المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معركة القادسية



نزار نمر نزال
17/04/2008, 02:11 AM
معركة القادسية


"معركة غيرت وجه التاريخ وعم نفعها على البشرية جمعاء"


( 1 )

مقدمة

حين يرى العربي المسلم ذو القلب الحي بعينيه ، ويسمع بأذنيه ما يجري الآن على أرض فلسطين والعراق من قتل بأبشع الطرق، وإذلال للإنسان على يد أحقر الخلق، واستخفاف بالأعراض، وغطرسة همجية، وأسر وسجن وتعذيب للصغير والكبير، وقد رأى ما حل في أفغانستان والعراق وكيف استأسدت الدول المتغطرسة على إخوان لنا ضعاف، فصبت عليهم من جحيم قنابلهم ما يفوق الوصف،


أنادي أمة عـلمـت بدائي = ولكن لم يـحـرّكـها ندائي
كأني والعـدا تقتات لحمي = وتشرب بالتذاذ من دمــائي
بلا حامٍ يذُدْ عــني بلاها = ويغضب لي ويبكي من بكائي
مصابي آلمََ الأحجار حـزناً = وناحتْ منه أقـطار السـماء
فهل صُمَّتْ مسامعهم وماتتْ = ضمائرهم، فما أحسوا ابتلائي



إذا تذكر الإنسان وتذكر... يكاد يصاب بغصة في حلقه، تحيل حياته إلى جحيم لا يطاق، وتلبسه نظارة سوداء لا يرى فيها إلا السواد أمام ناظريه، وتحيل تفاؤله إلى يأس قاتل، ثم يستولي عليه الشيطان فيجعله حبيس آهات وحسرات، ويسلب منه الثقة بنفسه وبدينه وبوعد الله جل وعلا.

أحبائي ، هذان الخنجران هما أخطر ما يواجه أمة من الأمم، خنجران هما اللذان ينحران الأمة، ويجهزان على حياتها، ويزهقان روحها:

أولهما: أن تسلب منها الثقة بما تعتقد وتدين وتعيش من أجله، وتقاتل وتموت من أجله، فتفقد ثقتها بنفسها حينما تفقد ثقتها بوعد الله:
كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:21].
فإنها تطعن نفسها بخنجر في سويداء قلبها.

ثانيهما: أن يقعد أفراد الأمة عن العمل الدؤوب لنصر عقيدتهم ومبادئهم التي يؤمنون بها، سواء كان قعودهم ذلك نتيجة آهات الحسرة، وبكاء على الماضي، ونوحاً على الحاضر، أو كان نتيجة رضى الأمة بالدون، وقبولها بالهوان.

وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلاْحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيماً مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَـٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً لّيَجْزِىَ ٱللَّهُ ٱلصَّـٰدِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذّبَ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب:22-24].

ومهما يكن من أمر فإن القعود وترك العمل هو خنجر يجهز على حياة الأمة، إن أخطأها الخنجر الأول، وإن كان الأول قد أصابها فإن هذا الثاني يسرع في إزهاق روحها والفتك بها.

وحتى نثبت الثقة بالنفس، ونطرد شبح اليأس، لا بد من معرفة حقيقة هذه الأمة، هل هي أمة ذليلة في كل مراحل حياتها؟ هل عاشت هذه الأمة قرينة الهزائم؟ هل كان لهذه الأمة مجد تليد؟ هل ما تمر به هذه الأمة أزمة عابرة، لا تلبث أن يعقبها انبلاج فجر جديد؟

هذه الأسئلة لا تلبث أن تتلاشى إذا ما ألقى الإنسان نظرة عابرة على تاريخ هذه الأمة المجيد، هذا التاريخ الذي يبعث في المسلم التفاؤل، ويخلصه من أوهام الخوف، ويهز فيه الحنين للسؤدد والمجد، فيحرك فيه التمرد على الواقع المؤلم الذي تعيشه الأمة، وهذا ما يخشاه أعداؤها كل الخشية.

أعداء هذه الأمة يريدون الناشئة أن تدرس تاريخ الفراعنة والآشوريين، والبابلين والفينيقين، أو يدرسون تاريخ الأسر التي حكمت بعض البلاد.

ويريدوننا أن نطوي في صفحات النسيان تاريخ العظماء، لا يريدوننا أن نعرف خالد بن الوليد، ولا سعد بن أبي وقاص، ولا الفاروق عمر، يريدون جيلاً، بل أجيالاً تجهل عدل عمر بن عبد العزيز، وقوة أحمد بن حنبل، ونجدة المعتصم، وفتوحات صلاح الدين قاهر الصليبين، يريدون أن تجتث الأمة من أمجاد قاهر التتار، وفاتح القسطنطينية.

أحبائي ، صفحات من آلاف صفحات هذا التاريخ المجيد تعود بكم إلى ما قبل أربعة عشر قرناً، إلى ضفاف نهري دجلة والفرات، إلى تلك البلاد العريقة، إلى أرض الأمجاد والفتوح، في عراقنا الحبيب، في عهد ثالث أعظم رجالات التاريخ ، في عهد الفاروق عمر بن الخطاب .

كان الصراع بين العرب المسلمين وبين أقوى دول الكفر والطغيان، المعسكرين الشرقي والغربي، الفرس والرومان على أشده.

وفي جنبات هذا الصراع، ترسم معركة من أعظم معارك الإسلام، كانت شامة في تاريخ المجد، ومناراً في طريق الهدى، إنها معركة القادسية، التي حدثت في العام الرابع عشر للهجرة النبوية.

تلك المعركة التي نشبت لتحدد مصير العالم، إلى الأمامية البصيرة، أم إلى الرجعية العمياء؟ .......


يتبع / (2)

_______________________________________________

المراجع :

معركة القادسية للشيخ هيثم جواد الحداد
أيام العرب في الإسلام

نزار نمر نزال
17/04/2008, 02:15 AM
معركة القادسية



( 2 )



بعد أن مني الفرس بعدة هزائم متلاحقة، أوجعتهم بها ضربات العرب المسلمين، عزم يزدجرد ملك الفرس على إنهاء تلك الهزائم، فجمع طاقاته كلها، وحشد أكبر عدد من المقاتلين، فبلغ ذلك المثنى بن حارثة الشيباني فكتب إلى أمير المؤمنين في المدينة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال عمر قولته المشهورة: والله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب، وأعلن النفير العام للمسلمين أن يدركوا المسلمين في العراق، فقد رأى ببصره الثاقب حجم تلك الحشود، وضخامة المعركة، والآثار المترتبة عليها، فهمَّ في أول الأمر بالخروج بنفسه….

.. وفي أول يوم من المحرم من السنة الرابعة عشرة للهجرة ، خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، حتى نزل على ماءٍ يدعى صرارا [1] ، فعسكر به ولا يدري الناس ماذا يريد ، ثم نادى في الناس : الصلاة جامعة ، فلما اجتمع الناس سألهم رأيهم فيمن يسير على رأس الجيش للعراق فقال العامة : سرْْ وسر بنا معك . فدخل معهم في رأيهم فقال : استعدوا وأعدوا فإني سائر إلا أن يجيء رأي هو أمثل من ذلك ...

ثم جمع أهل الرأي فاجتمع إليه وجوه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأعلام العرب ، فقال : احضروني الرأي فإني حائر ، فأجمع ملؤهم [2] على أن يبعث عمر رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقيم هو في المدينة ويرميه بالجنود ، فإن كان الذي يشتهي من الفتح فهو الذي يريدون ، وإلا أعاد رجلاً وندب جنداً آخر ، وفي ذلك ما يغيظ العدو ويشد أزر المسلمين حتى يجيء نصر الله .
فنادى عمر ثانية : الصلاة جامعة، فاجتمع الناس إليه وأرسل إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، وكان قد استخلفه على المدينة فأتاه، وإلى طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وقد بعثه على المقدمه فرجع إليه ، وقام في الناس فقال : إن الله عز وجل قد جمع على الإسلام أهله فألف بين القلوب وجعلهم فيه إخوانا ،.... وكذلك يحق على المسلمين أن يكونوا ، وأمرهم شورى بينهم وبين ذوي الرأي منهم، فالناس تبع لمن قام بهذا الأمر ما اجتمعوا عليه ورضوا به لزم الناس وكانوا فيه تبعاً لهم .....
أيها الناس إنما كنت كرجل منكم حتى صرفني ذوو الرأي منكم عن الخروج فقد رأيت أن أقيم وأبعث رجلا وقد أحضرت هذا الأمر من قدمت ومن خلفت [3] فكان طلحة ممن تابع الناس وكان عبد الرحمن بن عوف ممن نهاه.
قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : ما فديت أحداً بأبي وأمي بعد النبي صلى الله عليه وسلم قبل يومئذ ولا بعده ، فقلت : بأبي وأمي ! أقم وابعث جندا ..... ، فإنه إن يهزم جيشك ليس كهزيمتك ، وإنك إن تقتل أو تهزم في أنف الأمر خشيت ألا يكبر المسلمون وألا يشهدوا أن لا إله إلا الله أبدا ...
فقال عمر : فأشيروا علي برجل ، وكان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عاملاً لعمر على صدقات هوازن ، وكان فيمن كتب إليه عمر بانتخاب ذوي الرأي والنجدة ممن كان له سلاح أو فرس فجاء كتابه : إني قد جمعت لك ألف فارس كلهم له نجدة ورأي وصاحب حيطة يحوط حريم قومه ويمنع ذمارهم، إليهم انتهت أحسابهم فشأنك بهم ووافق كتابه مشورتهم، فقال عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه : وجدته ، قال : من هو ؟ قال : الأسد في براثنه ، سعدُ ، ومالأه أولو الرأي، فانتهى عمر إلى رأيه، وأرسل إلى سعدٍ فقدم عليه وأمّره على حرب العراق، وأوصاه فقال : يا سعد بن وهيب، لا يغرنّك من الله أن قيل خال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، فإن الله عز وجل لا يمحو السيء بالسيء، ولكنه يمحو السيء بالحسن، فإن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا طاعته شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء، الله ربهم وهم عباده يتفاضلون بالعاقبة ويدركون ما عند الله بالطاعة، فانظر الأمر الذي رأيت النبي صلى الله عليه وسلم عليه منذ بُعث إلى أن فارقنا فالزمه فإنه الأمر، هذه عظتي إياك إن تركتها ورغبت عنها حبط عملك وكنت من الخاسرين ..
ولما أراد أن يسرحه دعاه فقال : إني وليتك حرب العراق، فاحفظ وصيتي فإنك تقدم على أمر كريه شديد لا يخلص منه إلا الحق، فعود نفسك ومن معك الخير، واستفتح به واعلم أن لكل عادة عتاد، فعتاد الخير الصبر، فالصبر الصبر على ما أصابك أو نابك يجتمع لك خشية الله ........
ثم قال عمر : والله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب، فلم يدعْ رئيسا ذا رأي ولا ذا شرف ولا ذا سلطة ولا خطيبا ولا شاعرا إلا رماهم به فرماهم بوجوه الناس وغُرَرِِهم.


يتبع ... / (3)


__________________________________________________ ___

1 - صرار : موضع يبعد عن المدينة ثلاثة أميال

2- الملأ : أشراف الناس

3- يريد علياً وطلحة

__________________________________________________ __

المراجع :

معركة القادسية للشيخ هيثم جواد الحداد
أيام العرب في الإسلام

د. محمد اسحق الريفي
17/04/2008, 08:06 PM
الأخ الكريم الأستاذ نزار نمر نزال،

أنتهز هذه الفرصة لأرحب بك أفضل ترحيب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك في واتا الحضارية، ونسأل الله لنا ولك ولجيمع آل واتا الطيبين الخير والبركة.

سنشاركك الحوار إن شاء الله في الوقت المناسب، أما الآن فنحن متابعون لك، فعلى بركة الله.

أطيب التحايا

محمد فؤاد منصور
17/04/2008, 08:17 PM
أخي العزيز نزار نزال
أرحب بك فى هذا الصرح العظيم وأرجو لك طيب الإقامة معنا ، لاأذيع سراً إن قلت أنني جئت للترحيب بك كنوع من المجاملة لأخي بسام بصفتك أحد أفراد الأسرة التي نعتزبأن يكون المدير العام هنا أحد أفرادها ..لكنني بعد قراءة الموضوع أدركت أنني أمام كاتب من طراز رفيع سيكون له شأن معنا بلاشك ..فزيادة الخير إذن خيرين ..أنت أخ عزيز ،وأخ ٌ لأخ ٍ عزيز ..فمرحباً لكل الصفات التي تتمتع بها ..وأهلاً بإبداعات قلمك الرصين ..تقبل تحياتي.
دكتور/ محمد فؤاد منصور
الأسكندرية / USA :fl::fl::fl:

نزار نمر نزال
18/04/2008, 01:13 AM
الأخوة الأفاضل -الاستاذ الدكتور محمد اسحق الريفيي والدكتور محمد فؤاد منصور
اشكركم من اعماق قلبي ... لقد اثلجت صدريي كلماتكم الرائعة واعتقد بأني لا استحق هذا الثناء

كنت ادخل هذه المنتديات الرائعة لأقتبس مثلا قصيدة لهلال الفارع أو غيره من المبدعين لنشرها في مجموعاتي البريدية الى أن شجعني أخي العزيز بسام على أن أشارك في هذه المنتديات فهي أرقى وأوسع انتشارا ...

ايها الأحبة أحببت أن اسلط الضوء على صفحات مشرقة من تاريخنا المجيد ، ففيها العبرة والعظه عسى أن يوفقنا الله جل وعلا لكي نسطر صفحات جديدة أكثر اشراقا وتألقا بحوله تعالى ....

وبدات بمعركة عظيمة من معارك الاسلام لها وقع وأثر عظيم وكنت قد نشرت هذه الحلقات قبل أكثر من عام في عدة مجموعات بريدية اديرها في ما يسمى ب( الياهو جروبس ) منها مجموعة الانتفاضة الفلسطينية
http://groups.yahoo.com/group/Intifada

وفي الحلقة التاسعة نشرت- وسوف أنشر هنا بإذن الله تعالى - بعض ما قاله كتاب كبار مثل د يوسف مكي عن معركة القادسية وهنا في هذه المنتديات الراقية فرصة عظيمة اتيحت لي ولكل قاريء لكي يسمع ويقرأ تعليقات كبار أساتذة الفكر والأدب أمثالكم على صفحات تاريخنا المجيد ....

أكرر شكري وتقديري لكم اساتذتي الكبار وبارك الله فيكم ....
وسوف أنشر اليوم حلقتين جديدتين ان شاء الله تعالى

نزار نمر نزال
18/04/2008, 01:20 AM
معركة القادسية


( 3 )



ههنا جيش مسلم، جُله من العرب، فيه ثلاثون ألف مقاتل، من جنود جاؤوا متطلعين إلى الشهادة في سبيل الله، متطوعين من تلقاء أنفسهم، كان الجندي منهم هو الذي يعد لنفسه الراحلة، ويعد لنفسه السلاح، ويعد لنفسه الزاد، فإن لم يجد ما يتزود به عاش على التمرات أو التمرة يومه كله، فهل وجد في تاريخ البشر جميعهم مثل هؤلاء الجنود؟

فصل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، عن المدينة في أربعة آلاف رجل وشيعه عمر رضي الله عنه وقال : إذا انتهيت إلى زرود * فانزل بها ثم أمدَّ عمرُ سعداً بعد خروجه بألفي يماني وألفي نجدي من غطفان وسائر قيس ...

وقدم سعد زرود في أول الشتاء فنزل بها وتفرقت الجنود فيما حوله من أمواه بني تميم وأسد وانتظر اجتماع الناس وأمْرَ عمر وانتخبَ من بين تميم والرباب أربعة آلاف، وانتخب من بني أسد ثلاثة آلاف، وأمرهم أن ينزلوا على حد أرضهم بين الحزن والبسيطة * فأقاموا هناك بين سعد وبين المثنى بن حارثة رضي الله عنه ، وكان مع المثنى عشرة آلاف مقاتل ...

وبينما الناس كذلك، سعد يرجو أن يقدم المثنى والمثنى يرجو أن يقدم عليه سعد، مات المثنى من جراحته يوم الجسر ، ثم نزل سعد بشراف * وكتب إلى عمر بمنزله وبمنازل الناس فكتب إليه عمر : إذا جاءك كتابي هذا فعشِّر الناس وعرف عليهم وأمِّر على أجنادهم وعبِّهم ومُر رؤساء المسلمين فليشهدوا وقدرهم وهم شهود ثم وجههم إلى أصحابهم وواعدهم القادسية واضمم إليك المغيرة بن شعبة رضي الله عنه في خيله واكتب إلي بالذي يستقر عليه أمرهم ...، فبعث سعد إلى المغيرة فانضم إليه وقدّر الناس وعبأهم وأمّرَ أمراء الأجناد وعرّف العرفاء فعرّف على كل عشرة رجلا وأمَّر على الرايات رجالا من أهل السابقة وولّى الحروب رجالا فولّى على مقدمتها ومجنباتها وساقتها وطلائعها ورجلها وركبانها ، فأما أمراء التعبية فاستعمل زهرة بن عبدالله رضي الله عنه على المقدمات ، وزهرة كان ملك هجر في الجاهلية ووفد على النبي صلى الله عليه وسلم وقدمه ، واستعمل على الميمنة عبدالله بن المعتم رضي الله عنه ، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعمل على الميسرة شرحبيل بن السمط الكندي رضي الله عنه وكان غلاما شابا وأبلى في حرب الردة ، وجعل عاصم بن عمر على الساقة ، وسواد بن مالك على الطلائع ، وعلى الرجل حمال بن مالك الأسدي ، وعلى الركبان عبد الله بن ذي السهمين الخثعمي ، فكان أمراء التعبئة يلون الأمير وأمراء الأعشار يلون أمراء التعبئة وأصحاب الرايات يلون أمراء الأعشار ، والقواد رؤوس القبائل يلون أصحاب الرايات ، وكان على القضاء عبدالرحمن بن ربيعة الباهلي رضي الله عنه وجُعل إليه قسمة الفيء وجعل داعيتهم ورائدهم سلمان الفارسي رضي الله عنه ، والترجمان هلال الهجري والكاتب زياد بن أبي سفيان ....

فلما فرغ سعدٌ من تعبيته كتب بذلك إلى عمر وقبل رجوع الكتاب من عمر قدم المعنى بن حارثة و سلمى بنت خصفة التيمية إلى سعد بوصية المثنى بن حارثة رضي الله عنه ورأيه فذكرا رأيه لسعد : " ألا يقاتل عدوه من أهل فارس في عقر دارهم وأن يقاتلهم على حدود أرضهم على أدنى حجر من أرض العرب وأدنى مدرة من أرض العجم فإن يظهر الله المسلمين عليهم فلهم ، وإن يكن الأخرى فآووا الى فئة ثم يكونون أعلم بسبيلهم وأجرأ على أرضهم إلى أن يرد الله الكرة عليهم "

فلما انتهى إلى سعد رأيُ المثنى ووصيتُه ترحم عليه كثيراً وأمَّرَ المعنى على عمله وأوصى بأهل بيته خيراً، وخطب سلمى فتزوجها وبنى بها ....
ثم جاء كتاب عمر بمثل رأي المثنى إذ قال : " أما بعد، فسر من شراف نحو فارس بمن معك وتوكل على الله واستعن به على أمرك، واعلم أنك تقدم على أمة عددهم كبير وعدتهم فاضلة وبأسهم شديد، وعلى بلد منيع وإن كان سهلاً ... فإذا لقيتم العدو فابدؤوهم الشد والضرب، وإياكم والناظرة لجموعهم، ولا يخدعنكم فإنهم خدعة مكرة أمرهم غير أمركم إلا أن تجادوهم، واذا انتهيت إلى القادسية والقادسية باب فارس في الجاهلية وهي أجمع تلك الأبواب، وهو منزل رغيب خصيب دونه قناطر وأنهار ممتنعة ... ويكون الناس بين الحجر والمدر فالزم مكانك لا تبرحه فإذا أحسوك أنغضتهم رموك بجمعهم الذي يأتي على خيلهم ورجلهم وجدهم، فإن أنتم صبرتم لعدوكم واحتسبتم لقتاله ونويتم الأمانه رجوت أن تنصروا عليهم ... وإن تكن الأخرى كان الحجر في أدباركم فانصرفتم من أدنى مدرة من أرضهم إلى أدنى حجر من أرضكم، ثم كنتم عليها أجرأ وبها أعلم، وكانوا عنها أجبن وبها أجهل، حتى يأتي الله بالفتح عليهم ويرد لكم الكرة .... "

فسار سعد على تعبيته والكتب بينه وبين عمر متواصلة .... ثم جاء من عمر كتاب آخر قال فيه : "أما بعد، فعاهد قلبك وحادث جندك بالموعظة والنية الحسنة والصبر الصبر، فإن المعونة تأتي من الله على قدر الحسنه والحذر الحذر على ما أنت عليه وما أنت بسبيله، واسألوا الله العافية وأكثروا من قول لا حول والا قوة الا بالله، واكتب إلي أين بلغ جمعهم ومن رأسهم الذي يلي مصادمتكم، فإنه منعني من بعض ما أردت الكتاب به قلة علمي بما هجمتم عليه والذي استقر عليه أمر عدوكم، فصف لنا منازل المسلمين والبلد الذي بينكم وبين المدائن صفة كأني أنظر إليها واجعلني من أمركم على الجلية، وخفِ الله وارجه ولا تدل بشيء، واعلم أن الله قد وعدكم وتوكل لهذا الأمر بما لا خلف له واحذر أن تصرفه عنك ويستبدل بكم غيركم ..."

فكتب إليه سعد بصفة البلدان : القادسية بين الخندق والعتيق، وأن ما عن يسار القادسية بحر أخضر في جوف لاح إلى الحيرة بين طريقين، فأما أحدهما فعلى الظهر وأما الآخر فعلى شاطيء نهر يدعى الحضوض ، يطلع بمن سلكه على ما بين الخورنق والحيرة ، وأن ما بين عين القادسية إلى الولجة فيض من فيوض مياههم ، وأن جميع من صالح المسلمين من أهل السواد قبلي إلب لأهل فارس قد خفوا لهم واستعدوا لنا ، فهم يحاولون إنغاضنا وإقحامنا ونحن نحاول إنغاضهم وإبرازهم وأمر الله بعد ماض وقضاؤه مسلم إلى ما قدر لنا وعلينا فنسأل الله خير القضاء وخير القدر في عافية ....

فكتب اليه عمر : " قد جاءني كتابك وفهمته فأقم بمكانك حتى ينغض الله لك عدوك، واعلم أن لها ما بعدها فإن منحك الله أدبارهم فلا تنزع عنهم حتى تقتحم عليهم المدائن فإنه خرابها إن شاء الله ... "

وجعل عمر يدعوا لسعد خاصة ويدعو معه للمسلمين عامة ...
ثم عاد عمر فكتب إليه : إني ألقي في روعي أنكم إذا لقيتم العدو وهزمتموهم فاطرحوا الشك وآثروا التقوى، فإن لا عب أحد منكم أحدا من العجم بإمان أو داناه بإشارة أو لسان فكان لا يدري الأعجمي ما كلمه به فأجروا ذلك له مجرى الأمان وإياكم والضحك ، والوفاء الوفاء، فإن الخطأ بالغدر الهلكة وفيها وهنكم وقوة عدوكم وذهاب ريحكم وإقبال ريحهم، واعلموا أني أحذركم أن تكونوا شيئا على المسلمين وسببا لتوهينهم ....

كان عمر يدير المعركة من المدينة النبوية، ولا يكف عن مراسلة الجيش وحثهم على الشهادة والثبات، حتى إنه أرسل إليهم مثبتاً، وباعثاً لهم على التفاؤل بالنصر، وقائلاً : (إني ألقي في روعي أنكم إذا لقيتم العدو هزمتموهم) .
أما الفرس فقد أجبر يزدجرد ملك الفرس أحد كبار قواده واسمه رستم على قيادة الجيش الفارسي بنفسه. ...




يتبع / (4)



__________________________________________________ ____

* زرود وشراف : أسماء مواضع في العراق




__________________________________________________ ___


المراجع :

معركة القادسية للشيخ هيثم جواد الحداد
أيام العرب في الإسلام

نزار نمر نزال
18/04/2008, 01:25 AM
معركة القادسية

( 4 )





أقام سعد بن ابي وقاص ،رضي الله عنه في القادسية شهراً، ثم بعث عيوناً إلى أهل الحيرة فرجعوا إليه بالخبر بأن ملك الفرس قد ولّى رستم حربه وأمَّره بالعسكرة فكتب بذلك إلى عمر فكتب إليه عمر رضي الله عنه :
" لا يكربنَّك ما يأتيك عنه ولا ما يأتونك به فاستعن بالله وتوكل علية وابعث إليه رجالا من أهل المنظرة والرأي والجَلَد يدعونه فإن الله جاعلٌ دعاءَهم توهيناً لهم وفلجاً عليهم واكتب الي في كل يوم "

وفد الخليفة عمر رضي الله عنه الى كسرى

فجمع سعدٌ نفراً من أهل الرأي والمنظرة والجلد منهم النعمان بن مقرن والأشعث بن قيس و عاصم بن عمرو وعمرو بن معد يكرب و المغيرة بن شعبة ، و المغيرة بن زرارة .... رضي الله عنهم ، ثم بعثهم دعاة إلى كسرى ملك الفرس، فاستأذنوا على كسرى فأذن لهم، وخرج أهل البلد ينظرون إلى أشكالهم وأرديتهم على عواتقهم وسياطهم بأيديهم، والنعال في أرجلهم، وخيولهم الضعيفة، وخبطها الأرض بأرجلها، وجعلوا يتعجبون منها غاية العجب، كيف مثل هؤلاء يقهرون جيوشهم مع كثرة عَدَدِها وعُدَدِها‏.‏
فلما دخلوا عليه أمر الترجمان بينه وبينهم فقال : سلهم ما جاء بكم ؟ وما دعاكم إلى غزونا والولوع ببلادنا ؟ أمن أجل أنّا تشاغلنا عنكم اجترأتم علينا ؟
فقال النعمان بن مقرن رضي الله عنه :
" إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولاً يدلنا على الخير ويأمرنا به ويعرفنا الشر وينهانا عنه ووعدنا على إجابته خير الدنيا والآخرة ..... فعرفنا جميعا فضل ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق ، ثم أمر أن نبدأ من يلينا من الأمم فندعوهم إلى الانصاف فنحن ندعوكم إلى ديننا وهو دينٌ حسّن الحسن وقبّح القبيح كله ، فإن أبيتم فأمر من الشر هو أهون من آخَرَ شرٍ منه الجِزاء [1] فإن أبيتم فالمناجزة [2] فإن أجبتم إلى ديننا خلّفنا فيكم كتاب الله على أن تحكموا بأحكامه ونرجع عنكم وشأنكم وبلادكم وإن اتقيتمونا بالجِزاء قبلنا ومنعناكم ، وإلا قاتلناكم ... "
فقال يزدجرد : إني لا أعلم في الأرض أمّة كانت أشقى ولا أقل عددا ولا أسوأ ذات بين منكم ، قد كنا نوكل بكم قرى الضواحي فيكفوننا غاراتكم لا تغزوكم فارس ولا تطمعون أن تقوموا لهم فإن كان غرور لحقكم فلا يغرنكم منا وإن كان الجهد دعاكم فرضنا لكم قوتاً إلى خصبكم وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم وملَّكنا عليكم ملكا يرفق بكم ....
فرد عليه المغيرة بن زرارة رضي الله عنه :
" ... إنك قد وصفتنا صفة لم تكن عالماً بها .فأما ما ذكرت من سوء الحال فما كان أسوأ حالاً منا، وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع ، كنا نأكل الخنافس والجعلان والعقارب والحيات فنرى ذلك طعامنا، وأما المنازل فإنما هي ظهر الأرض ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم ، ديننا أن يقتل بعضنا بعضا ويغير بعضنا على بعض ، فكانت حالنا قبل اليوم على ما ذكرت لك ، فبعث الله إلينا رجلا معروفا نعرف نسبه ونعرف وجهه ومولده، فأرضه خير أرضنا وحسبه خير حسبنا ، فقذف الله في قلوبنا التصديق بما جاء به واتباعه، فصار فيما بيننا وبين رب العالمين، فما قال لنا فهو قول الله، وما أمرنا فهو امر الله، فقال لنا : إن ربكم يقول : " إني انا الله وحدي لا شريك لي كنت إذا لم يكن شيء وكل شيء هالك إلا وجهي وأنا خلقت كل شيء وإلي يصير كل شيء وإن رحمتي أدركتكم فبعثت لكم هذا الرجل ليدلكم على السبيل التي بها أنجيكم بعد الموت من عذابي ولأحلكم دار السلام " ، فنشهد عليه أنه جاء بالحق من عند الحق وقال : " من تابعكم على هذا فله مالكم وعليه ما عليكم ومن أبى فاعرضوا عليه الجزية ثم امنعوه مما تمنعون منه أنفسكم ومن أبى فقاتلوه ، فأنا الحكم بينكم فمن قتل منكم أدخلته جنتي ومن بقي منكم أعقبته النصر على من ناوأه " ... ، فاختر إن شئت الجزية عن يدٍ وأنت صاغر ، وإن شئت فالسيف ، أو تسلم فتنجي نفسك . "
" فاستشاط ملك الفرس ، وهو في أبهته وبين أعظم قواده وعلى أرضه أن يقال له هذا الكلام من بدوي مرقع الثياب. فقال: أتستقبلني بمثل هذا ؟ ثم قال: لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكم ، لا شيء لكم عندي، ارجعوا إلى صاحبكم فأعلموه أني مرسل إليه رستم حتى يدفيه ويدفيكم [3] معه في خندق القادسية، وينكل به وبكم... "
ثم قال يزدجرد : ائتوني بوقرٍ [4] من تراب ، واحملوه على أشرف هؤلاء : ثم قال : من أشرفكم فسكت القوم ، ثم قال عاصم – وافتات [5] ليأخذ التراب : أنا أشرفهم ، أنا سيد هؤلاء فحملنيه ، فقال : أكذك هو قالوا : نعم ، فحمله على عنقه فخرج من الايوان والدار حتى أتى راحلته فحمله عليها ، ثم انجذب في السير حتى دخل وصحبه على سعد واخبروه الخبر فقال سعد :
" أبشروا فقد أعطانا الله أقاليد [6] ملكهم " وأخذ المسلمون يزدادون في كل يوم قوه ويزداد عدوهم في كل يوم وهنا واشتد ما صنع المسلمون وصنع الملك على جلساء الملك وراح رستم من ساباط يسأله عما كان من أمره وأمرهم وكيف رآهم فقال الملك : ما كنت أرى أن في العرب مثل رجال رأيتهم دخلوا علي وما أنتم بأعقل منهم ولا بأحسن جوابا منهم وأخبره بكلام متكلمهم وقال : لقد صدقني القوم ، لقد وُعِدَ القوم أمراً ليدركنّه أو ليموتنّ عليه ، على أني قد وجدت أفضلهم أحمقهم فقد ذكروا الجزية فأعطيته تراباً فحمله على رأسه وخرج به ولو شاء اتقى بغيره وأنا لا أعلم .
فقال رستم : أيها الملك إنه لأعقلهم لأنه أراد أن يفتدي القوم بنفسه فتطير بذلك وأبصرها دون أصحابه ...

تحرك رستم نحو القادسية

وفصل رستم بعد تلبث وتردد وسار إلى المدائن حتى بلغ ساباط وفيها جمع آلة الحرب وأداتها ...
" سار رستم وفي مقدمته أحد القادة الكبار واسمه الجالينوس ، في أربعين ألفاً، وخرج هو في ستين ألفاً، وفي ساقته عشرون ألفاً، وجعل في ميمنته (الهرمزان)، وعلى الميسرة (مهران بن بهرام )، وعلى ساقته البيرزان ، وهكذا تجمع لرستم مائة وعشرين ألفاً " . ثم أمر الجالنوس أن يصيب رجلا من العرب فأصاب رجلا دون قنطرة القادسية فاختطفه ونفر العرب خلفه ولكن أحدا لم يدركه وأدخل الرجل على رستم فقال له : ما جاء بكم ؟ وماذا تطلبون؟
قال العربي : " جئنا نطلب موعود الله " قال : وما هو ؟ قال العربي : " أرضكم وابناؤكم ودماؤكم إن أبيتم أن تسلموا " . فقال رستم : فإن قتلتم قبل ذلك؟ قال العربي :" في موعود الله أن من قتل منا قبل ذلك دخل الجنه وأنجز لمن بقي منا ما قلت لك ، فنحن على يقين "
فقال رستم :قد وضعنا إذا في ايديكم !! ... قال العربي : " ويحك يا رستم ! إن أعمالكم قد وضعتكم فأسلمكم الله بها فلا يغرنك ما ترى حولك فإنك لست تحاول الانس وإنما تحاول القضاء والقدر " فاستشاط رستم غضبا وأمر به فضربت عنقه ...

ثم سار رستم حتى وصل الحيرة ثم النجف حتى وصل القادسية ، ومكث رستم أربعة اشهر لا يقدم ولا يقاتل رجاء أن يضجروا وأن يجهدوا فينصرفوا وكره قتال العرب مخافة أن يلقى ما لقي قبله وطاولهم لولا أن الملك جعل يستعجله ...
وعرف عمر بن الخطاب أن القوم سيطاولونهم فعهد إلى سعد والمسلمين أن ينزلوا حدود أرضهم ، فبعث سعد عاصم بن عمرو وجابرا الأسدي رضي الله عنهم وغيرهما من رؤوس القوم للإغارة فأغاروا وأتوا سعدا بالفتح والغنائم والسلامه ...

ثم سار رستم حتى نزل نهر العتيق ثم طلع موضعا يشرف منه على المسلمين ، فراسل زهرة بن الحوية رضي الله عنه ، وجعل يقول فيما يقول : أنتم جيراننا وقد كانت طائفة منكم في سلطاننا فكنا نحسن جوارهم ونكف الأذى عنهم ونوليهم المرافق الكثيرة ونرعيهم مراعينا ونميرهم من بلادنا ولانمنعهم من التجارة في شيء من أرضنا ... قال له ذلك يعرض بالصلح ولا يصرح ...
ثم دعا رستم حاشيته وتدارسوا الوضع الحرج الذي يمرون به ، فوجدوا المراسلات خير وسيلة ، فأرسل رستم احد رجاله الى زهرة : إن رستم يقول لكم أرسلوا لنا رجلا نكلمه ويكلمنا ... ، فأرسل زهرة الى سعد بن ابي وقاص القائد العام للمسلمين بهذا الخبر ...


يتبع .... / (5)



رسل سعد بن أبي وقاص إلى رستم



__________________________________________________ _


1- الجِزاء بالكسر : جمع جزية

2 المناجزة : القتال

3 يدفيه : يجهز عليه

4 وقر : الحمل الثقيل

5 افتات : ادعى

6 أقاليد : مفاتيح
__________________________________________________ _


المراجع :

معركة القادسية للشيخ هيثم جواد الحداد
أيام العرب في الإسلام
البداية والنهاية لابن كثير

نزار نمر نزال
18/04/2008, 07:27 PM
معركة القادسية

( 5 )


رسل سعد بن أبي وقاص إلى رستم


أرسل سعد ، رضي الله عنه إلى المغيرة بن شعبة ، و بسر بن أبي رهم ، و عرفجة بن هرثمه ، و حذيفة بن محصن ، و ربعي بن عامر ، و قرفة بن زاهر التيمي ، و مذعور بن عدي العجلي و معبد بن مرة العجلي – وكان من دهاة العرب - ، فقال لهم : " إني مرسلكم إلى هؤلاء القوم فما عندكم ؟ "
قالوا جميعا : " نتبع ما تأمرنا به ، وننتهي إليه ، فإذا جاء أمر لم يكن منك فيه شيء نظرنا أمثل ما ينبغي وأنفعه للناس فكلمناهم به ... "

فقال سعد : " هذا فعل الحزَمَه ، اذهبوا فتهيئوا " فقال ربعي بن عامر ، رضي الله عنه: " إن الأعاجم لهم آراء وآداب ومتى نأتهم جميعا يروا أنا احتفلنا بهم!، فلا تزدهم على رجل واحد " .
فمالؤوه جميعاً على ذلك فقال : فسرحوني فأمر سعد أن يسرح ، فخرج ربعي ليدخل على رستم عسكره ... وأخبر رستم بمجيئه فتهيأ لاستقباله ووضع لرستم سرير الذهب وألبس زينته من الأنماط والوسائد المنسوجة من الذهب ...

وأقبل ربعي يسير على فرس له قصيرة ومعه سيفه ورمحه و قوسه ونبله ... فلما غشي رستم وانتهى إليه وإلى أدنى البسط قيل له انزل فحمل الدابة على البساط فلما استوت عليه نزل عنها وربطها بوسادتين فشقهما ثم أدخل الحبل فيهما فلم يستطيعوا أن ينهوه وإنما أروه التهاون ، وعرف ما أرادوا فأراد استحراجهم ...
فقالوا : ضع سلاحك فقال : "إني لم آتكم فأضع سلاحي بأمركم أنتم دعوتموني فإن أبيتم أن آتيكم كما أريد رجعت" فأخبروا رستم فقال : ائذنوا له ، هل هو إلا رجل واحد!
" فأقبل يتوكأ على رمحه ...، يقارب الخطو ويزج النمارق والبسط فما ترك لهم نمرقةً ولا بساطاً إلا أفسده وتركه مُنتهكاً مُخرقاً .. "
فلما دنا من رستم تعلق به الحرس وجلس على الأرض وركز رمحه بالبسط فقالوا : ما حملك على هذا قال : إنا لا نستحب القعود على زينتكم هذه ، فكلمه فقال : ما جاء بكم ؟
قال ربعي رضي الله عنه: "الله ابتعثنا ، والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه فمن قبل ذلك منا قبلنا منه ورجعنا عنه وتركناه وأرضه يليها دوننا ، ومن أبى قاتلناه حتى نفضي إلى موعود الله " .
قال : وما موعود الله ؟ قال : " الجنة لمن مات على قتال من أبى والظفر لمن بقى " .
قال رستم : قد سمعت مقالتكم فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا ؟ قال : " نعم ، كم أحب اليكم ؟ أيوما أم يومين ؟ "
قال : لا بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا ... ، فقال ربعي رضي الله عنه : "إن مما سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل به أئمتنا ألا نمكن الأعداء من آذاننا ولا نؤجلهم عند اللقاء أكثر من ثلاث فنحن مترددون عنكم ثلاثا فانظر في أمرك وأمرهم واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل : اختر الإسلام وندعك وأرضك ، أو الجزاء فنقبل ونكف عنك ، وإن كنت عن نصرنا غنياً تركناك منه وإن كنت إليه محتاجاً منعناك أو المنابذة في اليوم الرابع ولسنا نبدؤك فيما بيننا وبين اليوم الرابع إلا أن تبدأنا ، أنا كفيلٌ لك بذلك على أصحابي وعلى جميع من ترى".
قال : أسيدهم أنت ؟ قال : " لا ولكن المسلمين كالجسد بعضهم من بعض يجير أدناهم على أعلاهم . "

فخلص رستم الى رؤساء فارس فقال : ما ترون ؟ هل رأيتم كلاما قط أوضح من كلام هذا الرجل؟ قالوا : أتدين إلى شيء من هذا وتدع دينك لهذا الكلب ؟! أما ترى إلى ثيابه ؟ فقال : ويحكم لا تنظروا إلى الثياب انظروا إلى الرأي والكلام والسيرة : إن العرب لتستخف باللباس والمأكل ويصونون الأحساب ليسوا مثلكم في اللباس ولا يرون ما ترون . ..

فلما كان من الغد بعثوا إلى سعد أن ابعث إلينا ذلك الرجل فبعث إليهم حذيفة بن محصن رضي الله عنه فأقبل في نحو من ذلك الزي ... فجاء حتى وقف على رستم وهو راكب على دابته ورستم على سريره فقال : انزل ، قال : لا أفعل فلما أبى سأله : ما بالك جئت ولم يجئ صاحبنا بالأمس قال : "إن أميرنا يحب أن يعدل بيننا في الشدة والرخاء فهذه نوبتي" ، قال : ما جاء بكم ؟ قال : "إن الله عز وجل منَّ علينا بدينه وأرانا آياته حتى عرفناه وكنا له منكرين ثم أمرنا بدعاء الناس إلى واحدة من ثلاث فأيها أجابوا إليها قبلناها : الإسلام وننصرف عنكم أو الجزاء ونمنعكم إذا احتجتم الى ذلك أو المنابذة" ، فقال رستم : أو الموادعة إلى يوم ما ؟ فقال : " نعم ثلاثاً من أمس .." ، فلما لم يجد عنده إلا ذلك رده .. ،

فلما كان من الغد أرسل إلى العرب : ابعثوا إلينا رجلاً ، فبعث إليهم المغيرة بن شعبة ، رضي الله عنه ، فلما وصل إليه المغيرة جلس مع رستم على سريره فتناوشه الحرس وأنزلوه بقوة، ومنعوه فقال كلاماً بكل طمأنينة وجرأة، كلاماً أحرق قلوبهم، قال لهم: " كانت تبلغنا عنكم الأحلام، ولا أرى قوماً أسفه منكم، إنا معشر العرب سواء لا يستعبد بعضنا بعضاً، فظننتكم تواسون قومكم كما نتواسى، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض، وأن هذا الأمر لا يستقيم فيكم فلا نصنعه، ولم آتكم ولكن دعوتموني، اليوم علمت أن أمركم مضمحل، وأنكم مغلوبون وأن مُلكاً لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول... "
فقالت السِّفلة: صدق والله العربي، وقالت الدهاقين * : والله لقد رمى بكلام لا يزال عبيدنا ينزعون إليه، قاتل الله أولينا ما كان أحمقهم حين كانوا يصغرون أمر هذه الأمة ،
فمازحه رستم ليمحو ما صنع به وقال : يا عربي إن الحاشية قد تصنع ما لا يوافق الملك .. فيتراخى عنها مخافة ان يكسرها عما ينبغي من ذلك ، فالأمر على ما تحب من الوفاء وقبول الحق ، ثم قال رستم : تتكلم أم أتكلم فقال المغيرة أنت الذي بعثت إلينا فتكلم فأقام الترجمان بينهما .

ودعا رستم ترجمانه وكان عربيا من أهل الحيرة يدعى عبود ، فقال له المغيرة : ويحك يا عبود أنت رجل عربي فأبلغه عني إذا أنا تكلمت كما تبلغني عنه ...
وتكلم رستم فحمد قومه وعظم أمرهم وقال : لم نزل متمكنين في البلاد ظاهرين على الأعداء أشرافا في الأمم فليس أحد في الملوك مثل عزنا وشرفنا وسلطاننا .... ، ثم إنه لم يكن في الناس أمة أصغر عندنا منكم كنتم أهل معيشة سيئة لا نراكم شيئا ولا نعدكم .....، وقد علمت أنه لم يحملكم على ما صنعتم الا ما أصابكم من الجهد في بلادكم فأنا آمر لأميركم بكسوة وبغل وألف درهم وآمر لكل رجل منكم بوقر تمر وبثوبين وتنصرفون عنا فإني لست أشتهي أن أقتلكم ....
فتكلم المغيرة بن شعبة ،رضي الله عنه، فحمد الله وأثنى عليه وقال : " أما الذي ذكرت به نفسك وأهل بلادك من الظهور على الأعداء والتمكن في البلاد وعظم السلطان في الدنيا فنحن نعرفه ولسنا ننكره فالله صنعه بكم ووضعه فيكم وهو له دونكم وأما الذي ذكرت فينا من سوء الحال وضيق المعيشة فنحن نعرفه ولسنا ننكره والله ابتلانا بذلك وصيرنا إليه والدنيا دُوَل ، ولم يزل أهل شدائدها يتوقعون الرخاء حتى يصيروا إليه ، وأهل رخائها يتوقعون الشدائد حتى يصيروا إليه ... ولكن الشأن غير ما تذهبون إليه : إن الله تبارك وتعالى قد بعث إلينا رسولا ... ثم ذكر مثل كلام الأول حتى انتهى إلى قوله : ... فكن لنا عبدا تؤدي الجزية عن يد وأنت صاغر وإلا فالسيف ... فاستشاط رستم غضبا ، ثم حلف بالشمس لا يرتفع الضحى غدًا حتى نقتلكم أجمعين‏.‏
فقال المغيرة‏ :‏ لا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏ وانصرف عنه‏.‏

ثم أرسل سعد بقية ذوي الرأي وحبس الثلاثة فخرجو حتى أتوه فقالوا له إن أميرنا يقول لك : إن الجوار يحفظ الولاة ، وإني أدعوك إلى ما هو خير لنا ولك . والعافية أن تقبل ما دعاك الله إليه ونرجع إلى أرضنا وترجع إلى أرضك وبعضنا من بعض إلا أن داركم لكم وأمركم فيكم ... واتق الله يارستم ولا يكونن هلاك قومك على يديك ! .. "
فقال : إني قد كلمت منكم نفرا ولو أنهم فهموا عني رجوت أن تكونوا قد فهتم وإن الأمثال أوضح من كثير من الكلام .... ثم استرسل رستم في الكلام إلى أن قال : لاصلح بيننا وبينكم ... أتعبرون إلينا أم نعبر إليكم ....فقالوا : بل اعبروا إلينا ....



يتبع .... / (6)

أيام القادسية / يوم أرماث
__________________________________________________


* الدهقان : زعيم فلاحي العجم


__________________________________________________ __


المراجع :

معركة القادسية للشيخ هيثم جواد الحداد
أيام العرب في الاسلام
تاريخ الأمم والملوك للطبري

نزار نمر نزال
19/04/2008, 12:59 AM
معركة القادسية

( 6 )

أيام القادسية
يوم أرماث [1]

لم تصلح المفاوضة ، وتهيأ الفريقان للحرب .... وبات الفرس يُسكِرون [2] نهر العتيق إلى الصباح بالتراب والقصب حتى جعلوه طريقاً للعبور ، ولما عبروا أخذوا مصافهم وجلس رستم على سريره وعبَّى في القلب ثمانية عشر فيلاَ عليها الصناديق والرجال ، وأقام الجالنوس بينه وبين ميمنته والبيرزان بينه وبين ميسرته .... وكان ملك الفرس يزدجرد وضع رجلاً على باب إيوانه ، وأمره بلزومه وآخر حيث يسمعه من الدار وآخر خارج الدار وكذلك وضع على كل مسافة رجلا فنظم ما بين العتيق والمدائن رجالا فكان يعلم الأخبار حين حدوثها لا يغيب عنه شيء حدث في ليل أو نهار ..

أخذ المسلمون مصافّهم وكان سعدٌ ، رضي الله عنه، يومئذ به دماميل لا يستطيع أن يركب ولا يجلس إنما هو على وجهه في صدره وسادة وهو مكب عليها مشرف على الناس يرمي بالرقاع فيها أمره ونهيه إلى خالد بن عُرْفُطة‏ ،رضي الله عنه ، ‏ وبرم بعض المسلمين بسعد وتندروا بمرضه واختلفوا على خالد ...
وكان ممن شغب على خالد بعض وجوه الناس فهَمَّ بهم سعد وشتمهم وقال : أما والله لولا أن عدوكم بحضرتكم لجعلتكم نكالاً لغيركم ، ثم أمر بجماعة منهم أبو محجن الثقفي ،رضي الله عنه ، فحُبسوا وقيّدهم في القصر ...
ثم إن سعدًا خطب من يليه يوم الإثنين في المحرم سنة أربع عشرة فحمد الله وأثنى عليه وقال‏:‏ " إن اللّه عز وجل يقول‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أنَّ الأرْضَ يَرِثَهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون‏}‏ (الأنبياء 105)‏.‏
هذا ميراثكم وموعود ربكم ... وقد جاءكم من عدوكم هذا الجمع وأنتم وجوه العرب وأعيانهم وخيار كل قبيلة وعز من ورائكم فإن تزهدوا في الدنيا وترغبوا في الآخرة يجمع الله لكم الدنيا والآخرة ... وإن تفشلوا وتضعفوا تذهب ريحكم وتوبقوا آخرتكم‏.‏... "
ثم كتب سعد ، رضي الله عنه ، إلى الرايات : إني قـد استخلفت عليكم خالد بن عرفطة وليس يمنعني أن أكون مكانه إلا وجعي الذي يعودني وما بي من الحبون [3] فإني مكب على وجهي وشخصي لكم بادٍ فاسمعوا له وأطيعوا فإنه إنما يأمركم بأمري ويعمل برأيي ، وقرأ الكتاب على الناس فقبلوا منه وتحاثوا على السمع والطاعة وأجمعوا على عذر سعد والرضا بما صنع ... "

و أرسل سعد ُ ذوي الرأي والفضل والنجدة إلى الناس فكان من ذوي الرأي المغيرة وحذيفة وعاصم ومن أهل النجدة طليحة و قيس الأسدي و عمرو بن معد يكرب ومن الشعراء الشماخ و الحطيئة و أوس بن مغراء وغيرهم وقال لهم : انطلقوا فقوموا في الناس بما يحق عليكم ويحق عليهم فإنكم من العرب بالمكان الذي أنتم به ، أنتم شعراء الناس وخطباؤهم وذوو رأيهم ونجدتهم وسادتهم فسيروا في الناس فذكروهم وحرضوهم على القتال ....
فساروا إلى الناس بذلك ، فقال عاصم بن عمرو ، رضي الله عنه : "يا معشر العرب إنكم أعيان العرب وقد سمعتم لأعيان العجم وإنما تخاطرون بالجنه ويخاطرون بالدنيا فلا يكونُنّ على دنياهم أحوط منكم على آخرتكم ، لا تحدثوا اليوم أمرا تكونون به شينا على العرب غدا " ...
وقال ربيع السعدي ، رضي الله عنه : "يا معاشر العرب قاتلوا للدين والدنيا (( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين )) ... "
وقاموا كلهم بنحو من هذا الكلام فتواثق الناس وتعاهدوا ... ثم أمر سعد أن يقرأ على الناس سورة الجهاد (الأنفال) ثم قال لهم : " الزموا مواقفكم ولا تحركوا شيئا حتى تصلوا الظهر فإذا صليتم الظهر فإني مكبر تكبيرة فكبروا واستعدوا واعلموا أن التكبير لم يعطه أحد قبلكم واعلموا أنما أعطيتموه تأييداً لكم ثم إذا سمعتم الثانية فكبروا ولتُستَتمّ عُدّتكم ، ثم إذا كبرت الثالثة فكبروا ولينشط فرسانكم الناس ليببرزوا وليطاردوا ، فإذا كبرت الرابعه فازحفوا جميعا حتى تخالطوا عدوكم وقولوا : لا حول ولا قوة إلا بالله .... "
ولما فرغ القراء كبّر سعد فكبّر الذين يلونه تكبيرة وكبر بعض الناس بتكبير بعض فتحشحش الناس ثم ثنّى فاستتم الناس ، ثم ثلث فبرز أهل النجدات فانشبوا القتال وخرج من أهل فارس أمثالهم فاعتوروا الطعن والضرب ...

" وبرز غالب بن عبدالله الأسدي رضي الله عنه ، فخرج إلى هرمز وكان متوجاً فأسره غالب وجاء به سعداً .... "
وخرج عاصم بن عمرو رضي الله عنه ، فطارد رجلاً من أهل فارس فهرب منه واتبعه حتى إذا خالط صفهم التقى بفارس معه بغله فترك الفارس البغل واعتصم بأصحابه فاستاق عاصم البغل حتى أتى به إلى الصف، فإذا الفارس خباز الملك وإذا الذي معه هدايا الملك ، الأخبصة والعسل المعقود ، فأتى به سعد ورجع إلى موقفه فلما نظر فيه سعدٌ قال : انطلقوا به إلى أهل موقفه ، وقولوا لهم إن الأمير قد أهداكم هذا فكلوه ....
ومر عمروا بن معد يكرب رضي الله عنه ، يحضض الناس بين الصفين ، فبينا هو كذلك إذا خرج إليه رجل من الأعاجم فوقف بين الصفين فرمى بنشابه فما أخطأت سية قوسه وهو متنكبها ، فالتفت إليه وحمل عليه فاعتنقه ثم أخذ بمنطقته فاحتمله فوضعه بين يديه ثم كسر عنقه ووضع سيفه على حلقه وذبحه ثم ألقاه وقال : هكذا فاصنعوا بهم ... "
ثم كبر سعد التكبيرة الرابعة آية الزحف العام ، وحمل أصحاب الفيلة من الفرس ففرقوا كتائب المسلمين وابذغرت خيولهم وأخذت الدائرة تدور عليهم وكادت الخيل تحجم وتحيد ...
فأرسل سعد إلى عاصم بن عمرو التميمي وقال : يا معشر بني تميم، ألستم أصحاب الإبل والخيل ؟ أما عندكم لهذه الفيلة من حيلة ؟
قالوا : بلى ، ثم نادى عاصم في رجال قومه فقال لهم : ذُبوا [4] ركبان الفيلة بالنبل واستدبروا الفيلة فقطعوا وُضنها [5]
وخرج يحميهم والرحى تدور على أسد وقد جالت الميمنة والميسرة غير بعيد ، وأقبل أصحاب عاصم على الفيلة فأخذوا بأذنابها فقطعوا وُضُنها وارتفع عواؤها فما بقي لهم يومئذ فيلٌ إلا أعري ووقعت الصناديق التي كانت عليها وقتل أصحابها ...
ونُفِّس عن أسدٍ ، ورَدّوا الفُرسَ إلى مواقفهم ثم اقتتلوا حتى غربت الشمس واستمروا حتى ذهبت هدأة من الليل ورجع هؤلاء وهؤلاء ...
واستشهد من أسد تلك العشية خمسمائة وكانوا ردءاً للناس

وانصرف الفريقان لإعادة التنظيم ولم يحقق أحد منهم نصراً حاسماً ، إلا أن المسلمين استطاعوا إحباط مخطط عدوهم الذي كان يعول عليه النصر بزج الفيله في المعركة ، وقد استطاع المسلمون ليلة الهدأة أن يجمعوا جثث شهدائهم ومن ثم إرسالهم على ظهور الجمال إلى حيث كانت النساء هناك يقمن بالتطبيب والعمل على دفن الشهداء في قبور قمن بحفرها في أرجاء العُذَيب ...

يتبع .... / (7)

يوم أغواث

__________________________________________________


1- أرماث : جمع رمث وهو اسم نبت بالبادية

2 -يسكرون : يردمون ويسدون النهر

3 - الحبون : الدماميل، واحدها حبن .

4 - ذبّـوا : ادفعوا وامنعوا

5 - الوضين : بطان عريض منسوج من سيور
__________________________________________________ __


المراجع :

معركة القادسية للشيخ هيثم جواد الحداد
أيام العرب في الاسلام
تاريخ الأمم والملوك للطبري

نزار نمر نزال
19/04/2008, 11:36 PM
معركة القادسية


( 7)


يوم أغواث [1]

في ليلة الهدأة، وكَّلَ سعدٌ رضي الله عنه رجالا بنقل الشهداء وحمل الجرحى إلى العذيب [2] ليقوم النساء بتمريضهم ومداواتهم ... ، ورأت سلمى - زوج المثنى بن حارثة ثم زوج سعـد من بعده - ما حل بالقوم يوم أرماث وفرار الخيول أمام الفيلة ، فصاحت : وامثناه! ، ولا مثنى للخيل اليوم ! وكان سعد لا يطيق جلسة إلا مستوفزا أو على بطنه، وكان ضجراً من نفسه وأصحابه ، فلطم وجهها‏ وقال : أين المثنى من هذه الكتيبة التي تدور عليها الرحى ؟ يعني أسداً وعاصماً وخيله ، قالت : أغيرة وجبنا ! قال : والله لا يعذرني اليوم أحد إذا أنت لم تعذريني ، وأنت ترين ما بي .

ولما رأى رستم من العرب كيف ينظمون صفوفهم وينتظمون في الصلاة ، قال : أحرق كبدي عمر،... لقد علّمَ هؤلاء حتى عملوا.
وأصبح القوم على تعبئتهم ، وبينما لم ينشب القتال بعد ، إذ طلعت نواصي خيل المسلمين قادمة من الشام ... ، وكان عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، قد أرسل إلى أبي عبيدة بن الجراح ، رضي الله عنه ، بعد فتح دمشق يأمره بأن يرُدَّ بعض الجند إلى العراق ليكونوا عونا لجنود سعد على قتال الفرس ، فتحرك هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، رضي الله عنه، على رأس جيش قوامة ستة آلاف، وكان على مقدمته القعقاع بن عمرو التميمي رضي الله عنه في ألف رجل ، وعجّل القعقاع حتى قدم على المسلمين بالقادسية صبيحة هذا اليوم - يوم أغواث - وقد أراد القعقاع أن يوقع الرعب في نفوس الفرس ، فقسَّم جنده إلى أعشار وهم ألف فارس ، وانطلق أول عشرة ، فلما وصلوا تبعتهم العشرة الثانية مجلجلين الأرض بصيحات التكبير.. وهكذا حتى تكامل وصولهم فألقى بهذا الرعب في قلوب الفرس، فقد ظنوا أن مائة ألف قد وصلوا من الشام، فهبطت هممهم ...
وكان قدوم القعقاع في العشرة الأولى، فلما أتى الناس سلم عليهم، وبشرهم بالجنود، ثم قال : أيها الناس، إني قد جئتكم في قوم والله أن لو كانوا بمكانكم ثم أحسوكم حسدوكم حظوتها ، وحاولوا أن يطيروا بها دونكم فاصنعوا كما أصنع ، وعلى التو ، وفور وصوله ، إذا بهذا الهزبر الذي يقول فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه : لا يهزم جيش فيه القعقاع بن عمرو ، إذا به يطالب المبارزة مع كبير الفرس وقائدهم (بهمن جاذويه) فتجالدا حتى قتله القعقاع ، فأسقط في يد الفرس ، وخارت معنوياتهم ، وأكثر المسلمون فيهم القتل.
ولم يقاتل الفرس بالفيلة في هذا اليوم لأن توابيتها قد تكسرت بالأمس، فاشتغلوا هذا اليوم بإصلاحها، وألبس بعض المسلمين إبلهم فهي مجللة مبرقعة، وأمرهم القعقاع أن يحملوا على خيل الفرس يتشبهون بها بالفيلة، ، فجعلت خيل الفرس تفر منها ،...

ولقي اهل فارس من الإبل يوم أغواث أعظم مما لقي المسلمون من الفيلة يوم أرماث !... ثم نادى القعقاع : من يبارز فخرج إليه رجلان ، أحدهما البيرزان فضربه القعقاع فأذرى رأسه ...، وجعل القعقاع يقول : يا معاشر المسلمين باشروهم بالسيوف فإنما يحصد الناس بها ، ثم خرج الناس من كل ناحية وبدأ الحرب والطعان ...


قصة الفارس البطل أبو محجن الثقفي

كان أبو محجن الثقفي، رضي الله عنه ، قد حبس وقيد في القصر، ولما اشتد القتال صعد إلى سعـدٍ يستعفيه ويستقيله فزبره ورده فنزل فأتى فقال لسلمى زوج سعد ‏:‏ هل لك أن تخلي عني وتعيريني البلقاء فلله علي إن سلمني الله أن أرجع إليك حتى أضع رجلي في قيدي‏ فلم تفعل ، ثم سمعته يقول :


‏ كفى حزنًا أن تَرديَ الخيلُ بالقنا = وأترك مشـدودًا علي وثاقيـــــا

إذا قمت عنَّاني الحديدُ وأغلقت = مصاريع دوني قد تصم المناديا

وقد كنت ذا مالٍ كثيرٍ وإخـوةٍ = فقد تركوني واحدًا لا أخــا ليا

ولله عهد لا أخيس [3] بعهده = لئن فـُرِجَتْ ألا أزور الحوانيــا


فرقت له سلمى وأطلقته، فأخذ البلقاء فرس سعد وركبها حتى إذا كان بحيال الميمنة كبر ثم حمل على ميسرة الفرس ثم رجع خلف المسلمين وحمل على ميمنتهم وكان يقصف الفرس قصفًا منكراً ، وتعجب الناس منه وهم لا يعرفونه فقال بعضهم‏:‏ هو من أصحاب هاشم [4] أو هاشم نفسه ، وكان سعد يقول‏:‏ لولا محبس أبي محجن لقلت هذا أبو محجن وهذه البلقاء‏.‏
وقال بعض الناس‏:‏ هذا الخضر‏ ، وقال بعضهم‏:‏ لولا أن الملائكة لا تباشر الحرب لقلنا إنه ملك‏،‏ فلما انتصف الليل وتراجع المسلمون والفرس عن القتال أقبل أبو محجن فدخل القصر وأعاد رجليه في القيد وقال‏:‏


لقد علمت ثقيفٌ غير فخرٍ = بأنا نحن أكرمهم سيوفا

وأكثرهم دروعًا سابغاتٍ = وأصبرهم إذا كرهوا الوقوفا

فإن أحبس فذلكم بلائي = وإن أترك أذيقهم الحتوفا



فقالت له سلمى‏:‏ يا أبا محجن ، في أي شيء حبسك هذا الرجل؟ فقال‏:‏ والله ما حبسني بحرام أكلته ولا شربته ولكنني كنت صاحب شرابٍ في الجاهلية ، وأنا امرؤ شاعر يدب الشعر على لساني ، حبسني حين قلت :


إذا مت فادفني الى أصل كرمةٍ = تروي عظامي بعد موتي عروقها

ولا تدفنني بالفلاة فإنني = أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها




وكانت سلمى مغاضبة لسعدٍ عشية أرماث ، فصالحته وأخبرته بخبر أبي محجن فأطلقه فقال‏:‏ اذهب فما أنا مؤاخذك بشيء تقوله حتى تفعله‏.‏ فقال : لا جرم والله لا أجيب لساني إلى صفة قبيح أبدًا‏!‏


قصة الخنساء واستشهاد أولادها الأربعة

وكان هذا اليوم أيضاً هو يوم البطولات النادرة ففيه قتل أبناء الخنساء الأربعة ، فلما بلغها الخبر قالت : الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ، وأرجو من الله أن يجمعني بهم في مستقر رحمته .

وفي رواية متواترة عن عبد الرحمن بن مغراء عن رجل من خزاعة قال : لما اجتمع الناس بالقادسية دعت خنساء بنت عمرو النخعية بنيها الأربعة فقالت‏:‏ يا بنيّ إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم واللّه ما نبت بكم الدار ولا أقحمتكم السنة ولا أرداكم الطمع، واللّه الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ... فإذا كان غدًا إن شاء اللّه فاغدوا لقتال عدوكم مستنصرين اللّه مستبصرين، فإذا رأيتم الحرب قد أبدت ساقها وقد ضربتَ رواقها فتيمموا وطيسها وجالدوا خميسها تظفروا بالمغنم والسلامة والفوز والكرامة في دار الخلد والمقامة‏.‏
فانصرف الفتية من عندها وهم لأمرها طائعون وبنصحها عارفون، فلما لقوا العدو شد أولهم وهو يرتجز يقول‏:

يا إخوتا إن العجوز الناصحه
قد أشربتنا إذ دعتنا البارحه
نصيحة ذات بيان واضحه
فباكروا الحرب الضروس الكالحه
فإنما تلقون عند الصائحه
من آل شاسان كلابًا نابحه
قد أيقنوا منكم بوقع الجائحه
فأنتم بين حياة صالحه
أو ميتةٍ تورث غنماً رابحه

ثم شد الذي يليه وهو يقول‏:‏

والله لا نعصي العجوز حرفا = قد أمرتنا حدبًا وعطفا
منها وبرًا صادقًا ولطفا = فباكروا الحرب الضروس زحفا
حتى تكفوا آل كسرى كفا = وتكشفوهم عن حماكم كشفا
إنا نرى التقصير عنهم ضعفا = والقتل فيهم نجدة وعرفا

ثم شد الذي يليه وهو يقول‏:

لست للخنسا ولا للأخرم = ولا لعمرو ذي السناء الأقدم
إن لم نذر في آل جمع الأعجم = جمع أبي شاسان جمع رستم
بكل محمود لقاءٍ ضيغم = ماض على الهول خضم خضرم
إما لقهر عاجل أو مغنم = أو لحياة في السبيل الأكرم


ثم شد الذي يليه وهو يقول‏:

إن العجوز ذات حزم وجلد = والنظر الأوفق والرأي السدد
قد أمرتنا بالصواب والرشَد= نصيحة منها وبرًا بالولد
فباكروا الحرب نماء في العدد = أما لقهر واختيار للبلد
أو منية تورث خلدًا للأبد = في جنة الفردوس في عيش رغد

فقاتلوا جميعًا حتى فتح الله للمسلمين، وكانوا يأخذون أعطيتهم ألفين ألفين، فيجيئون بها فيصبون في حجرها فتقسم ذلك بينهم حفنة بحفنة، فما يغادر واحد عن عطائه درهمأ‏.‏.. رحمهم الله أجمعين .


أكثر المسلمون القتل في الجيش الفارسي الذي دب فيه الوهن خاصة بعد مقتل ذا الحاجب والبيرزان، وهما من قواد جيش الفرس ... ويفسر الطبري هذا الضعف الذي أصاب الفرس بأنهم لم يستخدموا الأفيال اليوم ... ، وفي هذا اليوم استخدم العرب حيلة جديدة حينما قاموا بإلباس الأبل براقع ثم جعلوها تحمل على خيل الفرس مما أثار الرعب فيها ...
قاتلت الفرس حتى انتصف النهار ، فلما اعتدل النهار تزاحفوا من جديد واستمر القتال حتى انتصف الليل ، فكانت ليلة أرماث تدعى الهدأة ، وليلة أغواث تدعى السواد ...

وهكذا انتهى اليوم الثاني دون ان يحرز الفريقان نتجة حاسمة ...



يتبع .... / (8)

يوم عماس


__________________________________________________

1- قال ياقوت : كان يقال لليوم الأول من ايام القادسية يوم ارماث واليوم الثاني اغواث والثالث عماس ...ولا أدري هذه الاسماء مواضع أم هي من الرمث والغوث والعمس .
2- العذيب : ماء يبعد عن القادسية أربعة أميال
3- لا أخيس : لا أغدر
4- هو هاشم بن عنبة بن أبي وقاس ابن أخي سعد وهو قائد جند الشام

________________________________________________

المراجع :

معركة القادسية للشيخ هيثم جواد الحداد
أيام العرب في الإسلام
تاريخ الأمم والملوك للطبري

نزار نمر نزال
30/04/2008, 12:03 AM
معركة القادسية


( 8 )



يوم عماس



أصبح الناس لليوم الثالث وهم على مواقفهم ، وقد استشهد من العرب ألفان وقتل من الفرس عشرة آلاف ...

وقال سعدٌ ،رضي الله عنه من شاء غسل الشهداء ومن شاء فليدفنهم بدمائهم


" وكان من عادة المجوس ترك جثث قتلاهم من دون دفن لتحريم الديانة المجوسية ذلك ، بينما كانت أرض المعركة خالية من جثث المسلمين .. مما كان له أبلغ الأثر على الفريقين معنويا .... "


" وبات القعقاع ليلته كلها يسرب أصحابه الى المكان الذي فارقهم فيه من الامس ، ثم قال : إذا طلعت عليكم الشمس فأقبلوا مائة مائة كلما توارى عنكم مائة فلتتبعها مائة وقال : إن أدرككم هاشم بن عتبة وجاء بمن معه يشارك في المعركة فذاك ، والا فجددوا للناس رجاءًَ في المدد فإن الرجاء يزيدهم اقداما في الحرب .. ففعلوا ولم يشعر بذلك أحد "


ولما ذر 1 قرن الشمس ، طلعت نواصي الخيل فكبر وكبر الناس

وقالوا : جاء المدد ...

وأدرك هاشم بن عتبة ،رضي الله عنه وجنوده رجال القعقاع وعرف ما فعل فجعل رجاله فرقا وأمرهم ان يتلاحقوا وسار على رأس الفرقة الأولى فبلغ القادسية حين أخذ المسلمون مصافهم للقتال ، فلما رآه الناس كبر وكبروا معه وتقدم الفرسان وتكتبت الكتائب ...

فاختلفوا الضرب والطعن ومددهم متتابع ...


وأصبح الفرس على مواقفهم وقد اصلحوا توابيت فيلهم حتى أعادوها ، وأقبلت الفيلة معها الرّجّالة يحمونها أن تقطع وُضُنها ومع الرّجّالة فرسان يحمونهم ...

فعادت الفيلة إلى مثل فتكها يوم أرماث ورآها سعد تفرق بين الكتائب ، فأرسل الى القعقاع و عاصم بن عمرو : اكفياني الفيل الأبيض -وكان بإزائهما- وأرسل الى حمّال و الربيل الأسديين : اكفياني الفيل الأجرب ، ... وكانت الفيلة كلها تتبع هذين الفيلين ...

فأخذ القعقاع وعاصم رمحين ووضعاهما في عيني الفيل الأبيض فقبع ونقص راسه وطرح سائسة فضربه القعقاع بسيفه فرمى به ووقع لجنبه وحمل حمال على الفيل الأجرب وطعنه في عينه فأقعى ثم استوى وضربه الربيل فأبان مشفره ففر حتى وثب في نهر العتيق وتبعته الفيلة وخرقت صفوف فارس ، وألقت من عليها ، وعبرت العتيق في أثر الأجرب حتى أتت المدائن بتوابيتها ....

ولما ذهبت الفيلة تزاحف المسلمون الى أهل فارس وحماهم فرسانهم الذين قاتلوا أول النهار وظل الفريقان يقتتلان حتى أقبل الليل والغبار مخيم فلا يعلم سعد ولا رستم لمن الدائرة وعلى من تدور ..


وهدأ القتال أول الليل ...

وقدر سعد ،رضي الله عنه أن الجيشين سيقضيان الليل يستعدان ليوم رابع ولكنه خشي أن يأتيه العدو من مخاضة بأسفل العسكر فأرسل طلحة و عمرا في جماعة من الجند وقال لهما : إن وجدتما العدو سبقكم إليها فانزلوا بحيالهم وإن لم تجداهم علموا بها فأقيما حتى يأتيكما أمري ،

ولم يجدا على المخاضة احد فسولت لهما نفساهما أن يخوضاها وأن يأتيا الأعاجم من خلفهم ففعلا ،

واخذ طلحة مكانه وراء العسكر وكبر ثلاث تكبيرات ارتاعت لها أهل فارس ..وتعجب المسلمون لسماعها وظنوا أن الأعاجم فتكوا برجالهم فهم يكبرون مستغيثين وأغار عمرو على جماعة من الفرس أسفل المخاضة فلما رأى الفرس ذلك قدّموا صفوفهم زاحفين ...

ورأى القعقاع صنيعهم فزاحفهم من غير أن يستأذن سعداً ...

وأطلّ سعد فرأى القعقاع يزاحفهم فقال : اللهم اغفرها له ، وانصره ، فقد أذنت له وإن لم يستأذني ...

واستقبل الناس الفرس بالسيوف وخالطوهم فكان للسيوف قعقعة كأنها صوت مطارق الحداد وبات سعد بليلة لم يبت بمثلها ورأى العرب والعجم أمرا لم يروا مثله ...


قال الطبري :

" لما أمسى الناس من يومهم هذا وطعنوا في الليل اشتد القتال ، وصبر الفريقان ، وقامت الحرب في هذه الليلة إلى الصباح لا ينطقون كلامهم الهرير فسميت ليلة الهرير‏.‏ "


وانقطعت الأخبار عن رستم و سعد .. وأقبل سعد على الدعاء حتى إذا كان وجه الصبح علم أن المسلمين هم الأعلون وأن الغلبة لهم ...

وكان الناس لم يغمضوا تلك الليلة واشتد بهم التعب ...


يوم القادسية


" وأصبحوا صبيحة ليلة الهرير وهي تسمى ليلة القادسية والناس حَسْرَى لم يغمضوا ليلتهم كلها ...

فسار القعقاع ،رضي الله عنه فيهم وقال : إن الدائرة بعد ساعة لمن بدأ القوم فاصبروا ساعة واحملوا فإن النصر مع الصبر ....


فاجتمع اليه جماعةمن الرؤساء وتحاضّوا على الموت ...


ثم اقتتلوا أشد قتال إلى أن قام قائم الظهيرة ...


" فلما جاءت الظهيرة بدأ الخلل في صفوف الفرس وكان أول من فـرّ وزال عن مكانه قائدا الفرس الفيرزان والهرمزان فانفرج القلب ،

وهبت ريح عاصف فقلعت طيارة رستم عن سريره وهوت بها إلى العتيق ، وزحف القعقاع ومن معه الى سرير رستم فعثروا به وقد قام رستم عنه الى بغال قد قدمت عليه بمال فوقف بجوار أحدها يستظل بحمله ، فضرب هلال بن عُلَّفة ،رضي الله عنه الحِمْل الذي رستم تحته فقطع حباله ، ومضى رستم نحو نهر العتيق فرمى نفسه فيه واقتحمه هلال فأخذ برجله ثم خرج به فقتله ثم جاء به حتى رمى به بين أرجل البغال ، وصعد السرير ثم نادى ‏:‏ قتلت رستم ورب الكعبة ، إليّ إليّ ... فأطاف به الناس وكبروا

فانهار المجوس وانهزموا وتتابعت هزيمتهم ......

" وكانت الريح نشطة في اتجاه يحمل غبار المعركة ويلقي به فوق المجوس ثم اشتدت وهي دبور ، وقام عندئذ الجالينوس قائد مقدمة الفرس ونادى أهل فارس وطلب منهم الانسحاب من المعركة وعبور نهرالعتيق على الردم ، فتهافتوا في النهر ... وتبعهم السسلمون يخزونهم برماحهم ، ثم انهار بهم الردم فغرق بانهياره ثلاثون ألف فارس لم يفلت منهم احد .... "


واستشهد من المسلمين ليلة الهرير ويوم القادسية ألفان وخمسمائة ، وقتل من الفرس في الليلة نفسها عشرة آلآف ....


" وبذلك انكسرت شوكة الفرس بعد هذه المعركة الحاسمة والتي نصر الله فيها المسلمين على الفرس المجوس نصرا مؤزرا .... "




يتبع .... / (9)

انتصار القادسية __________________________________________________

1- ذر: طلع

________________________________________________

المراجع :

معركة القادسية للشيخ هيثم جواد الحداد
أيام العرب في الإسلام
تاريخ الأمم والملوك للطبري

نزار نمر نزال
30/04/2008, 11:16 PM
معركة القادسية


( 9 )

أنتصار القادسية

يوم القادسية


في هذا اليوم العظيم وهو اليوم الرابع للحرب ويسمى يوم القادسية ، سطر العرب أعظم نصرٍ عرفه التاريخ ، فبعد مقتل رستم ، انسحب الجالينوس - منهزماً - مع مقدمة جيشه فاراً من أرض المعركة ، وانهار ردم نهر العتيق أثناء انسحابهم فغرق بانهياره ثلاثون ألفا ... ، ثم تتابعت هزيمتهم .....


وخرج زهرة بن الحوية ،رضي الله عنه في آثار المنهزمين فتمكن من الجالينوس فقتله ...

ولم يبلغ العصر حتى أمر سعد ، رضي الله عنه ، القعقاع وأخاه عاصم بمطاردة من سفل في هربه نحو الشرق ، وأمر شرحبيل بن السمط بقوة من ميسرته بمطاردة من علا في هروبه نحوالشمال والشمال الغربي وذلك في مطاردة سريعه غير عميقة فالفلول ما زالت قريبة ...

" وجمع في ذلك اليوم من الأسلاب والأموال ما لم يجمع مثلة ، وأرسل سعد ، رضي الله عنه ، الرفيل لينظر في قتلى الفرس ويسمى رؤوسهم ، وتفقد الرفيل رستم فلم يجده بين القتلى، فأعلم سعدا فأرسل سعد ، رضي الله عنه ، إلى هلال التميمي ، وقال له : ألم تبلغني أنك قتلت رستم؟ قال : بلى ، قال : فما صنعت به؟ قال : القيته تحت قوائم البغال ، قال : فكيف قتلته؟ ، فأخبره حتى قال : ضربت جبينه وأنفه ، قال فجئنا به على ذلك ، فأعطاه سلبه الذي عليه فبلغ سبعين ألفا "

" أخذ سعد بتقسيم الغنائم على المجاهدين، فكان نصيب الراجل ألفين، ونصيب الفارس ستة آلاف ، وقد أمر عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، سعدا أن يفضل أهل البلاء عند العطاء، فزادهم سعد خمسمائة لكل منهم، وكانوا خمسة وعشرين رجلا منهم زهرة وعصمة الضبي، كذلك أمره أن يعطي من لحق بهم من جيش الشام ممن لم يدرك القتال ... ووزع سعد وأعطى ثم بقي عنده شيء كثير فكتب إلى عمر يسأله فأمره أن يعطي حملة القرآن، فجاءه عمر بن معد يكرب و بسر بن أبي رهم فأعطاهما على بلائهما "

وجمعت الأسلاب والأموال فجمع منها شيء لم يجمع قبله ولا بعده مثله وبعد أن انتهت الموقعة كتب سعد إلى عمربن الخطاب رضي الله عنه بالفتح وبعدّةِ من قتلوا ومن أصيب من المسلمين فقال :

أما بعد فإن الله نصرنا على أهل فارس ومنحهم سنن من كان قبلهم من أهل دينهم بعد قتال طويل وزلزال شديد ، وقد لقوا المسلمين بعدة لم ير الرّاءون مثل زهائها فلم ينفعهم الله بذلك ، واتبعهم المسلمون على الأنهار وفي الفجاج وأصيب من المسلمين سعد بن عبيد القارئ ، وفلان وفلان ، ورجال من المسلمين لا نعلمهم ، الله بهم عالم وكانوا يدوون بالقرآن إذا جن عليهم الليل دوي النحل ، وهم آساد الناس لا يشبههم الا الأسود ولم يفضل من مضى منهم من بقي إلا بفضل الشهادة إذ لم تكتب لهم ...

" وكان عمر رضي الله عنه مشغول القلب بأمر القادسية، فكان في كل يوم يخرج يستخبر كل من لقيه من الركبان، ويخرج من المدينة إلى ناحية العراق يستنشق الخبر، فلما لقي البشير ، فسأله : من أين ؟ قال : من القادسية ، فقال له : يا عبد الله حدثني ، فقال : هزم الله العدو ، وعمر يجري وراءه ويستخبره والرجل يسير على ناقته ولا يعرفه ، حتى دخل المدينة وعمر ماش ٍِ تحت راحلته ، فجعل الناس يحيون عمر بإمرة المؤمنين ، فعرف الرجل عمر، فقال‏:‏ يرحمك الله يا أمير المؤمنين هلا أعلمتني أنك الخليفة‏؟‏ فقال‏:‏ لا حرج عليك يا أخي‏ !. "

فقام عمر في الناس فقرأ عليهم الفتح وقال : إني حريص على أن لا أدع حاجة إلا سددتها ما اتسع بعضنا لبعض ... ، ولوددت أنكم علمتم من نفسي مثل الذي وقع فيها ولست معلمكم إلا بالعمل ، إني والله ما أنا بملك فأستعبدكم وإنما أنا عبد الله عرض علي الأمانه ..... "


هذه هي القادسية التي فتحت الطريق الى إيوان كسرى في عاصمة ملكه ، ومهدت للقضاء على دولته ، وكان لها في توجيه الحضارة أبلغ الأثر ....


يقول د. يوسف مكي :
" وهكذا انتهت المعركة بانتصار ساحق للجيش العربي ، ومرة أخرى كان للموقع أهميته في المشاركة بصياغة نتائج الحرب… وكان له أكثر من مساهمة في توجيه نتائج هذه الملحمة، مرة حين تبنى الفرس استراتيجية متغطرسة اعتمدت على استعراض القوة، بعد ظنهم بأنهم وفروا مستلزماتها، فتقوقعوا في مساحة محدودة وضيقة، أفقدتهم القدرة على المناورة والتراجع. ومرة أخرى تجلت في القدرة العربية على اختيار المكان، وتبني استراتيجيات وتكتيكات صائبة في القتال، مع إيمان عميق بعدالة القضية التي كانوا يقاتلون من أجلها..
وكان العرب، بالمقارنة مع تجهيزات أعدائهم، قليلي العدة ولم يكونوا يمتلكون ما يكفيهم من تروس وخوذات، فاضطروا لاستخدام سروج مطاياهم وأحزمتها بديلا عنها، مما أوحي للفرس بالشعور بأن الجيش العربي كان هشا، لكن الرجال كانوا مسلحين باستراتيجيات وتكتيكات وأسلحة أمنت لهم نصرا مؤزرا على خصمهم... " د. يوسف مكي


يقول المؤرخ احمد عادل كمال
في كتابه الطريق الى المدائن

" في القادسية كسر المسلمون شوكة المجوس كسرا لم ينجبر بعدها أبدا ، فيها ألقى الفرس بكل طاقاتهم من سلاح وعتاد وأفيال كثيرة وأعداد ضخمة من الجند وبقيادة تمثلت في أحكم رجالهم وأشهرهم في الحرب والسياسة وألقى المسلمون ايضا بكل امكاناتهم من وجوه العرب وغررهم وبقيادة تمثلت في صحابي رسول الله ، وواحد من السابقين الأوائل إلى الإسلام وأحد الستة المرشحين للخلافة بعد عمر ، سعد بن أبي وقاص ،
وقد برز في جيش سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كتيبتان مشهورتان بشدة البأس والقوة ، كتيبة اسمها (الخرساء) يقودها القعقاع بن عمر لأن ميزة فرسانها الصمت المطبق والقتال الأسطوري وأما الكتيبة الثانية فاسمها كتيبة (الأهوال) بقيادة عاصم بن عمرو .. وأي هول أكبر من أن يقتحم دجلة في فيضانه بستمائة فارس على ظهور الخيل لينتزعوا مدائن بني ساسان من أنياب الأسد ...
لقد نزل هؤلاء الأبطال إلى مواجهة أعداد الفرس وأفيالهم ،
وسلاحهم الذي اختصوا به على عدوهم هو الايمان بكل ما يفرغه على أصحابه من صلابة وصبر وكفاءة ... وبهذا استحقت القادسية مكانتها على قمة المعارك الحاسمة في تاريخ البشر ... "


ومن خطبة للشيخ هيثم جواد الحداد

" ... ها هي القادسية ، إحدى المعارك الكبرى في تاريخ الحروب العالمية ، حلقة ذهبية في سلسلة الوقائع التي فتحت أبواب العالم لنور الإسلام : بدر، واليرموك، وجبل طارق، وعين جالوت، وحطين ....

ومعركة أخرى لا بد لنا ان نسطرها بإذن الله تعالى ، ليذكرها التاريخ وليقرأ أولادنا في المدارس ، قصة طرد يهود من فلسطين الحبيبة ، وتحرير الوطن العربي من الاجرام الصهيو أمريكي الفارسي - أعداء الله والانسانية

نعم، وإنا لها، ما فقدنا سلائفنا، ولا أضعنا إرثنا من أولئك الأبطال، نعم وإنا في قلوبنا لذلك الإيمان، وعلى ألسنتا لذلك الهتاف، وفي سواعدنا لهاتيك العزائم، وإن الشعب الذي أطاح تيجان كسرى وقيصر، وخاقان، قادر على أن يطيح رأس صهيون .


أرى للفجر إرهاصــا قريباً = بــرغم الليل أوشك بالــزهاء

سنأخـذ ثأرنا من كــل باغ= ونـطعــمه مرارات البـلاء

فيا صهيون ويلك من جموع= تحب الموت حـــبك للبقاء

سيرفع صوتها: الله أكــبر = مد وية بأكناف الفــضـــاء

ويرجـع قدسنا المنهوب منا = ولو سالت سيول من د مـــاء


أختم بتنبيه هام جداً، وهو أننا نوقن بأن معالجة مصيبة اهتزاز الثقة بالنفس يكون بعدة وسائل منها استرجاع أمجاد الماضي، لكن الحذر ثم الحذر، أن نعيش مخدرين بأمجاد الماضي دون أن نصنع حاضراً بدمائنا، إن هذا من أسوء ما يمكن أن تقع فيه أمة من الأمم، ما صنع الماضون مجدهم إلا بأنفسهم، لم يخلدوا إلى الراحة، ولم يركنوا إلى التاريخ، فحذار ثم حذار من هذا المنزلق ....

إن الجهاد والعمل لنصرة هذا الدين، واجب على الجميع وجوباً لا ينقطع، ما تعاقب الليل والنهار، فإن تخلينا عن حمل هذه الرسالة فليس لنا إلا ذل, وقهر أسوء مما نعيش فيه، فلنختر لأنفسنا .، قال الله تعالى :

(( هَاأَنتُمْ هَـؤُلاَء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِىُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُم ))

محمد كمال عطية
11/05/2008, 12:21 PM
معركة القادسية


( 9 )

أنتصار القادسية

يوم القادسية


في هذا اليوم العظيم وهو اليوم الرابع للحرب ويسمى يوم القادسية ، سطر العرب أعظم نصرٍ عرفه التاريخ ، فبعد مقتل رستم ، انسحب الجالينوس - منهزماً - مع مقدمة جيشه فاراً من أرض المعركة ، وانهار ردم نهر العتيق أثناء انسحابهم فغرق بانهياره ثلاثون ألفا ... ، ثم تتابعت هزيمتهم .....


وخرج زهرة بن الحوية ،رضي الله عنه في آثار المنهزمين فتمكن من الجالينوس فقتله ...

ولم يبلغ العصر حتى أمر سعد ، رضي الله عنه ، القعقاع وأخاه عاصم بمطاردة من سفل في هربه نحو الشرق ، وأمر شرحبيل بن السمط بقوة من ميسرته بمطاردة من علا في هروبه نحوالشمال والشمال الغربي وذلك في مطاردة سريعه غير عميقة فالفلول ما زالت قريبة ...

" وجمع في ذلك اليوم من الأسلاب والأموال ما لم يجمع مثلة ، وأرسل سعد ، رضي الله عنه ، الرفيل لينظر في قتلى الفرس ويسمى رؤوسهم ، وتفقد الرفيل رستم فلم يجده بين القتلى، فأعلم سعدا فأرسل سعد ، رضي الله عنه ، إلى هلال التميمي ، وقال له : ألم تبلغني أنك قتلت رستم؟ قال : بلى ، قال : فما صنعت به؟ قال : القيته تحت قوائم البغال ، قال : فكيف قتلته؟ ، فأخبره حتى قال : ضربت جبينه وأنفه ، قال فجئنا به على ذلك ، فأعطاه سلبه الذي عليه فبلغ سبعين ألفا "

" أخذ سعد بتقسيم الغنائم على المجاهدين، فكان نصيب الراجل ألفين، ونصيب الفارس ستة آلاف ، وقد أمر عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، سعدا أن يفضل أهل البلاء عند العطاء، فزادهم سعد خمسمائة لكل منهم، وكانوا خمسة وعشرين رجلا منهم زهرة وعصمة الضبي، كذلك أمره أن يعطي من لحق بهم من جيش الشام ممن لم يدرك القتال ... ووزع سعد وأعطى ثم بقي عنده شيء كثير فكتب إلى عمر يسأله فأمره أن يعطي حملة القرآن، فجاءه عمر بن معد يكرب و بسر بن أبي رهم فأعطاهما على بلائهما "

وجمعت الأسلاب والأموال فجمع منها شيء لم يجمع قبله ولا بعده مثله وبعد أن انتهت الموقعة كتب سعد إلى عمربن الخطاب رضي الله عنه بالفتح وبعدّةِ من قتلوا ومن أصيب من المسلمين فقال :

أما بعد فإن الله نصرنا على أهل فارس ومنحهم سنن من كان قبلهم من أهل دينهم بعد قتال طويل وزلزال شديد ، وقد لقوا المسلمين بعدة لم ير الرّاءون مثل زهائها فلم ينفعهم الله بذلك ، واتبعهم المسلمون على الأنهار وفي الفجاج وأصيب من المسلمين سعد بن عبيد القارئ ، وفلان وفلان ، ورجال من المسلمين لا نعلمهم ، الله بهم عالم وكانوا يدوون بالقرآن إذا جن عليهم الليل دوي النحل ، وهم آساد الناس لا يشبههم الا الأسود ولم يفضل من مضى منهم من بقي إلا بفضل الشهادة إذ لم تكتب لهم ...

" وكان عمر رضي الله عنه مشغول القلب بأمر القادسية، فكان في كل يوم يخرج يستخبر كل من لقيه من الركبان، ويخرج من المدينة إلى ناحية العراق يستنشق الخبر، فلما لقي البشير ، فسأله : من أين ؟ قال : من القادسية ، فقال له : يا عبد الله حدثني ، فقال : هزم الله العدو ، وعمر يجري وراءه ويستخبره والرجل يسير على ناقته ولا يعرفه ، حتى دخل المدينة وعمر ماش ٍِ تحت راحلته ، فجعل الناس يحيون عمر بإمرة المؤمنين ، فعرف الرجل عمر، فقال‏:‏ يرحمك الله يا أمير المؤمنين هلا أعلمتني أنك الخليفة‏؟‏ فقال‏:‏ لا حرج عليك يا أخي‏ !. "

فقام عمر في الناس فقرأ عليهم الفتح وقال : إني حريص على أن لا أدع حاجة إلا سددتها ما اتسع بعضنا لبعض ... ، ولوددت أنكم علمتم من نفسي مثل الذي وقع فيها ولست معلمكم إلا بالعمل ، إني والله ما أنا بملك فأستعبدكم وإنما أنا عبد الله عرض علي الأمانه ..... "


هذه هي القادسية التي فتحت الطريق الى إيوان كسرى في عاصمة ملكه ، ومهدت للقضاء على دولته ، وكان لها في توجيه الحضارة أبلغ الأثر ....


يقول د. يوسف مكي :
" وهكذا انتهت المعركة بانتصار ساحق للجيش العربي ، ومرة أخرى كان للموقع أهميته في المشاركة بصياغة نتائج الحرب… وكان له أكثر من مساهمة في توجيه نتائج هذه الملحمة، مرة حين تبنى الفرس استراتيجية متغطرسة اعتمدت على استعراض القوة، بعد ظنهم بأنهم وفروا مستلزماتها، فتقوقعوا في مساحة محدودة وضيقة، أفقدتهم القدرة على المناورة والتراجع. ومرة أخرى تجلت في القدرة العربية على اختيار المكان، وتبني استراتيجيات وتكتيكات صائبة في القتال، مع إيمان عميق بعدالة القضية التي كانوا يقاتلون من أجلها..
وكان العرب، بالمقارنة مع تجهيزات أعدائهم، قليلي العدة ولم يكونوا يمتلكون ما يكفيهم من تروس وخوذات، فاضطروا لاستخدام سروج مطاياهم وأحزمتها بديلا عنها، مما أوحي للفرس بالشعور بأن الجيش العربي كان هشا، لكن الرجال كانوا مسلحين باستراتيجيات وتكتيكات وأسلحة أمنت لهم نصرا مؤزرا على خصمهم... " د. يوسف مكي


يقول المؤرخ احمد عادل كمال
في كتابه الطريق الى المدائن

" في القادسية كسر المسلمون شوكة المجوس كسرا لم ينجبر بعدها أبدا ، فيها ألقى الفرس بكل طاقاتهم من سلاح وعتاد وأفيال كثيرة وأعداد ضخمة من الجند وبقيادة تمثلت في أحكم رجالهم وأشهرهم في الحرب والسياسة وألقى المسلمون ايضا بكل امكاناتهم من وجوه العرب وغررهم وبقيادة تمثلت في صحابي رسول الله ، وواحد من السابقين الأوائل إلى الإسلام وأحد الستة المرشحين للخلافة بعد عمر ، سعد بن أبي وقاص ،
وقد برز في جيش سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كتيبتان مشهورتان بشدة البأس والقوة ، كتيبة اسمها (الخرساء) يقودها القعقاع بن عمر لأن ميزة فرسانها الصمت المطبق والقتال الأسطوري وأما الكتيبة الثانية فاسمها كتيبة (الأهوال) بقيادة عاصم بن عمرو .. وأي هول أكبر من أن يقتحم دجلة في فيضانه بستمائة فارس على ظهور الخيل لينتزعوا مدائن بني ساسان من أنياب الأسد ...
لقد نزل هؤلاء الأبطال إلى مواجهة أعداد الفرس وأفيالهم ،
وسلاحهم الذي اختصوا به على عدوهم هو الايمان بكل ما يفرغه على أصحابه من صلابة وصبر وكفاءة ... وبهذا استحقت القادسية مكانتها على قمة المعارك الحاسمة في تاريخ البشر ... "


ومن خطبة للشيخ هيثم جواد الحداد

" ... ها هي القادسية ، إحدى المعارك الكبرى في تاريخ الحروب العالمية ، حلقة ذهبية في سلسلة الوقائع التي فتحت أبواب العالم لنور الإسلام : بدر، واليرموك، وجبل طارق، وعين جالوت، وحطين ....

ومعركة أخرى لا بد لنا ان نسطرها بإذن الله تعالى ، ليذكرها التاريخ وليقرأ أولادنا في المدارس ، قصة طرد يهود من فلسطين الحبيبة ، وتحرير الوطن العربي من الاجرام الصهيو أمريكي الفارسي - أعداء الله والانسانية

نعم، وإنا لها، ما فقدنا سلائفنا، ولا أضعنا إرثنا من أولئك الأبطال، نعم وإنا في قلوبنا لذلك الإيمان، وعلى ألسنتا لذلك الهتاف، وفي سواعدنا لهاتيك العزائم، وإن الشعب الذي أطاح تيجان كسرى وقيصر، وخاقان، قادر على أن يطيح رأس صهيون .


أرى للفجر إرهاصــا قريباً = بــرغم الليل أوشك بالــزهاء

سنأخـذ ثأرنا من كــل باغ= ونـطعــمه مرارات البـلاء

فيا صهيون ويلك من جموع= تحب الموت حـــبك للبقاء

سيرفع صوتها: الله أكــبر = مد وية بأكناف الفــضـــاء

ويرجـع قدسنا المنهوب منا = ولو سالت سيول من د مـــاء


أختم بتنبيه هام جداً، وهو أننا نوقن بأن معالجة مصيبة اهتزاز الثقة بالنفس يكون بعدة وسائل منها استرجاع أمجاد الماضي، لكن الحذر ثم الحذر، أن نعيش مخدرين بأمجاد الماضي دون أن نصنع حاضراً بدمائنا، إن هذا من أسوء ما يمكن أن تقع فيه أمة من الأمم، ما صنع الماضون مجدهم إلا بأنفسهم، لم يخلدوا إلى الراحة، ولم يركنوا إلى التاريخ، فحذار ثم حذار من هذا المنزلق ....

إن الجهاد والعمل لنصرة هذا الدين، واجب على الجميع وجوباً لا ينقطع، ما تعاقب الليل والنهار، فإن تخلينا عن حمل هذه الرسالة فليس لنا إلا ذل, وقهر أسوء مما نعيش فيه، فلنختر لأنفسنا .، قال الله تعالى :

(( هَاأَنتُمْ هَـؤُلاَء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِىُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُم ))



ليتنا نتعظ ونعتبر من كل تلك الملاحم التي ساد فيها الحق ودُمغ الباطل
وإنا لله وإنا إليه راجعون
من قلب ينزف وعيون تذرف الدم على مصير الأمة وحالها :emo_m16:

اليزوري عبد السلام
11/05/2008, 12:32 PM
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
ايها العبقري تحية من المانيا وسلام ملؤه الحب والود ولا يسعني الا ان ادعو ربي عزوجل ان يحفظك
في دينك ودنياك واخراك
نحو مزيد من تصحيح تاريخنا العظيم ومزيد من زرع الثقة في نفوس المسلمين حتى ينهضوا بواجبهم
تجاه دينهم وامتهم دمت في رعاية الله وحفظه وبارك الله بك

حسان محمد السيد
11/05/2008, 04:52 PM
زادك الله من فضله علما,ونفع الله بك اجيالا تحتاج الى اعادة البناء,بعدما حطمتها الهزائم والخيانة والخمول.

ان سرد المعارك مرفقا بالحكمة من كل موقف,وتأويلها شرعا وسنة وقانونا,يجعلها دروسا كاملة الجوانب,ضرورية الحضور ومستحبة التطبيق,دينا ودنيا,لأن الايمان هو الدافع والمربي والمهذب وصاقل الغرائز.

منذ فترة قصيرة,قرأت للاستاذ الدكتور الريفي مقالا عن الاقصى وما يتعرض له,دون ان تحرك هذه الامة المسكينة ساكنا,لأن اجيالنا وللاسف الشديد , فقدت الامل والثقة بالنفس,وتربت على ما سمعته من الاباء والمعلمين والاعلام,وترسخت في اذهانها (ما في اليد حيلة),و (البيت له رب يحميه),فلو ان الذي قص على الاجيال قصة ابرهة الغازي مع جد رسول الله عليه افضل الصلاة والتسليم بحكمة وترقب وتفسير وعمق,واوضح لهم ان ايمان عبد المطلب وشجاعته وحكمته دفعوا به الى الدخول على عرين قائد عسكري جزار فاجر ظالم,ليطالبه بحق غير قابل للمساومات وانصاف الحلول,لما كانت هذه القناعات الخاطئة مستشرية في رؤوسنا.

نقول ان ليس لدينا اعلام,وهذا مفهوم خاطئ ايضا,نحن لا نملك الامكانيات الهائلة التي يمتلكها اعداؤنا,كما لم يكن يملك جيش القادسية ما تسنى للفرس,لكننا نستطيع بما وفرته ثورة المعلومات والشبكة العنكبوتية ان نوصل قضيتنا العادلة الى الناس مهما كان ذلك شاقا وصعبا,يكفي ان يكون الله من وراء القصد,وان يكون الايمان منظما,لأن الفوضى لا تنتصر مهما كان الايمان قويا,وهذه سنة الله في خلقه,فلنبدأ بقص تاريخنا منذ اول حرف من نور نزل على محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام في غار حراء,بطريقة عصرية,تجعل من التكنولوجيا الحديثة مطية وطائعة لمبتغاها,بحيث نكلم كل جيل على عقله,فللاطفال بطريقة رقيقة مبسطة ومشوقة,وللمراهقين بصورة تجذبهم اليها,وللبالغين بما يحاكي عقولهم,عسى الله عز وجل يعيننا على ان نغير ما بأنفسنا,لكن,دون ان نبدأ ونعمل ونثابر,فلا تغيير للأفضل والله اعلم,بل لما هو اسوأ وافظع.

قبل الختام,اود ان اذكر الاخوة في واتا,انه عندما طلبتم اقتراحات لنصرة الاقصى,ارسلت مشاركتي المتواضعة,وحتى الان لم نسمع بعد عن الموضوع,لا سلبا ولا ايجابا.

بارك الله بكم على هذا البناء القادسي العظيم,وجزاكم الله خيرا,والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نزار نمر نزال
15/05/2008, 01:08 AM
الأخوة الكرام : الأخ محمد عطية ، والأخ اليزوري عبدالسلام ، والأخ حسان السيد
أحييكم وأشكركم جزيل الشكر على ردودكم الرائعة وكلماتكم العذبة والهادفة التي تزيدنا تصميما على الاستمرار في هذا النهج
وعرض تاريخنا المشرق لينهل منه كل رواد هذه المنتديات العريقة ....
وكلنا ثقة وأمل في الله جل وعلا أن نعيد تسطير بطولات وملاحم جديدة ستغير وجه التاريخ من جديد بإذن الله تعالى ...

أحبائي ...
حتى تكتمل صورة أحداث القادسية لا بد من تعريف بالشخصيات والأبطال الذين خاضوا هذه المعركة الفاصلة من التاريخ ،

لذا فقد قمت بفتح صفحة جديدة بعنوان " مناقب أبطال القادسية "
تحت هذا الرابط :

http://www.arabswata.org/forums/showthread.php?t=29778

اعرض فيها سيرة هؤلاء الأبطال ملتزما بنشر ما صح من الأحاديث النبوية لكل شخصية باللفظ الحرفي لها وقد استبعدت الأحاديث التي لا ترقى الى درجة الصحيح حتى يكون هذا العمل مرجعا أنقله بكل أمانه لمن أراد ان يتعرف على سيرة خير الناس الا وهم صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان .....



وللجميع فائق تحياتي واحترامي

مناقب أبطال القادسية
http://www.arabswata.org/forums/showthread.php?t=29778 (http://www.arabswata.org/forums/showthread.php?t=29778)

Dr. Schaker S. Schubaer
20/11/2008, 11:14 AM
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الأمين

لوحة رقم (01): أخي نزار .. أحييك في واتا
أود أن أحيي في البداية أخي الكريم الأستاذ نزار نمر نزال على مداخلته، التي أدمعت عيوننا، فجلت قلوبنا، فبارك الله فيه. كما أحييه عضواً فاعلاً في واتا. كما أود أن اقول له كلمتين بمثابة تحصين Vaccination احترازي، وإن كنت أرى في وجهه الطيب الصحة والعافية التي تدل على مناعة تجعله يقاوم أي مرض قد يصيب الأمة:

1. أود أن أذكرك أخي الكريم الأستاذ نزار نمر نزال بعكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه. فقد كان عكرمة أول الأمر إذا مرّ بالمدينة قيل له هذا ابن عدو الله أبي جهل فشكا للنبي فخطب عليه الصلاة والسلام في الناس قائلاً: " إن الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا لا تؤذوا مسلماً بكافر"، فاطمأن قلب عكرمة.
حدث هذا بالرغم من أنه عندما اقترب عكرمة رضي الله عنه وزوجته أم حكيم بنت الحارث من مكة، قال النبي لأصحابه " يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمناً مهاجراً فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت "
يقول النبي رأيت لأبي جهل عذقاً في الجنة ... لقد كان العذق هو عكرمة ... فلما انتهى إلى رسول الله قام إليه فرحاً واعتنقه قائلاً مرحباً " بالراكب المهاجر".
قال عكرمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أسلم: أما والله يا رسول الله لا أدع نفقة كنت أنفقتها في الصد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله ولا قاتلت قتالاً في الصد عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه في سبيل الله.

2. مداخلتكم طيبة من رجل طيب إن شاء الله، الأشياء الطيبة يمكن أن تستغل لزرع أعمال سيئة، خذ على سبيل المثال ما ورد ذكره في القرآن، الكريم: "وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ* لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ". لذا وجب على المداخل بمداخلة أن يحرص أن لا يترك ثغرات لمدخل كهذا.

3. إن الشيطان قد أيِس أن يعبد في بلدكم هذا آخر الزمان، وقد رضي منكم بمحقرات الأعمال، فاحذروه. (سطر العرب أعظم نصرٍ عرفه التاريخ)، والحقيقة ليست الهوية العربية هي التي انتصرت، بل هوية الإسلام، فمترجم رستم نفسه كان عربياً! فارق بسيط بل من "محقرات الفروقات" في الصياغة، لكن تقفل بوابة استنتاجات خاطئة محتملة.

وبالله التوفيق،،،