المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسائل إلى ولدي في القيادة اصالحة - الرسالة الثالثة



بهائي راغب شراب
12/10/2008, 06:37 PM
الرسالة الثالثة
بهائي راغب شراب

يا ولدي ..
لا تفعل كما فعل إبليس لعنه الله

نعم يا ولدي ، إذا أردت أن تكون قائدا صالحا فلا تفعل كما فعل إبليس لعنه الله ، عندما عصى ربه فلم يسجد لآدم عليه السلام كما أمره الله : " وإذا قلنا للملائكة أسجدوا لآدم ، فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين " 35 البقرة ، فسجل بذلك أول معصية يقترفها مخلوق تجاه خالقه ، ولم يكتف بذلك بل انه لم يسترجع لذنبه ولم يستغفر ، بل استكبر وأخذته العزة بالإثم ووضع نفسه في مكان أعلى من المكان الذي وضعه الله فيه ، وارتدى لباسا ليس له حيث بين الله ذلك في محكم التنزيل : " قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ، أستكبرت أم كنت من العالين ، قال أنا خير منه ، خلقتني من نار وخلقته من طين " 57-76 ص ، هكذا إذن أعطى نفسه الخيرية والأفضلية على خلق آخر من مخلوقات الله بدون وجه حق ، ومَنْ هذا الخلق .. إنه الإنسان .. آدم عليه السلام الذي صنعه الله بيديه ونفخ فيه من روحه ..
لقد ارتكب إبليس جريمة المعصية استكبارا وعلوا ، فأورد نفسه موارد التهلكة ، فما أحد يلبس رداء حرمه الله على الخلق جميعا .. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ قال الله تعالى الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني فيهما قصمته ، وقال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ثلاث مهلكات‏:‏ شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه " ، إنها المغالاة البغيضة في الفوقية والإحساس بالذات ، فاستحق بذلك أن يطرد من رحمة الله تعالى الذي قال :" فاخرج منها ، فإنك رجيم ، وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين " 77-78 ص ،

يا ولدي ..
انظر كم كان غبيا إبليس اللعين ، فإياك أن تحذو حذوه أو تحدثك نفسك باقتراف ما اقترف ، وإياك أن يوسوس لك شيطانك فيزين لك أنك الأفضل في الناس ، وأن الآخرين هم الأقل شانا منك ..
لا يا ولدي .. القيادة ليست بالفوقية ولا بالعلو ، ولا بالمغالاة في التميز عن الآخرين بأمر لا علاقة لها بالتميز والتفرد ، فالفوقية معصية كبيرة ، والمعصية خروج عن المألوف وانحراف عن جادة الحق والصواب ، وهي غواية شيطان بائس يريد أن يحرفك عن الصراط المستقيم ، والمعصية أذىً تقترفه بحق نفسك في الدنيا والآخرة ، وبحق الآخرين في الدنيا .. فهي جهل أحمق جاهل ، وتسرع طماع أبله ،
وإن عصيت فإياك ولزومها ، طهر نفسك فورا من خبثها وشرها ، بالتوبة والرجوع إلى الحق الذي يعلو ولا يعلى عليه ، فرد الحقوق والمظالم إلى أهلها ..
نعم ... فهكذا يكون القائد الصالح الذي لا يشينه أن يخطئ .. بل يحقره ويشينه أن يتمسك بالخطأ وألا يرجع للحق والعدل ، وأعلم أن الناس ينظرون إلى قائدهم كمخلص وكعادل وكحارس ، ينتظرون منه أن يساعدهم في الحصول على حقوقهم المغتصبة ، ويرون فيه المعلم الذي يعلمهم ماذا يفعلون وكيف يعملون ، ومرشدا ودليلا أمامهم نحو الخير والبناء والمستقبل والحياة السعيدة الهانئة .
الناس تنتظر من قائدها أن يمارس القيادة بحقها ، وحق القيادة الإخلاص والوفاء والصدق ومخافة الله التي هي رأس الحكمة التي يجب أن يتحلى بها القائد أيا كان وفي أي مكان وزمان .
فكيف لو كان الظالم أنت ، القائد ، الذي يحمي ويرعى ويرد المظالم والحقوق ، ومن ينشر العدل والأمان .. ستسقط محبتك من صدورهم ، وستطردك قلوبهم قبل أن يسقطوك كقائد متحكم وجب عليه العقاب والنفي من تاريخ الناس .. نعم سينفر منك الملتفون حولك ، كرها لك ، ومخافة منك ، لأن القائد الظالم لا يؤمن جانبه حتى الأقرب إليه أياً كانوا .

وأما الاستكبار يا ولدي فهو حاجز أمام الخير ، وسد منيع ؟أمام الحق ، وهو باب للغلو في الظلم وإيقاع الأذى بالآخرين ، والقائد الصالح يجب عليه التطهر من هذه الشوائب الشريرة ، ولا يقعد في مقعدٍ لا يستحقه وليس أهلا له ، فالكرسي طاغٍ ، والحكم شهوة ، ومن ملكه الكرسي أصبح خادما له ، وهذا والله الشر عينه ، فإياك أن تكون عبدا لكرسي ، بل اجعله وسيلة لك تحقق من خلاله مصالح الناس جميعا بعدالة وحق وبجدارة ، الكرسي لا يرى وأنت ترى ، والكرسي لا يشعر ولا يحس وأنت تشعر وتحس فاشعر بشعور الناس وتحسس أحوالهم ، والكرسي أيضا معنى عال لا يدركه إلا مؤمن مخلص لله فاتق الله يجعل لك مخرجا.
كن مع الله يكن معك ، والجا إليه دائما في الضيق والسعة ، واجعله أمامك في كل حركاتك وسكناتك ، وإياك أن تنسى أن هناك من يراك دائما ، وكن من الذين قال الرسول الكريم عنهم : " سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، ... " فكن هذا الإمام وفز برضا الله واستظل بظله يوم لا ظل إلا ظله .
الكبر يا ولدي آفة رديئة كريهة منفرة ، طردت إبليس اللعين من الجنة ، وفي الدنيا كفيلة بطرد أي مخلوق مهما ملك من قوة ومن جبروت ومن منعة سلطان وكثرة مال وقوة جند ، صاحبها سيطارد وسيصير طريدا تلاحقه حبات التراب ونسمات الهواء وقطرات الندى حتى لا يجد له مكانا يرض به ، ..
ألم تر ما جرى لشاه إيران المخلوع ، أين هو ، وكيف صار مآله ، وكيف مات وحيدا ذليلا ، بعد أن تفرق عنه أعوانه وتخلى عنه أصدقاؤه من حكام الغرب وأولهم أمريكيا التي رفضته ونبذته وطردته من أراضيها ، وهو ما كان سوى ألعوبة في يدها لا يفعل إلا ما تأمره به .. تابع بل عبد ذليل لها .. وبالرغم من ذلك لم تتحمل وجوده عندها ولم تقبله حتى ليموت في مستشفياتها .

يا ولدي ..
ها أنا أخلص لك النصيحة
المعصية تزول بالتوبة ، أما الكبر والاستكبار فهذا ثوب الله عز وجل ، فإياك وان تنازعه فيه وإلا فانتظر حرب الله عليك .
والقائد الصالح من ير الحق فيتبعه ، ومن يرى الشر فيجتنبه ، فكن مع الناس وبينهم كأنك واحد منهم لا يمكن تمييزك عن أقلهم أو أصغرهم . وأعلم أخيرا " سيد القوم خادمهم "


فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ قال الله تعالى الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني فيهما قصمته وقال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ثلاث مهلكات‏:‏ شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه فالكبر والعجب داءان مهلكان والمتكبر والمعجب سقيمان مريضان وهما عند الله ممقوتان بغيضان‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ بئس العبد عبد تجبر واعتدى ونسى الجبار الأعلى ، بئس العبد عبد تجبر واختال ونسى الكبير المتعال ، بئس العبد عبد غفل وسها ونسى المقابر والبلى ، بئس العبد عبد عتا وبغى ونسى المبدأ والمنتهى ."

:fl::emo_m6::fl: