المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (( اِحــذر )) القصة الفائرة في مسابقة اتحاد كتاب مصر



هانى عادل
02/10/2006, 02:46 AM
(( اِحــذر ))
((القصة الفائزة في مسابقة اتحاد كتاب مصر بالإسكندرية عام 2005 ))

فتح الباب .. خرج منه .. لم يجد ما يريد .. ولكنه وجد مكان خال متسع للغاية ذو سقف منخفض .. شعر كأنه سيطبق عليه . خطى خطوات حائرة و تفحص الفراغ الرهيب حوله . فجأة على مقربة منه ظهر صندوق زجاجي بداخلة دخان ملون يدور و يلف حول نفسه و كأنه عاصفة صغيرة .. نظر نحوه في سعادة و خطى خطوات سريعة تجاهه و لكن الصندوق ظل يبتعد بقدر اقترابه منه . توقف فتوقف الصندوق و هو يتلون و يتشكل في إغراء .. فنظر نحوه و قال في تحدي :
- أنت لي .
تبعه طويلا في إصرار .. و لكن في طريقة سمع صوتا يتألم بشده فتوقف فبحث حوله و لكنه لم ير أحدا فاستمر في سيره . و بعد خطوات أخرى سمع صوت امرأة تتألم فبحث حوله و لكنه لم يجد أحدا أيضا . فازداد إصراره و تحرك في تحدي نحو صندوقه الذي ظل يبتعد عنه و ظلت معه تلك الأصوات المتألمة مع كل خطوة يخطوها . لم يستطع الاقتراب منه أبدا فتعب و توقف يلتقط أنفاسه .. فرأى على حذائه شيئا غريبا لزجا تبين أنه دم .. و لكن الصندوق تلون أمامه و شد انتباهه فوقف منتصبا و تحرك خطوة سمع على أثرها صرخة حادة مدوية ..و أحس كأن قدمه قد اخترقت شيئا .
نظر إلى الأرض فوجد فتاه جميلة ملقاة عليها يخترق حذائه بطنها . فزع و حاول تخليص نفسه و لكن جسدها يأبى أن ينفصل عنه . أصابه هياج شديد و هو يحاول تخليص نفسه و بحث عمن يساعده و لكنه وجد خلفه عشرات من الجثث الملقاة على الأرض .. مهشمة الرؤوس أو مفتوحة البطون أو ممزقة اليد و الأقدام و كلها .. في طريق سيره .
أصابه الرعب و نظر نحو قدمه ممسكا بها محاولا تخليصها .. لكنه وجدها حره إلا من كم هائل من الدماء عليها .. و رأى أمامه شاب وكأنه نسخة منه .. يقف حزينا يحمل على يديه تلك الفتاه و الذي ما لبث أن تحرك بها مبتعدا .. و سرعان ما ظهر تدريجيا أناس و شخصيات مختلفة الشكل و الهيئة .. أصوات همساتهم غير مفهومة و كلما تقدم خطوة كلما ازداد صوتهم و شكلهم وضوحا .. فتسائل مندهشا :
-أين أنا ؟
لم يجد من يجيبه .. فكل واحد ممن يراه أمامه مشغول بما يفعل على غرابته غير عابئ بالآخرين وكأنه لا يراهم . استمر في السير و فجأة .. عبر أمامه ذلك الشاب الآخر و على يديه الفتاه وقد تدلى شعرها الأسود الطويل و هي تنزف .. بينما يتحرك بها صارخا في وجه كل من يقابله بعيون باكية متألمة ولكن صوته معدوم كأنه يذهب إلى مكان آخر .. كأنه يسافر بعيدا بعيدا . ظل يتحرك كالمجنون حاملا إياها يطلب النجدة أو المساعدة و يقف بين الحين و الآخر في حيرة يعض على أسنانه من الألم و العجز و هو يشاهدها تنزف . اقترب من تابع الصندوق و وقف أمامه صارخا بشده دون أن يسمع له صوت . توقف عن صراخه الصامت و نظر في أسى نحو الفتاه متبادلا النظرات معه .. و ما أن حاول تابع الصندوق لمسها لتبين حالتها حتى أسرع و جرى بها مبتعدا عنه في خوف .. حين وقع بصره على الصندوق الذي يتبعه .
لم يهتم تابع الصندوق و ركز بصره عليه .. و لكن ظهر أمامه وجه مائي بلا ملامح جعله يتراجع إلى الخلف في فزع محاولا الابتعاد عنه . لقد كان وجه بلا جسد .. بلا رأس .. وكأنه قناع يحمله الهواء و لكنه ينبض بالحياة .. نظر إليه وجها لوجه بعد أن ظهرت ملامحه شيئا فشيئا . لقد كان يشبهه و لكن بملامح جامدة لا تحمل أي تعبير .. و سرعان ما طار في الهواء و ابتعد عنه ثم عاد مرة أخرى من اتجاه آخر في سرعة هائلة ووقف أمام وجهه مباشرة يتحرك في هدوء و كأنه يتفحصه .. و بعد لحظات قال له القناع بينما كانت عيونه مشغولة بمتابعة ذلك الشاب و هو يحمل الفتاة على يده :
-ساعده .. إنه يحتاجك .. ساعده .
شعر بالأسى له و تحرك تجاهه و لكن الصندوق الملون تضاءل حجمه للغاية و تحول إلى كرة من الضوء القوى .. طارت في الهواء و عبرت أمام وجه تابعه بعد أن أفزع الوجه المائي و جعله يهرب و يختفي .. فوضع يده على عينيه حاميا إياها .. و بعد ثوان عاد الصندوق إلى شكله الطبيعي على بعد منه و هو يتلون في إغراء .
استمر في طريقة متتبعا الصندوق .. و بعد عدة خطوات ظهر أمامه شاب يشبهه هو الآخر يمسك ببعض الطوب و الحجر محاولا بناء سلم لأعلى .. بني منه درجتين ولكن كلما بني الدرجة الثالثة جاءت له يد بمطرقة بلا ذراع أو جسد تهدمها له .. فلا يهتم و يعيد البناء و كأنه آله لا تكل و لا تمل . وقف التابع ينظر إليه في إعجاب و في حركة خاطفة كان أمامه الوجه المائي الذي ظهر وكأن ماءه ينضب .. يتفحصه كالعادة بينما هو يراقب ما يفعله الشاب .. و نظر كل منهما في عين الآخر للحظات ثم قال له الوجه المائي :
-ساعده .. إنه يحتاجك .
لكن الصندوق تضاءل حجمه مرة أخرى و تحرك كالصاروخ ووقف فوق درجات سلم الشاب في هدوء تام .. ثم سرعان ما هوى على الدرجة الثالثة التي انتهى منها وأحدث دويا مفزعا ودخانا كثيفا سرعان ما تلاشى ليظهر الشاب و هو يقف أمام حطام سلمه بعد أن دمر كله . و يعود الصندوق مرة أخرى إلى حجمه الطبيعي و خلفه تابعة في إصرار بعد أن هرب الوجه المائي . و كلما سار أكثر كلما ازداد اتساع المكان و ظهر آخرون .
هنا توقف أمام جماعة من الناس يجلسون يشاهدون عرض ما حيث تتحرك فتيات شبه عاريات على منصة و هن يرقصن و يتمايلن في إغراء .. و لكن يغلب عليهن الحزن و يتحركن كآلات أو حيوانات مدربة .. و يخرجن ثم يعدن إلى ما كن يفعلن من البداية .. و يتكرر الأمر و الرجال و النساء جالسين في وجوم يشاهدون ما يحدث .. وقف التابع يراقبهن وأمامه الوجه المائي و قد قل ماءه أكثر و قرب من النضوب يتفحصه متعجبا منه .. ثم قال له :
-ساعدهن .
تضاءل حجم الصندوق مرة أخرى .. و لكن قبل أن يتحرك من مكانة كان تابعة ينظر إلى الوجه المائي و يقول له في حده :
-لا .
فتحولت ملامح الوجه إلى الغضب الشديد و ظهر كأنه سينفجر .. و ما لبث أن أصبح كتلة من الحديد المصمتة سقطت على الأرض . أما الصندوق فقد عاد إلى حجمه الطبيعي .. و خطى تابعة خطوة واحدة خلفه .. و قبل أن يكمل الثانية .. كانت إحدى الفتيات تنظر إليه نظرة حدة و غضب سرعان ما تحولت إلى ضحكة ساخرة و قهقهة عالية بينما تشير نحوه بيدها قائلة :
- هاها .. مجنون .. مجنون .. يريد الصعود .. مجنون .. يريد أن يتركنا ويخرج بعد كل ما فعل .
انتبه الناس إليه يكاد الموت يدركهم من كثرة الضحك و هم يرددون أيضا :
-مجنون .. مجنون .. مجنون .
نظر نحوهم في ريبة وآثر الابتعاد .. و تحرك أو حاول التحرك و لكنه وجد قدمه اليمنى ثقيلة للغاية فنظر إليها فرأى حولها طوق متصل بسلسلة قصيرة في نهايتها كرة من الحديد . ظل يقاوم و لكن قدمه كانت تتحرك في بطئ شديد بينما هم يضحكون في جنون . تحرك في صعوبة فزعا و هو ينقل بصرة بينهم و بين الطوق الذي يحيط قدميه و الكرة الحديدية التي تثقل سيره . تحرك في استماتة مبتعدا محاولا البحث عن مخرج .. و جاء أمامه الوجه الحديدي بملامحه الجامدة و التي تغيرت فجأة .. تسخر منه مثلهم قائلا :
-مجنون .. ارجع يا مجنون .. عد .. لن يقبلوك بعد ما فعلت .. لن يقبلوك .. عد فلست منهم.
لكنه زاد من خطواته المتثاقلة خلف الصندوق حتى انقطعت أنفاسه تماما و وقف يحاول التقاطها .. و لكنه وجد سلم صغير في نهايته فتحة في السقف .. سرعان ما خرج منها الصندوق .. فأسرع خلفه و صعد في هدوء درجة درجة ساحبا خلفة الكرة الحديدية .
خرج من الفتحة ووقف بجانبها .. ليجد نفسه بجوار حفرة في طريق من الإسفلت حولها ردم كثيف و أمامها لافتة ذات ضوء أصفر يومض في ثبات .. و حوله الناس على الرصيف من الجانبين يتحركون بسرعة لاهثين تكاد تحتويهم أضواء المحال الملونة .. ليخرج من بينهم بين الحين و الآخر أصوات ضحك تارة أو صرخة نشوة أو شهوة تارة أخرى .
تفحص نفسه في احتقار .. بينما كان الصندوق على الرصيف يسحقه الجميع في لامبالاة . تحرك محني الرأس منطويا على نفسه مبتعدا عن الحفرة التي تسلل منها الوجه الحديدي يراقبه في حزن باكيا . و بعد خطوات قليلة تفكك الطوق الحديدي .. و في نفس اللحظة سمع خلفه صوت يقترب في سرعة شديدة .. و ما أن التفت إليه حتى وجدها تهجم عليه .. فاستقبلها فزعا صارخا .. و لكنها صدمته بوحشية و قذفته في الهواء ليسقط بجوار اللافتة بضوئها الأصفر الوامض في هدوء حيث كتب عليها ..
(( إحذر .. منطقة عمل )).
هانى عادل