المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجزء الأول من الباب الثامن من كتاب (تلاش) للأديب الباكستانس (ممتاز مفتي)



إبراهيم محمد إبراهيم
19/11/2007, 08:38 AM
الجزء الأول من الباب الثامن
حيثما تكون كيزان العسل يتواجد النمل :
الكاتب الصحفي " ألطاف جوهر " له مقال يومي في جريدة " صوت العصر " (1) ، وقد كتب ذات مرة في مقاله هذا أنه اتفق له في يوم من الأيام أن استمع إلى خطبة الجمعة في مسجد بأحد الأحياء الراقية بمدينة " كراتشي " ، والتي يسكنها المسئولون والمثقفون ، وكان موضوع الخطبة يدور حول " رفع سروال المسلـم المصلي إلى ما فوق الكعبين حتى لا تبطل صلاته " ، وقد أبدى الأستاذ " ألطاف جوهر " حيرته من جرأة الخطيب الذي يلقي خطبته على المثقفين في موضوع فرعي وهو ممتلئاً حماساً وعاطفة ، وكأنه يكشف لهم موضوعاً جديداً غاية في الخطورة،ويلقي الضوء على قضية أساسية من قضايا الإسلام .
الخطبة :
وقد اتفق لي أنا أيضاً أن استمعت إلى خطبة تشبه خطبة الشيخ سابق الذكر ، فقد كنا في فصل الشتاء ، وكان الميدان الملحق بمسجد " لال " بحي " آب باره " بمدينة " إسلام آباد " يمتلئ عن آخره بالمصلين ، وكان أكثر المصلين من المسئولين الحكوميين (2) ، وكلاء وزارة ، ورؤساء مجالس إدارات ، وموظفو مجمع الوزارات الحكومية ، وبعض الوزراء أيضاً ، وبينما وقف الإمام ليلقي خطبته إذ وقع بصره على رجل يلبس جواربه ، وكأن الخطيب قد عثر على موضوع الخطبة ، فأخذ ينهر المصلين !!. إذ كيف تصدر منهم هذه الحركة وهم المثقفون ، وكيف لا يعيرون " السنة " اهتماماً ، ويجب أن يعلموا أن لبس الجوارب أثناء الصلاة ممنوع ، ومن كان يلبس جورباً أثناء الصلاة بطلت صلاته .
وصاح أحد الموجـودين في هـذا الجمـع الكبـير قائـلاً : ترى ماذا يفعل سكـان " الإسكيمو " يا فضيلة الشيخ ؟!!!. وصاح الشيـخ في غضب : إننـا لا نتحـدث عن بلاد " الإسكيمو " ، وإنما نتحدث عن باكستان ، وعليكم أن تعلموا أيها السادة أن الجدال والمناقشة أثناء الخطبة فعل شيطاني . وساد الصمت الحضور .
أما أنا فلم تدهشني جرأة الخطيب على قول مثل هذا الكلام أمام جمع من المثقفين والعارفين بأمور دينهم ، حتى وإن كان يتحدث بحماس وحرارة ويقين ، وكأنه يعرف ، ويؤدي فريضة مقدسة بتعريف الذين لا يعرفون ، وإنما كنت مندهشاً أن يستمع المثقفون الواعون إلى هذه الأمور الفرعية من الخطب وهم صامتون (3) !! . ولم يثر في قلب أي منهم احتجاج ، بينما كانوا بالفعل يعانون مما يقول .
وكنت أود أن أنهض من مكاني وأقول للخطيب : نرجو يا سيدي أن تلقي الضوء على قضية إسلامية في خطبتك ، وقد اعتدلت في جلستي بالفعل ، وحاولت عدة مرات أن أفعل مثلما ذكرت ، ولكن شجاعتي لم تمكنني من الحديث ، فقلت لنفسي : لا بأس ، على الأقل أغادر المكان احتجاجاً ، ورآني الخطيب وأنا أنسحب من بين الناس ، فغير مجرى حديثه قائلاً : إن سماع الخطبة أمر لازم ، لأنها جزء لا يتجزأ من الصلاة ، ومن لم يسمع الخطبة فلا صلاة له . في ذلك اليوم شعرت بإحباط شديد ، وفي المساء كان اجتماع شلّة " الأناماليين " على موعد للانعقاد في بيتي .
وشلّة " الأناماليين " هذه تنظيم يقصد به " دعك من كل شيء " ، دعك من الواقع السياسي ، ودعك من سياسات المصالح الحكومية ونظمها ، ودعك من الصراخ والصياح ومشاكل البيت ، وأخرج الطفل الذي بداخلك ، وأجلسه على كتفيك ، واعتزل الدنيا لعدة أيام في كوخ ، أو غابة ، أو واد ، أو جبل !!!. ويبلغ عدد أعضاء تنظيم " الأناماليين " هذا ستة أعضاء ، كلهم يزمجرون بـ " أنا " ، " أنا " ، مثلما يمتلئ الذباب طنيناً .
الأرجوحة والنمرود :
كان " عماد " أول من حضر من أعضاء التنظيم ، و " عماد " مهندس بالوراثة ، وغارق في العبادة ، مثلما تغرق حلاوة " المشبّك " في سائل " الشربات " . قال " عماد " : يبدو أنك محبط اليوم . ماذا حدث ؟!!. حكيت له الموضوع سابق الذكر . ضحـك " عماد " قائلاً : يا سيد " مفتي " ، هكذا تكون الخطب !!. وحكاية " الجوارب " هذه حكاية بسيطة للغاية ، لقد سمعت خطباً كفانا الله شرّها ، على سبيل المثال قريتنا تقع في منطقة مفتوحة متسعة ذات جو معتدل ، فإذا ما جاء فصل المطر فرش الأرض بفراش مخمليّ من الخضرة ، وتمايلت أغصان الأشجار في نشوة ، وغرّدت الطيور بأنواعها وغنّت ، وصار المنظر العام رائعاً . في مثل هذا الجوّ يصرّ الأطفال على أن نعدّ لهم " أرجوحة " ذات حبال طويلة يتأرجحون عليها ، لكن إمام المسجد في قريتنا حذرنا في خطبة الجمعة من أن استخدام " المراجيح " فعل شيطاني ، وليس عملاً إسلامياً ، ودهشنا جميعاً مما قاله الخطيب .
قال " أعظمي " (4) : كان ينبغي أن تسأل الخطيب كيف يكون هذا فعلاً شيطانياً ؟!. وضحك " عماد " قائلاً : إنك تعرف خطباء المساجد في الأرياف ، إنهم يمثّلون سلطة الإسلام في القرى ، ولا يمكن أن تناقشهم في شيء ، وقد انبرى الخطيب بنفسـه ملقيـاً الضـوء على مسألة " المراجيح " هذه فقال : إن الذي اخترع " الأرجوحة " هو " النمرود " ، وتفصيل ذلك أنه حين قرر " الكفار " إلقاء سيدنا إبراهيم عليه السلام في النار (5) ، أشعلوا ناراً ضخمة ، لدرجة أنه كان من الصعب مجرد الاقتراب منها ، ولم يجرؤ أحد على أن يتقدم لإلقاء سيدنا إبراهيم في هذه النيران المشتعلة ، عندئذ واتت النمرود فكرة قام بتنفيذها ، وهي أنه جاء بحبال وربطها في الشجرة على هيئة " الأرجوحة " ، وجعلها قبالـة النـار ، وأمـر أن يجلسـوا سيدنا إبراهيم على هذه " الأرجوحة " ، ويدفعوه باتجاه النار ، فإذا ما مرّ إبراهيم عليه السلام بالأرجوحة فوق النار احترق الحبل ، وسقط إبراهيم في النار !!!. ثم قال الخطيب : ومن يعلّق " أرجوحة " فكأنما يتبع " النمرود " ، ولهذا أيها الناس ، عليكم بتجنّب البدع !!!.
وضحك " عمر " قائلاً : هذه الخطبة قديمة ، والخطـب الآن تهاجـم احتفالات أعياد " بسنت : الربيع " (6) مؤكدة على أن هذه الاحتفالات بمثابة الكفر ، لأنها ليست احتفالاً بالطقس ، وهي احتفالات هندوسية في الأصل ، وليس في الإسلام سوى الأعياد الدينية .
عملة العصر :
قال السيد " أعظمي " : كم من معلومات مغلوطة عن الإسلام تنتشر من خلال هذه الخطب ، ويقدم فيها الإسلام مشوهاً . في تلك الأثناء حضر " مسعود قريشي " الذي أثار ضجة بمجرد حضوره ، إذ قال : إنكم جميعاً حمقى يا أصدقائي ، إن ما تطلقون عليه مشوهاً هو الإسلام بعينه ، وما تدّعون أنه معلومات مغلوطة هو عين الإسلام !!. زمجر " عمر " في غضب قائلاً : هل فقدت عقلك يا رجل ؟!. ردّ عليه " مسعود " : لست أنا ، وإنما أنتم الذين فقدوا عقولهم ، إنكم تعتقدون أن الإسلام هو ذلك الذي تضمّه الكتب ، وتحفظه أذهان المثقفين العقلاء الواعين ، كلاّ يا عزيزي ، إن الإسلام هو ذلك الذي يروج في عصرنا ، الإسلام هو ذلك الذي ينشر من خلال الخطب في المساجد . وارتفعت أصوات الجميع احتجاجاً . قال " مسعود " : قل لي إذاً ، كم عدد المساجد في باكستان تقريباً ؟!. في كل محطة وشارع ، ومدينة وحارة ، تقريباً مليون مسجد ، أليس كذلك ؟!. قال " عماد " : نعم ، تقريباً . فقال " مسعود " : إذاً فلتعلموا أيها الأصدقاء أن مثل هذه الخطب تلقى في أيام الجمع والأعياد ، وثمانون بالمائة من أهل القرى والأرياف يعتبرون هذه الخطب هي نهاية المطاف ، ولا شيء أكثر صحة منها ، وعامة الناس في المدينة يستمعون إليها بشيء من اليقين ، والمثقفون الواعون يستمعون إليها وهم يعانون ، لكنهم لا يقولون شيئاً،ومثل هذه الخطب أيضاً يذاع في الراديو والتلفزيون،وينشر في الجرائد على شكل تقارير ومقالات .
لقد فتح كلام " مسعود " في ذلك اليوم عيني ، فلقد كنت أعتقد أن الإسلام هو ذلك الذي تحويه الكتب ، ذلك الذي يوجد في عقول المفكرين ، أو ذلك الذي رفع لواءه أولياء الله الصالحون والمتصوفـة الكرام . لقد اطلعت لأول مرة على حقيقة أن الإسلام هو ما يروج في عصره ، هو ذلك الذي نشره الخطباء (7) ، وهؤلاء الخطباء يتحكمون في مليون مركز إشعاعي ، يركزون من خلالها في الإسلام على تلك الجوانب التي تبرز أهميتهم ، وأهمية خطبهم ، وتنشر خرافاتهم .
المحتكرون :
سادتي ، هذا ليس بالأمر الجديد ، وهذه السلسلة ممتدة منذ القدم ، فكلما جاء دين جديد ظهر المقاولون الذين يحتكرونه . جاءت " الهندوسية " ، فظهر لها " البراهمة " (8) ، وجاءت " المسيحية " ، فظهر لها " القساوسة والرهبان " ، واستحكمت سلطة القساوسة ، حتى أنهم لم يتجنبوا الصدام مع السلاطين والملوك ، وكانت الديانة " البوذية " هي الديانة الوحيدة التي لم تعترف بالله ، ولم تنكره ، كما أنها لم تقدّم فلسفة معينة ، وإنما مجرد السلام والأمن والخلاص ، ومع ذلك اخترع " المحتكرون " تقليد " الرهبنة " بها ، وأصبحـت السلطـة في أيديـهـم ، وصـار " فقراء البوذيين " من أتبـاع " بــوذا " بمثـابة " البراهمة " (9) . وليس في الإسلام " رهبانية " ، وإنما المساواة التامة ، ومع ذلك فقد ظهر " المحتكرون " في الإسلام . يقول الحكماء : حيثما توجد كيزان العسل يظهر النمل ، وقد استغل " المحتكرون " الإسلام وهو الدين الواضح البسيط ، لتحقيق مآربهم الشخصية ، والحفاظ على مكانتهم وأهميتهم ، وجعلوا منه مجرد " طقوس " .
القزم العملاق :
وبمناسبة الحديث عن بساطة الإسلام تذكرت " محمد فاضل " ، و " محمد فاضل " مسلم أميّ ، يسكن في قرية من قرى محافظة " جهلم " (10) ، وظلّ يجرب حظه حتى وصل في النهاية إلى أوروبا ، وعاش عدة سنوات في باريس . كان " محمد فاضل " يغسل الأطباق طيلة النهار في أحد الفنادق ، ويمسح المطبخ ، وفي الليل ينام على أحد الأرصفة .
وبعد ما يقرب من عشر سنوات علمت أن " محمد فاضل " أصبح كبير الطباخين في أكبر فنادق باريس ، وتقع على عاتق الطباخ في الفندق كل مسئوليات إعداد الطعام ، ولهذا فإن مرتب كبير الطباخين يعادل مرتب المدير العام .
إنني أعرف " محمد فاضل " ، ولهذا لم أصدّق نفسي عندما سمعت أنه يعمل الآن طباخاً بأكبر فنادق باريس !!. كيف يمكن أن يصل شاب أميّ من " جهلم " في عدة سنوات إلى هذه المكانة الرفيعة ، وسألت صديقاً لي في وزارة الخارجية قائلاً : كيف يمكن لشخص أميّ أن يصبح طباخاً في أكبر الفنادق ؟. وضحك صديقي قائلاً : يا " مفتي " ، إن الشعب الباكستاني شعب عجيب ، فهم في باكستان من أرخص ما يكون ، إنفعاليون ، غارقون في النفاق والفساد ، فإذا ما ذهبوا إلى أوروبا لا تعرف ماذا يحدث لهم (11) ، يصبحون عمالقة . لي قريب ذهب إلى أوروبا ، وظل لأربع سنوات في حالة سيئة ، والآن أصبح يملك فندقين ، وفتاة جميلة من " السند " (12) ذهبت إلى أوروبا خادمة لمسئول كبير ، والآن أصبحت " المليونيرة حرم اللورد " ، تستورد " البان " (13) طازجاً من مدينة " كراتشي " ، والـ " كتهـ " (14) من الهند ، والمانجو من باكستان ، والـ " بابر " (15) و الـ " فريان " (16) من الهند ، وتعيش في قصر ، ويخدمها أربعة ، وتمتلك طائرة هيلوكبتر خاصة لتنقلاتها .
ضحك صديقي وقال : الشعب الباكستاني شعب عجيب ، إنه قزم وعملاق في نفس الوقت .
الطاجن :
وبعد عدة أيام علمت أن " محمد فاضل " عاد من أوروبا إلى قريته في إجازة ، فذهبت للقائه ، قابلني بترحاب شديد . سألته في ثنايا حديثي معه : يا " فاضل " ، هل صحيح أنك تعمل طباخاً في فندق ؟!. ضحك قائلاً : نعم ، كنت طباخاً ، عملت أربع سنوات طباخاً ، ثم اشتريت الفندق . سألته : ما هي الأكلات التي تستطيع إعدادها ؟!. قال : كل الأكلات ، الإنجليزية ، والفرنسية ، والألمانية ، والإيطالية ، والصينية ، والروسية ، والعربية ، كل الأكلات ، أستطيع أن أطبخ وأعدّ أكلات كل بلد من البلاد . قلت : أخبرني ، ما هي ألذّ الأكلات في رأيك ؟.
توقف " محمد فاضل " لدقيقة ، وجعل يفكر ، ثم قال : إن شئت الحق ليس هناك أكلة في الدنيا ألذّ من أكلة " الطاجن " عندنا . سألتـه : ماذا تعني بأكلة " الطاجن والخبز " ؟!. قال : " الطاجن والخبز " التي نطبخها هنا !!.
وأصابتني دهشة كبيرة ، فقال : يا سيد " مفتي " ، فكر قليلاً ، كم كان عظيماً ذلك الذي اخترع " الطاجن " ، فاليوم ، وبعد مرور قرون طويلة ، شعر أهل أوروبا أن عليهم أن يتناولوا طعاماً متوازناً ، ولقد كان مخترع " الطاجن " قبل قرون عدة يعرف أنه أفضل ما يمكن للطعام المتوازن ، فـ " الطاجن " يحتوي على الشوربة واللحم والخضار ، والفلفل الحراق والكركم والزنجبيل والبصل والثوم . لقد عرفنا اليوم أن الثوم مقوي للقلب جـداً . كان مخترع " الطاجن " على علم بكل هذا قبل قرون طويلة ، ومن التوابل يحتوي " الطاجن " على الحبهان الصغير والكبير والقرفة والفلفل الأسود ، ونحن لا نزال حتى اليوم لا نعرف ما هي خصائص هذه التوابل بالضبط ، وإلى أي مدى تفيد أجسامنا .
ثم توقف " محمد فاضل " للحظة وقال : يا أخي ، إن أكلة " الطاجن " ليست متوازنة فقط ، بل إنها من حيث المذاق أيضاً لا مثيل لها (17) ، فأهل الغرب يتناولون أكلات لا طعم لها ، ولا متعة فيها ، إنهم لا يدرون ما هو الطعام اللذيذ .
هوامش
1 - " صوت العصر : نوائــ وقت " من كبريات الجرائد اليومية التي تصدر في باكستان من عدة مدن في وقت واحد .
2 - إسلام آباد هي العاصمة السياسية لباكستان ، وطبيعي أن يكون أكثر سكانها من السياسيين والدبلوماسيين والمسئولين الحكوميين ، وبالتالي كان أكثر المصلين في هذا المسجد وغيره من مساجد إسلام آباد من المسئولين الحكوميين وغيرهم من طبقاتهم باعتبار السكن والإقامة ، وهو ما قصده المؤلف ، وخاصة أن مجمع الوزارات الحكومية يقع بالقرب من هذا المسجد الذي ذكره ، وليس الأمر كما قد يتبادر إلى الذهن من أن المسئولين الحكوميين اجتمعوا للصلاة في هذا المسجد خاصة .
3 - ترى ماذا يريد الكاتب ؟!. وهل كان الأمر سينتهي إلى عاقبة محمودة لو لم يصمت المصلون ؟!!.
4 - أحد أعضاء شلّة " الأناماليين " كما يحلو للكاتب تسميتها .
5 - الإشارة إلى محاكمة الكفار لسيدنا إبراهيم عليه السلام في القصة التي وردت في سورة " الأنبياء " في قوله تعالى : قالوا من فعل هذا بآلهتنا لإنه لمن الظالمين . قالوا سمعنا فتى يقال له إبراهيم . قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون . قالوا ءأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم . قال بل فعله كبيرهم هذا قسالوهم إن كانوا ينطقون . فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون . ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون . قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم . أف لكم ولما تعبدون من دون الل أفلا تعقلون . قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين . قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم . وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين " . الأنبياء – آية : 59 – 70 .
6 - بسنت عيد البريع ، ويحتفل الناس به ، وخاصة الأطفال ، بإطلاق الطائرات الورقية الملونة الجميلة في الفضاء من فوق أسطح المنازل ، فتمتلئ السماء بهذه الطائرات ، ويكون النظر غاية في الجمال ، إلا أن حوادث عديدة تقع خلال هذه الاحتفالات ، تؤدي في كثير من الأحيان إلى مصرع أطفال كثيرين ، وذلك لأن الأطفال إذا ما انقطع خيط طائرة أحدهم وسقطت في الشوارع ، تزاحموا جروا وراءها لمتابعتها والحصول عليها ، فيتعرضوت لمخاطر الاصطدام بالسيارات والمركبات في الشوارع .
7 - في الأصل استخدم الكاتب لفظ " ملاّ " ، وهو ما يعطي في الأردية معنى يقترب مما نقصده بقولنا " فقي " بكسر البفاء والقاف " في أرياف مصر بصفة عامة ، وتجمع على " فقها " ، وهو ما قد يثير لبساً في الذهن إذا ما أثبتناه في الترجمة مع لفظ " الفقهاء " الذي يدل على علماء الفقه ، ولهم مكانة كبرى ، ولا يقصدهم الكاتب .
8 - الديانة الهندوسيـة هي الديانة التي يدين بها معظم أهل الهند ، وللبقرة فيها تقديس خاص ، والبراهمة هم كهنتها ، وتعد ( الفيدا ) من أقدم كتبها المقدسة ، والهندوسية تؤمن بتعدد الآلهة ، وقد أضاف إليها البراهمة مجموعة من العقائد مما يجعلها من الفلسفات أكثر من كونها عقيدة .
9 - أي أصبح لهم من السلطة على أتباع البوذية مثلما للبراهمة على أتباع الهندوسية ، مع أنها على حد قول الكاتب ليس بها من مقومات السلطة شيء .
10 - من مدن إقليم البنجاب بباكستان .
11 - ونحن أيضاً في مصر نقول مثل هذا !!!.
12 - أحد أقاليم باكستان الأربعة ومن أكبرها ، وعاصمته " كراتشي " ، ولغته هي السندية .
13 - البان تركيبة محلية من ورق التبغ مع بعض المواد ، ويمضغ ليعطي نكهة الدخان ، ويباع في الشوارع وعلى الأرصفة مع الباعة الجائلين في باكستان والهند ، والبان قسمان ، أحدهما هو الذي سبق ذكره ، والثاني يضاف إليه عسل النحل ليعطي مذاقاً حلواً ، ويسمى " ميتها بان : البان الحلو " ، وأكثر من يتعاطى هذا النوع الحلو من البان هم السيدات .
14 - مما يؤكل مع البان سابق الذكر .
15 - نوع من العجائن يعدّ من دقيق الحمص مع إضافات أخرى ، ويقلى في الزيت أو السمن فينتفش ، ويصير في شكله أقرب إلى عش الغراب أ ويحبه الأطفال كثيراً ، ويقدم كنوع من التسلية مع الشاي مثلما نتناول نحن في مصر " الفيشار " .
16 - الـ " فريان " عجينة من العدس الأبيض المبلول يخلط بها التوابل ، ثم تقطع إلى قطع صغيرة ، وتوضع في الشمس حتى تجف ، ثم تحفظ في زجاجات وبرطمانات لتطبخ وقت الحاجة .
17 - أظن أن كل شعب سيقول نفس الكلام عن أكلاته ، وهو أمر فطري يتعلق بنفسية الإنسان وتربيته وبيئته وموروثه الاجتماعي .

إبراهيم محمد إبراهيم
19/11/2007, 08:38 AM
الجزء الأول من الباب الثامن
حيثما تكون كيزان العسل يتواجد النمل :
الكاتب الصحفي " ألطاف جوهر " له مقال يومي في جريدة " صوت العصر " (1) ، وقد كتب ذات مرة في مقاله هذا أنه اتفق له في يوم من الأيام أن استمع إلى خطبة الجمعة في مسجد بأحد الأحياء الراقية بمدينة " كراتشي " ، والتي يسكنها المسئولون والمثقفون ، وكان موضوع الخطبة يدور حول " رفع سروال المسلـم المصلي إلى ما فوق الكعبين حتى لا تبطل صلاته " ، وقد أبدى الأستاذ " ألطاف جوهر " حيرته من جرأة الخطيب الذي يلقي خطبته على المثقفين في موضوع فرعي وهو ممتلئاً حماساً وعاطفة ، وكأنه يكشف لهم موضوعاً جديداً غاية في الخطورة،ويلقي الضوء على قضية أساسية من قضايا الإسلام .
الخطبة :
وقد اتفق لي أنا أيضاً أن استمعت إلى خطبة تشبه خطبة الشيخ سابق الذكر ، فقد كنا في فصل الشتاء ، وكان الميدان الملحق بمسجد " لال " بحي " آب باره " بمدينة " إسلام آباد " يمتلئ عن آخره بالمصلين ، وكان أكثر المصلين من المسئولين الحكوميين (2) ، وكلاء وزارة ، ورؤساء مجالس إدارات ، وموظفو مجمع الوزارات الحكومية ، وبعض الوزراء أيضاً ، وبينما وقف الإمام ليلقي خطبته إذ وقع بصره على رجل يلبس جواربه ، وكأن الخطيب قد عثر على موضوع الخطبة ، فأخذ ينهر المصلين !!. إذ كيف تصدر منهم هذه الحركة وهم المثقفون ، وكيف لا يعيرون " السنة " اهتماماً ، ويجب أن يعلموا أن لبس الجوارب أثناء الصلاة ممنوع ، ومن كان يلبس جورباً أثناء الصلاة بطلت صلاته .
وصاح أحد الموجـودين في هـذا الجمـع الكبـير قائـلاً : ترى ماذا يفعل سكـان " الإسكيمو " يا فضيلة الشيخ ؟!!!. وصاح الشيـخ في غضب : إننـا لا نتحـدث عن بلاد " الإسكيمو " ، وإنما نتحدث عن باكستان ، وعليكم أن تعلموا أيها السادة أن الجدال والمناقشة أثناء الخطبة فعل شيطاني . وساد الصمت الحضور .
أما أنا فلم تدهشني جرأة الخطيب على قول مثل هذا الكلام أمام جمع من المثقفين والعارفين بأمور دينهم ، حتى وإن كان يتحدث بحماس وحرارة ويقين ، وكأنه يعرف ، ويؤدي فريضة مقدسة بتعريف الذين لا يعرفون ، وإنما كنت مندهشاً أن يستمع المثقفون الواعون إلى هذه الأمور الفرعية من الخطب وهم صامتون (3) !! . ولم يثر في قلب أي منهم احتجاج ، بينما كانوا بالفعل يعانون مما يقول .
وكنت أود أن أنهض من مكاني وأقول للخطيب : نرجو يا سيدي أن تلقي الضوء على قضية إسلامية في خطبتك ، وقد اعتدلت في جلستي بالفعل ، وحاولت عدة مرات أن أفعل مثلما ذكرت ، ولكن شجاعتي لم تمكنني من الحديث ، فقلت لنفسي : لا بأس ، على الأقل أغادر المكان احتجاجاً ، ورآني الخطيب وأنا أنسحب من بين الناس ، فغير مجرى حديثه قائلاً : إن سماع الخطبة أمر لازم ، لأنها جزء لا يتجزأ من الصلاة ، ومن لم يسمع الخطبة فلا صلاة له . في ذلك اليوم شعرت بإحباط شديد ، وفي المساء كان اجتماع شلّة " الأناماليين " على موعد للانعقاد في بيتي .
وشلّة " الأناماليين " هذه تنظيم يقصد به " دعك من كل شيء " ، دعك من الواقع السياسي ، ودعك من سياسات المصالح الحكومية ونظمها ، ودعك من الصراخ والصياح ومشاكل البيت ، وأخرج الطفل الذي بداخلك ، وأجلسه على كتفيك ، واعتزل الدنيا لعدة أيام في كوخ ، أو غابة ، أو واد ، أو جبل !!!. ويبلغ عدد أعضاء تنظيم " الأناماليين " هذا ستة أعضاء ، كلهم يزمجرون بـ " أنا " ، " أنا " ، مثلما يمتلئ الذباب طنيناً .
الأرجوحة والنمرود :
كان " عماد " أول من حضر من أعضاء التنظيم ، و " عماد " مهندس بالوراثة ، وغارق في العبادة ، مثلما تغرق حلاوة " المشبّك " في سائل " الشربات " . قال " عماد " : يبدو أنك محبط اليوم . ماذا حدث ؟!!. حكيت له الموضوع سابق الذكر . ضحـك " عماد " قائلاً : يا سيد " مفتي " ، هكذا تكون الخطب !!. وحكاية " الجوارب " هذه حكاية بسيطة للغاية ، لقد سمعت خطباً كفانا الله شرّها ، على سبيل المثال قريتنا تقع في منطقة مفتوحة متسعة ذات جو معتدل ، فإذا ما جاء فصل المطر فرش الأرض بفراش مخمليّ من الخضرة ، وتمايلت أغصان الأشجار في نشوة ، وغرّدت الطيور بأنواعها وغنّت ، وصار المنظر العام رائعاً . في مثل هذا الجوّ يصرّ الأطفال على أن نعدّ لهم " أرجوحة " ذات حبال طويلة يتأرجحون عليها ، لكن إمام المسجد في قريتنا حذرنا في خطبة الجمعة من أن استخدام " المراجيح " فعل شيطاني ، وليس عملاً إسلامياً ، ودهشنا جميعاً مما قاله الخطيب .
قال " أعظمي " (4) : كان ينبغي أن تسأل الخطيب كيف يكون هذا فعلاً شيطانياً ؟!. وضحك " عماد " قائلاً : إنك تعرف خطباء المساجد في الأرياف ، إنهم يمثّلون سلطة الإسلام في القرى ، ولا يمكن أن تناقشهم في شيء ، وقد انبرى الخطيب بنفسـه ملقيـاً الضـوء على مسألة " المراجيح " هذه فقال : إن الذي اخترع " الأرجوحة " هو " النمرود " ، وتفصيل ذلك أنه حين قرر " الكفار " إلقاء سيدنا إبراهيم عليه السلام في النار (5) ، أشعلوا ناراً ضخمة ، لدرجة أنه كان من الصعب مجرد الاقتراب منها ، ولم يجرؤ أحد على أن يتقدم لإلقاء سيدنا إبراهيم في هذه النيران المشتعلة ، عندئذ واتت النمرود فكرة قام بتنفيذها ، وهي أنه جاء بحبال وربطها في الشجرة على هيئة " الأرجوحة " ، وجعلها قبالـة النـار ، وأمـر أن يجلسـوا سيدنا إبراهيم على هذه " الأرجوحة " ، ويدفعوه باتجاه النار ، فإذا ما مرّ إبراهيم عليه السلام بالأرجوحة فوق النار احترق الحبل ، وسقط إبراهيم في النار !!!. ثم قال الخطيب : ومن يعلّق " أرجوحة " فكأنما يتبع " النمرود " ، ولهذا أيها الناس ، عليكم بتجنّب البدع !!!.
وضحك " عمر " قائلاً : هذه الخطبة قديمة ، والخطـب الآن تهاجـم احتفالات أعياد " بسنت : الربيع " (6) مؤكدة على أن هذه الاحتفالات بمثابة الكفر ، لأنها ليست احتفالاً بالطقس ، وهي احتفالات هندوسية في الأصل ، وليس في الإسلام سوى الأعياد الدينية .
عملة العصر :
قال السيد " أعظمي " : كم من معلومات مغلوطة عن الإسلام تنتشر من خلال هذه الخطب ، ويقدم فيها الإسلام مشوهاً . في تلك الأثناء حضر " مسعود قريشي " الذي أثار ضجة بمجرد حضوره ، إذ قال : إنكم جميعاً حمقى يا أصدقائي ، إن ما تطلقون عليه مشوهاً هو الإسلام بعينه ، وما تدّعون أنه معلومات مغلوطة هو عين الإسلام !!. زمجر " عمر " في غضب قائلاً : هل فقدت عقلك يا رجل ؟!. ردّ عليه " مسعود " : لست أنا ، وإنما أنتم الذين فقدوا عقولهم ، إنكم تعتقدون أن الإسلام هو ذلك الذي تضمّه الكتب ، وتحفظه أذهان المثقفين العقلاء الواعين ، كلاّ يا عزيزي ، إن الإسلام هو ذلك الذي يروج في عصرنا ، الإسلام هو ذلك الذي ينشر من خلال الخطب في المساجد . وارتفعت أصوات الجميع احتجاجاً . قال " مسعود " : قل لي إذاً ، كم عدد المساجد في باكستان تقريباً ؟!. في كل محطة وشارع ، ومدينة وحارة ، تقريباً مليون مسجد ، أليس كذلك ؟!. قال " عماد " : نعم ، تقريباً . فقال " مسعود " : إذاً فلتعلموا أيها الأصدقاء أن مثل هذه الخطب تلقى في أيام الجمع والأعياد ، وثمانون بالمائة من أهل القرى والأرياف يعتبرون هذه الخطب هي نهاية المطاف ، ولا شيء أكثر صحة منها ، وعامة الناس في المدينة يستمعون إليها بشيء من اليقين ، والمثقفون الواعون يستمعون إليها وهم يعانون ، لكنهم لا يقولون شيئاً،ومثل هذه الخطب أيضاً يذاع في الراديو والتلفزيون،وينشر في الجرائد على شكل تقارير ومقالات .
لقد فتح كلام " مسعود " في ذلك اليوم عيني ، فلقد كنت أعتقد أن الإسلام هو ذلك الذي تحويه الكتب ، ذلك الذي يوجد في عقول المفكرين ، أو ذلك الذي رفع لواءه أولياء الله الصالحون والمتصوفـة الكرام . لقد اطلعت لأول مرة على حقيقة أن الإسلام هو ما يروج في عصره ، هو ذلك الذي نشره الخطباء (7) ، وهؤلاء الخطباء يتحكمون في مليون مركز إشعاعي ، يركزون من خلالها في الإسلام على تلك الجوانب التي تبرز أهميتهم ، وأهمية خطبهم ، وتنشر خرافاتهم .
المحتكرون :
سادتي ، هذا ليس بالأمر الجديد ، وهذه السلسلة ممتدة منذ القدم ، فكلما جاء دين جديد ظهر المقاولون الذين يحتكرونه . جاءت " الهندوسية " ، فظهر لها " البراهمة " (8) ، وجاءت " المسيحية " ، فظهر لها " القساوسة والرهبان " ، واستحكمت سلطة القساوسة ، حتى أنهم لم يتجنبوا الصدام مع السلاطين والملوك ، وكانت الديانة " البوذية " هي الديانة الوحيدة التي لم تعترف بالله ، ولم تنكره ، كما أنها لم تقدّم فلسفة معينة ، وإنما مجرد السلام والأمن والخلاص ، ومع ذلك اخترع " المحتكرون " تقليد " الرهبنة " بها ، وأصبحـت السلطـة في أيديـهـم ، وصـار " فقراء البوذيين " من أتبـاع " بــوذا " بمثـابة " البراهمة " (9) . وليس في الإسلام " رهبانية " ، وإنما المساواة التامة ، ومع ذلك فقد ظهر " المحتكرون " في الإسلام . يقول الحكماء : حيثما توجد كيزان العسل يظهر النمل ، وقد استغل " المحتكرون " الإسلام وهو الدين الواضح البسيط ، لتحقيق مآربهم الشخصية ، والحفاظ على مكانتهم وأهميتهم ، وجعلوا منه مجرد " طقوس " .
القزم العملاق :
وبمناسبة الحديث عن بساطة الإسلام تذكرت " محمد فاضل " ، و " محمد فاضل " مسلم أميّ ، يسكن في قرية من قرى محافظة " جهلم " (10) ، وظلّ يجرب حظه حتى وصل في النهاية إلى أوروبا ، وعاش عدة سنوات في باريس . كان " محمد فاضل " يغسل الأطباق طيلة النهار في أحد الفنادق ، ويمسح المطبخ ، وفي الليل ينام على أحد الأرصفة .
وبعد ما يقرب من عشر سنوات علمت أن " محمد فاضل " أصبح كبير الطباخين في أكبر فنادق باريس ، وتقع على عاتق الطباخ في الفندق كل مسئوليات إعداد الطعام ، ولهذا فإن مرتب كبير الطباخين يعادل مرتب المدير العام .
إنني أعرف " محمد فاضل " ، ولهذا لم أصدّق نفسي عندما سمعت أنه يعمل الآن طباخاً بأكبر فنادق باريس !!. كيف يمكن أن يصل شاب أميّ من " جهلم " في عدة سنوات إلى هذه المكانة الرفيعة ، وسألت صديقاً لي في وزارة الخارجية قائلاً : كيف يمكن لشخص أميّ أن يصبح طباخاً في أكبر الفنادق ؟. وضحك صديقي قائلاً : يا " مفتي " ، إن الشعب الباكستاني شعب عجيب ، فهم في باكستان من أرخص ما يكون ، إنفعاليون ، غارقون في النفاق والفساد ، فإذا ما ذهبوا إلى أوروبا لا تعرف ماذا يحدث لهم (11) ، يصبحون عمالقة . لي قريب ذهب إلى أوروبا ، وظل لأربع سنوات في حالة سيئة ، والآن أصبح يملك فندقين ، وفتاة جميلة من " السند " (12) ذهبت إلى أوروبا خادمة لمسئول كبير ، والآن أصبحت " المليونيرة حرم اللورد " ، تستورد " البان " (13) طازجاً من مدينة " كراتشي " ، والـ " كتهـ " (14) من الهند ، والمانجو من باكستان ، والـ " بابر " (15) و الـ " فريان " (16) من الهند ، وتعيش في قصر ، ويخدمها أربعة ، وتمتلك طائرة هيلوكبتر خاصة لتنقلاتها .
ضحك صديقي وقال : الشعب الباكستاني شعب عجيب ، إنه قزم وعملاق في نفس الوقت .
الطاجن :
وبعد عدة أيام علمت أن " محمد فاضل " عاد من أوروبا إلى قريته في إجازة ، فذهبت للقائه ، قابلني بترحاب شديد . سألته في ثنايا حديثي معه : يا " فاضل " ، هل صحيح أنك تعمل طباخاً في فندق ؟!. ضحك قائلاً : نعم ، كنت طباخاً ، عملت أربع سنوات طباخاً ، ثم اشتريت الفندق . سألته : ما هي الأكلات التي تستطيع إعدادها ؟!. قال : كل الأكلات ، الإنجليزية ، والفرنسية ، والألمانية ، والإيطالية ، والصينية ، والروسية ، والعربية ، كل الأكلات ، أستطيع أن أطبخ وأعدّ أكلات كل بلد من البلاد . قلت : أخبرني ، ما هي ألذّ الأكلات في رأيك ؟.
توقف " محمد فاضل " لدقيقة ، وجعل يفكر ، ثم قال : إن شئت الحق ليس هناك أكلة في الدنيا ألذّ من أكلة " الطاجن " عندنا . سألتـه : ماذا تعني بأكلة " الطاجن والخبز " ؟!. قال : " الطاجن والخبز " التي نطبخها هنا !!.
وأصابتني دهشة كبيرة ، فقال : يا سيد " مفتي " ، فكر قليلاً ، كم كان عظيماً ذلك الذي اخترع " الطاجن " ، فاليوم ، وبعد مرور قرون طويلة ، شعر أهل أوروبا أن عليهم أن يتناولوا طعاماً متوازناً ، ولقد كان مخترع " الطاجن " قبل قرون عدة يعرف أنه أفضل ما يمكن للطعام المتوازن ، فـ " الطاجن " يحتوي على الشوربة واللحم والخضار ، والفلفل الحراق والكركم والزنجبيل والبصل والثوم . لقد عرفنا اليوم أن الثوم مقوي للقلب جـداً . كان مخترع " الطاجن " على علم بكل هذا قبل قرون طويلة ، ومن التوابل يحتوي " الطاجن " على الحبهان الصغير والكبير والقرفة والفلفل الأسود ، ونحن لا نزال حتى اليوم لا نعرف ما هي خصائص هذه التوابل بالضبط ، وإلى أي مدى تفيد أجسامنا .
ثم توقف " محمد فاضل " للحظة وقال : يا أخي ، إن أكلة " الطاجن " ليست متوازنة فقط ، بل إنها من حيث المذاق أيضاً لا مثيل لها (17) ، فأهل الغرب يتناولون أكلات لا طعم لها ، ولا متعة فيها ، إنهم لا يدرون ما هو الطعام اللذيذ .
هوامش
1 - " صوت العصر : نوائــ وقت " من كبريات الجرائد اليومية التي تصدر في باكستان من عدة مدن في وقت واحد .
2 - إسلام آباد هي العاصمة السياسية لباكستان ، وطبيعي أن يكون أكثر سكانها من السياسيين والدبلوماسيين والمسئولين الحكوميين ، وبالتالي كان أكثر المصلين في هذا المسجد وغيره من مساجد إسلام آباد من المسئولين الحكوميين وغيرهم من طبقاتهم باعتبار السكن والإقامة ، وهو ما قصده المؤلف ، وخاصة أن مجمع الوزارات الحكومية يقع بالقرب من هذا المسجد الذي ذكره ، وليس الأمر كما قد يتبادر إلى الذهن من أن المسئولين الحكوميين اجتمعوا للصلاة في هذا المسجد خاصة .
3 - ترى ماذا يريد الكاتب ؟!. وهل كان الأمر سينتهي إلى عاقبة محمودة لو لم يصمت المصلون ؟!!.
4 - أحد أعضاء شلّة " الأناماليين " كما يحلو للكاتب تسميتها .
5 - الإشارة إلى محاكمة الكفار لسيدنا إبراهيم عليه السلام في القصة التي وردت في سورة " الأنبياء " في قوله تعالى : قالوا من فعل هذا بآلهتنا لإنه لمن الظالمين . قالوا سمعنا فتى يقال له إبراهيم . قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون . قالوا ءأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم . قال بل فعله كبيرهم هذا قسالوهم إن كانوا ينطقون . فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون . ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون . قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم . أف لكم ولما تعبدون من دون الل أفلا تعقلون . قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين . قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم . وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين " . الأنبياء – آية : 59 – 70 .
6 - بسنت عيد البريع ، ويحتفل الناس به ، وخاصة الأطفال ، بإطلاق الطائرات الورقية الملونة الجميلة في الفضاء من فوق أسطح المنازل ، فتمتلئ السماء بهذه الطائرات ، ويكون النظر غاية في الجمال ، إلا أن حوادث عديدة تقع خلال هذه الاحتفالات ، تؤدي في كثير من الأحيان إلى مصرع أطفال كثيرين ، وذلك لأن الأطفال إذا ما انقطع خيط طائرة أحدهم وسقطت في الشوارع ، تزاحموا جروا وراءها لمتابعتها والحصول عليها ، فيتعرضوت لمخاطر الاصطدام بالسيارات والمركبات في الشوارع .
7 - في الأصل استخدم الكاتب لفظ " ملاّ " ، وهو ما يعطي في الأردية معنى يقترب مما نقصده بقولنا " فقي " بكسر البفاء والقاف " في أرياف مصر بصفة عامة ، وتجمع على " فقها " ، وهو ما قد يثير لبساً في الذهن إذا ما أثبتناه في الترجمة مع لفظ " الفقهاء " الذي يدل على علماء الفقه ، ولهم مكانة كبرى ، ولا يقصدهم الكاتب .
8 - الديانة الهندوسيـة هي الديانة التي يدين بها معظم أهل الهند ، وللبقرة فيها تقديس خاص ، والبراهمة هم كهنتها ، وتعد ( الفيدا ) من أقدم كتبها المقدسة ، والهندوسية تؤمن بتعدد الآلهة ، وقد أضاف إليها البراهمة مجموعة من العقائد مما يجعلها من الفلسفات أكثر من كونها عقيدة .
9 - أي أصبح لهم من السلطة على أتباع البوذية مثلما للبراهمة على أتباع الهندوسية ، مع أنها على حد قول الكاتب ليس بها من مقومات السلطة شيء .
10 - من مدن إقليم البنجاب بباكستان .
11 - ونحن أيضاً في مصر نقول مثل هذا !!!.
12 - أحد أقاليم باكستان الأربعة ومن أكبرها ، وعاصمته " كراتشي " ، ولغته هي السندية .
13 - البان تركيبة محلية من ورق التبغ مع بعض المواد ، ويمضغ ليعطي نكهة الدخان ، ويباع في الشوارع وعلى الأرصفة مع الباعة الجائلين في باكستان والهند ، والبان قسمان ، أحدهما هو الذي سبق ذكره ، والثاني يضاف إليه عسل النحل ليعطي مذاقاً حلواً ، ويسمى " ميتها بان : البان الحلو " ، وأكثر من يتعاطى هذا النوع الحلو من البان هم السيدات .
14 - مما يؤكل مع البان سابق الذكر .
15 - نوع من العجائن يعدّ من دقيق الحمص مع إضافات أخرى ، ويقلى في الزيت أو السمن فينتفش ، ويصير في شكله أقرب إلى عش الغراب أ ويحبه الأطفال كثيراً ، ويقدم كنوع من التسلية مع الشاي مثلما نتناول نحن في مصر " الفيشار " .
16 - الـ " فريان " عجينة من العدس الأبيض المبلول يخلط بها التوابل ، ثم تقطع إلى قطع صغيرة ، وتوضع في الشمس حتى تجف ، ثم تحفظ في زجاجات وبرطمانات لتطبخ وقت الحاجة .
17 - أظن أن كل شعب سيقول نفس الكلام عن أكلاته ، وهو أمر فطري يتعلق بنفسية الإنسان وتربيته وبيئته وموروثه الاجتماعي .