المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بقية : نادر بور شاعر الذاتية والوجدان ( الأخيرة )



بنده يوسف
19/07/2008, 02:31 AM
وحدة ويأس

يعد نادر بور من شعراء الوجدان ، وتميزت أشعار أصحاب هذا التيار بكونها معبرة عن وجدان الشاعر ومجسدة لصدق مشاعره ومعاناته الروحية ، و تعتني بتصوير جواهر الأشياء، وسبر أغوار الطبيعة وتأمل فيما وراءها و أن تتجنب الموضوعات الشعرية المنمقة و الكاذبة .
فشعر الوجدان شمل كل ما ينبثق عن الذات من حياة وكون، وعلى هذا النحو اعتبروا الوجدان بأنه نفسٌ وحياة وكون .
ونادر بور فى أشعاره كان صاحب صبغة ذاتية وجدانية أكثر من أى شئ أخر ، فقضايا ، أشعاره ومجموعته ، كانت راية الوجدان والذات هى المرفوعة فيها .
فمجموعاته الشعرية العشرة تكاد لاتعبر إلا عن ذاته ووجدانه وقضاياه الوجدانية ، كقضايا الوحدة واليأس والظلم والاحساس به .

وقضية الوحدة واليأس من الموضوعات التى تجلت بشكل مباشر فى أشعار نادر بور فقطعته الشعرية ( خطبة الشتاء ) تطل على القارئ منها بشكل مباشر معانى الوحدة ومايعترى الإنسان الوحيد من حالات ونداءات متكررة بها يبحث بها عن من يشاركه آلامه .
فنراه يبدأ قطعته ( خطبة الشتاء ) حيث الشتاء يعد خطبة يبدأ فيها بمناداة النار الى هى قبس من جوف الليل ، ويختار نادر بور شعلة النار لتعبر هى عن مشاركتها للوعته وآلمه فى وحدتها طوال الليل .
خطبة الشتاء
أيتها النار ، يا قبس من جوف الليل
قد نهضت للرقص
ولكن في الفجر تسير للقلب وللحجر

خطبه ي زمستاني
اي آتشي كه شعله كشان از
درون شب
برخاستي به رقص
اما بدل به سنگ شدي در سحرگهان

ويتكرر نداء نادر بور فى قطعته الشعرية هذه ، ينادى كل مفاخر الماضى ، فربما تستطيع أن تساعدة على إيناس أيامه وإنتشاله من وحدته ويأسه ، من غربته وحزنه . فنراه ينادى الجبل وماتحمله من ذكريات وأساطير ، وينادى أرض الطفولة وما تحمله من أسرار الماضى والذكريات
ونادر بور يستخدم كل هذا النداء ليعلن عن وحدته ، وأنه يذكر صفات من ينادى عليهم ليقول أنه أصبح عاري من كل هذه الأشياء بعدما صار بعيدا عن وطنه فى منفاه . حتى أنه ينادى وطنه بعدما ذاق مرارة الوحدة .
ويتذكر وطن طفولته الذى هو وطنه منذ عهد البهلويين ، وأنه طالما هو بعيد عن كل مايحمله هذا الوطن من أماكن تذكارية وعجيبة فهو يعيش فى حالة وحدة ويأس من الحياة ، فحياته بدون هذه الأشياء بيت مظلم ولو طلع عليه حتى النهار . فنراه ينادى ويقول :

أيها الجبل المملؤ بوقار الآساطير القديمة
يا بيت الملك قباد
يا مآوي السيمرغ الحجرى المحظوظ
ياأرض الطفولة منذ عهد البهلويين
أيتها القمة العجيبة والبهية
فالمقبرة بدون أثر جمشيد مظلمة بالنهار
يا صخرة عقوبة الضحاك المظلم الروح
ايها الجبل،أيها الباسل،أيها المقاتل العجوز
يامن سقط فى بئر الأخ

اي كوه پر شكوه اساطير باستان
اي خانه ي قباد
اي آشيان سنگي سيمرغ سرنوشت
اي سرزمين كودكي زال پهلوان
اي قله ي شگرف
گور بي نشانه ي جمشيد تيره روز
اي صخره ي عقوبت ضحاك تيره جان
اي كوه ، اي تهمتن ، اي
جنگجوي پير
اي آنكه خود به چاه برادر فرو شدي

ثم يأتى نادر بور ويعلن عن وحدته صراحة فى قطعته الشعرية ، ويقول أنه حتى كائنات الليل ، مثل صرصور الليل ، الذى لايمل عن الأزيز طوال الليل ، هو الآخر نام وتخلى عنه وتركه وحيدا ، يعيش وحدة قاتلة ، جعلته يأس من أن يصل إلى أى مكان فيه تنقضى وحدته التى يعانيها . حتى أنه لتفرده هذا صار فريد النوع فى وحدته هذه ، ولأن لا أحد يشابهه فى وحدته فهو أشد المخلوقات فى التعاسة واليأس .
فهو أشد وحدة من حركة أطراف الأشجار الوحيدة فى الليل تجاه النجوم ، ومن صوت النسيم حيث الكل نيام ، فهو يتمتع أيضا بهذه الوحدة المتفردة حيث يعبر عن ذلك و يقول :

أنا في الليل حيث نامت صراصير الليل أيضا
فابداً صوت عالمي الأوحد
لن أصل ابدا من أي ناحية لأي صوت
أنا في صمت هذا الليل البهيم المتجمد
الوحدة صوتي، و الوحدة شخصى
فأنا أكثر وحدة من الرب
-في خلق الخليقة المنتشية
أكثر وحدة من صوت دعاء النجوم
في امتداد قبضة الآشجار الخرساء
أكثر وحدة من أنشودة نسيم وقت السحر
في مدينة النائمين

من در شبي كه زنجره ها نيز خفته اند
تنهاترين صداي جهانم كه هيچ گاه
از هيچ سو ، به هيچ صدايي نمي رسم
من در سكوت يخ زده ي اين شب سياه
تنهاترين صدايم و تنهاترين كسم
تنهاتر از خدا
در كار آفرينش مستانه ي جهان
تنهاتر از صداي دعاي ستاره ها
در امتداد دست
درختان بي زبان
تنهاتر از سرود سحرگاهي نسيم
در شهر خفتگان


قهـر وظلـم

من المضامين التى ينطلق منها شعر نادر بور الرؤية التراجيدية التى قوامها المعاناة والألم والمرارة وتجرع المأساة والثورة على الظلم الإنساني والاجتماعي، ناهيك عن تمزقه من شدة الاغتراب الذاتي والمكاني والصراخ في وجه القوى العاتية والأحساس بالضياع والفقدان والموت. وبالتالي، تتحول القصائد الشعرية عنده إلى صرخات عويل وسمفونيات حزينة ، تبوح باحساسه بالظلم وغضبه وسخطه لحاله هذا الذى غطى حياته ، ومرر أيامه .
ومن ثم، يطغى الاحساس بالظلم على الشاعر ويأسره اليأس والحنين والشوق إلى الوطن والأهل والأحبة من شدة مايشعر به من اغتراب ناتج من الوحدة والتفرد والعزلة والخوف من المجهول وضايع هويته فى المنفى ، وكأنه ولد بلا سند شرعى له فى هذه الحياة ، فهذا حال أهل المنفى ، أناس بلا هوية وباحثين عن حياة كريمة ، بعدما ذاقوا الاحساس بالظلم والقهر .
ومن يتنقل بين اشعار نادر بور ، يشتم رائحة الاحساس بالظلم والقهر بشكل قوى وواضح ،وبنبرة تنتزع الدموع من عيني قارئها، وتشيع الحزن بلا تصنع .
وأمتاز هذا الشاعر المسحوق والمكتوى بنار المنفى والفراق ، بهذه الخاصية الظاهرة فى أشعاره .
فقضية الاحساس بالظلم ملحوظة بشكل كبير فى شعر نادر بور ، فالاحساس بالظلم نتاج طبيعى لما عاناه ، من منفى : قاده فكره لهذا المنفى بشكل إجبارى ، ومن غربة وحالة إغتراب غطته كشبح الليل ، وبالتالى بعد هذه الحالة سيكون لديه أحساس قوى بالظلم والقهر ، حتى أنه عامل نفسه بهذا الشكل بلا أى تملق أو خداع ، فكان صريحا فى وصف حالته الوجدانية بلا أى تجميل وتزييف .

ففى قطعته الشعرية ( ليلة أمريكية ) وهذه القطعة الشعرية تعبر عن حال منفاه ووصفه له ، فيصف أمريكا بأنها منفاه ، و بأنها بغيضة ، ومقر للدنيويين و للشيطان ، وأنها الجحيم بعينه ، وبذلك يعلن نفوره وسخطه على من أخرجوه من جنته إيران ، وظلموه بنفيه الإجبارى إلى منفاه أمريكا ، بعدما حولوا جنته إيران إلى جحيم تحترق روحه من المكوث والبقاء فيه .
ثم يعلن نادر بور احساسه بالظلم بشكل صريح ومعلن فى قطعته الشعرية ( همهمة فى الليل ) فيعلن أنه لو أفاضوا عليه بمنابع الدموع فى العالم كله ، ولو صارت كل هذه المنابع سيولا من الدمع ، فإنها رغم هذا كله لن تعبر عن حزنه وحسرته . فحالة حزنة أعلى من أى شكل من أشكال التعبير عن الاحساس بالظلم والحزن . فهو كشجرة أجتثت من أرضها لاتغنيها أى أرض أخرى تزرع فيها ، لأنها صارت غريبة وبعيدة عن النسيم الذى تعودت عليه ، فهى قد ظلمت ولن تغنيها أية أرض أخرى عن أرضها الأولى . فنادر بور يعلن أن حاله صار كحال هذه الشجرة المخلوعة ، لاتعرف فى أرضها الجديدة إلا الموت والاحساس بالظلم بعدما جعلت غريبة ، بقوة القهر والظلم .
وهو يعبر عن ذلك بقوله :

همهمة فى الليل
لو يمنحوا لي منابع دموع العالم
ولو يتساقط سحاب بسعة الارض داخلي
ولو تلك الدموع كسيل
يفتح طريق القلب خفية تجاه العين
فلن تخفف لهيب ألم صمتي
ولن تبعد المرارة عن خيالي
ولو ياتي الموت و يظهر طريق نسياني ( فنائى )
وأنا من دواء الدمع فى ليالى اليقظة
أى أمل أستطيع أن أملكه غير هذا :
ألا يزيد ألم جديد علي ألآمي
ومثلما ليس لدى أى ارشاد لمفقود داخلى
وهكذا أنا مجتث من أرضى ، وليس هناك آثر قدم منى
ولن يهب نسيمي من دياري
ففي اقليم غربائي،ليس النسيم معروف

زمزمه اي در شب
اگر سرچشمه هاي اشك عالم را به من بخشند
و يا ابري به پهناي زمين در من فرود آيد
اگر آن اشك سيل آسا
ره پنهاني دل را به سوي ديده بگشايد
لهيب
درد خاموش مرا تسكين نخواهد داد
م تلخ مرا از خاطرم بيرون نخواهد برد
مگر مرگ آيد و راه فراموشيم بنمايد
من از داروي شور اشك در شب هاي بيداري
چه اميدي به غير از اين توانم داشت
كه درد تازه اي بر دردهاي من نيفزايد
چنان گمگشته در خويشم ك هيچم رهنمايي نيست
چنان بركنده از خاكم كه از من ، نقش پايي نيست
نسيمم از ديار خويشتن بويي نمي آرد
در اقليم غريبانم ، نسيم آشنايي نيست


وبعدما أعلن نادر بور عن ما أصابه من ظلم ، نراه يوضح أن من ظلموه بالمنفى واصابوه بالحزن ، سلبوا منه علائق الأمل و العزة والشرف ، فصار شيخ بلاحلم ، ليس له آمل فى الغد ، وجعلوا حياته كلها ككتاب وجود بالى الورق ، ينفر منه حاملوه . ثم ينادى نادر بور على دياره ووطنه ، ويصفها بأنها مهد وجوده فبدونها لامعنى لحياته ، فهى أرض العناية الآلهية ، أرض حكمة زردشت ومحبة مانى ، أرض لايعتريها الشيطان ، ولو عدنا إلى قطعة نادر بور الشعرية ( ليلة أمريكية) نراه يصف أهل منفاه بأنهم سمحوا للشيطان بدخول خلوتهم ، فى حين أن نادر بور فى قطعته الشعرية ( همهمة فى الليل ) يصف وطنه بانه مبارك وليس هناك وجود لأنفاس الشيطان ، وكأن نادر بور يريد أن يعلن أنه ظلم وقهر بأن يعيش فى أرض الجحيم هذه ، وأنه لاوجود للشيطان فى وطنه إيران ببركة زردشت ومانى ، و من ظلموه هم من حلوا محل هذا الشيطان .
ونراه يعلن عن ذلك ويقول :
لكن أنا بين النائمين ، ذاك الشيخ ( الذى هو ) بلا حلم
الذي في يده، كتاب الوجود القديم البالى الورق
فلا نوم حتي يجتث هذا التعب من داخله
أين أنت؟ أيتها الديار البعيدة،يا مهد عتيق
فمن جديد، أسلم الجسد لحضنك ، لقلب الليالى
وعقدت العين ببهاء نسيمك مثل طفل
ورفعت عينى لصياح ديكك من الكواكب
ثم أرى صباحك يولد من بطن السحر
فيا تراب بلا رفيق مبارك ، ديارى بعيدة
فخيالك في رأس زردشت، و محبتك في قلب ماني
فلن يدمرك أمر الاشرار
ولن تشتعل لك في نفسك نيران الشيطان

من اما در ميان خفتگان ، آن پير بي خوابم
كه در دستش ، كتاب كهنه ي هستي ورق خورده ست
و خوابي نيست تا اين خسته را از خويش بربايد
كجايي اي ديار دور ،
اي گهواره ي ديرين
كه از نو ، تن به آغوشت سپارم در دل شب ها
به لالاي نسيمت كودك آسا ديده بر بندم
به فرياد خروست ديده بردارم ز كوكب ها
سپس ، صبح تو را بينم كه از بطن سحر زايد
ديار دور من اي خاك بي همتاي يزداني
خيالت در سر زردشت ومهرت در دل ماني
ترا ويران نخواهد
ساخت فرمان تبهكاران
ترا در خود نخواهد سوخت آتش هاي شيطاني

ويتجلى أحساس نادر بور صراحة بالظلم والقهر والأحساس بألم هذا الظلم فى قطعته الشعرية ( شعر العنب ) ، ويبدأ قطعته الشعرية متسائلا من يقول أن هذا الذى فى حبات العنب عسلاً ؟
وهنا يرسم نادر بور فى صورته الشعرية هذه كائنا يعبر عن حاله وهو البستانى ، ويؤكد نادر بور أن هذا الذى يعتقدون أنه عسلاً ماهو إلا دمع هذا البستانى ، ليعبر نادر بور برسمه لهذه الصورة الرائعة عن مدى حزنه وآلمه لم ناله من ظلم وقهر . فيعبرعن ذلك بقوله :

شعر العنب
ماذا تقولون ؟
أين العسل ؟! أهذا الماء الذى فى كل حبة عنب حلوة ؟!
أين العسل ؟ هذا دمع
دمع البستانى العجوز المتعب
الذى يطوى الليالى
ويبقى طوال الليل حتى الفجر يقظا
شعر انگور
چه مي گوييد ؟
كجا شهد است اين آبي كه در هر دانه ي شيرين انگور است ؟
كجا شهد است ؟ اين اشك
اشك باغبان پير رنجور است
كه شب ها راه پيموده
همه شب تا
سحر بيدار بوده

وبهذا يعلن نادر بور صراحة احساسه بهذا الظلم حيث يرسم لنا صورة بستانى ليعبر عن شخصه وحاله ، ويكون البستانى عجوزا متعبا حيث لاأمل لأن يستجيب أحد لنداءه وسهره ، ولا أمل له هو أيضا لتعبه وكبر سنه . ثم يكمل نادر صراخة واعلانه لهذا الآلم ، ويقول أنه تعدى مرحلة الدمع ، وأصابه جرح فى قلبه ، ليس له شفاء ولا دواء ، فهو ينزف دماً .
وهنا يريد أن يوصل للقارئ مدى مرارته ومعانته من جراء ما أصابه من ظلم وقهر أوصله لمنفاه . فنراه يعبر بقوله :
ماذا تقولون ؟
أين العسل ؟! أهذا الماء الذى فى كل حبة عنب حلوة ؟!
أين العسل ؟ هذا دم
دم البستانى العجوز المتعب
چه مي گوييد ؟
كجا شهد است اين آبي كه در هر دانه ي شيرين انگور است ؟
كجا شهد است ؟ اين خون است
خون باغبان پير
رنجور است

ويستخدم نادر بور العنب لما له من دلالة خاصة عنده ، فالعنب فاكهة من فواكة الملوك ، يأكلونه فى أوقات اللهو والسمر ، وكأن نادر يريد أن يقول أن من غصبوه حقه بأن أخرجوه من مملكته فى إيران عندما يتلذذون بأكلهم العنب ، فهو حينئذ يتألم وينزف دما ، جراء لذتهم هذه .
وبذلك يعلن نادر بور أنه لم يذق إلا طعم المرارة والاحساس بالظلم ، فالناس عندما يأكلون العنب يتلذذون ، وعندما يعصرونه ينتشون .
فالبستانى هو الصاحب الحقيقى للبستان ، فهو المراقب والمشاهد الحقيقى لحركة ونمو كائنات هذا البستان كالمواطن الحامل لدلالة مواطن داخل وطنه ، هو المراقب لحركة مجتمعه ووطنه ، وبعد كل هذا لا يتمتع البستانى بنتاج بستانه ، بقدر ما يتمتع الآخرون .
لكن نادر بور خارج هذه الحسابات ، فالمتعة والتلذذ هاجره ، ولم يعد يعرف غير المرارة والحزن والظلم والقهر . ويمضى نادر بور بجرأة وصراحة فى وصف حاله وظلمه هذا ويقول :

ها انتم تضغطون على كل حبة بسهولة بين الشفاه
وتعصرون كل عنقود بيسر بين الاسنان
بينما هو بالنسبة لي كأس من الدم
او كأس من الدمع
تحصلون عليه بيسر هكذا
وتشربونه بسهوله هكذا

چنين آسان ميفشاريد بر هر دانه ي لبها را و بر خوشه دندان را ؟
مرا اين كاسه ي خون است
مرا اين ساغر اشك است
چنين آسان مگيريدش
چنين آسان منوشيدش


وبذلك يكون نادر بور بالفعل صاحب مدرسة شعرية وجدانية ، ذاتية التعبير ، تعلى راية وجدان الشاعر قبل أى شئ ، وكأن الشعر للشاعر .
فالنقاد عابوا على سهراب كونه طائر يغرد خارج السرب بعيد عن ما حوله من تيارات ، ويكون نادر بور هو الأخر من المقتفين لآثر هذه المدرسة التى تعلى راية وجدان الشاعر فوق أى شئ آخر .

( مفاد هذه القراءة فى شعرية نادر بور )

يعد الشعر حالة تصوير للواقع بأدوات لفظية سمعية تقرن الأحساس باللغة في دلالة تربط بين الشعور والمعنى،ويعد الشعر هو ترجمة لتراجيديا الحياة ومآسيها ومظالمها ومسراتها
ويأتى الشعر بعد النضج الفكري والفهم السياسي والإدراك الأجتماعي ، وهذا ماظهر بشكل جلى فى مجموعات نادر بور الشعرية ، حيث هذه المجموعات نتاج نضج فكرى وسياسي وإجتماعى قبل أن يكون نضج فى الملكة الشعرية .
فعندما نقرأ فى أعمال نادر بور نجده يعد من رواد المدرسة الفارسية الحديثة للشعر ، ويعد رائد لتجديده فى المضامين والموضوعات الشعرية ، فنادر شابه المدرسة الحديثة فى بناء شكل مسيرته الشعرية ، و تلميذا لنيما يوشيج فى ذلك ، حتى أن نادر بور يعلن تبعيته لتلك المدرسة صراحة ، ويقول أنه لم يكن مقلداً أعمى ، بل أختار هذه المدرسة لأنها تلبى احتياجات العصر ، فكان لايؤمن بديمومة الأشكال والأطر ، ويراها وليدة مقتضيات الزمن والعصر .
لكننا نلاحظ أيضا أن نادر بور لم يكن مقيداً لنهج ً هذه المدرسة الشعرية ، بل كان رائداً بتجديداته ، فرغم أنه كان تابعا فى الشكل لمدرسة نيما يوشيج ، إلا أنه كان مجدداً فى المضامين ، فنراه يضع سلطته على النص ، ويعلن نادر بور أن الشعر للشاعر قبل أى شيء آخر ، فقد أستخدم الشعر للتعبير عن قضاياه الذاتية والوجدانية ، ويعلى نادر بور ضمير ( أنا ) فوق ضمير ( نحن ) ، ورغم هذا يعلن نادر بور أن هذا لايعبر عن عدم اكتراثه للآخر ، ويؤكد أن حديث النفس هو لسان حال الجميع ، فالأنا فى الشعر هى (( الآخر )) بعبارة أخرى .
ونادر بور برع فى بناء الصورة الشعرية فى مسيرته الشعرية ، فرغم أن سهراب سبهرى تفيض عنده الصورة الشعرية بشكل مفرط ، حيث أستطاع أن يوظف ببراعة الصورة فى خدمة عرفانيته ودروشته ، إلا أن نادر بور هو الآخر برع فى توظيف هذه الصورة لخدمة قضاياه ووجدانه فنراه فى العديد من مجموعاته يبرع فى تجسيد صورته الشعرية ، فبراعته أنه أستطاع بشكل سحرى أن يصنع روابط وعلاقات حية بين أجزاء الصورة ، فنراه يبرع فى قطعته الشعرية ( ليلة أمريكية ) فى رسم صورة للشمس تظهر فيها الشمس وكأن لها حركة بطيئة ،وتسكن فى حرارة تحيطها بهالة وضاءة مشتعلة . ويجنح بعد ذلك ناحية قمة السماء ليرسمها ذات حركة ناحية صخور البحر ، وهذه الحركة تحدث الصوت وهو إرتطام السماء بصخور البحر ، كموج البحر ، وهكذا يبرع فى رسم صورة حية يصدر منها الصوت والضوء والحركة وكأنها صورة حية تماثل نظيرتها فى الطبيعة .
ونادر بور يعلى وجدانه فى شعره ، فنجد أغلب مجموعاته تعيش فى قضايا وجدانية وذاتية ، فنراها تعبر عن غربته وإغترابه و يأسه وحزنه وإحساسه بالقهر والظلم .
وهذا ليس بغريب لشخص كنادر بور ، فهو وليد مرحلتين ، الدولة والثورة ، والأخيرة كانت سبباً مباشره فى تغيير مناخ عقله ، فنراه يذهب إلى المنفى بعدما وصل لحالة اغتراب فى وطنه إيران ، وبعدما استقر فى منفاه يعيش معاناة المنفى حيث الحزن واليأس والاحساس بالقهر ، ولذلك ليس غريب أن يوظف نادر بور شعره لقضاياه الوجدانية ، فهو فى حاجة لأن يوصل صوت صراخه وألمه للآخرين . وفى حاجة لإعلان صرخة رفضه لما تعرض له من قهر وظلم .
وهكذا يعد نادر بور بتميزه وخصوصيته فى مضامينه الشعرية ، شاعر متفرد وصاحب مدرسة خاصة ، أضفت اثراء لمدرسة الشعر الفارسي الحديث .
وخير ما ننهي به موضوعنا هو أن الشاعر نادر بور هو شاعر المرارة والحزن، وشاعر الألم والأمل، يجتر المعاناة الذاتية والموضوعية، ومن جانب آخر يحمل في صدره هموم الذات والوطن والإنسانية بصفة عامة ، ويشدو بالهوية والتاريخ، ويسترجع أمجاد الإيرانيين ، ويستقرىء صفحات بطولاتهم، وفي نفس الوقت يثور على واقعهم الذى صنعته الثورة بفكرها وهويتها .
ولا يريد الشاعر أن يبقى مقيدا بشرنقة اليأس والهزيمة المكلومة، بل يتحدى الحاضر وينظر بكل أمل إلى غد الحرية والتحرر والانعتاق من الاستعباد والجهل والظلم الاجتماعي والسياسي الذى أدى إلى حالة الحزن واليأس التى وصل إليها هو وأقرانه من أهل المنفى خارج وطنهم إيران .
وقد عبر الشاعر عن هذه المضامين بأشكال شعرية من سماتها تنوع الأساليب وسهولة الألفاظ الموحية وجمال الصور البلاغية ودقة روعتها في التجسيد والتشخيص والتصوير المجازي .
...............................
بنده يوسف

جمال رزق
17/08/2008, 04:22 PM
اخي بنده
السلام عليكم

كنت قرأت هذه الترجمة لنادر بور قبل يومين، ولم تسمح لي الفرصة وقتها أن احييك أن عرفتنا بهذا الشاعر الوجداني العملاق الذي يقول:
ها انتم تضغطون على كل حبة بسهولة بين الشفاه
وتعصرون كل عنقود بيسر بين الاسنان
بينما هو بالنسبة لي كأس من الدم
او كأس من الدمع
تحصلون عليه بيسر هكذا
وتشربونه بسهوله هكذا
فأي حياة كان يعيش شاعرنا، وأي بيئة هي التي كونت شخصيته الشعرية هذه؟!
أتمنى أن تزيدنا من هذا المعين، زادك الله بهاءً وصفاء

فاطمه بنت السراة
17/08/2008, 06:20 PM
:
نادر بور الشاعر الفارسي الرقيق, أحببت وجه الشاعر فيه, واحترمت غربته التي لها طعم الحزن اللاذع,
أما وجهه الآخر الذي يحمل عنصرية بغيضة وقديمة فلم أحبه. (رأي شخصي لا أحب الخوض فيه حتى لا أغمط الشاعر حقه في الجمال وعذوبة الكلمات).

أخي الكريم بنده يوسف
شكراً لهذا المد الجميل, وشكراً لجهدك

طبت وسلمت

بنده يوسف
17/08/2008, 10:37 PM
اخي بنده
السلام عليكم

كنت قرأت هذه الترجمة لنادر بور قبل يومين، ولم تسمح لي الفرصة وقتها أن احييك أن عرفتنا بهذا الشاعر الوجداني العملاق الذي يقول:
ها انتم تضغطون على كل حبة بسهولة بين الشفاه
وتعصرون كل عنقود بيسر بين الاسنان
بينما هو بالنسبة لي كأس من الدم
او كأس من الدمع
تحصلون عليه بيسر هكذا
وتشربونه بسهوله هكذا
فأي حياة كان يعيش شاعرنا، وأي بيئة هي التي كونت شخصيته الشعرية هذه؟!
أتمنى أن تزيدنا من هذا المعين، زادك الله بهاءً وصفاء

:fl::fl::fl::fl::fl::fl::fl:

بإسمه سبحانه
وإن من شئ إلا يسبح بحمده
........................................
سيدى الفاضل /جمال رزق تحية مباركة وترحيب معطر لبهاءك وقدومك
أعجز عن شكرك فقد أخجلنى أدبك وجمال خلقك
.................................................. ...
نادر بور يعد من أعمدة الشعر الحديث فى ايران
لم يكن مؤسس للشعر الحديث بالشكل التقليدى
لكن كان مجدداً فى المضامين وكيفية قراءة الشعر
وهذه النقطة جعلته يتميز بسمات خاصة عن أقرانه من الشعراء
.................................................. ....
ولد 1929م فى العاصمة طهران ، كان من عائلة ثرية
وهذ النقطة لها احداثيات فى صفحة حياته
فثراء أسرته ، جعله يعيش فى حالة من الإعتزاز بشخصيته الايرانية
وعندما قامت الثورة ، وانهار عالمه هذا ، أدى هذا لتبنى فكرة العداء تجاه الثورة لديه
.................................................. ....................................
الذوق المحيط حوله أثر فى شخصيته الأدبية ، فوالده كان فنان تشكيلى مشهور
ووالدته مؤلفة موسيقية متميزة ، وهذه الأمور جعلته يعيش فى حالة من التكيف الفنى والذوقى
.................................................. .........................
توفى والده وهو فى سن الخامسة عشر - أنهى تعليمه الجامعى فى طهران ثم بعد ذلك أكمل الدراسة فى فرنسا ، حيث هناك تعرف على الأدب الفرنسي بشكل مباشر
.................................................. ........................
وعلى أساس هذه المعرفة عمل على اثراء الأدب الفارسي بكثير من الروائع الشعرية الفرنسية
وسفره هذا كان نقطة تحول مناخ فى فكره وحياته، حيث تأثر بالحركة الشعرية الجديدة فى فرنسا التى أنعكست بقوة فى مرحلته الشعرية التالية .
ويتضح هذا بشكل قوى فى مجموعته الشعرية الأولى (( جشمها ودستها )) العيون والأيدى التى نشرها عام 1953م.
.................................................. ..................
بعد عودته من فرنسا بهذه الروح الجديدة ، انخرط فى الحياة الأدبية بشكل كبير ، حيث عمل على نشر المقالات حول الموضوعات الأدبية المختلفة فى العديد من المجلات والجرائد .
.................................................. .........................
لإرتباطه الأدبى بالآدب الغربية ، كان كثير السفر والرحلات إلى بلاد أوروبا كفرنسا وايطاليا وحتى أمريكا ، فقد أجاد اللغة الفرنسية والايطالية والإنجليزية .

لأمتلاكه دائرة ثقافية واسعة ، عمل فى وزارة الثقافة والفن حتى صار رئيساً للبرامج الأدبية فى هيئة الاذاعة والتلفزيون الايرانية.
.................................................. ...............

شارك فى تأسيس رابطة الأدباء والكتاب الايرانيين
وكان نادر بور يقوم بدور النافذة المطلة على الأدب الحديث
فقد تولى رئاسة دائرة (( ادب امروز )) ادب العصر فى الاذاعة الايرانية ، ومنها عمل على تقديم برامج ثقافية مهمة خلال هذه الفترة
.................................................. ............

كل هذه الفترة السابقة تمثل لنادر بور حالة من الاستقرار والرفاهية حيث المكانة والسمعة والمعرفة ، لكن بعد قيام الثورة : تغيرت الأمور
فنادر بور كان يرى الثورة بأبعاد أخرى ، فقدم لها العداء ، وانضم لحركة المقاومة الوطنية
وهاجر إلى باريس وهناك نال عضوية شرفية فى اتحاد الكتاب الفرنسيين ، واشترك هناك فى الكثير من الجمعيات الأدبية .
بعد ذلك أكمل الطائر المهاجر نادر بور رحلته إلى أمريكا ، وهناك أكمل مسيرته الأدبية حيث شارك فى تقديم محاضرات فى عدة جامعات أمريكية كــ هارفارد، جرج تاون، يو.سي.ال.اي، برکلي و اروين .
.................................................. ..............................
وفى عام 93 ميلادية كان نادر بور أحد المرشحين لنيل جائزة نوبل فى الآداب .
حاز نادر بور على جائزة ( هيلمان- هامت ) التى تمنحها منظمة هيومن واتش للأدباء الذين يعيشون فى المنفى .
وفى نفس هذا العام تزوج من ( جالا بصيرى ) وعاش معها حوالى سبعة عشر عاماً حتى وفاته فى لوس انجلوس عام 2000
.................................................. ............................
ونادر بور كان نافذة مهمة للايرانين والغرب
فقد تعرف الأدب الايرانى على أدبيات الغرب من خلال نادر بور
وبالنسبة للغرب فقد تعرفوا على ثقافات ايران وآدابها من خلال لقاءات نادر بور الاذاعية والتلفزيونية ، وأيضا من خلال مقالاته النقدية والشعرية ، فنادر بور كان يعطى لهذه المقالات جانب كبير من الاهتمام .
ونادر بور كان يعطى لجانب النقد بأنواعه المختلفة النظرى و التطبيقى مساحة أكثر براحاً
فكان يستخدم النقد لترويج فكرة معينة
حتى أننا وجدناه يصدر دواوينه بمقدمات مطولة تتضمن أراء حول القضايا الأدبية والنقدية المختلفة
.................................................. .................
ورغم ماتمتع به نادر بور من عداء تجاه الثورة وقادتها ، حتى أن الثورة حظرت تداول ونشر وتوزيع كتبه داخل ايران .
إلا أن أعماله وأدبياته عمود فى بيت الأدب الايرانى الحديث ولايمكن الاستغناء عنه .
حتى أننى لتحقيق الكشف فى هذه النقطة ، تدارست نادر بور مع بعض المثقفين الايرانيين ، فوجدت ان لنادر بور نصيب فى فكرهم وقراءتهم ، فرغم الحظر واعلان حالة الطوارئ على نادر بور ، إلا أنه لايمكن الاستغناء عن روافده فى الشعرية الفارسية الحديثة
.................................................. .

بنده يوسف
17/08/2008, 11:21 PM
:
نادر بور الشاعر الفارسي الرقيق, أحببت وجه الشاعر فيه, واحترمت غربته التي لها طعم الحزن اللاذع,
أما وجهه الآخر الذي يحمل عنصرية بغيضة وقديمة فلم أحبه. (رأي شخصي لا أحب الخوض فيه حتى لا أغمط الشاعر حقه في الجمال وعذوبة الكلمات).

أخي الكريم بنده يوسف
شكراً لهذا المد الجميل, وشكراً لجهدك

طبت وسلمت

:fl::fl::fl::fl::fl::fl::fl:

بإسمه سبحانه
وإن من شئ إلا يسبح بحمده
...................................
سيدتى / فاطمه بنت السراة (http://arabswata.org/forums/member.php?u=7412)
سلام معطر وتحية كريمة لواعية نبيهة
..............................................
تحية سيدتى لوجهة نظرك وبالفعل نادر بور أسعدتنا شاعريته الرقيقة والراقية
وأزعجتنا عنصريته البغيضة التى تشكلت فى عدائه للثورة الإسلامية
فنجد نادر بور فى كتابيه جا وآن جا
يرى تأسيس الجمهورية الإسلامية فى ايران بأنه امتداد لانتصار العرب على الامبراطورية الساسانية من القرن السابع لزماننا هذا .
ويعد انتصار الثورة كسر وانكسار للثقافة الفارسية الايرانية
.................................................. ..............
ولكن فى هذا نقطة بيضاء يجب مدارستها وهى أن ايران الثورة
أقرب للعرب من ايران الشاهنشاهية
والباحث عن الدلالة لصدق هذا عليه بوضع مقارنة تاريخية وأدبية لايران الشاهنشاهية وايران الثورة
.................................................. .....
بنده يوسف

عُمَر الأحواز
27/09/2008, 03:18 AM
لم أشك يوماً بإن لك أصلاً فارسياً , فلماذا لم تجاهرنا به , حي الله بنده يوسف , لم أقراء منذ زمن نصاً فارسياً واليوم جعلتني أقراءه , يا سبحان الله , حتى في منتديات العرب تلاحقنا الفارسية.

شكراً لأنك نشرت بعضاً من نصوص نادر نادر پور والذي لا أعترف فيه شاعراً , فقد قال في أحد كتبه
"تو از نسل اعراب صحرانشینی
که در اوج تاریکی جاهلیت
به خون می سرشتند ریگ روان را
تن دختران را از آغوش مادر
ه گور فنا می سپردند یکسر
که تا آن شکمباره ی بی ترحم"

فلما هذه العنصرية منه يا بنده تجاهنا نحن العرب , ويذكروننا في زمان الجاهلية الذي لا نخفيه عن أي أحد ولا نخجل منه , اَوَ صارت الجاهلية مسبة أو صفة مرجعه العرب , ولما هم مصرون على تسمية العرب بالأعراب؟؟؟ ولما يصفونا بسكنة الصحراء , أهل في سكن الصحراء عيبٌ؟؟؟ فإذا كنا نحن سكنة الصحراء هذه الجميلة فهم سكنة الجبال بجحورها.

أخيراً شكراً على النقل.