المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "حلف بغداد" يطل برأسه مجددا: من انقره "الاسلامية!"



جورج حداد
27/05/2008, 09:07 PM
جورج حداد*

الى جانب ـ قبل او بعد بدء ـ "الحوار اللبناني" في الدوحة، كان يتحرك ايضا مكوك حوار آخر سوري ـ اسرائيلي، "غير مباشر"، عبر "وسيط" او "فاعل خير" تركي (طبعا "شقيق"!).
واذا كان من الصحيح ان الدول ليست جمعيات خيرية، وان السياسة ليست مجرد "نوايا"، حسنة او سيئة، بل تعبير عن مصالح وشكل من اشكال واساليب تطبيق تلك المصالح؛ فعلينا ان ننظر الى هذا الواقع او هذه الواقعة (fact) الجديدة على الارض بنظرة واقعية ستراتيجية، سياسية وعسكرية، بعيدا عن العواطف المسبقة والمواقف القــَبـْلية، تجاه كل من الاطراف المعنية: سوريا، اسرائيل وتركيا. وما قد تريده كل منها من الدولتين الاخريين.
ـ1ـ سوريا: تعود جذور نشوء النظام السوري الحالي الى 5 حزيران 1967، او ما اطلق عليه حينذاك تلك التسمية الكاذبة "حرب الايام الستة"، علما انها كانت "حربا" من طرف واحد، دامت لا اكثر من ست ساعات (كعمليات حربية) من طرف واحد كما اسلفنا، وبقية الوقت انشغل فيه الجيش الاسرائيلي في الانتشار، في الوقت الذي انشغل فيه الدبلوماسيون الاسرائيليون في انتظار اعلان الجانب العربي الموافقة على "وقف اطلاق النار" (اي الاستسلام بلا قيد ولا شرط) لانه، اي الجانب العربي، لم يطلق النار اصلا؛ ويومها برر الزعيم جمال عبدالناصر حسين الموافقة على وقف اطلاق النار، بـ"ان الطريق الى القاهرة اصبحت مفتوحة". وهذا يدل على مدى "ثقة" ذلك الزعيم الصوري بالجماهير التي كانت تؤيده. في صبيحة ذلك اليوم، ومع بدء قصف المطارات السرية المصرية، التي كانت اسرائيل حصلت على كل خرائطها مسبقا من مكتب طيب الذكر المشير الاعظم عبدالحكيم عامر؛ ولم تكن معركة الجولان قد فتحت بعد، اعلن وزير الدفاع السوري اللواء (او ما اشبه ذلك حينذاك) حافظ الاسد امرا بالانسحاب الكيفي للـ70 الف جندي سوري الذين كانوا يتحصنون في الجولان وفي ايديهم من الاسلحة السوفياتية ما يكفي لتدمير ثلاثة ارباع اسرائيل، وللصمود اشهر حتى ضد هجوم ذري او نووي اسرائيلي ـ اميركي. والانسحاب الكيفي يعني ان كل جندي وضابط لم يعد يخضع للانضباط في الجيش، بل فردا منفردا عليه ان يجد طريقه الى بيته بالطريقة التي يراها مناسبة، وان يراجع لاحقا قيادته المعنية او قيادة الاركان حينما تسنح له الفرصة. ومنطقة العرقوب (شبعا وكفرشوبا وكفر حمام الخ) وسفوح جبل الشيخ اللبنانية هي محاذية تماما للجولان. ولا يزال يوجد على قيد الحياة الوف الشيوخ اللبنانيين الذين جاوزوا الخمسين من ابناء هذه المنطقة، من الذين عايشوا ذلك "اليوم العربي الأغر"، حينما كان صوت احمد سعيد يلعلع في كل الارجاء. ويمكن لاي مركز ابحاث يهمه "التاريخ المشرّف" للانظمة العربية عامة، وللنظام السوري خاصة، ان يرسل بعض باحثيه، ويسأل اولئك الشيوخ عما جرى في ذلك اليوم. وسيسمع مئات الحكايات كيف كان الجنود والضباط السوريون يصلون فرادى الى الاراضي اللبنانية مشيا على الاقدام، وحينما يصادف احدهم اي مزارع او راعي ماعز او غنم او بقر، يتقدم منه بالسلام ويطلب شربة ماء ويخلع حذاءه وملابسه العسكرية ويقدمها مع سلاحه الفردي لذلك المزارع او الراعي، مقابل ان يدبر له قميصا وبنطلونا وحذاء مدنيا، حتى يخفي صفته العسكرية، لان هذا الجندي او الضابط الذي اسودت الدنيا في عينيه بعد تلقيه امر الانسحاب الكيفي، كان يخشى ان يقع في ايدي عناصر "الكتائب" اللبنانية الموالية لاسرائيل، او حتى في ايدي رجال القوات المسلحة اللبنانية التي لا يثق بها، ويخشى ان يقوموا بتصفيته الجسدية فورا او تسليمه لاسرائيل. وفي هذا الوقت كان ليفي اشكول يتنزه في الجولان وهو لا يصدق عينيه، ويرفض الرد على المكالمات الهاتفية حتى لا تأتيه قرارات من الامم المتحدة بوقف الانتشار. وفي هذا الوقت اعلن محافظ القنيطرة السيد عبدالحليم خدام سقوط المدينة قبل ان يصل اليها اي جندي اسرائيلي بيومين او ثلاثة. وكان ذلك "اليوم العربي الأغر" يوم عز لصغار تجار الاسلحة الفردية المحليين، الذين اشتروا الوف قطع السلاح الفردية العائدة للجنود السوريين المنسحبين (يقدرها بعض ابناء المنطقة بـ15ـ20 الف قطعة)، وقد بيعت كلها لاحقا للكتائب والقوات اللبنانية وجماعة سعد حداد ـ انطوان لحد، عملاء اسرائيل. وخلاصة القول ان الجولان تم تسليمه لاسرائيل يدا بيد بدون قتال.
وينبغي للمرء ان يكون غبيا غباء مطلقا حتى يعتقد ان هذا حدث "بالصدفة"، وبدون "مفاوضات ما" مسبقة وبواسطة "وسيط ما" بين اسرائيل من جهة، ومن يلزم من المسؤولين السوريين من جهة ثانية. واذا اخذنا الامور بخواتيمها العملية، فإن محور تلك "المفاوضات" كان كما يلي: اعطوا الجولان لاسرائيل، وخذوا انتم سوريا (اي خذوا الحكم في سوريا)!
ونحن نعلم من تاريخ حزب البعث، ان البعثيين الشرفاء (كالشهيد البطل "الاخضر العربي" امين سعد، ورفاقه) الذين حاولوا استرجاع الجولان بواسطة المقاومة ("طلائع حرب التحرير الشعبية ـ قوات الصاعقة" الخ) قد استشهدوا في المواجهة مع اسرائيل (ولم يحل غيرهم محلهم) او تمت تصفيتهم جسديا كما صفي قائد "الصاعقة" المرحوم زهير محسن، او "تختخت" عظامهم في "السجون الرفاقية" في سوريا. اما الذين سلموا الجولان في 1967 فقد اصبحوا هم حكام سوريا في 1970! ولكنهم الان منقسمون بين "معسكر النظام الدكتاتوري" و"معسكر المعارضة الدمقراطية" في سوريا!
ان ما يهم البيروقراطية الحزبية ـ العسكرية (داخل النظام وفي "المعارضة") التي حكمت سوريا كل هذه العقود هو السلطة ومكاسب السلطة، طبعا تحت ستار كثيف من الديماغوجية "العروبية" و"التحررية" و"التقدمية" وحتى "الاشتراكية" ولماذا لا تضاف اليها "الدمقراطية" و"الاسلامية"، تماما على طريقة الديماغوجية الستالينية.
وينبغي للمرء ان يكون ايضا اكثر من غبي غباء مطلقا، حتى يصدق ان اسرائيل يمكن ان تعيد الجولان، الا اذا كانت ستأخذ (هي وحلفاؤها الستراتيجيون) ما هو اكثر من الجولان. والارجح ان محور الصفقة سيكون الان: خذوا الجولان (شكليا!)، كي تحفظوا ماء وجوهكم وسلطتكم، واعطونا سوريا كلها، اي بما فيها الجولان (عمليا!)، كي نحفظ امن اسرائيل ومصالحنا. وربما تشمل هذه "الصفقة" اجراء عملية تجميل للنظام، كمصالحة "وطنية" مع المعارضة، واجراء انتخابات تعددية، لاضفاء طابع "دمقراطي" على الطريقة الاميركية على النظام.
ـ2ـ اسرائيل: من هو الغبي الذي يعتقد ان اسرائيل اصبحت "دولة عربية!" كي تتنازل عن الجولان، فرضا، بواسطة المفاوضات، اي بدون قتال، كما اخذته بدون قتال؟!
عندما وافق ستالين (وفي خيانة سافرة للفكر الاشتراكي العلمي وللثورة العالمية وللتضامن الاخوي بين الشعوب) على قرار تقسيم فلسطين واقامة دولة اسرائيل في 1947، برر الشيوعيون الستالينيون تلك الخيانة، بضرورة حل "المسألة اليهودية" التي اعتبروها "مسألة قومية"، وان "الشعب اليهودي" هو ضحية للنازية، مثلما الشعب الفلسطيني هو ضحية للاستعمار البريطاني، وانه يجب ايجاد حل وسط للتعايش بين "الشعبين": العربي الفلسطيني واليهودي، بانشاء دولتين على ارض فلسطين التاريخية. ولا يزال الشيوعيون الستالينيون امثال الاستاذ فؤاد النمري يؤمنون بهذا الطرح المنافي للعلم والتاريخ والاخلاق وحقوق الانسان وحقوق الامم. ولكن التاريخ القديم والحديث يثبت ان اليهودية ليست "قومية" او "شعبا"، بل "مافيا" لا اكثر ولا اقل. مثل المافيا الصقلية ـ الايطالية في نيويورك. ومثل "المافيا الشيشانية" التي كانت معششة في موسكو، وحينما طردت من موسكو اخذت "الشعب الشيشاني" المظلوم رهينة. ومثل "المافيا الالبانية" التي تأخذ الان شعب كوسوفو المظلوم رهينة. فاذا كان بالامكان اعتبار "المافيا" الايطالية ـ الصقلية، او "المافيا الشيشانية" او "المافيا الالبانية": "امة" و"قومية" و"شعبا"، يمكن اعتبار اليهود واسرائيل كذلك. ولنجر مقارنة بين الارمن الذين ذبحهم الطورانيون الاتراك في 1915 ـ 1922، وبين اليهود الذين ذبحهم هتلر في الحرب العالمية الثانية. كيف تصرف الارمن اللاجئون في البلاد العربية؟ تصرفوا فعلا كشعب مظلوم. فأخلصوا للارض التي احتضنتهم، وللناس الذين اجاروهم. وبدون ان يتخلوا عن هويتهم وثقافتهم الارمنية أخلصوا للبلاد التي حلوا فيها. اما "المافيا الشيشانية" و"المافيا الالبانية" فتتصرفان كعملاء لاميركا والحلف الاطلسي. واما "اللاجئون اليهود المساكين!" الهاربين من وجه هتلر، فتصرفوا في فلسطين كغزاة وكعصابات قتل ونهب وسلب، واستباحة المال والحلال واغتصاب الارض والعرض. وطوال الستين سنة الماضية اثبتت اليهودية ليس فقط انحطاطها الاخلاقي الذي ليس بعده انحطاط، بل وغباءها المطبق الناشئ عن عنجهيتها المطلقة. فقد كان بامكان اليهودية العالمية ذات الامكانيات الهائلة، خصوصا بعد اعلان اسرائيل في 1948 و"انتصارها" على الجيوش العربية مجتمعة، ان تستغل الفرصة التاريخية الوحيدة التي اتيحت لها حينذاك لاثبات "رغبتها بالسلام"، والعيش المشترك مع الفلسطينيين، بأن تعمل لتجميع بضعة مليارات من الدولارات لاقامة دولة فلسطينية متطورة الى جانب الدولة اليهودية، ولاستيعاب جميع اللاجئين الفلسطينيين في الدولتين، ولايجاد السبل المباشرة وغير المباشرة لمساعدة الدول العربية المحيطة بها على التقدم الاقتصادي والاجتماعي، ولو بهدف تخدير شعوب هذه الدول واشعارها بـ"الرغبة السلمية" لليهود وبـ"فائدة" وجود اسرائيل للمنطقة. ولكن اسرائيل "فوتت" على نفسها هذه الفرصة ليس لانها لا تستطيع، بل لانها لا تريد. فهي لم توجد لحل "المسألة اليهودية"، ولتأمين "توطين اليهود" بين العرب، كما تزعم ابواق الصهيونية والستالينية، بل وجدت كـ"آلة قتل" واذلال وتمزيق للعرب، من اجل صرفهم عن الالتفات الى بناء دولة عربية موحدة زاهرة، ولو كانت صديقة للغرب كالسعودية ودول الخليج، دولة تستغل الثروات والقدرات العربية، واولها النفط، لبناء اقتصاد متطور ومجتمع متقدم وزاهر. وبوجود هذه "الآلة قتل" استمرت ابادة العرب وتمزيق الصفوف العربية وزرع الشقاق بين الدول العربية، من اجل افقار العرب ونهب خيراتهم وتكديس فوائد عائدات النفط في البنوك الاميركية (اي عمليا: اليهودية) التي بلغت حتى الان، كما تقول بعض الارقام المنشورة صحفيا، اكثر من 3000 مليار دولار.
وأقصى ما يمكن ان تقدمه اسرائيل لسوريا في هذه المفاوضات هو نسخة سورية عن "كامب دايفيد" التي وقعها انور السادات. ولكن نظرا للفوارق الكبيرة، من وجهة نظر ستراتيجية، بين مصر السادات وسوريا الاسد، وبين سيناء والجولان (سيناء، مع التفوق الجوي الاميركي ـ الاسرائيلي، هي مقبرة لاي جيش مصري، اما الجولان ولو كان بيد رعاة ماشية سوريين فهو لعنة قاتلة لاسرائيل) فإن اسرائيل تريد من النظام السوري ان يقدم لها "عربونا" لاي تنازل من جانبها، "عربونا" يؤكد الانخراط التام للنظام السوري في مشروع توسيع الهيمنة الاسرائيلية من النيل الى الفرات، وهذا "العربون" هو الان: رأس السيد حسن نصرالله خاصة وحزب الله عامة. اي مثلما وافقت اسرائيل في السابق على دخول النظام السوري الى لبنان، مقابل تخليصها من كمال جنبلاط وموسى الصدر والحركة الوطنية العلمانية والحركة الشيعية والمقاومة الفلسطينية في لبنان، فإنها تريد الان، مقابل اي تنازل في الجولان، تخليصها من حالة المقاومة في لبنان بقيادة حزب الله. وقد لاحت تباشير هذه الصفقة الاسرائيلية ـ السورية المحتملة في "علامتين": الاولى ـ اغتيال المناضل الشهيد عماد مغنية في دمشق؛ والثانية ـ اقتراح سمير جعجع في الدوحة ارسال "قوات عربية" (اي عمليا: سورية) من جديد الى لبنان، ستكون مهمتها الاولى والوحيدة تصفية حزب الله تحت ستار بسط سيادة "الدولة اللبنانية" على كامل الارض اللبنانية. وكأنما سيادة اي دولة عربية لا تكون الا بالقضاء على اعداء اسرائيل وبدوس اي مظهر للكرامة العربية بوجه اسرائيل!
ـ3ـ تركيا: ان القبيلة المتوحشة التركية القديمة، التي كان يسود فيها نظام اقطاعي ـ عسكري، يعيش على الغزو والسلب والنهب والسبي وبيع الحريم والغلمان، الروس والبلغار والارمن والاغريق الذين كان يتم سبيهم، هذه القبيلة دخلت فيما مضى في الاسلام ليس عن ايمان بل لغايات مصلحية انتهازية، في تعاون تام مع "ابناء عمومتها" اليهود الخزر، ومع اليهود عموما الذين كانوا يقبضون على اعنة التجارة، وخصوصا تجارة العبيد والحريم، في الدولة العربية ـ الاسلامية. وفي البدء خدم العسكريون الاتراك اسيادهم من الحكام العرب "المسلمين!" المترهلين، بإذعان و"اخلاص"؛ ولكن لما قويت شوكة العسكريين "المسلمين!" الاتراك انقلبوا على اولياء نعمتهم من الطبقة الحاكمة العربية المترهلة، واقاموا السلطنة العثمانية، وفتحوا البلاد العربية وحكموا العرب مئات السنين بالسوط والخازوق التركي، انما ...باسم "الاسلام!"، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه. وحينما سقط هذا الاستغلال التركي لـ"الاسلام!"، ولم يعد ذا جدوى، عمد اليهود الدونمه (ومنهم مصطفى كمال اتاتورك) وماسونيو "تركيا الفتاة" الى الكشف عن "الوجه التركي" الاستغلالي بشكل جديد، وسبقوا الشريف حسين وغيره من الحكام العرب (بمن فيهم الزعماء المسيحيين اللبنانيين) الى كسب "صداقة" الدول الاستعمارية، فرفعوا لواء "التغريب" و"معاداة الاسلام"، ومنعوا الطربوش ولبسوا البرنيطة، ولكن الرأس "التركي الاستغلالي" بقي هو ذاته، وتحولت "تركيا الاتاتوركية" الى ركيزة اساسية للحلف الاطلسي و"الصديق الاستراتيجي" الاقرب لاسرائيل بعد اميركا.
واليوم تعود تركيا لاستخدام "الورقة الاسلامية!" من جديد، من اجل الوقوف بوجه التيار الشعبي الاسلامي الصادق (العربي والايراني) المعادي للامبريالية والصهيونية، ومن اجل تأمين المصالح الاستعمارية والتوسعية التركية، بالتناغم والتنسيق والتفاهم التام مع الامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية. واذا كانت تركيا "الاسلامية!" الجديدة المزيفة لا تستطيع او غير مطلوب منها (الان على الاقل) الاصطدام بإيران، واذا كانت اميركا موجودة في العراق و"تقوم باللازم!" هناك، فتبقى "منطقة الفراغ" و"الحلقة الاضعف" والانسب للتدخل "الاسلامي(!!!) التركي": سوريا.
ومدخل "الوساطة التفاوضية" بين سوريا واسرائيل، هو افضل مدخل ظاهري، لذر الرماد في العيون. ولكن من السخف ان يعتقد احد ان تركيا تدخل كـ"وسيط" "صديق للطرفين" كما تدعي، بل هي تدخل كقوة تهديد وابتزاز لسوريا: تهديد مسلح، تهديد بقطع مياه الفرات، تهديد بقطع الطرق البرية والبحرية والجوية الى اوروبا، تهديد بالورقة الكردية. علما ان اكراد تركيا وسوريا هم ابناء قبائل واحدة، خلافا لاكراد تركيا والعراق. وقد قدم النظام السوري منذ سنوات "عربون" التسليم للتهديدات التركية: اولا ـ بابعاد عبدالله اوجلان من سوريا؛ وثانيا ـ بالتناسي التام للواء الاسكندرون الذي تغتصبه تركيا.
واذا ما سار مشروع "الصفقة الاسرائيلية ـ السورية" كما يشتهي مهندسوها، فإن تركيا ستلعب دور "الضامن" لاستمرار "الصفقة" في الحالتين:
ـ في حال الاذعان: اجبار النظام السوري على قبول والتنفيذ المستمر للاملاءات الاسرائيلية والاميركية، ايا كانت؛ والا...؛
ـ وفي حال قيام "اي عقبة" سورية (كانقلاب او هبة شعبية وما اشبه) يكون مشروع تمزيق سوريا جاهزا: دولة "درزية" تمتد من ساحل الشوف الى حوران وتشمل الجولان؛ ودولة "مسيحية" تمتد من جبل لبنان وتشمل وادي النصارى وحمص؛ ودولة "سنية" في اواسط سوريا برعاية تركيا؛ ومنطقة الجزيرة وربما حلب تضمها تركيا الى اراضيها، ودولة علوية يضم اليها بضع ملايين من طائفة "العلي الهي" التركية!
واذا كانت "المفاوضات" الصورية والتطورات اللاحقة ستتطلب من اسرائيل الموافقة على الانسحاب من الجولان، تحت اي صيغة كانت، فهي ـ اي اسرائيل ـ لا تثق مطلقا بعودة الجيش العربي السوري الى الجولان، تحت اي ظرف كان. ولكي تضمن "امنها"، ستطلب اسرائيل حتما توضيع "قوات سلام!" في الجولان. ومن المستبعد ان تكون "قوات السلام!" المفترضة في الجولان من دول "محايدة" اوروبية وغيرها، لانها ستكون قوات "ضعيفة" واسرائيل ذاتها لن تقبل بها. ومن المستبعد كذلك ان تكون قوات "اميركية" لانها ستصبح هدفا سهلا للمقاومة في لبنان وسوريا وفلسطين معا. والارجح ان تكون "قوات السلام!" المفترضة "اسلامية!"، اساسا: تركية، ويمكن ان تضاف اليها قوات باكستانية وما اشبه. وبذلك تتحول سوريا فعليا الى "محمية تركية" وقاعدة للحلف الاطلسي ولكن بوجه "اسلامي!" شقيق!!!. وبوجود "قوات سلام" تركية، وربما باكستانية، في سوريا، وبالتنسيق مع الحكم العميل في العراق، يبعث من جديد "حلف بغداد" القديم، الذي يمكن ان يضم كبداية: تركيا، سوريا، العراق، باكستان وافغانستان. وتكون تركيا هي همزة الوصل بينه وبين "الحلف الاطلسي"، لتطويق روسيا والصين، من جهة، زالاحتفاظ بالهيمنة الاميركية على اوروبا الغربية من جهة اخرى.
XXX
في الخمسينات كان "حلف بغداد"، وامتداده اسرائيل، يطبـِق على سوريا من الشرق (العراق وايران الملكيان) والشمال (تركيا) والجنوب، والغرب (محاولة حكم شمعون ضم لبنان الى حلف بغداد). ولكن المد القومي في سوريا، والانتفاضة الشعبية في لبنان، وثورة 14 تموز 1958 في العراق، اسقطت "حلف بغداد" القديم.
فهل ستستطيع المخططات الاميركية ـ الاسرائيلية ـ التركية الجديدة ان تحقق الان ما عجزت عن تحقيقه قبل خمسين سنة؟!
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
* كاتب لبناني مستقل

جورج حداد
27/05/2008, 09:07 PM
جورج حداد*

الى جانب ـ قبل او بعد بدء ـ "الحوار اللبناني" في الدوحة، كان يتحرك ايضا مكوك حوار آخر سوري ـ اسرائيلي، "غير مباشر"، عبر "وسيط" او "فاعل خير" تركي (طبعا "شقيق"!).
واذا كان من الصحيح ان الدول ليست جمعيات خيرية، وان السياسة ليست مجرد "نوايا"، حسنة او سيئة، بل تعبير عن مصالح وشكل من اشكال واساليب تطبيق تلك المصالح؛ فعلينا ان ننظر الى هذا الواقع او هذه الواقعة (fact) الجديدة على الارض بنظرة واقعية ستراتيجية، سياسية وعسكرية، بعيدا عن العواطف المسبقة والمواقف القــَبـْلية، تجاه كل من الاطراف المعنية: سوريا، اسرائيل وتركيا. وما قد تريده كل منها من الدولتين الاخريين.
ـ1ـ سوريا: تعود جذور نشوء النظام السوري الحالي الى 5 حزيران 1967، او ما اطلق عليه حينذاك تلك التسمية الكاذبة "حرب الايام الستة"، علما انها كانت "حربا" من طرف واحد، دامت لا اكثر من ست ساعات (كعمليات حربية) من طرف واحد كما اسلفنا، وبقية الوقت انشغل فيه الجيش الاسرائيلي في الانتشار، في الوقت الذي انشغل فيه الدبلوماسيون الاسرائيليون في انتظار اعلان الجانب العربي الموافقة على "وقف اطلاق النار" (اي الاستسلام بلا قيد ولا شرط) لانه، اي الجانب العربي، لم يطلق النار اصلا؛ ويومها برر الزعيم جمال عبدالناصر حسين الموافقة على وقف اطلاق النار، بـ"ان الطريق الى القاهرة اصبحت مفتوحة". وهذا يدل على مدى "ثقة" ذلك الزعيم الصوري بالجماهير التي كانت تؤيده. في صبيحة ذلك اليوم، ومع بدء قصف المطارات السرية المصرية، التي كانت اسرائيل حصلت على كل خرائطها مسبقا من مكتب طيب الذكر المشير الاعظم عبدالحكيم عامر؛ ولم تكن معركة الجولان قد فتحت بعد، اعلن وزير الدفاع السوري اللواء (او ما اشبه ذلك حينذاك) حافظ الاسد امرا بالانسحاب الكيفي للـ70 الف جندي سوري الذين كانوا يتحصنون في الجولان وفي ايديهم من الاسلحة السوفياتية ما يكفي لتدمير ثلاثة ارباع اسرائيل، وللصمود اشهر حتى ضد هجوم ذري او نووي اسرائيلي ـ اميركي. والانسحاب الكيفي يعني ان كل جندي وضابط لم يعد يخضع للانضباط في الجيش، بل فردا منفردا عليه ان يجد طريقه الى بيته بالطريقة التي يراها مناسبة، وان يراجع لاحقا قيادته المعنية او قيادة الاركان حينما تسنح له الفرصة. ومنطقة العرقوب (شبعا وكفرشوبا وكفر حمام الخ) وسفوح جبل الشيخ اللبنانية هي محاذية تماما للجولان. ولا يزال يوجد على قيد الحياة الوف الشيوخ اللبنانيين الذين جاوزوا الخمسين من ابناء هذه المنطقة، من الذين عايشوا ذلك "اليوم العربي الأغر"، حينما كان صوت احمد سعيد يلعلع في كل الارجاء. ويمكن لاي مركز ابحاث يهمه "التاريخ المشرّف" للانظمة العربية عامة، وللنظام السوري خاصة، ان يرسل بعض باحثيه، ويسأل اولئك الشيوخ عما جرى في ذلك اليوم. وسيسمع مئات الحكايات كيف كان الجنود والضباط السوريون يصلون فرادى الى الاراضي اللبنانية مشيا على الاقدام، وحينما يصادف احدهم اي مزارع او راعي ماعز او غنم او بقر، يتقدم منه بالسلام ويطلب شربة ماء ويخلع حذاءه وملابسه العسكرية ويقدمها مع سلاحه الفردي لذلك المزارع او الراعي، مقابل ان يدبر له قميصا وبنطلونا وحذاء مدنيا، حتى يخفي صفته العسكرية، لان هذا الجندي او الضابط الذي اسودت الدنيا في عينيه بعد تلقيه امر الانسحاب الكيفي، كان يخشى ان يقع في ايدي عناصر "الكتائب" اللبنانية الموالية لاسرائيل، او حتى في ايدي رجال القوات المسلحة اللبنانية التي لا يثق بها، ويخشى ان يقوموا بتصفيته الجسدية فورا او تسليمه لاسرائيل. وفي هذا الوقت كان ليفي اشكول يتنزه في الجولان وهو لا يصدق عينيه، ويرفض الرد على المكالمات الهاتفية حتى لا تأتيه قرارات من الامم المتحدة بوقف الانتشار. وفي هذا الوقت اعلن محافظ القنيطرة السيد عبدالحليم خدام سقوط المدينة قبل ان يصل اليها اي جندي اسرائيلي بيومين او ثلاثة. وكان ذلك "اليوم العربي الأغر" يوم عز لصغار تجار الاسلحة الفردية المحليين، الذين اشتروا الوف قطع السلاح الفردية العائدة للجنود السوريين المنسحبين (يقدرها بعض ابناء المنطقة بـ15ـ20 الف قطعة)، وقد بيعت كلها لاحقا للكتائب والقوات اللبنانية وجماعة سعد حداد ـ انطوان لحد، عملاء اسرائيل. وخلاصة القول ان الجولان تم تسليمه لاسرائيل يدا بيد بدون قتال.
وينبغي للمرء ان يكون غبيا غباء مطلقا حتى يعتقد ان هذا حدث "بالصدفة"، وبدون "مفاوضات ما" مسبقة وبواسطة "وسيط ما" بين اسرائيل من جهة، ومن يلزم من المسؤولين السوريين من جهة ثانية. واذا اخذنا الامور بخواتيمها العملية، فإن محور تلك "المفاوضات" كان كما يلي: اعطوا الجولان لاسرائيل، وخذوا انتم سوريا (اي خذوا الحكم في سوريا)!
ونحن نعلم من تاريخ حزب البعث، ان البعثيين الشرفاء (كالشهيد البطل "الاخضر العربي" امين سعد، ورفاقه) الذين حاولوا استرجاع الجولان بواسطة المقاومة ("طلائع حرب التحرير الشعبية ـ قوات الصاعقة" الخ) قد استشهدوا في المواجهة مع اسرائيل (ولم يحل غيرهم محلهم) او تمت تصفيتهم جسديا كما صفي قائد "الصاعقة" المرحوم زهير محسن، او "تختخت" عظامهم في "السجون الرفاقية" في سوريا. اما الذين سلموا الجولان في 1967 فقد اصبحوا هم حكام سوريا في 1970! ولكنهم الان منقسمون بين "معسكر النظام الدكتاتوري" و"معسكر المعارضة الدمقراطية" في سوريا!
ان ما يهم البيروقراطية الحزبية ـ العسكرية (داخل النظام وفي "المعارضة") التي حكمت سوريا كل هذه العقود هو السلطة ومكاسب السلطة، طبعا تحت ستار كثيف من الديماغوجية "العروبية" و"التحررية" و"التقدمية" وحتى "الاشتراكية" ولماذا لا تضاف اليها "الدمقراطية" و"الاسلامية"، تماما على طريقة الديماغوجية الستالينية.
وينبغي للمرء ان يكون ايضا اكثر من غبي غباء مطلقا، حتى يصدق ان اسرائيل يمكن ان تعيد الجولان، الا اذا كانت ستأخذ (هي وحلفاؤها الستراتيجيون) ما هو اكثر من الجولان. والارجح ان محور الصفقة سيكون الان: خذوا الجولان (شكليا!)، كي تحفظوا ماء وجوهكم وسلطتكم، واعطونا سوريا كلها، اي بما فيها الجولان (عمليا!)، كي نحفظ امن اسرائيل ومصالحنا. وربما تشمل هذه "الصفقة" اجراء عملية تجميل للنظام، كمصالحة "وطنية" مع المعارضة، واجراء انتخابات تعددية، لاضفاء طابع "دمقراطي" على الطريقة الاميركية على النظام.
ـ2ـ اسرائيل: من هو الغبي الذي يعتقد ان اسرائيل اصبحت "دولة عربية!" كي تتنازل عن الجولان، فرضا، بواسطة المفاوضات، اي بدون قتال، كما اخذته بدون قتال؟!
عندما وافق ستالين (وفي خيانة سافرة للفكر الاشتراكي العلمي وللثورة العالمية وللتضامن الاخوي بين الشعوب) على قرار تقسيم فلسطين واقامة دولة اسرائيل في 1947، برر الشيوعيون الستالينيون تلك الخيانة، بضرورة حل "المسألة اليهودية" التي اعتبروها "مسألة قومية"، وان "الشعب اليهودي" هو ضحية للنازية، مثلما الشعب الفلسطيني هو ضحية للاستعمار البريطاني، وانه يجب ايجاد حل وسط للتعايش بين "الشعبين": العربي الفلسطيني واليهودي، بانشاء دولتين على ارض فلسطين التاريخية. ولا يزال الشيوعيون الستالينيون امثال الاستاذ فؤاد النمري يؤمنون بهذا الطرح المنافي للعلم والتاريخ والاخلاق وحقوق الانسان وحقوق الامم. ولكن التاريخ القديم والحديث يثبت ان اليهودية ليست "قومية" او "شعبا"، بل "مافيا" لا اكثر ولا اقل. مثل المافيا الصقلية ـ الايطالية في نيويورك. ومثل "المافيا الشيشانية" التي كانت معششة في موسكو، وحينما طردت من موسكو اخذت "الشعب الشيشاني" المظلوم رهينة. ومثل "المافيا الالبانية" التي تأخذ الان شعب كوسوفو المظلوم رهينة. فاذا كان بالامكان اعتبار "المافيا" الايطالية ـ الصقلية، او "المافيا الشيشانية" او "المافيا الالبانية": "امة" و"قومية" و"شعبا"، يمكن اعتبار اليهود واسرائيل كذلك. ولنجر مقارنة بين الارمن الذين ذبحهم الطورانيون الاتراك في 1915 ـ 1922، وبين اليهود الذين ذبحهم هتلر في الحرب العالمية الثانية. كيف تصرف الارمن اللاجئون في البلاد العربية؟ تصرفوا فعلا كشعب مظلوم. فأخلصوا للارض التي احتضنتهم، وللناس الذين اجاروهم. وبدون ان يتخلوا عن هويتهم وثقافتهم الارمنية أخلصوا للبلاد التي حلوا فيها. اما "المافيا الشيشانية" و"المافيا الالبانية" فتتصرفان كعملاء لاميركا والحلف الاطلسي. واما "اللاجئون اليهود المساكين!" الهاربين من وجه هتلر، فتصرفوا في فلسطين كغزاة وكعصابات قتل ونهب وسلب، واستباحة المال والحلال واغتصاب الارض والعرض. وطوال الستين سنة الماضية اثبتت اليهودية ليس فقط انحطاطها الاخلاقي الذي ليس بعده انحطاط، بل وغباءها المطبق الناشئ عن عنجهيتها المطلقة. فقد كان بامكان اليهودية العالمية ذات الامكانيات الهائلة، خصوصا بعد اعلان اسرائيل في 1948 و"انتصارها" على الجيوش العربية مجتمعة، ان تستغل الفرصة التاريخية الوحيدة التي اتيحت لها حينذاك لاثبات "رغبتها بالسلام"، والعيش المشترك مع الفلسطينيين، بأن تعمل لتجميع بضعة مليارات من الدولارات لاقامة دولة فلسطينية متطورة الى جانب الدولة اليهودية، ولاستيعاب جميع اللاجئين الفلسطينيين في الدولتين، ولايجاد السبل المباشرة وغير المباشرة لمساعدة الدول العربية المحيطة بها على التقدم الاقتصادي والاجتماعي، ولو بهدف تخدير شعوب هذه الدول واشعارها بـ"الرغبة السلمية" لليهود وبـ"فائدة" وجود اسرائيل للمنطقة. ولكن اسرائيل "فوتت" على نفسها هذه الفرصة ليس لانها لا تستطيع، بل لانها لا تريد. فهي لم توجد لحل "المسألة اليهودية"، ولتأمين "توطين اليهود" بين العرب، كما تزعم ابواق الصهيونية والستالينية، بل وجدت كـ"آلة قتل" واذلال وتمزيق للعرب، من اجل صرفهم عن الالتفات الى بناء دولة عربية موحدة زاهرة، ولو كانت صديقة للغرب كالسعودية ودول الخليج، دولة تستغل الثروات والقدرات العربية، واولها النفط، لبناء اقتصاد متطور ومجتمع متقدم وزاهر. وبوجود هذه "الآلة قتل" استمرت ابادة العرب وتمزيق الصفوف العربية وزرع الشقاق بين الدول العربية، من اجل افقار العرب ونهب خيراتهم وتكديس فوائد عائدات النفط في البنوك الاميركية (اي عمليا: اليهودية) التي بلغت حتى الان، كما تقول بعض الارقام المنشورة صحفيا، اكثر من 3000 مليار دولار.
وأقصى ما يمكن ان تقدمه اسرائيل لسوريا في هذه المفاوضات هو نسخة سورية عن "كامب دايفيد" التي وقعها انور السادات. ولكن نظرا للفوارق الكبيرة، من وجهة نظر ستراتيجية، بين مصر السادات وسوريا الاسد، وبين سيناء والجولان (سيناء، مع التفوق الجوي الاميركي ـ الاسرائيلي، هي مقبرة لاي جيش مصري، اما الجولان ولو كان بيد رعاة ماشية سوريين فهو لعنة قاتلة لاسرائيل) فإن اسرائيل تريد من النظام السوري ان يقدم لها "عربونا" لاي تنازل من جانبها، "عربونا" يؤكد الانخراط التام للنظام السوري في مشروع توسيع الهيمنة الاسرائيلية من النيل الى الفرات، وهذا "العربون" هو الان: رأس السيد حسن نصرالله خاصة وحزب الله عامة. اي مثلما وافقت اسرائيل في السابق على دخول النظام السوري الى لبنان، مقابل تخليصها من كمال جنبلاط وموسى الصدر والحركة الوطنية العلمانية والحركة الشيعية والمقاومة الفلسطينية في لبنان، فإنها تريد الان، مقابل اي تنازل في الجولان، تخليصها من حالة المقاومة في لبنان بقيادة حزب الله. وقد لاحت تباشير هذه الصفقة الاسرائيلية ـ السورية المحتملة في "علامتين": الاولى ـ اغتيال المناضل الشهيد عماد مغنية في دمشق؛ والثانية ـ اقتراح سمير جعجع في الدوحة ارسال "قوات عربية" (اي عمليا: سورية) من جديد الى لبنان، ستكون مهمتها الاولى والوحيدة تصفية حزب الله تحت ستار بسط سيادة "الدولة اللبنانية" على كامل الارض اللبنانية. وكأنما سيادة اي دولة عربية لا تكون الا بالقضاء على اعداء اسرائيل وبدوس اي مظهر للكرامة العربية بوجه اسرائيل!
ـ3ـ تركيا: ان القبيلة المتوحشة التركية القديمة، التي كان يسود فيها نظام اقطاعي ـ عسكري، يعيش على الغزو والسلب والنهب والسبي وبيع الحريم والغلمان، الروس والبلغار والارمن والاغريق الذين كان يتم سبيهم، هذه القبيلة دخلت فيما مضى في الاسلام ليس عن ايمان بل لغايات مصلحية انتهازية، في تعاون تام مع "ابناء عمومتها" اليهود الخزر، ومع اليهود عموما الذين كانوا يقبضون على اعنة التجارة، وخصوصا تجارة العبيد والحريم، في الدولة العربية ـ الاسلامية. وفي البدء خدم العسكريون الاتراك اسيادهم من الحكام العرب "المسلمين!" المترهلين، بإذعان و"اخلاص"؛ ولكن لما قويت شوكة العسكريين "المسلمين!" الاتراك انقلبوا على اولياء نعمتهم من الطبقة الحاكمة العربية المترهلة، واقاموا السلطنة العثمانية، وفتحوا البلاد العربية وحكموا العرب مئات السنين بالسوط والخازوق التركي، انما ...باسم "الاسلام!"، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه. وحينما سقط هذا الاستغلال التركي لـ"الاسلام!"، ولم يعد ذا جدوى، عمد اليهود الدونمه (ومنهم مصطفى كمال اتاتورك) وماسونيو "تركيا الفتاة" الى الكشف عن "الوجه التركي" الاستغلالي بشكل جديد، وسبقوا الشريف حسين وغيره من الحكام العرب (بمن فيهم الزعماء المسيحيين اللبنانيين) الى كسب "صداقة" الدول الاستعمارية، فرفعوا لواء "التغريب" و"معاداة الاسلام"، ومنعوا الطربوش ولبسوا البرنيطة، ولكن الرأس "التركي الاستغلالي" بقي هو ذاته، وتحولت "تركيا الاتاتوركية" الى ركيزة اساسية للحلف الاطلسي و"الصديق الاستراتيجي" الاقرب لاسرائيل بعد اميركا.
واليوم تعود تركيا لاستخدام "الورقة الاسلامية!" من جديد، من اجل الوقوف بوجه التيار الشعبي الاسلامي الصادق (العربي والايراني) المعادي للامبريالية والصهيونية، ومن اجل تأمين المصالح الاستعمارية والتوسعية التركية، بالتناغم والتنسيق والتفاهم التام مع الامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية. واذا كانت تركيا "الاسلامية!" الجديدة المزيفة لا تستطيع او غير مطلوب منها (الان على الاقل) الاصطدام بإيران، واذا كانت اميركا موجودة في العراق و"تقوم باللازم!" هناك، فتبقى "منطقة الفراغ" و"الحلقة الاضعف" والانسب للتدخل "الاسلامي(!!!) التركي": سوريا.
ومدخل "الوساطة التفاوضية" بين سوريا واسرائيل، هو افضل مدخل ظاهري، لذر الرماد في العيون. ولكن من السخف ان يعتقد احد ان تركيا تدخل كـ"وسيط" "صديق للطرفين" كما تدعي، بل هي تدخل كقوة تهديد وابتزاز لسوريا: تهديد مسلح، تهديد بقطع مياه الفرات، تهديد بقطع الطرق البرية والبحرية والجوية الى اوروبا، تهديد بالورقة الكردية. علما ان اكراد تركيا وسوريا هم ابناء قبائل واحدة، خلافا لاكراد تركيا والعراق. وقد قدم النظام السوري منذ سنوات "عربون" التسليم للتهديدات التركية: اولا ـ بابعاد عبدالله اوجلان من سوريا؛ وثانيا ـ بالتناسي التام للواء الاسكندرون الذي تغتصبه تركيا.
واذا ما سار مشروع "الصفقة الاسرائيلية ـ السورية" كما يشتهي مهندسوها، فإن تركيا ستلعب دور "الضامن" لاستمرار "الصفقة" في الحالتين:
ـ في حال الاذعان: اجبار النظام السوري على قبول والتنفيذ المستمر للاملاءات الاسرائيلية والاميركية، ايا كانت؛ والا...؛
ـ وفي حال قيام "اي عقبة" سورية (كانقلاب او هبة شعبية وما اشبه) يكون مشروع تمزيق سوريا جاهزا: دولة "درزية" تمتد من ساحل الشوف الى حوران وتشمل الجولان؛ ودولة "مسيحية" تمتد من جبل لبنان وتشمل وادي النصارى وحمص؛ ودولة "سنية" في اواسط سوريا برعاية تركيا؛ ومنطقة الجزيرة وربما حلب تضمها تركيا الى اراضيها، ودولة علوية يضم اليها بضع ملايين من طائفة "العلي الهي" التركية!
واذا كانت "المفاوضات" الصورية والتطورات اللاحقة ستتطلب من اسرائيل الموافقة على الانسحاب من الجولان، تحت اي صيغة كانت، فهي ـ اي اسرائيل ـ لا تثق مطلقا بعودة الجيش العربي السوري الى الجولان، تحت اي ظرف كان. ولكي تضمن "امنها"، ستطلب اسرائيل حتما توضيع "قوات سلام!" في الجولان. ومن المستبعد ان تكون "قوات السلام!" المفترضة في الجولان من دول "محايدة" اوروبية وغيرها، لانها ستكون قوات "ضعيفة" واسرائيل ذاتها لن تقبل بها. ومن المستبعد كذلك ان تكون قوات "اميركية" لانها ستصبح هدفا سهلا للمقاومة في لبنان وسوريا وفلسطين معا. والارجح ان تكون "قوات السلام!" المفترضة "اسلامية!"، اساسا: تركية، ويمكن ان تضاف اليها قوات باكستانية وما اشبه. وبذلك تتحول سوريا فعليا الى "محمية تركية" وقاعدة للحلف الاطلسي ولكن بوجه "اسلامي!" شقيق!!!. وبوجود "قوات سلام" تركية، وربما باكستانية، في سوريا، وبالتنسيق مع الحكم العميل في العراق، يبعث من جديد "حلف بغداد" القديم، الذي يمكن ان يضم كبداية: تركيا، سوريا، العراق، باكستان وافغانستان. وتكون تركيا هي همزة الوصل بينه وبين "الحلف الاطلسي"، لتطويق روسيا والصين، من جهة، زالاحتفاظ بالهيمنة الاميركية على اوروبا الغربية من جهة اخرى.
XXX
في الخمسينات كان "حلف بغداد"، وامتداده اسرائيل، يطبـِق على سوريا من الشرق (العراق وايران الملكيان) والشمال (تركيا) والجنوب، والغرب (محاولة حكم شمعون ضم لبنان الى حلف بغداد). ولكن المد القومي في سوريا، والانتفاضة الشعبية في لبنان، وثورة 14 تموز 1958 في العراق، اسقطت "حلف بغداد" القديم.
فهل ستستطيع المخططات الاميركية ـ الاسرائيلية ـ التركية الجديدة ان تحقق الان ما عجزت عن تحقيقه قبل خمسين سنة؟!
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
* كاتب لبناني مستقل

عليان محمود عليان
17/08/2008, 09:40 AM
قبل ثلاث وخمسين سنة مضت كانت التوجهات الاستعمارية تستهدف السيطرة سياسيا وعسكريا على المنطقة العربية من خلال اقامة احلاف عسكرية ، وكان من بينها محاولات اقامة حلف بغداد ليكون جزءا مكملا من المعاهدة المركزية التي كانت تضم (تركيا-ايران- باكستان) وكانت بغداد يومها تدار من قبل نوري السعيد، ولكن ولاسباب كثيرة سقط حلف بغداد،. وبعد ثمانية واربعين سنة اعيد ملف الاحلاف من جديد ، وظلت القوى الكبرى كما هي ،وتراجعت حركة النهوض القومي والوطني العربي، فسقطت بغداد، وجاء الزحف الاجنبي من جديد، واخذت القوى القديمة الحديثة تتسابق في كيفية السيطرة، لكن الجديد في المشهد السياسي وجود تشتت قومي وتدمير وطني للكيانات السياسية العربية، وتشرذم سياسي، والصراع بين ابناء البلد الواحد للوصول الى كرسي الحكم، بغض النظر عن الثمن الذي سيدفعه الوطن.

نصر بدوان
17/08/2008, 11:08 AM
كلام ولا في الأحلام

بس معقول ومقبول

ولكن لن يتم بهذه السهولة,

ستكون هناك فوضى عارمة

تأكل الأخضر واليابس

وأول ما ستأكله هم اللاعبين الكبار

لأن الأمور الآن على شفا بركان

انظر للعراق باكستان افغانستان اليمن الصومال السودان الجزائر لبنان فلسطين

أعتقد أن الشعلة في طريقها إلى تركيا ايران سوريا

حتى يكتمل المشهد.