المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رد على عبدالغني مصطفى: الخيانة... علم! والوطنية... جهل!



جورج حداد
06/11/2008, 04:51 PM
رد على عبدالغني مصطفى: الخيانة... علم! والوطنية... جهل!
جورج حداد*

في موقع "الحوار المتمدن"، بتاريخ 31/10/2008، مقالة خفيفة الظل للاستاذ عبد الغني مصطفى، يعلق فيها على مقالتي عن ثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا، المنشورة في "الحوار المتمدن"، بتاريخ 4/10/2008، "وربما" ايضا مقالتي عن لينين، بتاريخ 30/10/2008.

ومع وجود فارق كبير جدا في سلـّم درجات العلم بيني وبينه، أظن انه لن يضيره شيء ان ارد عليه بدوري؛ فكما ان تعليقه لم يزد علمي، فإن ردي لن ينتقص من علمه ولا من مقامه.

يقول الاستاذ انه يعرفني، ويعرف انني غير حاصل على الشهادة الابتدائية.

لا اشكك ابدا في كلامه، بل اصححه قليلا جدا: فأنا بالفعل لم احصل على الشهادة الاعدادية (البريفيه)، لانني كنت ادرس على حساب جمعية خيرية وطردت من المدرسة في سن مبكرة لاسباب سياسية ـ وطنية، ولم استطع متابعة دراستي بسبب فقر اهلي. ولكن والحمد لله انني كنت قد حصلت على الشهادة الابتدائية (السرتفيكا)، التي تمكن التلميذ من القراءة العادية. والا لما كان بامكاني ان استمتع بقراءة مقالة الاستاذ عبدالغني مصطفى ومقالات "الاستاذ الاكبر" ("الماركسي"، وليس الماسوني كما قد يتبادر الى ذهن البعض) فؤاد النمري. وانا اعتذر تماما من عبدالغني مصطفى بسبب جهلي واصلي الفقير والمتواضع، واتمنى له ولامثاله كل الغنى وعلو المقام وان يصبح يوما، لا زبالا في نيويورك كما سبق وتمنى الاستاذ وليد جنبلاط، بل سيناتورا اميركيا او مضاربا في بورصة وول ستريت او جنرالا اسرائيليا.

في تعليقه، لا فض فوه الذهبي، يستنكر عبدالغني المصطفى: اتهامي لستالين بقتل (او المشاركة في قتل) لينين. كما يستنكر كرهي لستالين بسبب الموافقة على تقسيم فلسطين. وهنا يوجد تلاعب بالجمل والكلمات، وهو تلاعب غير مستغرب من ذكاء رجل علم ومعرفة مثل عبدالغني المصطفى، حيث ان عنوان مقاله هو "شيوعي ويكره الاتحاد السوفياتي"، وبذلك يخلط بين ستالين والاتحاد السوفياتي، ليوحي للقارئ بأنني في كرهي لستالين انما اكره الاتحاد السوفياتي. للاسف لست املك قبعة لاخلعها امام هذا الذكاء المفرط. ولكن في حضرة مثل هذا العلم يمكنني بكل طيبة خاطر ان اخلع حذائي.

سأترك الان لينين مرتاحا في ضريحه، لاجل النبش اكثر في الارشيف المتعلق بقتله، وهو ما يطلبه الاستاذ عبدالغني المصطفى، وله الحق في ان يطلب ما يشاء سواء كان محقا ام لم يكن. وسأتوقف عند مسألة تقسيم فلسطين. يقول الاستاذ ان العرب والفلسطينيين منهم على الخصوص "رفضوا رفضا قاطعا المشروع السوفياتي المقدم الى الجمعية العامة والذي قضى بأن تكون فلسطين دولة ديموقراطية لكل مواطنيها". وانهم رفضوا ايضا مشروع تقسيم فلسطين. وان ذلك "المشروع خصص لليهود 2،5% فقط من فلسطين باستثناء صحراء النقب". ويضيف "العرب الذين رفضوا مشروع التقسيم من على شاكلة حداد هم المسؤولون وحدهم عن كل ما وقع بالفلسطينيين من هوان ومن تشريد ومن جوع ومن تقتيل، هؤلاء تحديدا يستحقون لعنة الشعب الفلسطيني الابدية".

أظن انني عرضت رأي الاستاذ بأمانة، وليسمح لجاهل غير متعلم مثلي ان يرد عليه بما يلي:

ـ1ـ لا ادري اين يعيش الاستاذ عبدالغني المصطفى. واذا كان يوجد في بلد فيه مخيمات للاجئين الفلسطينيين (ضحايا عدم الموافقة على التقسيم كما يقول)، فليتفضل بالذهاب الى اي مخيم او اي تجمع فلسطيني كان في مشارق الارض ومغاربها، ويقول للفلسطينيين ان عدم الموافقة على التقسيم هو سبب مآسيهم، وان الجهلة، امثال الشهيد فرج الله الحلو رحمه الله وجورج حداد، هم الذين يتحملون المسؤولية عما حل بالفلسطينيين؛ ولنر اذا كان سيخرج سليما معافى!

ـ2ـ حسب ذاكرتي ان مشروع اقامة دولة ديموقراطية موحدة في فلسطين لم يكن مشروعا سوفياتيا، بل كان المشروع الذي ايدته يوغوسلافيا الشيوعية التيتوية (المناوئة حينذاك لستالين) ولم يكن هذا المشروع مشكلة بالنسبة للعرب، بل كانت المشكلة في مشروع التقسيم الذي ايدته القيادة السوفياتية (الستالينية)، والذي لولا تأييدها له لما كان مر مشروع التقسيم لان الاتحاد السوفياتي يملك حق الرفض (الفيتو) في مجلس الامن، كما ان لصوته وزنا ليس لاي دولة عادية. ويطلع من كلام الاستاذ عبدالغني المصطفى ان العرب كانوا ضد فلسطين موحدة وضد تقسيم فلسطين، في وقت واحد. وأنا لا اريد تكذيب الاستاذ والتشكيك في علمه، وهذا ما يقتضي فعلا الرجوع الى محاضر الامم المتحدة، والمدونات التي ترصد تلك المرحلة، وارجو من الاخوة الفلسطينيين المعنيين ان يضيئوا لنا على هذه النقطة.

ـ3ـ يقول الاستاذ لا فض فوه، إن سبب المآسي التي حلت بالفلسطينيين والعرب، هو رفض مشروع التقسيم السوفياتي الذي كان يعطي اسرائل 2،5% من فلسطين ما خلا صحراء النقب. وهذه النغمة الاستسلامية ("مين اخذ أمي، أسميه: عمي") هي معروفة تماما. ومؤخرا سمع العالم بأسره المسؤولين السعوديين يحملون المقاومة بقيادة حزب الله مسؤولية تدمير لبنان في حرب تموز 2006. كما شاهد العالم دولة الرئيس فؤاد عبدالباسط السنيورة يذرف الدموع الساخنة للسبب نفسه. كما طلع علينا "الماركسي" كريم مروة بما يسمى "فلسفة الحياة" مقابل ما يسميه "فلسفة الموت" للمقاومة. وبكلمات اخرى فإن الاستاذ العبدالغني المصطفى لم يأت لنا بجديد على هذا الصعيد. ونحن ابناء الشرق "نعيش الظلم" بكل جوارحنا: نولد مظلومين، ونمضي كل حياتنا مظلومين، ونموت مظلومين؛ اي ان الظلم، الداخلي والخارجي، هو حليب فطامنا، وخبز ايامنا، وقماش اكفاننا. وليس من شيء يعطي وجودنا اي قيمة سوى قولة "لا!"، وسوى المقاومة.

في العهود الاقطاعية المظلمة في القرون الوسطى، كان الاقطاعيون والنبلاء و"الاشراف" والباشوات يملكون ـ فيما يملكون ـ "حق" فض البكارة. من اعطى لهم هذا "الحق"؟ هذا علمه عند الاساتذة النجباء امثال عبدالغني المصطفى. فكان اذا تزوج شاب في ضيعة، عليه ان يأخذ عروسه الى "الشريف" ليفتضها له، واذا مر الشريف بضيعة ووضع عينه على امرأة، على اهلها ان يحملونها له لتؤنس وحشة ليله؛ فإذا امتنع اهل العروس او المرأة عن حملها للشريف حلت بهم وبالضيعة كلها وبالضيع المجاورة التي تقف معها لعنة غضب الشريف. فما العمل في هذه الحالة ـ المعضلة؟ الاستاذ "العبد"الغني المصطفى، ينصحنا بأن نسلم العروس، او المرأة، الى "الشريف" وان نسلم الـ2،5% من فلسطين الى الصهيونية العالمية والامبريالية، حتى تسلم بقية النساء وبقية الضيعة والضيع والبلاد. ولكن من هي هذه العائلة او الضيعة او الجماهير الفلسطينية او الامة العربية التي ترضى بتسليم نسائها او ارضها للاغتصاب، وكيف لها ان تعيش بعد ذلك، الا منكسة الرأس عديمة الكرامة الانسانية؟ صحيح تماما ان جماهير الشعب اللبناني الابي "شافت نجوم الظهر" على ايدي الطغيان الاسرائيلي في حرب تموز 2006، وصحيح ان جماهير الشعب الفلسطيني لا تزال تعاني الامرين منذ ما قبل 1948 وحتى الساعة. ولكن ما هو صحيح اكثر ان المقاومة وروح المقاومة جعلت الجماهير الشعبية اللبنانية والفلسطينية والعربية ترفع رأسها اينما كانت وكيفما كانت، بعز وافتخار. حتى اعداء المقاومة امثال كريم مروة وفؤاد النمري وعبدالغني المصطفى يمكنهم ان يفتخروا بأنهم "عرب"، بفضل الدماء الزكية للشهداء وتضحيات وعذابات الجرحى والاسرى والجوعى والمرضى والايتام والثكالى والارامل والنائمين في العراء. اما العدو، بكل جبروته، فهو ـ فرادى وجماعات ـ يعيش الهزيمة في كينونته. وليسمح لي الاستاذ لان اروي له، واذا كان بالصدفة لبنانيا لان اذكـّره، ببعض المشاهدات خلال الاجتياح الاسرائيلي للبنان وبيروت في 1982. في تلك الفترة كنت اتنقل بين بيروت ومدينة عاليه. وقد شاهدت الجنود الاسرائيليين "المنتصرين" كيف يسيرون في الشوارع (اثناء الدوريات او اثناء التجول جماعات للفرجة) كيف كانوا يسيرون مذعورين كالارانب وكل واحد منهم ينطنط وهو يتلفت في نفس اللحظة يمينا ويسارا والى الامام والى الوراء؛ وشاهدت الفتية الصغار يسخرون منهم؛ وشاهدت في منطقة البسطا التحتا ـ الخندق الغميق حشدا نسائيا سار في مظاهرة احتجاجا على مداهمة البيوت، وكيف سد الجنود الاسرائيليون الطريق امام النسوة، وبدأوا باطلاق الرصاص ارهابا، ولكن المظاهرة اكملت طريقها وهي تهتف ضد الاحتلال وتلعن بني اسرائيل وجدود اليهود، وقد اضطر الجنود الاسرائيليون لفتح الطريق امام المظاهرة.

يا استاذ العبدالغني المصطفى، نحن امة عنترة الذي يقول: وعيشة بالذل لا ارضى بها ـ وجهنم بالعز اطيب منزل؛

وأمة الشهيد الكبير انطون سعادة رحمه الله الذي يقول: الحياة وقفة عز!

فاذا كنا نعجبك، على الرحب والسعة؛ واذا كنا لا نعجبك فالجنرال انطوان لحد فتح اوتيلا في اسرائيل، وهو يمكن ان يستقبلك بكل سرور، ويمكن ان يؤمن لك هوية اسرائيلية ولو لم تكن امك يهودية.

ـ4ـ ان تجربة شعوب العالم بأسره تؤكد ان طمع الاستعمار وعدوانيته ليس لهما حدود. فحتى لو، لا سمح الله، قبل الفلسطينيون والعرب في حينه بتقسيم فلسطين واعطاء الغزاة الصهاينة حتى 0،0001% من فلسطين، فإن الاستعمار والصهيونية كانا سيأخذان ما يوافق عليه العرب فقط كـ"تسجيل" نقطة بأن العرب يعترفون بـ"حق" ما لليهود في فلسطين. وكانوا سيعملون لمتابعة عملية الاستيلاء على كل فلسطين، وكل "الشرق الاوسط الكبير". وهذا ما تؤكده الوقائع التاريخية الراهنة: فإن ياسر عرفات نفسه رحمه الله، وقع على اتفاقية اوسلو، ومحمد انور السادات سبقه الى توقيع اتفاقية كامب دايفيد. وذهب السادات وذهب عرفات وذهب حتى رابين، وبقيت الاطماع الامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية في كل فلسطين وكل مصر، وكل "الشرق الاوسط الكبير". وليس من حل لهذه المعضلة التاريخية التي اوجدتها الامبريالية والصهيونية الا بأحد مخرجين:

ـ اما القضاء التام على الامة العربية، كما قضى يوما "مكتشفو" اميركا على الهنود الحمر. ومن يقضي على 112 مليون "هندي احمر" (سكان "اميركا" الاصليين) ويطبع جلودهم بالوشم ويبيعها للزينة، او يقددها ويدبغها ويعمل منها احذية، من يفعل ذلك، ويفتخر به، لماذ لا يعمل اسوأ منه بـ 300 مليون عربي ومثلهم واكثر من المسلمين.

ـ واما ازالة اسرائيل، كدولة، من الخريطة السياسية للعالم، وزلزلة اميركا وتقويضها وتدميرها، كدولة، وعودة احفاد الهنود الاحمر ليسرحوا بخيولهم في اراضي اجدادهم، وتخليص العالم اجمع من شرور "الاميركي البشع".

ـ5ـ ان الاسرائيليين، او الصهاينة، او اليهود او اي من هذه المسميات، ليس لهم اي "حق"، لا سياسيا، ولا قوميا، ولا دينيا، في ذرة من تراب فلسطين. فعلى المستوى السياسي ـ القومي، فإن الصهيونية ظهرت كحركة مرتبطة عضويا بالاستعمار، وجاءت الى فلسطين كتوسع استعماري وليس سوى ذلك، والصهيونية لا تملك في فلسطين، او في الوجود على المسرح السياسي والتاريخي، اي "حق"، الا "حق" الاستعمار و"حق" العنصرية والنازية والفاشستية. والجواب على هذا "الحق" لا ولن يكون في مناقشة شرعيته او لاشرعيته، بل سيكون بالنضال المرير ضده للقضاء التام على الصهيونية والصهيونيين وانصارهم اينما كانوا وأيا كانوا، مثلما قضي على الهتلرية والفاشستية.

واما من وجهة النظر الدينية، حول خرافة "شعب الله المختار" و"الوعد الالهي" لابرهيم ويعقوب وموسى، فإن التوراة اليهودية ذاتها (ويمكن لاي كان ان يطلع عليها) تعترف بأن اليهود (الذين كانوا عصابة من الشطار ونظار العبيد في خدمة فرعون مصر، ونهبوا وسرقوا شعب مصر وفروا الى سيناء بقيادة رئيس عصابة هو موسى ـ اليهودي طبعا) قد جاؤوا الى فلسطين غزاة فاتحين وليس كأبناء بلاد يعودون الى بلادهم. وهذه التوراة اليهودية ذاتها تعترف بأن فلسطين هي ارض كنعان والعموريين واليبوسيين والحويين الخ، وليست "ارض اسرائيل". ونترك لرجال الدين ان يفسروا لنا حقيقة هذا "الوعد الالهي" من وجهة نظر لاهوتية، وحقيقة هذا "الاله" اليهودي الذي يميز بين البشر بهذه الطريقة الوحشية التي تفتقد ادنى صفات السماحة والرحمة والمحبة التي يصف بها المؤمنون من جميع الاديان آلهتهم. ولماذا علينا نحن، ضحايا اليهود و"الههم" المتوحش، ان نصدق هذه الاكاذيب، ونسلم لهم بـ"حق" اغتصاب ارضنا واستحلال نسائنا وقطع رقابنا. جاؤوا بيشوعهم وشمشونهم وشارونهم ينفخون ابواق الحرب، فلتكن الحرب... والى يوم لا تقوم لهم فيه قائمة!

ـ6ـ واخيرا لا آخرا ليسمح لي الاستاذ العبدالغني المصطفى ان اقول له، نظرا لجهلي وعدم تعليمي، كلمتين بالعربي الدارج: اذا كانت الوطنية... جهل! وكانت فلسفة الخيانة... علم! تفووو على هيك علم وعلى اصحابو!

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

* كاتب لبناني مستقل