المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شكرا على مؤبداتكم



الأسير باسم الخندقجي
08/04/2008, 10:09 PM
شكرا على مؤبداتكم
في قاعة المحكمة التي لا تعترف فيها المحكمة .... سألني شيء لا يشبه دوره دور القاضي ! هل تريد أن تقول شيئاً قبل صدور الحكم ؟
أجبت : نعم سأقول ...سأقول إنكم كنتم في الماضي الضحية رقم واحد في هذا العالم.... لقد شردتم في أوروبا وعشتم في الغيتوهات وعانيتم اشد معناة وكانت نهاية مأساتكم على يد الوحش النازي هتلر... حين حرق الكثير من ابناء الشعب اليهودي دون أي اعتبار للإنسانية.... أفران الغاز مقتظة بكم في بولندا وألمانيا.... ولو كنت أعيش في ذلك الوقت لكنت من اشد المتضامنين معكم ولو وقفت ضد هذا النازي بصفتي إنسان ... بعد ذلك كانت نهاية مأساتكم وبداية مأساتنة في نفس الوقت ...
جئتم بعد أن اعتبركم العالم ضحية الضحية على أرضنا تحت شعار "ارض بلا شعب لشعب بلا ارض" أعلنتم قيام دولتكم على شرف مأساتنا وتشردنا ...أنا لم أولد وقت ذاك ... مأساة شعبي هي التي ولدت... وقت ذاك توحلتم من ضحية إلى وحش... لم تستعملوا أفران الغاز لا بل أفظع منها ... قتلتم وأبدتم أجيالا من شعبي ... شردتم شعبا بأكمله وعادت الغيتوهات من جديد ... وأصبحنا نحن الضحية... بعد النكبة والنكسة ومئات المجازر بحق شعب بريء ... ولد جيل شاب طموح يسعى نحو مستقبل أفضل وأنا احد أبناء هذا الجيل ... الذي عاش في كنف الانتفاضة الأولى وتوقفت أحلامه وطموحاته من النمو في الانتفاضة الثانية حين قتلت أفكاركم الوحشية التي تطقن فن القتل واراقة الدماء ذلك الإنسان البريء في داخلي حين رأيت بأم عيني الضحية التي تحولت إلى وحش ... لقد قتلتم في داخلي ذلك الإنسان حين قام احد جنودكم في بإفراغ مخزن بندقيته في جسد طفلة اسمها إيمان في غزة ... تلك الطفلة التي كانت ذاهب لتلقي العلم في المدرسة ... آه لو أن ذلك الجندي تذكر أو تخيل صورة تلك الطفلة اليهودية التي كانت تنتظر دورها لتحترق حتى الموت في محارق أفران الغاز النازية... سألني الشيء الذي لا يشبه دوره دور القاضي : هل أنت مذنب ؟ أجبت قائلاً: اسألوا هذا السؤال لزعماء إسرائيل حول المجازر التي اقترفوها بحق شعب اعزل ... أنا على يقين في أن إجابتي سوف تكون مثل إجابتهم... سألني ذلك الشيء مجدداً هل لديك شيء آخر تريد قوله بعد صدور الحكم ؟ أجبت نعم ... سأقول لكم إننا لن نهزمكم ... ولكننا سوف نساعدكم على هزيمة أنفسكم من الداخل ... بعد فترة من الصمت ... صدر الحكم عليّ وعلى صاحبي احمد بثلاثة مؤبدات لكلينا وعلى رفيقنا هشام أربع مؤبدات ... إذن شكرا لكم على مؤبداتكم شكرا لأنكم قتلتم ذلك الإنسان في داخلي .... دعوني أقول لكم الآن بكل معاناة وألم انتم النازيين الجدد على هذه الأرض وهنيئاً لنا بما ستجلبوه بوحشيتكم من دمار وخراب لشعبكم صدر الحكم أخيرا .... وصدر الحكم أخيرا وكانت اللحظات التي تليها لامي التي كانت جالسة في قاعة المحكمة التي لا تعترف بها المحكمة صرخت الأم الفلسطينية بلهفة وصمود وتحدي محاولة إخفاء دموعها قائلة : أي بني .. عليك أن تعشق فلسطين كذاتك ... لأنك أنت فلسطين والوهم فقط هو الذي يجعلك تعتقد أن فلسطين هي شيء آخر غير ذاتك ...
الأسير باسم الخندقجي
عضو اللجنة المركزية في حزب الشعب الفلسطيني
سجن جلبوع المركزي
الحكم مدى الحياة
منتدى غسان كنفاني