المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مصعب الرمادي في حوار مفتوح



صالح شوربجي
01/10/2008, 11:31 PM
في 1999 اصدر اول ديوان شعري تحت عنوان (اصوات ) مع الشاعرين عبدالله طه اللبي وفائز بشير البدوي كانت هذه اول تجربة ناضجة للرمادي حفلت بالعديد من الصور الجمالية والقلق والحب معا اشبعها افراحا وتمني (سيسانة اغنية الغابة والصحراء )، (بطاقة معايدة لحبيبة الحلم القادم الجميل ) (وردة كالخبز)
صور صوفية ذات خيالات فائقة وحنين لايخفي في اتون النص .

التقيته في ذات صباح ماطر ملبد بالغيوم كان ذلك اللقاء في مدينة القضارف في شرق السودان وهذه المدينة مشهورة بكونها من مناطق الزراعة المطرية وهذا الامر انعكس ايجابا علي شخصية شاعرنا الذي نحن بصدد الحديث عنه اليوم عبر حوارنا المفتوح لنعرفه عن قرب وليعرفه الاخرين معنا انه مصعب عبدالرحمن الرمادي صاحب المدي الفسيح وصاحب نظرية سقوط نظام الفرجة والفوضي الاجتماعية ، توهمت في البدء ان في امكاني اجراء حوار بارد كبرودة ذلك الصباح ونحن علي سطح المكتبة العامة في قلب المدينة وبعد ذلك وجدنا انفسنا ارتحلنا الي كوخ من القش والطين في اقصي المدينة نتؤكا علي محاذير عدة ان لايفلت خيط الحوار والمبادرة مني فالرمادي معروف انه صعب المراس ، عبر هذا الحوار سنتجول معا في عالم الرمادي الخاص وعبر كتاباته وارائه سنعرف من هو مصعب الرمادي الشاعر والانسان معاً للرمادي عدة دواوين شعرية (غير الذي يمكث في الارض )، (النزول من شجرة العائلة ) ،( خاتم حول اصبعي ) الخ ..
بعد هذا الحوار سنتعرف علي الرمادي من خلال اشهر اعماله (الرمادي او سقوط النظام ) و (النزول من شجرة العائلة)..

--------------------------------------------------------------------------------------------------
الشعر :يكتبُ اصالة الانسان وعُزلته (1)
حوارمع الشاعر : مصعب الرمادي (1-2)
اجرى الحوار :صالح الشوربجي

ديباجة :
ثمة علاقة واشجة وثيقة بين المكان والانسان، هذه العلاقة تحدد شكل عطائه كتصوره للمكان جماليا ..وهذا التصور ملون دائما بالوان انفعالاته هواجسه الامه والاحلامه وصبواته ..الخ
وهذا التصور لابد ان يكون مبنيا علي تصور موقف متكامل من الانسان نفسه اعني الاخر وجحيمه علي حد رؤية "سارتر"،والطبيعة كمكان لفضاء حركته مع الانسان في ابداعه لذاته وكفردوس ارضي له و للاخر ولله،وذلك يفتح الاسئلة المتجددة بتجدد الحياة بما فيها من ابتلاءات ومحن تستلزم الصبر ؛مما يكون ذلك باعثا حقيقا لكتابة الذات العارفة بالاخر وبالمجتمع وبالله ،كخليفة - متنبي لشعرية الحياة في تبدلاتها المختلفة .
هذه هي المنطلقات الفكرية التي دعتنا للحوار مع واحد من اصوات الكتابة الشعرية الحديثة في القضارف ، واحد مؤسسي جماعة اصوات الثقافية للحداثة والتنوير1999-2008 م.وسكرتير عام اتحاد كتاب القضارف الشاعر مصعب الرمادي ،فالي مضابط الحوار...



س(1) : القصيدة /اللوحة / وماشابهها من علاقات متجانسة والقصيدة تشرق بالندي ونبض الاخضرار .

* الرمادي :القصيدة واللوحة تحت افق الحداثة السودانية يسيران علي وقع حافر واحد ، فالقصيدة واللوحة يكادا يعبران عن نفس الانسان في نفس المازق الحضاري (بالمدينة) انا اري نفسي كذلك .قصيدة- لوحة تعبر عن لوحة- قصيدة تحت افق الحداثة.

س(2) :المدينة وخضم "البؤس" في الحياة /تجربة الرمادي في الخرطوم ورؤيته للواقع الثقافي في السودان ومستقبل القصيدة وقراءة الاخر في جغرافيا المكان/ عموما هل ثمة اشراقات .

* الرمادي : هذا السؤال هو سؤال : " نقد الخرطوم – الثقافة " ، هذا السؤال انفتح من فضاء "توتي" "الجزيرة" - مقرن النيلين ، وذلك عبر سؤال معاوية نور في موضوع سؤال المكان وقصته ، وتمدد هذا السؤال عند الاستاذ /علي المك في "الصعود الي اسفل المدينة " وقبله "مدينة من تراب " في فتح سؤال ام درمان – المدينة وامتد هذا السؤال عند الدكتور /محمد الواثق في " ام درمان تحتضر" وهو نقد يشبه خط الشاعر العربي القديم "الحطئية" في النقد والهجاء كنقد المدن والافكار والناس ...الخ ، انا ارئ – من موقع هذا السؤال: الواقع الثقافي من موقع "الفرجة" ، واؤسس بذلك في قرارة اعماقي لسقوط نظام "الفرجة" نفسه او /الخارج الثقافي /واتمني ان اعود لاجلس في نفس المقاعد الخلفية لاتفرج علي الثقافى الجامعي بالخرطوم" كلية الفنون الجميلة - معهد الموسيقي والمسرح - قاعة الشارقة /وغيرها من الامكنةعبر المركز الثقافي الجامعي السوداني والاجنبي "الفرنسي الالماني – البريطاني" غير المراكز الثقافية العربية التي تعج وتتقاطع فيها الايدلوجيا ت .

س(3)* : ا ذا هل الرمادي يكتب اشعاره في اطار فضاء لعن المدن "شيلر" مثلا وفي اسلوب فوقي خالص "النظر من اعلي مايمكن "
(4)* الرمادي : كل هذا الحديث يتحرك نحو "نقد المدينة" وهذه تعتبر نزعات اصيلة داخل مشروع الحداثة العالمي ،عند ادونيس مثلا في قصيدته الطويلة "قبر من اجل نيويورك" وفي ديوان "غابة الاسمنت " لاحمد عبد المعطي حجازي ،والنقد الالماني للمدينة ك"شيلر"وغيره قد يعطي النقد العربي للمدينة عبر قصيدة الحداثة كثير من العلمية والاصالة التي يعرف بها الفكرو الادب الالماني .

س(5) :هل خامرك في لحظة ما شعور بالرضي انك قد انجزة للان عمل تعتبره مميزا ومكتمل وفي تعبير ادق(اللحظة التي يتلاشي عندها الشاعر في لحظة خروجه للحياة /النص/او كما وصفها "اليوت" بانها حالة(فنا او انقراض الشخصية).

* الرمادي : الكلمة الطيبة كشجرة طيبة ،هذا يفتح سؤال القصيدة /الشاعرفي مواجهة الموت . هل تموت القصيدة بموت شاعرها ورحيله ؟ وهذا سؤال تصدي للاجابة عليه الشاعر "ابوالطيب المتنبي " بشكل مختلف وبطريقة متجاوزة وعميقة اذ قال "انا وان كنت الاخير زمانه لاتٍِِِ بمالم تستطعه الاوائل " اقراء في "النزول من شجرة العائلة"

ثمار ناضجة
السماء جحيم –انفتحت مزاريبها عليك
وانبل الفرسان القادمين من الفجر : يناديك
فالنزال النزال النزال !.

س(6)* : معروف ان مصعب الرمادي يعيش تفاصيل حياته ببوهيمية اهو هروب من جحيم الواقع ام ماذا ؟

*الرمادي: شكرا علي هذا الحوار .الحياة أخي صالح معني يتشكل مفهومه مع المتغيرات ؛.البوهيمية مرحلة علي مستوي فلسفي ووجودي ووجداني علي قدر كبير من الخصب والملء والتشبع الذاتي بحيث يمكن ان تصبح مرحلة من مراحل التمرد والعصيان والثورة ، بحيث قد تكون احدالمصادر الهامة لالهام الشاعر، والبوهيمية علي حد ما افهم من تعبيرك : مرحلة ان تضع رأياً في " الاسود" ورايا اخر في" الابيض " بمعني ان يؤسس الشاعر الحديث ككيان خاص به راي او مدرسة او اتجاه او حتي اطروحة فكرية في مايتعلق بجدل الحياة ومتناقضاتها ، اقرأ من نص: " النزول من شجرة العائلة" :

عصورٌ خلتْ
وعصورٌ ستاتي
وهم يحملون اوزارهم
يشحذون شفرات المدى والفؤوس
يطاردون وعول المطلق اللامتناهي
ويعتذرون لصروف الحياة الضنينة
، هناك : في كهوف المغارات
قبل ان يولد كل شي
في العتمة الاخري والضؤ السائل
وعلي اصبعين في كفه –سمؤه الكامل
"كن- فيكون"
: كان الوجود قنينة حبرٍ
؛ فأدلق "الكلمة " سطوراً عارية
في كتاب الحياة
، وانظر له انسانك الاول
يؤنسن"الحجر" ويستأنس"الحضارة"!.

س (7)* : افرازات الواقع الماثل امامنا سياسية ،اقتصادية ،اجتماعية ، بسلبيتها وغموضها ماهي انعكاساتها علي واقع الشعر/الكتابة لدي الرمادي .

*الرمادي: الواقع او المعاش كمفردة يستدعي ربط الواقع ذاته بالانسان في الحياة او حياة الانسان في الواقع ماضي وحاضر ومستقبل، وهذه الحياة /الواقع - المعاش بكل كمائنها واشراكها مبعث لتسجيل ذاكرة الكاميرا الدقيقة لذات ونفس وعقل وقلب الشاعر، وهذا التسجيل هو الكتابة بعينها او معناها المرتبط بحلو ومر الواقع (ديوان كمائن المعاش 2001) اقراء مثلاً في نص دعيه وشانه:

كان مواطنا صالحاً
في" قرية العالم"
يخطرُ منفردا بالامه
بلا حسبٍ او نسبْ
بلارفقةٍ او نصيرْ !.


س(8)* : كيف يعيش الرمادي وسط هذا القبح في ظل صراع الماديات وانعدام مقومات ايجابية ؟

*الرمادي : من قال اني اعيش وسط القبح ان العلب الغذائية الفارغة واوراق الصحف القديمة واكياس النايلون علي صندوق او عربة القمامة قد يكون لها شكلا اكثر جمالا وايحاء باللحظة الحضارية التي ينكتب بها نص ما في المدينة ، و التي غالبا ماتكون اكثر برودة وروتين في المطبخ وغرفة المعيشة والحمام اقرأ ايضا في "النزول من شجرة العائلة"عن محاورة الذات بخبيئتها الغريبة مع ظاهر الاخر وعريه الجلي في غابة المدينة :

وحدهم يطبخون وليمة الابد
فكيف عاشوا
كيف مدوا خيول مداهم ؛
اطلقو مناطيد اصغائهم
للهواء الطليق
للنهر الجامح ،
ولعشق الطبيعة !.

س(9)* : اين تقف تجربة الرمادي الشعرية الان بعد "النزول من شجرة العائلة "؟

*الرمادي :اعكف الان علي انجاز الاسكتش النهائي لمسودة ديوان (ازهرت شجرة الاراك )ويحتوي علي اكثر من عشرة نصوص تتحرك في فضاء الكتابة الثقافية العربية وثيمات حداثتها الشعرية في مدينة القضارف الحديثة 1948 قيام مشروع الزراعة الالية المطرية ، وذلك بفتح اسئلة الاجتماعي في رصد تاريخ القضارف واهلها وتقسيمات المدينة القديمة ، ومسالة التحول من المجتمع الرعوي الي المجتمع الزراعي الي المجتمع المدني مثلا –الجامعة –التلفزيون-الاذاعة –المسرح ..الخ
وبهذا المعني يصبح سؤال الكتابة في الديوان (ازهرت شجرة الاراك ) هو فض بكارة اوذاكرة او سريرة المجتمع المدني الذي يحاور ذاته بشكل يومي وتحاول ان ترصده قصائد الديوان في علامات المدينة وشواهدها ومعالمها مثلا (الصومعة – السكةحديد –تمثال وحيد القرن –سوق محاصيل القضارف ) ، هذا بالاضافة الي رصد الاجتماعي المتعلق بالوعي الجمعي لانسان المدينة وبنية تفكيره وحركته في التاريخ والجغرافية ، مثل نصوص (القضارف القديمة – الفقيه صاحب النافورة – ازهرت شجرة الاراك – مزرعةالدواجن ..الخ) ،واقول ذلك في محاولة واعية ومدركة لطبيعة التقاطعات الجذرية للثقافة السودانية في بعدها العربي بين ثقافة الوسط – الجزيرة وثقافة شرق السودان .(القضارف جنوب شرق السودان) ، بكل مافي موقع القضارف جغرافيا وتاريخيا وديموغرافيا من خصوصية وتفرد وتميزقد تكون بمثابة مغامرة جديدة بالنسبة لي في موضوع الكتابة .

س(10)* : تنحو دائما من خلال كتاباتك للرمزية وصرامة استخدام اللغة ، هل تحاول تمرير نظريتك الحداثوية (حضور الكتابة –كتابةالحضور ) كواحدة من محاولات الفكاك من التقليدية ؟

*الرمادي: كتابة الحضور هي تسجيل اللحظة الباهرة واعتقالها في صحراء الورقة . وحضورالكتابة هوالصحوالانتعاش والاحساس بالخفة والملائكية في كيان الشاعر وهو في طريقه الي مغامرة الكتابة وغنائم المعرفة ،اقرأ :

الارض سريرك
وغطاؤك الأمن في مابعد
أنى ذهبت :رايتك
اشهد اني ............
فلاتحدثني عن "البيت" ثانية ً !
لاعائلة لك - لاسقف
تملك وحدك مملكة "الزرقة"؛
بحرك المغاير للغير
وليل الغرباء الخصوصي ؟
وطنك /العالم
مسجونا خلف قضبان الجسد - الفكرة
وجهتك :الشمس المنيرة
وضالتك :الانسان !.

س(11)* : بعض النصوص الشعرية لديك تزاوج بين اللغة العادية المتداولة واللغة العالية مثل (محمد يولع بالفلسفة )(من جرح مشاعر السَلَطَة )الا يعد ذلك في نظرك تماحكا لغويا ويسهم في غربة النص لدي الاخر البسيط ؟

*الرمادي : المقطع المذكور في نص "باب الحارة " في ديوان باب الحارة وهو تحت الطبع بواسطة وزارة الثقافة والاعلام بالقضارف .

محمدٌ يولعُ بالفلسفة
وامه تجيد الطبخ
علي المقعد يقرأ محمدٌ كتابه
من جرح مشاعر ا"لسَلَطَة "
من اغار علي "سقف العالم " ؟!.
ديوان باب الحارة يتحرك في مباحث الاجتماع العربي الاصيل ،البيت ،الشارع ،المدرسة ...الخ . والانسان العربي بكل انتصاراته وخيباته وهي مجموعة شعرية تتأسس علي وعي الوحدة العربية ووحدة الوعي العربي (المستقبل العربي ).

س(12)* : لماذا توقف نشاط مجموعة اصوات الثقافية ؟

• الرمادي : جماعة اصوات للحداثة والتنوير قد يكون سبب توقفها انه لم يعد هنالك حاجة ماسة وملحة لخطاب الحداثة العربية بالمدينة ، قد يبدوالموضوع اكثر كلفة ورهق بحيث يصبح العمل فرديا اكثر من ان تقوم به الجماعة ، وقد يبدو افق الثقافة الاسلامية والديموقراطية اكثر مناسبة لمجتمع القضارف المدني فكرا وثقافة اقرأ :

- تعارفو ا !
قبل "الطوفان" ام بعده ؟
يسهلُ الصعب
عالمٌ يتأسس فوق رماد الخطئية
عالم اخر :يتقوض
مساء الخير "يانوح"
هكذا عدت
ولم يحن بعد دورك
فانتظر "بعثك التالي "
والسلام عليك
السلام عليك !.

س(13)* : ماهذا الغموض الذي يصل احيانا الي درجة الطلسمة ؟

• الرمادي : لا اعتقد ان النص غامض من خلال مقعدي كذات كاتبة للنص او كذات قارئة لذات النص كاتباً كنت ام قارئا ،والقاري هو ايضاً انا كاتباً للنص (موت المؤلف) – نظرية المشاركة اقرأ مثلا :
في التأمل والقراءات :اكتب
هيئ اللحظة للكشف ؛
اعتق "الشجرة "من عود الثقاب
اعتق شهوةالعودة للاصل
واعتقد بعدها – في "الخليقة " كيف شئت! .

س(14)* : الي اي مدي كان تاثير الجامعة الاهلية بانشطتها الثقافية في تشكيل وعي الرمادي؟.

• الرمادي : بالطبع جامعة ام درمان الاهلية هي اول جامعة للتعليم الاهلي بالسودان ، وهي رائدة التعليم الجامعي والاكبر من نوعها بالوطن ،لم اكمل دراسة الترجمة ،الثقافة في افق الجامعة الاهلية مبني ومعني هي تاصيل ومعا صرة الثقافة السودانية في بعدها العالمي .مركز د/محمد عمر بشير للدراسات السودانية هو محل ما اعني في ما يتعلق بالجانب الثقافي ، الجامعة الاهلية حرة بمعني الحرية وبمعني الثقافة السودانية الحرة الاصيلة والحديثة .السياسة السودانية بافق الجامعة وبافق الثقافة السودانية بها :حديثة وحية ونابضة ومغيرة .الثقافة العربية داخل اسوارها ربما لااقول انها بلا سياج ولا ايدلوجيا ، ولكن يبقي هذا دور الثقافة والسياسة السودانية بالجامعة الاهلية ،ولو انفتح الذهن الاداري بهذا الاتجاه ومع روح الراحل البروف/محمد عمر بشير العلمية لاستضافة الجامعة ،سياسيا وثقافيا مركزا عربياً علي قدم المساواة مع مركز الدراسات السودانية بالجامعة واعني كنموذج للثقافة العربية قاعة الشارقة مثلا بجامعة الخرطوم ،وفي تقديري ان اكثر البلدان قربا لهذا الافق الثقافي بالجامعة الاهلية 2008 هي دولة الكويت وقطر والبحرين .