المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإمبراطورية الوهم !!! الولايات المتحدة ليست السلطة العظمى!!!! (3-3)



ناصر عبد المجيد الحريري
28/04/2008, 03:56 PM
أمريكا أمبراطورية خائفة :
"إمبراطورية الخوف" لبنيامين باربر تقدم قضية ضد الاندفاع أحادي الجانب في السياسة الخارجية الأمريكية الحديثة. يقول "باربر" أن الإمبراطورية ليست أمراً متأصلاً في السيادة الأمريكية وإنما هي تحريض استسلمت له إدارة بوش بشكل متزايد.

وفي مواجهة الإرهاب التي تأرجحت أمامه واشنطن ما بين الاحتكام إلى القانون وتقويضه. إن فرضية باربر تقول أن إحداث حق بفعل أحادي الجانب، الحرب الوقائية وتغيير النظام فإن الولايات المتحدة تقوض هيكل التعاون والقانون اللازمان لمحاربة فوضى الإرهاب. إن السياسة الخارجية المواجهة نحو استخدام القوة العسكرية ضد الدول المتمردة تعكس سوء فهم لنتائج الاتكال المتبادل للدول وصورة الديمقراطية. ليس بإمكان واشنطن أن تدير نظاماً عالمياً من خلال الفعل العسكري والخوف من الإرهاب. ببساطة لن تكون الإمبراطورية الأمريكية طويلة البقاء.
بالنسبة لباربر يتفوق منطق العالمية على منطق الإمبراطورية: إن انتشار "عالم ماكدونالد" يقوض الإستراتيجية الإمبراطورية العظيمة. إن أمريكا من عدة جوانب اقتصادية وسياسية تعتمد على الدول الأخرى إلى حد كبير.. فالعالم معقد جداً واعتماد الدول على بعضها كبير جداً بحيث لا يمكن حكم هذا العالم من مركز إمبراطوري واحد. في "إمبراطورية الخوف" تحاول الولايات المتحدة ترتيب العالم من خلال قوة السلاح ولكن هذه الإستراتيجية بحد ذاتها مدعاة للهزيمة فهي تخلق دولاً معادية تهدف إلى إسقاط النظام الإمبراطوري ولا تكون شركاء مطيعين وأقل شأناً.
ويقدم باربر نظاماً عالمياً متحرراً أساسه القانون الذي يقره المجتمع البشري "يسعى البشر جميعاً ليصبحوا جماعة عالمية ضمن إطار عالمي من الحقوق والقانون ويتمثل في التعاون الثقافي والاقتصادي والسياسي وتؤيده كل الأطراف ويكون الفعل العسكري بالقدر الذي تسمح به أية سلطة شرعية سواء كانت الكونغرس أو المعاهدات متعددة الأطراف أو من خلال الأمم المتحدة" "وأما التهديدات الإرهابية فمن الأفضل مجابهتها بالديمقراطية كإستراتيجية وقائية" إذ تعمل الدول الديمقراطية معاً لتقوية وتوسيع التحرر.
إن الرؤية المثالية المبالغ فيها لباربر للحكم العالمي المتحرر تبدو أقل إقناعاً من تحذيراته من الحكم العسكري أحادي الجانب.
في الواقع أنه يقدم ملاحظة تحذيرية مفيدة لأولئك المتحمسين للإمبراطورية التحررية من جانبين: الأول- أن هنالك صراعاً بين هدفي الإمبراطورية التحررية وهما رفع راية قواعد النظام الدولي وتوظيف قوة عسكرية أحادية الجانب ضد أعداء النظام الأمريكي. ويوضح باربر أن واضعي السياسة المتحمسين غالباً ما يوقظون حس الخوف من الإرهاب لتبرير ممارستهم أحادية الجانب للقوة والتي بدورها تقوض القوانين والمؤسسات التي يدعون حمايتها. الثاني- إن التهديدات التي يشكلها الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل ليست كافية لإضفاء صفة الشرعية على الإمبراطورية الأمريكية التحررية.. فأثناء الحرب الباردة عبرت الولايات المتحدة بصراحة ووضوح عن رؤيتها للمجتمع والتقدم في عالم حر تقوده الولايات المتحدة بسكب ممارسة أمريكا للقوة ضمن قالب الشرعية. ولكن من المشكوك فيه أن الحرب على الإرهاب- حيث أصبحت الدول في حالٍ ليست معنا وليست ضدنا- كان فيها من الإغراء الكثير لكسب دعم كافٍ يبرر النظام الذي تسيطر عليه أمريكا.
فصام سياسي ، سراب فكري:
يحذر "ميشيل مان" أيضاً من التحول الإمبريالي في السياسة الخارجية الأمريكية والذي لا يمكن البقاء عليه في النهاية ويقول أن هذه الإمبريالية الجديدة في إمبراطورية مفككة تدفعها رؤية متطرفة حيث القوة العسكرية أحادية الجانب تعزز الدور الأمريكي وتتغلب على الفوضى في العالم.
يعتقد مان أن مشروع الإمبراطورية يعتمد على قياس متضخم جداً للقوة الأمريكية، ربما تكون الولايات المتحدة موقع الرهبة في النفس من قدرتها العسكرية ولكن قدراتها السياسية والاقتصادية ليست بالقوة الساحقة وعدم وجود التوازن بين الجانبين دعا واشنطن إلى المبالغة في التأكيد على استخدام القوة. وبتحويل مطلب الإمبراطورية إلى فرط الثقة وفرط الفعالية العسكرية فإن النزعة العسكرية سوف تخلق ما يسميه مان "الإمبراطورية المفككة" التي تقوض دعائم القيادة الأمريكية وتزيد من عدد الإرهابيين والدول المشردة.
لقد قدم مان عملاً دراسياً مميزاً عن تاريخ السلطة الاجتماعية فهو كعالم اجتماع يقول بأن هنالك أربع أنواع من القوى التي تؤدي إلى نهوض أو سقوط الأمم والدول والإمبراطوريات والمناطق والحضارات وهي: عسكرية، سياسية، اقتصادية وفكرية.
ويختم "مان" قائلاً أنه بتطبيق هذه الفئات على الولايات المتحدة سنجد مجموعة مختلطة من الاستعارات المجازية: "العملاق العسكري، قائد اقتصادي ضئيل الشأن، الفصام السياسي، السراب الفكري".
ويعترف "مان" بأن الولايات المتحدة محور الاقتصاد العالمي وأن الدور الذي يلعبه الدولار كعملة الادخار الأولى يضفي مزايا هامة على المسائل الاقتصادية، ولكنه يعتقد أن القدرة الفعلية لواشنطن على استخدام التجارة والمعونات كوسائل ضغط سياسية يعتبر أمراً محدوداً جداً كما اتضح ذلك في فشلها لتأمين الدعم اللازم لبلدان مثل أنغولا، تشيلي، غينيا، المكسيك وباكستان في مجلس الأمن قبل الحرب على العراق.
والأكثر من ذلك أن الدول العميلة لواشنطن تفقد موثوقيتها بازدياد والذين كانوا سابقاً حلفاء لها تتقد لديهم نزعة العدائية للأمريكان. لم يعد في هذه الأثناء للثقافة وغايات المثل الأعلى الأمريكية البريق الذي كان لها في عهود سابقة. ورغم أن العالم مازال يرنو بإعجاب إلى الانفتاح في المجتمع الأمريكي واحترام الحريات الأساسية إلا أنه يتذمر من الإمبريالية الثقافية والتعدي الأمريكي على حقوق الآخرين. لقد شكلت مذاهب العصمة الدينية والقومية ثقافات تهدف إلى مقاومة مشروع الإمبراطورية الأمريكية.
يتفق كلاً من مان وباربر على نقطة هامة جداً وهي أن إقامة إمبراطورية على أساس الهيمنة العسكرية فقط أمر يكتنفه الفشل. وفي وصفهم لخصائص قيامها بذلك يصورون الولايات المتحدة على أنها تقدم الأمن مقابل إذعان هذه الدول لها- وهي تتصرف بذلك كدولة ذات نظام دكتاتوري لتحل مشاكل هذا العالم المقهور- إن واشنطن من خلال رؤيتها الإمبريالية تأبى القيام بدور الحكومات التي سبقتها وهي ترى بأن هذا هو الثمن الذي يجب على العالم أن يدفعه مقابل توفير الأمن له.
ولكن هذا النظام الذي تفرضه أمريكا قسراً لن يدوم إذ يرى باربر أن لدى الولايات المتحدة الكثير من التعاملات مع بقية دول العالم بحيث لا يمكنها ضبط هذا النظام دون ترتيبات معقدة للتعاون المشترك.
أما" مان" فيرى بأن من شأن الصدمة والرعب العسكري أن يضاعف من المقاومة وهو يستشهد بما قاله عالم الاجتماع "تالكوت بارسنز" الذي أشار قبل زمن بعيد إلى أن القوة الصرفة، على

خلاف السلطة المعتمدة على اتفاق الرأي، تؤول إلى الانكماش وكلما زاد استخدامها زادت سرعة تلاشيها.

- إمبراطورية الألغاز !!:
يعتقد كاتب المقالة الفرنسي إيمانويل تود أن الانحدار الذي تنبأ به مان وباربر منذ زمن طويل قد بدأ الآن. وبتفكير رغبي مليئ باللباقة الفرنسية يناقش تود أنه بعد الإمبراطورية سوف تتقلص الأهمية الجغرافية-السياسية للولايات المتحدة.. فالعالم ينسحب.. لا يدخل عهد الهيمنة الأمريكية. ربما كانت رغبة واشنطن أن تدير إمبراطورية تحررية ولكن العالم قادر ويزداد رغبة في أن يصد حتى الولايات المتحدة نفسها.
لقد استقى تود تنبؤاته من نظرة خلاقة إلى تحول العالم اقتصادياً واجتماعياً وإن كانت في النهاية ربما نظرة مشكوك بها. إنه يعترف بأن الولايات المتحدة قد لعبت دوراً هاماً جداً في إنشاء الاقتصاد العالمي في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية. ولكن تود في سياق حديثة يقول أن هنالك مراكز قوى جديدة ذات مصالح متباينة ومتباعدة قد نشأت في كل من آسيا وأوروبا في الوقت الذي كان الاقتصاد والمجتمع الأمريكي يصبح ضعيفاً وفاسداً. إن نقطة الضعف في القوة الأمريكية هو رفضها الآخذ بالأسباب لكي تتحمل نفقات إعادة بناء المجتمعات التي تجتاحها.. وفي غضون ذلك ومع ضعف الديمقراطية الأمريكية كان لانتشار الديمقراطية في العالم دعماً للمقاومة ضد واشنطن. ويعبر تود عن ذلك بقوله: "في الوقت الذي يمر فيه العالم بمرحلة من الاستقرار بفضل التحسنات في مجال التعليم والدراسات السكانية والديمقراطية يجد العالم نفسه على حافة اكتشاف أنه يمكن أن يتدبر أموره ويتقدم دون أمريكا.. في حين تدرك أمريكا في الآن ذاته أنها لا يمكن أن تتدبر كل أمورها دون بقية العالم".
هنالك معنيان تتضمنهما الحالة الغريبة التي آلت إليها أمريكا في أنها ذات اتكال اقتصادي وليست ذي نفع سياسي..
أولاً- لقد أصبحت أمريكا الناهب الأكبر لثروات العالم الاقتصادية وتؤازر نفسها من خلال نظام هش من الضرائب الثقيلة.. لقد فقدت قدرتها على أن توافق بين مكاسبها الاقتصادية والتقدم الاقتصادي للمجتمعات الأخرى.
ثانياً- إن الولايات المتحدة التي تزداد ضعفاً تلجأ إلى أفعال تعبر عن المزيد من اليأس والعدوانية بهدف الإبقاء على حالة هيمنتها على الدول الأخرى. ويعرف تود هذا الدافع بما حدث في العراق وإيران وكوريا الشمالية. إن تود في ادعاءاته المريبة يريد أن يقول بأن فساد الديمقراطية الأمريكية سيؤدي إلى نشوء طبقة حاكمة سيئة الإشراف والتي لن تعيق استخدام القوة العسكرية الأمريكية ضد الديمقراطيات الأخرى حتى في أوروبا. وفي النتيجة كل هذا بالنسبة لتود يشير إلى انحلال الإمبراطورية الأمريكية.
إن تود محق في أن قدرة أي دولة على السيطرة على النظام العالمي يعتمد على قوتها الاقتصادية. ومع التحولات الحاصلة في الهيمنة الاقتصادية فإن أحادية القطب الأمريكية سوف تفسح المجال في النهاية لتوزيع جديد للسلطة. ولكن خلافاً لتشخيص تود فإن الولايات المتحدة مازالت تحتفظ لنفسها بكم هائل من المزايا الاقتصادية-الاجتماعية. وادعاء تود بأن زمرة جشعة من الأوليغاركيين المؤيدين لحكم القلة هم الذين لهم الغلبة على الديمقراطية الأمريكية ماهو ببساطة إلا ادعاء غريب. والأهم من هذا كله هو تأكيد تود على أن روسيا وقوى عظمى أخرى تحضر لتصبح بتوازن القوة الأمريكية الذي يغفل وجود نماذج أكبر من السياسات المبنية على أساس الجغرافيا السياسية. لقد سعت كل من أوروبا، اليابان، روسيا، والصين إلى الارتباط الاستراتيجي مع الولايات المتحدة وليس إلى مقاومتها. إنهم يسعون إلى تسوية الخلافات والنفوذ مع النظام القائم وليس إلى محاولة الانقلاب عليه. في الواقع أن القوى العظمى تقلق أكثر إذا كانت الولايات المتحدة منعزلة ومفككة على أن تكون حاكمة للعالم. في الحقيقة أن أكثر الانتقادات الموجهة إلى أحادية الجانب في الولايات المتحدة تعكس اهتماماً يتعلق بأن تتوقف الولايات المتحدة عن تأمين الاستقرار والأمن ولا تعكس الأمل في أن تنحدر وتتلاشى.

هل الولايات المتحدة إمبراطورية؟ إذا كان الأمر كذلك فإن إمبراطورية فيرغسن التحررية أكثر إقناعاً من إمبراطورية جونسون العسكرية. ولكن في النهاية تكون فكرة الإمبراطورية أمراً مضللاً وتفتقر إلى الجوانب المميزة للنظام السياسي العالمي الذي تطور حول قوة الولايات المتحدة.
لقد سعت الولايات المتحدة وراء السياسات الإمبراطورية وخصوصاً تجاه البلدان الضعيفة في المحيط. ولكن علاقات الولايات المتحدة مع أوروبا، اليابان، الصين، وروسيا لا يمكن أن تتصف بالعلاقات الإمبراطورية حتى لو أضفنا ملحقاً للمصطلح يضفي عليه صفة الحداثة أو التحررية.. فالديمقراطيات المتقدمة تعمل ضمن مجال الأمن الجماعي الذي يكون فيه استخدام التهديد أو القوة أمراً بعيداً عن التصور أو التطبيق، وتكون اقتصاديات هذه البلدان متماسكة ومتأصلة وهي تشكل معاً شكلاً من النظام السياسي يقوم على الصفقات الرابحة، وانتشار التبادل في شتى المجالات ومنظومة مرتبة من المؤسسات المتداخلة مع الحكومة وعلاقات العمل المتبادلة ذات الصلة بهذا الجانب. إن هذا ليس بالإمبراطورية، إنما هو نظام سياسي ديمقراطي تقوده أمريكا وليس له تسمية سالفة في التاريخ.
لقد أعلن المحافظون الجدد بصوت عالٍ في واشنطن عن رؤيتهم الإمبراطورية: إنه عهد من الحكم العالمي المنظم حول تطبيق القوة العسكرية الجريء من جانب واحد والتحلل التدريجي من قيود التعددية والسعي العدواني لنشر الحرية والديمقراطية، ولكن هذه النظرة تأسست على أوهام الإمبراطورية الأمريكية. وقد فشلت هذه النظرة في تقدير دور التعاون وقوانين تطبيق هذه القوة والمحافظة عليها. إن هذا السعي العدواني سوف يجرد أمريكا من شرعية وجودها كقوة عالمية بارزة، ويعرض سلطتها للشبهة والفضيحة. وفي النهاية يلتزم المحافظون الجدد الصمت حيال مجموعة كبيرة من التحديات العالمية والفرص التي تواجهها الولايات المتحدة. ويقول فيرغسن أن الأمريكان لا يرغبون بإدارة المستعمرات أو تدبر شؤون إمبراطورية عالمية وهكذا توجد حدود تحيط بالطموحات الإمبراطورية الأمريكية حتى في عصر القطب الواحد.
ونجد في النهاية أن الجدل القائم حول الإمبراطورية يتغافل عن أهم التطورات الدولية في السنوات الأخيرة:
السلام الذي حل لزمن طويل بين القوى العظمى مما يجعل بعض الدارسين يعتبرونه دلالة على نهاية الحروب العالمية. إن الرأسمالية، الديمقراطية، والأسلحة النووية كلها تساعد في تفسير هذا السلام، وكذلك أيضاً الطريقة الفريدة التي تتبعها أمريكا في إقامة نظام دولي.. لقد نشأ نجاح الولايات المتحدة من ابتكارها وتوسيعها لمؤسسات دولية حدث من السلطة الأمريكية وأضفت عليها صفة الشرعية.
تواجه الولايات المتحدة صراعاً بين الحكم التحرري والحكم الإمبراطوري ويتأصل كلاهما في كيان السياسة الأمريكية ولكن المخاطر والتكاليف التي تكتنف إدارة العالم كإمبراطورية أمريكية تعتبر عظيمة جداً كما أن إيمان الأمة العميق بحكم القانون لم يتلاشى. وعند إنجاز كل شيء ستكون رغبة الأمريكان في حكم العالم أقل من رغبتهم في خلق عالم تسوده القوانين.

ناصر عبد المجيد الحريري
28/04/2008, 03:56 PM
أمريكا أمبراطورية خائفة :
"إمبراطورية الخوف" لبنيامين باربر تقدم قضية ضد الاندفاع أحادي الجانب في السياسة الخارجية الأمريكية الحديثة. يقول "باربر" أن الإمبراطورية ليست أمراً متأصلاً في السيادة الأمريكية وإنما هي تحريض استسلمت له إدارة بوش بشكل متزايد.

وفي مواجهة الإرهاب التي تأرجحت أمامه واشنطن ما بين الاحتكام إلى القانون وتقويضه. إن فرضية باربر تقول أن إحداث حق بفعل أحادي الجانب، الحرب الوقائية وتغيير النظام فإن الولايات المتحدة تقوض هيكل التعاون والقانون اللازمان لمحاربة فوضى الإرهاب. إن السياسة الخارجية المواجهة نحو استخدام القوة العسكرية ضد الدول المتمردة تعكس سوء فهم لنتائج الاتكال المتبادل للدول وصورة الديمقراطية. ليس بإمكان واشنطن أن تدير نظاماً عالمياً من خلال الفعل العسكري والخوف من الإرهاب. ببساطة لن تكون الإمبراطورية الأمريكية طويلة البقاء.
بالنسبة لباربر يتفوق منطق العالمية على منطق الإمبراطورية: إن انتشار "عالم ماكدونالد" يقوض الإستراتيجية الإمبراطورية العظيمة. إن أمريكا من عدة جوانب اقتصادية وسياسية تعتمد على الدول الأخرى إلى حد كبير.. فالعالم معقد جداً واعتماد الدول على بعضها كبير جداً بحيث لا يمكن حكم هذا العالم من مركز إمبراطوري واحد. في "إمبراطورية الخوف" تحاول الولايات المتحدة ترتيب العالم من خلال قوة السلاح ولكن هذه الإستراتيجية بحد ذاتها مدعاة للهزيمة فهي تخلق دولاً معادية تهدف إلى إسقاط النظام الإمبراطوري ولا تكون شركاء مطيعين وأقل شأناً.
ويقدم باربر نظاماً عالمياً متحرراً أساسه القانون الذي يقره المجتمع البشري "يسعى البشر جميعاً ليصبحوا جماعة عالمية ضمن إطار عالمي من الحقوق والقانون ويتمثل في التعاون الثقافي والاقتصادي والسياسي وتؤيده كل الأطراف ويكون الفعل العسكري بالقدر الذي تسمح به أية سلطة شرعية سواء كانت الكونغرس أو المعاهدات متعددة الأطراف أو من خلال الأمم المتحدة" "وأما التهديدات الإرهابية فمن الأفضل مجابهتها بالديمقراطية كإستراتيجية وقائية" إذ تعمل الدول الديمقراطية معاً لتقوية وتوسيع التحرر.
إن الرؤية المثالية المبالغ فيها لباربر للحكم العالمي المتحرر تبدو أقل إقناعاً من تحذيراته من الحكم العسكري أحادي الجانب.
في الواقع أنه يقدم ملاحظة تحذيرية مفيدة لأولئك المتحمسين للإمبراطورية التحررية من جانبين: الأول- أن هنالك صراعاً بين هدفي الإمبراطورية التحررية وهما رفع راية قواعد النظام الدولي وتوظيف قوة عسكرية أحادية الجانب ضد أعداء النظام الأمريكي. ويوضح باربر أن واضعي السياسة المتحمسين غالباً ما يوقظون حس الخوف من الإرهاب لتبرير ممارستهم أحادية الجانب للقوة والتي بدورها تقوض القوانين والمؤسسات التي يدعون حمايتها. الثاني- إن التهديدات التي يشكلها الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل ليست كافية لإضفاء صفة الشرعية على الإمبراطورية الأمريكية التحررية.. فأثناء الحرب الباردة عبرت الولايات المتحدة بصراحة ووضوح عن رؤيتها للمجتمع والتقدم في عالم حر تقوده الولايات المتحدة بسكب ممارسة أمريكا للقوة ضمن قالب الشرعية. ولكن من المشكوك فيه أن الحرب على الإرهاب- حيث أصبحت الدول في حالٍ ليست معنا وليست ضدنا- كان فيها من الإغراء الكثير لكسب دعم كافٍ يبرر النظام الذي تسيطر عليه أمريكا.
فصام سياسي ، سراب فكري:
يحذر "ميشيل مان" أيضاً من التحول الإمبريالي في السياسة الخارجية الأمريكية والذي لا يمكن البقاء عليه في النهاية ويقول أن هذه الإمبريالية الجديدة في إمبراطورية مفككة تدفعها رؤية متطرفة حيث القوة العسكرية أحادية الجانب تعزز الدور الأمريكي وتتغلب على الفوضى في العالم.
يعتقد مان أن مشروع الإمبراطورية يعتمد على قياس متضخم جداً للقوة الأمريكية، ربما تكون الولايات المتحدة موقع الرهبة في النفس من قدرتها العسكرية ولكن قدراتها السياسية والاقتصادية ليست بالقوة الساحقة وعدم وجود التوازن بين الجانبين دعا واشنطن إلى المبالغة في التأكيد على استخدام القوة. وبتحويل مطلب الإمبراطورية إلى فرط الثقة وفرط الفعالية العسكرية فإن النزعة العسكرية سوف تخلق ما يسميه مان "الإمبراطورية المفككة" التي تقوض دعائم القيادة الأمريكية وتزيد من عدد الإرهابيين والدول المشردة.
لقد قدم مان عملاً دراسياً مميزاً عن تاريخ السلطة الاجتماعية فهو كعالم اجتماع يقول بأن هنالك أربع أنواع من القوى التي تؤدي إلى نهوض أو سقوط الأمم والدول والإمبراطوريات والمناطق والحضارات وهي: عسكرية، سياسية، اقتصادية وفكرية.
ويختم "مان" قائلاً أنه بتطبيق هذه الفئات على الولايات المتحدة سنجد مجموعة مختلطة من الاستعارات المجازية: "العملاق العسكري، قائد اقتصادي ضئيل الشأن، الفصام السياسي، السراب الفكري".
ويعترف "مان" بأن الولايات المتحدة محور الاقتصاد العالمي وأن الدور الذي يلعبه الدولار كعملة الادخار الأولى يضفي مزايا هامة على المسائل الاقتصادية، ولكنه يعتقد أن القدرة الفعلية لواشنطن على استخدام التجارة والمعونات كوسائل ضغط سياسية يعتبر أمراً محدوداً جداً كما اتضح ذلك في فشلها لتأمين الدعم اللازم لبلدان مثل أنغولا، تشيلي، غينيا، المكسيك وباكستان في مجلس الأمن قبل الحرب على العراق.
والأكثر من ذلك أن الدول العميلة لواشنطن تفقد موثوقيتها بازدياد والذين كانوا سابقاً حلفاء لها تتقد لديهم نزعة العدائية للأمريكان. لم يعد في هذه الأثناء للثقافة وغايات المثل الأعلى الأمريكية البريق الذي كان لها في عهود سابقة. ورغم أن العالم مازال يرنو بإعجاب إلى الانفتاح في المجتمع الأمريكي واحترام الحريات الأساسية إلا أنه يتذمر من الإمبريالية الثقافية والتعدي الأمريكي على حقوق الآخرين. لقد شكلت مذاهب العصمة الدينية والقومية ثقافات تهدف إلى مقاومة مشروع الإمبراطورية الأمريكية.
يتفق كلاً من مان وباربر على نقطة هامة جداً وهي أن إقامة إمبراطورية على أساس الهيمنة العسكرية فقط أمر يكتنفه الفشل. وفي وصفهم لخصائص قيامها بذلك يصورون الولايات المتحدة على أنها تقدم الأمن مقابل إذعان هذه الدول لها- وهي تتصرف بذلك كدولة ذات نظام دكتاتوري لتحل مشاكل هذا العالم المقهور- إن واشنطن من خلال رؤيتها الإمبريالية تأبى القيام بدور الحكومات التي سبقتها وهي ترى بأن هذا هو الثمن الذي يجب على العالم أن يدفعه مقابل توفير الأمن له.
ولكن هذا النظام الذي تفرضه أمريكا قسراً لن يدوم إذ يرى باربر أن لدى الولايات المتحدة الكثير من التعاملات مع بقية دول العالم بحيث لا يمكنها ضبط هذا النظام دون ترتيبات معقدة للتعاون المشترك.
أما" مان" فيرى بأن من شأن الصدمة والرعب العسكري أن يضاعف من المقاومة وهو يستشهد بما قاله عالم الاجتماع "تالكوت بارسنز" الذي أشار قبل زمن بعيد إلى أن القوة الصرفة، على

خلاف السلطة المعتمدة على اتفاق الرأي، تؤول إلى الانكماش وكلما زاد استخدامها زادت سرعة تلاشيها.

- إمبراطورية الألغاز !!:
يعتقد كاتب المقالة الفرنسي إيمانويل تود أن الانحدار الذي تنبأ به مان وباربر منذ زمن طويل قد بدأ الآن. وبتفكير رغبي مليئ باللباقة الفرنسية يناقش تود أنه بعد الإمبراطورية سوف تتقلص الأهمية الجغرافية-السياسية للولايات المتحدة.. فالعالم ينسحب.. لا يدخل عهد الهيمنة الأمريكية. ربما كانت رغبة واشنطن أن تدير إمبراطورية تحررية ولكن العالم قادر ويزداد رغبة في أن يصد حتى الولايات المتحدة نفسها.
لقد استقى تود تنبؤاته من نظرة خلاقة إلى تحول العالم اقتصادياً واجتماعياً وإن كانت في النهاية ربما نظرة مشكوك بها. إنه يعترف بأن الولايات المتحدة قد لعبت دوراً هاماً جداً في إنشاء الاقتصاد العالمي في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية. ولكن تود في سياق حديثة يقول أن هنالك مراكز قوى جديدة ذات مصالح متباينة ومتباعدة قد نشأت في كل من آسيا وأوروبا في الوقت الذي كان الاقتصاد والمجتمع الأمريكي يصبح ضعيفاً وفاسداً. إن نقطة الضعف في القوة الأمريكية هو رفضها الآخذ بالأسباب لكي تتحمل نفقات إعادة بناء المجتمعات التي تجتاحها.. وفي غضون ذلك ومع ضعف الديمقراطية الأمريكية كان لانتشار الديمقراطية في العالم دعماً للمقاومة ضد واشنطن. ويعبر تود عن ذلك بقوله: "في الوقت الذي يمر فيه العالم بمرحلة من الاستقرار بفضل التحسنات في مجال التعليم والدراسات السكانية والديمقراطية يجد العالم نفسه على حافة اكتشاف أنه يمكن أن يتدبر أموره ويتقدم دون أمريكا.. في حين تدرك أمريكا في الآن ذاته أنها لا يمكن أن تتدبر كل أمورها دون بقية العالم".
هنالك معنيان تتضمنهما الحالة الغريبة التي آلت إليها أمريكا في أنها ذات اتكال اقتصادي وليست ذي نفع سياسي..
أولاً- لقد أصبحت أمريكا الناهب الأكبر لثروات العالم الاقتصادية وتؤازر نفسها من خلال نظام هش من الضرائب الثقيلة.. لقد فقدت قدرتها على أن توافق بين مكاسبها الاقتصادية والتقدم الاقتصادي للمجتمعات الأخرى.
ثانياً- إن الولايات المتحدة التي تزداد ضعفاً تلجأ إلى أفعال تعبر عن المزيد من اليأس والعدوانية بهدف الإبقاء على حالة هيمنتها على الدول الأخرى. ويعرف تود هذا الدافع بما حدث في العراق وإيران وكوريا الشمالية. إن تود في ادعاءاته المريبة يريد أن يقول بأن فساد الديمقراطية الأمريكية سيؤدي إلى نشوء طبقة حاكمة سيئة الإشراف والتي لن تعيق استخدام القوة العسكرية الأمريكية ضد الديمقراطيات الأخرى حتى في أوروبا. وفي النتيجة كل هذا بالنسبة لتود يشير إلى انحلال الإمبراطورية الأمريكية.
إن تود محق في أن قدرة أي دولة على السيطرة على النظام العالمي يعتمد على قوتها الاقتصادية. ومع التحولات الحاصلة في الهيمنة الاقتصادية فإن أحادية القطب الأمريكية سوف تفسح المجال في النهاية لتوزيع جديد للسلطة. ولكن خلافاً لتشخيص تود فإن الولايات المتحدة مازالت تحتفظ لنفسها بكم هائل من المزايا الاقتصادية-الاجتماعية. وادعاء تود بأن زمرة جشعة من الأوليغاركيين المؤيدين لحكم القلة هم الذين لهم الغلبة على الديمقراطية الأمريكية ماهو ببساطة إلا ادعاء غريب. والأهم من هذا كله هو تأكيد تود على أن روسيا وقوى عظمى أخرى تحضر لتصبح بتوازن القوة الأمريكية الذي يغفل وجود نماذج أكبر من السياسات المبنية على أساس الجغرافيا السياسية. لقد سعت كل من أوروبا، اليابان، روسيا، والصين إلى الارتباط الاستراتيجي مع الولايات المتحدة وليس إلى مقاومتها. إنهم يسعون إلى تسوية الخلافات والنفوذ مع النظام القائم وليس إلى محاولة الانقلاب عليه. في الواقع أن القوى العظمى تقلق أكثر إذا كانت الولايات المتحدة منعزلة ومفككة على أن تكون حاكمة للعالم. في الحقيقة أن أكثر الانتقادات الموجهة إلى أحادية الجانب في الولايات المتحدة تعكس اهتماماً يتعلق بأن تتوقف الولايات المتحدة عن تأمين الاستقرار والأمن ولا تعكس الأمل في أن تنحدر وتتلاشى.

هل الولايات المتحدة إمبراطورية؟ إذا كان الأمر كذلك فإن إمبراطورية فيرغسن التحررية أكثر إقناعاً من إمبراطورية جونسون العسكرية. ولكن في النهاية تكون فكرة الإمبراطورية أمراً مضللاً وتفتقر إلى الجوانب المميزة للنظام السياسي العالمي الذي تطور حول قوة الولايات المتحدة.
لقد سعت الولايات المتحدة وراء السياسات الإمبراطورية وخصوصاً تجاه البلدان الضعيفة في المحيط. ولكن علاقات الولايات المتحدة مع أوروبا، اليابان، الصين، وروسيا لا يمكن أن تتصف بالعلاقات الإمبراطورية حتى لو أضفنا ملحقاً للمصطلح يضفي عليه صفة الحداثة أو التحررية.. فالديمقراطيات المتقدمة تعمل ضمن مجال الأمن الجماعي الذي يكون فيه استخدام التهديد أو القوة أمراً بعيداً عن التصور أو التطبيق، وتكون اقتصاديات هذه البلدان متماسكة ومتأصلة وهي تشكل معاً شكلاً من النظام السياسي يقوم على الصفقات الرابحة، وانتشار التبادل في شتى المجالات ومنظومة مرتبة من المؤسسات المتداخلة مع الحكومة وعلاقات العمل المتبادلة ذات الصلة بهذا الجانب. إن هذا ليس بالإمبراطورية، إنما هو نظام سياسي ديمقراطي تقوده أمريكا وليس له تسمية سالفة في التاريخ.
لقد أعلن المحافظون الجدد بصوت عالٍ في واشنطن عن رؤيتهم الإمبراطورية: إنه عهد من الحكم العالمي المنظم حول تطبيق القوة العسكرية الجريء من جانب واحد والتحلل التدريجي من قيود التعددية والسعي العدواني لنشر الحرية والديمقراطية، ولكن هذه النظرة تأسست على أوهام الإمبراطورية الأمريكية. وقد فشلت هذه النظرة في تقدير دور التعاون وقوانين تطبيق هذه القوة والمحافظة عليها. إن هذا السعي العدواني سوف يجرد أمريكا من شرعية وجودها كقوة عالمية بارزة، ويعرض سلطتها للشبهة والفضيحة. وفي النهاية يلتزم المحافظون الجدد الصمت حيال مجموعة كبيرة من التحديات العالمية والفرص التي تواجهها الولايات المتحدة. ويقول فيرغسن أن الأمريكان لا يرغبون بإدارة المستعمرات أو تدبر شؤون إمبراطورية عالمية وهكذا توجد حدود تحيط بالطموحات الإمبراطورية الأمريكية حتى في عصر القطب الواحد.
ونجد في النهاية أن الجدل القائم حول الإمبراطورية يتغافل عن أهم التطورات الدولية في السنوات الأخيرة:
السلام الذي حل لزمن طويل بين القوى العظمى مما يجعل بعض الدارسين يعتبرونه دلالة على نهاية الحروب العالمية. إن الرأسمالية، الديمقراطية، والأسلحة النووية كلها تساعد في تفسير هذا السلام، وكذلك أيضاً الطريقة الفريدة التي تتبعها أمريكا في إقامة نظام دولي.. لقد نشأ نجاح الولايات المتحدة من ابتكارها وتوسيعها لمؤسسات دولية حدث من السلطة الأمريكية وأضفت عليها صفة الشرعية.
تواجه الولايات المتحدة صراعاً بين الحكم التحرري والحكم الإمبراطوري ويتأصل كلاهما في كيان السياسة الأمريكية ولكن المخاطر والتكاليف التي تكتنف إدارة العالم كإمبراطورية أمريكية تعتبر عظيمة جداً كما أن إيمان الأمة العميق بحكم القانون لم يتلاشى. وعند إنجاز كل شيء ستكون رغبة الأمريكان في حكم العالم أقل من رغبتهم في خلق عالم تسوده القوانين.