المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : انتـحــــــــــــــــــــــــار كـونـــــــــداليـــــزا رايــــــــــــس



NAJJAR
30/11/2007, 08:08 AM
انتحار كونداليزا رايس

لم يكن أحد من المحيطين بكوندا يعرف على وجه الحقيقة ما هو سر تلك النظرة الحزينة التي كانت تميز سلوكها في الفترة الأخيرة. وكم حارت خادمتها كلارا في سبب اعتكافها داخل حجرتها معظم الوقت في أيامها الأخيرة، والتي سبقتها أيام تميزت فيها كوندا بالعصبية الشديدة مما نتج عنه مفارقتها لبعض أصحابها المقربين. وبينما هي تطفئ نور غرفتها لتنام، سمعت صفرة قصيرة وسريعة تبعها صوت ارتطام خشبي. جرت وفتحت غرفة المكتب، لتجد كوندا وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة. لقد كان آخر ما قالته، تباً له من نظام عالمي جديد.
وفي أقل من ساعة كان بيت كوندا موضع محاورات طويلة دامت حتى الصباح الباكر. فقد كان جيتس وزير الدفاع المخابراتي يخوض نقاشاً حاداً مع رامسفيلد حول كيفية نشر الخبر غير المتوقع. وقد كان رامسفيلد يصر على فبركة نبأ موتها على أنه عملية اغتيال قامت بها عناصر من المخابرات الإيرانية واستغلال المعلومات الأخيرة عن وجود شكوك في تجسس إيراني سوري على أميركا في خلق سبب للتحرش العسكري بالبلدين. بيد أن جيتس كانت له وجهة نظرٍ أخرى تعكس شكوكاً قوية في إمكانية تحقيق انتصار سريع على هاتين البلدين، فضلاً عن احتمال تفجر المنطقة بدخول دول عربية أخرى حلبة الصراع، ومخاطرة الوقوع في مواجهة مع روسيا التي بدأت تستعيد توازنها على كل الجبهات. ولم ينس جيتس الإنهيار الذي أصاب الدولار الأميركي والكساد الحاد الذي بدأ بسوق العقارات وانتشر كالحمى في كافة قطاعات الإقتصاد الأميركي المثقل بالأعباء والديون. إن الدخول في حرب بهذا الحجم الآن يعتبر انتحاراً. قد تخدع كل الناس بعض الوقت، لكنه من المستحيل أن تخدع كل الناس كل الوقت يا عزيزي رامسفيلد، قالها جيتس وهو يطوي أوراقه لينصرف.
وبينما العالم يتابع أخبار الحدث الكبير، بدأت تتسرب أسرار شخصية عديدة حول كوندا. لقد عاشت أتعس أيام حياتها قبيل الإنتحار. كانت تتابع بشغف شديد أخبار أسواق المال في العالم، وكانت تركز على أى خبر يتعلق بمستقبل الدولار الأميركي. لم تكن كوندا وطنية إلى هذه الدرجة، ولكن انهيار الدولار المفاجىء منذ أيام قد أطاح بمستقبل كوندا السياسي والمالي في آن واحد. فهى التي تجمع أوراقها لتغادر البيت الأبيض ومعها بقية العصابة البوشية، كانت تعول على ما كدسته في الفترة الأخيرة من عمولات تسويق البترول العراقي المهرب، وجراء اتفاقيات تعاون مع العديد من الشخصيات السياسية في العالم. لقد بدأ يقلقها جرينسباند بتصريحاته اليائسة والتي تنذر بأفول نجم القارة الأميركية وتكاثف الدخان فوق أوربا واليابان. وفجأة، وبأسرع مما كانت تتوقع أصبح الناس على دولار ممزق وراحت تحويشة العمر يا كوندا.
عاشت كوندا تحلم بالحياة التي ستعيشها بعد الخروج من منصبها مع ابن الحلال الذي قد تختاره من عامة الشعب. وكان رصيد كوندا في الحياة يتوقف على شهرتها ومنصبها ومالها ولم يكن لها نصيب من الجمال ولا الحسب والنسب وأما دينها فقد كانت ممن يسمون بالمولودون الجدد شأن صاحبها بوش وحاشيته. وبقرب ذهاب المنصب، وتواريها عن شاشة الأضواء، ومع سخط الأميركيين عليها وعلى اليوم الذي اختطف فيه السود ونقلوا إلى أميركا، أصبح المال هو كل شىء بالنسبة إليها. وكانت قد أعدت نفسها للرحيل عن أميركا وباعت كل شىء ولم يبق معها سوى حقيبة الذكريات وبعضا من نياشين النفاق غير الذهبية. لقد أصبحت مجرد كوندا السوداء التي جاوزت الأربعين. كم رفضت من عرسان كانوا يبحثون عن الشهرة والمال. وبقيت تسائل نفسها: من سيرضى أن يتزوج مكروهة العالم الأولى؟ إنني مكروهة حتى من الأميركان. إن من يتزوجني قد يفعل ذلك فقط للبحث عن العظمة في إذلال أشهر نساء أميركا السابقات. لا لن يكون ذلك أبداً.
لقد انتحرت كوندا بتوجيه فوهة المسدس الكاتم للصوت نحو رأسها. فجرت رأسها التي طالما جلبت الموت والدمار لأطفال لبنان والعراق وأفغانستان. لقد شعرت كوندا بجريمتها في اللحظة الأخيرة، وهى تصوب المسدس نحو رأسها. كيف يكون الإنسان أمام الموت؟ تذكرت الأطفال وأجزاءهم الممزقة، وتذكرت توزيع الموت على المدن بلا رحمة، وتذكرت تعاسة كل أم أميركية فقدت ولدها بلا قضية ولا عائد وتذكرت الأطفال السود من بني جلدتها وكيف خذلتهم وأبعدت قضيتهم، وتذكرت أفريقيا والجذور التي جفت والأرض التي قحلت وتشققت، وتذكرت الكم الهائل من الكراهية الذي خلقته فانقلب عليها، وتذكرت...وتذكرت، وتحركت أناملها باسم كل القتلى والثكالى، وانطلقت رصاصة اللعنة، واخترقت الرأس المعتقة بالوساوس والأوهام، وخرجت من الناحية الأخرى في توافق غريب، لتصيب صورة شيطانها الرئيس الحالى الراحل، ويسدل الستار على أكثر قصص الإنكسار دموية. فإلى نار الخلد يا كوندا.


عفوا سيدي القارئ، فقد تم نشر هذا المقال قبل موعده.