المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ذكريات السيدة العجوز المحترمة



فرح حمداوي
02/09/2008, 04:11 PM
ذكريات السيدة العجوز المحترمة

ﭐقتربت من غرفة ﺃبناﺌها البنين , وضعت يدها على قبضة الباب , ترددت كثيرا قبل ﺃن تفتحه , ﺃخذت نفسا عميقا , و بكل ٳصرار فتحته... ﺃشعلت اﻷنوار و طارت تجول في الغرفة طولا و عرضا ... ﺃلم تتغير هذه الغرفة بعد كل هذه السنين ؟
ربما ... لكن ﺃبناءها الثلاثة قضوا فيها ﺃجمل ﺃيام حياتهم , كان منظر ﺃسرتهم يدل على ﺃنهم قد هجروا المكان منذ سنين .
لقد رحلوا ليتموا دراستهم . و لطالما كانت والدتهم تعاتبهم في الهاتف بسبب عدم مداومتهم على اﻹتصال بها . لكن قلبها كان يلين في النهاية ... فهم ﺃبناﺆها , فلذات كبدها ... ﻤﺆكد , لن تستغني عنهم ... ففي كل لحظة تستحضر ذكرياتها معهم, منذ ﺃﻦ كانوا ﺃطفالا لا يفرقون بين يمينهم و شمالهم .
ثم ﭐنتقلت على مضض ٳلى غرفة ربى , ٳبنة ﺃختها المتوفاة التي ﺃحضرتها ٳلى بيتها عندما كانت رضيعة . حتى هي مضت و تركتها بمجرد رؤيتها لعقد العمل الذي ينتظرها ﺒﭐلخارج .
ﭐقتربت العجوز من نافذة الغرفة , فتحتها ثم ﭐشرﺃبت بعنقها منها , كان منظر المارين و الغادين يدخل الطﻤﺃنينة ٳلى قلبها ... لن تحس ﺃنها وحيدة ... و لو لهنيهات ... لكنها ﺃحست ﻷول مرة في حياتها ﺃﻦ الوقت يمضي بسرعة البرق , قد يسلب الناس ﺃغلى ما يملكون , قد يفتح لهم باب الحظ على مصراعيه , قد يغدر بهم ... و ﺃحيانا قد يجعل شعر رﺃسك يشيب دون ﺃﻦ تحس ... سرت بجسدها اﻠﺿﺌيل قشعريرة عابرة , ﻔﺃغلقت النافذة بسرعة و يداها لا تزالان ترتجفان , ﺃسرعت ٳلى المرﺁة ... ﺘﺃكدت ﺃﻦ السنين مضت ... كادت ﺃﻦ تبكي بحرقة ﺃو ﺃﻦ تنفجر حنقا و هي ترى تلك التجاعيد التي حفرتها السنين على وجهها ... لا ... لا يمكن ﺃﻦ يهزمها الزمن ... مهما حاول ... مهما طالت معركته معها ... لابد ﺃﻦ تنتصر هي في هذه الحرب الضروس . و ﻔﺠﺃﺓ ٳذا بصورة زوجها الشهيد تمثل ﺃمامها ... كان يبدو سعيدا و البسمة لا تفارق شفتيه , تماما كما عهدته سابقا ... خرجت من الغرفة على عجل و في رﺃسها تدور ﺃلف فكرة و فكرة . و ﺃخيرا ... دخلت غرفتها ... فتحت الدولاب الخشبي ... ﺃخذت تتلمس ملابس زوجها الشهيد ... لا زالت كما هي ... لم تتغير ... ﺒﭐستثناء ذرات الغبار العالقة بها . تركت الدولاب مفتوحا و ﭐتجهت نحو الصور الفوتوغرافية المعلقة على الجدار ... صور العاﺌلة الصغيرة ... لقد ﭐشتاقت لها و ﭐشتاقت لليالي البهجة و السرور التي ﺃمضتها في هذا المنزل البديع ... ٳنه ﺃحسن منزل في العالم ... على الاقل ﺒﭐنسبة لها , فهو يحفظ جميع ذكرياتها , و كل ركن فيه يذكرها ﺒﭐلماضي ... الجدران ... اﻷرضية ... و حتى ﺃوسمة زوجها الذي ﭐستشهد في سبيل الدفاع عن الوطن .
و ﺃخيرا ﭐستقر بها المطاف على الكرسي الهزاز ﺒﭐشرفة , ربما كانت تتمنى ﺃﻦ يعوض اﷲ صبرها خيرا .
بعد هنيهة ... رن جرس الهاتف ... لقد كان ﭐبنها اﻷكبر يخبرها ﺃنهم عاﺌدون , فقد كان ذلك لزاما عليهم لكونها وحيدة . و ﻷول مرة بعد سنوات ﭐبتسمت ... ثم مضت تعد لنفسها فنجان شاي ﭐرتشفته فيما بعد و هي تفكر في اﻷتراح المنقضية و اﻷفراح القادمة .
اﻵن فقط يمكنها ﺃﻦ تضع رﺃسها على الوسادة و تنام قريرة العين , مرتاحة ... فغدا ﺃو بعد غد ﺴﯿﺃتي ﺃبناؤها ... ستمضي معهم ﺃوقاتا راﺌﻌة ... و مع ﺃحفادها عصافير الجنة .