المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : احياء يستغيثون باموات



نصرالمصري
08/05/2008, 03:25 PM
أحياء يستغيثون بأموات


{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً }.
معاشر المؤمنين :
إن الله عز وجل لم يرسل الرسل ليقنعوا البشر أن الله موجود فحسب، وإنما بعث الرسل من أجل أن يدعو البشر إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
إن الله أرسل الرسل وأنزل الكتب ليعبد وحده لا شريك له، ليفرد وحده بأنواع العبادة من خوف ورجاء، وتوكل ورغبة، ورهبة وخشية، و إنابة واستعانة وغير ذلك من أنواع العبادات وبين هذا بقوله {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون } ثم بين عز وجل أن مقصوده والذي يرضيه من هذه العبادة أن تكون خالصة له وحده لا شريك له إذ قال سبحانه { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء }.
هذا بيان من الله بالمقاصد التي من أجلها خلق الخليقة، فا الله سبحانه أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وخلق السموات والأرض، وأعد الجنة والنار، ليعرف ويعبد ويوحد، وليكون الدين كله له وحده والطاعة كلها له وحده والدعاء له كله وحده {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين }.
لقد أخبر عز وجل أن القصد بالخلق والأمر أن يعرف بأسمائه وصفاته فيعبد وحده و لايشرك به و أن يقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض إذ قال سبحانه {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات و أنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}.
فأخبر سبحانه أنه أرسل الرسل و أنزل الكتب ليقوم الناس بالقسط وهو العدل، وأعظم القسط التوحيد وهو رأس العدل وقوامه فالتوحيد أعدل العدل والشرك أظلم الظلم { إن الشرك لظلم عظيم }.
الشرك يا عباد الله أعظم المحرمات على الإطلاق فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قالوا : قلنا بلى يارسول الله. قال : الإشراك بالله ".
وكل ذنب يمكن أن يغفره الله إلا الشرك فلا بد لصاحبه من توبة مخصوصة قال تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء }. وما أسرع وما أخطر ما حل بأمة الإسلام من مظاهر الشرك ‍ بعد موت نبيها صلى الله عليه وسلم.
إن كثيراً من المسلمين لا يعلمون عظم الفادحة التي حلت بأمة الإسلام بوقوع كثير منهم في الشرك وهو لا يعلمون.
ألم يعلموا أنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ؟
ألم يعلموا أنهم لو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ؟
ألم يعلموا قول الله {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } ؟ .
إذا فلا نجاة ولا قبول ولا سعادة إلا بالتوحيد ولذا نرى القرآن كله من فاتحته إلى خاتمته يبين التوحيد ويوضحه، فلا تكاد تمر بآية من كتاب الله إلا وفيها أمر بالتوحيد أو نهي عن ضده وهو الشرك، أو وعد جزيل للموحدين، أو وعيد وبيل للمشركين التاركين سبيل التوحيد.
فالتوحيد أوجب الواجبات و أهم المهمات ومن ثم كان أول أمر في كتاب الله الأمر بالتوحيد قال تعالى {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون }.
ولذا نرى أول نهي في كتاب الله النهي عن الشرك إذ قال تعالى { فلا تجعلوا لله أنداداً و أنتم تعلمون }.
إن فاتحة الكتاب، إن السبع المثاني، إن القرآن العظيم الذي أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم هذه كلها توحيد وحسبكم قول الله عز وجل { إياك نعبد و إياك نستعين } وإن تحقيق هذا التوحيد يكون بالتوجه لله تعالى وحده.
إن تحقيق التوحيد ليس بقولنا نحن موحدون وليس بإقرارنا أو قولنا بألسنتنا وادعائنا بغير برهان.
إن تحقيق التوحيد يكون بإفراد الله بكل أنواع العبادة. يكون بالبراءة من كل ما يعبد من دون الله فينبغي أن يتجه العباد بالعبادة كلها لله سبحانه سواء كانت عبادة قلبية أو اعتقادية أو بدنية أو مالية ينبغي أن نخلصها كلها لله سبحانه وتعالى فقد أمر الله بقوله { إياك نعبد } ولا يصدق قائل هذا إلا بدليل. إن الذي يقول في صلاته { إياك نعبد و إياك نستعين } لا يصدق قوله إلا إذا حقق هذا المعنى وهو أن يخص ربه بالعبادة وأن يفرد ربه بالعبادة وهو معنى قوله { فإياي فاعبدون }، { و إياي فاتقون }. كما عرف من لغة العرب أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر أي لا تعبدوا إلا الله، لا تعبدوا غير الله، لا تتقوا غيره. فإفراد الله بالعبادة لا يتم إلا بأن يكون الدعاء كله له و النداء في الشدائد والرخاء لا يكون إلا له وحده والاستعانة بالله والذبح والنحر وجميع أنواع العبادة لا تكون إلا لله وحده.
لقد عظم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانة التوحيد واهتم بمقامه أعظم اهتمام.
عظم هذا التوحيد بفعله وبقوله بل وفي أشد أحواله، إذ أنه صلى الله عليه وسلم وهو في مرض موته عندما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم مرض الموت وتهيأ لفراق الدنيا و اللحاق بالرفيق الأعلى فماذ قال صلى الله عليه وسلم ؟ ماذ قال وهو يعالج سكرات الموت ؟ ماذا قال والحمى تجعل العرق يتصبب من بدنه وجبينه الطاهر ؟ ماذ قال والصحابة رضي الله عنهم يريقون على بدنه الشريف من سبع قرب من سبع آبار مختلفة لم تحل أوكيتهن من شدة ما نزل به أثناء معالجته سكرات الموت ؟
إنه صلى ا لله عليه وسلم قال كما روت عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما قالا : لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم الموت طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو ينازع سكرات الموت : " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذّر ماصنعوا ". رواه البخاري ومسلم.
فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنه في هذه الحالة وشيك الفراق هذه الدنيا، وشيك اللحاق بالملأ الأعلى بربه الجليل العظيم فخشي أن يجعل قبره مسجداً، خشي أن يجعل قبره مزاراً، خشي أن يجعل قبره مكاناً يعبد فيه غير الله.
نعم – يا عباد الله – إذا نظرنا إلى حال كثير من المسلمين اليوم وجدنا أنهم ليسوا على توحيد خالص في باب الألوهية والعبودية فمنهم من يعبد القبور، ومنهم من يعبد الأنبياء، ويدعو الأولياء ويستغيثون بهم، ومنهم من يطوف بالقبور كما يطاف بالكعبة.
منهم من يلوذ بهذه القبور وينحر لها ويتبرك بها، ويستغيث برميم فيها، رجاء نفعها أو دفع ضرر يخافه، ومنهم من يؤله الحكام ويجعلهم في منزلة الألوهية يطيعهم فيما حرم الله فيستحله، وفيما أحل الله فيحرمه.
هذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته في أيمه الأخيرة وهو يودع الدنيا ويستقبل الآخرة. هذا عهده وذاك ميثاقه إلى الأمة. لقد بلغ أتم البلاغ وبين أوضح البيان{ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل }.
ولكن – يا عباد الله – مرت عقود ومضت عهود فإذا أمة محمد صلى الله عليه وسلم تنقض ميثاقه وتنكث عهده، إذا طائفة من أمة محمد تنقض الميثاق وتنكث العهد وإذا بالمساجد تشيد على القبور، وإذا القبور تأوي إلى المساجد فتناثرت هذه الأضرحة في ثنايا المساجد وشيدت المساجد على القبور في أنحاء العالم الإسلامي، ولسنا بحاجة أن نضرب لكم أمثالاً شاهدة واضحة ناطقة بقبور يحج إليها أقوام بالمشرق والمغرب وفي الشمائل وفي كثير من البقاع يقطعون آلاف الأميال ويهجرون الأولاد والضيعات يريدون من أصحاب هذه القبور أن يفرجوا كرباتهم، وأن يجيبوا دعواتهم، وأن يقضوا حاجاتهم ومذام إلا لجهلهم با الله وجهلهم بالأسباب التي تفضي إلى ذاك الشرك العظيم.
وكلما بعد الناس من عهد النبوة كثر الجهل فيهم والشر كله في هذا الباب عائد إلى الجهل بعظمة الله، عائد إلى الجهل بدين الله، عائد إلى السكوت عن إنكار البدع والمنكرات والأمور المكفرات قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه الشيخان وغيرهما عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم { إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبُق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا و أضلوا }. فذهاب العلماء العاملين من أسباب ظهور الجهل وضلال العباد.
أيها المسلمون :
من ينكر مظاهر الشرك الموجودة في كثير من بلاد المسلمين، بل إن بعض البلدان التي زرناها وقابلنا فئاماً من الناس فيها تجد أحدهم يدعي أنه ينتسب إلى التوحيد و لا يرضى أن يوسم بشيء من ذرائع الشرك ثم يجادلك جدال المستميت ويسل لسانه بكل باطل ليدحض به الحق ليقول إن هؤلاء الأجداث وهؤلاء الرميم الساكنين وسط القبور يقاتلون الأعداء ويدفعون البلاء ويجيبون الدعاء.
إن مظاهر الشرك الأكبر المنتشرة في كثير من البلاد الإسلامية عبادة القبور. وهذا من المظاهر التي عمت وطمت في هذا الزمان، أن بعض المسلمين أو بعض من ينتسبون إلى الإسلام يعتقدون أن الموتى يقضون حاجات الأحياء، وأن الموتى يفرجون كربات الأحياء، فيستعينون بهم ويستغيثون بهم في ما لايقدر عليه إلا الله عز وجل فكلما وقع الواحد منهم في مصيبة أو بلية أو كربة فهذا يقول : يا محمد وهذا يقول يا علي والآخر يقول يا حسين والثالث يقول يا بدوي والرابع يقول يا عبدالقادر يا جيلاني والخامس يقول يا شاذلي والسادس يقول يا عيدروس وسم إلى المئات التي يستغاث بها من دون الله وتنادى من دون الله وتدعى من دون الله وهي رميم لا تدفع عن نفسها قليلاً و لاكثيراً، ناهيك عن من يعظمون ويذبحون وينحرون ونساء يطلبن الحبل والحمل، يطلبون الولد والذرية، يصيحون بقبر الرفاعي يطوفون حوله ولد .. ولد يارفاعي.. مدد .. مدد ياعيدروس .. مدد .. مدد يا سيدة زينب هبينا ولداً وأعطينا وليداً والله يقول : { إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم } والله عز وجل يقول : { أمّن يجيب المظطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض إإله مع الله }.
إإله مع الله يجيب المظطر ؟ إإله مع الله يكشف السوء ؟ إإله مع الله يجيب الدعاء ؟ إإله مع الله يسمع النداء ويفرج الكربة ؟.
و ياليت الأمر يقف عند هذا. فبعض عباد القبور يطوفون بها، ويستلمون أركانها، ويتمسحون بها، و يقبلون أعتابها، ويعفرون وجههم في تربتها، ويسجدون لها إذا رأوها وهم قادمون عليها، ويقفون أمامها مطرقين خاضعين خاشعين متذللين متضرعين سائلين مطالبهم وحاجاتهم وشفاء مرضاهم وربما نادى الزائر الجاهل ربما نادى صاحب القبر قائلاً ياسيدي جئتك من بلد بعيد فلا تخيبني والله عز وجل يقول { ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون }. وقال صلى الله عليه وسلم : ( من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار ). رواه البخاري. بل إن بعضهم يعتقد أن الأولياء والمقبوريت يتصرفون في الكون و أنهم يضرون وينفعون والله عز وجل يقول { قل ادعو الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ومالهم فيهما من شرك وماله منهم من ظهير} والله عز وجل يقول { و إن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله }.
نعم يا عباد الله :
إن ممن يدعون الإسلام أو ينتسبون و إن فئاماً من المسلمين جهلاً منهم يظنون أن عبادة أن زيارة أن الطواف والدعاء لهذه القبور أمر مشروع غير ممنوع.
وفي الحقيقة – يا عباد الله - أن من أسباب انتشار هذه المظاهر الشركية هو التهاون في الاقتراب من الوسائل المؤدية إلى الشرك كتجصيص القبور والبناء عليها وتعليتها فقد أخرج مسلم وغيره عن جابر رضي الله عنه قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبر وأن يقعد عليه و أن يبنى عليه بناء ) وأيضاً في حديث أبي الهياج الأسدي الذي أخرجه مسلم والنسائي وغيرهما أن علياً رضي الله عنه قال لأبي الهياج ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته و لاتمثالاً إلا طمسته.
وأيضاً إن من أسباب الوقوع في الشرك اتخاذ هذه القبور مساجد في قوله صلى الله عليه وسلم ( لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذّر ما صنعوا ) وقال صلى الله عليه وسلم ( إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك ) . أخرجه مسلم.
وإن من أسباب الوقوع في الشرك شد الرحال إلى المساجد، ومعلوم أن شد الرحال إلى القبور لا يجوز أبداً و لايجوز شد الرحال إلى المساجد أيضاً إلا إلى ثلاثة مساجد لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى ) متفق عليه.
وغير ذلك من وسائل الشرك التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم. وقد يقول قائل وما المصيبة في شد الرحال إلى المساجد ؟ أليس الناس يشدون الرحال للتجارة أو للعلم أو لأمور أخرى ؟ نقول لهم إن النبي قد نهى عن ذلك ثم إن شد الرحل إلى المساجد ربما كان لأجل قبر يوجد فيها بل ربما غلب على من شد الرحل إلى هذا المسجد وقد قطع المسافات الطويلة وأنفق الأموال الطائلة أن يقول ماذا لو وقفت أو زرت واستعنت أو ناديت أو هاتفت صاحب هذا القبر ؟ لعله أن ينظر حالي أو يسمع مقالي أو ينظر إلى ضعفي وقلة حيلتي. وهذا حال كثير ممن ينازعون في هذا الأمر فتراهم يقولون نحن نشد الرحال إلى القبور لنسلم عليها لكننا لا ندعوها ولو لم يغلب على ظنه أن في النفس شيء من القرب والمناجاة والدعاء إلى هذا لما شد الرحل إليه ولا زاره.
إذاً فشد الرحال إلى المساجد الثلاثة أما القبور فلا تشد الرحال إليها أيا كانت، قبور أولياء، أو قبور أنبياء.
نعم …. من زار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشروع له أن يسلم على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم و إن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم تبلغه من كل مصلٍ أينما كان.
أيها المسلمون :
إن من مظاهر الشرك الأكبر أيضاً الذبح لغير الله فإن الذبح عبادة من أجل العبادات وأعظمها و لذا قال تعالى { فصل لربك وانحر } أي انحر لله وعلى اسم الله وقال تعالى { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين } والنسك هو الذبح، فإذا تبين أن الذبح عبادة فصرف هذه العبادة لغير الله لا يجوز.
إنني ذات مرة زرت بلداً قريبة مجاورة ربما يبعد بيننا وبينها 500 كم أو أقل فلما دخلتها ذُكر لنا أن مكاناً فيه ضريح فذهبنا لننظر ماذ يفعل هؤلاء السدنة وهؤلاء الجهلة فلما قدمنا إذ بمراغة على يمين الطريق إلى هذا الضريح وفيها من آثار الدماء وفيها من رؤوس البهائم وفيها من عظامها وأقدامها أمرٌ تقشعر له الأبدان وتظلم له الوجوه وتنكره الأفئدة وينكسر له القلب من كثرة ما نحر لصاحب القبر الموجود هناك.
و والله إنهم يذهبون بخيبة ويعود كثير منهم بشرك ومروق وخروج من الإسلام وهو لا يعلم. قال صلى الله عليه وسلم : " لعن الله من ذبح لغير الله " رواه مسلم. وقد كثر الذبح لغير الله في هذا الزمان لعموم الجهل بتوحيد العبادة فمن هذه الذبائح الشائعة في عصرنا أن بعض الناس إذا نزل منزلاً أو سكن بيتاً جديداً ذبح عند عتبة الباب من أجل إرضاء الجن أو دفع شرهم وهذا بعينه من ذبائح الجاهلية فإنهم كانوا إذا اشتروا داراً أو حفروا بئراً ذبحوا عندها أو على عتبتها ذبيحة خوفاً من هذا الجن. وكذلك ما يفعله بعض الناس من الذبح للقبور، قبور من يسمونهم أولياء أو يجعلونهم وسائط وزلفى وكذلك الذبح عند قدوم المعظمين وذوي الجاه والزعامة فإذا رأيت الرجل إذا أقبل نحرت الذبائح بين يديه و أمام ناظريه فإن هذا إهلال بالذبح لغير الله وإهلال بالذبح لغير وجه الله وإهلال وسفك للدماء لغير الله عز وجل.
إن الماء لا تسفك إلا لله، فدماء البشر تسفك لوجه الله شهادة في سبيله ودماء البهائم تسفك لوجه الله تعظيماً لجلاله. أما سفك الدم ولو من ذبابة ولو من حشرة فذاك شرك أكبر مخرج من الملة. وكلكم يعلم حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلين دخل أحدهم النار في ذبابة و الآخر دخل الجنة في ذبابة إذ أنهما مرّا بضريح أو ميت يقرب له فينحر ويذبح له فقيل لهما، قيل للأول منهما قرِّب قرِّب، قال لا أجد ما أقرِّب، فقالوا له قرِّب ولو ذباباً، فقال لا أقرِّب لغير الله ولو ذباباً فأخذوه فقتلوه فدخل الجنة. و أما الآخر فقيل له قرِّب قرِّب، قال ما أجد ما أقرِّب، قالوا قرِّب ولو ذباباً، فقرِّب لهم ذبابة فدخل النار والعياذ با الله .
نعم – أيها الأحبة- إن هذا من الأمور الخطيرة العظيمة وهي تساهل كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام بهذه الأمور فيقعون في الشرك وهم لا يعلمون أو يُخبرون فيصرون و لا يرعوون.
إن من الأمثلة الشاهدة على انتشار مسائل الشرك بين المسلمين في هذا الزمان النذر لغير الله فالنذر عبادة لا يجوز صرفها إلا لله عز وجل قال تعالى { ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق } وقال تعالى { يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً } قال صلى الله عليه وسلم : " من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " رواه البخاري وغيره.
وعليه فما يفعله بعض الناس من النذر للمشايخ وللأموات كأن يقول مثلاً يا رب لو نجح ابني أو ابنتي سأذبح لك يا شيخ عبد القادر أو يا بدوي خروفاً فهذا العمل شرك بالله، فالذي عليه أئمة الدين من أئمة أهل السنة والجماعة أن من اعتقد من المكلفين المسلمين جواز الذبح والنذر للمقبورين فاعتقاده هذا شرك أكبر مخرج من الملة يستتاب صاحبه ثلاثة أيام ويضيق عليه فإن تاب و إلا قُتل حتى يعلم الناس خطر هذا العمل.
والجيب – يا عباد الله – أنه هؤلاء الذين يدعون الرميم و الأجداث في القبور والعجب العجاب أن هؤلاء الذين يذبحون وينذرون ويستغيثون باالأموات يستدلون أو يتعلقون بشبهة أوهى من واهية بل أوهى من خيط العنكبوت إذ أنهم يقولون أننا لا نعبد هؤلاء القبور لنقول أنهم يقومون مقام الله أو مكانه و إنما نراهم شفعاء عند الله {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } وقد أبطل الله هذه الشبهة وبين أن من عبد غيره كائناً من كان فقد أشرك به وكفر كما قال تعالى { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند } فرد الله عليهم بقوله { قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعلى عما يشركون } فبين سبحانه أن عبادة غيره من الأنبياء والأولياء أو دعائهم أو غيرهم هي الشرك الأكبر و إن سماها فاعلوها بغير ذلك. قال تعالى { والذين اتخذوا من دونهم أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } رد الله عليهم بقوله { إن الله لا يهدي من كاذب كفار } فبين سبحانه أن عبادتهم لغيره بالدعاء والخوف والرجاء كل ذلك كفر به سبحانه بل كذبهم الله بقولهم إن آلهتهم تقربهم إلى الل زلفى ولو قدروا الله حق قدره مادعوا غيره ولو عظموا الله حق عظمته ما استغاثوا بغيره ولو عرفوا الله حق المعرفة وعلموا بربهم حق العلم ما ذبحوا ومانذروا لغيره قال اللهعز وجل عن خليله إبراهيم عليه السلام أنه قال لقومه : { ماذا تعبدون أئفكاً آلهة دون الله تريدون وما ظنكم برب العالمين } أي فما ظنكم برب العالمين أي يجازيكم به إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره. ما ظنكم برب العالمين حتى عبدتم معه غيره ؟ ما ظنكم برب العالمين ؟ ما ظنكم بأسمائه وصفاته وربوبيته من النقص حتى أحوجكم ذلك إلى عبودية غيره ؟ أظننتم أن ربكم ناقصاً حتى تكملوا ما نقص من العبادة لغيره ؟ أو ظنكم أن ربكم لا يسمع دعائكم حتى تذهبوا إلى القبور لتبلغ دعائكم إلى الله ؟ أظنكم أن الله لا يعلم خائنة أعينكم وخفايا صدوركم حتى تذهبوا إلى القبور لتبلغ إلى الله هذا ؟ والله الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض.
لو ظننتم بالله ما هو أهله أنه بكل شيء عليم، لو ظننتم بالله أنه على كل شيء قدير، لو ظننتم بالله أنه غني عن كل ما سواه وكل ما سواه إليه فقير، وأنه قائم بالقسط على خلقه وأنه المنفرد وحده بتدبير خلقه لا يشاركه فيه غيره، والعالم بتفاصيل الأمور فلا تخفى عليه خافية لو ظننتم هذا لعبدتموه وحده لاشريك له لو ظننتم أنه وحده هو الكافي للعباد فلا يحتاج إلى معين، وهو الرحمن بذاته فلا يحتاج في رحمته إلى ذي قبر أو ضريح أو من يسمى ولياً ليشفع للعبد الحي بين يدي الله ليرحم هذا المحتاج أو الزائر. لو ظنوا بالله ظناً حسناً، لو ظنوا بالله على علم وقدروا الله حق قدره لما عبدوا معه غيره.
إن الله لايحتاج إلى واسطة. إن الله يسمع فلا يحتاج إلى صاحب قبر أو صاحب قبر يمعه. إن الله يعلم فلا يحتاج إلى ساكن ضريح حتى يعلمه. إن الله يرحم فلا يحتاج إلى صاحب قبر حتى يشفع عنده حتى يبلغ عباده هذه الرحمة. أما ملوك الأرض، أما ملوك الدنيا، أما الزعماء والرؤساء والوجهاء والعظماء في الدنيا فإنهم محتاجون إلى من يعرفهم أحوال رعاياهم وحوائجهم، محتاجون إلى من يشفع عندهم لقضاء حوائج بعضهم، يحتاجون إلى من يسترحمهم بقدر ما يملكون ويستعطفهم بالشفاعة في دقر ما يستطيعون فملوك الدنيا ورؤساؤها وزعماؤها يحتاجون إلى الوسائط لحاجتهم، لضعفهم، لعجزهم لأنهم لا يعلمون، لأنهم لا يقدرون، لأنهم لا يعلمون خائنة و لا ما يخفيه الصدر.
أما الله عز وجل فهو غني عن هذا كله لأنه غني عن العباد. أما القادر على كل شيء، الغني بذاته عن كل شيء، العالم بكل شيء، الرحمن الرحيم، الذي وسعت رحمته كل شيء فإدخال الوسائط بينه وبين خلقه لنقص في حق ربوبيته وانتقاص لحق ألوهيته وظن به ظن السوء تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
ماقدروا الله حق قدره، ماقدر الله حق قدره من عبد معه غيره. اسمعوا قول الله { يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف افطالب والمطلوب إن الله لقوي عزيز}. وماقدر الله حق قدره من عبد معه غيره ممن لا يقدر على خلق أضعف حيوانٍ وأصغره وإن سلبه ذلك الحيوان الحقير الصغير شيئاً لايستنقذه منه ليبقى عاجزاً حيراناً ليبقى شاهداً على نفسه أنه لا يمكن أن يقدم صغيراً و لاكبيراً من دون الله. قال تعالى { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون }. انظروا إلى هذه الجزيرة، بل انظروا إلى قارة آسيا، بل انظروا إلى الكرة الأرضية، إنها ومن فيها من جبال وبحار ومحيطات ومخلوقات كلها يوم القيامو في قبضة الله.
فهل يحتاج هذا الرب الذي تكون الأرض قبضته يوم القيامة؛ هل يحتاج إلى واسطة من بشر ضعيف ؟ هل يحتاج إلى زلفى من مخلوق لا يقدم قليلاً و لاكثيراً ؟.
إن الذي يعبد غير الله ماقدر الله حق قدره وما عظمه حق تعظيمه. بل إن من استعان بمخلوق ضعيف فإنه ينتقص ربه أم يتهم ربه بنقصٍ في أسمائه أو صفاته أو ذاته.
إن من أنواع الشرك المنتشرة في كثير من البلدان الإسلامية ومما يندى له الجبين السحر وهو كفر من السبع الكبائر الموبقات. والسحر يضر و لاينفع قال تعالى { فيتعلمون ما يضرهم و لاينفعهم } وقال تعالى { ولا يفلح الساحر حيث أتى }.
والذي يتعاطى السحر كافر قال تعالى { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر }. وتعلمون أن حكم الساحر أن يقتل وكسبه حرام خبيث ويا للأسف قد انتشر هذا السحر بين كثير من المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي وما يفعله الجهال والظلمة وضعفاء الإيمان من الذهاب إلى السحرة لعمل سحر أو ما يسمى عند العامة وعند النساء خاصة ما يسمى بالعمل يعتدون به على الناس أو ينتقمون منهم أو يفرقوا بين الرجل وزوجه ومن هؤلاء الجهال من إذا أصابه أدنى بلاء لجأ إلى الساحر ليفك عنه والواجب اللجوء إلى الله والإلحاح على الله والتضرع بين يدي الله والاستشفاء بكلامه وما شرعه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
إلا وإن من أنواع الشرك المنتشرة في كثير من بلاد المسلمين الكهانة والعرافة وهما إدعاء على الغيب ومعرفة الأمور الغائبة كا الإخبار بما سيقع في الأرض وما سيحصل للناس والله عز وجل يقول { قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله }.
وكثير من المسلمين – هداهم الله – يذهبون إلى الكهنة والعرافين لمعرفة المستقبل ومعرفة السعادة والشقاوة في تجارة أو في زواج، يذهبون إلى الكهنة والعرافين للبحث عن شيء من المفقودات وكل ذلك عن طريق الشياطين يستخدمونهم، يقربون لهم، يذبحون لهم لكي يسترقوا السمع من السماء كما قال تعالى { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون }.
وهم يستخدمون في ذلك وسائل عديدة كقراءة الفنجان أو قراءة الكف أو التنجيم أو الخط أو الرمل أو غير ذلك وهذا شبيه بل ربما كان مطابقاً لما يوجد في بعض زوايا الصحف والمجلات التي فيها زاوية بعنوان حظك والنجوم فتجد أحدهم يبعث باسمه إلى محرر هذه الزاوية في المجلة أو الجريدة فيقول له أنت من مواليد برج كذا واسمك كذا واسم أمك كذا ستتزوج سعيدة أو شقية وتفعل كذا وتدخل في محاولة خاسرة ثم بعد ذلك تكون من الرابحين وكل هذا من العرابة ومن الكهانة ومن ادعاء علم الغيب.
أيها المسلمون :
إن الله عز وجل هو المتفرد بعلم الغيب وحده ومن ادعى مشاركة الله بشيء من ذلك بكهانة أو غيرها أو صدق من يدعي ذلك فقد جعل لله شريكاً فيما هو من خصائصه. قال صلى الله عليه وسلم : " من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمدصلى الله عليه وسلم ".
أما الذي يذهب إلى الكهنة والعرافين من غير أن يصدق بأخبارهم وما يقولون و إنما للتجربة أو للتسلية فإنه لا يكفر ولكن لا تقبل منه صلاة أربعين يوماً. قال صلى الله عليه وسلم : " من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً " رواه مسلم.
هذا مع وجوب الصلاة عليه في تلك الأربعين ووجوب التوبة والندم والإكثار من الحسنات الماحية للكبيرة والسيئات.
ألا وإن من أمثلة الشرك الأكبر الشائع في كثير من بلاد المسلمين تحليل ماحرم الله أو تحريم ما أحل الله او اعتقاد أن أحداً له الحق في ذلك غير الله عز وجل.
ألا وإن من صور الشرك التحاكم إلى المحاكم والقوانين التي هي من وضع البشر غربية كانت أم شرقية عن رضاً واختيار مستحلاً لذلك أو معتقداً جواز ذلك، إذا كان لهذه الواقعة نص من كلام الله ورسوله فلا يجوز لأحد أن يتحاكم إلى أي محكمة كانت قريبة أو بعيدة.
أيتحاكم إلى البشر و يُترك دستور رب البشر ؟! أيتحاكم إلى الخلق الجهلة الضعاف ذوي الأهواء والشهوات والميل ويُترك تشريع رب العالمين وحده لا شريك له ؟ لقد استنكر سبحانه أن يتخذ العباد مشرعاً غيره فقال سبحانه { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } وقال تعالى { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون} ووصف الله المشركين بأنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله و لا يدينون دين الحق. قال تعالى { قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون } وقال تعالى { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله } ولما سمع عدي بن حاتم نبي الله صلى الله عليه وسلم يتلو هذه الآية فقال عدي فقلت إنهم لم يكونوا يعبدونهم.
إن عدي بن حاتم لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ يتلو قول الله في سورة التوبة { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً } قال عدي : يا رسول الله إنهم لم يعبدوهم إنهم لم يعبدوهم يقول عدي قلت للنبي صلى الله عليه وسلم إنهم لم يكونوا يعبدونهم فقال صلى الله عليه وسلم أليسو يحلون لهم ماحرم الله فيستحلونه أليسوا يحرمون عليهم ما أحل الله فيحرمونه فتلك عبادتهم لهم .
أيها المسلمون :
إذا كان هذا فيمن أطاع غير الله في تحليل وتحريم ما أحل وحرم الله فيما يخالف شرع الله فكيف بمن يشرع قوانين وضعية هي من صنع الكفار والملحدين تُجلب إلى بلاد المسلمين ويحكم بين الناس بها و يُجبر الناس عليها. إن هذا لمن أعظم الشرك بالله.
أيها الأحبة في الله :
إن هذه المسائل من الأمور التي قد لاتورنها ولا تعرفونها في هذه الجزيرة التي أكرمها الله بالتوحيد ومنَّ عليها بدعوة الإمامين رحمهما الله ولكنها منتشرة في كثير من بلدان المسلمين وفي كثير من البلاد والدول التي تنتسب إلى الإسلام، هناك لهذا الشرك أضرحة وسدنة ونظم وقوانين وهيئات ونفقات وأوقاف و أحباش وأسدان كلها على هذا الشرك ولا حول ولاقوة إلا بالله. والواجب على كل من له غيرة على هذا التوحيد أن يحرص على نشر التوحيد فيما حوله من البلدان التي وقعت بإرسال الكتب المحذرة عن هذا والأشرطة المبينة أحكام هذا، علَّنا أن نقدم على الله وقد أعذرنا وقد قمنا بما أوجب الله علينا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.


إن بعض المسلمين هداهم الله قد وقعوا في الشرك الأصغر وبعضهم أصروا عليه، وبعضهم يجهل أنه واقع فيه، وبعضهم يقول إنني تعودت عليه فلا يملك لساني أو فعلي الإقلاع عنه ونقول يا عباد الله { وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المسلمون لعلكم تفلحون } ونقول { ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان }.
ألا و إن من الشرك الأصغر الذي ابتلي به كثير من المسلمين في هذا الزمان الحلف بغير الله كا الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم والحلف بجاه النبي والحلف بالأمانة، والحلف بالكعبة، والأب والأم والشرف.
ومن الناس من إذا لاحيته قال والكعبة وبعضهم يقول والأمانة وبعضهم يقول بجاهي أو بجاه سيدنا محمد وبعضهم يقول بأبي وأمي وبعضهم يقول بشرفي وكل ذلك حلف بغير الله عز وجل والأشر من هذا من يحلف بعلي رضي الله عنه أو يحلف بالبدوي أو يحلف بغيرهم.
نعم علي رضي الله عنه صحابي من المبشرين بالجنة والبدوي أصح الأقوال أنه مجهول الحال لا يعرف هل في القبر أحد أو هو جاهل أو هو بدوي من الأعراب أم رجل يسمى البدوي ولكن كما أن الحلف بالبدوي أو السيدة زينب أو العيدروس أو شاه الدين خوجة أو مزار شريف أو أو ما شئت من أصحاب هذه القبور وما فيها من الرميم الذي يعظمه الجهلة والمساكين فكذلك لا يجوز الحلف لا بعلي رضي الله عنه ولا بعثمان ولا بأبي بكر ولا عمر بل الحلف بالله عز وجل.
الحلف بالله نوع من التعظيم لا يليق إلا بالله عز وجل وقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت " وقال صلى الله عليه وسلم "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " رواه الإمام أحمد وغيره والحديث صحيح. وقال صلى الله عليه وسلم " من حلف بالأمانة فليس منا" فمن وقع في شيء من هذا فكفارته أن يقول لا إله إلا الله. من كان من أهل بلدٍ تعودوا الحلف بغير الله عز وجل فإذا زل به اللسان فحلف بشرفه أو حلف بالنبي صلى الله عليه وسلم أو حلف بشيء من هذا فعليه أن يستغفر و أن يبادر بقول لا إله إلا الله ففي الحديث الصحيح " من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله " رواه البخاري.
وكون الحلف بغير الله شركاً أصغر محله إذا لم يرد تعظيم المحلوف به ولكنه يجري على لسانه كما هو حال كثير من المسلمين اليوم.
أما من يحلف بغير الله معظماً للمحلوف به بحيث لو قيل له احلف بالله كاذباً لحلف وإذا قيل له احلف بالبدوي ونحوه كاذباً لما حلف فهذا شرك أكبر.
وقد ذكر الشيخ سليمان بن عب الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله جميعاً أن من هؤلاء الذين يعظمون القبور والأضرحة من إذا قيل له احلف بالله حلف بالله كاذباً وإذا أُلجئ أن يحلف بالبدوي أو بالسيدة زينب أو بعبد القادر الجيلاني أو بغيره ما استطاع أن يحلف ويقول ويعتقد لو حلفت بالبدوي أو بغيره من هؤلاء كاذباً لأحرقني الآن أو أخذ مالي أو قتل أولادي ونحو ذلك.
إن من أنواع الشرك الأصغر ما يتفوه به بعض المسلمين من ألفاظ كقولهم ماشاء الله وشئت، لولا الله وفلان، أعوذ بالله وبك، أنا متوكل على الله وعليك، هذا من الله ومنك، مالي إلا الله وأنت، الله لي في السماء وأنت لي في الأرض، ونحو ذلك من هذه العبارات فإن هذا من الشرك الذي لا يجوز. قال صلى الله عليه وسلم " لا تقولوا ماشاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ماشاء الله ثم شاء فلان " رواه الإمام أحمد وغيره. فالصواب الإتيان بـ (ثـم) في ذلك فيقول أنا بالله ثم بك، وكذا في سائر الأفاظ والعبارات حتى لا يجعل الخالق في منزلة المخلوق و لايسوي بين الخالق والمخلوق.
عباد الله :
إن مسألة التوحيد مهمة وإننا نُغزى لكي يهدم أمر التوحيد في نفوسنا وفي أبنائنا وفي ما حولنا فا الله الله. أنتم حماة هذا التوحيد وأنتم رجاله فا الله الله شأن التوحيد عظيم وخطير.
إن من الكبائر ما له شأن كذلك، إن من المنكرات مالها شأن دون ذلك أما التوحيد، أما الوقوع في الشرك، أما التهاون بهذا الجانب فشأنه عظيم وحسبنا أن نعلم أن أمتنا وبلادنا هذه قامت على التوحيد فإن رأينا التوحيد يُنكر فيها فنظرنا وسكتنا وتساهلنا فإننا نرى معاول الهدم تكسر في أركان وأحاء بنياننا ونحن صامتون ساكتون.
إذاً أيها الأحبة حاجتنا أن تكون أعيننا باصرة وأن تكون أعيننا قوية متبينة لهذا الأمر. أسأل الله أن يثبتنا وإياكم على التوحيد وأن يتوفانا عليه وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
الله يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله و لاتكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك يارب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين ودمر أعداء الدين، اللهم انصر المسلمين في الشاشان وفي البوسنة وفلسطين وفي سائر البقاع يا رب العالمين، اللهم أيدهم بتأييدك وانصرهم بنصرك الله عليك باليهود والصر والروس، اللهم احصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً، اللهم أبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويذل فيه أهل المعصية و يؤمر فيه بالمعروف وينهي فيه عن المنكر. اللهم توفنا وأنت راض عنا، اللهم توفنا وأنت راض عنا، اللهم توفنا على طاعتك ومرضاتك يا رب العالمين. اللهم صل على محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، اللهم صل عليه ما تتباع الليل والنهار، اللهم صل عليه عدد ماصلى عليه الأبرار، اللهم صل عليه عدد ورق الأشجار وقطر الأمطار، اللهم صل وسلم على محمد أتم الصلاة وأتم التسليم وارض اللهم عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن بقية العشرة وأهل الشجرة وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا رب العالمين …

نصرالمصري
08/05/2008, 03:25 PM
أحياء يستغيثون بأموات


{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً }.
معاشر المؤمنين :
إن الله عز وجل لم يرسل الرسل ليقنعوا البشر أن الله موجود فحسب، وإنما بعث الرسل من أجل أن يدعو البشر إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
إن الله أرسل الرسل وأنزل الكتب ليعبد وحده لا شريك له، ليفرد وحده بأنواع العبادة من خوف ورجاء، وتوكل ورغبة، ورهبة وخشية، و إنابة واستعانة وغير ذلك من أنواع العبادات وبين هذا بقوله {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون } ثم بين عز وجل أن مقصوده والذي يرضيه من هذه العبادة أن تكون خالصة له وحده لا شريك له إذ قال سبحانه { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء }.
هذا بيان من الله بالمقاصد التي من أجلها خلق الخليقة، فا الله سبحانه أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وخلق السموات والأرض، وأعد الجنة والنار، ليعرف ويعبد ويوحد، وليكون الدين كله له وحده والطاعة كلها له وحده والدعاء له كله وحده {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين }.
لقد أخبر عز وجل أن القصد بالخلق والأمر أن يعرف بأسمائه وصفاته فيعبد وحده و لايشرك به و أن يقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض إذ قال سبحانه {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات و أنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}.
فأخبر سبحانه أنه أرسل الرسل و أنزل الكتب ليقوم الناس بالقسط وهو العدل، وأعظم القسط التوحيد وهو رأس العدل وقوامه فالتوحيد أعدل العدل والشرك أظلم الظلم { إن الشرك لظلم عظيم }.
الشرك يا عباد الله أعظم المحرمات على الإطلاق فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قالوا : قلنا بلى يارسول الله. قال : الإشراك بالله ".
وكل ذنب يمكن أن يغفره الله إلا الشرك فلا بد لصاحبه من توبة مخصوصة قال تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء }. وما أسرع وما أخطر ما حل بأمة الإسلام من مظاهر الشرك ‍ بعد موت نبيها صلى الله عليه وسلم.
إن كثيراً من المسلمين لا يعلمون عظم الفادحة التي حلت بأمة الإسلام بوقوع كثير منهم في الشرك وهو لا يعلمون.
ألم يعلموا أنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ؟
ألم يعلموا أنهم لو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ؟
ألم يعلموا قول الله {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } ؟ .
إذا فلا نجاة ولا قبول ولا سعادة إلا بالتوحيد ولذا نرى القرآن كله من فاتحته إلى خاتمته يبين التوحيد ويوضحه، فلا تكاد تمر بآية من كتاب الله إلا وفيها أمر بالتوحيد أو نهي عن ضده وهو الشرك، أو وعد جزيل للموحدين، أو وعيد وبيل للمشركين التاركين سبيل التوحيد.
فالتوحيد أوجب الواجبات و أهم المهمات ومن ثم كان أول أمر في كتاب الله الأمر بالتوحيد قال تعالى {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون }.
ولذا نرى أول نهي في كتاب الله النهي عن الشرك إذ قال تعالى { فلا تجعلوا لله أنداداً و أنتم تعلمون }.
إن فاتحة الكتاب، إن السبع المثاني، إن القرآن العظيم الذي أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم هذه كلها توحيد وحسبكم قول الله عز وجل { إياك نعبد و إياك نستعين } وإن تحقيق هذا التوحيد يكون بالتوجه لله تعالى وحده.
إن تحقيق التوحيد ليس بقولنا نحن موحدون وليس بإقرارنا أو قولنا بألسنتنا وادعائنا بغير برهان.
إن تحقيق التوحيد يكون بإفراد الله بكل أنواع العبادة. يكون بالبراءة من كل ما يعبد من دون الله فينبغي أن يتجه العباد بالعبادة كلها لله سبحانه سواء كانت عبادة قلبية أو اعتقادية أو بدنية أو مالية ينبغي أن نخلصها كلها لله سبحانه وتعالى فقد أمر الله بقوله { إياك نعبد } ولا يصدق قائل هذا إلا بدليل. إن الذي يقول في صلاته { إياك نعبد و إياك نستعين } لا يصدق قوله إلا إذا حقق هذا المعنى وهو أن يخص ربه بالعبادة وأن يفرد ربه بالعبادة وهو معنى قوله { فإياي فاعبدون }، { و إياي فاتقون }. كما عرف من لغة العرب أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر أي لا تعبدوا إلا الله، لا تعبدوا غير الله، لا تتقوا غيره. فإفراد الله بالعبادة لا يتم إلا بأن يكون الدعاء كله له و النداء في الشدائد والرخاء لا يكون إلا له وحده والاستعانة بالله والذبح والنحر وجميع أنواع العبادة لا تكون إلا لله وحده.
لقد عظم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانة التوحيد واهتم بمقامه أعظم اهتمام.
عظم هذا التوحيد بفعله وبقوله بل وفي أشد أحواله، إذ أنه صلى الله عليه وسلم وهو في مرض موته عندما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم مرض الموت وتهيأ لفراق الدنيا و اللحاق بالرفيق الأعلى فماذ قال صلى الله عليه وسلم ؟ ماذ قال وهو يعالج سكرات الموت ؟ ماذا قال والحمى تجعل العرق يتصبب من بدنه وجبينه الطاهر ؟ ماذ قال والصحابة رضي الله عنهم يريقون على بدنه الشريف من سبع قرب من سبع آبار مختلفة لم تحل أوكيتهن من شدة ما نزل به أثناء معالجته سكرات الموت ؟
إنه صلى ا لله عليه وسلم قال كما روت عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما قالا : لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم الموت طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو ينازع سكرات الموت : " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذّر ماصنعوا ". رواه البخاري ومسلم.
فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنه في هذه الحالة وشيك الفراق هذه الدنيا، وشيك اللحاق بالملأ الأعلى بربه الجليل العظيم فخشي أن يجعل قبره مسجداً، خشي أن يجعل قبره مزاراً، خشي أن يجعل قبره مكاناً يعبد فيه غير الله.
نعم – يا عباد الله – إذا نظرنا إلى حال كثير من المسلمين اليوم وجدنا أنهم ليسوا على توحيد خالص في باب الألوهية والعبودية فمنهم من يعبد القبور، ومنهم من يعبد الأنبياء، ويدعو الأولياء ويستغيثون بهم، ومنهم من يطوف بالقبور كما يطاف بالكعبة.
منهم من يلوذ بهذه القبور وينحر لها ويتبرك بها، ويستغيث برميم فيها، رجاء نفعها أو دفع ضرر يخافه، ومنهم من يؤله الحكام ويجعلهم في منزلة الألوهية يطيعهم فيما حرم الله فيستحله، وفيما أحل الله فيحرمه.
هذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته في أيمه الأخيرة وهو يودع الدنيا ويستقبل الآخرة. هذا عهده وذاك ميثاقه إلى الأمة. لقد بلغ أتم البلاغ وبين أوضح البيان{ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل }.
ولكن – يا عباد الله – مرت عقود ومضت عهود فإذا أمة محمد صلى الله عليه وسلم تنقض ميثاقه وتنكث عهده، إذا طائفة من أمة محمد تنقض الميثاق وتنكث العهد وإذا بالمساجد تشيد على القبور، وإذا القبور تأوي إلى المساجد فتناثرت هذه الأضرحة في ثنايا المساجد وشيدت المساجد على القبور في أنحاء العالم الإسلامي، ولسنا بحاجة أن نضرب لكم أمثالاً شاهدة واضحة ناطقة بقبور يحج إليها أقوام بالمشرق والمغرب وفي الشمائل وفي كثير من البقاع يقطعون آلاف الأميال ويهجرون الأولاد والضيعات يريدون من أصحاب هذه القبور أن يفرجوا كرباتهم، وأن يجيبوا دعواتهم، وأن يقضوا حاجاتهم ومذام إلا لجهلهم با الله وجهلهم بالأسباب التي تفضي إلى ذاك الشرك العظيم.
وكلما بعد الناس من عهد النبوة كثر الجهل فيهم والشر كله في هذا الباب عائد إلى الجهل بعظمة الله، عائد إلى الجهل بدين الله، عائد إلى السكوت عن إنكار البدع والمنكرات والأمور المكفرات قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه الشيخان وغيرهما عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم { إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبُق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا و أضلوا }. فذهاب العلماء العاملين من أسباب ظهور الجهل وضلال العباد.
أيها المسلمون :
من ينكر مظاهر الشرك الموجودة في كثير من بلاد المسلمين، بل إن بعض البلدان التي زرناها وقابلنا فئاماً من الناس فيها تجد أحدهم يدعي أنه ينتسب إلى التوحيد و لا يرضى أن يوسم بشيء من ذرائع الشرك ثم يجادلك جدال المستميت ويسل لسانه بكل باطل ليدحض به الحق ليقول إن هؤلاء الأجداث وهؤلاء الرميم الساكنين وسط القبور يقاتلون الأعداء ويدفعون البلاء ويجيبون الدعاء.
إن مظاهر الشرك الأكبر المنتشرة في كثير من البلاد الإسلامية عبادة القبور. وهذا من المظاهر التي عمت وطمت في هذا الزمان، أن بعض المسلمين أو بعض من ينتسبون إلى الإسلام يعتقدون أن الموتى يقضون حاجات الأحياء، وأن الموتى يفرجون كربات الأحياء، فيستعينون بهم ويستغيثون بهم في ما لايقدر عليه إلا الله عز وجل فكلما وقع الواحد منهم في مصيبة أو بلية أو كربة فهذا يقول : يا محمد وهذا يقول يا علي والآخر يقول يا حسين والثالث يقول يا بدوي والرابع يقول يا عبدالقادر يا جيلاني والخامس يقول يا شاذلي والسادس يقول يا عيدروس وسم إلى المئات التي يستغاث بها من دون الله وتنادى من دون الله وتدعى من دون الله وهي رميم لا تدفع عن نفسها قليلاً و لاكثيراً، ناهيك عن من يعظمون ويذبحون وينحرون ونساء يطلبن الحبل والحمل، يطلبون الولد والذرية، يصيحون بقبر الرفاعي يطوفون حوله ولد .. ولد يارفاعي.. مدد .. مدد ياعيدروس .. مدد .. مدد يا سيدة زينب هبينا ولداً وأعطينا وليداً والله يقول : { إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم } والله عز وجل يقول : { أمّن يجيب المظطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض إإله مع الله }.
إإله مع الله يجيب المظطر ؟ إإله مع الله يكشف السوء ؟ إإله مع الله يجيب الدعاء ؟ إإله مع الله يسمع النداء ويفرج الكربة ؟.
و ياليت الأمر يقف عند هذا. فبعض عباد القبور يطوفون بها، ويستلمون أركانها، ويتمسحون بها، و يقبلون أعتابها، ويعفرون وجههم في تربتها، ويسجدون لها إذا رأوها وهم قادمون عليها، ويقفون أمامها مطرقين خاضعين خاشعين متذللين متضرعين سائلين مطالبهم وحاجاتهم وشفاء مرضاهم وربما نادى الزائر الجاهل ربما نادى صاحب القبر قائلاً ياسيدي جئتك من بلد بعيد فلا تخيبني والله عز وجل يقول { ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون }. وقال صلى الله عليه وسلم : ( من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار ). رواه البخاري. بل إن بعضهم يعتقد أن الأولياء والمقبوريت يتصرفون في الكون و أنهم يضرون وينفعون والله عز وجل يقول { قل ادعو الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ومالهم فيهما من شرك وماله منهم من ظهير} والله عز وجل يقول { و إن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله }.
نعم يا عباد الله :
إن ممن يدعون الإسلام أو ينتسبون و إن فئاماً من المسلمين جهلاً منهم يظنون أن عبادة أن زيارة أن الطواف والدعاء لهذه القبور أمر مشروع غير ممنوع.
وفي الحقيقة – يا عباد الله - أن من أسباب انتشار هذه المظاهر الشركية هو التهاون في الاقتراب من الوسائل المؤدية إلى الشرك كتجصيص القبور والبناء عليها وتعليتها فقد أخرج مسلم وغيره عن جابر رضي الله عنه قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبر وأن يقعد عليه و أن يبنى عليه بناء ) وأيضاً في حديث أبي الهياج الأسدي الذي أخرجه مسلم والنسائي وغيرهما أن علياً رضي الله عنه قال لأبي الهياج ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته و لاتمثالاً إلا طمسته.
وأيضاً إن من أسباب الوقوع في الشرك اتخاذ هذه القبور مساجد في قوله صلى الله عليه وسلم ( لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذّر ما صنعوا ) وقال صلى الله عليه وسلم ( إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك ) . أخرجه مسلم.
وإن من أسباب الوقوع في الشرك شد الرحال إلى المساجد، ومعلوم أن شد الرحال إلى القبور لا يجوز أبداً و لايجوز شد الرحال إلى المساجد أيضاً إلا إلى ثلاثة مساجد لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى ) متفق عليه.
وغير ذلك من وسائل الشرك التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم. وقد يقول قائل وما المصيبة في شد الرحال إلى المساجد ؟ أليس الناس يشدون الرحال للتجارة أو للعلم أو لأمور أخرى ؟ نقول لهم إن النبي قد نهى عن ذلك ثم إن شد الرحل إلى المساجد ربما كان لأجل قبر يوجد فيها بل ربما غلب على من شد الرحل إلى هذا المسجد وقد قطع المسافات الطويلة وأنفق الأموال الطائلة أن يقول ماذا لو وقفت أو زرت واستعنت أو ناديت أو هاتفت صاحب هذا القبر ؟ لعله أن ينظر حالي أو يسمع مقالي أو ينظر إلى ضعفي وقلة حيلتي. وهذا حال كثير ممن ينازعون في هذا الأمر فتراهم يقولون نحن نشد الرحال إلى القبور لنسلم عليها لكننا لا ندعوها ولو لم يغلب على ظنه أن في النفس شيء من القرب والمناجاة والدعاء إلى هذا لما شد الرحل إليه ولا زاره.
إذاً فشد الرحال إلى المساجد الثلاثة أما القبور فلا تشد الرحال إليها أيا كانت، قبور أولياء، أو قبور أنبياء.
نعم …. من زار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشروع له أن يسلم على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم و إن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم تبلغه من كل مصلٍ أينما كان.
أيها المسلمون :
إن من مظاهر الشرك الأكبر أيضاً الذبح لغير الله فإن الذبح عبادة من أجل العبادات وأعظمها و لذا قال تعالى { فصل لربك وانحر } أي انحر لله وعلى اسم الله وقال تعالى { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين } والنسك هو الذبح، فإذا تبين أن الذبح عبادة فصرف هذه العبادة لغير الله لا يجوز.
إنني ذات مرة زرت بلداً قريبة مجاورة ربما يبعد بيننا وبينها 500 كم أو أقل فلما دخلتها ذُكر لنا أن مكاناً فيه ضريح فذهبنا لننظر ماذ يفعل هؤلاء السدنة وهؤلاء الجهلة فلما قدمنا إذ بمراغة على يمين الطريق إلى هذا الضريح وفيها من آثار الدماء وفيها من رؤوس البهائم وفيها من عظامها وأقدامها أمرٌ تقشعر له الأبدان وتظلم له الوجوه وتنكره الأفئدة وينكسر له القلب من كثرة ما نحر لصاحب القبر الموجود هناك.
و والله إنهم يذهبون بخيبة ويعود كثير منهم بشرك ومروق وخروج من الإسلام وهو لا يعلم. قال صلى الله عليه وسلم : " لعن الله من ذبح لغير الله " رواه مسلم. وقد كثر الذبح لغير الله في هذا الزمان لعموم الجهل بتوحيد العبادة فمن هذه الذبائح الشائعة في عصرنا أن بعض الناس إذا نزل منزلاً أو سكن بيتاً جديداً ذبح عند عتبة الباب من أجل إرضاء الجن أو دفع شرهم وهذا بعينه من ذبائح الجاهلية فإنهم كانوا إذا اشتروا داراً أو حفروا بئراً ذبحوا عندها أو على عتبتها ذبيحة خوفاً من هذا الجن. وكذلك ما يفعله بعض الناس من الذبح للقبور، قبور من يسمونهم أولياء أو يجعلونهم وسائط وزلفى وكذلك الذبح عند قدوم المعظمين وذوي الجاه والزعامة فإذا رأيت الرجل إذا أقبل نحرت الذبائح بين يديه و أمام ناظريه فإن هذا إهلال بالذبح لغير الله وإهلال بالذبح لغير وجه الله وإهلال وسفك للدماء لغير الله عز وجل.
إن الماء لا تسفك إلا لله، فدماء البشر تسفك لوجه الله شهادة في سبيله ودماء البهائم تسفك لوجه الله تعظيماً لجلاله. أما سفك الدم ولو من ذبابة ولو من حشرة فذاك شرك أكبر مخرج من الملة. وكلكم يعلم حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلين دخل أحدهم النار في ذبابة و الآخر دخل الجنة في ذبابة إذ أنهما مرّا بضريح أو ميت يقرب له فينحر ويذبح له فقيل لهما، قيل للأول منهما قرِّب قرِّب، قال لا أجد ما أقرِّب، فقالوا له قرِّب ولو ذباباً، فقال لا أقرِّب لغير الله ولو ذباباً فأخذوه فقتلوه فدخل الجنة. و أما الآخر فقيل له قرِّب قرِّب، قال ما أجد ما أقرِّب، قالوا قرِّب ولو ذباباً، فقرِّب لهم ذبابة فدخل النار والعياذ با الله .
نعم – أيها الأحبة- إن هذا من الأمور الخطيرة العظيمة وهي تساهل كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام بهذه الأمور فيقعون في الشرك وهم لا يعلمون أو يُخبرون فيصرون و لا يرعوون.
إن من الأمثلة الشاهدة على انتشار مسائل الشرك بين المسلمين في هذا الزمان النذر لغير الله فالنذر عبادة لا يجوز صرفها إلا لله عز وجل قال تعالى { ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق } وقال تعالى { يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً } قال صلى الله عليه وسلم : " من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " رواه البخاري وغيره.
وعليه فما يفعله بعض الناس من النذر للمشايخ وللأموات كأن يقول مثلاً يا رب لو نجح ابني أو ابنتي سأذبح لك يا شيخ عبد القادر أو يا بدوي خروفاً فهذا العمل شرك بالله، فالذي عليه أئمة الدين من أئمة أهل السنة والجماعة أن من اعتقد من المكلفين المسلمين جواز الذبح والنذر للمقبورين فاعتقاده هذا شرك أكبر مخرج من الملة يستتاب صاحبه ثلاثة أيام ويضيق عليه فإن تاب و إلا قُتل حتى يعلم الناس خطر هذا العمل.
والجيب – يا عباد الله – أنه هؤلاء الذين يدعون الرميم و الأجداث في القبور والعجب العجاب أن هؤلاء الذين يذبحون وينذرون ويستغيثون باالأموات يستدلون أو يتعلقون بشبهة أوهى من واهية بل أوهى من خيط العنكبوت إذ أنهم يقولون أننا لا نعبد هؤلاء القبور لنقول أنهم يقومون مقام الله أو مكانه و إنما نراهم شفعاء عند الله {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } وقد أبطل الله هذه الشبهة وبين أن من عبد غيره كائناً من كان فقد أشرك به وكفر كما قال تعالى { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند } فرد الله عليهم بقوله { قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعلى عما يشركون } فبين سبحانه أن عبادة غيره من الأنبياء والأولياء أو دعائهم أو غيرهم هي الشرك الأكبر و إن سماها فاعلوها بغير ذلك. قال تعالى { والذين اتخذوا من دونهم أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } رد الله عليهم بقوله { إن الله لا يهدي من كاذب كفار } فبين سبحانه أن عبادتهم لغيره بالدعاء والخوف والرجاء كل ذلك كفر به سبحانه بل كذبهم الله بقولهم إن آلهتهم تقربهم إلى الل زلفى ولو قدروا الله حق قدره مادعوا غيره ولو عظموا الله حق عظمته ما استغاثوا بغيره ولو عرفوا الله حق المعرفة وعلموا بربهم حق العلم ما ذبحوا ومانذروا لغيره قال اللهعز وجل عن خليله إبراهيم عليه السلام أنه قال لقومه : { ماذا تعبدون أئفكاً آلهة دون الله تريدون وما ظنكم برب العالمين } أي فما ظنكم برب العالمين أي يجازيكم به إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره. ما ظنكم برب العالمين حتى عبدتم معه غيره ؟ ما ظنكم برب العالمين ؟ ما ظنكم بأسمائه وصفاته وربوبيته من النقص حتى أحوجكم ذلك إلى عبودية غيره ؟ أظننتم أن ربكم ناقصاً حتى تكملوا ما نقص من العبادة لغيره ؟ أو ظنكم أن ربكم لا يسمع دعائكم حتى تذهبوا إلى القبور لتبلغ دعائكم إلى الله ؟ أظنكم أن الله لا يعلم خائنة أعينكم وخفايا صدوركم حتى تذهبوا إلى القبور لتبلغ إلى الله هذا ؟ والله الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض.
لو ظننتم بالله ما هو أهله أنه بكل شيء عليم، لو ظننتم بالله أنه على كل شيء قدير، لو ظننتم بالله أنه غني عن كل ما سواه وكل ما سواه إليه فقير، وأنه قائم بالقسط على خلقه وأنه المنفرد وحده بتدبير خلقه لا يشاركه فيه غيره، والعالم بتفاصيل الأمور فلا تخفى عليه خافية لو ظننتم هذا لعبدتموه وحده لاشريك له لو ظننتم أنه وحده هو الكافي للعباد فلا يحتاج إلى معين، وهو الرحمن بذاته فلا يحتاج في رحمته إلى ذي قبر أو ضريح أو من يسمى ولياً ليشفع للعبد الحي بين يدي الله ليرحم هذا المحتاج أو الزائر. لو ظنوا بالله ظناً حسناً، لو ظنوا بالله على علم وقدروا الله حق قدره لما عبدوا معه غيره.
إن الله لايحتاج إلى واسطة. إن الله يسمع فلا يحتاج إلى صاحب قبر أو صاحب قبر يمعه. إن الله يعلم فلا يحتاج إلى ساكن ضريح حتى يعلمه. إن الله يرحم فلا يحتاج إلى صاحب قبر حتى يشفع عنده حتى يبلغ عباده هذه الرحمة. أما ملوك الأرض، أما ملوك الدنيا، أما الزعماء والرؤساء والوجهاء والعظماء في الدنيا فإنهم محتاجون إلى من يعرفهم أحوال رعاياهم وحوائجهم، محتاجون إلى من يشفع عندهم لقضاء حوائج بعضهم، يحتاجون إلى من يسترحمهم بقدر ما يملكون ويستعطفهم بالشفاعة في دقر ما يستطيعون فملوك الدنيا ورؤساؤها وزعماؤها يحتاجون إلى الوسائط لحاجتهم، لضعفهم، لعجزهم لأنهم لا يعلمون، لأنهم لا يقدرون، لأنهم لا يعلمون خائنة و لا ما يخفيه الصدر.
أما الله عز وجل فهو غني عن هذا كله لأنه غني عن العباد. أما القادر على كل شيء، الغني بذاته عن كل شيء، العالم بكل شيء، الرحمن الرحيم، الذي وسعت رحمته كل شيء فإدخال الوسائط بينه وبين خلقه لنقص في حق ربوبيته وانتقاص لحق ألوهيته وظن به ظن السوء تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
ماقدروا الله حق قدره، ماقدر الله حق قدره من عبد معه غيره. اسمعوا قول الله { يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف افطالب والمطلوب إن الله لقوي عزيز}. وماقدر الله حق قدره من عبد معه غيره ممن لا يقدر على خلق أضعف حيوانٍ وأصغره وإن سلبه ذلك الحيوان الحقير الصغير شيئاً لايستنقذه منه ليبقى عاجزاً حيراناً ليبقى شاهداً على نفسه أنه لا يمكن أن يقدم صغيراً و لاكبيراً من دون الله. قال تعالى { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون }. انظروا إلى هذه الجزيرة، بل انظروا إلى قارة آسيا، بل انظروا إلى الكرة الأرضية، إنها ومن فيها من جبال وبحار ومحيطات ومخلوقات كلها يوم القيامو في قبضة الله.
فهل يحتاج هذا الرب الذي تكون الأرض قبضته يوم القيامة؛ هل يحتاج إلى واسطة من بشر ضعيف ؟ هل يحتاج إلى زلفى من مخلوق لا يقدم قليلاً و لاكثيراً ؟.
إن الذي يعبد غير الله ماقدر الله حق قدره وما عظمه حق تعظيمه. بل إن من استعان بمخلوق ضعيف فإنه ينتقص ربه أم يتهم ربه بنقصٍ في أسمائه أو صفاته أو ذاته.
إن من أنواع الشرك المنتشرة في كثير من البلدان الإسلامية ومما يندى له الجبين السحر وهو كفر من السبع الكبائر الموبقات. والسحر يضر و لاينفع قال تعالى { فيتعلمون ما يضرهم و لاينفعهم } وقال تعالى { ولا يفلح الساحر حيث أتى }.
والذي يتعاطى السحر كافر قال تعالى { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر }. وتعلمون أن حكم الساحر أن يقتل وكسبه حرام خبيث ويا للأسف قد انتشر هذا السحر بين كثير من المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي وما يفعله الجهال والظلمة وضعفاء الإيمان من الذهاب إلى السحرة لعمل سحر أو ما يسمى عند العامة وعند النساء خاصة ما يسمى بالعمل يعتدون به على الناس أو ينتقمون منهم أو يفرقوا بين الرجل وزوجه ومن هؤلاء الجهال من إذا أصابه أدنى بلاء لجأ إلى الساحر ليفك عنه والواجب اللجوء إلى الله والإلحاح على الله والتضرع بين يدي الله والاستشفاء بكلامه وما شرعه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
إلا وإن من أنواع الشرك المنتشرة في كثير من بلاد المسلمين الكهانة والعرافة وهما إدعاء على الغيب ومعرفة الأمور الغائبة كا الإخبار بما سيقع في الأرض وما سيحصل للناس والله عز وجل يقول { قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله }.
وكثير من المسلمين – هداهم الله – يذهبون إلى الكهنة والعرافين لمعرفة المستقبل ومعرفة السعادة والشقاوة في تجارة أو في زواج، يذهبون إلى الكهنة والعرافين للبحث عن شيء من المفقودات وكل ذلك عن طريق الشياطين يستخدمونهم، يقربون لهم، يذبحون لهم لكي يسترقوا السمع من السماء كما قال تعالى { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون }.
وهم يستخدمون في ذلك وسائل عديدة كقراءة الفنجان أو قراءة الكف أو التنجيم أو الخط أو الرمل أو غير ذلك وهذا شبيه بل ربما كان مطابقاً لما يوجد في بعض زوايا الصحف والمجلات التي فيها زاوية بعنوان حظك والنجوم فتجد أحدهم يبعث باسمه إلى محرر هذه الزاوية في المجلة أو الجريدة فيقول له أنت من مواليد برج كذا واسمك كذا واسم أمك كذا ستتزوج سعيدة أو شقية وتفعل كذا وتدخل في محاولة خاسرة ثم بعد ذلك تكون من الرابحين وكل هذا من العرابة ومن الكهانة ومن ادعاء علم الغيب.
أيها المسلمون :
إن الله عز وجل هو المتفرد بعلم الغيب وحده ومن ادعى مشاركة الله بشيء من ذلك بكهانة أو غيرها أو صدق من يدعي ذلك فقد جعل لله شريكاً فيما هو من خصائصه. قال صلى الله عليه وسلم : " من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمدصلى الله عليه وسلم ".
أما الذي يذهب إلى الكهنة والعرافين من غير أن يصدق بأخبارهم وما يقولون و إنما للتجربة أو للتسلية فإنه لا يكفر ولكن لا تقبل منه صلاة أربعين يوماً. قال صلى الله عليه وسلم : " من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً " رواه مسلم.
هذا مع وجوب الصلاة عليه في تلك الأربعين ووجوب التوبة والندم والإكثار من الحسنات الماحية للكبيرة والسيئات.
ألا وإن من أمثلة الشرك الأكبر الشائع في كثير من بلاد المسلمين تحليل ماحرم الله أو تحريم ما أحل الله او اعتقاد أن أحداً له الحق في ذلك غير الله عز وجل.
ألا وإن من صور الشرك التحاكم إلى المحاكم والقوانين التي هي من وضع البشر غربية كانت أم شرقية عن رضاً واختيار مستحلاً لذلك أو معتقداً جواز ذلك، إذا كان لهذه الواقعة نص من كلام الله ورسوله فلا يجوز لأحد أن يتحاكم إلى أي محكمة كانت قريبة أو بعيدة.
أيتحاكم إلى البشر و يُترك دستور رب البشر ؟! أيتحاكم إلى الخلق الجهلة الضعاف ذوي الأهواء والشهوات والميل ويُترك تشريع رب العالمين وحده لا شريك له ؟ لقد استنكر سبحانه أن يتخذ العباد مشرعاً غيره فقال سبحانه { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } وقال تعالى { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون} ووصف الله المشركين بأنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله و لا يدينون دين الحق. قال تعالى { قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون } وقال تعالى { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله } ولما سمع عدي بن حاتم نبي الله صلى الله عليه وسلم يتلو هذه الآية فقال عدي فقلت إنهم لم يكونوا يعبدونهم.
إن عدي بن حاتم لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ يتلو قول الله في سورة التوبة { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً } قال عدي : يا رسول الله إنهم لم يعبدوهم إنهم لم يعبدوهم يقول عدي قلت للنبي صلى الله عليه وسلم إنهم لم يكونوا يعبدونهم فقال صلى الله عليه وسلم أليسو يحلون لهم ماحرم الله فيستحلونه أليسوا يحرمون عليهم ما أحل الله فيحرمونه فتلك عبادتهم لهم .
أيها المسلمون :
إذا كان هذا فيمن أطاع غير الله في تحليل وتحريم ما أحل وحرم الله فيما يخالف شرع الله فكيف بمن يشرع قوانين وضعية هي من صنع الكفار والملحدين تُجلب إلى بلاد المسلمين ويحكم بين الناس بها و يُجبر الناس عليها. إن هذا لمن أعظم الشرك بالله.
أيها الأحبة في الله :
إن هذه المسائل من الأمور التي قد لاتورنها ولا تعرفونها في هذه الجزيرة التي أكرمها الله بالتوحيد ومنَّ عليها بدعوة الإمامين رحمهما الله ولكنها منتشرة في كثير من بلدان المسلمين وفي كثير من البلاد والدول التي تنتسب إلى الإسلام، هناك لهذا الشرك أضرحة وسدنة ونظم وقوانين وهيئات ونفقات وأوقاف و أحباش وأسدان كلها على هذا الشرك ولا حول ولاقوة إلا بالله. والواجب على كل من له غيرة على هذا التوحيد أن يحرص على نشر التوحيد فيما حوله من البلدان التي وقعت بإرسال الكتب المحذرة عن هذا والأشرطة المبينة أحكام هذا، علَّنا أن نقدم على الله وقد أعذرنا وقد قمنا بما أوجب الله علينا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.


إن بعض المسلمين هداهم الله قد وقعوا في الشرك الأصغر وبعضهم أصروا عليه، وبعضهم يجهل أنه واقع فيه، وبعضهم يقول إنني تعودت عليه فلا يملك لساني أو فعلي الإقلاع عنه ونقول يا عباد الله { وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المسلمون لعلكم تفلحون } ونقول { ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان }.
ألا و إن من الشرك الأصغر الذي ابتلي به كثير من المسلمين في هذا الزمان الحلف بغير الله كا الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم والحلف بجاه النبي والحلف بالأمانة، والحلف بالكعبة، والأب والأم والشرف.
ومن الناس من إذا لاحيته قال والكعبة وبعضهم يقول والأمانة وبعضهم يقول بجاهي أو بجاه سيدنا محمد وبعضهم يقول بأبي وأمي وبعضهم يقول بشرفي وكل ذلك حلف بغير الله عز وجل والأشر من هذا من يحلف بعلي رضي الله عنه أو يحلف بالبدوي أو يحلف بغيرهم.
نعم علي رضي الله عنه صحابي من المبشرين بالجنة والبدوي أصح الأقوال أنه مجهول الحال لا يعرف هل في القبر أحد أو هو جاهل أو هو بدوي من الأعراب أم رجل يسمى البدوي ولكن كما أن الحلف بالبدوي أو السيدة زينب أو العيدروس أو شاه الدين خوجة أو مزار شريف أو أو ما شئت من أصحاب هذه القبور وما فيها من الرميم الذي يعظمه الجهلة والمساكين فكذلك لا يجوز الحلف لا بعلي رضي الله عنه ولا بعثمان ولا بأبي بكر ولا عمر بل الحلف بالله عز وجل.
الحلف بالله نوع من التعظيم لا يليق إلا بالله عز وجل وقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت " وقال صلى الله عليه وسلم "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " رواه الإمام أحمد وغيره والحديث صحيح. وقال صلى الله عليه وسلم " من حلف بالأمانة فليس منا" فمن وقع في شيء من هذا فكفارته أن يقول لا إله إلا الله. من كان من أهل بلدٍ تعودوا الحلف بغير الله عز وجل فإذا زل به اللسان فحلف بشرفه أو حلف بالنبي صلى الله عليه وسلم أو حلف بشيء من هذا فعليه أن يستغفر و أن يبادر بقول لا إله إلا الله ففي الحديث الصحيح " من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله " رواه البخاري.
وكون الحلف بغير الله شركاً أصغر محله إذا لم يرد تعظيم المحلوف به ولكنه يجري على لسانه كما هو حال كثير من المسلمين اليوم.
أما من يحلف بغير الله معظماً للمحلوف به بحيث لو قيل له احلف بالله كاذباً لحلف وإذا قيل له احلف بالبدوي ونحوه كاذباً لما حلف فهذا شرك أكبر.
وقد ذكر الشيخ سليمان بن عب الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله جميعاً أن من هؤلاء الذين يعظمون القبور والأضرحة من إذا قيل له احلف بالله حلف بالله كاذباً وإذا أُلجئ أن يحلف بالبدوي أو بالسيدة زينب أو بعبد القادر الجيلاني أو بغيره ما استطاع أن يحلف ويقول ويعتقد لو حلفت بالبدوي أو بغيره من هؤلاء كاذباً لأحرقني الآن أو أخذ مالي أو قتل أولادي ونحو ذلك.
إن من أنواع الشرك الأصغر ما يتفوه به بعض المسلمين من ألفاظ كقولهم ماشاء الله وشئت، لولا الله وفلان، أعوذ بالله وبك، أنا متوكل على الله وعليك، هذا من الله ومنك، مالي إلا الله وأنت، الله لي في السماء وأنت لي في الأرض، ونحو ذلك من هذه العبارات فإن هذا من الشرك الذي لا يجوز. قال صلى الله عليه وسلم " لا تقولوا ماشاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ماشاء الله ثم شاء فلان " رواه الإمام أحمد وغيره. فالصواب الإتيان بـ (ثـم) في ذلك فيقول أنا بالله ثم بك، وكذا في سائر الأفاظ والعبارات حتى لا يجعل الخالق في منزلة المخلوق و لايسوي بين الخالق والمخلوق.
عباد الله :
إن مسألة التوحيد مهمة وإننا نُغزى لكي يهدم أمر التوحيد في نفوسنا وفي أبنائنا وفي ما حولنا فا الله الله. أنتم حماة هذا التوحيد وأنتم رجاله فا الله الله شأن التوحيد عظيم وخطير.
إن من الكبائر ما له شأن كذلك، إن من المنكرات مالها شأن دون ذلك أما التوحيد، أما الوقوع في الشرك، أما التهاون بهذا الجانب فشأنه عظيم وحسبنا أن نعلم أن أمتنا وبلادنا هذه قامت على التوحيد فإن رأينا التوحيد يُنكر فيها فنظرنا وسكتنا وتساهلنا فإننا نرى معاول الهدم تكسر في أركان وأحاء بنياننا ونحن صامتون ساكتون.
إذاً أيها الأحبة حاجتنا أن تكون أعيننا باصرة وأن تكون أعيننا قوية متبينة لهذا الأمر. أسأل الله أن يثبتنا وإياكم على التوحيد وأن يتوفانا عليه وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
الله يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله و لاتكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك يارب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين ودمر أعداء الدين، اللهم انصر المسلمين في الشاشان وفي البوسنة وفلسطين وفي سائر البقاع يا رب العالمين، اللهم أيدهم بتأييدك وانصرهم بنصرك الله عليك باليهود والصر والروس، اللهم احصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً، اللهم أبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويذل فيه أهل المعصية و يؤمر فيه بالمعروف وينهي فيه عن المنكر. اللهم توفنا وأنت راض عنا، اللهم توفنا وأنت راض عنا، اللهم توفنا على طاعتك ومرضاتك يا رب العالمين. اللهم صل على محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، اللهم صل عليه ما تتباع الليل والنهار، اللهم صل عليه عدد ماصلى عليه الأبرار، اللهم صل عليه عدد ورق الأشجار وقطر الأمطار، اللهم صل وسلم على محمد أتم الصلاة وأتم التسليم وارض اللهم عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن بقية العشرة وأهل الشجرة وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا رب العالمين …