المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تأثير اليونانية على العبرية



أ. د. حسيب شحادة
02/05/2008, 06:36 PM
تأثير اليونانية على العبرية
ا. د. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي


اللغة اليونانية هي إحدى اللغات الكثيرة التي أثّرت على اللغة العبرية، أولا خلال عشرة قرون تقريبا منذ موت الإسكندر المقدوني الكبير في القرن الرابع ق. م ( 323 ق. م.) ولغاية احتلال العرب لفلسطين في العقد الثالث من القرن السابع للميلاد. وتسمّى الفترة الممتدة من تاريخ موت الإسكندر وحتى هزيمة كليوبترا في القرن الأول ق. م. بالعصر الهليني. ويقدّر عدد الألفاظ اليونانية التي دخلت العبرية في غضون القرون العشرة تقريباً بأربعة آلاف لفظة. وهناك في المؤلفات التي سطّرها الحاخامون، المشناة أي التوراة الشفوية التي دُوّنت في نهاية القرن الثاني للميلاد والتوسفتا (الإضافات عليها) في المدراشيم (التفاسير) والتلمود الفلسطيني أو المقدسي بصمات يونانية جلية. ويذكر أن الكلمات اليونانية موجودة ليس فقط في التراث الرباني ، عبرية الأحبار، بل وفي وثائق تمرد شمعون باركوخبا (132-135) وفي تراجم العهد القديم مثل أسيمون، أركيون، قوسموس. وقد أكثر حزا”ل أي: حكماؤنا رحمهم الله، وهم الزعماء اليهود الروحانيون منذ عهد الهيكل الثاني وحتى احتلال العرب لمنطقة الشرق الأوسط، وهم التنّاؤون أي المتعلمين مثل هيلل وشمّاي وعقيبا ويهودا هنسي في فلسطين حتي بداية القرن الثالث م. والأموراؤون أي القائلون، عاشوا في فلسطين وبابل بين السنوات 200-500 م، أكثروا من استخدام الألفاظ اليونانية. ويذكر أن هذه اللغة غدت في مستهل القرن الأول للميلاد أمرا واقعاً في الديار المقدسة.
وقسم لا يُستهان به من هذه الكلمات يونانية الأصل ما زالت حية ترزق في أيامنا هذه. مثال على ذلك “چاي” ge بمعنى “بلد” التي وردت في الشعر الديني “الأرض إسرائيلي” القديم، في القرنين الخامس والسادس للميلاد والمعروف بـ”الپيّوط” وهذه الكلمة متحدرة من اليونانية poietes. من مشاهير شعراء هذه الحقبة يوسي بن يوسي الملقب باليتيم وربّي ينّاي وإليعزر القلير.
وهناك الكثير من الكلمات يونانية الأصل التي دخلت العبربة عن طريق العربية في القرون الوسطى عبر الترجمات العبرية للمؤلفات اليهودية المكتوبة باللغة العربية في الأندلس. وتندرج هذه العربية التي كتبها اليهود تحت ما يسمّى بالعربية الوسطى (Middle Arabic) أي وباختصار شديد نمط لغوي مكتوب لا هو فصيح ولا هو لهجة عامية محكية حقيقية بل كاسمه بين هذا وذاك. ويُطلق على هذا النمط اللغوي الاسم “العربية اليهودية” ، Judaeo Arabic. ويشار إلى أن هذه العربية التي تضمُّ كما هائلا من المؤلفات الهامّة في جميع مضامير العلم والمعرفة مكتوبة بالحرف العبري الأشوري / المربّع. ويبدو أن المؤلفين اليهود آنذاك قرروا استخدام الرسم العبري لسببين رئيسين: لتسهيل القراءة على اليهود لا سيما النساء والأحداث كما جاء في “الرسالة اليمنية” للفيلسوف والطبيب واللاهوتي اليهودي المعروف موسى بن عمران (1135-1204) المعروف بالعبرية بالاختصار رمْبام أي ربّي موشيه بن ميمون وبالإنجليزية وغيرها من اللغات الأوروبية بالاسم Maimonides. والسبب الثاني عدم إتاحة إمكانية القراءة للعرب خوفا من المضايقات لا سيما في تناول مواضيع دينية وفلسفية قد تكون حساسة وغير مرضي عنها. وقد جاءت التسمية “العربية اليهودية” هذه غير الموفقة لاعتبارات ثلاثة كما عبّر عنها الأستاذ يهوشوع بلاو، من أهم الباحثين في هذا المجال. النص مكتوب بالحرف العبري وموجّه للقارىء اليهودي وفيه الكثير من الألفاظ العبرية والآرامية وهو عسير الفهم لغير اليهودي. هذه الاعتبارات غير لغوية ولا تصمد أمام التحليل اللغوي الصرف. هناك في كل لغة نصوص يستصعبها حتى بعض أهل اللغة ذاتها ناهيك عن الأجانب ولا أحد يفكر في تسميتها بأسماء خاصة. “عربية اليهود” أقرب إلى الواقع من “العربية اليهودية”.
وتأتي أسرة التيبونيين (Tibbonites) في المرتبة الأولى في فن الترجمة آنذاك آبتداء بالراب يهودا بن شاؤول بن تيبون المولود عام 1120 في غرناطة والمتوفى عام 1190 في مرسيليا وانتهاء بأحفاد أحفاده. ومما يجدر ذكره أن ابنه شموئيل(1150-1230) كان قد أطلق عليه اللقب الشهير “أبو الناقلين / المترجمين “)أبي همعتيقيم(. وهذه اللفظة العبرية الثانية كانت قد اكتسبت هذا المعنى الجديد ”المترجمين” بتأثير اللغة العربية حيث أن السنخ “نقل” يعني أيضا “الترجمة” وهذا ما لم يكن حاصلا في مَصدري العبرية القديميْن، لغة الكتاب المقدس (التناخ، أو المقرا أو الأربعة والعشرين سفرا) من جهة ولغة الِمشناة من جهة أخرى. ففي عبرية العهد القديم يرد الفعل “هعتيق” بمعنى “نقل” أمرا محسوسا مثل الخيمة من مكان لآخرَ كما ورد في سفر التكوين 12:8، وبمعنى “نسخ” كما جاء في سفر الأمثال 25:1، وقد تطورت العبرية واتسعت كثيرا في القرون الوسطى عبر هذا النهج من إضافة معاني جديدة على ألفاظ قائمة على هدي لغة الضاد التي كانت لغة العلم والثقافة في تلك الحقبة التاريخية، كانت اللغة السائدة، Lingua franca، كما كانت اللغة الآرامية قبل ذلك وكما هي الإنجليزية مثلا في عصرنا المعولم هذا. ويشار إلى هذا النهج من توسيع المجال الدلالي بملأ الصناديق الفارغة.
وقد نقل أبناء أسرة ابن تيبون وآل قمحي )وقد قيل إم رين قمح إين توره، والمقصود من هذه العبارة: لو لم يكن هناك بنو قمحي، من القمح، لما كانت هناك التوراة، لمجهوداتهم في هذا المجال, والمعنى الثاني: عند انعدام وجود القمح (المال) ينعدم تعليم التوراة. ومن المعروف أن مؤلفاتٍ كثيرة وهامة كانت قد كتبت بالعربية وترجمت إلى العبرية في القرون الوسطى. منها كتاب الأمانات والاعتقادات ليوسف الفيومي المعروف بالاختصار رساچ (راب سعاديا جاؤون, 882–942)؛ دلالة الحائرين لموسى بن ميمون آنف الذكر؛ كتاب الهداية الى فرائض القلوب تأليف الديان بَحْيى بن يوسف بن باقودا الأندلسي (1050-1120)؛ كتاب اللمع وكتاب الأصول ، المعجم العبري العربي للغة العهد القديم العبرية، لأبي الوليد مروان بن جناح القرطبي (ca. 993-1050)؛ كتاب الرد والدليل في الدين الذليل ، الكتاب الخزري تأليف أبو الحسن راب يهودا بن شموئيل اللاوي (1075-1141)؛ ينبوع الحياة لأبي أيوب سليمان بن يحيى بن جبيرول (Avicebrol, Avicebron, 1021-1058).
وقد دخلت عبريةَ القرون الوسطى ألفاظٌ كثيرة لم تكن فيها ومصدرها اللغة العربية مثل “الأفق، الكحول، القطر، القطب” ومنها كلمات من أصل يوناني مثل “إقليم”. كما ودخلت العبرية هذه عبارات جمّة عبر العربية التي هي بدورها كانت قد اقترضتها من لغة الحضارة القديمة اليونانية عبر النشاط الترجمي في “بيت الحكمة”ببغداد مثل: الفلسفة، المنطق، السلب، بالقوة، بالفعل، خلع صورة ولبس صورة”.
وفي العصر الحديث دخلت العبرية الحديثة التي غدت لغة محكية منذ أواخر القرن التاسع عشر بعد أن كانت لغة مكتوبة ولغة صلوات وقراءة التوراة وتعليمها في غضون سبعة عشر قرنا تقريبا. من هذه الكلمات الدخيلة: أوطاريقا، أوطوماط، أوطونوميا، أوليمبياده، إيديولوجيا، أسطرولوجيا، إروطيقا، جيومتريا، جمناسيا، جغرافيا، بيولوجيا، فيلوسوفيا، بيولوجيا، متيماطيقا، سمپاطيا، هسطوريا.
وهناك تأثير يوناني على قواعد اللغة العبرية متمثل فيما جرى لتلك الكلمات يونانية الأصل التي تبدأ بصوت ساكن وهذا ما لا يجوز في اللغات السامية وعليه أضيفت الألف في البداية مثل: أسكوله، أحلاطون، إصطبه، إصطديون, (نفس الشيء حدث للعربية: أفلاطون، أَستاد). وقد أضيفت هذه الألف الاستهلالية في كلمات يونانية لا تبدأ بالساكن مثل: أخسنيه، ألخسون من xena, loxon. وهذا يدل على ما يبدو أنه من الأسهل في العبرية التلفظ بكلمات أولها صوت متحرك ومع هذا لا بد من التنويه ببعض الكلمات اليونانية المستعملة في العبرية اليوم وهي تبدأ بالساكن مثل سپورط، وهذا يؤكد القول الشائع: لكل قاعدة شواذ.
ومن المعروف أن الكثير من الكلمات اليونانية كانت قد دخلت اللغة العبرية في العصور الغابرة لا سيما في لغتي العهد القديم والمشناة. وعلى مرّ التاريخ كانت هناك علاقات تجارية وثقافية بين اليونانيين والكنعانيين. والألفباء الكنعاني هو أساس الأبجدية الإغريقية ومنها انبثقت الأبجدية اللاتينية. والجالية اليهودية التي تحدثت باللغة اليونانية كانت تسكن مدينة الإسكندرية الهلينية آنذاك حيث نُقل العهد القديم بأسره وبعض أسفار الأبوكريفيا مثل سفر طوبيا إلى اللغة اليونانية. ومن المعروف أن الديانة المسيحية قبلت هذا العهد وفق نص هذه الترجمة السبعينية (Septuaginta). وبمرور الزمن ترجم العهد القديم من جديد إلى اليونانية كما حدث في القرن الثالث للميلاد حين قام الأب أوريجنوس بالترجمة واضعا العهد القديم في طبعة تحمل الاسم “الهِكْسپلاه” أي السداسية ، ستة أعمدة: العهد القديم بالعبرية، العهد القديم بالعبرية ولكن بالنقحرة اليونانية والأعمدة الثلاثة الباقية هي بمثابة ترجمات يونانية مختلفة وهي بالترتيب: Aquila of Sinope, Symmachus the Ebionite, Seeptuagint, Theodotion. يذكر أن العامود الثاني قد اندثر كله تقريبا.
من الألفاظ اليونانيةالتي دخلت العبرية وما زالت حية تُرزق نأتي على سبيل المثال بهذه العيّنة )لأسباب تقنية كتبت الكلمات بالحرف العربي بدلا من العبري وبدون حركات ( أووير، أوخلسيه، أزمل، أطليز ) كان المعنى: سوق معفية من الضرائب ( إطريوت، أخسنيه، ألخسون، أندرطه، أنقدوطه، أسكوله، أسطرطجيه، أپيقورس، إصطبه، إصطديون، إصطله، أقدميه، أرخيون، أرخيطقط، أتلط، بسيس، چزوزطرا، دوچما، ديوقن، ديموقرطيه، دفوس، هچمون، هديوط، هيمنون، ويلون، زوچ، ,حلوده، طوفس، طيرون، طرقلين، كروف، مطروپولين، مخونه، ملط، ملففون، ممون، مستورين، مرتون، نيمه، نيموس، نمل، نرتيق، سودر، سوفچونيوت، سيمطه، سيمن، سكين، سندل، سندق، سنهدرين، سنطر، سفچ، سفسل، سفل، پولموس، فومپي، پوندق، پز، پيوط، فيلوسوفيه، پنس، پنقس، فرهسيه، پروزدور، پرس، قبرنيط، قومقوم، قتدره، شزيفيم، تيأطرون، تيق، تريس.
كل لغة بشرية طبيعية تتأثر وتؤثر على الدوام بما حولها من لغات أخرى وذلك وفق مستوى ناطقيها الثقافي والحضاري، وما يسترعي الانتباه والبحث سبر طبيعة هذا التلاقح اللغوي الحضاري ومداه ومسبباته ونتائجه. واللغة البشرية الطبيعية مرآة للشعب أو الشعوب الناطقة بها وفي حال العربية إذا تقدم العرب في ميادين شتى في العلم والمعرفة انعكس ذلك ريجابا على أداة التعبير الرئيسة. وفي حال التبعية والاجترار وفقدان أسس التفكير العلمي وتفشي القال والقيل والنميمة السرطانية التي تنغل في جسم وروح معظم شرائح المجتمعات العربية إن لم تكن في كلها، نقول في مثل هذه الأوضاع المزرية والتعيسة لا أمل في الخطو إلى الأمام والمساهمة في الفكر الإنساني. والسؤال الجوهري الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو في تقديرنا كيف يتسنى للجيل الصاعد أن يتشرب روح التفكير الخلاق والاستقلالية والعزّة القومية في ظروف يكون فيها المدرسون بل والمدراء في المدارس على اختلافها بعيدين عن هذه الصفات لا بل قسم كبير منهم يدندن ليل نهار ويحط من قيمة أبناء جلدته!
من هذا المنطلق لا نرى صراعا حقيقيا في الحضارات بل أخذ وعطاء لبناء صرح حضارة الجنس البشري ككل.

أ. د. حسيب شحادة
02/05/2008, 06:36 PM
تأثير اليونانية على العبرية
ا. د. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي


اللغة اليونانية هي إحدى اللغات الكثيرة التي أثّرت على اللغة العبرية، أولا خلال عشرة قرون تقريبا منذ موت الإسكندر المقدوني الكبير في القرن الرابع ق. م ( 323 ق. م.) ولغاية احتلال العرب لفلسطين في العقد الثالث من القرن السابع للميلاد. وتسمّى الفترة الممتدة من تاريخ موت الإسكندر وحتى هزيمة كليوبترا في القرن الأول ق. م. بالعصر الهليني. ويقدّر عدد الألفاظ اليونانية التي دخلت العبرية في غضون القرون العشرة تقريباً بأربعة آلاف لفظة. وهناك في المؤلفات التي سطّرها الحاخامون، المشناة أي التوراة الشفوية التي دُوّنت في نهاية القرن الثاني للميلاد والتوسفتا (الإضافات عليها) في المدراشيم (التفاسير) والتلمود الفلسطيني أو المقدسي بصمات يونانية جلية. ويذكر أن الكلمات اليونانية موجودة ليس فقط في التراث الرباني ، عبرية الأحبار، بل وفي وثائق تمرد شمعون باركوخبا (132-135) وفي تراجم العهد القديم مثل أسيمون، أركيون، قوسموس. وقد أكثر حزا”ل أي: حكماؤنا رحمهم الله، وهم الزعماء اليهود الروحانيون منذ عهد الهيكل الثاني وحتى احتلال العرب لمنطقة الشرق الأوسط، وهم التنّاؤون أي المتعلمين مثل هيلل وشمّاي وعقيبا ويهودا هنسي في فلسطين حتي بداية القرن الثالث م. والأموراؤون أي القائلون، عاشوا في فلسطين وبابل بين السنوات 200-500 م، أكثروا من استخدام الألفاظ اليونانية. ويذكر أن هذه اللغة غدت في مستهل القرن الأول للميلاد أمرا واقعاً في الديار المقدسة.
وقسم لا يُستهان به من هذه الكلمات يونانية الأصل ما زالت حية ترزق في أيامنا هذه. مثال على ذلك “چاي” ge بمعنى “بلد” التي وردت في الشعر الديني “الأرض إسرائيلي” القديم، في القرنين الخامس والسادس للميلاد والمعروف بـ”الپيّوط” وهذه الكلمة متحدرة من اليونانية poietes. من مشاهير شعراء هذه الحقبة يوسي بن يوسي الملقب باليتيم وربّي ينّاي وإليعزر القلير.
وهناك الكثير من الكلمات يونانية الأصل التي دخلت العبربة عن طريق العربية في القرون الوسطى عبر الترجمات العبرية للمؤلفات اليهودية المكتوبة باللغة العربية في الأندلس. وتندرج هذه العربية التي كتبها اليهود تحت ما يسمّى بالعربية الوسطى (Middle Arabic) أي وباختصار شديد نمط لغوي مكتوب لا هو فصيح ولا هو لهجة عامية محكية حقيقية بل كاسمه بين هذا وذاك. ويُطلق على هذا النمط اللغوي الاسم “العربية اليهودية” ، Judaeo Arabic. ويشار إلى أن هذه العربية التي تضمُّ كما هائلا من المؤلفات الهامّة في جميع مضامير العلم والمعرفة مكتوبة بالحرف العبري الأشوري / المربّع. ويبدو أن المؤلفين اليهود آنذاك قرروا استخدام الرسم العبري لسببين رئيسين: لتسهيل القراءة على اليهود لا سيما النساء والأحداث كما جاء في “الرسالة اليمنية” للفيلسوف والطبيب واللاهوتي اليهودي المعروف موسى بن عمران (1135-1204) المعروف بالعبرية بالاختصار رمْبام أي ربّي موشيه بن ميمون وبالإنجليزية وغيرها من اللغات الأوروبية بالاسم Maimonides. والسبب الثاني عدم إتاحة إمكانية القراءة للعرب خوفا من المضايقات لا سيما في تناول مواضيع دينية وفلسفية قد تكون حساسة وغير مرضي عنها. وقد جاءت التسمية “العربية اليهودية” هذه غير الموفقة لاعتبارات ثلاثة كما عبّر عنها الأستاذ يهوشوع بلاو، من أهم الباحثين في هذا المجال. النص مكتوب بالحرف العبري وموجّه للقارىء اليهودي وفيه الكثير من الألفاظ العبرية والآرامية وهو عسير الفهم لغير اليهودي. هذه الاعتبارات غير لغوية ولا تصمد أمام التحليل اللغوي الصرف. هناك في كل لغة نصوص يستصعبها حتى بعض أهل اللغة ذاتها ناهيك عن الأجانب ولا أحد يفكر في تسميتها بأسماء خاصة. “عربية اليهود” أقرب إلى الواقع من “العربية اليهودية”.
وتأتي أسرة التيبونيين (Tibbonites) في المرتبة الأولى في فن الترجمة آنذاك آبتداء بالراب يهودا بن شاؤول بن تيبون المولود عام 1120 في غرناطة والمتوفى عام 1190 في مرسيليا وانتهاء بأحفاد أحفاده. ومما يجدر ذكره أن ابنه شموئيل(1150-1230) كان قد أطلق عليه اللقب الشهير “أبو الناقلين / المترجمين “)أبي همعتيقيم(. وهذه اللفظة العبرية الثانية كانت قد اكتسبت هذا المعنى الجديد ”المترجمين” بتأثير اللغة العربية حيث أن السنخ “نقل” يعني أيضا “الترجمة” وهذا ما لم يكن حاصلا في مَصدري العبرية القديميْن، لغة الكتاب المقدس (التناخ، أو المقرا أو الأربعة والعشرين سفرا) من جهة ولغة الِمشناة من جهة أخرى. ففي عبرية العهد القديم يرد الفعل “هعتيق” بمعنى “نقل” أمرا محسوسا مثل الخيمة من مكان لآخرَ كما ورد في سفر التكوين 12:8، وبمعنى “نسخ” كما جاء في سفر الأمثال 25:1، وقد تطورت العبرية واتسعت كثيرا في القرون الوسطى عبر هذا النهج من إضافة معاني جديدة على ألفاظ قائمة على هدي لغة الضاد التي كانت لغة العلم والثقافة في تلك الحقبة التاريخية، كانت اللغة السائدة، Lingua franca، كما كانت اللغة الآرامية قبل ذلك وكما هي الإنجليزية مثلا في عصرنا المعولم هذا. ويشار إلى هذا النهج من توسيع المجال الدلالي بملأ الصناديق الفارغة.
وقد نقل أبناء أسرة ابن تيبون وآل قمحي )وقد قيل إم رين قمح إين توره، والمقصود من هذه العبارة: لو لم يكن هناك بنو قمحي، من القمح، لما كانت هناك التوراة، لمجهوداتهم في هذا المجال, والمعنى الثاني: عند انعدام وجود القمح (المال) ينعدم تعليم التوراة. ومن المعروف أن مؤلفاتٍ كثيرة وهامة كانت قد كتبت بالعربية وترجمت إلى العبرية في القرون الوسطى. منها كتاب الأمانات والاعتقادات ليوسف الفيومي المعروف بالاختصار رساچ (راب سعاديا جاؤون, 882–942)؛ دلالة الحائرين لموسى بن ميمون آنف الذكر؛ كتاب الهداية الى فرائض القلوب تأليف الديان بَحْيى بن يوسف بن باقودا الأندلسي (1050-1120)؛ كتاب اللمع وكتاب الأصول ، المعجم العبري العربي للغة العهد القديم العبرية، لأبي الوليد مروان بن جناح القرطبي (ca. 993-1050)؛ كتاب الرد والدليل في الدين الذليل ، الكتاب الخزري تأليف أبو الحسن راب يهودا بن شموئيل اللاوي (1075-1141)؛ ينبوع الحياة لأبي أيوب سليمان بن يحيى بن جبيرول (Avicebrol, Avicebron, 1021-1058).
وقد دخلت عبريةَ القرون الوسطى ألفاظٌ كثيرة لم تكن فيها ومصدرها اللغة العربية مثل “الأفق، الكحول، القطر، القطب” ومنها كلمات من أصل يوناني مثل “إقليم”. كما ودخلت العبرية هذه عبارات جمّة عبر العربية التي هي بدورها كانت قد اقترضتها من لغة الحضارة القديمة اليونانية عبر النشاط الترجمي في “بيت الحكمة”ببغداد مثل: الفلسفة، المنطق، السلب، بالقوة، بالفعل، خلع صورة ولبس صورة”.
وفي العصر الحديث دخلت العبرية الحديثة التي غدت لغة محكية منذ أواخر القرن التاسع عشر بعد أن كانت لغة مكتوبة ولغة صلوات وقراءة التوراة وتعليمها في غضون سبعة عشر قرنا تقريبا. من هذه الكلمات الدخيلة: أوطاريقا، أوطوماط، أوطونوميا، أوليمبياده، إيديولوجيا، أسطرولوجيا، إروطيقا، جيومتريا، جمناسيا، جغرافيا، بيولوجيا، فيلوسوفيا، بيولوجيا، متيماطيقا، سمپاطيا، هسطوريا.
وهناك تأثير يوناني على قواعد اللغة العبرية متمثل فيما جرى لتلك الكلمات يونانية الأصل التي تبدأ بصوت ساكن وهذا ما لا يجوز في اللغات السامية وعليه أضيفت الألف في البداية مثل: أسكوله، أحلاطون، إصطبه، إصطديون, (نفس الشيء حدث للعربية: أفلاطون، أَستاد). وقد أضيفت هذه الألف الاستهلالية في كلمات يونانية لا تبدأ بالساكن مثل: أخسنيه، ألخسون من xena, loxon. وهذا يدل على ما يبدو أنه من الأسهل في العبرية التلفظ بكلمات أولها صوت متحرك ومع هذا لا بد من التنويه ببعض الكلمات اليونانية المستعملة في العبرية اليوم وهي تبدأ بالساكن مثل سپورط، وهذا يؤكد القول الشائع: لكل قاعدة شواذ.
ومن المعروف أن الكثير من الكلمات اليونانية كانت قد دخلت اللغة العبرية في العصور الغابرة لا سيما في لغتي العهد القديم والمشناة. وعلى مرّ التاريخ كانت هناك علاقات تجارية وثقافية بين اليونانيين والكنعانيين. والألفباء الكنعاني هو أساس الأبجدية الإغريقية ومنها انبثقت الأبجدية اللاتينية. والجالية اليهودية التي تحدثت باللغة اليونانية كانت تسكن مدينة الإسكندرية الهلينية آنذاك حيث نُقل العهد القديم بأسره وبعض أسفار الأبوكريفيا مثل سفر طوبيا إلى اللغة اليونانية. ومن المعروف أن الديانة المسيحية قبلت هذا العهد وفق نص هذه الترجمة السبعينية (Septuaginta). وبمرور الزمن ترجم العهد القديم من جديد إلى اليونانية كما حدث في القرن الثالث للميلاد حين قام الأب أوريجنوس بالترجمة واضعا العهد القديم في طبعة تحمل الاسم “الهِكْسپلاه” أي السداسية ، ستة أعمدة: العهد القديم بالعبرية، العهد القديم بالعبرية ولكن بالنقحرة اليونانية والأعمدة الثلاثة الباقية هي بمثابة ترجمات يونانية مختلفة وهي بالترتيب: Aquila of Sinope, Symmachus the Ebionite, Seeptuagint, Theodotion. يذكر أن العامود الثاني قد اندثر كله تقريبا.
من الألفاظ اليونانيةالتي دخلت العبرية وما زالت حية تُرزق نأتي على سبيل المثال بهذه العيّنة )لأسباب تقنية كتبت الكلمات بالحرف العربي بدلا من العبري وبدون حركات ( أووير، أوخلسيه، أزمل، أطليز ) كان المعنى: سوق معفية من الضرائب ( إطريوت، أخسنيه، ألخسون، أندرطه، أنقدوطه، أسكوله، أسطرطجيه، أپيقورس، إصطبه، إصطديون، إصطله، أقدميه، أرخيون، أرخيطقط، أتلط، بسيس، چزوزطرا، دوچما، ديوقن، ديموقرطيه، دفوس، هچمون، هديوط، هيمنون، ويلون، زوچ، ,حلوده، طوفس، طيرون، طرقلين، كروف، مطروپولين، مخونه، ملط، ملففون، ممون، مستورين، مرتون، نيمه، نيموس، نمل، نرتيق، سودر، سوفچونيوت، سيمطه، سيمن، سكين، سندل، سندق، سنهدرين، سنطر، سفچ، سفسل، سفل، پولموس، فومپي، پوندق، پز، پيوط، فيلوسوفيه، پنس، پنقس، فرهسيه، پروزدور، پرس، قبرنيط، قومقوم، قتدره، شزيفيم، تيأطرون، تيق، تريس.
كل لغة بشرية طبيعية تتأثر وتؤثر على الدوام بما حولها من لغات أخرى وذلك وفق مستوى ناطقيها الثقافي والحضاري، وما يسترعي الانتباه والبحث سبر طبيعة هذا التلاقح اللغوي الحضاري ومداه ومسبباته ونتائجه. واللغة البشرية الطبيعية مرآة للشعب أو الشعوب الناطقة بها وفي حال العربية إذا تقدم العرب في ميادين شتى في العلم والمعرفة انعكس ذلك ريجابا على أداة التعبير الرئيسة. وفي حال التبعية والاجترار وفقدان أسس التفكير العلمي وتفشي القال والقيل والنميمة السرطانية التي تنغل في جسم وروح معظم شرائح المجتمعات العربية إن لم تكن في كلها، نقول في مثل هذه الأوضاع المزرية والتعيسة لا أمل في الخطو إلى الأمام والمساهمة في الفكر الإنساني. والسؤال الجوهري الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو في تقديرنا كيف يتسنى للجيل الصاعد أن يتشرب روح التفكير الخلاق والاستقلالية والعزّة القومية في ظروف يكون فيها المدرسون بل والمدراء في المدارس على اختلافها بعيدين عن هذه الصفات لا بل قسم كبير منهم يدندن ليل نهار ويحط من قيمة أبناء جلدته!
من هذا المنطلق لا نرى صراعا حقيقيا في الحضارات بل أخذ وعطاء لبناء صرح حضارة الجنس البشري ككل.

غالية خوجة
03/05/2008, 01:59 AM
لا بد أن تكون أركيولوجيا المعلومات دقيقة أصولا ً بمراجعها ومصادرها لا سيما حين يتعلق الموضوع بمادة ابستيمولوجية معرفية إنسانية حضارية وتاريخية ولغوية أيضاً..
ومنذ البداية لا بد للقارئ النبيه أن يجد استغراباً في ما ورد وخاصة (احتلال العرب لفلسطين)؟!!!!!! والمأساة تكمن في التكرار والإصرار!!! ثم يا أخي كيف يحتل العرب أنفسهم؟!!!!؟
وأذكر بأن المعلومات الأقرب إلى التاريخ، بأن أصل الحضارة الإغريقية هم نحن.. وأغلب فلاسفتها وشعرائها ومفكريها كانوا منا وقد هاجروا أو رحلوا أو طلبوا إلى هناك.. وأضيف بأن العلماء الموضوعيين سيكتشفون عاجلاً أم آجلاً بأن أصل اللغات جميعها هو اللغة العربية.. وهذا حدسي الكوني على الأقل..
هم يسرقون فلوكلورنا، أرضنا، وسماءنا، وقريباً لغتنا؟!!!!
ونحن لن نسمح لهم بذلك أبداً، أبداً، أبداً..
والله قادر على نصر الصادقين
وحسبي الله ونعم الوكيل

غالية خوجة
03/05/2008, 01:59 AM
لا بد أن تكون أركيولوجيا المعلومات دقيقة أصولا ً بمراجعها ومصادرها لا سيما حين يتعلق الموضوع بمادة ابستيمولوجية معرفية إنسانية حضارية وتاريخية ولغوية أيضاً..
ومنذ البداية لا بد للقارئ النبيه أن يجد استغراباً في ما ورد وخاصة (احتلال العرب لفلسطين)؟!!!!!! والمأساة تكمن في التكرار والإصرار!!! ثم يا أخي كيف يحتل العرب أنفسهم؟!!!!؟
وأذكر بأن المعلومات الأقرب إلى التاريخ، بأن أصل الحضارة الإغريقية هم نحن.. وأغلب فلاسفتها وشعرائها ومفكريها كانوا منا وقد هاجروا أو رحلوا أو طلبوا إلى هناك.. وأضيف بأن العلماء الموضوعيين سيكتشفون عاجلاً أم آجلاً بأن أصل اللغات جميعها هو اللغة العربية.. وهذا حدسي الكوني على الأقل..
هم يسرقون فلوكلورنا، أرضنا، وسماءنا، وقريباً لغتنا؟!!!!
ونحن لن نسمح لهم بذلك أبداً، أبداً، أبداً..
والله قادر على نصر الصادقين
وحسبي الله ونعم الوكيل

نصر بدوان
03/05/2008, 07:42 AM
أحسنت يا غاليه, لم أتم قراءة الموضوع, حين صدمت باحتلال العرب لفلسطين,

وقلت هذا موضوع يحتاج لقراءة هادئة, قبل الخوض في رد مطول, يفرز السم

من الدسم.وآمل أن أجد الوقت لذلك.

تحياتي

نصر بدوان
03/05/2008, 07:42 AM
أحسنت يا غاليه, لم أتم قراءة الموضوع, حين صدمت باحتلال العرب لفلسطين,

وقلت هذا موضوع يحتاج لقراءة هادئة, قبل الخوض في رد مطول, يفرز السم

من الدسم.وآمل أن أجد الوقت لذلك.

تحياتي

مصطفى علي العسـود
03/05/2008, 10:41 AM
أخوتي الأعزاء

فلسطين هي جزء من ما يسمونه ونسميه نحن أيضا بالشرق الأورسط و قد نسينا أو تناسينا ان المنطقة كان يطلق عليها سوريا الكبرى أو بلاد الشام وكانت القبائل العربية يسكنون بها منذ قديم الأزل ولا زالت . فكيف يا استاذ ويا دكتور تقول بأن العرب والمسلمون احتلوا أرضهم ؟

وقد تناسينا بان الوطن العربي يضم بلادما يطلقون عليه شمال اقريقيا والشرق الأوسط وهو يضم أكبر عدد من البلاد العربية دون غيرها .
يجب ان نعيد الحق بالتسميه للوطن العربي .

وشكرا

مصطفى علي العسـود
03/05/2008, 10:41 AM
أخوتي الأعزاء

فلسطين هي جزء من ما يسمونه ونسميه نحن أيضا بالشرق الأورسط و قد نسينا أو تناسينا ان المنطقة كان يطلق عليها سوريا الكبرى أو بلاد الشام وكانت القبائل العربية يسكنون بها منذ قديم الأزل ولا زالت . فكيف يا استاذ ويا دكتور تقول بأن العرب والمسلمون احتلوا أرضهم ؟

وقد تناسينا بان الوطن العربي يضم بلادما يطلقون عليه شمال اقريقيا والشرق الأوسط وهو يضم أكبر عدد من البلاد العربية دون غيرها .
يجب ان نعيد الحق بالتسميه للوطن العربي .

وشكرا

وليد الأزهرى
09/05/2008, 09:14 AM
.

عندما يتبنى الإغريق الحروف الأبجدية الفينقية فلابد أن تكون لغتهم قد تأثرت بلغات أهل المنطقة ( جنوب البحر الأبيض ) , وكما يقال فإن الفينيقيين كان لهم فضل نقل الحضارة المصرية عبر البحر الأبيض.

عمر عاصي
06/09/2008, 02:07 PM
تقرير مميز فِعلا ..

وللحق فانني اتكلم اللغة العربية منذ اكثر من 15 عاما .. ولكنني لم أعلم يوماً بهذا الشأن .

حتى انني قرات بالعبرية عندما اردت كتابة تقرير : سهولة العبرية ، ولم اجد اليهود أنفسهم ذكرون ذلك .

شُكرا للفتة ..

والسّلام

سعد عبد السادة
05/07/2010, 06:47 PM
الاخوة والاخوات الاعزاء
يبدو ان الاستاذ الكريم البروفسور حسيب شحادة قد اثار ضجة مستحقة في مقاله هذا الذي اعتمد فيه اعتمادا كليا على المصادر العبرية , فقد سبق لي وان قرأت مقالة مشابهة باللغة العبرية بعنوان השפעת היוונית על הלשון העברית للبروفسور يحزكائيل كوتشر الذي اشار بالفعل الى عبارة ( الاحتلال العربي لفلسطين ! ! ! ) وغيرها , وهي كما وردت في المقالة العبريةة ( גם כיבוש א"י ע"י הערבים לא היה בו כדי לשים קץ להשפעה היוונית על העברית. אך השפעה זו מצאה לה הפעם דרכים חדשות לגמרי והופיעה עפ"ר בלבוש שונה. העברים הסתגלו עד מהרה לחיי התרבות שמצאו במזרח הקרוב, ומבדואים פראיים הפכו לשוחרי מדע. עד מהרה החלה פעולה ענפה ביותר של תרגומים מיוונית לערבית (לרוב בתיווך הסורית - ניב ארמי). אלא שהערבית חסרה היתה את כל המונחים בשטח הפילוסופיה, הרפואה, המתימטיקה ובשאר שטחי המדע. מה עשו, אפוא, הערבים? לעתים קיבלו את המונחים היוונים כמות שהם, אך לרוב תרגמוה מיוונית לערבית. וכך נוצרו בבואות של היוונית בערבית. )
ارت هنا ان ابين للاخوات والاخوة هذه الاشكالية والتي يبدو ان الاستاذ حسيب على ما اتصور لم يكن يقصد الاساءة فيما اشرنا اليه ...
للمزيد انظر الروابط الاتية وشكرا
http://lib.cet.ac.il/pages/item.asp?item=8680
http://www.safa-ivrit.org/imported/greek.php

السعيد ابراهيم الفقي
05/07/2010, 07:27 PM
عجب كل العجب ان يقال:
( احتلال العرب لأرض فلسطين - الشام )
ولن ازيد