المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "رؤى عربية" في واشنطن



الدكتور أسعد الدندشلي
23/01/2008, 09:58 AM
العدد الثالث من "رؤى عربية" في واشنطن

صدر العدد الثالث من دورية "رؤى عربية" Arab Insight (أراب إنسايت) عن معهد الأمن العالمي بواشنطن وهو الهيئة البحثية غير الحكومية التي تصدر تقرير واشنطن من العاصمة الأمريكية. ويرأس محمد المنشاوي، المسؤول عن تحرير موقع "تقرير واشنطن"، فريق تحريرها.

ودورية "رؤى عربية" هي الأولي من نوعها التي يكتبها باحثون ومتخصصون من مختلف الدول العربية، وتصدر باللغة الإنجليزية، وتوزع على مختلف الدوائر المهمة والنافذة داخل الولايات المتحدة مثل كبريات وسائل الإعلام الأمريكية، ومراكز الأبحاث المتخصصة، وأعضاء ومساعدي لجنتي العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ والعلاقات الدولية بمجلس النواب بالكونجرس، وإدارة الشرق الأوسط بوزارة الخارجية، والبيت الأبيض. هذا إضافة إلى توافر الدورية الجدية بمكتبة الكونجرس، وكبريات مكتبات الجامعات الأمريكية.
كذلك سيتم توزيع دورية "رؤى عربية" على أساتذة وطلاب دراسات الشرق الأوسط، والدراسات الإسلامية بمختلف الجامعات الأمريكية.


ظواهر سوسيو- دينية عربية جديدة

والواقع أن دراسة اتجاهات التحولات الاجتماعية والثقافية في العالم العربي تشير إلى مجموعة من الاتجاهات الأساسية، يمكن رصدها فيما يلي.

إن المتابع للتحولات السياسية والاجتماعية الجارية في العالم العربي يمكن أن يرصد بوضوح ظاهرتين أساسيتين. الأولى هي اتساع نطاق استخدام شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، وامتدادها إلى قطاعات واسعة داخل المجتمعات العربية، خاصة لدى قطاع الشباب. الظاهرة الثانية هي النمو المتسارع لعدد الفضائيات العربية. وقد كان لهاتين الظاهرتين انعكاساتهما المهمة. ومن بين الانعكاسات التي يمكن ملاحظتها ورصدها هنا هي طريقة تفاعل الفاعلين والناشطين الإسلاميين مع هاتين الظارهتين. فقد أدت طريقة تفاعل هؤلاء الفاعلين مع هاتين الظاهرتين إلى تطور ثلاثة أنماط من الظواهر السوسيو- دينية في العالم العربي. الأولى هي نشوء ما يمكن أن نطلق عليه مجازا "المسجد الإليكتروني" نتيجة الاستخدام المكثف للإنترنت كساحة للأنشطة الدينية، بدءا من التعليم الديني، ومرورا بالدعوة الدينية السلمية وتقديم خدمة الفتوى الدينية، وانتهاء بالترويج للأفكار السلفية الجهادية بل وممارسة الجهاد الإليكتروني في بعض الحالات. الظاهرة الثانية هي ظاهرة التدوين وظهور جيل من المدودنين الإسلاميين، الذي اعتمد على التدوين وبناء المدونات الإليكترونية كوسيلة للتعبير والحركة داخل الفضاء الإليكتروني، إذ تجاوزت هذه المدونات كونها مجرد وسيلة لتسجيل الخواطر والأفكار والآراء الفردية لتصبح إحدى آليات ومظاهر الاحتجاج، بأشكاله وأنماطه المختلفة، الاجتماعي والسياسي والديني. وقد اكتسبت ظاهرة التدورين في العالم العربي أهميتها الخاصة لسببين رئيسيين: الأول هو ارتباطها بقطاع الشباب بالأساس، الأمر الذي يجعل من رصد تلك الظاهرة ودراستها مدخلا مهما للتعرف على التحولات الاجتماعية المهمة في العالم العربي. والسبب الثاني هو ظهور جيل من المدونين الإسلاميين، الأمر الذي يوفر مدخلا إضافيا للتعرف على الأفكار والرؤى الدينية للإسلاميين الشباب، خاصة أن الكثير من هؤلاء يطرح أفكارا نقدية مهمة للجماعات الدينية التي ينتمون إليها من الناحية التنظيمية.

الظاهرة الثالثة، والتي ارتبطت بالتوسع الكبير في عدد القنوات الفضائية العربية، هي ظاهرة الدعاة الجدد. فقد أدى الارتباط المهم بين الظاهرتين، والتنافس الاقتصادي والتجاري بين القنوات الفضائية العربية، فضلا على اعتماد عدد من هذه الفضائيات على الدين والخطاب الديني وتقديم الخدمات الدينية كسلعة أو كمنتج رئيسي تقدمه للمشاهد (المستهلك) العربي، أدى إلى اكتساب ظاهرة الدعاة الجدد أبعادا اقتصادية وتجارية مهمة.

المرأة الخليجية: المراوحة في نفس المكان
رغم بعض الخطوات المهمة التي اتخذتها دول الخليج العربية في الاتجاه إلى تحسين أوضاع المرأة وتمكينها على المستويين السياسي والاقتصادي، إلا أنه تظل هناك أزمة هيكلية حقيقية تواجه المرأة الخليجية، تتففاوت فيما بينها من حيث مدى تجذر وتأثير المكونين التشريعي، والثقافي- الاجتماعي في هذه الأزمة. بعض هذه الدول حقق نقلة مهمة على مستوى تجاوز المعوقات الدستورية والتشريعية بينما تظل المعوقات الثقافية- الاجتماعية هي الأهم (حالة الكويت على سبيل المثال)، وبعضها الآخر لم يشهد نقلة واضحة على مستوى أي من تلك المعوقات: التشريعية، أو الثقافية- الاجتماعية (حالة المملكة العربية السعودية). فرغم الإصلاحات الدستورية والتشريعية المهمة التي لحقت بالحقوق السياسية للمرأة الكويتية خلال عام 2005، فقد جاءت الانتخابات البرلمانية الأخيرة لتعيد التأكيد على أهمية المعوقات الثقافية- والاجتماعية أمام تمكين المرأة من هذه الحقوق وتفعيل الإطار الدستوري والتشريعي الجديد. وكان من بين المفارقات المهمة أثناء تلك الانتخابات أن الناخبات في بعض الدوائر قمن بالتصويت ضد المرشحات السيدات لصالح المرشحين الرجال، على نحو أدى في التحليل الأخير- بالتفاعل مع عوامل أخرى تتعلق بالقدرات والمهارات السياسية للمرأة- إلى فشل أي من المرشحات في الحصول على مقعد داخل البرلمان الكويتي.

ويزداد وضع المرأة تعقيدا في حالة المملكة العربية السعودية. فرغم اتخاذ بعض الإجراءات لتحسين ظروف تمثيل المرأة، من قبيل تعيين عدد من السيدات داخل مجلس الشورى، أو إسناد بعض المناصب الإدارية للمرأة، إلا أنه تظل هناك قائمة من القيود القانونية، والمحظورات والمحرمات الاجتماعية والثقافية التي لازالت تكبل المرأة السعودية، أدت معاناة المرأة السعودية من حالة من الاستبعاد والتهميش بأشكاله المختلفة: السياسية، والاقتصادية، والثقافية. ويجري هذا الاستبعاد بفعل عدد من الآليات والقوانين، والأعراف التقليدية، يأتي على رأسها نظام "الوكيل الشرعي".
بل أكثر من ذلك، فإن هذا الاستبعاد يتجاوز الاستبعاد المؤسسي السياسي والاقتصادي، ليصل إلى استبعاد "صورة" المرأة الخليجية من الصحافة والإعلام.

التيار الليبرالي العربي: أزمة التكوين
والملاحظة المهمة هنا أنه رغم الاحتكاك المبكر للتيار والخطاب النهضوي العربي بالليبرالية الغربية، والذي يعود إلى أواخر القرن الثامن عشر على خلفية الصدام العسكري بين العرب وأوروبا، حيث طُرح غياب الفكر الليبرالي من العالم العربي باعتباره أحد أسباب تخلف العالم العربي. ومع ذلك فقد وقع هذا التيار في عدد من الأخطاء المهمة التي انعكست على درجة تجذر وأصالة التيار الليبرالي العربي. كان أهم هذه الأخطاء هو اقتصار تيار النهضة العربية خلال تلك الفترة على استحضار عدد من المفاهيم الليبرالية مثل، الحرية والمساواة، ومحاولة دمجها في خطابه، ومحاولة التأسيس لها في التراث العربي والإسلامي. وكانت النتيجة أنه تم اختزال المذهب الليبرالي (الغربي) في عدد محدود من المفاهيم والشعارات دون الأخذ بالليبرالية كمذهب وفلسفة متكاملة. أيضا لم ينجح هذا التيار في تقديم رؤية نقدية عربية للأيديولوجية الليبرالية الغربية، الأمر الذي أدى في التحليل الأخير إلى ضعف فهمه لجوهر الفلسفة الليبرالية الغربية، وضعف فهم شروط إنتاجها وتطورها، ومن ثم عدم قدرته على تقديم رؤية نقدية عربية لليبرالية الغربية ومكامن ضعفها أو تناقضاتها.

وينسحب التحليل ذاته على تيار الليبراليين الجدد في العالم العربي الذي شهد انبعاثا خلال السنوات الأخيرة. فقد وقع هذا التيار هو الآخر في عدد من الأخطاء، أهمها سيطرة الطابع الإقصائي الاستبعادي "للآخر" الذي يعد غير ليبراليا من وجهة نظره، والحديث عن عن الليبرالية باعتبارها "نهاية التاريخ"، وإكساب الليبرالية طابعا إلزاميا. أضف إلى ذلك عدم اهتمام هذا التيار بإنتاج مساهمات فكرية تميزه عن تيار الليبراليين الجدد الأمريكي، وتؤسس لتيار ليبرالي عربي جديد يمكن بوضوح تحديد الخطزط الفاصلة بينه وبين نظيره الأمريكي دون نفي القواسم المشتركة بينهما. وعلى سبيل المثال، لم ينجح هذا التيار في تقديم إجابات واضحة ومحددة على الأسئلة المتعلقة بالإشكاليات المرتبطة بمفهوم الإصلاح من الخارج، والعلاقة بين الاحتلال والإصلاح، وتماهي مواقف الليبراليين العرب الجدد مع الموقف الأمريكي في هذا المجال، الأمر الذي أضفى على هذا التيار تقييمات أخلاقية سلبية.

وتشير دراسة حالة التيار الليبرالي في الأردن إلى بعض الأبعاد الأخرى لأزمة التيار الليبرالي العربي والتي أدت إلى غياب تيار ليبرالي متماسك، مقابل وجود بعض الأفكار الليبرالية المجزأة على مختلف الساحات السياسة والاقتصادية والثقافية، دون وجود رابط أو تنسيق بينها. فعلى المستوى السياسي هناك غياب واضح للأحزاب والقوى الليبرالية، مقابل حضور قوي للأحزاب والقوى الأخرى: القومية، واليسارية، والدينية. وعلى المستوى الاقتصادي هناك نخبة اقتصادية ليبرالية ولكنها تظل مرتبطة بالقصر، كما أنها تهمل بقوة المكون السياسي للفلسفة الليبرالية. وهكذا، لا يمكن الحديث إلا عن وجود مجموعة من الأفكار الليبرالية وليس تيارا ليبراليا وطنيا بالمعني الدقيق. ويرجع تأخر تكوين تيار ليبرالي حقيقي – كما تشير الحالة الأردنية، وربما يشترك معها في ذلك الكثير من الحالات العربية الأخرى - إلى غياب قاعدة اجتماعية لهذا التيار نتيجة عوامل كثيرة منها ضعف الهيكل الاقتصادي خاصة قطاع الصناعة التحويلية الأمر الذي أخر تكوين طبقة برجوازية ترتبط مصالحها بالأخذ بالليبرالية الحقيقية على المستويين السياسي والاقتصادي، والتماهي مع السلطة في الكثير من الأفكار والسياسات خاصة فيما يتعلق بالتمييز بين الليبرالية بشقيها السياسي والاقتصادي، وإمكانية الأخذ بالثانية دون الأولى.

استمرار القيود على حريات الرأي والتعبير في بعض الدول العربية
ولا تعني المشكلات السابقة غياب الأبعاد القانونية والتشريعية لتعثر عملية الإصلاح، إذ لا تزال هناك بعض القيود التشريعية والقانونية المهمة على حريات الرأي والتعبير في بعض الدول العربية، والمثال الأوضح هنا هو الحالة السورية. فعلى الرغم مما يتضمنه الدستور السوري من ضمانات لحرية الرأي والتعبير، إلا أن مجموعة من القوانين قامت بتفريغ تلك الضمانات من محتواها، كان أبرزها قانون المطبوعات الصادر في سبتمبر 2001 الذي فرض قيودا مهمة على عمل المؤسسات الصحفية والإعلامية، سواء فيما يتعلق بملكية هذه الوسائل، أو سقف الحرية المتاح لها، أو فيما يتعلق بنطاق عملها، أو فيما يتعلق بالعقوبات المفروضة على جرائم النشر. فقد أعطى القانون لرئيس الوزراء الحق في قبول أو رفض منح ترخيص الصحف الجديدة استنادا إلى سلطته التقديرية، وحرمان صاحب الطلب من رفع دعوى قضائية ضد القرار. كما عمد القانون إلى وضع قائمة واسعة من العبارات الفضفاضة والعامة كأساس لتحديد جرائم النشر، مثل: نشر أخبار غير صحيحية، المساس بالأمن الوطني، إلحاق الضرر بالاقتصاد وسلامة النقد، النيل من هيبة الدولة ومس كرامتها، المساس بالوحدة الوطنية، التعرض للاخلاق العامة، تعكير العلاقات الدولية .الخ، وهي عبارات مطاطة تسمح بتفسيرات عامة يمكن تطبيقها على أية أخبار أو مقالات أو آراء. فضلا عن ذلك، فقد فرضت القوانين ذات الصلة قيودا شديدة على عملية توزيع الصحف من خلال قصر سلطة التوزيع في مؤسسة مركزية واحدة تتمتع فيها الدولة بتمثيل كاف يضمن السيطرة عليها.

وهكذا، يمكن القول أنه لا توجد صحافة حرة في سورية، وما تعرفه سوريا هو حزمة من الصحف والمجلات الرسمية المركزية والفرعية الموجهة إلى مختلف شرائح المجتمع، بحيث لا تبقى مساحة بشرية أو شريحة اجتماعية ضائعة وغائبة عن خطاب الحزب الحاكم وسيطرته.

ويطرح هذا العدد من "رؤى عربية" مجموعة من المقالات التحليلية التي تناولت مختلف هذه القضايا والتحولات المهمة على الساحة العربية، نأمل أن تساهم في إلقاء الضوء عليها.
لا يمكن فهم تعثر عملية الإصلاح في العالم العربي بدون فهم حجم واتجاه التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في العالم العربي، من ناحية، ومستوى التناغم والتكامل بين تحولات البنى الثقافية والاجتماعية والاقتصادية مع الإصلاحات الدستورية والتشريعية التي يتم إدخالها في الكثير من الدول العربية. فإذا كانت هذه الإصلاحات تمثل الأطر والهياكل التي تنظم التفاعلات السياسية داخل النظام، فإن البنى الثقافية والاجتماعية والثقافية تمثل محددا أساسيا لشكل واتجاهات هذه التفاعلات. وما إذا كانت تسير في ذات الاتجاه الذي تستهدفه هذه الإصلاحات أم لا.
المصادر: تقرير واشنطن