المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكاية جمال



أحمد مختار البوعزيزي
17/02/2008, 12:41 PM
أيها التائه من زمان!!

يا من شحنوك بدون علمك. تأتي اليوم لتسأل

ومن عنده الجواب؟ أليس جمال في كل زاوية من الذاكرة المغتصبة؟

جمال هذا الذي بينك وبينه أكبر من أن يزول. نقشوه وأنت نائم .لا أقسم أنك صاح ولكن كيف للصاحي أن يحكم ؟

أهي متاهة تحاول الخروج منها .

جمال أراه اليوم وأعرفه أكثر مما عرفت ولكن رؤيته تعمق المتاهة فلا مجال للخروج.

حقا وصل الأمر بك يا هذا إلى التبلد فتنكرت لجمال

وما الذي تخسره لو كشفت سرك وتركت من حولك يتندرون بغبائك .فالغباء هو الذي صاحبك هذا الزمن كله وما زلت تسأل.يحق لك ان تسأل ما دامت العلبة فوق رأسك .
باختصار عاش التائه بينكم في زمن غير الزمان ومكان يشبه كل مكان. آه يا وجعي عليك ياجمال
أقسم لك أن الدمعة . لا تكتمل وهل دموع مثلك اليوم تحس؟

أكيد أنك ستصحو وسترى أن زمانك ولى وربما كان الذي مضى أكثر صحوا.

كنت طفلا منتقلا من الإبتدائية " نجحت في الشهادة فذبحوا لك خروفا تبركا بنجاحك
صدقوا أنك اصبحت قادرا على قراءة الرسائل. وهل عندهم مشكلة غيرها. الرسائل تزورهم بوتيرة لا تسبق هلال العيد ولكن إذا جاءت سافروا بها مسير يوم لعلهم يجدون من يفك الطلاسم.
مبارك لك يا ايها التائه هذه الوظيفة
ذبحوا الخروف ولا تتذكر انك حصلت على شيء منه. كثرة المهنئين حيرت الجراد.
". مساكين هذه الخرفان التي تذبح في فرح الناس وموتهم

وأنت أيها التائه ألا تذبح أنت وأمثالك في المناسبات وفي غير المناسبات
حتى أن البعض إذا أحس بالقلق أرسل جزاريه يتمرنون عليكم استعدادا ليوم العيد.
أما كان الحال افضل لو كنت خروفا ولكن لا اعتراض على مشيئة الخالق.

شب هذا التائه في بيئة يستحي الجهل أن ينتسب إليها خشية أن يعير.
يذكر وهو ابن الحادية عشرة أن منطقتهم كلها كان فيها شخص واحد هبطت عليه نعمة السماء فاشترى مذياعا

هو أكبر من أضخم "تلفزات " اليوم حجما.

كانت "البطارية" التي يشتغل بها تحتاج إلى شخصين لرفعها.

يذكر كيف يتجمع الناس الكبار عند هذا السيد لسماع ما يتصورون أنه وحي منزل من السماء .

يستمعون إليه ويتقبلونه تقبل المسلمات.

إنه يذكر ما حدث لعم حفيظ الذي جاء مثله مثل بقية المتطفلين "ليتثقف" . فتح المذياع الخشبي وخرج منه صوت جعل هذا المسكين ينطلق مهرولا صائحا : عفريت.عفريت .جن جن.
فر لا يلوي على شيء ولم يعد.
هذا كل ما يمكن ان يقول التائه انه يدركه

وهنا وفي هذا الإطار المكاني والزماني كان جمال يعيش في عالم تخاف الجن ولوجه .جمال ابن عمته.طفل في التاسعة أو يكاد. ومن هنا صنعت قصته

الطفل الناجح في الإبتدائية حكم عليه قدره أن ينتقل إلى المدينة ليواصل توسيع مساحة الغباء لديه وللتاريخ لو كان جاهلا لعاش بلا هموم أما وقد صار الذي صار فليس له إلا أن يعترف بجريمته.
وإذا عجز عن قولها للقريب فلربما في ذكرها للبعيد تخفيف للإثم العظيم.

دخل الإعدادية وهو لا يفهم من الدنيا شيء .وما الإعدادية؟ آلة وضعت في مساحة المكان فتسيره حسب برنامج معد سلفا.
مرت ثلاث أسابيع عادية من حياته.
وفي يوم ظل يتكرر أمام عينيه إلى اليوم
جاؤوا وأخرجوه من القسم مع كل من معه . أخرجوهم وساقوهم كالخرفان . ساقوهم إلى وسط المدينة. هو لا يفهم .وهل رأيتم شاة يوما امتنعت عن السير.سار أمام الراعي وكله حرصا على أن يلبي الأمر ولو كانت شاة لتجاسرت على الخروج لالتقاط عشبة
كان الشارع الرئيسي الطويل يضيق بالمتواجدين.
أول مرة يشاهد تجمعا بهذا الحجم. عقله الخاوي لا يفهم. من اين جاؤوا. إنه لا يرى أهله. مسكين اعتقد ان العالم كله هنا اليوم.
في حياته لم ير غير القليل من الناس أما وقد أصبح العدد بالآلاف فلا مجال أن الدنيا كلها جاءت
أفق يا غافل.
وجاءت التعليمات : ارفعوا أصواتكم ورددوا
ما شاء الله رددنا : يا جمال يا حقير . يا جمال يا.... أوصاف كثيرة
أعلم أنكم تعرفونها من دون أن أقولها فهي لغة مشتركة عند كل الرعاة

كان هذا الطفل المغدور في فهمه يصيح ويبكي ويشتم.

هو يعرف جمال أشد المعرفة وأكثر من كل الناس المتواجدين ولكنه لا يفهم .
صحوة الضمير جعلته يبكي حزنا على جمال ولكن ليس جمالهم . هو يعرف جمال ابن عمته جمال شريكه في كل شيء حتى في الحصيرة التي ينامون عليها.
إنه يعرفه أفضل من كل الحضور لعب معه سنيه الماضية كلها. قاسمه كل ضحكاته وكل بكائه. فكيف يغدر به
فماذا فعل جمال حتى يجتمع هذا الحشد كله لسبه وشتمه. لا . أنا أحب جمال ابن عمتي
في داخله شيء يحتج ويصيح : مرت بذهنه جرائم كثيرة يمكن أن يرتكبها جمال: هل رمى دجاجات جارهم بحجارة؟
هل ترك نعاجهم تدخل حقل خاله. لا يمكن أن يأتي بأسوإ من هذا
فهل يستحق الأمر إذا أن يجمع له هذا الحشد
ولكن كيف الإعتراض والصوت يأتي آمرا بمزيد الصياح .
بقي الجرح عميقا .ابن عمته يشتم وهو يشارك في ذلك حتى أنه لما عاد إلى الأهل تجنب اللعب معه ولا يدري لذلك تفسيرا إلى اليوم .
كبر الطفل وعرف ان جمال الذي شتمه غير جمال الذي شتمه .معادلة معقدة .لا يتركون لك فسحة لتفهم . فأعراس الشتائم عندهم دورية وإذا تعذرت المناسبة افتعلناها
لله شهادة: ما استفاد الطفل من معرفته ؟ ازداد بؤسه لأنه يرى كل الناس أصبحوا أطفالا يساقون كما سيق من دهر ليصيحوا صياحه وليشتموا جمالا وقد يكون اسما آخر هذه المرة وما أكثر الذاهب والغادي.
حدث ذلك من ثلاث وأربعين سنة لما كان العفريت يظهر في المذياع
ويحدث اليوم والعفريت يظهر في الهمبرغر والكولا

ويظل الطفل الشيخ إلى اليوم يلتقي بجمال ابن عمته ويصلي وإياه جنبا إلى جنب ولا يجرؤ أن يعترف له رغم أن الطفل لم يعد استثناء فكل من يراهم حوله حفظوا الدرس بل أغلبهم أصبح مستعدا لشتم جمال "طبعا لا أحد يستطيع أن يفرق بين جمال وجمال.
الثابت: إذا التقى الرعاة واختلفوا أفرغوا غضبهم في مناطحة الكباش
فهل يختلف الحال مع الناس؟

أين انتم من ذلك الطفل ؟.يومها كنا نساق واليوم كل متطوع .ما ابشع السقوط

بعض خواطر قذفت بها ذاكرة الأيام أردت أن أعريها قبل أن تعود إلى جحرها

أحمد المدهون
27/01/2013, 02:15 PM
حسناً فعلت إذ أفرغت ذاكرة الأيام هنا وعريت تلك الحكاية قبل أن تعود إلى جحرها.
فحكاية (جمال) تتكرر في أزمنة وأمكنة مختلفة، في ظلّ أنظمة قمعية، تعوّد الراعي فيها أن يسوق الناس كأنهم النعاج.

الأستاذ أحمد مختار البوعزيزي،
لا أراك الله مكروهاً بعزيز، ولا أعاد تلك الأيام الكالحة.
وعشت حراً أبياً.

تحياتي