المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القرآن وعلي والصحابة



غالب ياسين
11/05/2008, 08:54 PM
المقدمـــة


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين.. محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه أجمعين.

وبعد..

فهذه آيات بينات من آي الذكر الحكيم، وكلمات نيرات مما ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في كتاب (نهج البلاغة)، قالها في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كتبتها حباً في الحق، وتأليفاً للقلوب؛ عسى الله تبارك وتعالى أن يحقق غايتنا، فيجمع هذه الأمة على ما فيه الخير، ويرشدها إلى الصواب إنه سميع قريب.



اللطيفية 1994م



لتحميل هذا الكتاب انقر هنا...




عدالة الصحابة


قال تعالى: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْناكُم أمّةً وَسطاً لِتَكُونوا شهداء عَلَى الناس وَيكُون الرسولُ عَلَيكُم شهيداً وَما جعَلْنا الْقِبلَة الّتِي كُنتَ عَلَيها إلا لِنعْلَم من يتّبعُ الرسولَ ممّن ينقَلِب عَلَى عَقِبيه وَإن كانتْ لَكبيرةً إلا عَلَى الّذِين هدى اللّه وَما كان اللّه لِيضيعَ إيمانكُم إن اللّه بالناس لَرؤوفٌ رحيمٌ)) [البقرة:143].

وسطاً: أي عدلاً. قال تعالى: ((قال أوسطهم)) أي أعدلهم. وقال زهير:

همُ وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالـي بمعـظـم

والمخاطبون بهذه الآية - كما هو واضح - أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ هم الذين شهدوا التنزيل، وعليهم قرئت، وفي صلاتهم تليت، فهذه شهادة من الله أحكم الحاكمين بعدالتهم التي بها استحقوا أن يكونوا شهداءه على الناس، ثم أخبر سبحانه - في آخر الآية - أنه لن يضيع إيمانهم ولن يبطل أعمالهم.

وفي الآية ما يبين أن الصحابة رضي الله عنهم قد اختارهم الله تعالى لأن يكونوا شهداءه على الناس يحكمون عليهم بالخير أو الشر. وفي هذا إشارة لطيفة إلى قضية في غاية الأهمية غفل الناس عنها هي أن تعديل الصحابة وتجريحهم لا شأن للناس به، ولا حق لهم فيه. إنما ذلك إلى الله ورسوله دون سواهما؛ وذلك لسببين اثنين هما:

الأول: أن الصحابة هم شهود الله اختارهم بنفسه ليكونوا شهداءه على خلقه؛ فكيف يمكن لأحد أن يجرح شاهداً الله جل في علاه اختاره بنفسه؟!! هذا محال.

والثاني: أن الصحابة هم الشاهد والناس هم المشهود عليهم وليس العكس، والمشهود عليه لا يقبل طعنه وتجريحه في الشاهد العدل، بل ذلك دليل على بطلان دعواه، وقيام الحجة عليه.



الصحابة خيرة هذه الأمة وكل أمة


قال تعالى: ((كُنتُم خَير أمّةٍ أخرجتْ لِلناس تَأمرون بالْمعْروف وَتَنهوْن عَن الْمنكر وَتُؤمنون باللّه)) [آل عمران: 110].

خاطبت هذه الآية صحابة رسول الله رضوان الله عليهم تبشرهم بالخيرية المطلقة على كل الأمم؛ لقيامهم بما أمرهم الله تعالى به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله، وإذا كانت الآية بعمومها تشمل أمة محمد صلى الله عليه وسلم جميعاً فإن هذه الأمة لم تكن عند نزول الآية إلا جماعة الصحابة حصراً، وإذن فالصحابة رضي الله عنهم هم (خير أمة أخرجت للناس) بشهادة أحكم الحاكمين وأصدق القائلين ؛ إذ هم أول المخاطبين بها، وعليهم نزلت، وفي صلواتهم تلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تزال تتلى إلى يوم القيامة، وعلى هذا الأساس فإن الذي يطعن في الصحابة إنما يجعل (خير أمّةٍ أخرجتْ لِلناس) شر أمة أخرجت للناس، فأي تخليط وباطل كهذا؟!

السابقون الأولون


قال تعالى: ((وَالسابقُون الأوّلُون من الْمهاجرين وَالأنصار وَالّذِين اتّبعُوهم بإحسانٍ رضي اللّه عَنهم وَرضوا عَنه وَأعَد لَهم جناتٍ تَجْري تَحتَها الأنهار خالِدين فيها أبداً ذلِك الْفوْز الْعَظيم)) [التوبة:100].

فقد أخبر الله تعالى أنه رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان فلم يبغضوهم أو يسبوهم ؛ إذ البغض والسب يناقض الاتباع بإحسان الذي هو شرط رضا الله عمن جاء من بعدهم كما قال تعالى وهو يذكر المهاجرين والأنصار: ((وَالّذِين جاءوا من بعْدهم يقُولُون ربنا اغفر لَنا وَلإخوَاننا الّذِين سبقُونا بالأيمان وَلا تَجْعَلْ في قُلُوبنا غلاً لِلّذِين آمنوا)) [الحشر:10].










المهاجرون والأنصار


قال تعالى: ((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجروا وَجاهدوا في سبيلِ اللّه وَالّذِين آوَوْا وَنصروا أولَئك همُ الْمُؤمنُون حقّاً لَهمْ مغفرةٌ وَرزقٌ كريمٌ)) [الأنفال:74].

فهذه شهادة من الله العليم الخبير على حقيقة إيمان المهاجرين والأنصار وأنهم مؤمنون حقاً ظاهراً وباطناً، فأي قول بعد قول الله: (أولئك هم المؤمنون حقاً)؟ وبعد وعده لهم بالمغفرة والرزق الكريم الذي هو الجنة؟

وإذا رجعنا إلى أول السورة لنقارن بين أوصاف المؤمنين المذكورة فيها، وبين أوصافهم في آخر هذه الآية علمنا أنهم هم المقصودون بقوله: ((إنما الْمُؤمنُون الّذِين إذا ذُكر اللّه وَجلَتْ قُلُوبهمْ وَإذا تُلِيتْ عَلَيْهمْ آياتُه زادتْهمْ إيماناً وَعَلَى ربهمْ يتَوَكلُون * الّذِين يُقِيمُون الصلاة وَمما رزقْناهمْ يُنْفقُون * أولَئك همُ الْمُؤمنُون حقّاً لَهمْ درجاتٌ عِنْد ربهمْ وَمغفرةٌ وَرزقٌ كريمٌ)) [الأنفال:2-4]. (فالمؤمنون حقاً) هنا هم (المؤمنون حقاً) هناك. ولقد ذكر الله المهاجرين والأنصار في مواضع كثيرة من القرآن منها قوله: ((لِلْفقَراء الْمُهاجرين الّذِين أخرجوا منْ ديارهمْ وَأمْوَالِهمْ يبتَغون فضلاً من اللّه وَرضوَاناً وَينْصرون اللّه وَرسولَه أولَئك همُ الصادقُون وَالّذِين تبوءوا الدار وَالأيمان منْ قَبلِهمْ يُحبون منْ هاجر إلَيْهمْ وَلا يجدون في صدورهمْ حاجة مما أوتُوا وَيُؤثرون عَلَى أنْفسهمْ وَلَوْ كان بهمْ خصاصةٌ وَمنْ يُوقَ شح نفسه فأولَئك همُ الْمُفلِحون)) [الحشر:8، 9] فخص المهاجرين بوصف (الصادقين)، والأنصار بوصف (المفلحين).



المهاجــرون:



قال تعالى: ((إِنّ الّذِين آمنُوا وَالّذِين هاجروا وَجاهدوا في سبيلِ اللّه أولَئك يرجون رحمتَ اللّه وَاللّه غفور رحيمٌ)) [البقرة:218].

في هذه الآية الكريمة يمدح الله تعالى المهاجرين، ويشهد لهم بصدق نواياهم، وأنهم إنما خرجوا يرجون رحمة الله لا يرجون غيره.

ولقد ذكر الله المهاجرين في آيات كثيرة وشهد لهم بحسن الخاتمة والثواب العظيم في الآخرة كما في سورة (النحل) إذ يقول: ((وَالّذِين هاجروا في اللّه منْ بعْد ما ظلِمُوا لَنُبوِّئنهمْ في الدنْيا حسنة وَلأجر الآخرة أكبر لَوْ كانُوا يعْلَمُون الّذِين صبروا وَعَلَى ربهمْ يتَوَكلُون)) [النحل:41-42]. وسورة (الحج) إذ يقول: ((وَالّذِين هاجروا في سبيلِ اللّه ثم قُتِلُوا أوْ ماتُوا لَيرزقَنهمُ اللّه رزقاً حسناً وَإن اللّه لَهوَ خيْر الرازقِين لَيُدخلَنهمْ مُدخلاً يرضوْنه وَإن اللّه لَعَلِيمٌ حلِيمٌ)) [الحج 58،59]. ويذكرهم في سورة (التوبة) فيقول: ((الّذِين آمنُوا وَهاجروا وَجاهدوا في سبيلِ اللّه بأمْوَالِهمْ وَأنْفسهمْ أعْظمُ درجة عِنْد اللّه وَأولَئك همُ الْفائزون يُبشرهمْ ربهمْ برحمةٍ منْه وَرضوَانٍ وَجناتٍ لَهمْ فيها نعِيمٌ مُقِيمٌ))[التوبة:20-22].

وما أروع ما وصفهم به في أواخر سورة (آل عمران) إذ يقول: ((إن في خلْقِ السماوَاتِ وَالأرض وَاختِلاف اللّيْلِ وَالنهار لآياتٍ لأولِي الألْباب * الّذِين يذْكرون اللّه قِياماً وَقُعُوداً وَعَلَى جنُوبهمْ وَيتَفكرون في خلْقِ السماوَاتِ وَالأرض ربنا ما خلَقْتَ هذا باطلاً سبحانك فقِنا عَذاب النار * ربنا إنك منْ تُدخلِ النار فقَد أخزيْتَه وَما لِلظالِمين منْ أنْصارٍ * ربنا إننا سمعْنا مُنادياً يُنادي لِلإيمان أنْ آمنُوا بربكمْ فآمنا ربنا فاغفر لَنا ذُنُوبنا وَكفر عَنا سيئاتِنا وَتَوَفنا معَ الْأبرار * ربنا وَآتِنا ما وَعَدتَنا عَلَى رسلِك وَلا تُخزنا يوْم الْقِيامة إنك لا تُخلِف الْميعَاد * فاستَجاب لَهمْ ربهمْ أني لا أضيعُ عَملَ عَاملٍ منْكمْ منْ ذكرٍ أوْ أنْثى بعْضكمْ منْ بعْضٍ فالّذِين هاجروا وَأخرجوا منْ ديارهمْ وَأوذُوا في سبيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكفرن عَنْهمْ سيئاتِهمْ وَلأدخلَنهمْ جناتٍ تَجري منْ تَحتِها الأنْهار ثوَاباً منْ عِنْد اللّه وَاللّه عِنْده حسنُ الثوَاب)) [آل عمران:190-195].

الأنصـار:

قال تعالى: ((وَاعْتَصِمُوا بحبلِ اللّه جميعاً وَلا تَفرقُوا وَاذْكروا نعْمتَ اللّه عَلَيْكمْ إذْ كنْتُمْ أعْداء فألّف بيْن قُلُوبكمْ فأصبحتُمْ بنعْمتِه إخوَاناً وَكنْتُمْ عَلَى شفا حفرةٍ من النار فأنْقَذكمْ منْها كذلِك يُبينُ اللّه لَكمْ آياتِه لَعَلّكمْ تَهتَدون)) [آل عمران:103].

هذه الآية نزلت في الأنصار (الأوس والخزرج) حين حاول بعض اليهود أن يحرش بينهم مستغلاً العداوات الماضية، فأوشكوا أن يتقاتلوا فأنزل الله تلك الآيات من سورة (آل عمران) آمراً إياهم بالاعتصام بحبله وترك التفرق، ومذكراً بنعتمه التي أصبحوا بها إخواناً بعد أن كانوا في الجاهلية أعداء يقتل بعضهم بعضاً، وأنه أنقذهم من النار، ومن أنقذه الله من النار فهو في الجنة قطعاً.










أهـل بـدر


قال تعالى: ((وَلَقَدْ نَصَرَكُم اللّه بِبدْرٍ وَأنتُم أذلّةٌ فاتّقُوا اللّه لَعَلّكُم تَشكُرُون)) [آل عمران:123].

معركة بدر الكبرى أولى معارك الإسلام سماها الله بـ(يوم الفرقان)، وأنزل في حقها وحق أهلها سورة (الأنفال) بكاملها. قال سبحانه: ((إن كُنتُم آمنتُم بِاللّه وَما أنزلْنا عَلَى عَبدِنا يوْم الْفرقَانِ يوْم الْتَقَى الْجمعَانِ وَاللّه عَلَى كُلّ شيء قَدِيرٌ)) [الأنفال:41] لأنها فرقت بين الحق وأهله، وبين الباطل وأهله تفريقاً واضحاً لا يخفى على أحد؛ إذ كيف تم لهم هذا النصر وهم – كما وصفهم الله تعالى - (أذلة) قليلون في العدد والعدة دون تأييد السماء. ولهذا خاطبهم تعالى فقال: ((فلَم تَقْتُلُوهم وَلَكِنّ اللّه قَتَلَهم وَما رميتَ إذ رميتَ وَلَكِنّ اللّه رمى وَلِيبلِي الْمؤمنِين منه بلاء حسناً إنّ اللّه سميعٌ عَلِيم)) [الأنفال:17]. فالله هو الذي تولى نصرهم بنفسه، ولولا ذلك لما كان لهم بالنصر على المشركين طاقة.

إن هذا التفريق المبين والنصر العظيم لا يمنحه الله، إلا لمن صدقوا في دينهم فنصروا ربهم فاستحقوا بذلك إنزال نصره عليهم كما قال سبحانه: ((ولينصرن الله من ينصره)) [الحج:40]، فالله جل شأنه لا ينصر إلا من ينصره. من هنا سمى الله يوم بدر بـ(يوم الفرقان) لأنه فرق بين الله وحزبه، وبين الشيطان وحزبه تفريقاً ظاهراً لا يماري فيه إلا هالك كما قال تعالى: ((إذ أنتُم بِالْعُدْوَة الدّنيا وَهم بِالْعُدْوَة الْقُصوَى وَالرّكب أسفلَ منكُم وَلَوْ تَوَاعَدْتُم لاختَلَفتُم في الْميعَادِ وَلَكِن لِيقْضي اللّه أمراً كان مفعُولاً لِيهلِك من هلَك عَن بيّنة وَيحيى من حي عَن بيّنة وَإنّ اللّه لَسميعٌ عَلِيم)) [الأنفال:42].

ولقد ثبت في الصحيحين قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: (وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم) فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم. وثبت في صحيح مسلم وغيره أنه لما كان يوم بدر نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تُهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبداً).

فبالله كم من فضل لأهل بدر في أعناق المسلمين؟! أولئك الذين بهم نصر الله الدين وأقام الملة، وبهم أوصل الحق إلى أهل الأرض. فجزاهم الله خير الجزاء، هو القائل عنهم: ((إذ تَستَغيثون ربكُم فاستَجاب لَكُم أنّي ممدّكُم بِألْف من الْملائكة مردِفين وَما جعَلَه اللّه إلا بشرى وَلِتَطمئنّ بِه قُلُوبكُم وَما النّصرُ إلا من عِندِ اللّه إنّ اللّه عَزيز حكِيم)) [الأنفال:9-10].



تطهيرهم وإذهاب الرجس عنهم



قال تعالى بعد الآيات السابقة مباشرة: ((إِذْ يُغشيكُم النّعَاس أمنةً منه وَينزّلُ عَلَيكُم من السماء ماء لِيطهّركُم بِه وَيذهب عَنكُم رِجز الشيطانِ وَلِيربِط عَلَى قُلُوبِكُم وَيثبّتَ بِه الأقْدام * إذ يوحي ربّك إلَى الْملائكة أنّي معَكُم فثبّتُوا الّذين آمنُوا سألْقِي في قُلُوبِ الّذين كفرُوا الرّعْب فاضرِبوا فوْقَ الأعْناقِ وَاضرِبوا منهم كُلّ بنانٍ)) [الأنفال:112،111].

وإذا كان الله تعالى قد أنزل في أهل بيت نبيه صلى الله عليه وسلم قوله: ((وَقَرْن في بيوتِكُنّ وَلا تَبرّجن تَبرّج الْجاهلِية الأولَى وَأقِمن الصّلاة وَآتِين الزكاة وَأطعْن اللّه وَرسولَه إنّما يرِيدُ اللّه لِيذهب عَنكُم الرّجس أهلَ الْبيتِ وَيطهّركُم تَطهيراً)) [الأحزاب:33] فقد أنزل في أهل بدر الكلمات نفسها إذ يقول: ((وَينزّلُ عَلَيكُم من السماء ماء لِيطهّركُم بِه وَيذهب عَنكُم رِجز الشيطانِ)) [الأنفال:11].



آيات أخر في أهل بدر



قال تعالى: ((وَإن يرِيدُوا أن يخدعُوك فإنّ حسبك اللّه هوَ الّذي أيدك بِنصرِه وَبِالْمؤمنِين * وَألّف بين قُلُوبِهم لَوْ أنفقْتَ ما في الأرض جميعاً ما ألّفتَ بين قُلُوبِهم وَلَكِنّ اللّه ألّف بينهم إنّه عَزيز حكِيم * يا أيّها النّبِيّ حسبك اللّه وَمنِ اتّبعَك من الْمؤمنِين)) [الأنفال:62- 64].

و(المؤمنون) المذكورون هنا الذين أيد الله بهم نبيه هم أهل بدر: الأنصار والمهاجرون لا غير. وقد كان بين الأوس والخزرج وهم الأنصار خصومات وحروب و عداوات وثارات فأذهب الله ذلك عنهم، وألف بين قلوبهم فأصبحوا بنعمته إخواناً متآلفين؛ يحب بعضهم بعضاً وينصر بعضهم بعضاً كما قال تعالى: ((إنّ الّذين آمنُوا وَهاجرُوا وَجاهدُوا بِأموَالِهم وَأنفسهم في سبِيلِ اللّه وَالّذين آوَوْا وَنصرُوا أولَئك بعْضهم أوْلِياء بعْض)) [الأنفال:72]. فأثبت الولاية والنصرة بين المهاجرين والأنصار بعضهم لبعض. وهذه الآية لا تزال تتلى إلى يوم القيامة، فمن ادعى أنهم كانوا متعادين متباغضين فقد كذب الله في قوله وخبره، وعارضه في حكمه وأمره.










أهـل أحـد


قال تعالى: ((إِذْ تَقُولُ لِلْمؤمنين ألَن يكفيكم أن يمدّكم ربّكم بثلاثة آلافٍ من الْملائكة منزلِين * بلَى إِن تَصبروا وتَتقُوا ويأتُوكم من فورهم هذَا يمددكم ربّكم بخمسة آلافٍ من الْملائكة مسوّمين * وما جعَلَه اللّه إِلا بشرى لَكم ولِتَطمئن قُلُوبكم به وما النصر إِلا من عِند اللّه الْعَزيز الْحكيم)) [آل عمران:124-126].

وقال: ((وَكأيّن من نبيّ قَاتَلَ معَه ربّيّون كثيرٌ فما وهنوا لِما أصابهم في سبيلِ اللّه وما ضعُفوا وما استَكانوا واللّه يحبّ الصابرين * وما كان قَولَهم إِلا أن قَالُوا ربنا اغفر لَنا ذُنوبنا وإِسرافنا في أمرنا وثبّتْ أقْدامنا وانصرنا عَلَى الْقَوم الْكافرين * فآتَاهم اللّه ثواب الدّنيا وحسن ثواب الآخرة واللّه يحبّ الْمحسنين)) [آل عمران:146-148]. وما حسن ثواب الآخرة إلا الجنة.

وإذا كان أهل أُحد بهذه المنزلة فقد أخبر الله تعالى أنه عفا حتى عن الذين تولوا منهم حين باغتهم المشركون من خلفهم فقال: ((إِن الّذين تَولّوا منكم يوم الْتَقَى الْجمعَان إِنما استَزلّهم الشيطان ببعْض ما كسبوا ولَقَد عَفَا اللّه عَنهم إِن اللّه غفورٌ حلِيمٌ)) [آل عمران:155]، وقال: ((ولَقَد صدقَكم اللّه وعْده إِذْ تَحسونهم بإِذْنه حتّى إِذَا فشلْتُم وتَنازعْتُم في الأمر وعَصيتُم من بعْد ما أراكم ما تُحبّون منكم من يريد الدّنيا ومنكم من يريد الآخرة ثمّ صرفكم عَنهم لِيبتَلِيكم وَلَقَدْ عَفَا عَنكم وَاللّه ذُو فضلٍ عَلَى الْمؤمنين)) [آل عمران:152].

وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستغفار لهم، والعفو عما بدر منهم قبل المعركة وأثناءها فقال: ((فبما رحمة من اللّه لِنتَ لَهم ولَو كنتَ فظّاً غلِيظ الْقَلْب لانفضوا من حولِك فاعْف عَنهم واستَغفر لَهم وشاورهم في الأمر فإِذَا عَزمتَ فتَوكلْ عَلَى اللّه إِن اللّه يحبّ الْمتَوكلِين)) [آل عمران:159]. وحين ذكر تعالى شهداء أحد أخبر أنهم ((يستَبشرون بالّذين لَم يلْحقوا بهم من خلْفهم ألا خوفٌ عَلَيهم ولا هم يحزنون)) [آل عمران:170].

وهؤلاء هم بقية أهل أحد الذين ذكرهم بعد هذه الآية فقال: ((وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين * الّذين استَجابوا لِلّه والرسولِ من بعْد ما أصابهم الْقَرح لِلّذين أحسنوا منهم واتّقَوا أجرٌ عَظيمٌ الّذين قَالَ لَهم الناس إِن الناس قَد جمعُوا لَكم فاخشوهم فزادهم إِيماناً وقَالُوا حسبنا اللّه ونعْم الْوكيلُ * فانقَلَبوا بنعْمة من اللّه وفضلٍ لَم يمسسهم سوء واتّبعُوا رضوان اللّه واللّه ذُو فضلٍ عَظيمٍ)) [آل عمران:171-174].

http://www.alburhan.com/articles.aspx?id=1719&page_id=0&page_size=5&links=false&gate_id=0

غالب ياسين
11/05/2008, 08:54 PM
المقدمـــة


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين.. محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه أجمعين.

وبعد..

فهذه آيات بينات من آي الذكر الحكيم، وكلمات نيرات مما ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في كتاب (نهج البلاغة)، قالها في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كتبتها حباً في الحق، وتأليفاً للقلوب؛ عسى الله تبارك وتعالى أن يحقق غايتنا، فيجمع هذه الأمة على ما فيه الخير، ويرشدها إلى الصواب إنه سميع قريب.



اللطيفية 1994م



لتحميل هذا الكتاب انقر هنا...




عدالة الصحابة


قال تعالى: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْناكُم أمّةً وَسطاً لِتَكُونوا شهداء عَلَى الناس وَيكُون الرسولُ عَلَيكُم شهيداً وَما جعَلْنا الْقِبلَة الّتِي كُنتَ عَلَيها إلا لِنعْلَم من يتّبعُ الرسولَ ممّن ينقَلِب عَلَى عَقِبيه وَإن كانتْ لَكبيرةً إلا عَلَى الّذِين هدى اللّه وَما كان اللّه لِيضيعَ إيمانكُم إن اللّه بالناس لَرؤوفٌ رحيمٌ)) [البقرة:143].

وسطاً: أي عدلاً. قال تعالى: ((قال أوسطهم)) أي أعدلهم. وقال زهير:

همُ وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالـي بمعـظـم

والمخاطبون بهذه الآية - كما هو واضح - أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ هم الذين شهدوا التنزيل، وعليهم قرئت، وفي صلاتهم تليت، فهذه شهادة من الله أحكم الحاكمين بعدالتهم التي بها استحقوا أن يكونوا شهداءه على الناس، ثم أخبر سبحانه - في آخر الآية - أنه لن يضيع إيمانهم ولن يبطل أعمالهم.

وفي الآية ما يبين أن الصحابة رضي الله عنهم قد اختارهم الله تعالى لأن يكونوا شهداءه على الناس يحكمون عليهم بالخير أو الشر. وفي هذا إشارة لطيفة إلى قضية في غاية الأهمية غفل الناس عنها هي أن تعديل الصحابة وتجريحهم لا شأن للناس به، ولا حق لهم فيه. إنما ذلك إلى الله ورسوله دون سواهما؛ وذلك لسببين اثنين هما:

الأول: أن الصحابة هم شهود الله اختارهم بنفسه ليكونوا شهداءه على خلقه؛ فكيف يمكن لأحد أن يجرح شاهداً الله جل في علاه اختاره بنفسه؟!! هذا محال.

والثاني: أن الصحابة هم الشاهد والناس هم المشهود عليهم وليس العكس، والمشهود عليه لا يقبل طعنه وتجريحه في الشاهد العدل، بل ذلك دليل على بطلان دعواه، وقيام الحجة عليه.



الصحابة خيرة هذه الأمة وكل أمة


قال تعالى: ((كُنتُم خَير أمّةٍ أخرجتْ لِلناس تَأمرون بالْمعْروف وَتَنهوْن عَن الْمنكر وَتُؤمنون باللّه)) [آل عمران: 110].

خاطبت هذه الآية صحابة رسول الله رضوان الله عليهم تبشرهم بالخيرية المطلقة على كل الأمم؛ لقيامهم بما أمرهم الله تعالى به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله، وإذا كانت الآية بعمومها تشمل أمة محمد صلى الله عليه وسلم جميعاً فإن هذه الأمة لم تكن عند نزول الآية إلا جماعة الصحابة حصراً، وإذن فالصحابة رضي الله عنهم هم (خير أمة أخرجت للناس) بشهادة أحكم الحاكمين وأصدق القائلين ؛ إذ هم أول المخاطبين بها، وعليهم نزلت، وفي صلواتهم تلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تزال تتلى إلى يوم القيامة، وعلى هذا الأساس فإن الذي يطعن في الصحابة إنما يجعل (خير أمّةٍ أخرجتْ لِلناس) شر أمة أخرجت للناس، فأي تخليط وباطل كهذا؟!

السابقون الأولون


قال تعالى: ((وَالسابقُون الأوّلُون من الْمهاجرين وَالأنصار وَالّذِين اتّبعُوهم بإحسانٍ رضي اللّه عَنهم وَرضوا عَنه وَأعَد لَهم جناتٍ تَجْري تَحتَها الأنهار خالِدين فيها أبداً ذلِك الْفوْز الْعَظيم)) [التوبة:100].

فقد أخبر الله تعالى أنه رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان فلم يبغضوهم أو يسبوهم ؛ إذ البغض والسب يناقض الاتباع بإحسان الذي هو شرط رضا الله عمن جاء من بعدهم كما قال تعالى وهو يذكر المهاجرين والأنصار: ((وَالّذِين جاءوا من بعْدهم يقُولُون ربنا اغفر لَنا وَلإخوَاننا الّذِين سبقُونا بالأيمان وَلا تَجْعَلْ في قُلُوبنا غلاً لِلّذِين آمنوا)) [الحشر:10].










المهاجرون والأنصار


قال تعالى: ((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجروا وَجاهدوا في سبيلِ اللّه وَالّذِين آوَوْا وَنصروا أولَئك همُ الْمُؤمنُون حقّاً لَهمْ مغفرةٌ وَرزقٌ كريمٌ)) [الأنفال:74].

فهذه شهادة من الله العليم الخبير على حقيقة إيمان المهاجرين والأنصار وأنهم مؤمنون حقاً ظاهراً وباطناً، فأي قول بعد قول الله: (أولئك هم المؤمنون حقاً)؟ وبعد وعده لهم بالمغفرة والرزق الكريم الذي هو الجنة؟

وإذا رجعنا إلى أول السورة لنقارن بين أوصاف المؤمنين المذكورة فيها، وبين أوصافهم في آخر هذه الآية علمنا أنهم هم المقصودون بقوله: ((إنما الْمُؤمنُون الّذِين إذا ذُكر اللّه وَجلَتْ قُلُوبهمْ وَإذا تُلِيتْ عَلَيْهمْ آياتُه زادتْهمْ إيماناً وَعَلَى ربهمْ يتَوَكلُون * الّذِين يُقِيمُون الصلاة وَمما رزقْناهمْ يُنْفقُون * أولَئك همُ الْمُؤمنُون حقّاً لَهمْ درجاتٌ عِنْد ربهمْ وَمغفرةٌ وَرزقٌ كريمٌ)) [الأنفال:2-4]. (فالمؤمنون حقاً) هنا هم (المؤمنون حقاً) هناك. ولقد ذكر الله المهاجرين والأنصار في مواضع كثيرة من القرآن منها قوله: ((لِلْفقَراء الْمُهاجرين الّذِين أخرجوا منْ ديارهمْ وَأمْوَالِهمْ يبتَغون فضلاً من اللّه وَرضوَاناً وَينْصرون اللّه وَرسولَه أولَئك همُ الصادقُون وَالّذِين تبوءوا الدار وَالأيمان منْ قَبلِهمْ يُحبون منْ هاجر إلَيْهمْ وَلا يجدون في صدورهمْ حاجة مما أوتُوا وَيُؤثرون عَلَى أنْفسهمْ وَلَوْ كان بهمْ خصاصةٌ وَمنْ يُوقَ شح نفسه فأولَئك همُ الْمُفلِحون)) [الحشر:8، 9] فخص المهاجرين بوصف (الصادقين)، والأنصار بوصف (المفلحين).



المهاجــرون:



قال تعالى: ((إِنّ الّذِين آمنُوا وَالّذِين هاجروا وَجاهدوا في سبيلِ اللّه أولَئك يرجون رحمتَ اللّه وَاللّه غفور رحيمٌ)) [البقرة:218].

في هذه الآية الكريمة يمدح الله تعالى المهاجرين، ويشهد لهم بصدق نواياهم، وأنهم إنما خرجوا يرجون رحمة الله لا يرجون غيره.

ولقد ذكر الله المهاجرين في آيات كثيرة وشهد لهم بحسن الخاتمة والثواب العظيم في الآخرة كما في سورة (النحل) إذ يقول: ((وَالّذِين هاجروا في اللّه منْ بعْد ما ظلِمُوا لَنُبوِّئنهمْ في الدنْيا حسنة وَلأجر الآخرة أكبر لَوْ كانُوا يعْلَمُون الّذِين صبروا وَعَلَى ربهمْ يتَوَكلُون)) [النحل:41-42]. وسورة (الحج) إذ يقول: ((وَالّذِين هاجروا في سبيلِ اللّه ثم قُتِلُوا أوْ ماتُوا لَيرزقَنهمُ اللّه رزقاً حسناً وَإن اللّه لَهوَ خيْر الرازقِين لَيُدخلَنهمْ مُدخلاً يرضوْنه وَإن اللّه لَعَلِيمٌ حلِيمٌ)) [الحج 58،59]. ويذكرهم في سورة (التوبة) فيقول: ((الّذِين آمنُوا وَهاجروا وَجاهدوا في سبيلِ اللّه بأمْوَالِهمْ وَأنْفسهمْ أعْظمُ درجة عِنْد اللّه وَأولَئك همُ الْفائزون يُبشرهمْ ربهمْ برحمةٍ منْه وَرضوَانٍ وَجناتٍ لَهمْ فيها نعِيمٌ مُقِيمٌ))[التوبة:20-22].

وما أروع ما وصفهم به في أواخر سورة (آل عمران) إذ يقول: ((إن في خلْقِ السماوَاتِ وَالأرض وَاختِلاف اللّيْلِ وَالنهار لآياتٍ لأولِي الألْباب * الّذِين يذْكرون اللّه قِياماً وَقُعُوداً وَعَلَى جنُوبهمْ وَيتَفكرون في خلْقِ السماوَاتِ وَالأرض ربنا ما خلَقْتَ هذا باطلاً سبحانك فقِنا عَذاب النار * ربنا إنك منْ تُدخلِ النار فقَد أخزيْتَه وَما لِلظالِمين منْ أنْصارٍ * ربنا إننا سمعْنا مُنادياً يُنادي لِلإيمان أنْ آمنُوا بربكمْ فآمنا ربنا فاغفر لَنا ذُنُوبنا وَكفر عَنا سيئاتِنا وَتَوَفنا معَ الْأبرار * ربنا وَآتِنا ما وَعَدتَنا عَلَى رسلِك وَلا تُخزنا يوْم الْقِيامة إنك لا تُخلِف الْميعَاد * فاستَجاب لَهمْ ربهمْ أني لا أضيعُ عَملَ عَاملٍ منْكمْ منْ ذكرٍ أوْ أنْثى بعْضكمْ منْ بعْضٍ فالّذِين هاجروا وَأخرجوا منْ ديارهمْ وَأوذُوا في سبيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكفرن عَنْهمْ سيئاتِهمْ وَلأدخلَنهمْ جناتٍ تَجري منْ تَحتِها الأنْهار ثوَاباً منْ عِنْد اللّه وَاللّه عِنْده حسنُ الثوَاب)) [آل عمران:190-195].

الأنصـار:

قال تعالى: ((وَاعْتَصِمُوا بحبلِ اللّه جميعاً وَلا تَفرقُوا وَاذْكروا نعْمتَ اللّه عَلَيْكمْ إذْ كنْتُمْ أعْداء فألّف بيْن قُلُوبكمْ فأصبحتُمْ بنعْمتِه إخوَاناً وَكنْتُمْ عَلَى شفا حفرةٍ من النار فأنْقَذكمْ منْها كذلِك يُبينُ اللّه لَكمْ آياتِه لَعَلّكمْ تَهتَدون)) [آل عمران:103].

هذه الآية نزلت في الأنصار (الأوس والخزرج) حين حاول بعض اليهود أن يحرش بينهم مستغلاً العداوات الماضية، فأوشكوا أن يتقاتلوا فأنزل الله تلك الآيات من سورة (آل عمران) آمراً إياهم بالاعتصام بحبله وترك التفرق، ومذكراً بنعتمه التي أصبحوا بها إخواناً بعد أن كانوا في الجاهلية أعداء يقتل بعضهم بعضاً، وأنه أنقذهم من النار، ومن أنقذه الله من النار فهو في الجنة قطعاً.










أهـل بـدر


قال تعالى: ((وَلَقَدْ نَصَرَكُم اللّه بِبدْرٍ وَأنتُم أذلّةٌ فاتّقُوا اللّه لَعَلّكُم تَشكُرُون)) [آل عمران:123].

معركة بدر الكبرى أولى معارك الإسلام سماها الله بـ(يوم الفرقان)، وأنزل في حقها وحق أهلها سورة (الأنفال) بكاملها. قال سبحانه: ((إن كُنتُم آمنتُم بِاللّه وَما أنزلْنا عَلَى عَبدِنا يوْم الْفرقَانِ يوْم الْتَقَى الْجمعَانِ وَاللّه عَلَى كُلّ شيء قَدِيرٌ)) [الأنفال:41] لأنها فرقت بين الحق وأهله، وبين الباطل وأهله تفريقاً واضحاً لا يخفى على أحد؛ إذ كيف تم لهم هذا النصر وهم – كما وصفهم الله تعالى - (أذلة) قليلون في العدد والعدة دون تأييد السماء. ولهذا خاطبهم تعالى فقال: ((فلَم تَقْتُلُوهم وَلَكِنّ اللّه قَتَلَهم وَما رميتَ إذ رميتَ وَلَكِنّ اللّه رمى وَلِيبلِي الْمؤمنِين منه بلاء حسناً إنّ اللّه سميعٌ عَلِيم)) [الأنفال:17]. فالله هو الذي تولى نصرهم بنفسه، ولولا ذلك لما كان لهم بالنصر على المشركين طاقة.

إن هذا التفريق المبين والنصر العظيم لا يمنحه الله، إلا لمن صدقوا في دينهم فنصروا ربهم فاستحقوا بذلك إنزال نصره عليهم كما قال سبحانه: ((ولينصرن الله من ينصره)) [الحج:40]، فالله جل شأنه لا ينصر إلا من ينصره. من هنا سمى الله يوم بدر بـ(يوم الفرقان) لأنه فرق بين الله وحزبه، وبين الشيطان وحزبه تفريقاً ظاهراً لا يماري فيه إلا هالك كما قال تعالى: ((إذ أنتُم بِالْعُدْوَة الدّنيا وَهم بِالْعُدْوَة الْقُصوَى وَالرّكب أسفلَ منكُم وَلَوْ تَوَاعَدْتُم لاختَلَفتُم في الْميعَادِ وَلَكِن لِيقْضي اللّه أمراً كان مفعُولاً لِيهلِك من هلَك عَن بيّنة وَيحيى من حي عَن بيّنة وَإنّ اللّه لَسميعٌ عَلِيم)) [الأنفال:42].

ولقد ثبت في الصحيحين قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: (وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم) فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم. وثبت في صحيح مسلم وغيره أنه لما كان يوم بدر نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تُهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبداً).

فبالله كم من فضل لأهل بدر في أعناق المسلمين؟! أولئك الذين بهم نصر الله الدين وأقام الملة، وبهم أوصل الحق إلى أهل الأرض. فجزاهم الله خير الجزاء، هو القائل عنهم: ((إذ تَستَغيثون ربكُم فاستَجاب لَكُم أنّي ممدّكُم بِألْف من الْملائكة مردِفين وَما جعَلَه اللّه إلا بشرى وَلِتَطمئنّ بِه قُلُوبكُم وَما النّصرُ إلا من عِندِ اللّه إنّ اللّه عَزيز حكِيم)) [الأنفال:9-10].



تطهيرهم وإذهاب الرجس عنهم



قال تعالى بعد الآيات السابقة مباشرة: ((إِذْ يُغشيكُم النّعَاس أمنةً منه وَينزّلُ عَلَيكُم من السماء ماء لِيطهّركُم بِه وَيذهب عَنكُم رِجز الشيطانِ وَلِيربِط عَلَى قُلُوبِكُم وَيثبّتَ بِه الأقْدام * إذ يوحي ربّك إلَى الْملائكة أنّي معَكُم فثبّتُوا الّذين آمنُوا سألْقِي في قُلُوبِ الّذين كفرُوا الرّعْب فاضرِبوا فوْقَ الأعْناقِ وَاضرِبوا منهم كُلّ بنانٍ)) [الأنفال:112،111].

وإذا كان الله تعالى قد أنزل في أهل بيت نبيه صلى الله عليه وسلم قوله: ((وَقَرْن في بيوتِكُنّ وَلا تَبرّجن تَبرّج الْجاهلِية الأولَى وَأقِمن الصّلاة وَآتِين الزكاة وَأطعْن اللّه وَرسولَه إنّما يرِيدُ اللّه لِيذهب عَنكُم الرّجس أهلَ الْبيتِ وَيطهّركُم تَطهيراً)) [الأحزاب:33] فقد أنزل في أهل بدر الكلمات نفسها إذ يقول: ((وَينزّلُ عَلَيكُم من السماء ماء لِيطهّركُم بِه وَيذهب عَنكُم رِجز الشيطانِ)) [الأنفال:11].



آيات أخر في أهل بدر



قال تعالى: ((وَإن يرِيدُوا أن يخدعُوك فإنّ حسبك اللّه هوَ الّذي أيدك بِنصرِه وَبِالْمؤمنِين * وَألّف بين قُلُوبِهم لَوْ أنفقْتَ ما في الأرض جميعاً ما ألّفتَ بين قُلُوبِهم وَلَكِنّ اللّه ألّف بينهم إنّه عَزيز حكِيم * يا أيّها النّبِيّ حسبك اللّه وَمنِ اتّبعَك من الْمؤمنِين)) [الأنفال:62- 64].

و(المؤمنون) المذكورون هنا الذين أيد الله بهم نبيه هم أهل بدر: الأنصار والمهاجرون لا غير. وقد كان بين الأوس والخزرج وهم الأنصار خصومات وحروب و عداوات وثارات فأذهب الله ذلك عنهم، وألف بين قلوبهم فأصبحوا بنعمته إخواناً متآلفين؛ يحب بعضهم بعضاً وينصر بعضهم بعضاً كما قال تعالى: ((إنّ الّذين آمنُوا وَهاجرُوا وَجاهدُوا بِأموَالِهم وَأنفسهم في سبِيلِ اللّه وَالّذين آوَوْا وَنصرُوا أولَئك بعْضهم أوْلِياء بعْض)) [الأنفال:72]. فأثبت الولاية والنصرة بين المهاجرين والأنصار بعضهم لبعض. وهذه الآية لا تزال تتلى إلى يوم القيامة، فمن ادعى أنهم كانوا متعادين متباغضين فقد كذب الله في قوله وخبره، وعارضه في حكمه وأمره.










أهـل أحـد


قال تعالى: ((إِذْ تَقُولُ لِلْمؤمنين ألَن يكفيكم أن يمدّكم ربّكم بثلاثة آلافٍ من الْملائكة منزلِين * بلَى إِن تَصبروا وتَتقُوا ويأتُوكم من فورهم هذَا يمددكم ربّكم بخمسة آلافٍ من الْملائكة مسوّمين * وما جعَلَه اللّه إِلا بشرى لَكم ولِتَطمئن قُلُوبكم به وما النصر إِلا من عِند اللّه الْعَزيز الْحكيم)) [آل عمران:124-126].

وقال: ((وَكأيّن من نبيّ قَاتَلَ معَه ربّيّون كثيرٌ فما وهنوا لِما أصابهم في سبيلِ اللّه وما ضعُفوا وما استَكانوا واللّه يحبّ الصابرين * وما كان قَولَهم إِلا أن قَالُوا ربنا اغفر لَنا ذُنوبنا وإِسرافنا في أمرنا وثبّتْ أقْدامنا وانصرنا عَلَى الْقَوم الْكافرين * فآتَاهم اللّه ثواب الدّنيا وحسن ثواب الآخرة واللّه يحبّ الْمحسنين)) [آل عمران:146-148]. وما حسن ثواب الآخرة إلا الجنة.

وإذا كان أهل أُحد بهذه المنزلة فقد أخبر الله تعالى أنه عفا حتى عن الذين تولوا منهم حين باغتهم المشركون من خلفهم فقال: ((إِن الّذين تَولّوا منكم يوم الْتَقَى الْجمعَان إِنما استَزلّهم الشيطان ببعْض ما كسبوا ولَقَد عَفَا اللّه عَنهم إِن اللّه غفورٌ حلِيمٌ)) [آل عمران:155]، وقال: ((ولَقَد صدقَكم اللّه وعْده إِذْ تَحسونهم بإِذْنه حتّى إِذَا فشلْتُم وتَنازعْتُم في الأمر وعَصيتُم من بعْد ما أراكم ما تُحبّون منكم من يريد الدّنيا ومنكم من يريد الآخرة ثمّ صرفكم عَنهم لِيبتَلِيكم وَلَقَدْ عَفَا عَنكم وَاللّه ذُو فضلٍ عَلَى الْمؤمنين)) [آل عمران:152].

وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستغفار لهم، والعفو عما بدر منهم قبل المعركة وأثناءها فقال: ((فبما رحمة من اللّه لِنتَ لَهم ولَو كنتَ فظّاً غلِيظ الْقَلْب لانفضوا من حولِك فاعْف عَنهم واستَغفر لَهم وشاورهم في الأمر فإِذَا عَزمتَ فتَوكلْ عَلَى اللّه إِن اللّه يحبّ الْمتَوكلِين)) [آل عمران:159]. وحين ذكر تعالى شهداء أحد أخبر أنهم ((يستَبشرون بالّذين لَم يلْحقوا بهم من خلْفهم ألا خوفٌ عَلَيهم ولا هم يحزنون)) [آل عمران:170].

وهؤلاء هم بقية أهل أحد الذين ذكرهم بعد هذه الآية فقال: ((وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين * الّذين استَجابوا لِلّه والرسولِ من بعْد ما أصابهم الْقَرح لِلّذين أحسنوا منهم واتّقَوا أجرٌ عَظيمٌ الّذين قَالَ لَهم الناس إِن الناس قَد جمعُوا لَكم فاخشوهم فزادهم إِيماناً وقَالُوا حسبنا اللّه ونعْم الْوكيلُ * فانقَلَبوا بنعْمة من اللّه وفضلٍ لَم يمسسهم سوء واتّبعُوا رضوان اللّه واللّه ذُو فضلٍ عَظيمٍ)) [آل عمران:171-174].

http://www.alburhan.com/articles.aspx?id=1719&page_id=0&page_size=5&links=false&gate_id=0

غالب ياسين
11/05/2008, 08:57 PM
وهذه آيات لا أستطيع – وأنا أقرأها- وصف أحاسيسي وموقفي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ! كيف لي بذلك؟! وأنا أمام رجال تولى الله بنفسه تحبيب الإيمان إلى نفوسهم وتزيينه في قلوبهم، وكره إليهم كل ما ناقضه من الكفر والفسوق والعصيان، وأطلق عليهم ذلك اللقب العظيم: (الراشدون)، ثم عقب على كل ذلك مبيناً أنه (عليم) بمن هو أهل لذلك، (حكيم): لا يضع الفضل إلا في موضعه. فقال سبحانه: ((وَاعْلَموا أن فيكم رسولَ اللّهِ لَوْ يطيعُكم في كثيرٍ من الأمر لَعَنتُّم وَلَكن اللّه حبب إلَيْكم الأيمان وَزينهُ في قُلُوبكم وَكره إلَيْكم الْكفر وَالْفسوقَ وَالْعِصيان أولَئك هُم الراشدُون * فضلاً من اللّهِ وَنعْمة وَاللّهُ عَلِيمٌ حكيمٌ)) [الحجرات:7،8].










أبو بكر الصديق رضي الله عنه




قال تعالى: ((إِلاّ تَنْصُروه فقَد نصره اللَّه إِذ أخرجه الَّذين كفروا ثاني اثنين إِذ هما في الْغار إِذ يقُولُ لِصاحبه لا تَحزنْ إِن اللَّه معَنا فأنْزلَ اللَّه سكينتَه عَلَيه وأيده بجنُودٍ لَم تَروها وجعَلَ كلِمة الَّذين كفروا السفلَى وكلِمة اللَّه هي الْعُلْيا واللَّه عَزيزٌ حكيم)) [التوبة:40].

المعية في اللغة


كلمة (مع) جاءت في القرآن الكريم عامة وخاصة. فالعامة: كقوله تعالى: ((ألَم تَر أن اللَّه يعْلَم ما في السماواتِ وما في الأرض ما يكونُ منْ نجوى ثلاثة إِلا هو رابعُهم ولا خمسة إِلا هو سادسهم ولا أدنى منْ ذلِك ولا أكثر إِلا هو معَهم أين ما كانُوا ثم ينبئهم بما عَملُوا يوم الْقِيامة إِن اللَّه بكلّ شيء عَلِيم)) [المجادلة:7]. وهي معية العلم الشاملة لكل الخلق مؤمنهم وكافرهم.

أما الخاصة: فكما في قوله تعالى: ((إن الله مع الصابرين))، ((إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون))، ((قال موسى كلا ان معي ربي سيهدين))، ((إنني معكما أسمع وأرى))، ((لا تحزن إن الله معنا))، وهي معية النصر والحفظ والتأييد.

فالمعية العامة معية العلم وما في معناه، والخاصة معية التأييد وما في معناه. فالله تعالى مع الصابرين ومع المحسنين ومع المتقين دون غيرهم، ومع موسى وهارون عليهما السلام دون فرعون وهامان وجنودهما، ومع النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر رضي الله عنه دون أبي جهل ومن معه ممن كانوا يبحثون عنهما وهما في الغار، وإن كان سبحانه مع الجميع بعلمه. فالمعية الخاصة هي التي يكون لصاحبها المختص بها فضل وشرف دون المعية العامة.

اعتراض وجوابه


وأما قول من قال: إن الله قد قال: ((فأنْزلَ اللَّه سكينتَه عَلَيه)) ولم يقل: (عليهما)، فهذا قول من لم يعرف لغة الناس: فإن الله عز وجل إنما قال ذلك في معرض الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بخصوصه: كيف أنه نصره إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين وأنزل سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها. فبدأ الآية بالكلام عن نبيه وحده فقال: (إلا تنصروه) ولم يقل: (إلا تنصروهما)، وختمها بالكلام عن نبيه وحده فقال: ((فأنزل الله سكينته عليه وأيده)) لهذا لم يقل: (فأنزل سكينته عليهما وأيدهما) إذ المقصود بالكلام هو النبي وحده دون سواه. أما أبو بكر فقد جاء ذكره في الآية عرضاً لا أصالةً: إذ الآية في الأصل لا تتحدث عنه لا في بدايتها ولا في نهايتها: فالضمير (الهاء) في (تنصروه ونصره وصاحبه وسكينته وعليه وأيده) كلها عائد إلى الرسول ولا دخل لأبي بكر فيه. وإذن خروج أبي بكر عن قوله في آخر الآية: ((فأنْزلَ اللَّه سكينتَه عَلَيه وأيده)) كخروجه عن قوله في أولها: ((إِلاّ تَنْصُروه فقَد نصره اللَّه إِذ أخرجه الَّذين كفروا ثاني اثنين إِذ هما في الْغار إِذ يقُولُ لِصاحبه)) [التوبة:40]، واختصاص الضمير بالنبي صلى الله عليه وسلم في (عليه وأيده) هو كاختصاصه به في (تنصروه ونصره وأخرجه وعليه وأيده) سواء بسواء.










أمهات المؤمنين رضي الله عنهن


قال تعالى: ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمؤمنِينَ منْ أنْفسهم وأزواجه أمهاتُهم)) [الأحزاب:6].

فأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين بنص كتاب الله الصريح، فكل من كان من المؤمنين كان ابناً لهن وهن أمهات له. ومن هنا جاء التنزيل بحرمتهن على المؤمنين: ((وما كانَ لَكم أنْ تُؤذوا رسولَ اللَّه ولا أنْ تَنْكحوا أزواجه منْ بعْده أبداً إنَّ ذلِكم كانَ عِنْد اللَّه عَظيماً)) [الأحزاب:53].

والولد ينفر -بفطرته وطبعه- أن يذم أمه أو يطعن فيها، ويأباه أشد الإباء. بل هو دائماً وأبداً يدافع عنها ويذب عن سمعتها وعرضها. ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بنا من أنفسنا وأقرب إلينا من أبنائنا، وأزواجه أقرب إلينا من أمهاتنا وأولى بنا منهن.

وهذا ليس قياساً أو استنتاجاً، إنما هو نص كتاب الله تعالى وحكمه. وكما أن دفاعنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون أشد من دفاعنا عن أنفسنا وأبنائنا، فكذلك يجب أن يكون دفاعنا عن أزواجه أمهاتنا رضي الله عنهن، هذا إذا كنا مؤمنين..

وأما إذا كنا غير ذلك -والعياذ بالله- فلسن هن أمهاتٍ لنا فقد يجوز لنا أن نتكلم فيهن، ولكن بعد أن نكون خارج دائرة الإيمان. فكل من سب واحدة من أمهات المؤمنين فليس بمؤمن لأن الولد لا يسب أمه، والمؤمن لا يسب أمهات المؤمنين.

فليتق الله مسلم وقع في ذلك جهلاً منه وغفلة وانسياقاً وراء الحاقدين على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، ولينزع عما هو فيه من الإثم العظيم قبل أن يأتيه الموت وهو على ذلك فيقول رب ارجعون.. ولكن هيهات هيهات فقد فات الأوان.



آيات أخرى في أمهات المؤمنين



منها قوله تعالى في سورة الأحزاب: ((يا أيُها النَّبِيُ قُلْ لأزواجك إنْ كنْتُنَّ تُردنَ الْحياة الدنْيا وزينَتَها فتَعَالَيْنَ أمتِّعْكنَّ وأسرحكنَّ سراحاً جميلاً * وإنْ كنْتُنَّ تُردنَ اللَّه ورسولَه والدار الآخرة فإنَّ اللَّه أعَد لِلْمحسنَاتِ منْكنَّ أجراً عَظيماً * يا نِساء النَّبِي منْ يأْتِ منْكنَّ بِفاحشة مبينَة يُضاعَف لَها الْعَذابُ ضعْفيْنِ وكانَ ذلِك عَلَى اللَّه يسيراً * ومنْ يقْنُتْ منْكنَّ لِلَّه ورسولِه وتَعْملْ صالِحاً نُؤتِها أجرها مرتَيْنِ وأعْتَدنَا لَها رزقاً كريماً * يا نِساء النَّبِي لَستُنَّ كأحدٍ منَ النِّساء إنِ اتَّقَيْتُنَّ فلا تَخضعْنَ بِالْقَوْلِ فيطمعَ الَّذي في قَلْبِه مرضٌ وقُلْنَ قَوْلاً معْروفاً * وقَرنَ في بُيُوتِكنَّ ولا تَبرجنَ تَبرج الْجاهلِية الأولَى وأقِمنَ الصلاة وآتِينَ الزكاة وأطعْنَ اللَّه ورسولَه إنَّما يُريد اللَّه لِيُذهب عَنْكم الرجس أهلَ الْبيْتِ ويُطهركم تَطهيراً * واذكرنَ ما يُتْلَى في بُيُوتِكنَّ منْ آياتِ اللَّه والْحكمة إنَّ اللَّه كانَ لَطيفاً خبِيراً)) [الأحزاب:28-34].

هذه الآيات البينات تخاطب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وما يهمني منها في هذا المقام جملة دلالات عظيمة هي:

1- شهادة الله بالتقوى لأمهات المؤمنين:

ففي الآية دلالة لا تخفى على المتأمل على تقوى أمهات المؤمنين، فقد اخترن الله ورسوله والدار الآخرة على الحياة الدنيا وزينتها.

ولو لم يكن الأمر كذلك لكان النبي صلى الله عليه وسلم قد طلقهن وسرحهن طبقاً للأمر الإلهي: ((يا أيُها النَّبِيُ قُلْ لأزواجك إنْ كنْتُنَّ تُردنَ الْحياة الدنْيا وزينَتَها فتَعَالَيْنَ أمتِّعْكنَّ وأسرحكنَّ سراحاً جميلاً)) وهذا لم يقع، بل الذي وقع شيء آخر معاكس تماماً هو تكريم عظيم وفخر جليل، ومنقبة تجعل أمهات المؤمنين يتباهين بها على نساء العالمين. ذلك أن الله تبارك وتعالى لما رأى صدقهن في اختياره واختيار رسوله صلى الله عليه وسلم ، وترك الدنيا وزينتها جازاهن بشيء هو فوق إقرار نبيه صلى الله عليه وسلم على إبقائهن في عصمته وعدم طلاقهن وتسريحهن؛ ذلك أنه جل وعلا حرم بأمر سماوي صريح على نبيه أن يطلق واحدة منهن، كما حرم عليه أن يتزوج عليهن امرأة من بعد كائنة من كانت، فقال في السورة نفسها بعد عدة آيات: ((لا يحلُّ لَك النِّساء منْ بعْد ولا أنْ تَبدلَ بِهنَّ منْ أزواجٍ ولَوْ أعْجبك حسنُهنَّ إلا ما ملَكتْ يمينُك وكانَ اللَّه عَلَى كلِّ شيْءٍ رقِيباً)) [الأحزاب:52].

وكونه تعالى قد قيد الأجر العظيم في الآيات السابقة بالإحسان لا يعني أنهن لم يكن محسنات، وإنما يذكر الله ما به يحصل الأجر ليفعلنه، فإنهن بالإحسان حصلن عليه لا بمجرد كونهن أزواجاً للنبي صلى الله عليه وسلم . كما أن وعيد الله لمن يأتي منهن بفاحشة مبينة بالعذاب المضاعف لا يستلزم وقوع ذلك منهن. بل ذكر ذلك أدعى لأن يبتعدن عنه، وتعليم لهن أن كونهن أزواجاً للنبي لا يعطيهن ضماناً بالأمان من العذاب عند المعصية، بل ذلك أدعى لمضاعفته؛ فإن العبد كلما ارتقت منزلته كبرت هفوته. فيذكر الله ما به يستحققن الأجر وإن كن كلهن بهذه الصفة، وما به مضاعفة العذاب وإن كن كلهن مبرءات منه. ولولا ذكر ذلك لربما حصل اعتقاد خاطئ يجعل حصول الأجر واندفاع العذاب يترتب على مجرد كونهن أزواجاً للنبي صلى الله عليه وسلم ، كما حصل هذا الاعتقاد الخاطئ لدى الكثيرين الذين يتوهمون حصول ذلك لمجرد القربى.

2- أفضلية أمهات المؤمنين على نساء العالمين:

وفي قوله تعالى: ((يَا نِساء النَّبِي لَستُنَّ كأحدٍ منَ النِّساء إنِ اتَّقَيْتُنّ)) بيان لأفضلية نساء النبي صلى الله عليه وسلم على نساء العالمين. وإن كانت التقوى شرطاً لتسنم هذه المنزلة العالية فإن هذا الشرط حاصل كما بينا في الفقرة السابقة. ولم؟ وكيف لا؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو المختار: اختار الله له أعلى المنازل وأعظم المقامات وخير الأمم وخير الأديان وخير الكتب وخير الأصحاب وخير الأهل وخير الأزواج!

3- التطهير وإذهاب الرجس عن أمهات المؤمنين:

قوله تعالى: ((إنَّمَا يُرِيدُ اللَّه لِيُذهب عَنْكم الرجس أهلَ الْبيْتِ ويُطهركم تَطهيراً)) هو خطاب لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم على الخصوص. وذلك بدليل السباق والسياق قبل الكلام وبعده: فإن الله تعالى قال قبله: ((وقَرنَ في بُيُوتِكنَّ ولا تَبرجنَ تَبرج الْجاهلِية الأولَى وأقِمنَ الصلاة وآتِينَ الزكاة وأطعْنَ اللَّه ورسولَه))، ثم عقب عليه قائلاً: ((إنَّما يُريد اللَّه لِيُذهب عَنْكم الرجس أهلَ الْبيْتِ ويُطهركم تَطهيراً))، ثم قال بعده: ((واذكرنَ ما يُتْلَى في بُيُوتِكنَّ منْ آياتِ الله والْحكمة إنَّ اللَّه كانَ لَطيفاً خبِيراً))، وبدليل اللغة: فإن (أهل بيت الرجل) و(أهل الرجل) في اللغة يطلق حقيقة على الزوجة. نعم قد يطلق على غيرها ولكن بطريق المجاز. يقول الراغب الأصفهاني في (مفردات ألفاظ القرآن): أهل الرجل: في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد، ثم تجوز به فقيل أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب، وتعورف في أسرة بيت النبي عليه الصلاة والسلام مطلقاً إذا قيل أهل البيت لقوله عز وجل: ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت)) وعبر (بأهل الرجل) عن امرأته. و(تأهل) إذا تزوج ومنه قيل: أهلك الله في الجنة أي زوجك فيها وجعل لك فيها أهلاً يجمعك وإياهم.

فالمعنى الحقيقي لأهل الرجل زوجته وأسرته أهل بيته، وإنما أطلق على الأقارب مجازاً، وبذلك ورد اللفظ في القرآن الكريم: قال تعالى: ((فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله)) [القصص:29] أي بزوجه فلم يكن معه غيرها. وقال عن لوط عليه السلام: ((فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين)) [الأعراف:83]. ولكون العربي لا يفهم لفظ (أهل الرجل) بمعزل عن امرأته؛ فإن الله جلت حكمته لا يذكر قصة لوط عليه السلام في القرآن ويذكر فيها إنجاء أهله إلا عقب باستثناء امرأته منهم. وما ذلك إلا لكمال تطابق لفظ (الأهل) مع امرأة الرجل وزوجته في لغة العرب التي نزل بها القرآن. وهكذا خاطبت الملائكة زوجة إبراهيم الخليل عليه السلام حين بشروه بإسحاق، فتعجبت من ذلك فقالوا لها: ((قَالُوا أتَعْجبِينَ منْ أمر اللَّه رحمتُ اللَّه وبركاتُه عَلَيْكم أهلَ الْبيْتِ إنَّه حميدٌ مجيدٌ)) [هود:73].

4- وجوب تلقي الأحاديث المروية عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بالقبول:

وفي قوله تعالى: ((وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى في بُيُوتِكنَّ منْ آياتِ اللَّه والْحكمة إنَّ اللَّه كانَ لَطيفاً خبِيراً)) أمر من اللطيف الخبير لأمهات المؤمنين بوجوب ذكر ما ينزل في بيوتهن من آيات الله، وما يحدث فيها من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله وهي (الحكمة)؛ لأن في ذلك تشريعاً لا يمكن أن تطلع عليه الأمة إلا عن طريقهن، وقد ائتمنهن الله عليه. ومن دون ذلك لا يمكن أن نتعرف على خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم وما يحدث في بيته مما لا يمكن أن يطلع عليه غيرهن. ولا شك أن هذا لا يتحقق ولا يتم ولا يكون لأمره تعالى هذا من معنى على الواقع ما لم نتلق الأحاديث الصحيحة المنقولة عن طريقهن في كتب الحديث بالقبول والتصديق. وفي ذلك توثيق من الله تعالى لأزواج نبيه، وتعديل لا يمكن أن يرقى إليه جرح بأي حال من الأحوال. وهل هناك أوثق ممن يذكره الله لعباده بالخير، ويشهد له بالتقوى، ويرشدهم أن يرووا عنه؟‍‍‍‍ ألا إنه من خالف ذلك فقد عارض المنقول وناقض المعقول وعصى الله وشاقق الرسول.

غالب ياسين
11/05/2008, 08:57 PM
وهذه آيات لا أستطيع – وأنا أقرأها- وصف أحاسيسي وموقفي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ! كيف لي بذلك؟! وأنا أمام رجال تولى الله بنفسه تحبيب الإيمان إلى نفوسهم وتزيينه في قلوبهم، وكره إليهم كل ما ناقضه من الكفر والفسوق والعصيان، وأطلق عليهم ذلك اللقب العظيم: (الراشدون)، ثم عقب على كل ذلك مبيناً أنه (عليم) بمن هو أهل لذلك، (حكيم): لا يضع الفضل إلا في موضعه. فقال سبحانه: ((وَاعْلَموا أن فيكم رسولَ اللّهِ لَوْ يطيعُكم في كثيرٍ من الأمر لَعَنتُّم وَلَكن اللّه حبب إلَيْكم الأيمان وَزينهُ في قُلُوبكم وَكره إلَيْكم الْكفر وَالْفسوقَ وَالْعِصيان أولَئك هُم الراشدُون * فضلاً من اللّهِ وَنعْمة وَاللّهُ عَلِيمٌ حكيمٌ)) [الحجرات:7،8].










أبو بكر الصديق رضي الله عنه




قال تعالى: ((إِلاّ تَنْصُروه فقَد نصره اللَّه إِذ أخرجه الَّذين كفروا ثاني اثنين إِذ هما في الْغار إِذ يقُولُ لِصاحبه لا تَحزنْ إِن اللَّه معَنا فأنْزلَ اللَّه سكينتَه عَلَيه وأيده بجنُودٍ لَم تَروها وجعَلَ كلِمة الَّذين كفروا السفلَى وكلِمة اللَّه هي الْعُلْيا واللَّه عَزيزٌ حكيم)) [التوبة:40].

المعية في اللغة


كلمة (مع) جاءت في القرآن الكريم عامة وخاصة. فالعامة: كقوله تعالى: ((ألَم تَر أن اللَّه يعْلَم ما في السماواتِ وما في الأرض ما يكونُ منْ نجوى ثلاثة إِلا هو رابعُهم ولا خمسة إِلا هو سادسهم ولا أدنى منْ ذلِك ولا أكثر إِلا هو معَهم أين ما كانُوا ثم ينبئهم بما عَملُوا يوم الْقِيامة إِن اللَّه بكلّ شيء عَلِيم)) [المجادلة:7]. وهي معية العلم الشاملة لكل الخلق مؤمنهم وكافرهم.

أما الخاصة: فكما في قوله تعالى: ((إن الله مع الصابرين))، ((إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون))، ((قال موسى كلا ان معي ربي سيهدين))، ((إنني معكما أسمع وأرى))، ((لا تحزن إن الله معنا))، وهي معية النصر والحفظ والتأييد.

فالمعية العامة معية العلم وما في معناه، والخاصة معية التأييد وما في معناه. فالله تعالى مع الصابرين ومع المحسنين ومع المتقين دون غيرهم، ومع موسى وهارون عليهما السلام دون فرعون وهامان وجنودهما، ومع النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر رضي الله عنه دون أبي جهل ومن معه ممن كانوا يبحثون عنهما وهما في الغار، وإن كان سبحانه مع الجميع بعلمه. فالمعية الخاصة هي التي يكون لصاحبها المختص بها فضل وشرف دون المعية العامة.

اعتراض وجوابه


وأما قول من قال: إن الله قد قال: ((فأنْزلَ اللَّه سكينتَه عَلَيه)) ولم يقل: (عليهما)، فهذا قول من لم يعرف لغة الناس: فإن الله عز وجل إنما قال ذلك في معرض الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بخصوصه: كيف أنه نصره إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين وأنزل سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها. فبدأ الآية بالكلام عن نبيه وحده فقال: (إلا تنصروه) ولم يقل: (إلا تنصروهما)، وختمها بالكلام عن نبيه وحده فقال: ((فأنزل الله سكينته عليه وأيده)) لهذا لم يقل: (فأنزل سكينته عليهما وأيدهما) إذ المقصود بالكلام هو النبي وحده دون سواه. أما أبو بكر فقد جاء ذكره في الآية عرضاً لا أصالةً: إذ الآية في الأصل لا تتحدث عنه لا في بدايتها ولا في نهايتها: فالضمير (الهاء) في (تنصروه ونصره وصاحبه وسكينته وعليه وأيده) كلها عائد إلى الرسول ولا دخل لأبي بكر فيه. وإذن خروج أبي بكر عن قوله في آخر الآية: ((فأنْزلَ اللَّه سكينتَه عَلَيه وأيده)) كخروجه عن قوله في أولها: ((إِلاّ تَنْصُروه فقَد نصره اللَّه إِذ أخرجه الَّذين كفروا ثاني اثنين إِذ هما في الْغار إِذ يقُولُ لِصاحبه)) [التوبة:40]، واختصاص الضمير بالنبي صلى الله عليه وسلم في (عليه وأيده) هو كاختصاصه به في (تنصروه ونصره وأخرجه وعليه وأيده) سواء بسواء.










أمهات المؤمنين رضي الله عنهن


قال تعالى: ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمؤمنِينَ منْ أنْفسهم وأزواجه أمهاتُهم)) [الأحزاب:6].

فأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين بنص كتاب الله الصريح، فكل من كان من المؤمنين كان ابناً لهن وهن أمهات له. ومن هنا جاء التنزيل بحرمتهن على المؤمنين: ((وما كانَ لَكم أنْ تُؤذوا رسولَ اللَّه ولا أنْ تَنْكحوا أزواجه منْ بعْده أبداً إنَّ ذلِكم كانَ عِنْد اللَّه عَظيماً)) [الأحزاب:53].

والولد ينفر -بفطرته وطبعه- أن يذم أمه أو يطعن فيها، ويأباه أشد الإباء. بل هو دائماً وأبداً يدافع عنها ويذب عن سمعتها وعرضها. ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بنا من أنفسنا وأقرب إلينا من أبنائنا، وأزواجه أقرب إلينا من أمهاتنا وأولى بنا منهن.

وهذا ليس قياساً أو استنتاجاً، إنما هو نص كتاب الله تعالى وحكمه. وكما أن دفاعنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون أشد من دفاعنا عن أنفسنا وأبنائنا، فكذلك يجب أن يكون دفاعنا عن أزواجه أمهاتنا رضي الله عنهن، هذا إذا كنا مؤمنين..

وأما إذا كنا غير ذلك -والعياذ بالله- فلسن هن أمهاتٍ لنا فقد يجوز لنا أن نتكلم فيهن، ولكن بعد أن نكون خارج دائرة الإيمان. فكل من سب واحدة من أمهات المؤمنين فليس بمؤمن لأن الولد لا يسب أمه، والمؤمن لا يسب أمهات المؤمنين.

فليتق الله مسلم وقع في ذلك جهلاً منه وغفلة وانسياقاً وراء الحاقدين على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، ولينزع عما هو فيه من الإثم العظيم قبل أن يأتيه الموت وهو على ذلك فيقول رب ارجعون.. ولكن هيهات هيهات فقد فات الأوان.



آيات أخرى في أمهات المؤمنين



منها قوله تعالى في سورة الأحزاب: ((يا أيُها النَّبِيُ قُلْ لأزواجك إنْ كنْتُنَّ تُردنَ الْحياة الدنْيا وزينَتَها فتَعَالَيْنَ أمتِّعْكنَّ وأسرحكنَّ سراحاً جميلاً * وإنْ كنْتُنَّ تُردنَ اللَّه ورسولَه والدار الآخرة فإنَّ اللَّه أعَد لِلْمحسنَاتِ منْكنَّ أجراً عَظيماً * يا نِساء النَّبِي منْ يأْتِ منْكنَّ بِفاحشة مبينَة يُضاعَف لَها الْعَذابُ ضعْفيْنِ وكانَ ذلِك عَلَى اللَّه يسيراً * ومنْ يقْنُتْ منْكنَّ لِلَّه ورسولِه وتَعْملْ صالِحاً نُؤتِها أجرها مرتَيْنِ وأعْتَدنَا لَها رزقاً كريماً * يا نِساء النَّبِي لَستُنَّ كأحدٍ منَ النِّساء إنِ اتَّقَيْتُنَّ فلا تَخضعْنَ بِالْقَوْلِ فيطمعَ الَّذي في قَلْبِه مرضٌ وقُلْنَ قَوْلاً معْروفاً * وقَرنَ في بُيُوتِكنَّ ولا تَبرجنَ تَبرج الْجاهلِية الأولَى وأقِمنَ الصلاة وآتِينَ الزكاة وأطعْنَ اللَّه ورسولَه إنَّما يُريد اللَّه لِيُذهب عَنْكم الرجس أهلَ الْبيْتِ ويُطهركم تَطهيراً * واذكرنَ ما يُتْلَى في بُيُوتِكنَّ منْ آياتِ اللَّه والْحكمة إنَّ اللَّه كانَ لَطيفاً خبِيراً)) [الأحزاب:28-34].

هذه الآيات البينات تخاطب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وما يهمني منها في هذا المقام جملة دلالات عظيمة هي:

1- شهادة الله بالتقوى لأمهات المؤمنين:

ففي الآية دلالة لا تخفى على المتأمل على تقوى أمهات المؤمنين، فقد اخترن الله ورسوله والدار الآخرة على الحياة الدنيا وزينتها.

ولو لم يكن الأمر كذلك لكان النبي صلى الله عليه وسلم قد طلقهن وسرحهن طبقاً للأمر الإلهي: ((يا أيُها النَّبِيُ قُلْ لأزواجك إنْ كنْتُنَّ تُردنَ الْحياة الدنْيا وزينَتَها فتَعَالَيْنَ أمتِّعْكنَّ وأسرحكنَّ سراحاً جميلاً)) وهذا لم يقع، بل الذي وقع شيء آخر معاكس تماماً هو تكريم عظيم وفخر جليل، ومنقبة تجعل أمهات المؤمنين يتباهين بها على نساء العالمين. ذلك أن الله تبارك وتعالى لما رأى صدقهن في اختياره واختيار رسوله صلى الله عليه وسلم ، وترك الدنيا وزينتها جازاهن بشيء هو فوق إقرار نبيه صلى الله عليه وسلم على إبقائهن في عصمته وعدم طلاقهن وتسريحهن؛ ذلك أنه جل وعلا حرم بأمر سماوي صريح على نبيه أن يطلق واحدة منهن، كما حرم عليه أن يتزوج عليهن امرأة من بعد كائنة من كانت، فقال في السورة نفسها بعد عدة آيات: ((لا يحلُّ لَك النِّساء منْ بعْد ولا أنْ تَبدلَ بِهنَّ منْ أزواجٍ ولَوْ أعْجبك حسنُهنَّ إلا ما ملَكتْ يمينُك وكانَ اللَّه عَلَى كلِّ شيْءٍ رقِيباً)) [الأحزاب:52].

وكونه تعالى قد قيد الأجر العظيم في الآيات السابقة بالإحسان لا يعني أنهن لم يكن محسنات، وإنما يذكر الله ما به يحصل الأجر ليفعلنه، فإنهن بالإحسان حصلن عليه لا بمجرد كونهن أزواجاً للنبي صلى الله عليه وسلم . كما أن وعيد الله لمن يأتي منهن بفاحشة مبينة بالعذاب المضاعف لا يستلزم وقوع ذلك منهن. بل ذكر ذلك أدعى لأن يبتعدن عنه، وتعليم لهن أن كونهن أزواجاً للنبي لا يعطيهن ضماناً بالأمان من العذاب عند المعصية، بل ذلك أدعى لمضاعفته؛ فإن العبد كلما ارتقت منزلته كبرت هفوته. فيذكر الله ما به يستحققن الأجر وإن كن كلهن بهذه الصفة، وما به مضاعفة العذاب وإن كن كلهن مبرءات منه. ولولا ذكر ذلك لربما حصل اعتقاد خاطئ يجعل حصول الأجر واندفاع العذاب يترتب على مجرد كونهن أزواجاً للنبي صلى الله عليه وسلم ، كما حصل هذا الاعتقاد الخاطئ لدى الكثيرين الذين يتوهمون حصول ذلك لمجرد القربى.

2- أفضلية أمهات المؤمنين على نساء العالمين:

وفي قوله تعالى: ((يَا نِساء النَّبِي لَستُنَّ كأحدٍ منَ النِّساء إنِ اتَّقَيْتُنّ)) بيان لأفضلية نساء النبي صلى الله عليه وسلم على نساء العالمين. وإن كانت التقوى شرطاً لتسنم هذه المنزلة العالية فإن هذا الشرط حاصل كما بينا في الفقرة السابقة. ولم؟ وكيف لا؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو المختار: اختار الله له أعلى المنازل وأعظم المقامات وخير الأمم وخير الأديان وخير الكتب وخير الأصحاب وخير الأهل وخير الأزواج!

3- التطهير وإذهاب الرجس عن أمهات المؤمنين:

قوله تعالى: ((إنَّمَا يُرِيدُ اللَّه لِيُذهب عَنْكم الرجس أهلَ الْبيْتِ ويُطهركم تَطهيراً)) هو خطاب لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم على الخصوص. وذلك بدليل السباق والسياق قبل الكلام وبعده: فإن الله تعالى قال قبله: ((وقَرنَ في بُيُوتِكنَّ ولا تَبرجنَ تَبرج الْجاهلِية الأولَى وأقِمنَ الصلاة وآتِينَ الزكاة وأطعْنَ اللَّه ورسولَه))، ثم عقب عليه قائلاً: ((إنَّما يُريد اللَّه لِيُذهب عَنْكم الرجس أهلَ الْبيْتِ ويُطهركم تَطهيراً))، ثم قال بعده: ((واذكرنَ ما يُتْلَى في بُيُوتِكنَّ منْ آياتِ الله والْحكمة إنَّ اللَّه كانَ لَطيفاً خبِيراً))، وبدليل اللغة: فإن (أهل بيت الرجل) و(أهل الرجل) في اللغة يطلق حقيقة على الزوجة. نعم قد يطلق على غيرها ولكن بطريق المجاز. يقول الراغب الأصفهاني في (مفردات ألفاظ القرآن): أهل الرجل: في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد، ثم تجوز به فقيل أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب، وتعورف في أسرة بيت النبي عليه الصلاة والسلام مطلقاً إذا قيل أهل البيت لقوله عز وجل: ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت)) وعبر (بأهل الرجل) عن امرأته. و(تأهل) إذا تزوج ومنه قيل: أهلك الله في الجنة أي زوجك فيها وجعل لك فيها أهلاً يجمعك وإياهم.

فالمعنى الحقيقي لأهل الرجل زوجته وأسرته أهل بيته، وإنما أطلق على الأقارب مجازاً، وبذلك ورد اللفظ في القرآن الكريم: قال تعالى: ((فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله)) [القصص:29] أي بزوجه فلم يكن معه غيرها. وقال عن لوط عليه السلام: ((فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين)) [الأعراف:83]. ولكون العربي لا يفهم لفظ (أهل الرجل) بمعزل عن امرأته؛ فإن الله جلت حكمته لا يذكر قصة لوط عليه السلام في القرآن ويذكر فيها إنجاء أهله إلا عقب باستثناء امرأته منهم. وما ذلك إلا لكمال تطابق لفظ (الأهل) مع امرأة الرجل وزوجته في لغة العرب التي نزل بها القرآن. وهكذا خاطبت الملائكة زوجة إبراهيم الخليل عليه السلام حين بشروه بإسحاق، فتعجبت من ذلك فقالوا لها: ((قَالُوا أتَعْجبِينَ منْ أمر اللَّه رحمتُ اللَّه وبركاتُه عَلَيْكم أهلَ الْبيْتِ إنَّه حميدٌ مجيدٌ)) [هود:73].

4- وجوب تلقي الأحاديث المروية عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بالقبول:

وفي قوله تعالى: ((وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى في بُيُوتِكنَّ منْ آياتِ اللَّه والْحكمة إنَّ اللَّه كانَ لَطيفاً خبِيراً)) أمر من اللطيف الخبير لأمهات المؤمنين بوجوب ذكر ما ينزل في بيوتهن من آيات الله، وما يحدث فيها من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله وهي (الحكمة)؛ لأن في ذلك تشريعاً لا يمكن أن تطلع عليه الأمة إلا عن طريقهن، وقد ائتمنهن الله عليه. ومن دون ذلك لا يمكن أن نتعرف على خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم وما يحدث في بيته مما لا يمكن أن يطلع عليه غيرهن. ولا شك أن هذا لا يتحقق ولا يتم ولا يكون لأمره تعالى هذا من معنى على الواقع ما لم نتلق الأحاديث الصحيحة المنقولة عن طريقهن في كتب الحديث بالقبول والتصديق. وفي ذلك توثيق من الله تعالى لأزواج نبيه، وتعديل لا يمكن أن يرقى إليه جرح بأي حال من الأحوال. وهل هناك أوثق ممن يذكره الله لعباده بالخير، ويشهد له بالتقوى، ويرشدهم أن يرووا عنه؟‍‍‍‍ ألا إنه من خالف ذلك فقد عارض المنقول وناقض المعقول وعصى الله وشاقق الرسول.

غالب ياسين
11/05/2008, 08:57 PM
أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها)


قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ جاءُوا بالإفْك عُصبةٌ منْكم لا تَحسبوه شراً لَكم بلْ هو خيْر لَكم لِكلّ امرئٍ منْهم ما اكتَسب منَ الإثم والَّذي تَولَّى كبره منْهم لَه عَذاب عَظيم * لَوْلا إِذْ سمعْتُموه ظنَّ الْمؤمنُونَ والْمؤمنَاتُ بأنْفسهم خيْراً وقَالُوا هذا إِفْك مبينٌ * لَوْلا جاءُوا عَلَيْه بأربعَة شهداء فإِذْ لَم يأتُوا بالشهداء فأولَئك عِنْد اللَّه هم الْكاذبونَ * ولَوْلا فضلُ اللَّه عَلَيْكم ورحمتُه في الدنْيا والآخرة لَمسكم في ما أفضتُم فيه عَذاب عَظيم * إِذْ تَلَقَّوْنَه بألْسنَتِكم وتَقُولُونَ بأفْواهكم ما لَيْس لَكم به عِلْم وتَحسبونَه هيناً وهو عِنْد اللَّه عَظيم * ولَوْلا إِذْ سمعْتُموه قُلْتُم ما يكونُ لَنَا أنْ نَتَكلَّم بهذا سبحانَك هذا بهتَانٌ عَظيم * يعِظكم اللَّه أنْ تَعُودوا لِمثلِه أبدا إِنْ كنتُم مؤمنينَ * ويُبينُ اللَّه لَكم الآياتِ واللَّه عَلِيم حكيم * إِنَّ الَّذِينَ يُحِبونَ أنْ تَشيعَ الْفاحشة في الَّذينَ آمنُوا لَهم عَذاب ألِيم في الدنْيا والآخرة واللَّه يعْلَم وأنْتُم لا تَعْلَمونَ * ولَوْلا فضلُ اللَّه عَلَيْكم ورحمتُه وأنَّ اللَّه رءُوفٌ رحيم * يا أيُها الَّذينَ آمنُوا لا تَتَّبعُوا خطواتِ الشيْطان ومنْ يتَّبعْ خطواتِ الشيْطان فإِنَّه يأمر بالْفحشاء والْمنْكر ولَوْلا فضلُ اللَّه عَلَيْكم ورحمتُه ما زكا منْكم منْ أحد أبدا ولَكنَّ اللَّه يُزكي منْ يشاءُ واللَّه سميعٌ عَلِيم * ولا يأتَلِ أوْلُوا الْفضلِ منْكم والسعَة أنْ يُؤتُوا أوْلِي الْقُربى والْمساكينَ والْمهاجرينَ في سبيلِ اللَّه ولْيعْفوا ولْيصفحوا ألا تُحبونَ أنْ يغفر اللَّه لَكم واللَّه غفور رحيم * إِنَّ الَّذينَ يرمونَ الْمحصنَاتِ الْغافلاتِ الْمؤمنَاتِ لُعِنُوا في الدنْيا والآخرة ولَهم عَذاب عَظيم * يَوْم تَشهد عَلَيْهم ألْسنَتُهم وأيْديهم وأرجلُهم بما كانُوا يعْملُونَ * يَوْمئِذٍ يُوَفِّيهم اللَّه دينَهم الْحقَّ ويعْلَمونَ أنَّ اللَّه هو الْحقُّ الْمبينُ الْخبيثاتُ لِلْخبيثينَ والْخبيثونَ لِلْخبيثاتِ والطيباتُ لِلطيبينَ والطيبونَ لِلطيباتِ أولَئك مبرأونَ مما يقُولُونَ لَهم مغفرةٌ ورزقٌ كريم))[النور:11-26].

هذه الآيات العظيمة من سورة (النور) - وهي ست عشرة آية - كلها نزلت خصيصاً في شأن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، وتبرئتها من حديث الإفك، وأنها محصنة غافلة مؤمنة: من رماها وطعن فيها ملعون في الدنيا والآخرة، وله عذاب عظيم. ويختم الله عز وجل هذه الآيات بوصفه لها بأنها طيبة زوجة الطيب فيقول: ((والطيباتُ لِلطيبينَ والطيبونَ لِلطيباتِ)) - بعد أن قال سبحانه: ((الْخبيثاتُ لِلخبيثينَ والْخبيثونَ لِلخبيثاتِ)) - ِثم يشهد لها بالجنة فيقول: ((أولَئك مبرأونَ مما يقُولُونَ لَهم مغفرةٌ ورزقٌ كريم)). وهذا كقوله تعالى في بداية السورة: ((الزاني لا ينْكح إِلا زانيةً أوْ مشركةً والزنية لا ينْكحها إِلا زاْنٍ أوْ مشرك وحرم ذلِك عَلَى الْمؤمنيْنَ)).

وفي الآيات من القوارع الصاعقة، والوعيد - الذي يخلع القلوب - لكل من تكلم في أم المؤمنين عائشة، والتحذير لكل من عاد لمثله على مدى الأيام والدهور خصوصاً إذا كان من الذين يدعون الإيمان. كيف؟‍‍‍‍‍‍ وعائشة هي أم المؤمنين بنص قوله تعالى: ((النَّبيُ أوْلَى بالْمؤمنينَ منْ أنْفسهم وأزواجه أمهاتُهم)) [الأحزاب:6]. وكيف يليق بمؤمن، أو يصح من أحد أن يطعن بأمه؟ وهي من ذلك البيت الذي أراد الله تطهيره وإذهاب الرجس عنه؟ فلا يطعن فيه إلا من خرج من دائرة المؤمنين وأصبح من ((الَّذينَ يُحبونَ أنْ تَشيعَ الْفاحشة في الَّذينَ آمنُوا)) ((فلْيحذر الَّذينَ يُخالِفونَ عَنْ أمره أنْ تُصيبهم فتْنَةٌ أوْ يُصيبهم عَذاب ألِيم)) [النور:63].



من مناقب أبي بكر رضي الله عنه


كان ممن خاضوا في الإفك رجل قريب لأبي بكر، كان أبو بكر يصله وينفق عليه اسمه مسطح. فحلف أبو بكر أن يقطع صلته عنه فأنزل تعالى في ذلك قوله الشريف: ((ولا يأتَلِ أولُو الْفضلِ منْكم والسعَة أنْ يُؤتُوا أولِي الْقُربى والْمساكينَ والْمهاجرينَ في سبيلِ اللَّه ولْيعْفوا ولْيصفحوا ألا تُحبونَ أنْ يغفر اللَّه لَكم واللَّه غفور رحيم)) [النور:22]. فلما نزل ذلك رجع أبو بكر عن قوله وكفر عن يمينه، وعاد إلى صلته لذلك الرجل الذي تكلم في ابنته، وقال: بلى يا رب إني أحب أن تغفر لي. ووفى الصديق بالشرط فلا بد أن يفي الله له بما وعده به من المغفرة والرحمة والله لا يخلف الميعاد.










الصحابة كلهم في الجنة


قال تعالى موجهاً خطابه لأصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم: ((لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفقَ مِنْ قَبْلِ الْفتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئك أَعْظمُ درجَة مِنَ الّذينَ أَنْفقُوا مِنْ بَعْد وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَد اللّهُ الْحُسْنَى وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) [الحديد:10].

وفيه يعدهم تعالى بالجنة جميعاً: فإن الصحابة رضي الله عنهم منهم من آمن من قبل الفتح، ومنهم من آمن من بعده، وكلا الفريقين - وإن اختلفت درجاتهم - مشمولون بهذا الوعد والله لا يخلف الميعاد.

وفي الآية براءة لأصحابها من النار ((وَكُلاً وَعَد اللّهُ الْحُسْنَى)). والحسنى هي الجنة والله تعالى يقول: ((إنّ الّذينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الْحُسْنَى أُولَئك عَنْهَا مُبْعَدونَ)) [الأنبياء:101].

وحين نستمر في قراءة سورة (الحديد) التي وردت فيها الآية الأُولى نجد الله سبحانه بعدها يقول: ((يَوْمَ تَرى الْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤمِنَاتِ يَسْعَى نُورهُمْ بَيْنَ أَيْديهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشراكُمُ الْيَوْمَ جَنّاتٌ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار خَالِدينَ فيهَا ذلِك هُوَ الْفوْز الْعَظيمُ)) [الحديد:12]، وهي كقوله في سورة التحريم ((يَوْمَ لا يُخْزي اللّهُ النّبِيّ وَالّذينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْديهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ ربّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورنَا وَاغفر لَنَا إنّك عَلَى كُلّ شيْءٍ قَديرٌ)) [التحريم:8]. والصحابة رضي الله عنهم أحق الناس بقوله تعالى: ((يَوْمَ لا يُخْزي اللّهُ النّبيّ وَالّذينَ آمَنُوا مَعَهُ)) لأنهم هم الذين كانوا معه صحبة وإيماناً ونصرة، ولم تجتمع هذه الثلاثة لجيل سواهم. فمن قال عنهم أنهم بدلوا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ، أو كانوا على عهده يظهرون غير ما يبطنون فقد كذب الله تعالى في حكمه وخبره.



فوزهم بالتجارة الرابحة



قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا هَلْ أَدلّكُمْ عَلَى تِجَارةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤمِنُونَ بِاللّهِ وَرسُولِهِ وَتُجَاهِدونَ في سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغفر لَكُمْ ذنُوبَكُمْ وَيُدخِلْكُمْ جَنّاتٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار وَمَسَاكنَ طَيّبَة في جَنّاتِ عَدنٍ ذلِك الْفوْز الْعَظيمُ * وَأُخْرى تُحِبّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللّهِ وَفتْحٌ قَريبٌ وَبَشّر الْمُؤمِنِينَ)) [الصف:10-13].

يعد الله تعالى المخاطبين بهذه الآيات -وهم الصحابة- بالمغفرة والجنة في الآخرة، وبالنصر والفتح القريب في الدنيا. لكن هذا الوعد المركب من هاتين الفقرتين مشروط بشرط هو القيام بأعباء التجارة التي لخص الله تعالى فقراتها باثنتين هما: الإيمان والجهاد. بمعنى أن أولئك الذين عرضت عليهم هذه الصفقة التجارية الواضحة الفقرات إذا وفوا ما عليهم من شرط (الإيمان والجهاد) فلا بد أن يوفي الله بما عليه تجاههم من وعد (النصر في الدنيا والجنة في الآخرة). ولا شك أن أجزاء العقد أو الصفقة المعقودة بين الطرفين متلازمة؛ لأنها في طبيعتها غير قابلة للتفكيك: فالقتال بلا إيمان لا يحقق النصر؛ لأنه قتال يجري باسم الله، والله لا ينصر من لا ينصره. وإذا جئنا إلى القتال ننظر إليه نظرة مجردة أي من زاوية الأسباب، فإنه يستحيل - بكل الحسابات - أن يتحقق النصر لذلك الجيل على تلك القوتين العظميين (فارس والروم) فضلاً عن القوى المعارضة في الجزيرة العربية دون تدخل الإرادة الإلهية التي يستدعيها الإيمان الحقيقي بالله ورسوله.

ولقد ثبت قطعاً أن الله حقق لهم وعده في جزئه الدنيوي - الذي تراه أعيننا - ألا وهو النصر والفتح القريب. وذلك مشروط بالإيمان والجهاد. فدل ذلك على أنهم قد وفوا بالشرط الذي طلب منهم، فلم يبق إلا أن يفي الله لهم بوعده في جزئه الأخروي -الذي سنراه ولا شك في ذلك- ألا وهو المغفرة والجنة لأن الله لا يخلف الميعاد.

ولا شك أن هذه الفتوحات العظيمة التي قام بها أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام في مشارق الأرض ومغاربها ونشر الإسلام في الخافقين وانتصاراتهم المعجزة المتوالية على أمم الفرس والروم وتحطيم أكبر دولتين في العالم آنذاك لمن أكبر الأدلة على أنهم وفوا بما اشترطه الله عليهم من الإيمان والجهاد، فوفى الله لهم بوعده فنصرهم على عدوهم ومكن لهم في الأرض. ولا بد أن يفي لهم ببقية ما وعدهم به فيغفر لهم ويدخلهم الجنة. (ومن أوفى بعهده من الله))؟!




فوزهم بأربح صفقة في القرآن

قال تعالى: ((إِنّ اللّهَ اشتَرى مِنَ الْمُؤمِنِينَ أَنْفسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنّ لَهُمُ الْجَنّة يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ اللّهِ فيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً في التّوْراة وَالإنْجِيلِ وَالْقُرآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدهِ مِنَ اللّهِ فاسْتَبْشروا بِبَيْعِكُمُ الّذي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذلِك هُوَ الْفوْز الْعَظيمُ * التّائبُونَ الْعَابِدونَ الْحَامِدونَ السّائحُونَ الراكعُونَ السّاجِدونَ الآمِرونَ بِالْمَعْروف وَالنّاهُونَ عَنِ الْمُنْكر وَالْحَافظونَ لِحُدود اللّهِ وَبَشّر الْمُؤمِنِينَ)) [التوبة:111-112].

من هم هؤلاء (المؤمنون) المذكورون في هذه الآيات غير الصحابة؟ هم الذين بايعوا رسول الله على الموت في سبيل الله، وهم الذين قاتلوا فقَتلوا وقُتلوا، وهم الذين تليت عليهم هذه الآيات، وهم الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه –وليس أحداً سواهم- حين وجه إليه الرب أمره فقال: ((وبشر المؤمنين)). فهم أحق الناس بخطاب المولى جل وعلا: ((فاسْتَبْشروا بِبَيْعِكُمُ الّذي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذلِك هُوَ الْفوْز الْعَظيمُ)).








الصحابة قدوة الأمم جميعاً


قال تعالى: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ والّذين مَعَه أشداء عَلَى الْكفارِ رحَمَاء بيْنهمْ تَراهمْ ركعاً سجداً يبتَغون فضلاً مِن اللّهِ ورِضواناً سِيمَاهمْ في وجوهِهِمْ مِن أثرِ السجودِ ذلِك مَثلُهمْ في التّوْراة ومَثلُهمْ في الإنجيلِ كزرْعٍ أخرج شطأه فآزره فاسْتَغلَظ فاسْتَوى عَلَى سوقِهِ يعْجب الزراعَ لِيغيظ بهِمُ الْكفار وعَد اللّه الّذين آمَنوا وعَمِلُوا الصالِحَاتِ مِنهمْ مَغفرة وأجراً عَظيماً)) [الفتح:29].

في هذه الآية الكريمة فوائد جليلة منها:

- هذا الوصف الإلهي الرائع لحال صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي استحقوا به أن يكونوا قدوة ومثلاً للسابقين من أهل الديانات الماضية؛ فقد كانوا يتلون أوصافهم ويقرءون في كتبهم أخبارهم قبل أن يخلق الله جيل الصحابة. وكما أن القدوة خير وأفضل من المقتدي؛ فهم كما أخبر الله فقال: ((كنتُمْ خيْر أمّة أخرِجتْ لِلْناسِ)). فالصحابة قدوة السابقين كما هم قدوة اللاحقين.

- قوله تعالى: ((لِيَغيظ بهِمُ الْكفَار)) إشارة إلى كفر من أبغض الصحابة وانزعج من ذكرهم. (ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمه الله -في رواية عنه- الحكم بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم قال:لأنهم يبغضونهم ومن أغاظه الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لهذه الآية، ووافقه طائفة من العلماء). ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره.










التفريق بين الصحابة والمنافقين




وذلك واضح لكل من قرأ القرآن وتدبره. انظر كيف يذكر المنافقين فيقول: ((الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعضُهُمْ مِنْ بَعضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عنِ الْمَعرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسوا اللّهَ فَنَسيَهُمْ إنّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسقُونَ)) [التوبة:67]. ثم يذكر المؤمنين فيصفهم بعكس هذه الصفات فيقول: ((وَالْمُؤمِنُونَ وَالْمُؤمِنَاتُ بَعضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤتُونَ الزكَاة وَيُطيعونَ اللّهَ وَرَسولَهُ أُولَئكَ سيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إنّ اللّهَ عزيزٌ حَكِيمٌ)) [التوبة:71].

والمؤمنون والمؤمنات هؤلاء - الذين هـم ((بَعضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعضٍ)) - ذكرهم الله في موضع آخر فعرفهم وسماهم فقال: ((إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَهَاجرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهِمْ فِي سبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ آوَوْا وَنَصرُوا أُولَئكَ بَعضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعضٍ وَالّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شيْء حَتّى يُهَاجرُوا وَإنِ استَنْصرُوكُمْ فِي الدّينِ فَعلَيْكُمُ النّصرُ إلا علَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعمَلُونَ بَصيرٌ)) [الأنفال:72]. فهم المهاجرون والأنصار.

وقد وعدهم الله بالجنة فقال - بعد الآية المذكورة في سورة (التوبة) والتي قال فيها: ((أولئك سيرحمهم الله)) مباشرة -: ((وَعدَ اللّهُ الْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤمِنَاتِ جنّاتٍ تَجرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خالِدِينَ فِيهَا وَمَساكِنَ طيّبَةً فِي جنّاتِ عدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعظِيمُ)) [التوبة:72] في مقابل وعده المنافقين بالنار إذ يقول: ((وَعدَ اللّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفّارَ نَارَ جهَنّمَ خالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسبُهُمْ وَلَعنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عذَابٌ مُقِيمٌ)) [التوبة:68].

فإذا علمنا أن سورة (التوبة) نزلت تعقيباً على غزوة (تبوك)، وقد فصلت دور أهل النفاق فيها وما كادوا به للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، وما فضحهم الله به من بيان أوصافهم وأنهم كذا وكذا. ومن بين هذه الأوصاف أنهم (يقبضون أيديهم)، وتذكرنا في الوقت نفسه أن الجيش الذي ذهب في هذه الغزوة كان أبرز المجهزين له عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، وقد بلغ تعداده قرابة ثلاثين ألفاً - علمنا مَن هؤلاء المؤمنون الذين ذكرهم الله فأثنى عليهم في هذه السورة؟ ومن هم أولئك المنافقون الذين (يقبضون أيديهم)؟

وحين ذكر الله المهاجرين والأنصار في السورة نفسها، ووعدهم بالجنة، هم والذين اتبعوهم بإحسان فقال: ((وَالسابِقُونَ الأَوّلُونَ مِنَ الْمُهَاجرِينَ وَالأَنْصارِ وَالّذِينَ اتّبَعوهُمْ بِإحْسانٍ رَضِيَ اللّهُ عنْهُمْ وَرَضُوا عنْهُ وَأَعدّ لَهُمْ جنّاتٍ تَجرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْز الْعظِيمُ)) [التوبة:100] قال بعدها: ((وَمِمّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَة مَرَدُوا علَى النّفَاقِ)) [التوبة:101] فهؤلاء غير هؤلاء.

ولقد ذكر الله تعالى مشهداً رائعاً من مشاهد التفريق بين المؤمنين والمنافقين وذلك يوم القيامة فقال: ((يَوْمَ تَرَى الْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤمِنَاتِ يَسعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشرَاكُمُ الْيَوْمَ جنّاتٌ تَجرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعظِيمُ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِس مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجعوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسورٍ لَهُ بَابٌ بَاطنُهُ فِيهِ الرّحْمَة وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعذَابُ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسكُمْ وَتَرَبّصتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغرّتْكُمُ الأَمَانِيّ حَتّى جاء أَمْرُ اللّهِ وَغرّكُمْ بِاللّهِ الْغرُورُ فَالْيَوْمَ لا يُؤخذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئس الْمَصيرُ)) [الحديد:12-15]. وهو يشبه ما قاله سبحانه وهو يخاطب المؤمنين الذين آمنوا مع النبي صلى الله عليه وسلم : ((يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصوحاً عسى رَبّكُمْ أَنْ يُكَفّرَ عنْكُمْ سيّئاتِكُمْ وَيُدْخلَكُمْ جنّاتٍ تَجرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخزي اللّهُ النّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا مَعهُ نُورُهُمْ يَسعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغفِرْ لَنَا إنّكَ علَى كُلّ شيْء قَدِيرٌ)) [التحريم:8].








موقف سيدنا علي رضي الله عنه من الصحابة


هذه مقتطفات مما ورد عنه رضي الله عنه في كتاب (نهج البلاغة):

1- من خطبة له متذمراً من أصحابه ومقارناً بينهم وبين أصحاب رسول الله:

(لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فما أرى أحداً يشبههم (منكم) لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجـاء الثواب)([1]).

2- من خطبة له رضي الله عنه يخاطب فيها أصحابه:

(.. ولوددت أن الله فرق بيني وبينكم وألحقني بمن هو أحق بي منكم، قوم والله ميامين الرأي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحق، متاريك للبغي، مضوا قدماً على الطريقة، وأوجفوا علـى المحجة فظفروا بالعقبى الدائمة والكرامة الباردة)([2]).

3- (أين القوم الذين دُعوا إلى الإسلام فقبلوه وقرأوا القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى القتال فولهوا وله اللقاح إلى أولادها وسلبوا السيوف أغمادها وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفاً، وصفاً صفاً، بعض هلك وبعض نجا لا يبشرون بالأحياء ولا يعزون عن الموتى، مره العيون من البكاء، خمص البطون من الصيام، ذبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين، أولئك إخواني الذاهبون، فحق لنا أن نظمأ إليهم ونعض الأيدي على فراقهم)([3]).

4- ومن كلام له ذاكراً حاله وحال الصحابة مـع النبي صلى الله عليه وسلم :

(ولقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا ما يزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليماً ومضياً على اللقم وصبراً على مضض الألم وجداً في جهاد العدو، ولقد كان الرجل منا وآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون فمرة لنا من عدونا ومرة لعدونا منا، فلما رأى الله صدقنا أنزل في عدونا الكبت وأنزل علينا النصر حتى استقر الإسلام ملقياً جرانه ومتبوئاً أوطانه. ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود ولا اخضر للإيمـان عود، وأيـم الله لتحتلبُنَّها دماً ولتتبعُنها ندماً)([4]).

فلو كان الصحابة على غير ما وصفوا به في هذا الكلام (ما قام للدين عمود ولا اخضر للإيمان عود).

5- وقال رضي الله عنه في مدح الأنصار: (هم والله ربوا الإسلام كما يربـى الفلـو مع غنائهم بأيديهـم السباط، وألسنتهم السلاط)([5]).

6- وقال ذاكراً عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

(لله بلاء فلان، فقد قوّم الأوَد، وداوى العمَد، خلف الفتنة وأقام السنة، ذهب نقي الثوب قليل العيب، أصاب خيرها وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته واتقاه بحقه)([6]).

قال ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة): (وفلان المكنى عنه عمر بن الخطاب، وقد وجدت النسخة التي بخط الرضي أبي الحسن جامع (نهج البلاغة) وتحت فلان: عمر. وسألت عنه النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي فقال لي: هو عمـر فقلت له: أثنى عليه أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال: نعم)([7]).

8 - وقال ذاكراً عمر بن الخطاب أيضاً:

(ووليهم والٍ فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه)([8])






واجب الاستغفار لهم والإمساك عما شجر بينهم


قال تعالى وهو يذكر المهاجرين والأنصار والذين جاءوا من بعدهم في معرض كلامه عن الفيء ولمن يكون: ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الّذِينَ أُخرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللّهَ وَرَسولَهُ أُولَئكَ هُمُ الصّادِقُونَ * وَالّذِينَ تَبَوّأُوا الدّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحبّونَ مَنْ هَاجَرَ إلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَة مِمّا أُوتُوا وَيُؤثرُونَ عَلَى أَنْفُسهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شح نَفْسهِ فَأُولَئكَ هُمُ الْمُفْلِحونَ * وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبّنَا اغفِرْ لَنَا وَلإخوَانِنَا الّذِينَ سبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غلاً لِلّذِينَ آمَنُوا رَبّنَا إنّكَ رَؤوفٌ رَحيمٌ)) [الحشر:8-10].

في هذه الآيات فوائد عظيمة منها:

- تزكيته تعالى للمهاجرين، وتسميته لهم بـ(الصادقين)، والأنصار وتسميته لهم بـ(المفلحين). فإن يكن في الأمة جماعة اختصت باسم (الصادقين) و(المفلحين) فهم المهاجرون والأنصار بنص كتاب الله.

والله تعالى يقول: ((يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَكُونُوا معَ الصّادِقِينَ)) [التوبة:119]؛ فنحن مأمورون أن نكون من أتباع (الصادقين) الذين هم المهاجرون على الخصوص، وإن كانت هذه الصفة تشمل كل من اتصف بها على العموم.

وإذا قارنا بين هذه الآية في سورة (التوبة) والآيـة التي قبلها من السورة التي يقول فيها تعالى: ((وَالسابِقُونَ الأَوّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُمْ بِإحسانٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدّ لَهُمْ جَنّاتٍ)) [التوبة:100] نجد أن أهل الجنة قسمان: المهاجرون والأنصار، ثم الذين اتبعوهم بإحسان. وهؤلاء هم الذين قال تعالى فيهم: ((وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبّنَا اغفِرْ لَنَا وَلإخوَانِنَا الّذِينَ سبَقُونَا بِالإيمَان)) [الحشر:10]. فمن أراد أن يكون من أهل الجنة فعليه أن يتبعهم بإحسان، وأن يستغفر لهم كما أمر ربنا جل وعلا. وإلا فليعد للنار عدتها.

- أمر الله تعالى أجيال الأمة جميعاً بحبهم والاستغفار لهم. والاستغفار إنما يكون عن ذنب. وهذا يستلزم التغاضي عما وقع منهم من أخطاء أو ذنوب، والإمساك عما وقع منهم أو شجر بينهم، وإيكال أمره إلى الله، لا أن يبحثوا ويستقصوا ويستزيدوا ويستنقصوا.. ثم يبغضوا ويسبوا ويشتموا ويلعنوا، فهذا مما لم يكلفهم الله به. بل نهاهم عنه وحرمه عليهم وجعله مما لا يعنيهم. أما الروايات والتواريخ فقد زيد فيها ونقص. وكثير منها مختلق لا أصل له وإنما هو من صنع الأهواء الفاسدة والأغراض المبيتة. والمسلم مأمور باتباع أحكام القرآن وتصديق كلام الله، فكل رواية أو قصة ناقضت ذلك فعليه أن يضرب بها عرض الحائط، ويردها على صاحبها لأن ما ورد في القرآن هو الحق الذي نقطع به بلا تردد، وما سواه يحتمل الصدق والكذب. فما ناقض الحق الوارد في الكتاب فهو باطل. والقرآن كلام الله قد قال كلمته الصريحة في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فكيف نترك الحق المبين والعلم اليقين إلى أقوال سطرها أناس لهم أهواء البشر وأخطاءهم وأوهامهم؟! وبين أيدينا كلام الرب الذي هو كما قال عنه ربنا جل وعلا: ((إنّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزلِ)) [الطارق:14،13]. ألا إن الخير كل الخير لكل مسلم أن ينشغل بما كلفه الله به من الدعاء لهم والاستغفار لهم وسؤال الله تعالى أن لا يجعل في قلبه غلاً لواحد منهم. وأن يتذكر وصية الله تعالى فيهم وهو يقول: ((وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبّنَا اغفِرْ لَنَا وَلِإخوَانِنَا الّذِينَ سبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غلاً لِلّذِينَ آمَنُوا رَبّنَا إنّكَ رَؤوفٌ رَحيمٌ)) [الحشر:10]. وقد قال من قال من السلف الصالح حين سئل عما شجر بينهم من خلاف وحصل من قتال: (تلك دماء طهر الله منها أيدينا فلنطهر منها ألسنتنا) وتلا قوله تعالى: ((تِلْكَ أُمّةٌ قَدْ خلَتْ لَهَا مَا كَسبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسبْتُمْ وَلا تُسأَلونَ عَمّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [البقرة:134].

- بهذه الآية استدل الإمام مالك على منع الفيء عمن يسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنها خصت الفيء بالمهاجرين والأنصار ومن جاء بعدهم على الحال التي ذكرتها الآية من حبهم والاستغفار لهم. فمن سبهم أو طعن فيهم فليس منهم.






النبـي صلى الله عليه وسلم
نفسـه مأمـور بالاستغفــار للصحابـة



قال تعالى: ((فَبِمَا رَحمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غلِيظ الْقَلْبِ لانْفَضّوا مِنْ حوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاستَغفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الأَمْر)) [آل عمران:159].

فهذا أمر من الله جل وعلا إلى رسوله e بالاستغفار لأصحابه في الوقت الذي نهاه فيه عن الاستغفار للمشركين والمنافقين في عدة مواضع من القرآن كما في قوله سبحانه عن المشركين: ((مَا كَانَ لِلنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَستَغفِرُوا لِلْمُشرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُمْ أَصْحابُ الْجَحيمِ)) [التوبة:113]. وقال عن المنافقين: ((سوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَستَغفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَستَغفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغفِرَ اللّهُ لَهُمْ إنّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسقِينَ)) [المنافقون:6].

وفي هذا براءة للصحابة من الشرك والنفاق. ولو كانوا كذلك لما أمره الله تعالى بالاستغفار لهم.

وبعــد..

فهذا قول الله عز وجل وحكمه في صحابة نبيه صلى الله عليه وسلم .. ((وَاللّهُ يَحكُمُ لا مُعَقّبَ لِحكْمِهِ)) [الرعد:41]. فمن هذا الذي يعقب على حكم الله هذا في الصحابة فيحكم عليهم بنقيض حكمه؟! وهل يتصور أن قول سيدنا علي رضي الله عنه في رفاقه وإخوانه غير ما قاله ربه جل وعلا عنهم في القرآن؟! وهو القائل عنه: (فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله) والله تعالى يقول: ((ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتّقِينَ)) [البقرة:2].

وهذا ما هدانا الله إليه في ذلك الكتاب.

فما عساه يكون قول سيدنا علي فيهم؟ هذا ما سنراه في الصفحات التالية إن شاء الله..










كلمة أخيرة.. ونصيحة ثمينة


فهذا كلام الله جل وعلا في الصحابة رضي الله عنهم ، وهذا كلام سيدنا علي رضي الله عنه فيهم.. يشبه بعضه بعضاً ويصدقه كما تشبه الساقية النبع إذا خرجت منه. فأما ما ينسب إليه مما يخالف ذلك فإنه باطل قطعاً لا تصح نسبته إليه لأنه يناقض كلام الله، وحاشا سيدنا علياً أن يخالف كلام الله أو يعارض حكمه، فهو فقيه كتاب الله وربيب رسول الله منه تعلم العلم وعلى يديه أخذ الحكمة، ومحال أن يقول في إخوانه وأحبابه غير ما قاله الله فيهم أو يحكم فيهم بغير حكمه. بل هم جميعاً كما قال تعالى: ((مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاء عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ)) [الفتح:29].

هذا.. وقد روى الكليني عن أبي عبد الله (ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه). وعن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به؟ قال: (إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلا فالذي جاءكم أولى به). وعنه: (كل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف).

وأقول: لو رجع المسلمون جميعاً إلى كتاب الله وتركوا ما خالفه، وتحروا عن كل قول أو عمل فأخذوا بما وجدوا له شاهداً فيه، وإلا ردوه على من جاء به لما بقي بينهم خلاف، ولا حصل بينهم شقاق. وعلى هذا فنحن ندعو إخواننا جميعاً إلى الرجوع في كل شيء إلى كتاب الله، ونبذ ما خالفه مما سواه فهو كما وصفه الله تعالى فقال: ((ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدى لِلْمُتّقِينَ)) [البقرة:2]، وقال: ((وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللّهِ ذَلِكُمُ اللّهُ)) [الشورى:10]. وقد قال فيه سيدنا علي رضي الله عنه: (فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم).

وأخيراً نسأل الله الهداية للجميع.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

غالب ياسين
11/05/2008, 08:57 PM
أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها)


قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ جاءُوا بالإفْك عُصبةٌ منْكم لا تَحسبوه شراً لَكم بلْ هو خيْر لَكم لِكلّ امرئٍ منْهم ما اكتَسب منَ الإثم والَّذي تَولَّى كبره منْهم لَه عَذاب عَظيم * لَوْلا إِذْ سمعْتُموه ظنَّ الْمؤمنُونَ والْمؤمنَاتُ بأنْفسهم خيْراً وقَالُوا هذا إِفْك مبينٌ * لَوْلا جاءُوا عَلَيْه بأربعَة شهداء فإِذْ لَم يأتُوا بالشهداء فأولَئك عِنْد اللَّه هم الْكاذبونَ * ولَوْلا فضلُ اللَّه عَلَيْكم ورحمتُه في الدنْيا والآخرة لَمسكم في ما أفضتُم فيه عَذاب عَظيم * إِذْ تَلَقَّوْنَه بألْسنَتِكم وتَقُولُونَ بأفْواهكم ما لَيْس لَكم به عِلْم وتَحسبونَه هيناً وهو عِنْد اللَّه عَظيم * ولَوْلا إِذْ سمعْتُموه قُلْتُم ما يكونُ لَنَا أنْ نَتَكلَّم بهذا سبحانَك هذا بهتَانٌ عَظيم * يعِظكم اللَّه أنْ تَعُودوا لِمثلِه أبدا إِنْ كنتُم مؤمنينَ * ويُبينُ اللَّه لَكم الآياتِ واللَّه عَلِيم حكيم * إِنَّ الَّذِينَ يُحِبونَ أنْ تَشيعَ الْفاحشة في الَّذينَ آمنُوا لَهم عَذاب ألِيم في الدنْيا والآخرة واللَّه يعْلَم وأنْتُم لا تَعْلَمونَ * ولَوْلا فضلُ اللَّه عَلَيْكم ورحمتُه وأنَّ اللَّه رءُوفٌ رحيم * يا أيُها الَّذينَ آمنُوا لا تَتَّبعُوا خطواتِ الشيْطان ومنْ يتَّبعْ خطواتِ الشيْطان فإِنَّه يأمر بالْفحشاء والْمنْكر ولَوْلا فضلُ اللَّه عَلَيْكم ورحمتُه ما زكا منْكم منْ أحد أبدا ولَكنَّ اللَّه يُزكي منْ يشاءُ واللَّه سميعٌ عَلِيم * ولا يأتَلِ أوْلُوا الْفضلِ منْكم والسعَة أنْ يُؤتُوا أوْلِي الْقُربى والْمساكينَ والْمهاجرينَ في سبيلِ اللَّه ولْيعْفوا ولْيصفحوا ألا تُحبونَ أنْ يغفر اللَّه لَكم واللَّه غفور رحيم * إِنَّ الَّذينَ يرمونَ الْمحصنَاتِ الْغافلاتِ الْمؤمنَاتِ لُعِنُوا في الدنْيا والآخرة ولَهم عَذاب عَظيم * يَوْم تَشهد عَلَيْهم ألْسنَتُهم وأيْديهم وأرجلُهم بما كانُوا يعْملُونَ * يَوْمئِذٍ يُوَفِّيهم اللَّه دينَهم الْحقَّ ويعْلَمونَ أنَّ اللَّه هو الْحقُّ الْمبينُ الْخبيثاتُ لِلْخبيثينَ والْخبيثونَ لِلْخبيثاتِ والطيباتُ لِلطيبينَ والطيبونَ لِلطيباتِ أولَئك مبرأونَ مما يقُولُونَ لَهم مغفرةٌ ورزقٌ كريم))[النور:11-26].

هذه الآيات العظيمة من سورة (النور) - وهي ست عشرة آية - كلها نزلت خصيصاً في شأن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، وتبرئتها من حديث الإفك، وأنها محصنة غافلة مؤمنة: من رماها وطعن فيها ملعون في الدنيا والآخرة، وله عذاب عظيم. ويختم الله عز وجل هذه الآيات بوصفه لها بأنها طيبة زوجة الطيب فيقول: ((والطيباتُ لِلطيبينَ والطيبونَ لِلطيباتِ)) - بعد أن قال سبحانه: ((الْخبيثاتُ لِلخبيثينَ والْخبيثونَ لِلخبيثاتِ)) - ِثم يشهد لها بالجنة فيقول: ((أولَئك مبرأونَ مما يقُولُونَ لَهم مغفرةٌ ورزقٌ كريم)). وهذا كقوله تعالى في بداية السورة: ((الزاني لا ينْكح إِلا زانيةً أوْ مشركةً والزنية لا ينْكحها إِلا زاْنٍ أوْ مشرك وحرم ذلِك عَلَى الْمؤمنيْنَ)).

وفي الآيات من القوارع الصاعقة، والوعيد - الذي يخلع القلوب - لكل من تكلم في أم المؤمنين عائشة، والتحذير لكل من عاد لمثله على مدى الأيام والدهور خصوصاً إذا كان من الذين يدعون الإيمان. كيف؟‍‍‍‍‍‍ وعائشة هي أم المؤمنين بنص قوله تعالى: ((النَّبيُ أوْلَى بالْمؤمنينَ منْ أنْفسهم وأزواجه أمهاتُهم)) [الأحزاب:6]. وكيف يليق بمؤمن، أو يصح من أحد أن يطعن بأمه؟ وهي من ذلك البيت الذي أراد الله تطهيره وإذهاب الرجس عنه؟ فلا يطعن فيه إلا من خرج من دائرة المؤمنين وأصبح من ((الَّذينَ يُحبونَ أنْ تَشيعَ الْفاحشة في الَّذينَ آمنُوا)) ((فلْيحذر الَّذينَ يُخالِفونَ عَنْ أمره أنْ تُصيبهم فتْنَةٌ أوْ يُصيبهم عَذاب ألِيم)) [النور:63].



من مناقب أبي بكر رضي الله عنه


كان ممن خاضوا في الإفك رجل قريب لأبي بكر، كان أبو بكر يصله وينفق عليه اسمه مسطح. فحلف أبو بكر أن يقطع صلته عنه فأنزل تعالى في ذلك قوله الشريف: ((ولا يأتَلِ أولُو الْفضلِ منْكم والسعَة أنْ يُؤتُوا أولِي الْقُربى والْمساكينَ والْمهاجرينَ في سبيلِ اللَّه ولْيعْفوا ولْيصفحوا ألا تُحبونَ أنْ يغفر اللَّه لَكم واللَّه غفور رحيم)) [النور:22]. فلما نزل ذلك رجع أبو بكر عن قوله وكفر عن يمينه، وعاد إلى صلته لذلك الرجل الذي تكلم في ابنته، وقال: بلى يا رب إني أحب أن تغفر لي. ووفى الصديق بالشرط فلا بد أن يفي الله له بما وعده به من المغفرة والرحمة والله لا يخلف الميعاد.










الصحابة كلهم في الجنة


قال تعالى موجهاً خطابه لأصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم: ((لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفقَ مِنْ قَبْلِ الْفتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئك أَعْظمُ درجَة مِنَ الّذينَ أَنْفقُوا مِنْ بَعْد وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَد اللّهُ الْحُسْنَى وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) [الحديد:10].

وفيه يعدهم تعالى بالجنة جميعاً: فإن الصحابة رضي الله عنهم منهم من آمن من قبل الفتح، ومنهم من آمن من بعده، وكلا الفريقين - وإن اختلفت درجاتهم - مشمولون بهذا الوعد والله لا يخلف الميعاد.

وفي الآية براءة لأصحابها من النار ((وَكُلاً وَعَد اللّهُ الْحُسْنَى)). والحسنى هي الجنة والله تعالى يقول: ((إنّ الّذينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الْحُسْنَى أُولَئك عَنْهَا مُبْعَدونَ)) [الأنبياء:101].

وحين نستمر في قراءة سورة (الحديد) التي وردت فيها الآية الأُولى نجد الله سبحانه بعدها يقول: ((يَوْمَ تَرى الْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤمِنَاتِ يَسْعَى نُورهُمْ بَيْنَ أَيْديهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشراكُمُ الْيَوْمَ جَنّاتٌ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار خَالِدينَ فيهَا ذلِك هُوَ الْفوْز الْعَظيمُ)) [الحديد:12]، وهي كقوله في سورة التحريم ((يَوْمَ لا يُخْزي اللّهُ النّبِيّ وَالّذينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْديهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ ربّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورنَا وَاغفر لَنَا إنّك عَلَى كُلّ شيْءٍ قَديرٌ)) [التحريم:8]. والصحابة رضي الله عنهم أحق الناس بقوله تعالى: ((يَوْمَ لا يُخْزي اللّهُ النّبيّ وَالّذينَ آمَنُوا مَعَهُ)) لأنهم هم الذين كانوا معه صحبة وإيماناً ونصرة، ولم تجتمع هذه الثلاثة لجيل سواهم. فمن قال عنهم أنهم بدلوا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ، أو كانوا على عهده يظهرون غير ما يبطنون فقد كذب الله تعالى في حكمه وخبره.



فوزهم بالتجارة الرابحة



قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا هَلْ أَدلّكُمْ عَلَى تِجَارةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤمِنُونَ بِاللّهِ وَرسُولِهِ وَتُجَاهِدونَ في سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغفر لَكُمْ ذنُوبَكُمْ وَيُدخِلْكُمْ جَنّاتٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار وَمَسَاكنَ طَيّبَة في جَنّاتِ عَدنٍ ذلِك الْفوْز الْعَظيمُ * وَأُخْرى تُحِبّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللّهِ وَفتْحٌ قَريبٌ وَبَشّر الْمُؤمِنِينَ)) [الصف:10-13].

يعد الله تعالى المخاطبين بهذه الآيات -وهم الصحابة- بالمغفرة والجنة في الآخرة، وبالنصر والفتح القريب في الدنيا. لكن هذا الوعد المركب من هاتين الفقرتين مشروط بشرط هو القيام بأعباء التجارة التي لخص الله تعالى فقراتها باثنتين هما: الإيمان والجهاد. بمعنى أن أولئك الذين عرضت عليهم هذه الصفقة التجارية الواضحة الفقرات إذا وفوا ما عليهم من شرط (الإيمان والجهاد) فلا بد أن يوفي الله بما عليه تجاههم من وعد (النصر في الدنيا والجنة في الآخرة). ولا شك أن أجزاء العقد أو الصفقة المعقودة بين الطرفين متلازمة؛ لأنها في طبيعتها غير قابلة للتفكيك: فالقتال بلا إيمان لا يحقق النصر؛ لأنه قتال يجري باسم الله، والله لا ينصر من لا ينصره. وإذا جئنا إلى القتال ننظر إليه نظرة مجردة أي من زاوية الأسباب، فإنه يستحيل - بكل الحسابات - أن يتحقق النصر لذلك الجيل على تلك القوتين العظميين (فارس والروم) فضلاً عن القوى المعارضة في الجزيرة العربية دون تدخل الإرادة الإلهية التي يستدعيها الإيمان الحقيقي بالله ورسوله.

ولقد ثبت قطعاً أن الله حقق لهم وعده في جزئه الدنيوي - الذي تراه أعيننا - ألا وهو النصر والفتح القريب. وذلك مشروط بالإيمان والجهاد. فدل ذلك على أنهم قد وفوا بالشرط الذي طلب منهم، فلم يبق إلا أن يفي الله لهم بوعده في جزئه الأخروي -الذي سنراه ولا شك في ذلك- ألا وهو المغفرة والجنة لأن الله لا يخلف الميعاد.

ولا شك أن هذه الفتوحات العظيمة التي قام بها أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام في مشارق الأرض ومغاربها ونشر الإسلام في الخافقين وانتصاراتهم المعجزة المتوالية على أمم الفرس والروم وتحطيم أكبر دولتين في العالم آنذاك لمن أكبر الأدلة على أنهم وفوا بما اشترطه الله عليهم من الإيمان والجهاد، فوفى الله لهم بوعده فنصرهم على عدوهم ومكن لهم في الأرض. ولا بد أن يفي لهم ببقية ما وعدهم به فيغفر لهم ويدخلهم الجنة. (ومن أوفى بعهده من الله))؟!




فوزهم بأربح صفقة في القرآن

قال تعالى: ((إِنّ اللّهَ اشتَرى مِنَ الْمُؤمِنِينَ أَنْفسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنّ لَهُمُ الْجَنّة يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ اللّهِ فيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً في التّوْراة وَالإنْجِيلِ وَالْقُرآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدهِ مِنَ اللّهِ فاسْتَبْشروا بِبَيْعِكُمُ الّذي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذلِك هُوَ الْفوْز الْعَظيمُ * التّائبُونَ الْعَابِدونَ الْحَامِدونَ السّائحُونَ الراكعُونَ السّاجِدونَ الآمِرونَ بِالْمَعْروف وَالنّاهُونَ عَنِ الْمُنْكر وَالْحَافظونَ لِحُدود اللّهِ وَبَشّر الْمُؤمِنِينَ)) [التوبة:111-112].

من هم هؤلاء (المؤمنون) المذكورون في هذه الآيات غير الصحابة؟ هم الذين بايعوا رسول الله على الموت في سبيل الله، وهم الذين قاتلوا فقَتلوا وقُتلوا، وهم الذين تليت عليهم هذه الآيات، وهم الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه –وليس أحداً سواهم- حين وجه إليه الرب أمره فقال: ((وبشر المؤمنين)). فهم أحق الناس بخطاب المولى جل وعلا: ((فاسْتَبْشروا بِبَيْعِكُمُ الّذي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذلِك هُوَ الْفوْز الْعَظيمُ)).








الصحابة قدوة الأمم جميعاً


قال تعالى: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ والّذين مَعَه أشداء عَلَى الْكفارِ رحَمَاء بيْنهمْ تَراهمْ ركعاً سجداً يبتَغون فضلاً مِن اللّهِ ورِضواناً سِيمَاهمْ في وجوهِهِمْ مِن أثرِ السجودِ ذلِك مَثلُهمْ في التّوْراة ومَثلُهمْ في الإنجيلِ كزرْعٍ أخرج شطأه فآزره فاسْتَغلَظ فاسْتَوى عَلَى سوقِهِ يعْجب الزراعَ لِيغيظ بهِمُ الْكفار وعَد اللّه الّذين آمَنوا وعَمِلُوا الصالِحَاتِ مِنهمْ مَغفرة وأجراً عَظيماً)) [الفتح:29].

في هذه الآية الكريمة فوائد جليلة منها:

- هذا الوصف الإلهي الرائع لحال صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي استحقوا به أن يكونوا قدوة ومثلاً للسابقين من أهل الديانات الماضية؛ فقد كانوا يتلون أوصافهم ويقرءون في كتبهم أخبارهم قبل أن يخلق الله جيل الصحابة. وكما أن القدوة خير وأفضل من المقتدي؛ فهم كما أخبر الله فقال: ((كنتُمْ خيْر أمّة أخرِجتْ لِلْناسِ)). فالصحابة قدوة السابقين كما هم قدوة اللاحقين.

- قوله تعالى: ((لِيَغيظ بهِمُ الْكفَار)) إشارة إلى كفر من أبغض الصحابة وانزعج من ذكرهم. (ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمه الله -في رواية عنه- الحكم بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم قال:لأنهم يبغضونهم ومن أغاظه الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لهذه الآية، ووافقه طائفة من العلماء). ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره.










التفريق بين الصحابة والمنافقين




وذلك واضح لكل من قرأ القرآن وتدبره. انظر كيف يذكر المنافقين فيقول: ((الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعضُهُمْ مِنْ بَعضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عنِ الْمَعرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسوا اللّهَ فَنَسيَهُمْ إنّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسقُونَ)) [التوبة:67]. ثم يذكر المؤمنين فيصفهم بعكس هذه الصفات فيقول: ((وَالْمُؤمِنُونَ وَالْمُؤمِنَاتُ بَعضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤتُونَ الزكَاة وَيُطيعونَ اللّهَ وَرَسولَهُ أُولَئكَ سيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إنّ اللّهَ عزيزٌ حَكِيمٌ)) [التوبة:71].

والمؤمنون والمؤمنات هؤلاء - الذين هـم ((بَعضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعضٍ)) - ذكرهم الله في موضع آخر فعرفهم وسماهم فقال: ((إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَهَاجرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهِمْ فِي سبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ آوَوْا وَنَصرُوا أُولَئكَ بَعضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعضٍ وَالّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شيْء حَتّى يُهَاجرُوا وَإنِ استَنْصرُوكُمْ فِي الدّينِ فَعلَيْكُمُ النّصرُ إلا علَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعمَلُونَ بَصيرٌ)) [الأنفال:72]. فهم المهاجرون والأنصار.

وقد وعدهم الله بالجنة فقال - بعد الآية المذكورة في سورة (التوبة) والتي قال فيها: ((أولئك سيرحمهم الله)) مباشرة -: ((وَعدَ اللّهُ الْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤمِنَاتِ جنّاتٍ تَجرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خالِدِينَ فِيهَا وَمَساكِنَ طيّبَةً فِي جنّاتِ عدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعظِيمُ)) [التوبة:72] في مقابل وعده المنافقين بالنار إذ يقول: ((وَعدَ اللّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفّارَ نَارَ جهَنّمَ خالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسبُهُمْ وَلَعنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عذَابٌ مُقِيمٌ)) [التوبة:68].

فإذا علمنا أن سورة (التوبة) نزلت تعقيباً على غزوة (تبوك)، وقد فصلت دور أهل النفاق فيها وما كادوا به للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، وما فضحهم الله به من بيان أوصافهم وأنهم كذا وكذا. ومن بين هذه الأوصاف أنهم (يقبضون أيديهم)، وتذكرنا في الوقت نفسه أن الجيش الذي ذهب في هذه الغزوة كان أبرز المجهزين له عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، وقد بلغ تعداده قرابة ثلاثين ألفاً - علمنا مَن هؤلاء المؤمنون الذين ذكرهم الله فأثنى عليهم في هذه السورة؟ ومن هم أولئك المنافقون الذين (يقبضون أيديهم)؟

وحين ذكر الله المهاجرين والأنصار في السورة نفسها، ووعدهم بالجنة، هم والذين اتبعوهم بإحسان فقال: ((وَالسابِقُونَ الأَوّلُونَ مِنَ الْمُهَاجرِينَ وَالأَنْصارِ وَالّذِينَ اتّبَعوهُمْ بِإحْسانٍ رَضِيَ اللّهُ عنْهُمْ وَرَضُوا عنْهُ وَأَعدّ لَهُمْ جنّاتٍ تَجرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْز الْعظِيمُ)) [التوبة:100] قال بعدها: ((وَمِمّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَة مَرَدُوا علَى النّفَاقِ)) [التوبة:101] فهؤلاء غير هؤلاء.

ولقد ذكر الله تعالى مشهداً رائعاً من مشاهد التفريق بين المؤمنين والمنافقين وذلك يوم القيامة فقال: ((يَوْمَ تَرَى الْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤمِنَاتِ يَسعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشرَاكُمُ الْيَوْمَ جنّاتٌ تَجرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعظِيمُ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِس مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجعوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسورٍ لَهُ بَابٌ بَاطنُهُ فِيهِ الرّحْمَة وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعذَابُ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسكُمْ وَتَرَبّصتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغرّتْكُمُ الأَمَانِيّ حَتّى جاء أَمْرُ اللّهِ وَغرّكُمْ بِاللّهِ الْغرُورُ فَالْيَوْمَ لا يُؤخذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئس الْمَصيرُ)) [الحديد:12-15]. وهو يشبه ما قاله سبحانه وهو يخاطب المؤمنين الذين آمنوا مع النبي صلى الله عليه وسلم : ((يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصوحاً عسى رَبّكُمْ أَنْ يُكَفّرَ عنْكُمْ سيّئاتِكُمْ وَيُدْخلَكُمْ جنّاتٍ تَجرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخزي اللّهُ النّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا مَعهُ نُورُهُمْ يَسعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغفِرْ لَنَا إنّكَ علَى كُلّ شيْء قَدِيرٌ)) [التحريم:8].








موقف سيدنا علي رضي الله عنه من الصحابة


هذه مقتطفات مما ورد عنه رضي الله عنه في كتاب (نهج البلاغة):

1- من خطبة له متذمراً من أصحابه ومقارناً بينهم وبين أصحاب رسول الله:

(لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فما أرى أحداً يشبههم (منكم) لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجـاء الثواب)([1]).

2- من خطبة له رضي الله عنه يخاطب فيها أصحابه:

(.. ولوددت أن الله فرق بيني وبينكم وألحقني بمن هو أحق بي منكم، قوم والله ميامين الرأي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحق، متاريك للبغي، مضوا قدماً على الطريقة، وأوجفوا علـى المحجة فظفروا بالعقبى الدائمة والكرامة الباردة)([2]).

3- (أين القوم الذين دُعوا إلى الإسلام فقبلوه وقرأوا القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى القتال فولهوا وله اللقاح إلى أولادها وسلبوا السيوف أغمادها وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفاً، وصفاً صفاً، بعض هلك وبعض نجا لا يبشرون بالأحياء ولا يعزون عن الموتى، مره العيون من البكاء، خمص البطون من الصيام، ذبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين، أولئك إخواني الذاهبون، فحق لنا أن نظمأ إليهم ونعض الأيدي على فراقهم)([3]).

4- ومن كلام له ذاكراً حاله وحال الصحابة مـع النبي صلى الله عليه وسلم :

(ولقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا ما يزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليماً ومضياً على اللقم وصبراً على مضض الألم وجداً في جهاد العدو، ولقد كان الرجل منا وآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون فمرة لنا من عدونا ومرة لعدونا منا، فلما رأى الله صدقنا أنزل في عدونا الكبت وأنزل علينا النصر حتى استقر الإسلام ملقياً جرانه ومتبوئاً أوطانه. ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود ولا اخضر للإيمـان عود، وأيـم الله لتحتلبُنَّها دماً ولتتبعُنها ندماً)([4]).

فلو كان الصحابة على غير ما وصفوا به في هذا الكلام (ما قام للدين عمود ولا اخضر للإيمان عود).

5- وقال رضي الله عنه في مدح الأنصار: (هم والله ربوا الإسلام كما يربـى الفلـو مع غنائهم بأيديهـم السباط، وألسنتهم السلاط)([5]).

6- وقال ذاكراً عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

(لله بلاء فلان، فقد قوّم الأوَد، وداوى العمَد، خلف الفتنة وأقام السنة، ذهب نقي الثوب قليل العيب، أصاب خيرها وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته واتقاه بحقه)([6]).

قال ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة): (وفلان المكنى عنه عمر بن الخطاب، وقد وجدت النسخة التي بخط الرضي أبي الحسن جامع (نهج البلاغة) وتحت فلان: عمر. وسألت عنه النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي فقال لي: هو عمـر فقلت له: أثنى عليه أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال: نعم)([7]).

8 - وقال ذاكراً عمر بن الخطاب أيضاً:

(ووليهم والٍ فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه)([8])






واجب الاستغفار لهم والإمساك عما شجر بينهم


قال تعالى وهو يذكر المهاجرين والأنصار والذين جاءوا من بعدهم في معرض كلامه عن الفيء ولمن يكون: ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الّذِينَ أُخرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللّهَ وَرَسولَهُ أُولَئكَ هُمُ الصّادِقُونَ * وَالّذِينَ تَبَوّأُوا الدّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحبّونَ مَنْ هَاجَرَ إلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَة مِمّا أُوتُوا وَيُؤثرُونَ عَلَى أَنْفُسهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شح نَفْسهِ فَأُولَئكَ هُمُ الْمُفْلِحونَ * وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبّنَا اغفِرْ لَنَا وَلإخوَانِنَا الّذِينَ سبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غلاً لِلّذِينَ آمَنُوا رَبّنَا إنّكَ رَؤوفٌ رَحيمٌ)) [الحشر:8-10].

في هذه الآيات فوائد عظيمة منها:

- تزكيته تعالى للمهاجرين، وتسميته لهم بـ(الصادقين)، والأنصار وتسميته لهم بـ(المفلحين). فإن يكن في الأمة جماعة اختصت باسم (الصادقين) و(المفلحين) فهم المهاجرون والأنصار بنص كتاب الله.

والله تعالى يقول: ((يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَكُونُوا معَ الصّادِقِينَ)) [التوبة:119]؛ فنحن مأمورون أن نكون من أتباع (الصادقين) الذين هم المهاجرون على الخصوص، وإن كانت هذه الصفة تشمل كل من اتصف بها على العموم.

وإذا قارنا بين هذه الآية في سورة (التوبة) والآيـة التي قبلها من السورة التي يقول فيها تعالى: ((وَالسابِقُونَ الأَوّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُمْ بِإحسانٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدّ لَهُمْ جَنّاتٍ)) [التوبة:100] نجد أن أهل الجنة قسمان: المهاجرون والأنصار، ثم الذين اتبعوهم بإحسان. وهؤلاء هم الذين قال تعالى فيهم: ((وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبّنَا اغفِرْ لَنَا وَلإخوَانِنَا الّذِينَ سبَقُونَا بِالإيمَان)) [الحشر:10]. فمن أراد أن يكون من أهل الجنة فعليه أن يتبعهم بإحسان، وأن يستغفر لهم كما أمر ربنا جل وعلا. وإلا فليعد للنار عدتها.

- أمر الله تعالى أجيال الأمة جميعاً بحبهم والاستغفار لهم. والاستغفار إنما يكون عن ذنب. وهذا يستلزم التغاضي عما وقع منهم من أخطاء أو ذنوب، والإمساك عما وقع منهم أو شجر بينهم، وإيكال أمره إلى الله، لا أن يبحثوا ويستقصوا ويستزيدوا ويستنقصوا.. ثم يبغضوا ويسبوا ويشتموا ويلعنوا، فهذا مما لم يكلفهم الله به. بل نهاهم عنه وحرمه عليهم وجعله مما لا يعنيهم. أما الروايات والتواريخ فقد زيد فيها ونقص. وكثير منها مختلق لا أصل له وإنما هو من صنع الأهواء الفاسدة والأغراض المبيتة. والمسلم مأمور باتباع أحكام القرآن وتصديق كلام الله، فكل رواية أو قصة ناقضت ذلك فعليه أن يضرب بها عرض الحائط، ويردها على صاحبها لأن ما ورد في القرآن هو الحق الذي نقطع به بلا تردد، وما سواه يحتمل الصدق والكذب. فما ناقض الحق الوارد في الكتاب فهو باطل. والقرآن كلام الله قد قال كلمته الصريحة في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فكيف نترك الحق المبين والعلم اليقين إلى أقوال سطرها أناس لهم أهواء البشر وأخطاءهم وأوهامهم؟! وبين أيدينا كلام الرب الذي هو كما قال عنه ربنا جل وعلا: ((إنّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزلِ)) [الطارق:14،13]. ألا إن الخير كل الخير لكل مسلم أن ينشغل بما كلفه الله به من الدعاء لهم والاستغفار لهم وسؤال الله تعالى أن لا يجعل في قلبه غلاً لواحد منهم. وأن يتذكر وصية الله تعالى فيهم وهو يقول: ((وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبّنَا اغفِرْ لَنَا وَلِإخوَانِنَا الّذِينَ سبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غلاً لِلّذِينَ آمَنُوا رَبّنَا إنّكَ رَؤوفٌ رَحيمٌ)) [الحشر:10]. وقد قال من قال من السلف الصالح حين سئل عما شجر بينهم من خلاف وحصل من قتال: (تلك دماء طهر الله منها أيدينا فلنطهر منها ألسنتنا) وتلا قوله تعالى: ((تِلْكَ أُمّةٌ قَدْ خلَتْ لَهَا مَا كَسبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسبْتُمْ وَلا تُسأَلونَ عَمّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [البقرة:134].

- بهذه الآية استدل الإمام مالك على منع الفيء عمن يسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنها خصت الفيء بالمهاجرين والأنصار ومن جاء بعدهم على الحال التي ذكرتها الآية من حبهم والاستغفار لهم. فمن سبهم أو طعن فيهم فليس منهم.






النبـي صلى الله عليه وسلم
نفسـه مأمـور بالاستغفــار للصحابـة



قال تعالى: ((فَبِمَا رَحمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غلِيظ الْقَلْبِ لانْفَضّوا مِنْ حوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاستَغفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الأَمْر)) [آل عمران:159].

فهذا أمر من الله جل وعلا إلى رسوله e بالاستغفار لأصحابه في الوقت الذي نهاه فيه عن الاستغفار للمشركين والمنافقين في عدة مواضع من القرآن كما في قوله سبحانه عن المشركين: ((مَا كَانَ لِلنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَستَغفِرُوا لِلْمُشرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُمْ أَصْحابُ الْجَحيمِ)) [التوبة:113]. وقال عن المنافقين: ((سوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَستَغفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَستَغفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغفِرَ اللّهُ لَهُمْ إنّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسقِينَ)) [المنافقون:6].

وفي هذا براءة للصحابة من الشرك والنفاق. ولو كانوا كذلك لما أمره الله تعالى بالاستغفار لهم.

وبعــد..

فهذا قول الله عز وجل وحكمه في صحابة نبيه صلى الله عليه وسلم .. ((وَاللّهُ يَحكُمُ لا مُعَقّبَ لِحكْمِهِ)) [الرعد:41]. فمن هذا الذي يعقب على حكم الله هذا في الصحابة فيحكم عليهم بنقيض حكمه؟! وهل يتصور أن قول سيدنا علي رضي الله عنه في رفاقه وإخوانه غير ما قاله ربه جل وعلا عنهم في القرآن؟! وهو القائل عنه: (فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله) والله تعالى يقول: ((ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتّقِينَ)) [البقرة:2].

وهذا ما هدانا الله إليه في ذلك الكتاب.

فما عساه يكون قول سيدنا علي فيهم؟ هذا ما سنراه في الصفحات التالية إن شاء الله..










كلمة أخيرة.. ونصيحة ثمينة


فهذا كلام الله جل وعلا في الصحابة رضي الله عنهم ، وهذا كلام سيدنا علي رضي الله عنه فيهم.. يشبه بعضه بعضاً ويصدقه كما تشبه الساقية النبع إذا خرجت منه. فأما ما ينسب إليه مما يخالف ذلك فإنه باطل قطعاً لا تصح نسبته إليه لأنه يناقض كلام الله، وحاشا سيدنا علياً أن يخالف كلام الله أو يعارض حكمه، فهو فقيه كتاب الله وربيب رسول الله منه تعلم العلم وعلى يديه أخذ الحكمة، ومحال أن يقول في إخوانه وأحبابه غير ما قاله الله فيهم أو يحكم فيهم بغير حكمه. بل هم جميعاً كما قال تعالى: ((مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاء عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ)) [الفتح:29].

هذا.. وقد روى الكليني عن أبي عبد الله (ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه). وعن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به؟ قال: (إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلا فالذي جاءكم أولى به). وعنه: (كل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف).

وأقول: لو رجع المسلمون جميعاً إلى كتاب الله وتركوا ما خالفه، وتحروا عن كل قول أو عمل فأخذوا بما وجدوا له شاهداً فيه، وإلا ردوه على من جاء به لما بقي بينهم خلاف، ولا حصل بينهم شقاق. وعلى هذا فنحن ندعو إخواننا جميعاً إلى الرجوع في كل شيء إلى كتاب الله، ونبذ ما خالفه مما سواه فهو كما وصفه الله تعالى فقال: ((ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدى لِلْمُتّقِينَ)) [البقرة:2]، وقال: ((وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللّهِ ذَلِكُمُ اللّهُ)) [الشورى:10]. وقد قال فيه سيدنا علي رضي الله عنه: (فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم).

وأخيراً نسأل الله الهداية للجميع.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

غالب ياسين
11/05/2008, 09:03 PM
موقف سيدنا علي رضي الله عنه من الصحابة


هذه مقتطفات مما ورد عنه رضي الله عنه في كتاب (نهج البلاغة):

1- من خطبة له متذمراً من أصحابه ومقارناً بينهم وبين أصحاب رسول الله:

(لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فما أرى أحداً يشبههم (منكم) لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجـاء الثواب)([1]).

2- من خطبة له رضي الله عنه يخاطب فيها أصحابه:

(.. ولوددت أن الله فرق بيني وبينكم وألحقني بمن هو أحق بي منكم، قوم والله ميامين الرأي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحق، متاريك للبغي، مضوا قدماً على الطريقة، وأوجفوا علـى المحجة فظفروا بالعقبى الدائمة والكرامة الباردة)([2]).

3- (أين القوم الذين دُعوا إلى الإسلام فقبلوه وقرأوا القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى القتال فولهوا وله اللقاح إلى أولادها وسلبوا السيوف أغمادها وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفاً، وصفاً صفاً، بعض هلك وبعض نجا لا يبشرون بالأحياء ولا يعزون عن الموتى، مره العيون من البكاء، خمص البطون من الصيام، ذبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين، أولئك إخواني الذاهبون، فحق لنا أن نظمأ إليهم ونعض الأيدي على فراقهم)([3]).

4- ومن كلام له ذاكراً حاله وحال الصحابة مـع النبي صلى الله عليه وسلم :

(ولقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا ما يزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليماً ومضياً على اللقم وصبراً على مضض الألم وجداً في جهاد العدو، ولقد كان الرجل منا وآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون فمرة لنا من عدونا ومرة لعدونا منا، فلما رأى الله صدقنا أنزل في عدونا الكبت وأنزل علينا النصر حتى استقر الإسلام ملقياً جرانه ومتبوئاً أوطانه. ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود ولا اخضر للإيمـان عود، وأيـم الله لتحتلبُنَّها دماً ولتتبعُنها ندماً)([4]).

فلو كان الصحابة على غير ما وصفوا به في هذا الكلام (ما قام للدين عمود ولا اخضر للإيمان عود).

5- وقال رضي الله عنه في مدح الأنصار: (هم والله ربوا الإسلام كما يربـى الفلـو مع غنائهم بأيديهـم السباط، وألسنتهم السلاط)([5]).

6- وقال ذاكراً عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

(لله بلاء فلان، فقد قوّم الأوَد، وداوى العمَد، خلف الفتنة وأقام السنة، ذهب نقي الثوب قليل العيب، أصاب خيرها وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته واتقاه بحقه)([6]).

قال ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة): (وفلان المكنى عنه عمر بن الخطاب، وقد وجدت النسخة التي بخط الرضي أبي الحسن جامع (نهج البلاغة) وتحت فلان: عمر. وسألت عنه النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي فقال لي: هو عمـر فقلت له: أثنى عليه أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال: نعم)([7]).

8 - وقال ذاكراً عمر بن الخطاب أيضاً:

(ووليهم والٍ فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه)([8])

غالب ياسين
11/05/2008, 09:03 PM
موقف سيدنا علي رضي الله عنه من الصحابة


هذه مقتطفات مما ورد عنه رضي الله عنه في كتاب (نهج البلاغة):

1- من خطبة له متذمراً من أصحابه ومقارناً بينهم وبين أصحاب رسول الله:

(لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فما أرى أحداً يشبههم (منكم) لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجـاء الثواب)([1]).

2- من خطبة له رضي الله عنه يخاطب فيها أصحابه:

(.. ولوددت أن الله فرق بيني وبينكم وألحقني بمن هو أحق بي منكم، قوم والله ميامين الرأي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحق، متاريك للبغي، مضوا قدماً على الطريقة، وأوجفوا علـى المحجة فظفروا بالعقبى الدائمة والكرامة الباردة)([2]).

3- (أين القوم الذين دُعوا إلى الإسلام فقبلوه وقرأوا القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى القتال فولهوا وله اللقاح إلى أولادها وسلبوا السيوف أغمادها وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفاً، وصفاً صفاً، بعض هلك وبعض نجا لا يبشرون بالأحياء ولا يعزون عن الموتى، مره العيون من البكاء، خمص البطون من الصيام، ذبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين، أولئك إخواني الذاهبون، فحق لنا أن نظمأ إليهم ونعض الأيدي على فراقهم)([3]).

4- ومن كلام له ذاكراً حاله وحال الصحابة مـع النبي صلى الله عليه وسلم :

(ولقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا ما يزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليماً ومضياً على اللقم وصبراً على مضض الألم وجداً في جهاد العدو، ولقد كان الرجل منا وآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون فمرة لنا من عدونا ومرة لعدونا منا، فلما رأى الله صدقنا أنزل في عدونا الكبت وأنزل علينا النصر حتى استقر الإسلام ملقياً جرانه ومتبوئاً أوطانه. ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود ولا اخضر للإيمـان عود، وأيـم الله لتحتلبُنَّها دماً ولتتبعُنها ندماً)([4]).

فلو كان الصحابة على غير ما وصفوا به في هذا الكلام (ما قام للدين عمود ولا اخضر للإيمان عود).

5- وقال رضي الله عنه في مدح الأنصار: (هم والله ربوا الإسلام كما يربـى الفلـو مع غنائهم بأيديهـم السباط، وألسنتهم السلاط)([5]).

6- وقال ذاكراً عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

(لله بلاء فلان، فقد قوّم الأوَد، وداوى العمَد، خلف الفتنة وأقام السنة، ذهب نقي الثوب قليل العيب، أصاب خيرها وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته واتقاه بحقه)([6]).

قال ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة): (وفلان المكنى عنه عمر بن الخطاب، وقد وجدت النسخة التي بخط الرضي أبي الحسن جامع (نهج البلاغة) وتحت فلان: عمر. وسألت عنه النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي فقال لي: هو عمـر فقلت له: أثنى عليه أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال: نعم)([7]).

8 - وقال ذاكراً عمر بن الخطاب أيضاً:

(ووليهم والٍ فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه)([8])

م.سليمان أسد
12/05/2008, 03:22 AM
- التطهير وإذهاب الرجس عن أمهات المؤمنين:

قوله تعالى: ((إنَّمَا يُرِيدُ اللَّه لِيُذهب عَنْكم الرجس أهلَ الْبيْتِ ويُطهركم تَطهيراً)) هو خطاب لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم على الخصوص. وذلك بدليل السباق والسياق قبل الكلام وبعده: فإن الله تعالى قال قبله: ((وقَرنَ في بُيُوتِكنَّ ولا تَبرجنَ تَبرج الْجاهلِية الأولَى وأقِمنَ الصلاة وآتِينَ الزكاة وأطعْنَ اللَّه ورسولَه))، ثم عقب عليه قائلاً: ((إنَّما يُريد اللَّه لِيُذهب عَنْكم الرجس أهلَ الْبيْتِ ويُطهركم تَطهيراً))، ثم قال بعده: ((واذكرنَ ما يُتْلَى في بُيُوتِكنَّ منْ آياتِ الله والْحكمة إنَّ اللَّه كانَ لَطيفاً خبِيراً))، وبدليل اللغة: فإن (أهل بيت الرجل) و(أهل الرجل) في اللغة يطلق حقيقة على الزوجة. نعم قد يطلق على غيرها ولكن بطريق المجاز. يقول الراغب الأصفهاني في (مفردات ألفاظ القرآن): أهل الرجل: في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد، ثم تجوز به فقيل أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب، وتعورف في أسرة بيت النبي عليه الصلاة والسلام مطلقاً إذا قيل أهل البيت لقوله عز وجل: ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت)) وعبر (بأهل الرجل) عن امرأته. و(تأهل) إذا تزوج ومنه قيل: أهلك الله في الجنة أي زوجك فيها وجعل لك فيها أهلاً يجمعك وإياهم.


سؤال :

لقد قال سبحانه وتعالى :
((وقَرنَ في بُيُوتِكنَّ ولا تَبرجنَ تَبرج الْجاهلِية الأولَى وأقِمنَ الصلاة وآتِينَ الزكاة وأطعْنَ اللَّه ورسولَه))

وقرن ...ولا تبرجن .... وأقمن .... وآتين ... وأطعن

ثم عقب عليه قائلاً: ((إنَّما يُريد اللَّه لِيُذهب عَنْكم الرجس أهلَ الْبيْتِ ويُطهركم تَطهيراً))


عنكم .... ويطهركم

ثم قال بعده: ((واذكرنَ ما يُتْلَى في بُيُوتِكنَّ منْ آياتِ الله والْحكمة إنَّ اللَّه كانَ لَطيفاً خبِيراً))،

واذكرن ... بيوتكن ...

وبدليل اللغة ... المقصود من ((إنَّما يُريد اللَّه لِيُذهب عَنْكم الرجس أهلَ الْبيْتِ ويُطهركم تَطهيراً))

ليس كما قلت (خطاب لنساء النبي على الخصوص ) ...وإلا لقال سبحانه وتعالى :

انما يريد الله ليذهب عنكن الرجس أهل البيت ويطهركن تطهيراً

صح

م.سليمان أسد
12/05/2008, 03:22 AM
- التطهير وإذهاب الرجس عن أمهات المؤمنين:

قوله تعالى: ((إنَّمَا يُرِيدُ اللَّه لِيُذهب عَنْكم الرجس أهلَ الْبيْتِ ويُطهركم تَطهيراً)) هو خطاب لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم على الخصوص. وذلك بدليل السباق والسياق قبل الكلام وبعده: فإن الله تعالى قال قبله: ((وقَرنَ في بُيُوتِكنَّ ولا تَبرجنَ تَبرج الْجاهلِية الأولَى وأقِمنَ الصلاة وآتِينَ الزكاة وأطعْنَ اللَّه ورسولَه))، ثم عقب عليه قائلاً: ((إنَّما يُريد اللَّه لِيُذهب عَنْكم الرجس أهلَ الْبيْتِ ويُطهركم تَطهيراً))، ثم قال بعده: ((واذكرنَ ما يُتْلَى في بُيُوتِكنَّ منْ آياتِ الله والْحكمة إنَّ اللَّه كانَ لَطيفاً خبِيراً))، وبدليل اللغة: فإن (أهل بيت الرجل) و(أهل الرجل) في اللغة يطلق حقيقة على الزوجة. نعم قد يطلق على غيرها ولكن بطريق المجاز. يقول الراغب الأصفهاني في (مفردات ألفاظ القرآن): أهل الرجل: في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد، ثم تجوز به فقيل أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب، وتعورف في أسرة بيت النبي عليه الصلاة والسلام مطلقاً إذا قيل أهل البيت لقوله عز وجل: ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت)) وعبر (بأهل الرجل) عن امرأته. و(تأهل) إذا تزوج ومنه قيل: أهلك الله في الجنة أي زوجك فيها وجعل لك فيها أهلاً يجمعك وإياهم.


سؤال :

لقد قال سبحانه وتعالى :
((وقَرنَ في بُيُوتِكنَّ ولا تَبرجنَ تَبرج الْجاهلِية الأولَى وأقِمنَ الصلاة وآتِينَ الزكاة وأطعْنَ اللَّه ورسولَه))

وقرن ...ولا تبرجن .... وأقمن .... وآتين ... وأطعن

ثم عقب عليه قائلاً: ((إنَّما يُريد اللَّه لِيُذهب عَنْكم الرجس أهلَ الْبيْتِ ويُطهركم تَطهيراً))


عنكم .... ويطهركم

ثم قال بعده: ((واذكرنَ ما يُتْلَى في بُيُوتِكنَّ منْ آياتِ الله والْحكمة إنَّ اللَّه كانَ لَطيفاً خبِيراً))،

واذكرن ... بيوتكن ...

وبدليل اللغة ... المقصود من ((إنَّما يُريد اللَّه لِيُذهب عَنْكم الرجس أهلَ الْبيْتِ ويُطهركم تَطهيراً))

ليس كما قلت (خطاب لنساء النبي على الخصوص ) ...وإلا لقال سبحانه وتعالى :

انما يريد الله ليذهب عنكن الرجس أهل البيت ويطهركن تطهيراً

صح

الحاج بونيف
12/05/2008, 07:33 AM
جزاكم الله خيرا أخي الفاضل/ غالب ياسين على هذه الدراسة الوافية التي تطمئن إليها نفس كل مؤمن ..
أثابكم الله..ووفقكم وسدد خطاكم.
نسأل الله العفو والعافية لنا ولكم ولجميع المؤمنين والمؤمنات ..

الحاج بونيف
12/05/2008, 07:33 AM
جزاكم الله خيرا أخي الفاضل/ غالب ياسين على هذه الدراسة الوافية التي تطمئن إليها نفس كل مؤمن ..
أثابكم الله..ووفقكم وسدد خطاكم.
نسأل الله العفو والعافية لنا ولكم ولجميع المؤمنين والمؤمنات ..

محمد العمار
12/05/2008, 09:22 AM
السلام عليكم

كلام طيب جدا أخي غالب ياسين وجزاك الله خير على ما قدمت خصوصا في حديثك عن صحابة المصطفى الأخيار عليه وعلى آله الصلاة والسلام ,, الصحابة هم صفوة الخلق بعد رسول الله صلىالله عليه وسلم ولا ينقص من مكانتهم إلا هالك ومهما شجر منهم فهم في النهاية بشر مثلنا يخطئون ويصيبون لكن لا ينبغي أن نخوض نحن فيما حصل بينهم ولذلك يعجبني جواب عمر بن عبدالعزيز حينما سؤل عن الفتنة التي حدثت بين علي ومعاوية رضوان الله عليهم أجمعين:

سُئل عمر بن عبد العزيز, رحمه الله تعالى, عن القتال الذي حصل بين الصحابة فقال: تلك دماء طهّر الله يدي منها أفلا أطهر بها لساني؟ مثل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل العيون, ودواء العيون ترك مسها, قال البيهقي معلقًا على قول عمر بن عبد العزيز, رحمه الله تعالى: هذا حسن جميل؛ لأن سكوت الرجل عما لا يعنيه هو الصواب.

ـــــــــــــــــــــــ

أخي المهندس سليمان أسد حينما قال الله سبحانه وتعالى ((((يا أيُها النَّبِيُ قُلْ لأزواجك إنْ كنْتُنَّ تُردنَ الْحياة الدنْيا وزينَتَها فتَعَالَيْنَ أمتِّعْكنَّ وأسرحكنَّ سراحاً جميلاً * وإنْ كنْتُنَّ تُردنَ اللَّه ورسولَه والدار الآخرة فإنَّ اللَّه أعَد لِلْمحسنَاتِ منْكنَّ أجراً عَظيماً * يا نِساء النَّبِي منْ يأْتِ منْكنَّ بِفاحشة مبينَة يُضاعَف لَها الْعَذابُ ضعْفيْنِ وكانَ ذلِك عَلَى اللَّه يسيراً * ومنْ يقْنُتْ منْكنَّ لِلَّه ورسولِه وتَعْملْ صالِحاً نُؤتِها أجرها مرتَيْنِ وأعْتَدنَا لَها رزقاً كريماً * يا نِساء النَّبِي لَستُنَّ كأحدٍ منَ النِّساء إنِ اتَّقَيْتُنَّ فلا تَخضعْنَ بِالْقَوْلِ فيطمعَ الَّذي في قَلْبِه مرضٌ وقُلْنَ قَوْلاً معْروفاً * وقَرنَ في بُيُوتِكنَّ ولا تَبرجنَ تَبرج الْجاهلِية الأولَى وأقِمنَ الصلاة وآتِينَ الزكاة وأطعْنَ اللَّه ورسولَه إنَّما يُريد اللَّه لِيُذهب عَنْكم الرجس أهلَ الْبيْتِ ويُطهركم تَطهيراً * واذكرنَ ما يُتْلَى في بُيُوتِكنَّ منْ آياتِ اللَّه والْحكمة إنَّ اللَّه كانَ لَطيفاً خبِيراً)) ذكر الله نون النسوة في الأفعال التي أمر بها زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها خاصة بزوجاته وحينما قال تعال ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)) فهذا خطاب لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعروف باللغة العربية أنه إذا كان المخاطب الف امرأة ورجل واحد فإنهم يخاطبون بصيغة المذكر , وعندما قال الله ((ليذهب عنكم)) ولم يقل ليذهب عنكن لأن أهل البيت ليسوا فقط النساء ففيهم الرجال من ال عقيل وال جعفر وعلي رضي الله عنه وابناه الحسن والحسين رضي الله عنهم... ولو سلمنا جدلاً بما قلته أنت لما دخلت فاطمة رضي الله عنهم في اهل البيت.

والحمد لله

محمد العمار
12/05/2008, 09:22 AM
السلام عليكم

كلام طيب جدا أخي غالب ياسين وجزاك الله خير على ما قدمت خصوصا في حديثك عن صحابة المصطفى الأخيار عليه وعلى آله الصلاة والسلام ,, الصحابة هم صفوة الخلق بعد رسول الله صلىالله عليه وسلم ولا ينقص من مكانتهم إلا هالك ومهما شجر منهم فهم في النهاية بشر مثلنا يخطئون ويصيبون لكن لا ينبغي أن نخوض نحن فيما حصل بينهم ولذلك يعجبني جواب عمر بن عبدالعزيز حينما سؤل عن الفتنة التي حدثت بين علي ومعاوية رضوان الله عليهم أجمعين:

سُئل عمر بن عبد العزيز, رحمه الله تعالى, عن القتال الذي حصل بين الصحابة فقال: تلك دماء طهّر الله يدي منها أفلا أطهر بها لساني؟ مثل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل العيون, ودواء العيون ترك مسها, قال البيهقي معلقًا على قول عمر بن عبد العزيز, رحمه الله تعالى: هذا حسن جميل؛ لأن سكوت الرجل عما لا يعنيه هو الصواب.

ـــــــــــــــــــــــ

أخي المهندس سليمان أسد حينما قال الله سبحانه وتعالى ((((يا أيُها النَّبِيُ قُلْ لأزواجك إنْ كنْتُنَّ تُردنَ الْحياة الدنْيا وزينَتَها فتَعَالَيْنَ أمتِّعْكنَّ وأسرحكنَّ سراحاً جميلاً * وإنْ كنْتُنَّ تُردنَ اللَّه ورسولَه والدار الآخرة فإنَّ اللَّه أعَد لِلْمحسنَاتِ منْكنَّ أجراً عَظيماً * يا نِساء النَّبِي منْ يأْتِ منْكنَّ بِفاحشة مبينَة يُضاعَف لَها الْعَذابُ ضعْفيْنِ وكانَ ذلِك عَلَى اللَّه يسيراً * ومنْ يقْنُتْ منْكنَّ لِلَّه ورسولِه وتَعْملْ صالِحاً نُؤتِها أجرها مرتَيْنِ وأعْتَدنَا لَها رزقاً كريماً * يا نِساء النَّبِي لَستُنَّ كأحدٍ منَ النِّساء إنِ اتَّقَيْتُنَّ فلا تَخضعْنَ بِالْقَوْلِ فيطمعَ الَّذي في قَلْبِه مرضٌ وقُلْنَ قَوْلاً معْروفاً * وقَرنَ في بُيُوتِكنَّ ولا تَبرجنَ تَبرج الْجاهلِية الأولَى وأقِمنَ الصلاة وآتِينَ الزكاة وأطعْنَ اللَّه ورسولَه إنَّما يُريد اللَّه لِيُذهب عَنْكم الرجس أهلَ الْبيْتِ ويُطهركم تَطهيراً * واذكرنَ ما يُتْلَى في بُيُوتِكنَّ منْ آياتِ اللَّه والْحكمة إنَّ اللَّه كانَ لَطيفاً خبِيراً)) ذكر الله نون النسوة في الأفعال التي أمر بها زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها خاصة بزوجاته وحينما قال تعال ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)) فهذا خطاب لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعروف باللغة العربية أنه إذا كان المخاطب الف امرأة ورجل واحد فإنهم يخاطبون بصيغة المذكر , وعندما قال الله ((ليذهب عنكم)) ولم يقل ليذهب عنكن لأن أهل البيت ليسوا فقط النساء ففيهم الرجال من ال عقيل وال جعفر وعلي رضي الله عنه وابناه الحسن والحسين رضي الله عنهم... ولو سلمنا جدلاً بما قلته أنت لما دخلت فاطمة رضي الله عنهم في اهل البيت.

والحمد لله

منذر أبو هواش
12/05/2008, 09:25 AM
سؤال :لقد قال سبحانه وتعالى :
((وقَرنَ في بُيُوتِكنَّ ولا تَبرجنَ تَبرج الْجاهلِية الأولَى وأقِمنَ الصلاة وآتِينَ الزكاة وأطعْنَ اللَّه ورسولَه))
وقرن ...ولا تبرجن .... وأقمن .... وآتين ... وأطعن
ثم عقب عليه قائلاً: ((إنَّما يُريد اللَّه لِيُذهب عَنْكم الرجس أهلَ الْبيْتِ ويُطهركم تَطهيراً))
عنكم .... ويطهركم
ثم قال بعده: ((واذكرنَ ما يُتْلَى في بُيُوتِكنَّ منْ آياتِ الله والْحكمة إنَّ اللَّه كانَ لَطيفاً خبِيراً))،
واذكرن ... بيوتكن ...
وبدليل اللغة ... المقصود من ((إنَّما يُريد اللَّه لِيُذهب عَنْكم الرجس أهلَ الْبيْتِ ويُطهركم تَطهيراً))
ليس كما قلت (خطاب لنساء النبي على الخصوص ) ...وإلا لقال سبحانه وتعالى :
انما يريد الله ليذهب عنكن الرجس أهل البيت ويطهركن تطهيراً
صح
الإمامة عند الجعفرية - الدكتور علي السالوس (http://www.fnoor.com/fn0862.htm)


هذا الموضوع أشبعه علماؤنا وأئمتنا وفطاحل اللغة بحثا ونقاشا وتنقيبا وأخذا وردا، ويمكن لمن أراد الرجوع إلى أقوال العلماء المتخصصين فهي متوفرة من خلال محركات البحث، ولا أدري لماذا تشغلوننا هنا بمعتقداتكم لما تفهمونه من خلال لي أعناق آيات الذكر الحكيم.

من أنتم لتعلموننا ديننا ...؟! ومن أنتم لتعلموننا لغتنا ...؟! وهل نحن بحاجة إلى نقلكم وقصكم ولصقكم ...؟! ما هي أهدافكم ...؟! وهل تريدون مساومتنا على عقيدتنا ومبادئنا ...؟! ما هي مؤهلاتكم وتخصصاتكم حتى تخوضوا في هذه المواضيع الحساسة التي تعيي أهل العلم والاختصاص ...؟!

إننا جمعية للترجمة واللغة والثقافة، والمواضيع التي تثيرونها هنا لا تضيف إلى موضوعنا شيئا جديدا ... صحيح أننا نسمح بالتطرق إلى المواضيع الحياتية الأخرى ... لكننا نسمح لذلك بحدود ... أما أن تطغى المواضيع الأخرى على موضوعنا الرئيسي فذلك ما لا نسمح به ... كما أننا لن نجعل من منتدياتنا منابر دعائية لهذه الطائفة أو تلك ... ولن نسمح باستمرار النقاشات التي تعزز الفرقة وتهدد الثوابت وتعين على تطوير الخلافات وتؤجج الصراعات بين المسلمين ...

أرجو من الإدارة الكريمة والمجلس الاستشاري الموقر أن يأخذ ملاحظتي هذه بعين الاعتبار للأهمية، وأن يتخذ الاجراءات الكفيلة بإيقاف هذه الاعتداءات التي تمارس من غير أهل الاختصاص، كما أرجو حذف المشاركات المعنية والحجر على المتمادين عند اللزوم ...

والله من وراء القصد ...

منذر أبو هواش

:emo_m17:

منذر أبو هواش
12/05/2008, 09:25 AM
سؤال :لقد قال سبحانه وتعالى :
((وقَرنَ في بُيُوتِكنَّ ولا تَبرجنَ تَبرج الْجاهلِية الأولَى وأقِمنَ الصلاة وآتِينَ الزكاة وأطعْنَ اللَّه ورسولَه))
وقرن ...ولا تبرجن .... وأقمن .... وآتين ... وأطعن
ثم عقب عليه قائلاً: ((إنَّما يُريد اللَّه لِيُذهب عَنْكم الرجس أهلَ الْبيْتِ ويُطهركم تَطهيراً))
عنكم .... ويطهركم
ثم قال بعده: ((واذكرنَ ما يُتْلَى في بُيُوتِكنَّ منْ آياتِ الله والْحكمة إنَّ اللَّه كانَ لَطيفاً خبِيراً))،
واذكرن ... بيوتكن ...
وبدليل اللغة ... المقصود من ((إنَّما يُريد اللَّه لِيُذهب عَنْكم الرجس أهلَ الْبيْتِ ويُطهركم تَطهيراً))
ليس كما قلت (خطاب لنساء النبي على الخصوص ) ...وإلا لقال سبحانه وتعالى :
انما يريد الله ليذهب عنكن الرجس أهل البيت ويطهركن تطهيراً
صح
الإمامة عند الجعفرية - الدكتور علي السالوس (http://www.fnoor.com/fn0862.htm)


هذا الموضوع أشبعه علماؤنا وأئمتنا وفطاحل اللغة بحثا ونقاشا وتنقيبا وأخذا وردا، ويمكن لمن أراد الرجوع إلى أقوال العلماء المتخصصين فهي متوفرة من خلال محركات البحث، ولا أدري لماذا تشغلوننا هنا بمعتقداتكم لما تفهمونه من خلال لي أعناق آيات الذكر الحكيم.

من أنتم لتعلموننا ديننا ...؟! ومن أنتم لتعلموننا لغتنا ...؟! وهل نحن بحاجة إلى نقلكم وقصكم ولصقكم ...؟! ما هي أهدافكم ...؟! وهل تريدون مساومتنا على عقيدتنا ومبادئنا ...؟! ما هي مؤهلاتكم وتخصصاتكم حتى تخوضوا في هذه المواضيع الحساسة التي تعيي أهل العلم والاختصاص ...؟!

إننا جمعية للترجمة واللغة والثقافة، والمواضيع التي تثيرونها هنا لا تضيف إلى موضوعنا شيئا جديدا ... صحيح أننا نسمح بالتطرق إلى المواضيع الحياتية الأخرى ... لكننا نسمح لذلك بحدود ... أما أن تطغى المواضيع الأخرى على موضوعنا الرئيسي فذلك ما لا نسمح به ... كما أننا لن نجعل من منتدياتنا منابر دعائية لهذه الطائفة أو تلك ... ولن نسمح باستمرار النقاشات التي تعزز الفرقة وتهدد الثوابت وتعين على تطوير الخلافات وتؤجج الصراعات بين المسلمين ...

أرجو من الإدارة الكريمة والمجلس الاستشاري الموقر أن يأخذ ملاحظتي هذه بعين الاعتبار للأهمية، وأن يتخذ الاجراءات الكفيلة بإيقاف هذه الاعتداءات التي تمارس من غير أهل الاختصاص، كما أرجو حذف المشاركات المعنية والحجر على المتمادين عند اللزوم ...

والله من وراء القصد ...

منذر أبو هواش

:emo_m17:

منذر أبو هواش
12/05/2008, 09:40 AM
ملحوظة هامة
(الموضوع مغلق)

تم إغلاق هذا الموضوع لخصوصيته الدينية
ونرجو عدم إضافة أية تعليقات أخرى
ونعتذر سلفا عن حذف أي تعليق يضاف

وشكرا

منذر أبو هواش

منذر أبو هواش
12/05/2008, 09:40 AM
ملحوظة هامة
(الموضوع مغلق)

تم إغلاق هذا الموضوع لخصوصيته الدينية
ونرجو عدم إضافة أية تعليقات أخرى
ونعتذر سلفا عن حذف أي تعليق يضاف

وشكرا

منذر أبو هواش