المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بطيخة حار في أمرها العرب



مبارك مجذوب المبارك
02/07/2008, 11:36 PM
افتتح رئيس الجلسة أعمال المؤتمر بالقول:
السادة الكرام... لعلمي ويقيني أن جلسات هذا المؤتمر ستسير كما يجب فقد جئت إلى هذه القاعة أيها السادة وأنا أضع في بطني بطيخة من الإنتاج الصيفي ابتهاجا بأننا سنبدأ ومن هذا اليوم الأغر مشوار الاتفاق، فطريق المليون ميل يبدأ ببطيخة واحدة، لقد أحضرنا أمامكم في هذه القاعة أيها السادة بطيخة أخرى ناضجة كخطوة ثانية في الطريق، ولا شك البتة في كونها حمراء، نحن لم نأت بها إلى هنا عبثا، بل لغرض نبيل، انتم تعلمون يا سادة إننا متهمون دائما بكوننا لا نتفق على شيء أبدا، و أننا غير ديمقراطيين، لقد اخترنا هذه المرة أن نثبت للعالم عكس ذلك تماما، لقد اخترنا الاتفاق على أن لون هذه البطيخة احمر، و بهذا سوف نرسل رسالة للعالم اجمع نبين فيها بجلاء تام أننا يمكن أن نتفق وأن اتفاقنا يمكن أن يتم بالوسائل الديمقراطية.
استطرد الرئيس قائلا:
- سنطرح أمامكم خيارين ديمقراطيين للتصويت عليهما، الخيار الأول هو أن هذه البطيخة حمراء وهو الخيار الذي أتوقع أن يصوت عليه الجميع بالإجماع، وهناك خيار آخر هو كونها بيضاء وقد تم وضعه بصورة رمزية تأكيدا لاحترامنا للرأي الآخر
قبل أن يكمل السيد رئيس الجلسة حديثه، قاطعه عضو قائلا:
- يا سيادة الرئيس ماذا لو وجدنا بداخل البطيخة لونا متدرجا لا هو بالأحمر البائن ولا هو بالأبيض البائن؟
استاء الرئيس من هذه المقاطعة، وسرت همهمة في القاعة باعتبار أن ما قاله العضو لا يعدو كونه نكتة لطيفة، ولكن إزاء تهديد العضو بالانسحاب من الجلسة ما لم يدرج لونه غير البائن إلى قائمة الألوان المطروحة للتصويت فقد تمت الموافقة علي أن تكون ألوان البطيخة المعروضة أمام القمة ثلاثة ألوان.
انتهز الفرصة عضو لم يقترح أي شيء منذ عدة قمم فقال:
- أنا اعترض على تحديد عدد الألوان بثلاثة، أرى أن العدد الصحيح هو أربعة ، لأننا قد نقطع البطيخة من منتصفها بالعرض فنجد احد نصفيها أبيض بالكامل ونصفها الآخر أحمر بالكامل وهذان النصفان لا شك أنهما ينعمان بالجوار دون أي مشاكل حدودية، وعليكم إدراج هذا التصور الجديد في قائمة المقترحات ولن اجلس ما لم يدرج!
تجاهل الأعضاء وقفة العضو، كما اعتادوا ومنذ دهور تجاهل أي وقفة، لأنه وببساطة واقف على قدميه وليس علي أقدامهم، لكنهم استهجنوا فكرة وجود جوار دون مشاكل حدودية، فهذا أمر لا يمكن أن يحدث ولا حتى في عالم البطيخ، وساد اللغط القاعة، غير أنهم اضطروا لإدراج اللون الجديد في قائمة الألوان عندما بدأ العضو في وضع حذائه على قدميه استعدادا للمغادرة وتم إدراج اقتراحه تحت مسمى اللون العرضي المتجاور الرابع
التقط فكرة الجوار الحدودي احد رؤساء الوفود، وكانت قد داهمته غفوة سريعة كما يداهم الوقت المتحدثين في البرامج الحوارية، خاف الرجل أن تفوته فرصة الحديث فامسك من فرط استعجاله بكوب الماء ظنا منه انه الميكروفون، مما حدا بأحد مرافقيه إلى الإسراع لتصحيح الموقف قبل أن تلتقط الكاميرات القنواتية اللعينة التفاصيل فتكرره كما تكرر أخبار الأسهم، ونصحه بشرب كوب الماء كله تفاديا لهذا الخطأ البروتكولي، أذعن رئيس الوفد فشرب الكوب إلى آخر قطرة رغم برودته ثم قال وهو يمسح شاربه:
- إذا قبلنا بما يسمى باللون العرضي المتجاور الرابع فلماذا لا نقبل باللون الطولي المتجاور الخامس ؟؟
ما أن خرجت هذه الكلمات من شفتيه حتى وثب رئيس وفد آخر من مقعده مذعورا، فقد أصابت كلمة (الخامس) وترا حساسا في بؤرة صميمه، لذا بادر من فوره إلى نقل هواجسه إلى أشقائه المؤتمرين لتنبيههم إلى ضرورة حذف كلمة الخامس، كانت حجته أن كلمة الخامس كلمة مخصصة للأساطيل، لا للبطيخ، وانه من الأفضل عدم الخلط بين الحالة الأسطولية الخامسة والحالة البطيخية الراهنة تمشيا مع المثل العربي القائل (ابعد عن الشر وغني له) وتجنبا للمثل الذي يقول ( اللى يخاف من العفريت يطلع له)
صفق الحاضرون طويلا لهذا الاقتراح الذي يدل على حصافة وبعد نظر، والذي من شأنه تجنيب المنطقة منزلقات ومنعطفات هي في غنى عنها، كما شكر رئيس الجلسة العضو على هذا التنبيه، ولكنه وجه نقدا للمؤتمرين وهو يرى سيلا من الألوان يتدفق دون ضابط، قال:
- لقد جمعناكم هنا أيها السادة لنخرج بلون واحد ولم اطلب منكم أن تجعلوني أتفرج على حفلة العاب نارية، ولا طلبت منكم أن تأتوا إلي بقوس قزح، عليكم أن تتفقوا على اللون المطروح باعتباره المرشح الوحيد.
رفعت الجلسة للتداول، وفي هذه الأثناء وردت اتصالات من جهات دولية عديدة، تضمن أحدها تأنيبا شديد اللهجة، قال المتحدث من مكان قصي في ما وراء البحار:
- لماذا لم تحاولوا يا هؤلاء شق البطيخة لمعرفة لونها بدلا من هذا الجدل العقيم، أين عقولكم؟؟؟
تبنى رئيس الجلسة هذا الاقتراح وقام بنقله إلى الحضور دون الإشارة لمصدره، كانت دهشة الحضور شديدة كيف غابت عنهم هذه الفكرة طيلة هذا الوقت، وبدؤوا يبتسمون في سعادة لظهور هذا الحل غير المتوقع. غير أن احد الأعضاء قال:
- ولكني لا أرى أي سكين لشق البطيخة؟؟؟
تجاهل الرئيس السؤال، مما حدا بالعضو إلى تكراره
أجاب الرئيس وهو يتصنع الابتسام:
- وجود السكين في قاعة المؤتمر، أيها الأشقاء، ربما يبعث أشارة غير ايجابية للمجتمع الدولي توحي بأن الأمة العربية امة إرهابية، وسكين الفاكهة كما تعلمون واردة ضمن أسلحة الدمار الشامل. ولا نريد الدخول في هذه المتاهة
لكن العضو اللئيم حرن رافضا مبارحة الأسئلة المحرجة:
- وكيف سيتم شق البطيخة إذن يا سيادة الرئيس؟؟
ظهرت علامات الامتعاض على وجه الرئيس، فاخرج مضطرا أداة تقليم الأظافر من جيبه، واقترب من العضو المشاكس، وقام بفرد أجزائها أمامه، مشيرا بأصبعه نحو سكين صغيرة جدا بداخلها. ثم قام بإعادتها بسرعة إلى جيبه قبل أن تلتقطها أعين القنوات.
انبرى عضو يقرض الشعر ويقترض به وقد أطربه العثور على حل فارتجل قائلا:
نحن قوم هاموا في البطيخ
وأنتجوا الشربات من فسيخ
ناموا بعد ملء البطن بالطبيخ
فكيف الحلم بالصعود للمريخ
تكالب الحضور في الثناء على الأبيات، وقال احدهم:
- لله درك يا أخا العرب من أي بحر هي؟
قال العضو الشاعر مغتاظا وقد سمع (لله درك) وكأنها (الله يضرك)
- من البحر الميت، لماذا تدعو على بالضرر؟؟
حلف شقيقه بان كلمة ضرر لم تأت على لسانه، ووجه أصبع اتهامه نحو هذه الأجهزة الامبريالية ناقلة الصوت والتي صممت لتحريف الكلام وتشويهه بغرض خلق الفتنة بين الأشقاء.
دق رئيس الجلسة على المنصة لفرض النظام بعد أن انفرط عقده، وأعطي الفرصة لمتحدث كان يلح في طلب الحديث، قال المتحدث:
- الاقتراح المقدم من السيد الرئيس بشق البطيخة اقتراح مفخخ
فوجئ الرئيس بكون اقتراحه مفخخا وكذا الحاضرون، فهم قد سمعوا بحمار مفخخ وجنازة مفخخة، و دراجة مفخخة وعروس مفخخة وعربة مفخخة لذا فقد استدارت وجوههم ناحية العضو مستفسرين، قال العضو شارحا قوله:
الاقتراح لا يقدم حلا بل يقدم مشكلة، أنا أتساءل من الذي سنوكل أليه شرف القيام بهذه المهمة؟؟؟ ألا ترون أن هناك قنبلة موقوتة تم زرعها داخل هذا الاقتراح!!!
تبددت الابتسامات ووجم القوم لدى سماعهم هذا التساؤل وقد أدركوا حجم المشكلة الجديدة، من سيحظى بهذا الشرف يا ترى؟
بعد مداولات استمرت يومين قرر المؤتمرون ما يأتي:
(حفاظا على وحدة الصف العربي من التفتت، وتفويتا للفرصة على الأعداء، لقد قررنا أن تبقى البطيخة كما هي سالمة كما ولدتها أمها، فوحدة الصف العربي غالية ولا يمكن مساواتها ببطيخة،لأن شق البطيخة يعني شق الصف العربي، لذا ستبقى أمتكم متحدة وسنملأ صفحات القاموس بكل ما سنختلف عليه من ألوان البطيخ حتى لو وصل العدد إلى مائة أو أكثر).....تصفيق...قبلات...سيارات سوداء ..أعلام تعاكس الهواء، طائرات..صحف..قمة ناجحة
ملحوظة: ظلت البطيخة مكانها بعد انتهاء المؤتمر وعندما جاء عمال القاعة لتنظيف المكان كان بهم شوق عارم لمعرفة لون البطيخة من الداخل، كانت خيبة أملهم عظيمة عندما وجدوا أن البطيخة المشهورة مصنوعة من البلاستيك وجوفها ملئ بالهواء ومكتوب عليها بأحرف صغيرة ( Made in USA )

معتصم الحارث الضوّي
03/07/2008, 12:36 AM
رائع أنت هنا يا أخي مبارك. دعنا نرى المزيد من إبداعك الجميل.

دمتَ مبدعا

الدكتور أسعد الدندشلي
03/07/2008, 02:44 AM
زميلنا مبارك مجذوب المبارك المحترم
خيال خصب وسرد جميل
مع أحلى الأمنيات عطاء وتألقا
ووافر محبتي واحترامي وتقديري

عبدالقادربوميدونة
03/07/2008, 03:34 AM
الأخ مبارك مجذوب المبارك .
ماذا فعلت بنا يا رجل... يا محترم فوق العادة ..والله لقهقهت حتى ما بعد منتصف الليل ..ولم أستطع التملص أوالهروب أوالتخفي من تبعات هذا التسلسل الآسر في سرد الأحداث وقدرتكم على الإمساك بخيوط سرالمفاجأة حتى الانتهاء من القضاء علينا ...
لقد فضحت نفسي بهذا السيل العارم من موجات الضحك الهستيري التي اعترتني ..لأني لم أعرف ما دواعي وبواعث ذلك الاجتماع الطراطيري ..وما دارفيه ..يا رجل في حياتي ما قرأت مثلها في حداثتها ..أية حداثة..؟ حداثة الطرح والضرب والجرح والقسمة..لقد بقيت أَضحك داخل قاعة برلمانهم أوقصرمؤتمراتهم..وكأنكم " لوي دو فيناس أوجيري لويز أواسماعيل ياسين أوعادل إمام أو دريد لحام يروي أمامي مفارقاته ..لقد لحمتها يا رجل ..فمن ذا الذي يستطيع تفكيك رموزها وقنابلها المفخخة بحق وإسقاطاتها القاتلة ؟
أنصح كل من هوخفيف الروح وخفيف الظل ألا يقرأها ..لأنها قد تفقده ظله لا سمح الله..فيبقى ماشيا بلا ظل والشمس طالعة..
الله يبارك فيكم ..

سامي خمو
03/07/2008, 06:54 AM
الأستاذ الفاضل الأديب مبارك مجذوب المبارك

تمتعت بمطالعة هذه القصة الكوميدية.
أسلوب ممتاز في السرد يتشبث بتلابيب
القارئ ويرغمه على قراءة القصة
حتى نهايتها.

دمت مبدعاً.

مع خالص الود،

سامي خمو

محمَّد زين الشفيع أحمد
05/07/2008, 07:26 AM
شُكْرًا لكَ أيُّها الجميلُ .. فقدْ أصبْتَ مَا أرَدتَّـهْ ..


احترامي ..


أخوك / محمَّد زين ...

مبارك مجذوب المبارك
11/07/2008, 06:38 PM
الاستاذ المعتصم:
وقفتك في هذه المحطة لا يمكن تجاهلها، فلك مني التحية

الاستاذ عبد القادر بوميدونة
تعليقك الرائع زاد قامتى امتارا، وهذا التشجيع اضعه تاجا على رأسي، أعدك بتقديم المزيد، ولك الشكر مجددا.

الدكتور اسعد
كلماتك الجميلة حافز لي لمواصلة المشوار، لك كل المودة والتقدير

استاذنا سامي خمو
شر البلية ما يضحك، ولكن هذا هو حال امتنا العربية، فلا خيل لدينا نهديها لامتنا ولا مال، إذن فليسعف النطق ان لم يسعف الحال، كما قال المتنبي

المهندس ابو الزين
اشكرك على اطرائك ولك التحية

جلال الدين محمد ابراهيم
21/08/2008, 10:53 PM
ملحوظة: ظلت البطيخة مكانها بعد انتهاء المؤتمر وعندما جاء عمال القاعة لتنظيف المكان كان بهم شوق عارم لمعرفة لون البطيخة من الداخل، كانت خيبة أملهم عظيمة عندما وجدوا أن البطيخة المشهورة مصنوعة من البلاستيك وجوفها ملئ بالهواء ومكتوب عليها بأحرف صغيرة ( made in usa )

هل يوجد ابلغ من هذه الرسالة

لا اظن

رسالتك وصلت ولكن لمن . .. . . لعنوان الخاطئ فان صاحب الرسالة لا يدري بها

لك الشكر على الطرح الراقي المميز والمعبر جدا

جلال الدين محمد - الصفر البارد

جمال الأحمر
31/10/2008, 10:43 PM
الأستاذ الفاضل: مبارك مجذوب المبارك
تحية طيبة

أوافق الأستاذ الأديب عبد القادر بوميدونة في روح القصة...

إنها من عيون الأدب السياسي الساخر...

طفت بنا في مفاجآت سياسية متراكبة، يأخذ بعضها بحُـجُـز بعض، ثم كانت النهاية التي لم نتوقعها أيضا...

إنها تاريخ إناسي (أنثروبولوجي) للفكر السياسي العربي المعاصر الحاكم!!!

تحية سياسية أندلسية ليست حاكمة...

د.أحمد الخضير
21/08/2009, 02:05 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحقيقه تظهر لمن يقراء مايُكتب عنها

وإن قراتها متأخراً

هناك أشيئا لم يكتب عنها بعد



دمت مبدعا أستاذي فيما كتبت

لك تقديري وإحترامي

مبارك مجذوب المبارك
03/12/2009, 12:48 PM
الأستاذ جلال
مرورك اسعدني ولك التحية

الأستاذ جمال الأحمر
اشكرك على مرورك واحييك تحية اندلسية تليق بما قدمه الأندلس للحضارة الإسلامية عندما كان ملوك اوروبا يرسلون ابنائهم للدراسة في معاهده.

الأستاذ ياسين بلعباس
تحياتي الطيبات
قلمك اضاف سطورا لما وراء السطور، مع خالص مودتي

الدكتور احمد الخضير
احييك واشكرك على مرورك

عبدالقادربوميدونة
11/05/2017, 10:28 PM
الأدب الساخر.إن كان من تحريرالقلم الساحر.هي مجرد أحرف حرفا يزاحم حرفا.على يد متمكن محترف يجعلك تبتسم تضحك تنسى كل هموم الدنيا تضحى.جلدك تحك.وفي بعض مواقف يمكن يجعلك تقع ارضا "تموت" بالضحك.
وصف.وقائع بسخرية مرة لكنها بعد الانتهاء منها تجدها مسرة.على تجسيد مآسينا مصرة.تحمل بجواها فكرة..تتمنى أن نتجاوزها ولن ندعها تتكرر.تحية للأستاذ الفذ ..عليه في الأدب الساخر نتتلمذ. فشكرا وشكرا..مبارك مجذوب مبارك..