المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من سير الرحلات والرسائل / أوراق جزائرية



سها جلال جودت
25/06/2008, 12:02 AM
أوراق جزائرية
من سير أدب الرحلات والرسائل
بقلم سها جلال جودت

الأستاذ الدكتور عبد الرحمن تبرماسين
وتبدأ الحكاية...
ترفرف عصافير القلب نشوى برسالة أستاذ جامعي ناقد، صاحب بصيرة نافدة ورؤيا جامعة..
سعادة المرء تكمن من منظور إيماني بالعلائق الاجتماعية الأدبية الإبداعية التواصلية حين نتشارك مع بعضنا لنزين حروف الأبجدية بكل ما هو مضيء ومشع إشعاع القمر لحظة اكتماله...
العزيز الوسيم
سألت عن الاسم الذي سقط سهواً من الرسالة الأولى التي وصلتني كي تطمئن على وصولي إلى مسقط رأسي في حلب الشهباء عروس الشمال السوري، وصلتني رسالتك بلا اسم ربما لذكاء من سمو مقامك الموقر لتستدل من خلال ورقتك الافتراضية على أنني ما أزال أحتفظ بالاسم والعنوان.
الدكتور الموقر
ما أعرفه عن نفسي وهذا ما عرفه عني من عاشر تواصلي مع الكلمة والحرف أنني لا أنسى ولا أغفل وجهاً ابتسم في وجهي أو خاطبني برحيق الكلمة المعصورة من خلاصة الاحترام، فكيف إذا كنت ممن توسمت في وجهه الطيب كلّ الطيب إضافة إلى وقار له في ذاكرتي مقام خاص.
وبدأت حكاية رحلتي تتفتح أوراقها الزكية العبقة بكل ما قدمه الأخوة، الأخوات في الجزائر الشقيق بلد المليون ونصف المليون شهيد، من أصالة ورقي في التعامل وحسن الضيافة وجميل الكرم.
ولأعترف الآن أنك الورقة الأولى التي سأفتتح بها أحلامي وأشجاني وسويعات قلقي وفرحي وارتباكي من مخاوفي وفي هذا حكاية أخرى قد تضيف لأدب الرحلات أو المذكرات حقيقة صادقة علينا ألا نخشى من البوح عنها لما تحمله من رصد لدواخلنا الإنسانية المرتبطة بالقلق والشعور بالخوف حين نغادر أمكنتنا أو نحط الرحال في أماكن أخرى، أضف إلى ذلك أشياء أخرى سأحكي عنها في ورقات أخر تكون جديدة بملامحها ومشاعرها ...
سيدي سأتوقف هنا بعض وقت وأعود ربما كي أجمع شتات ذكرياتي التي تحار من أين ستبدأ ..؟!
الاحترام والتقدير


سيدتي المحترمة الفاضلة سها جلال جودت
رسالتك هذه تجعلني أوقف كل أعمالي وكل مشاريعي الأكاديمية إن لم أوقف الزمن لأقرأ لك، فلغتك رهيبة وشاعرية تأسر كل متذوق للجمال والفن.
سيدتي من طبعي التواصل والوفاء وخير الوفاء السؤال عمن نكن له التقدير والاحترام، فما بالك إن كان في درجة الأنبياء. فأنت بلغة أهل الإبداع نبية لأنك كاتبة وفنانة بليغة، ومن بلد نعزه ونجله ونقدره ونحبه كل الحب، بلد امتزج تاريخه بتاريخنا بلد لا يفصلنا عنه أي شيء. ألا يطل على المتوسط مثل بلدنا؟ فنحن متجاوران بالطبيعة واللغة والدين والتاريخ.
سيدتي أنا لست فنانا مثلك وإن كان الفن يأسرني فلا تأخذي عليََ فعباراتي عبارات قارئ ليس إلا.
سيدتي المحترمة حين أقرأ الرواية ينبثق السؤال...
سيدتي إلى حين ،، مع فائق الاحترام والتقدير ودمت أديبة متألقة
المخلص: عبد الرحمن تبرماسين

بداية الحكاية
عندما وصلت مدينتي حلب الشهباء تنسمت عبير الهواء الذي اشتقت إليه، هذا الهواء الذي مسح دموعي وهو يستقبل معي وجه أخي الحبيب جودت وحفيدتي ميرام وابنتي الحنون ايناس، ياله من موقف شاعري أن تجد نفسك تقف وجهاً لوجهٍ مع الحب الحقيقي لروابط وأواصر صلة القربى من الرحم..!!

لم تنته ذكرياتي بعد، ففي البيت كانت آخر العنقود تنتظرني على سلالم الدرج من أطلقت على اسمها مامعناه قطرات المطر الخفيف "رهام"، قبلات وأسئلة وأجوبة ودموع فرح، بينما كانت، من حكمة خير الأمور أوسطها، أي ابنتي الوسطى حلا التي كانت منهمكة في تحضير طعام الفطور من أجل عودتي حيث طبخت "المامونية" ورتبت صحون الفول المغمس بالحمض والطحينة إضافة إلى الجبن والزيتون وكؤوس الشاي، تنتظرني بشوق أعرفه من نظرات عينيها اللائبة دائماً على احتضان الحنان.

كان التعب قد حلّ بي من سفر طويل لكنه ممتع وجميل، وكان عليّ أن اتصل بأمي المحيط الغامر من الحنان والذوق، حقيقة إذا فكرت يوماً في أن أمنح شهادة تقدير كبيرة للحنان والذوق فإنما أمنحها إلى أمي، هذه الأم التي أعجز عن وصفها ولا أوفيها حقها فيما علمتنا إياه من كرم وحسن في التعامل في السفر والإياب، خاصة أن لي أختين واحدة تعمل في بلغاريا مع زوجها وأخرى مقيمة مع زوجها في المملكة العربية السعودية بحثاً عن عمل أفضل من أجل مستقبل أفضل لأولادهما.

في المساء فتحت البريد الخاص بي على الشابكة، كالعادة كانت الرسائل هذه المرة بالمئات مكومة في علبتها الواردة تنتظرني، وكان علي أن ألقي بها إلى المحذوفات، إشكالية كبيرة نعاني منها، ما هب ودب من المواقع الإلكترونية ترسل لك بروابطها، وعليك أن تتحمل مشكلة ضياع الوقت في استقبال الرسائل لتحظى برسالة تبلّ ريقك وتسعد قلبك.

قرأت كلمة سلام وقد كتبت بالحروف الأجنبية "salam" ، كانت فرحتي غامرة حين قرأت رسالتك :

"سيدتي الفاضلة المحترمة سها جلال جودت
سلام الله عليك
أتمنى أن تكوني قد سعدت بوجودك في بلادك الجزائر، واستمتعت بسطيف وأجوائها الجميلة، وأن تكوني قد وصلت إلى ذويك في صحة جيدة، وأن تكون انطباعاتك على الجزائر وأهل الجزائر في المستوى الذي كنت تتوقعينه.
سيدتي حين أنتهي من قراءة الرواية سأفيدك بذالك
دمت في رعاية الله وحفظه ودامت سورية وشعب سورية في تألق مستمر
والسلام عليك ورحمة الله"

وقعت في حيرة من أمري، من كاتب هذه السطور؟ ولماذا أغفل الاسم ؟ فكتبت له هذه الرسالة:
"السيد المحترم
كل التقدير والاحترام لشخصك الكريم
مشاعري حول زيارتي للحبيبة الثانية الجزائر لا يمكن وصفها، ومما زاد هذا الحب وجود الوجوه الطيبة مع الكرم الأصيل
وللحديث بقية...
التقدير وخالص الود
سها جلال جودت
أرجو كتابة الاسم من طرفكم في المرة القادمة مع الشكر"


الإنسان بطبعه شكاك، وقلق، وكيلا أقع في حيرة من أمري ومن صاحب الرسالة فلقد تريثت وقررت أن أنتظر قبل أن أفكر في البحث عن اسم صاحب الرسالة من الأوراق التي حملتها معي وفيها "الإيميلات" والأسماء للتراسل من أجل ديمومة التواصل، لكن الرجل كان مهذباّ، ولبقاً، لم يهمل سؤالي، سرعان ما جاءني جوابه وقد حفل بالمطلوب، لأتذكر على الفور مهابة شخصه وهدوء حديثه وبسمة روحه، ومن هنا بدأت الحكاية ...
"عفوا سيدتي ظننت أني كتبت الاسم...
أنا الأستاذ الدكتور عبد الرحمن تبرماسين جارك في الغرفة، وإني معك في الصورة، وعنواني وهاتفي معك، وفي المساء كنت ألبس القميص العربي الجزائري.
المهم أنك وصلت إلى عائلتك الكريمة بصحة جيدة
مع التقدير والإخلاص لك ولكل سورية والسلام عليك ورحمة الله"