبب ما و شعر أنه ضل طريقه ، فتلك هي العلامة التي سترشده إلى المركبة ، حيث عليه الإنتظار فيها حتى عودة الجميع .
عقب الدكتور حمود قائلا :
- فوق تلك الصخرة ساضع أعلام بلادنا .
و عندما أتم الدكتور حمود تثبيت الأعلام ، وسط تصفيق زملائه ، حمل كل منهم مصورته ، بينما حمل الدكتور عبد الله ( كمرة فيديو ) ، و ابتدؤوا التحرك فوق الشاطئ .
كان سقف الكهف الصخري يبتعد حينا عاليا لمسافة تزيد عن المائة متر و ينخفض حينا حتى ليكاد يلامس الرؤوس ، و قد لفتت نباتات فطرية عملاقة انتبهاهم ، تنتشر أفقيا على شكل فروع تمتد إلى مسافات بعيدة ، و فطريات أخرى تنمو عموديا فكانت اشبه بشجيرات الصباريات .
و إن هي إلا دقائق ، حتى برز أمامهم حيوان عملاق يشبه الضب و لكن بدون عينين ، فقد نبت مكانهما قرنا استشعار طويلان ، كان منهمكا بالتهام فروع شجيرة فطرية ، مروا امامه و حوله و التقطوا له الصور ، دون أن يلتفت إليهم أو يشعر بوجودهم ، ثم ما لبثوا بعد قليل أن وجدوا قطيعا كاملا من نوعه يرعى شجيرات الفطر .
كانو يتحركون و كأنهم في مركبات فضائية بخفة و رشاقة و سرعة لم يجربوها من قبل إلا عندما غادروا مركبتهم في رحلتهم المدهشة إلى مملكة المادة المعتمة .
كانوا يفترقون حينا و يتجمعون حينا ، أما الدكتور مجدي فقد انهمك بفحص كل ما تقع عليه عيناه ، فاكتشف الكثير من العروق الذهبية ، و الكثير الكثير من معدني الحديد و النحاس على شكل حجارة من مختلف الأحجام فملأ حقيبة مكتب يحملها ، بعينات منها .
ثم ارتقوا جميعا إلى أعلى الشلال الذي كانوا قد شاهدوه ، و إذا بهم أمام نهر عظيم لا يتجاوز عرضه عشرة أمتار إلا أن ماءه كان غزيرا ، يتسارع جريانه كلما اقترب من نقطة الإنحدار .
و خلال نصف ساعة تمكنوا من اكتشاف معظم ( بحر السلام العالمي ) و شواطئه و من التقاط ثروة من الصور و لقطات الفيديو ، و العينات ، ثم عادوا إلى المركبة و قد غمرتهم السعادة .

* نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
عضو الجمعية الدولية للمترجمين و اللغويين العرب ArabWata
الموقع : www.FreeArabi.com
البريد : nizar_zain@yahoo.com

رحلة إلى الأعماق
رابط الجزء الأول :
http://www.freearabi.com/رحلة-إلى-الأعماق=ج1=نزار-ب-الزين.htm
رابط الجزء الثاني :
http://www.freearabi.com/رحلة-إلى-الأعماق=ج2=-نزار-ب-الزين.htm
رابط الجزء الثالث
http://www.freearabi.com/رحلة-إلى-الأعماق=ج3=نزار-ب-الزين.htm
رابط الجزء الرابع
http://www.freearabi.com/رحلة-إلى-الأعماق=ج4=نزار-ب-الزين.htm
رابط الجزء الخامس
http://www.freearabi.com/رحلة-إلى-الأعماق=ج5=نزار-ب-الزين.htm
رابط الجزء السادس
http://www.freearabi.com/رحلة-إلى-الأعماق=ج6=نزار-ب-الزين.htm

نزار ب. الزين
18/11/2007, 02:48 AM
رحلة إلى الأعماق
قصة من الخيال العلمي في حلقات
الجزء السابع
نزار ب. الزين*

أبطال القصة :
د.عبد الله من المغرب تخصص ألكترونيات و برمجة و هندسة الحاسوب
د. هشام من سورية تخصص معادن و سبائك معدنية
د. مجدي من مصر تخصص جيولوجيا و طبقات الأرض و علم الزلازل و البراكين
د. حمود من الإمارات العربية المتحدة /أمارة دبي تخصص كيمياء ، فرع النفط و الصناعات النفطية
د. رياض فلسطيني يعيش في الأردن تخصص ميكانيك و محركات ثقيلة .

بعد أن تشاور العلماء العرب الخمسة فيما بينهم ، رفضوا فكرة الإنقسام إلى فريقين و رؤوا ضرورة بقائهم معا ، على أن تتم زيارة المختبرات فيما بعد .
و هكذا توجهوا جميعا إلى المركبة يرافقهم نمرود و كرزون معا ، و سرعانما حررهم نمرود من فقاعاتهم المصنوعة من المادة المعتمة ، ثم اتخذ كل موضعه استعدادا للإنطلاق .
قال لهم نمرود مقترحا : " ما رايكم أن نبدأ بتجمعات المياه العذبة ؟ " فوافقوه في الحال .
تقدم كرزون من الدكتور رياض و أخذ يرشده إلى الإحداثيات التي يجب اتباعها للوصول إلى أول جيب مائي يستحق الإطلاع و الدراسة و بأسرع وقت ممكن .
و تنطلق المركبة بركابها مخترقة باطن الأرض صعودا في اتجاه الشمال الغربي ، و إن هي إلا دقائق لم تبلغ العشر ، حتى وجدوا أنفسهم يسبحون بمركبتهم في وسط مائي شديد الظلمة ، ما أن وصلوا إلى سطحه حتى شاهدوا بكشافاتهم أنهم ضمن كهف ، ما لبث الدكتور عبد الله ان أخبرهم أنه بواسطة المسح الصوتي ، تمكن من التأكد أنهم ضمن كهف عملاق يتوسطه هذا الماء الذي بدا له – أيضا - و كأنه بحر واسع أو محيط مترامي الأطراف ...
قال لهم نمرود مؤكدا :
- نعم إنه محيط ، إنه بحجم ما تطلقون عليه المحيط الهندي ، و كله من الماء العذب !
أصابتهم الدهشة و عقدت ألسنتهم ..
و بعد فترة صمت ، علق الدكتور مجدي بصوت متهدج عَكَسَ انفعاله الشديد :
= لو أن البشر تمكنوا من اكتشاف هذا المحيط من المياه العذبة و تمكنوا من الوصول إليه و استثماره ، لكفوا عن الصراع و الحروب إلى الأبد ، فإن هذا الماء وحده كافٍ ليحوِّل الكرة الأرضية بجبالها و هضابها الجرداء و صحاريها القاحلة إلى جنة وارفة ....
يجيبه نمرود :
- ليس هذا فحسب ، بل هناك تجمعات مائية أخرى من المياه العذبة في عدة أماكن ، ساطلعكم عليها تباعا ، إن شئتم !
و يتساءل الدكتور هشام :
= و لكن كيف تكوَّن هذا المحيط و في هذا العمق ؟ و يلتفت إلى إلى الدكتور عبد الله متسائلا " كم هو عمقنا الآن في جوف الأرض ، أخي عبد الله ؟ " فيجيبه الدكتور عبد الله : " نحن على عمق أقل بقليل من ثلاثة آلاف و خمسمائة متر ! تحت بحر الصين مباشرة ، و هو البحر الذي يفصل اليابان عن الصين . "
و يقاطعهما نمرود مجيبا على استفسار الدكتور هشام :
- على مدى ملايين السنين ، كانت المياه تتسرب من المحيطات و البحار أو من الجبال دائمة الغطاء الثلجي ، إلى أعماق سحيقة في جوف الأرض ؛ و بتأثير الحرارة الشديدة في الأعماق تتبخر متحررة من أملاحها و تتحول إلى أبخرة تبدأ بالصعود بين الشقوق ، إلى أن تصل إلى طبقات أبرد ، فتتحول من جديد إلى ماء و لكنه ماء عذب ، في ظاهرة قريبة من ظاهرة تكون المطر فوق سطح الأرض ، و تحت تأثير الضغط العالي و الجاذبية يحاول الماء التسرب من جديد إلى الأعماق ، إلا أن بعضه و أثناء حركته الراجعة قد يصادف صخورا لا تسمح له بالتسرب فيتجمع فوقها ، و تصادف في هذا المكان وجود صفيحة غرانيتية ضخمة سمحت بهذا التجمع المائي هائل الحجم .
يعلق الدكتور هشام : " هناك مقولة علمية تفيد بأنه حيثما يوجد ماء توجد حياة ، فلِمَ لا نباشر بالبحث عن حياة ما ، هنا ؟ "
يوافقه زملاؤه و يقررون الغوص من جديد ، فيشغل الدكتور عبد الله الكشافات الضوئية جميعا ، بينما استعد الدكتور مجدي لجمع العينات ، أما الآخرون فاتجهوا إلى المراقبة الخارجية عن طريق كاميرات الفيديو أو شاشات الرادار ..
و تبدأ من ثم الأعاجيب بالظهور ، أسماك شبيهة بأسماك البحار المعروفة و لكن لا لون لها و لا عيون ، منها الكبير بحجم قرش و منها الصغير بحجم عقلة الإصبع ، يبدو أنها تعيش في عالم شمي كما يعيش النمل .
و على حين غرة يبرز أمامهم مخلوق مائي عملاق ، بدا وكأنه يتجه نحوهم مباشرة و بسرعة كبيرة ؛ صاح الدكتور عبد الله بأعلى صوته : " أعلى سرعة يا أخي رياض ، إنه يهاجمنا " .
و يتمكن الدكتور رياض بمناورة بارعة من تحاشي الإصطدام بهذا المخلوق الذي يعادل حجم حوتين كبيرين من نوع الحوت الأزرق ، على الأقل .
و بعد التقاط الأنفاس ، يعلق الدكتور عبد الله : " إنه بطول ستين مترا أي أكثر من ضعف طول مركبتنا ، لو أننا ارتطمنا به لكنا واجهنا كارثة ! " فيرد عليه الدكتور هشام واثقا بما يقول : " لا أظن ذلك ، فمركبتنا قوية ، فقد اخترقت الصخور الصلبة و قاومت الضغط الهائل ، و لو أننا اصطدمنا به لقطعناه إربا !.." أما الدكتور حمود فكان سؤاله موجها للدكتور عبد الله : " هل سجلت الواقعة (أخوي) عبد الله ؟ " .
يضحك الدكتور عبد الله و يضحك الآخرون ..و قد تذكروا مقلب الزمن الضائع ..
يقاطعهم كرزون قائلا و قد تملكه الإعجاب الشديد :
- مركبتكم هذه سوف تغير وجه العالم ، أتدرون ؟
*****
تعود المركبة إلى سطح الماء ، فقد قرر العلماء البحث عن شاطئ هذا البحر المذهل ، و لكن بعد بضع دقائق يرصد الدكتور عبد الله صوت هدير عالٍ ، يسلط كشافات المركبة في كل اتجاه للتعرف على مصدر الصوت ، و فجأة يكتشف اقتراب المركبة من شلال هائل ، فيصيح الدكتور عبد الله صيحة ( أرخميدس ) : " إنه شلال ، شلال حقيقي يربو ارتفاعه على المائة متر ، و كأني أمام شلال فيكتوريا الأفريقي الذي شاهدت فيلما عنه ذات يوم . "
يتساءل الدكتور حمود مشدوها :
= بحر و مخلوقات مائية و شلال عظيم في عمق يزيد على ثلاثة آلاف و خمسمائة متر ؟ هذا يعني أننا قرب شاطئ هذا البحر ... و يعني أيضا ، أن الإنسان لا زال يجهل الكثير الكثير عن كوكبه الأزرق !..
يصدق نمرود على كلامه و يضيف :
- أخبرتكم قبلا ، أن البخار الصاعد من الأعماق ، بعد أن يتبرد و يتحول إلى ماء عذب ، و لكنه يحاول العودة من جديد إلى الأعماق بتأثير الجاذبية ، و ما ترونه هو إحدى تلك المحاولات ، لولا أن القاع الغرانيتي قد حبسه ؛ و إذا تجولتم في هذا البحر فسترون في أطرافه الكثير من المصبات المائية بعضها لا يتجاوز نصف متر و بعضها على شكل شلالات أخرى ، و لكن هذا الشلال الذي ترون هو أعظمها ..
يقترح الدكتور تسمية هذا المحيط المائي العذب : " بحر السلام العالمي " فيؤيده الآخرون ؛ و يمتدح نمرود و كرزون هذا الإقتراح ، و يبدأ الدكتور رياض بتحريك المركبة من جديد فوق سطح الماء ، كما يبدأ كل من الدكتورين عبد الله و مجدي بإجراء القياسات اللازمة عن طريق المسح الراداري و المغناطيسي و الليزري ، ليصبح بالإمكان تسجيل هذا الإكتشاف العلمي في الجهة المعنية في الأمم المتحدة .
و بينما هم يقومون بمهمتهم يلاحظون اقترابهم من شاطئ صخري ، فيتوجهون نحوه .
يقترب الدكتور حمود من نمرود سائلا :
- هل بوسعك إحاطتنا بفقاعات من المادة المعتمة لنتمكن من التجوال على الشاطئ ، كما فعل الأخ جِمنا من قبل ؟
يجيبه نمرود:
= بالطبع ، و لكن هل لديكم كشافات خاصة ؟ فكشافاتكم لن تعمل و أنتم ضمن فقاعات المادة المعتمة ؛ نحن مثلا لا نحتاج إلى الضوء ، أما أنتم فلا يمكنكم الحركة بدونه ، فالظلام دامس كما تلاحظون !
يتدخل الدكتور عبد الله قائلا :
- في الحقيقة نحن لم نكن نعلم عن وجود المادة المعتمة أصلا ، و بالتالي ليس لدينا مثل هذه الكشافات .
يقاطعهم كرزون مطمئنا :
= لا تشغلوا بالكم ، سأذهب في الحال إلى المملكة لإحضار ما يلزم
وأمام الأعين المذهولة يتلاشى كرزون ثم يختفي .
يتوجه الدكتور حمود إلى إحدى الخزائن ، فيستخرج منها مجموعة أعلام هي أعلام الإمارات و مصر و سورية و فلسطين و المغرب التي تمثلهم جميعا ، و هو يقول : سأغرس هذه الأعلام على الشاطئ ، لنؤكد أننا أصحاب هذا الإكتشاف الذي سوف يغير وجه العالم كما قال أخونا كرزون .
*****
أثناء فترة الإنتظار ، أخذ نمرود يحدثهم عن أماكن الماء العذب في أعماق الكرة الأرضية ، فقال من ضمن ما قال :
= هذا البحر هو اكبرها ، و لكن هناك بحرا آخر في أعماق المحيط المتجمد الجنوبي ، يختلف عن هذا ، بأنه على شكل بحيرات متعددة تربط بينها شبكة من الأنهار ، و هو أقرب إلى سطح الأرض من ( بحر السلام العالمي ) هذا .
و هناك بحيرة كبرى في أعماق الربع الخالي في السعودية ، و بحيرة كبيرة على شكل جيوب متعددة ، تحت مصر و السودان و أطراف ليبيا و تمتد إلى دارفور حيث تدور الحرب الأهلية هناك من أجل الإستحواذ على مصادر المياه ! أليست هذه مفارقة كبرى ، يتصارعون على الماء و الماء الغزير تحتهم ؟؟
ثم يضيف قائلا :
= و هناك بحر كبير يمتد في أعماق اوربا و تعيش فيه بعض حيوانات ما قبل التاريخ العملاقة و التي تسمونها بالدايناصورات .
ثم أضاف :
= فإذا كنتم ترغبون ، ساصحبكم إليها جميعا .

*****
عندما وصل زكرون ، رش مادة ما لم يتمكنوا من معرفة كنهها و طبيعتها ، و لكن بعد لحظات انتشر الضوء في المكان إلى مسافة عشرات الأمتار بعدا و ارتفاعا ، فتكشف النكان عن شاطئ فسيح .
قال لهم نمرود :
= أنتم الآن ضمن فقاعاتكم ، أنتم ترون كل شيء ، و لكن أحدا لا يراكم ، اعتقد أن الأمير جِمنا أخبركم بهذا من قبل .
ما أود أن أقوله ، أنكم قد تُجابهون مخلوقات مخيفة ، فلا تأبهوا بها أو تخشونها ، فهي لن تراكم و لذا لن تهاجمكم .
أما الأمر الآخر الهام أيضا ، هو أن فقاعاتكم من المادة المعتمة ، سوف تسمح لكم بالتجوال بالسرعة التي ترغبون ، ما عليكم إلا أن تفكروا بالمكان الذي ترغبون بزيارته حتى تجدون أنفسكم فيه .
أما الأمر الثالث فكما تعلمون ، فلكي تتمكنوا من الخروج من مركبتكم ( دبي 1 ) أحطتها بفقاعة من المادة المعتمة ، أي أنكم لن تتمكنوا من رؤيتها ، لذا وضع لكم كرزون علامة ضوئية خضراء فوق تلك الصخرة المجاورة للمركبة ، حتى إذا ابتعد أحدكم عن المجموعة لسبب ما و شعر أنه ضل طريقه ، فتلك هي العلامة التي سترشده إلى المركبة ، حيث عليه الإنتظار فيها حتى عودة الجميع .
عقب الدكتور حمود قائلا :
- فوق تلك الصخرة ساضع أعلام بلادنا .
و عندما أتم الدكتور حمود تثبيت الأعلام ، وسط تصفيق زملائه ، حمل كل منهم مصورته ، بينما حمل الدكتور عبد الله ( كمرة فيديو ) ، و ابتدؤوا التحرك فوق الشاطئ .
كان سقف الكهف الصخري يبتعد حينا عاليا لمسافة تزيد عن المائة متر و ينخفض حينا حتى ليكاد يلامس الرؤوس ، و قد لفتت نباتات فطرية عملاقة انتبهاهم ، تنتشر أفقيا على شكل فروع تمتد إلى مسافات بعيدة ، و فطريات أخرى تنمو عموديا فكانت اشبه بشجيرات الصباريات .
و إن هي إلا دقائق ، حتى برز أمامهم حيوان عملاق يشبه الضب و لكن بدون عينين ، فقد نبت مكانهما قرنا استشعار طويلان ، كان منهمكا بالتهام فروع شجيرة فطرية ، مروا امامه و حوله و التقطوا له الصور ، دون أن يلتفت إليهم أو يشعر بوجودهم ، ثم ما لبثوا بعد قليل أن وجدوا قطيعا كاملا من نوعه يرعى شجيرات الفطر .
كانو يتحركون و كأنهم في مركبات فضائية بخفة و رشاقة و سرعة لم يجربوها من قبل إلا عندما غادروا مركبتهم في رحلتهم المدهشة إلى مملكة المادة المعتمة .
كانوا يفترقون حينا و يتجمعون حينا ، أما الدكتور مجدي فقد انهمك بفحص كل ما تقع عليه عيناه ، فاكتشف الكثير من العروق الذهبية ، و الكثير الكثير من معدني الحديد و النحاس على شكل حجارة من مختلف الأحجام فملأ حقيبة مكتب يحملها ، بعينات منها .
ثم ارتقوا جميعا إلى أعلى الشلال الذي كانوا قد شاهدوه ، و إذا بهم أمام نهر عظيم لا يتجاوز عرضه عشرة أمتار إلا أن ماءه كان غزيرا ، يتسارع جريانه كلما اقترب من نقطة الإنحدار .
و خلال نصف ساعة تمكنوا من اكتشاف معظم ( بحر السلام العالمي ) و شواطئه و من التقاط ثروة من الصور و لقطات الفيديو ، و العينات ، ثم عادوا إلى المركبة و قد غمرتهم السعادة .

* نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
عضو الجمعية الدولية للمترجمين و اللغويين العرب ArabWata
الموقع : www.FreeArabi.com
البريد : nizar_zain@yahoo.com

رحلة إلى الأعماق
رابط الجزء الأول :
http://www.freearabi.com/رحلة-إلى-الأعماق=ج1=نزار-ب-الزين.htm
رابط الجزء الثاني :
http://www.freearabi.com/رحلة-إلى-الأعماق=ج2=-نزار-ب-الزين.htm
رابط الجزء الثالث
http://www.freearabi.com/رحلة-إلى-الأعماق=ج3=نزار-ب-الزين.htm
رابط الجزء الرابع
http://www.freearabi.com/رحلة-إلى-الأعماق=ج4=نزار-ب-الزين.htm
رابط الجزء الخامس
http://www.freearabi.com/رحلة-إلى-الأعماق=ج5=نزار-ب-الزين.htm
رابط الجزء السادس
http://www.freearabi.com/رحلة-إلى-الأعماق=ج6=نزار-ب-الزين.htm