المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "راعنا" القرآنية من العبرية: سيّئُنا!



عطية زاهدة
23/09/2008, 09:06 AM
"راعنا" تعني: سيئنا
بقلم: عطية زاهدة
###############


قال الله تعالى في نهيِ المؤمنينَ عن محاكاةِ وتقليد اليهودِ في مخاطبتِهم خاتمَ المرسلينَ:
"لا تقولوا: راعِنا، وقولوا: انظُرْنا واسمعوا".


اختلف المفسرون في كلمة "راعنا"، وجاء في أمرِها آراءٌ عجيبة. ولمّا كانتِ الآية ُ"منَ الذينَ هادوا يحرّفون الكلمَ عن مواضعِهِ ويقولونَ سمعْنا وعصيْنا واسمعْ غيرَ مُسمَعٍ وراعِنا ليّاً بألسنتِهم" تبين بصراحةٍ أنها من أقوالِ اليهودِ ليّاً بألسنتِهم، فهذا يعني أنّ اليهودَ كانوا يقولونَها ليّاً بألسنتِهم إيهاماً بأنَّها عربيّةٌ، مع أنَّ القصد منها هو معناها في العبريّةِ، وهذا يعني أنَّ كلمة "راع" موجودةٌ في لغتِهم. ومن هنا كان حريّاً بالمفسرينَ أنْ يمسكوا بكلمة "راع" في العبريّةِ، لينطلقوا منها إلى فهمِ المسألة على حقيقتِها.


إنْ كلمة "رَعْ" (רע) – نقرؤها راعْ- العبرية معناها: سيّء، أي هي وصفٌ للشيءِ بالسوء أو القذارة وما إلى ذلك.
فإذا قلتَ في العبريةِ : "شارونْ راعْ" فتقصد : "شارون سيء" أو إذا قلتَ : "شارونْ هوْ إيشْ راعْ" فتقصدُ أنَّ شارونَ هو رجلٌ سيّءٌ.
طبعاً (دخولاً في السياسة)، لا ريْبَ في ذلكَ .
ولوْ كنتَ بينَ قومٍ عبرانيّينَ وأرادوا أن يشيروا لك إلى شخصٍ بعينِهِ بأنه السيءُ فيهم، أو بأنهُ سيّئهم، فإنهم يقولون عنهُ: "راعينو" רענו (ra'aino, ra3aino ـ أيْ: هوَ سيئُنا.


ولتوضيحِ المقصودِ باللَّيِّ:
كلمةُ "سِْفر" التي معناها: كتاب، هي في العبريّةِ أيضاً "سِفِرْ" ספר، وتلفظُ بمدِّ الكسرةِ الأولى التي تحتَ السين فنقول: "سيِفِر"(sefer, saifer) (نلفظُ المقطع الأول كما في كلمة say). وإذا أردنا في العربيّةِ أن نبينَ عن سفرٍ بأنهُ خاصتُنا ولنا فإننا نقول: سِفْرُنا. وأمّا في العبريّةِ فنقول: سِفْرينو ספרנו (sifraino).. أي عند لفظِها نلوي بلساننِنا ونُميلُه.


فماذا كان يفعل اليهودُ في المدينةِ من أجل الإساءة إلى الرسول، عليهِ السلامُ؟
انتهز هؤلاء كلمةَ "راعنا" العربيةَ، والتي يقصد العربُ بقولِها أن ينظرَ المخاطَبُ بها إليهم، أي كان العربُ يستعملونها في طلبِ نظرةِ الرعايةِ والاعتناء بهم من قِبَلَ الذي يخاطبونه. ولا نزال إلى اليومِ نستعملُها، وبخاصةٍ في مجال البيعِ والشراء، فنقول للبائعِ الذي نشعرُ أنه يطلبُ سعراً غالياً، ونريد أن يكرمَنا بخفضِهِ – نقول له: راعِنا يا ابن الحلال!.. أو نستنكرُ منه طلب سعرٍ غالٍ فنقول له: ما لكَ لا تراعينا يا رجلُ!
حسناً، انتهز يهودُ المدينةِ كلمةَ : "راعنا" العربيّةَ ليقولوها قاصدينَ منها معناها، لا العربيَّ، بل معناها في لسانِهم العبريِّ : "ليّاً بألسنتِهم". ومن البدهيِّ أن كثيراً منهم كانوا يلحنون في تحدُّثِهم بالعربيّةِ، ومن ذلكَ تغييرُ بعض الحركاتِ في الكلماتِ العربيّةِ بما يناسبُ ما في لسانِهم، فانتهزوا هذا أيضاً للتغطية وتمشيةِ الخداعِ.
أجل، انتهزَ اليهودُ كلمة "راعِنا" العربيّةَ معَ الليِّ لها بألسنتِهم، وصاروا يخاطبونَ بها الرسولَ، عليهِ السلامُ، قاصدينَ منها أن يصفوهُ بأنهُ سيئهم (أي السيء في القوم الموجودين حين الخطاب). وهنا يوجد احتمالان في ليِّ تلك الكلمةِ:


الاحتمال الأول (وأراه الأقوى): هو أنهم كانوا يقولونَها: راعينو רענו (ra'aino, ra3aino) ، أي: يا سيّئَنا، أو : يا أيّها السيءُ فينا ومن بيننا.


الاحتمال الثاني: هو أنهم كانوا يقولونَها : "راعْنا"، بتسكين العين على أصلِ كلمة "راعْ" في لسانِهم. وهي أيضاً بمعنى: يا سيّئنا، أو : أيها السيءُ فينا ومن بيننا.


وهكذا كان اليهودُ يفعلونَ بكلمة "راعِنا"، عندما يخاطبون الرسولَ ،عليْهِ السلامُ، يلوونَ ألسنتَهم بها، أو يلحنونَ في لفظِها، من أجل أن يقصدوا أن يصفوهُ بأنّه سيّءٌ، أيْ كانوا يتظاهروَن كأنهم مهتمون أن يوجهَ إليهم نظرَهُ وسمعَهُ؛ إيهاماً بانهم يجعلون لاهتمامه بهم اعتباراً ووزناً .
ومن أجل أن يقطعَ الله تعالى عليهم هذا الخبثَ، وتلك المخادعةَ، وذلك التمويهَ، فقد طلب منهم أن يقولوا :"اسمعْ وانظُرْنا".
"منَ الذينَ هادوا يحرّفون الكلمَ عن مواضعِهِ ويقولونَ سمعْنا وعصيْنا واسمعْ غيرَ مُسمَعٍ وراعِنا ليّاً بألسنتِهم وطعناً في الدين، ولو أنّهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمعْ وانظُرْنا لكانَ خيراً لهم وأقومَ، ولكنْ لعنَهم اللهُ بكفرِهم فلا يؤمنون إلّا قليلاً" (النساء: 46).
"يا أيُّها الذين آمنوا لا تقولوا راعِنا وقولوا انظُرْنا واسمعوا وللكافرينَ عذابٌ أليمٌ" (البقرة: 104).



*******

من كتاب: "التفسير الغائب" (غير منشور).
تأليف: عطية زاهدة

Amerhannini
24/09/2008, 10:53 PM
السلام عليكم ورحمة الله،

أستاذي الفاضل عطية زاهدة حفظه الله،

منذ فترة ليست بقصيرة ورد إلى ذهني سؤال متعلق بهذا الموضوع، وقد أزلتَ جل اللبس في هذه المداخلة القيمة فشكرا ً لك وبارك الله فيك وفي جهودك.

تقبل مودتي،:fl:

عامر

نائل سيد أحمد
01/10/2008, 11:26 PM
[center]"راعنا" تعني: سيئنا
بقلم: عطية زاهدة

من كتاب: "التفسير الغائب" (غير منشور).
تأليف: عطية زاهدة
جزاك الله خيراً سيد عطية ونسأل الله لك المزيد من العطاء النافع ...

السؤال هل لنا من زيادة توضيحية حول المصدر المذكور كتاب: "التفسير الغائب" (غير منشور).

عطية زاهدة
03/10/2008, 09:42 AM
جزاك الله خيراً سيد عطية ونسأل الله لك المزيد من العطاء النافع ...

السؤال هل لنا من زيادة توضيحية حول المصدر المذكور كتاب: "التفسير الغائب" (غير منشور).

بارك الله فيك أخي نائل وفي الأخ الكريم عامر الهنيني وكل من اهتم بهذا الموضوع.
وأما بالنسبة لكتاب "التفسير الغائب" فهو من تأليفي، ولم أقدمه للنشر بعد.
يحتوي"التفسير الغائب" على خبايا في تفسير كثير من آيات القرآن الكريم، وهو توأم كتاب لي غير منشور أيضاً عنوانه : "تفاسير جهلها المفسرون".

نائل سيد أحمد
03/10/2008, 11:13 AM
التفسير الغائب ، تفاسير جهلها المفسرون، عنوان مثير ومغري جداً .. شكراً لك سيدي على إعتبار وصل الجواب ، ونأمل من الله أن نرى هذه الجهود في صدر المكتبة قريباً .

صلاح م ع ابوشنب
03/10/2008, 04:04 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الاستاذ الفاضل عطيه زاهدة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا على هذا الشرح الكافى الوافى المتعمق ، والله انها لمعلومات جيده ومفيده ، ومجهود ندعو الله أن يثيبك عليه ، مع اطيب تحياتى ،،،
صلاح ابوشنب

عطية زاهدة
08/10/2008, 09:29 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الاستاذ الفاضل عطيه زاهدة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا على هذا الشرح الكافى الوافى المتعمق ، والله انها لمعلومات جيده ومفيده ، ومجهود ندعو الله أن يثيبك عليه ، مع اطيب تحياتى ،،،
صلاح ابوشنب

شكراً جزيلاً أخي الأستاذ الموقر صلاح أبو شنب.
بارك الله في جهودكم وفي عمق استيعابكم.

محمد حسن محمد الحاج
08/10/2008, 10:02 AM
الأخ عطية , أشكرك على الطرح الرائع وإليك من تفسير القرطبي تفسير هذه الاية ومااستفاد واستنتج أهل العلم منها . وجزاك الله خيرا كثيرا :

3 الآية : 104 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا} ذكر شيئا آخر من جهالات اليهود والمقصود نهي المسلمين عن مثل ذلك. وحقيقة راعنا في اللغة أرعنا ولنرعك ، لأن المفاعلة من اثنين ، فتكون من رعاك الله ، أي احفظنا ولنحفظك ، وارقبنا ولنرقبك. ويجوز أن يكون من أرعنا سمعك ، أي فرغ سمعك لكلامنا. وفي المخاطبة بهذا جفاء ، فأمر المؤمنين أن يتخيروا من الألفاظ أحسنها ومن المعاني أرقها. قال ابن عباس : كان المسلمون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم : راعنا. على جهة الطلب والرغبة - من المراعاة - أي التفت إلينا ، وكان هذا بلسان اليهود سبا ، أي اسمع لا سمعت ، فاغتنموها وقالوا : كنا نسبه سرا فالآن نسبه جهرا ، فكانوا يخاطبون بها النبي صلى الله عليه وسلم ويضحكون فيما بينهم ، فسمعها سعد بن معاذ وكان يعرف لغتهم ، فقال لليهود : عليكم لعنة الله! لئن سمعتها من رجل منكم يقولها للنبي صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه ، فقالوا : أولستم تقولونها ؟ فنزلت الآية ، ونهوا عنها لئلا تقتدي بها اليهود في اللفظ وتقصد المعنى الفاسد فيه.
الثانية : في هذه الآية دليلان : [أحدهما] على تجنب الألفاظ المحتملة التي فيها التعريض للتنقيص والغض ، ويخرج من هذا فهم القذف بالتعريض ، وذلك يوجب الحد عندنا خلافا لأبي حنيفة والشافعي وأصحابهما حين قالوا : التعريض محتمل للقذف وغيره ، والحد مما يسقط بالشبهة. وسيأتي في "النور" بيان هذا ، إن شاء الله تعالى.
[الدليل الثاني] التمسك بسد الذرائع وحمايتها وهو مذهب مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل في رواية عنه ، وقد دل على هذا الأصل الكتاب والسنة. والذريعة عبارة عن أمر
(2/57)
________________________________________
غير ممنوع لنفسه يخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع. أما الكتاب فهذه الآية ، ووجه التمسك بها أن اليهود كانوا يقولون ذلك وهي سب بلغتهم ، فلما علم الله ذلك منهم منع من إطلاق ذلك اللفظ ، لأنه ذريعة للسب ، وقوله تعالى : {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام : 108] فمنع من سب آلهتهم مخافة مقابلتهم بمثل ذلك ، وقوله تعالى : { وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف : 163] الآية ، فحرم عليهم تبارك وتعالى الصيد في يوم السبت ، فكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت شرعا ، أي ظاهرة ، فسدوا عليها يوم السبت وأخذوها يوم الأحد ، وكان السد ذريعة للاصطياد ، فمسخهم الله قردة وخنازير ، وذكر الله لنا ذلك معنى التحذير عن ذلك ، وقوله تعالى لآدم وحواء : {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة : 35] وقد تقدم. وأما السنة فأحاديث كثيرة ثابتة صحيحة ، منها حديث عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهن ذكرتا كنيسة رأياها بالحبشة فيها تصاوير [فذكرتا ذلك] لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله" . أخرجه البخاري ومسلم. قال علماؤنا : ففعل ذلك أوائلهم ليتأنسوا برؤية تلك الصور ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدون كاجتهادهم ويعبدون الله عز وجل عند قبورهم ، فمضت لهم بذلك أزمان ، ثم أنهم خلف من بعدهم خلوف جهلوا أغراضهم ، ووسوس لهم الشيطان أن آباءكم وأجدادكم كانوا يعبدون هذه الصورة فعبدوها ، فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك ، وشدد النكير والوعيد على من فعل ذلك ، وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك فقال : "اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد" وقال : "اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد" . وروى مسلم عن النعمان بن بشير قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "الحلال بيّن والحرام بين وبينهما أمور متشابهات فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه" الحديث ، فمنع من الإقدام
(2/58)
________________________________________
على الشبهات مخافة الوقوع في المحرمات ، وذلك سدا للذريعة. وقال صلى الله عليه وسلم : "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به البأس". وقال صلى الله عليه وسلم : "إن من الكبائر شتم الرجل والديه" قالوا : يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه ؟ قال : "نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه" . فجعل التعرض لسب الآباء كسب الآباء. وقال صلى الله عليه وسلم : "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه منكم حتى ترجعوا إلى دينكم" . وقال أبو عبيد الهروي : العينة هو أن يبيع الرجل من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى ، ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به. قال : فإن اشترى بحضرة طالب العينة سلعة من آخر بثمن معلوم وقبضها ثم باعها من طالب العينة بثمن أكثر مما اشتراه إلى أجل مسمى ثم باعها المشتري من البائع الأول بالنقد بأقل من الثمن فهذه أيضا عينة ، وهي أهون من الأولى ، وهو جائز عند بعضهم. وسميت عينة لحصول النقد لصاحب العينة ، وذلك لأن العين هو المال الحاضر والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضر يصل إليه من فوره. وروى ابن وهب عن مالك أن أم ولد لزيد بن الأرقم ذكرت لعائشة رضي الله عنها أنها باعت من زيد عبدا بثمانمائة إلى العطاء ثم ابتاعته منه بستمائة نقدا ، فقالت عائشة : بئس ما شريت ، وبئس ما اشتريت! أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب. ومثل هذا لا يقال بالرأي ، لأن إبطال الأعمال لا يتوصل إلى معرفتها إلا بالوحي ، فثبت أنه مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : دعوا الربا والريبة. ونهى ابن عباس رضي الله عنهما عن دراهم بدراهم بينهما حريزة.
قلت : فهذه هي الأدلة التي لنا على سد الذرائع ، وعليه بنى المالكية كتاب الآجال وغيره من المسائل في البيوع وغيرها. وليس عند الشافعية كتاب الآجال. لأن ذلك عندهم
(2/59)
________________________________________
عقود مختلفة مستقلة ، قالوا : وأصل الأشياء على الظواهر لا على الظنون. والمالكية جعلوا السلعة محللة ليتوصل بها إلى دراهم بأكثر منها ، وهذا هو الربا بعينه ، فاعلمه.
الثالثة : {لا تَقُولُوا رَاعِنَا} نهي يقتضي التحريم ، على ما تقدم. وقرأ الحسن "راعنا" منونة. وقال : أي هجرا من القول ، وهو مصدر ونصبه بالقول ، أي لا تقولوا رعونة. وقرأ زر بن حبيش والأعمش "راعونا" ، يقال لما نتأ من الجبل : رعن ، والجبل أرعن. وجيش أرعن أي متفرق. وكذا رجل أرعن ، أي متفرق الحجج وليس عقله مجتمعا ، عن النحاس. وقال ابن فارس : رعن الرجل يرعن رعنا فهو أرعن ، أي أهوج. والمرأة رعناء. وسميت البصرة رعناء لأنها تشبه برعن الجبل ، قال ابن دريد ذلك ، وأنشد للفرزدق :
لولا ابن عتبة عمرو والرجاء له ... ما كانت البصرة الرعناء لي وطنا
الرابعة : قوله تعالى : {وَقُولُوا انْظُرْنَا} أمروا أن يخاطبوه صلى الله عليه وسلم بالإجلال ، والمعنى : أقبل علينا وانظر إلينا ، فحذف حرف التعدية ، كما قال :
ظاهرات الجمال والحسن ينظر ... ن كما ينظر الأراك الظباء
أي إلى الأراك. وقال مجاهد : المعنى فهمنا وبين لنا. وقيل : المعنى انتظرنا وتأن بنا ، قال :
فإنكما إن تنظراني ساعة ... من الدهر ينفعني لدى أم جندب
والظاهر استدعاء نظر العين المقترن بتدبر الحال ، وهذا هو معنى راعنا ، فبدلت اللفظة للمؤمنين وزال تعلق اليهود. وقرأ الأعمش وغيره "انظرنا" بقطع الألف وكسر الظاء ، بمعنى أخرنا وأمهلنا حتى نفهم عنك ونتلقى منك ، قال الشاعر :
أبا هند فلا تعجل علينا ... وانظرنا نخبرك اليقينا