المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جزء من رواية قلب العدو للأديب / حسين راشد



حسين راشد
30/07/2008, 01:42 AM
جزء من رواية قلب العدوللأديب / حسين راشد
الإهداء

http://misralhura.files.wordpress.com/2008/07/d982d984d8a8-d8a7d984d8b9d8afd988.jpg?w=213&h=300

إلى كل قلب شريف يحمل أمانته

إلى فلسطين الحبيبة

وكل أرض عربية

أهدي لهم حروفي علها تًعبُر إلى مساحات القلوب المتعطشة للحرية .. وتستوطن شرايين الكبرياء والعزة.

إلى كل قلب عربي يؤمن بعروبته

إلى أمي وأبي اللذان علماني

كيف يكون الحب والإنتماء

إلى أخوتي الذين يعيشون كل لحظات عبوري للعالم المرجو في صمت وخرس

إليك

يا من تقرأ وتعي وتتفاعل

حسين راشد

افتتاحية الرواية
- لن أذهب معكم ..

أذهبوا اجلبوا انتم ما تريدون جلبه ..

احرصوا أن تعودوا قبل الغروب .. اليومين الماضيين ساد الهدوء ولكننا لا نضمن ماذا سيحدث بعد ذلك ..

العائلة تستعد لزفاف (شريف) وقلقها الدائم على مستقبله يجعلهم يسرعون في إتمام الزواج خشية أن تصيبهم رصاصات العدو الذي لا ينقطع إلا نادراً .. وهو كعادته لا يشغل باله بالأمر .. فهو يؤمن أن القدر واقع إن جاء أجله أو أجلهم فلن يستطع إطالة عمر أحد .. و تأتي على باله أحاديث أخيه (أحمد) الذي استشهد العام الماضي بعد أن قضى على جنود العدو الثمانية وحده مما استدعى قائد الفرقة أن يدك المدينة و تهجير أهلها من كثرة ما تقصف .. و الذي يُغيير على المدينة بين الفينة والفينة.. محدثاً تصدعات في المباني وترويع السكان المتبقين .. فالبقية الباقية من السكان هم من الذين لم يجدوا لهم مأوى أخر يؤويهم .. فأغلب من تبقى كانوا من فقراء المدينة الذين لا يستطيعون الذهاب لأي مكان .. فاستوطنوا المنازل التي هجرها أصحابها يتنقلون بين هذا المنزل وذاك حين يتم قصف أحدهم .. أما هم فلم يغادروا المكان حتى لا يبعدوا عن قبر ( أحمد) الذي استشهد دفاعا عن المدينة خوفاً على جثته من أن يتلاعب بها المحتلين ..

فكم من الجثث التي عبثوا بها و استقطعوا منها أجزاءً وأخذوها معهم في ثلاجات صغيرة .. كم من العيون و الأكباد و القلوب انتزعت أمام أعينهم و استقرت في هذه الثلاجات التي سرعان ما تأخذها الطائرة المروحية وتحلق بها في زخم من الأعيرة والقذائف التي تنهال على الأهالي .. وكم من الجثث التي أخذت بالكامل .. ولا يعرف أحد مصيرها .



الاستعداد للزفاف في هذه الحالة يأخذ ترتيبات غير التي يعرفها باقي الناس .. فالزفاف قد يكون في جنح الظلام أو في وضح النهار أو حيثما كانت الظروف متاحة .. وفي غفلة من قناصة المحتل الذين يطلقون قذائفهم على أي حركة كالمجانين .

الأم تسأله عن احتياجاته وعن ما ينقصه كي تحضرها له معها.. فهي لا تضمن أن يستقر الحال مرة أخرى .. فيكون مشواراً واحداً يفي بالغرض كله ..

وهو يحمل متاهته في هدوء المتوتر .. ممسكاً بيديه مجموعة قصصية ( حين يصدأ السلاح) للأديب العربي عدنان كنفاني

فيقول لها

- أمي لا تشغلي بالك .. فما لن نستطع إيجاده الآن قد لا يلزمنا بعد ذلك .

الأم – ماذا تعني .. هل ستتزوج بملابسك القديمة

يضحك ويقول لها – يا أمي طالما تحدثت عن الزواج فأنا لم أتزوج لارتدي ملابس بل لأخلعها ..

الأم : حسناً .. ما شكل الملابس التي تريد أن تخلعها بعد الزواج؟

يتنهد وتدور رأسه في محيط الحجرة ,, ثم تعود عينيه لعين أمه

- يا أمي سعادتي لن تجلبها ملابس .. سعادتي يوم تتخلص بلادي من هذه الشرذمة التي احتلت بلادي .. وأن أستطيع فعل شيئاً لروح أخي ..

كنت وأنا طفل أسعد بالملابس الجديدة أيام العيد .. و لكن الآن العيد لن يأتي طالما هؤلاء يرتعون بالمدن ..أرأيتي كم شخص ظل بالمدينة؟

- لم يعد الكثير يا ولدي .. كلنا ثلاث أو أربع عائلات .. والبقية من الفقراء الذين لم يستطيعوا المغادرة رغماً عنهم .

- إذاً .. ماذا نريد .

توقف بعض الوقت عن الكلام .. و زاغت عيناه إلى صورة ( أحمد) لتفر الدمعة من عيناه فتلحقه أمه بأصابعها الحنونة تمسح الدمعة السائلة قبل أن تقع على خده .وما إن لامست أناملها الحنونة خده حتى شعر ببرد وسلام .. سحبت منه الدموع .. و باركت صلابته ..

- لا عليك يا ولدي .. سنكون على ما يرام .. دع الملك للمالك .. فله في كل شيء حكمة ..

فيعود بالحديث في صوت متأجج بالنواح :-

- أنا أتزوج يا أمي كي تزيد العائلة روح وطنية مقاومة ..وأذهب لأرتدي ما يليق بي أن أرتدي في ظل تلك الظروف .. لا كي ألبس ثياب جديدة ..أخشى أن أكون قد جنيت على صباح .. كنت أتمنى أن نكون في وقت أخر كي أستطيع أن أسعد قلبها ..

الأم – يا ولدي .. عقلك هذا ما يقلقني عليك .. وأخشى أن تجن ..صباح رقيقة وتحبك أكثر مما ينبغي .. وتساورها الشكوك كلما غبت عنها .. هي بنت تمنيتها لك منذ رأيتها أول مرة حين جاء بها أهلها من القرية المجاورة .. أتذكر هذا اليوم؟

-على ما أذكر يا أماه .. كانت ترتدي ثياب ملئت بالدماء .. قالت لي حين هممت بمساعدتهم هي ومن كانوا معها .. أنها كانت تنتشل جثث أهلها من تحت الأنقاض وأنها عملت مع الهلال الأحمر مدة طويلة كممرضة وكيف استطاعت إنقاذ أرواح كثيرة من جيرانها و أصدقائها وأهالي بلدتها .. وأنها لم تستطع إسعاف أهلها لأنهم كانوا تحت الأنقاض بعدما قصف منزلهم وتم تدميره بالكامل وهي في مستوصفها تسعف الآخرين .. فلفظوا أنفاسهم الأخيرة قبل أن تصل إليهم ..

كان ذلك بعدما قتلوا أخي بعدة أيام .. ولولا استشهاد أخي لما تركتها كل هذه المدة.. ,أخشى أن أتزوجها اليوم و أقتل غداً فتصبح أرملة في عز شبابها ..

.. أفكارك يا ولدي تقلقني عليك حين نتركك وحيداً .. أريد أن أفرح ككل الأمهات .. ألا يمثل ذلك شيئاً لك ؟

- بلى يا أمي .. سعادتك تهمني بالطبع .. ولكن الملابس لا تجلب السعادة .. فدعك من هذا الموضوع وأذهبي قبل أن تأتي قذيفة غشيمة .. تؤجل الموعد مرة خامسة أو سادسة ..

- عندك حق يا ولدي .. عروسك بدأت تشعر بالقلق فمنذ أن رحل والدها ولم يعد لها سوانا وأنا لا أريد أن نتركها وحيدة هكذا .. ويجب أن تدخل بيتنا في عزة .. كي تشعر أن لها حقاً علينا ولا تشعر بأننا نتعاطف معها أو نعطف عليها ..

- نفسها عزيزة يا أمي .. ولها قلب يشعر بي أينما غدوت .. و أشعر بالقلق عليها دوماً حتى وهي معي .. دعينا نتخلص من هذا البعد القريب لتدخل أسرتنا هذه النسمة الرقيقة .

الأم : يا ولدي هي منا .. فلنسرع بالزفاف وخير البر عاجله .. أتعرف ..في كل مرة نتفق على موعد وتقصف المدينة فلا نستطيع أن نغادرها .. أرى في عينيها غمامات الحزن تحجب لؤلؤتيها .. وتزفر أحياناً بزفرات تشعرني بالخوف عليها ..فلنذهب اليوم واليوم أفضل من الغد .. وغداً إن شاء الله نزفها عليك ..

- سلمك الله يا أمي .. لا تنس أن تبتسمي في وجهها فهي كالطفلة حين تبتسمي لها تذهب عنها كل ذرات القلق ..

- حماكما الله يا ولدي وأتم الزيجة على خير إن شاء الله ..لا تنس إذا خرجت أن تغلق الغاز .. و النوافذ .

تذهب الأم ونظرات عينيها تحتضن نظرات أبنها .. تودعه على باب البيت .. فيزعق زوجها بالإسراع حتى يتمكنوا من العودة قبل الغروب .









مالا تشتهيه السفن



غادروا المدينة .. ذهب شريف إلى حجرته ينظر إلى أركانها التي علمت ثقوب القذائف بها بأشكال عشوائية الأسبوع الماضي جراء متابعة جيش الإحتلال لبعض أفراد المقاومة مما أحدث تصدعات كبيرة في المباني ..ذهب ليأتي ببعض الأسمنت لسدها تجهيزاً لدهانها .. اعد الخلطة التي تعود عملها من كثرة إعادة سد الثقوب وعمليات الترميم التي لم تنتهي وتلك القذائف اللعينة التي أوشكت أن تهيل الجدار كما حدث في منزل الجار الذي غادر المدينة .

تفاجئه كثافة النيران العدوة .. يهرول شريف مبتعداً عن الحائط.. تاركاً الكتاب مفتوح على مصرعه.. تحضر أمام عينيه صورة صباح.. ليتذكر إصراره ورفضه التام أن يرى السعادة وأرضه حزينة ..فتريح قلبه ابتسامتها الزاحفة عبر همساتها المستدعاة من الذاكرة دائما ما شعر بهذه الروحانية والشفافية التي بينه وبين تلك الفتاة ..

النيران تشتد حوله من كل اتجاه.. ينظر شريف بطرف عينه لهذه الفرقة التي تجيش في منطقته الهادئة .. هذه المنطقة السكنية التي لا يوجد بها حتى رائحة من جنود الوطن .. هي ليست بجبهة قتال .. على يمينه المدرسة الابتدائية التي تعلم فيها معنى احترام الآدمية وحب الإنسان للإنسان ..

وعن يساره ذاك الملعب الذي لطالما لعب فيه ألعابه التي تعلم على أرضها احترام المنافس .. و تقبل الخسارة بصدر رحب .. ومعاني النصر وتواضعه . وعبارة الحديث المكتوب على سور المدرسة (( ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب ))

وبعدها بياردات بسيطة وبالخط الكوفي .. – وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون -

تقترب الدبابات والمدرعات .. يحاول أن يختبئ بين أعمدة الطريق .. ثلاث عربات ومجنزرة .. يدخلن الحي ..لماذا؟ما الداعي .. لم يعد في الحي سوى عائلتي الصغيرة بعدما أجهزوا على أخي ..وبعد أن فرت العائلات والأسر إلى أماكن أكثر أمنا .. ومنهم من غادر البلاد ..

- مالهم هؤلاء الملاعين .. ماذا فعلنا بهم كي يسلبونا أمننا ..

في المقابل يقف قائد الفرقة فوق دبابته .. حاملاً على صدره نياشين عدة و يعلوها وسام الشجاعة .. يلمح شريف من بين ألسنة اللهب وهو يحاول الاختباء كالثمل الذي يتخبط في الهواء .. ولا يقع ..

يشير القائد للجنود .. اتركوه .. هذا لي .. يبدأ بالتصويب على رأس شريف .. الذي لم يثبت في مكان .. في منظار سلاح القائد ظهرت عصفورة ملونه ترفرف بجناحيها ..غطت مساحة الرؤية عن الهدف .. فأطلق النار عليها كي يزيحها من أمامه ............

فيتذكر القائد يوم كان في دورته التدريبية .. وكيف لمعلمه في فنون القتال أن سحله أمام جميع زملائه حينما تأخر عن إطلاق النار رأفة بعصفور صغير كان يقف على الشكل الموضوع للتدريب ..

وماذا حدث له حينما علل للمعلم سبب تباطؤه في الضرب بأنه تماسك حتى يطير العصفور ثم يرمي الشكل بعدها .. و كيف كان الرد وقتها ..

الحرب يا فتى ليس بها عواطف .. نحن هنا ندربك على نزع تلك العواطف .. فإن لم تستطع نزعها فأعلم أنك ميت لا محالة .. و أن هذا الموت يجب أن تختص به وحدك .. فما تفعله أنت الآن قد يعرض الجميع للموت.. كي تكون قائداً لفرقة يجب أن تعي أنك مسئولاً عنها فلا يجب أن تحمل معك هذا القلب . أترك هذا لعشاق الدراما السينمائية وأحصل هنا على عقل المقاتل..دعك من تلك المضخة التي تضخ الهزيمة ... الحرب لا تعرف القلوب الرحيمة .. هذه القلوب مكانها الروايات الأدبية ولا مجال لها عندنا ..

تذكر كيف عوقب بتجريد ملابسه طيلة يوم كامل تحت لهيب الشمس .. في صحراء خالية تماماً من أي ساتر ..وتسحيفه على الإسفلت المتشبع بحرارة شمس يوليو ( تموز) التي تسربت من الأرض لتشوي بدنه .

وكيف ضحك عليه أصدقائه والتعليقات الساخرة التي سمعها من هذا وذاك .. ولم ينبت أحدهم بكلمة تطيب خاطره أو تزيح عنه تلك المعاناة .. صيحات الجنود أعادته مرة أخرى للمشهد الحالي ..و قهقهات المعلم حين كان يراه وهو يلهث ويتصبب عرقاً .. مع منعه من أن يرتدي شيئاً يستر به عورته .. أو أن يرتشف نقطة مياه يبلل بها لسانه من قسوة ظمأه .. يعود مع تعالى ضحكات الجنود .. نعم أيها القائد .. هذا لك .. ككل مرة تفتح لنا باب القتال أولاً..

يشير بإصبعه الوسطى إلى أعلى مطبقاً باقي أصابعه .. وينزل بيده بسرعة .. فيلزم الجميع الصمت..

يصوب بندقيته نحو رأس شريف ..الذي ظل متنقلاً كالعصفور بين الأشياء .. يبحث عن شيئاً .. لا يعرف ما هو بالضبط ..ليتذكر ما كان يقرأ ..

شيء ما همس لشريف .. أركد ..فركد .. تفاداها بارتمائه على الأرض .. ودار بجسده على الأرض دورات عدة حتى اختفى من أمام منظار بندقية القائد ..

ينزل القائد من على ظهر الدبابة متعصباً : هذا الفأر اللعين أين ذهب

في هذه الأثناء كان شريف قد تسلل للمنزل و سرعان ما أتى ببندقية الصيد التي تركها والده في المنزل حتى يستطيع الدفاع عن أهل البيت في حالة اعتداء اللصوص عليهم . بعدما أصبح احتلال بلاده مرتع للصوص والعصابات والنفوس القذرة ...ظل يزيل عنها الصدأ الذي طالها .. و تداعبه القصة في ذاكرته كنقش وخربشات على جدار رأسه .. تمنى ألا يخدعه السلاح الصدأ هذا في المواجهة كما خدع بطل القصة .. فيلقى حتفه دونما فائدة .. صعد على سطح المنزل .. صوب نحو المدرعة .. كقناص محترف

أجهز على جندي من جنود المدرعة..

اشتاط القائد غيظاً.. وأمرهم بالعودة داخل المدرعة

لكن شريف أصاب الآخر .. فالأخر ..

زاد غضب القائد .. واقسم بأن يأتي برأس هذا الشاب المزعج

أمرهم بالعودة لأماكنهم بالمدرعة .. وعلى العربات الثلاث الأخرى الالتفاف حول منزل الملعون هذا

فكر شريف في أن يصوب بعض طلقات بندقيته على عجلات السيارات .. أما المجنزرة فهو لا يعلم كيف سيوقفها !!الذخيرة التي يحملها شريف لا تكفي بكل هذا الكم .. فما معه من طلقات لا يتعدى العشرين طلقة ..

قفز من سطح منزله للمنزل المجاور .. فالمجاور فالمجاور .. حتى أصبح في شارع آخر , والفرقة العسكرية تحيط بالمنزل من ثلاث اتجاهات ..

طرأ على بال شريف أن يفر من المنطقة .. التي أصبحت كالصحراء القاحلة .. لم يسمع صوت لجار له .. علهم جميعاً قد هزموا .. في أثناء محاولة فراره من الحي تزحف لعينه بنت جاره الذي غادر المكان وترك أسرته ومعها تلك الصغيرة ( ولاء) تلك الشقية التي تداعبه كلما خرج من المنزل .. هم لا يعلمون إلى أين ذهب .. ولا يعلمون إن كان حياً أم كان ميتاً ..

ولاء الآن بين أيادي الجنود يتلاعبون بها كأنها دمية .. يقترب منها جندي وينزع عنها فستانها .. صرخات (ولاء) التي لم تتم العاشرة بعد تدوي في أذنه .. ضحكات الجنود من حولها تصيب قلب شريف برجفة.. يتلاعب أحد الجنود بمؤخرتها .. فتزداد حدة التوتر على وجهه .. وصمم أن يحررها ..

كان قد أحصى عددهم .. حين خرجوا من حصونهم السائرة .. فعددهم في حدود الخمسة عشر جنديا ..

ولاء تلمحه .. وعينيها التي عبأت بالخوف تسرب لها الأمل حين لمحته .. فابتسمت له ابتسامتها المعتادة استنجدت به .. يا عم شريف .. أنقذني ..

الجنود لا تعرف لغة البنت .. لكنهم أدركوا أنها تقصد هذا الملعون الذي قتل زملائهم..

جذب القائد البنت نحوه وأخرج سكين من جراب بنطاله ووضعها على رقبتها ..وهو يتحسس جسدها الضئيل بأصابعه ..كالنمر الذي ينهش فريسته الضعيفة وتعلو قهقهات السخرية وجهه وتصدح بالهواء .. فيعود صدى الصوت مرة أخرى .. دونما إجابة من شريف ...

- تعالي أيها الملعون .. و إلا قطعتها أرباً أربا ..

أيقن شريف انه لا مفر ولا بديل سوى المواجهة..حتى يحرر تلك الصغيرة المسكينة ..



استغاثة الصغيرة تشعل صدره .. تفور دمه في عروقه التي أصبحت ظاهرة فوق جلده كخراطيم المحلول التي تعلق للمريض بالمستشفيات ..

المسافة بينهم أصبحت قريبة .. لكن الجنود لا تراه ..

حتى أصبح أمامهم وقف وهو مصوب بندقيته لرأس قائدهم .. اتركوا ولاء..

- الق سلاحك أيها الملعون

- قلت لكم أطلقوا سراحها .. إنها طفلة أيها الماجنون

يشير قائدهم ليستعد الجميع ..

يلمح شريف بطرف عينه غدر الجنود .. والقائد يلقي بولاء فتسرع نحو شريف الشبه مختبئ .. والشبه ظاهر

فحصنه الذي أخذه ما هو سوى برميل فارغ .. يجمع أهالي المنطقة ما يخرج من قاذوراتهم وبجوار سور المدرسة الابتدائية التي كانت مهد تعلمه ..

يشير القائد للجنود .. فترتفع أصوات الرصاص في الهواء .. لتصيب ولاء في كتفها و يديها وقدمها ..

ابتساماتها التي كانت تحمل الأمل حين رأت شريف لم تدم طويلاً .. تتساقط مع شلال الدماء ومضت عيناها حتى انطفأت .. احتضنتها الأرض بحنان الأم ..

شريف ينظر إليها مذهولاً .. قلبه كأنه هرول عليها لكن جسده لا يزال مختبئ خلف البرميل .. رأسه تكاد تنفجر

..أخذ وضع الاستعداد ..صوب نحو رأس القائد .. رماه فأصابته إصابة طفيفة في جانب رأسه ..

خرج شريف من خلف البرميل ضاغطاً على الزناد و كالآلة يشد الأجزاء و يضع البارود ويصوب بلا وعي أصاب الجميع ..

القائد وهو في طريقه إلى الأرض التي رفضت أن تحمله . اخرج مسدسه وصوب نحو رأس شريف .. ضربات شريف الطائشة أصابت قلب القائد .. أما طلقات القائد فقد فجرت رأس شريف تفجيراً ..

خرج مساعد القائد من الدبابة ثملاً .. ليرى ما حدث وسرعان ما أعطى إشارة استغاثة للإسعافات وغرفة العمليات الرئيسية .. فهذا القائد ممن تعتمد عليهم قيادة الجيش في المهمات الكبيرة ..

حامت في الأفق مروحية الإسعاف .. هبطت حينما توقف الضرب ..

نزل الطبيب ومعه المسعفون ..

لمح بطرف عينه الفتحة الكبيرة التي أحدثها شريف في صدر القائد .. فأيقن أن قلبه قد أصيب .. أتصل بالقاعدة الطبية لتجهيز غرفة العمليات ..

أشار الطبيب لجثة شريف الغارقة في الدماء ..

وقال لهم .. احملوها معنا .. علها تنفع .. قد نحتاج من هذه الجثة بعض قطع الغيار ..

حملوا الجثث بما فيهم جثة شريف .. في الطائرة ..

القاعدة الطبية تستعد لنزول الطائرة .. وعربات الإسعاف تشكل دائرة كبيرة .. الأطباء يتهامسون .. هل مات هذا القائد

- ليته يموت .. فهو بلا رحمة ..

- نعم يا جيمي لكنه بارع في تصفية العدو

- أي عدو يا صديقي .. إنهم مدنيون .. لا صلة لهم بالمعارك – انظر لشكل ملابسه جيداً ..

- لا تقل هذا .. أنسيت أنك ضابط في الجيش .. لو سمعك أحد و نقل حديثنا قد تفقد كل شيء .. وراتبك الكبير الذي لا يحلم به كبار العلماء وأساتذتك في الجامعة يحسدونك عليه ..ولا تنس أنها سبيلك للحصول على الجنسية ..!!!

- إذاً!!؟؟

- لا تفكر .. نفذ ما تأمر به فحسب .. هذه هي الجندية .. ألم تكن معنا في نفس المعسكر!

خارج غرفة العمليات .. يتباحث الجميع .. القائد لا يزال حياً لكن الرصاصة اخترقت قلبه مزقته تمزيقاً مزعجاً ..بشكل لا يمكن أن يعيش به .. يجب إيجاد قلب بديل ..

- لا عليك لدينا ثلاث جثث .. لجنود قتلهم هذا الملعون الرابع ..

- لماذا جئتم به ..؟

- الطبيب هو من أمر بذلك

وقف جيمي يتأمل وجه شريف .. ويقول : أهذا الذي فعل بالقائد والجنود هكذا ؟ أم أنهم كانوا كثر؟ فوجه شريف البرئ لا يدل على أنه من المحاربين بل تبدو ملامحه الملائكية أنه من النوع الهادئ المسالم ..

رد عليه نائب القائد .. هذا اللعين كان وحده .. تخيل .. هذا الولد يقتل ثلاثة و يصيب القائد ..الفرقة كلها مصابة ولم يتبق سواي لم أصب ..أتعرف لماذا؟

- لماذا؟

لأنني كنت بداخل الدبابة أحتسي بعض المشروبات .. يقهقه و يتابع حديثه بشكل ساخر ..

- ملاعين هؤلاء .. إنهم إرهابيون حقا



جيمي يأخذ نفساً عميقاً .. ويردد بداخله .. أنكم انتم الملاعين أيها السفلة . فالولد ملابسه تدل على انه لم يكن مقاتلاً فما باله لو كان مقاتل ..

أمر بفحص قلوب الجثث الثلاث وإجراء التحليلات اللازمة لنقل القلب الذي يتواءم مع هذا القائد ..

أشار مدير المستشفى وهذا الآخر .. خذوا هذا الولد معم فككوه .. و أخذوا ما ينفع منه وضعوها في الثلاجة حتى تأتي الطائرة التي ستأخذ الأعضاء المخزنة .. هذه الجثة حديثة وقد تفيد أكثر من غيرها ..





بعد إجراء التحاليل

جيمي يسأل .. ماذا وجدتم .. قال طبيب التحاليل .. هناك قلب يتوافق مع القائد .. هرش رأسه .. وما بال قلب الشاب الذي أصابه القائد ؟!!

- انه بحالة جيدة وكذلك باقي جسده .. أصابته جاءت بالمخ

- إذن ليفحص قلبه جيدا و هل سيتناسب مع العملية أم لا !

سنحاول خلع قلب القائد ونضعه على القلب الصناعي حتى تأتي لنا بالتحاليل على وجه السرعة .

- تمام

جيمي يفكر أن يزرع قلب الولد ليعيش .. فما أصابه بالكاد لم يكن يستحقه .. ولكن الجنود الثلاثة الذين فقدوا حياتهم فقدوها لأنهم أخطأوا .. ولم يتعاملوا بشرف في المعركة . فلا يستحق أحدهم أن يعيش قلبه مرة أخرى ..أشار المدير لباقي الأطباء أن يسعفوا باقي الجنود في الاستقبال .. و أوصى جيمي بهذه المهمة لعلمه أنه أكفأ طبيب جراح يستطيع عمل هذه العملية خاصة أنها من صميم تخصصه ( جراحة القلب)

وما أن بدء العمل حتى جاء الطبيب مهرولا .. سيدي .. يا للعجب إن القلب الوحيد المتوافق بالكامل مع القائد هو قلب هذا الولد ..

علت الابتسامات وجه جيمي .. تمتم بالشكر ..وقال :- إذن فلنبدأ العمل فوراً .. لا داعي لتضيع الوقت ..

فاطمه بنت السراة
30/07/2008, 07:43 AM
:
قلب مدني عربي ومسلم في جسد صهيوني جبل على البطش والقسوة!
ماذا سينتج لنا:
رجل بلا قلب أم قائدا بقلب؟

متابعة معك إن شاء الله

أخي القدير حسين راشد..
لم يفاجئني مضمون الرواية فهذا فكرك وجهادك الوطني الذي أعرفه,
الذي فاجأني هو أنك راو من الدرجة الممتازة.


أخطاء مطبعية بسيطة:
بلا يا أمي .. سعادتك تهمني بالطبع = بلى

حسين راشد
31/07/2008, 12:45 AM
الأخت الفاضلة الأديبة فاطمة بنت السراه
أسعدتني رؤيتك و تعليقك و ملاحظتك اللغوية السديدة ..
كلماتك الشقيقة وسام جديد أضعه على صدر سطوري .. وأشكر فيك ظنك بي وأسأل الله أن أكون دائماً عند حسن الظن و أن يدم بيننا جميعاً هذا الاخاء العربي الإنساني لنتكامل تكاملنا الطبيعي
ولك دائماً خالص التحية و أجل التقدير والإحترام

فايزة شرف الدين
01/08/2008, 06:29 AM
أعرف أنك مقيم في مصر ، ومثل هذا الأدب .. أدب المقاومة أصبح من القلة .. وقد شعرت بهاجس أنك فلسطيني .. وخاصة أنك لا تعي آخر الحروب المصرية، وهي حرب أكتوبر .
القصة تحمل تجسيدا حقيقيا لأدب المقاومة ويبدو أن الأحداث ستأخذ منحى آخر بعد زرع قلب العربي بدلا من هذا الصهيوني .
يبدو أن الغالية فاطمة قد سبقتني فيما اعتور النص من كلمات أرجو تصحيحها .
وفي انتظار ما ستسفر عنه الأحداث

http://www.10neen.com/up/uploads/dd120c6157.jpg (http://www.10neen.com/up/)

فاطمه بنت السراة
01/08/2008, 11:24 AM
:
غاليتي فايزة
أخي حسين راشد مصري 100%
ومناضل عربي 100%
وقد تشرفت بالكتابة معه ومع المغفور له بإذن الله الأستاذ مجدي محرم ومجموعة رائعة من العرب
والمصريين في الجريدة الالكترونية شباب مصر, وقد استفدت منهم.

حسين حسن راشد
الجنسية : مصري عربي
كاتب ومفكر سياسي
شاعر وقاص
فنان تشكيلي
صحفي
عضو اتحاد كتاب الأنترنت العرب
نائب رئيس حزب مصر الفتاة.

فايزة شرف الدين
01/08/2008, 11:46 AM
غاليتي فاطمة
أشكر لك إيضاح الصورة لي .. وقد أسعدني جدا أن الأخ حسين راشد مصري ، وروايته دلالة عن أن الشعب المصري ، وطائفة كبيرة من الشباب المثقف ، ما زال يحمل على عاتقه القضية الفلطسنية ، وتصويره الأحداث الدامية والمقاومة بهذه الأريحية.. إنما يدل على أنه فعلا قارئ جيد للأحداث .. بل ووجدانه قد انفعل إلي حد كتابة رواية عن أدب المقاومة .
لقد سألت هذا السؤال نفسه من أديب فلسطيني .. في قصة مقيم دائم .. إن كنت فلسطنية أعيش على الأرض .
ففلسطين ، وبيت المقدس هي في قلوبنا .. وكثيرا ما اعتصر قلبي حزنا وأنا أري المعاول وآلات الحفر تهتك هذا المكان الطاهر .. ثم هذا الشعب الأبي وقد حوصر بالكرتونات من قبل الاحتلال ومع ذلك ما زال صامدا .
بوركت أختي الحبيبة فاطمة

حسين راشد
01/08/2008, 03:05 PM
الأستاذة الأديبة / فايزة شرف الدين الموقرة
أسمحي لي سيدتي في البداية أن أشكر أختي العزيزة الأديبة فاطمة بنت السراه على هذا الرد الجميل الذي يدل على أننا جميعاً أخوة .. نكمل بعضنا البعض .. وأننا ولله الحمد تربطنا روابط لا يستطيع أي مخلوق فكها لأنها روابط معنوية وليست مادية
سيدتي
لا فرق بين عربي وعربي .. فكلنا عرب
يسعدني دائماً و أفتخر بمصريتي .. و انتمائي لمهد الحضارة الإنسانية على الأرض و أولى بلاد التوحيد
كما يشرفني أن يراني خلق الله فلسطينياً أو عراقياً أو لبنانياً أو سورياً أو أي من هذه الجنسيات التي تصب في النهاية في قالب ( العروبة)
وشعوري بالقضية ومعايشتي لها فهذه نعمة من الله علي أشكره عليها ليل نهار .. ولله الحمد
لأني أؤمن أننا جسد واحد إذا اشتكى منه عضو يجب أن تداعى له باقي الأعضاء بالسهر والحمى .. ومن لا يشعر بها فأعتقد أنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون جزءاً صالحاً لهذا الجسد .
أشكرك على هذه الكلمات الطيبة .. ورؤيتك الأدبية الشقيقة .. و اعتذر عما جاء من أخطاء طباعية في هذاالجزء
ولك دائماً احترامي وتقديري