هري عبدالرحيم
24/11/2008, 08:53 PM
قراءة في ديوان" عتبات الذاكرة" للشاعر محمد عماري
http://http://i75.servimg.com/u/f75/10/05/89/00/ooooo_10.jpg
http://i75.servimg.com/u/f75/10/05/89/00/ooooo_10.jpg
ليس من السهل علينا متابعة شاعر مهموم بقضايا الشعر، ومنخرط في قضايا المجتمع بكل أحاسيسه وعواطفه؛ ليس من السهل علينا استجلاء مكنون نصوص الشاعر المغربي:" محمد عماري"، فهو يتجول بك عبر نصوصه داخل مواجع الناس، واصفا تارة، ومحللا أخرى، فاضحا أو متألما لمآل الوضع العام.
ويأتي الديوان الثاني" عتبات الذاكرة" بعد مخاض عسير، ليؤثث المكتبة الشعرية العربية، بنصوصه ال35؛ نصوص تغوص مرة في عمق الذات لتبوح لنا بالكلام الصامت في جوانية الشاعر، ومرة تتوزع عبر القضايا القومية، لنعيش لحظات عشق وألم حين تلبسنا النصوص، وتأخذنا بطريقة عرضها لهذه القضايا:
+ المرأة
+ الألم
+ الثورة
+ الإنتفاضة الفلسطينية
+زلزال مدينة الحسيمة
+ أعلام وأماكن.
· حين نتوغل في النصوص بحثا عن خيط يوصلنا إلى ذات الشاعر، فإننا نجد أنفسنا أمام نص يُشبع فضولنا، نص معنون ب" بين المعابر والدروب"، ومن خلال العنوان، تتضح لنا الصورة، فهي قراءة لأمس الشاعر، تصوير لأناه، رسم لكنهه( ص 29)؛ فهو الماشي _ نحو حتفه ككل إنسان_، يسير به العمر نحو الرقي بالتجربة والمعايشة التي تصقل شخصيته.وهو المجنون الذي ينضح فنونا، وهو العاشق المتيم التائه المنجذب خلف عشق محكوم بالزوال.
ونقرأ في نص:" مهجة بين الطين والماء" الأمنية المخبأة للشاعر حيثُ يستنجد بالورد ليدله عن امرأة تدثر حزنه وتبوح له بالحياة؛ يبحث عنها لتؤنس وحشته.
*شكري الغائب الحاضر:
يخصه الشاعر بنص في الصفحة (36) بعنوان" آخر البوح" نص غني يخبرنا عبره أن محمد شكري صاحب رواية" الخبز الحافي" لم يمت، بل لا زال مستمرا، فالشاعر يستمد لفظه من متون شكري، وبهذا فالقاص والروائي الميت، ممتد عبر الزمن ، رغم الغياب القسري، ممتد عبر أشعار محمد عماري.
· الحسيمة مقر سكنى الشاعر، حضرت في الديوان بقوة، إذ في (ص38) نجد نصا معنونا ب:" الحسيمة تأبطت حزن الصباح"، في إشارة للزلزال الذي ضربها حيث لا زال المكان شاهدا على المأساة بخرابه ومعاناة أهله.
وتحضر الحسيمة في توقيع عدد من النصوص إن لم نقل أغلبها.
· وتتقارب النصوص لتكوًِن مجموعات رصدتُ بعضاً منها في قراءة أولى فجاءت موزعة على :
· المرأة: حاضرة في ص 12-" أنات الوصل".
ص 26- 27- 28 المرأة كذكرى، كألم، كحلم، كمتخيل ص 32.
* الأنا الناطقة:ص 29.
الأمكنة: مرشان ص 37
الحسيمة 38
· الشخوص:
· البطل عبد الكريم الخطابي
· الروائي محمد شكري
· الطفلة هدى الفلسطينية
ميزة الكتابة في الديوان:
نقرأ في ص 43 نصا بعنوان: " خزامة أطلت من عمق الدجى"، نصا يفتتح بمقطع غزلي، كأني بالشاعر يستمد لون كتابته من عادة فحول شعراء الجاهلية:
ما رأيتك
إلا زاهية
على نهد رابية
توسدت عبق خزامة
سابحة بين غمامتين./
ثم ينطلق صوب الموضوع:
أيا معرجا
على شمس
نائمة خلف الأقاحي
ذي حبيبات الماء
تشكو الجوى
لعبد الكريم وصحبه
والطير في أدواحها
مترنم برخيم صوت:
................
آهات تلتقطها النوارس
تنقلها الريح
لبحر هائج
يغفو بين الرمل والحصى
يخيط من الحلم
امرأة
هاربة في محار
خزامة أطلت
من عمق الدجى
ماء
يسكر العبارة
ينسج
تاجا
في حناء الصنوبر
على وقع ريح
طوحت بي
في سديم الصمت.
أيا ساريا
دعني أتلو سبحتي
لطائر سابح
في مداءات مزمتي
أنثر بياضي
على مشكاة كانت هنا
سبحان مدلج الليل
سبحان مزين الوقت./
الحسيمة02/07/07
توظيف جيد لأحد أبطال الريف، الزعيم الثائر محمد بن عبد الكريم الخطابي، ابن الريف الذي لا زالت مدينة الحسيمة شاهدة على جدران بيته، فالشاعر هنا يستلهم كالطير ترانيمه من بطولات هذا الثائر.
ثم نقرأ في ص 46 نصا قوميا آخر بعنوان" عرس الشهيد":
من قلب يافا
تولدت الحكاية
عن امرأة
تعشق الحجارة
تخضبها
بعجز بني عرب
بقهر بني غرب
تقدمها
لطفل الجسارة
لطفل الشهادة.
خفاش
يمخر غيمة
يحمل بسمة
لصلبان الحدود.
يمتطي
صهيل الليل
يرسم
عرس الشهيد
يخبو
ينبض
بين اللحود./
ويهدي نصه" أترحل صوب الشمس وأبقى أنا" للطفلة الفلسطينية"هدى":
هو ذا صوتك
يندف كالرذاذ
في فمي
" أبوي
أبوي"
ذي هدى
تتلوى
على نهد الرمال
تتشكل جرحا
تتشكل دمعا
يخضب وجه التلال
"أبوي
أبوي"
أترحل صوب الشمس
وأبقى أنا؟
لا النوارس
لا الفوارس
لا الموج
يحل جرح السؤال
"أبوي
أبوي"
مات بني غرب
صاح بني عرب:
اسمعوا
اكتبوا
تحت الشمس
ما شئتم
........
فالعنقاء آتية
من عمق الرماد
سوداء
بيضاء
حمراء
تحمل وردا
لكل هدى
تصهل
حي على الجهاد/
هكذا هي نصوص الشاعر محمد عماري، تتوزع في المكان والزمان، وتتنوع من حيث المواضيعُ، غير أنها تبقى كلها مرتبطة بواقع الشاعر الذي يحمل قضية؛ فهو يمجد الأبطال والشهداء، يؤرخ للمناضلين، يهامس السائرين على الخطى الثابتة.
محمد عماري، صوت مخضرم عايش ثلاث حقب:
- حقبة تأسيس الدولة الحديثة، حيث كان الصراع بين معسكرين شرقي وغربي، وحرب باردة، وما عرفته هذه الحقبة من تقدم في كل المجالات، مع ما صاحبها من قمع وانتكاس لدى الأمة العربية التي لم تستفد من صراع المعسكرين.
- وحقبة انهيار الشيوعية وسقوط جدار برلين، مع ما واكبه من حرية هبتْ نسائمها عكسية على بلادنا، حيثُ فشت الفوضى والتمييع في كل المجالات.
-وحقبة ثالثة، هي عصر الثورة الإلكترونية التي استفاد الشاعر من حسناتها، بتواصله مع العالم الخارجي، يعطي ويأخذ.
حقبٌ أنضجت فكر الشاعر، فجاءت نصوصه تحمل همًَ الشعوب، وتجعل القاريء يحس أنه المعني بالخطاب. فالشاعر ينطق بلسان القاريء، لأنه يعيش همومه.
"عتبات الذاكرة"، نصوص تتمخض لتلد لنا ديوانا معاصرا، يرصد الوجع الممتد على خارطة الوطن.
هــري عبدالرحيم:01/11/2008
http://http://i75.servimg.com/u/f75/10/05/89/00/ooooo_10.jpg
http://i75.servimg.com/u/f75/10/05/89/00/ooooo_10.jpg
ليس من السهل علينا متابعة شاعر مهموم بقضايا الشعر، ومنخرط في قضايا المجتمع بكل أحاسيسه وعواطفه؛ ليس من السهل علينا استجلاء مكنون نصوص الشاعر المغربي:" محمد عماري"، فهو يتجول بك عبر نصوصه داخل مواجع الناس، واصفا تارة، ومحللا أخرى، فاضحا أو متألما لمآل الوضع العام.
ويأتي الديوان الثاني" عتبات الذاكرة" بعد مخاض عسير، ليؤثث المكتبة الشعرية العربية، بنصوصه ال35؛ نصوص تغوص مرة في عمق الذات لتبوح لنا بالكلام الصامت في جوانية الشاعر، ومرة تتوزع عبر القضايا القومية، لنعيش لحظات عشق وألم حين تلبسنا النصوص، وتأخذنا بطريقة عرضها لهذه القضايا:
+ المرأة
+ الألم
+ الثورة
+ الإنتفاضة الفلسطينية
+زلزال مدينة الحسيمة
+ أعلام وأماكن.
· حين نتوغل في النصوص بحثا عن خيط يوصلنا إلى ذات الشاعر، فإننا نجد أنفسنا أمام نص يُشبع فضولنا، نص معنون ب" بين المعابر والدروب"، ومن خلال العنوان، تتضح لنا الصورة، فهي قراءة لأمس الشاعر، تصوير لأناه، رسم لكنهه( ص 29)؛ فهو الماشي _ نحو حتفه ككل إنسان_، يسير به العمر نحو الرقي بالتجربة والمعايشة التي تصقل شخصيته.وهو المجنون الذي ينضح فنونا، وهو العاشق المتيم التائه المنجذب خلف عشق محكوم بالزوال.
ونقرأ في نص:" مهجة بين الطين والماء" الأمنية المخبأة للشاعر حيثُ يستنجد بالورد ليدله عن امرأة تدثر حزنه وتبوح له بالحياة؛ يبحث عنها لتؤنس وحشته.
*شكري الغائب الحاضر:
يخصه الشاعر بنص في الصفحة (36) بعنوان" آخر البوح" نص غني يخبرنا عبره أن محمد شكري صاحب رواية" الخبز الحافي" لم يمت، بل لا زال مستمرا، فالشاعر يستمد لفظه من متون شكري، وبهذا فالقاص والروائي الميت، ممتد عبر الزمن ، رغم الغياب القسري، ممتد عبر أشعار محمد عماري.
· الحسيمة مقر سكنى الشاعر، حضرت في الديوان بقوة، إذ في (ص38) نجد نصا معنونا ب:" الحسيمة تأبطت حزن الصباح"، في إشارة للزلزال الذي ضربها حيث لا زال المكان شاهدا على المأساة بخرابه ومعاناة أهله.
وتحضر الحسيمة في توقيع عدد من النصوص إن لم نقل أغلبها.
· وتتقارب النصوص لتكوًِن مجموعات رصدتُ بعضاً منها في قراءة أولى فجاءت موزعة على :
· المرأة: حاضرة في ص 12-" أنات الوصل".
ص 26- 27- 28 المرأة كذكرى، كألم، كحلم، كمتخيل ص 32.
* الأنا الناطقة:ص 29.
الأمكنة: مرشان ص 37
الحسيمة 38
· الشخوص:
· البطل عبد الكريم الخطابي
· الروائي محمد شكري
· الطفلة هدى الفلسطينية
ميزة الكتابة في الديوان:
نقرأ في ص 43 نصا بعنوان: " خزامة أطلت من عمق الدجى"، نصا يفتتح بمقطع غزلي، كأني بالشاعر يستمد لون كتابته من عادة فحول شعراء الجاهلية:
ما رأيتك
إلا زاهية
على نهد رابية
توسدت عبق خزامة
سابحة بين غمامتين./
ثم ينطلق صوب الموضوع:
أيا معرجا
على شمس
نائمة خلف الأقاحي
ذي حبيبات الماء
تشكو الجوى
لعبد الكريم وصحبه
والطير في أدواحها
مترنم برخيم صوت:
................
آهات تلتقطها النوارس
تنقلها الريح
لبحر هائج
يغفو بين الرمل والحصى
يخيط من الحلم
امرأة
هاربة في محار
خزامة أطلت
من عمق الدجى
ماء
يسكر العبارة
ينسج
تاجا
في حناء الصنوبر
على وقع ريح
طوحت بي
في سديم الصمت.
أيا ساريا
دعني أتلو سبحتي
لطائر سابح
في مداءات مزمتي
أنثر بياضي
على مشكاة كانت هنا
سبحان مدلج الليل
سبحان مزين الوقت./
الحسيمة02/07/07
توظيف جيد لأحد أبطال الريف، الزعيم الثائر محمد بن عبد الكريم الخطابي، ابن الريف الذي لا زالت مدينة الحسيمة شاهدة على جدران بيته، فالشاعر هنا يستلهم كالطير ترانيمه من بطولات هذا الثائر.
ثم نقرأ في ص 46 نصا قوميا آخر بعنوان" عرس الشهيد":
من قلب يافا
تولدت الحكاية
عن امرأة
تعشق الحجارة
تخضبها
بعجز بني عرب
بقهر بني غرب
تقدمها
لطفل الجسارة
لطفل الشهادة.
خفاش
يمخر غيمة
يحمل بسمة
لصلبان الحدود.
يمتطي
صهيل الليل
يرسم
عرس الشهيد
يخبو
ينبض
بين اللحود./
ويهدي نصه" أترحل صوب الشمس وأبقى أنا" للطفلة الفلسطينية"هدى":
هو ذا صوتك
يندف كالرذاذ
في فمي
" أبوي
أبوي"
ذي هدى
تتلوى
على نهد الرمال
تتشكل جرحا
تتشكل دمعا
يخضب وجه التلال
"أبوي
أبوي"
أترحل صوب الشمس
وأبقى أنا؟
لا النوارس
لا الفوارس
لا الموج
يحل جرح السؤال
"أبوي
أبوي"
مات بني غرب
صاح بني عرب:
اسمعوا
اكتبوا
تحت الشمس
ما شئتم
........
فالعنقاء آتية
من عمق الرماد
سوداء
بيضاء
حمراء
تحمل وردا
لكل هدى
تصهل
حي على الجهاد/
هكذا هي نصوص الشاعر محمد عماري، تتوزع في المكان والزمان، وتتنوع من حيث المواضيعُ، غير أنها تبقى كلها مرتبطة بواقع الشاعر الذي يحمل قضية؛ فهو يمجد الأبطال والشهداء، يؤرخ للمناضلين، يهامس السائرين على الخطى الثابتة.
محمد عماري، صوت مخضرم عايش ثلاث حقب:
- حقبة تأسيس الدولة الحديثة، حيث كان الصراع بين معسكرين شرقي وغربي، وحرب باردة، وما عرفته هذه الحقبة من تقدم في كل المجالات، مع ما صاحبها من قمع وانتكاس لدى الأمة العربية التي لم تستفد من صراع المعسكرين.
- وحقبة انهيار الشيوعية وسقوط جدار برلين، مع ما واكبه من حرية هبتْ نسائمها عكسية على بلادنا، حيثُ فشت الفوضى والتمييع في كل المجالات.
-وحقبة ثالثة، هي عصر الثورة الإلكترونية التي استفاد الشاعر من حسناتها، بتواصله مع العالم الخارجي، يعطي ويأخذ.
حقبٌ أنضجت فكر الشاعر، فجاءت نصوصه تحمل همًَ الشعوب، وتجعل القاريء يحس أنه المعني بالخطاب. فالشاعر ينطق بلسان القاريء، لأنه يعيش همومه.
"عتبات الذاكرة"، نصوص تتمخض لتلد لنا ديوانا معاصرا، يرصد الوجع الممتد على خارطة الوطن.
هــري عبدالرحيم:01/11/2008