المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أسباب تفاقم ظاهرتي الهجرة والإرهاب



عبدالقادربوميدونة
02/12/2008, 06:05 PM
من أسباب تفاقم ظاهرتي الهجرة والإرهاب ؟؟
إذا أردت منع جريان الهواء بغرفتك والحؤولة دون تسربه ، فلا تغلق النافذتين معا، بل قم بغلق إحداهما فقط ، واترك الأخرى مشرعة، فالهواء لايمكنه التسرب من نافذة واحدة، بحكم أن الغرفة ليست فارغة، بل مليئة به، وإن لم تدرك هذه الحقيقة العلمية، وسعيت لإغلاق النافذتين معا، بهدف تفادي تعرض رأسك للوجع، وأمراض الشقيقة، فقد تموت اختناقا...
وإن أردت أن لا يقوم بمسألة الإفتاء في الدين كل من هب ودب في عصرالعولمة المعلوماتية والاتصالات، فلا تفرض على من يفتي ضرورة الحصول على أعلى المستويات من العلم الشرعي، لأن ذلك يعتبرفي وقتنا الحالي ضربا من ضروب العبث، أو مقاومة الريح بهراوة، فالمستفتي قد لا يحتاج إلى ذاك المفتي المحلي، مهما كان مستواه العلمي والتكويني والتوجيهي، فأبواب الإفتاء ونوافذه قد أضحت مفتوحة مشرعة على مصراعيها ، ومنابع الإجابة عن تلك الاستفسارات كثيرة ومتعددة ...
قد يفتي من لا يعلم أولا يرحم لمن لا يدري ولا يفهم.. بوجوب قتل فلان أو علان للأٍسباب كذا وكذا...
...من قتل نفسا بغيرنفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا...
المائدة، الآية 32)
فهل يقوم المفتى له بارتكاب ما طلب منه وهو يردد:
( أن ما قمت به هو أمرواجب التنفيذ وقد ورد إلي من أهل الحل والعقد وأولي الأمر)
أم يجب عليه العودة إلى عقله وقلبه محكما إياهما فيما يدعوه إليه دينه القويم، وتوجيهاته الصحيحة ؟! أنحاسبه هو، أم ندين أولئك الذين أفتوا له بتلك الفتوى المجانبة للصواب؟! سواء أكانوا معروفين لديه كمسلمين، أومجهولي الهوية، كيهود صهاينة غلاة، أو كعملاء ليهود حاقدين على الإسلام والمسلمين، عاقدين العزم على تشويه صورته وحقيقته الأزلية، أومندسين كعناصر تعمل لحساب أطراف خارجية ؟! أم نعمل على تثقيف أمثاله وتنويرعقول عموم أفراد الشعب، بإزالة أميتهم السياسية والدينية والمدنية، وحتى توعيتهم بخطورة وسائل الاتصالات الحديثة، التي لم تحسب الدولة الجزائرية ولا الدول العربية لها حسابا جادا ، كأسلحة جديدة ذات فتك رهيب، إن على المستوى الاجتماعي، أو السياسي، أوالاستخباراتي حتى، وقد تركت الحبل على الغارب.. طبعا من السهل على من يطلق الأحكام جزافا ـ دون استشارة من مراكز متخصصة في علوم التربية والتعليم ومعاهد علم الاجتماع بفروعه ومنه السياسي بالخصوص، ومراكز الدراسات الاستراتيجية الشاملة، ـ أن يقول أن القرارالصادر قرار سيد لا رجعة فيه، ففي أية بيئة ترانا نعيش ياترى ؟ أتحت سقف الديمقراطية التعددية ؟ أم في شباك التعددية الديمقراطية ؟ أفي ظل حرية التعبير الفردي والجماعي؟ أم في (تغننانت) - التعنت.. عربية وليست أمازيغية أو عامية كما ترون .- الاستبداد والتفرد بالرأي، وإلغاء الآراء الأخرى، مهما كان صعود مؤشر عددها في تزايد؟
فالعنف كما يمكن أن يكون مصدره الاستقصاءات في شؤون الدين والدنيا، قد صارت أيضا عالمية، وما القنوات الفضائية التي تعد بالمئات، إلا وسيلة بسيطة من تلك الوسائل المتعددة، بدءا بالقنوات الإذاعية ومرورا بالنهرالمعلوماتي المتدفق عبروسيلة الانترنت، وانتهاء بالرسائل القصيرة للهواتف المحمولة.
فإذا كان دارس علوم الشريعة ومدرسها قد يضلل ربما بعد تخرجه من يفتي لهم في أمور دينهم ودنياهم عن جهل، أو عن نقص فهم، أويدفع بهم إلى التشدد والتطرف في إطلاق أحكامهم على شؤون الحياة، أو يقودهم لاعتماد أسلوب العنف، بهدف فرض وجهات نظرمعينة، أوإلى الانحراف أثناء ممارسة النضال من أجل الوصول إلى السلطة.
فمن باستطاعته إذن الوقوف في وجه تلك الفتاوى والتفسيرات القرآنية العابرة للحدود والقارات عبر الفضائيات المتخصصة في المذاهب المختلفة ؟! ومن ثم فقد أصبح شأن الإفتاء والاستفتاء في شؤون الدين والدنيا في عالمنا الحالي مثلهما كمثل الهواء، لا يمكن صده بفتح الأصابع العشر في وجهه، أوبسن قوانين متشددة، أو بتقليص حصص تدريس مباديء الدين وأصوله.
فهل من الممكن إصدارأحكام مسبقة على من لجأ إلى استعمال أسلوب العنف ـ المرفوض شرعا وقانونا وأخلاقا ـ وعلى من قام بتعليمه في صغره، وزوده بقيم وطنية ودينية معينة، صونا لذاته ودعما لشخصيته، وتحصينا لهويته الوطنية والإسلامية، وتحميله مسؤولية العنف الممارس؟! وعلى من أفتى له بذاك في كبره؟!
أم أن الحكم الصحيح ينبغي أن يكون انطلاقا من مبدأ:
(لا تزروازرة وزرأخرى)
الواردة في كل شرائع الدين السماوي، والديانات الوضعية للمجتمعات المتحضرة ؟! فإن كان من تلقى واستقبل واستوعب الفتوى جاهلا, أوأميا، أوناقص عقل، أومهتزالشخصية، وارتكب جرما ما ـ يعاقب عليه الشرع والقانون ـ استجابة لتلك الفتوى بطريقة عمياء وخاطئة، هل نقوم بتجريمه وإدانته هو ذاته؟ أم نبحث عن الأسباب التي جعلته يقوم بذلك الجرم ؟! سواء أكانت تلك الأسباب اجتماعية أم سياسية أم اقتصاديةأم ثقافية.
أم نعود به إلى المراحل الأولى من تعليمه وتربيته، إن كان من دفعه إلى فعل ذلك هو أمه، أو أبوه، أومعلمه، أوأستاذه، في مرحلة الحضانة والمرحلة الابتدائية ؟! ثم من قال أن كل من ارتكب أوهو بصدد ارتكاب فعل إجرامي، قد تلقى تعليمه وتكوينه في علم من علوم الشريعة؟! فإن فعلنا ذلك، آلا يعد حكمنا ذاك تجنيا وإجحافا في حق مادة التربية الإسلامية التي تشبع بفضائلها الجمة، وقيمها النبيلة مجاهدو ثورات التحريرالجزائرية والعربية الكبرى التي قهرت أعتى القوات الاستعمارية آنذاك تحت راية الله أكبر؟!
ومن ذا الذي قال أن كل من لجأ إلى العنف خلال الازمة الأمنية التي عرفتها الجزائرهو معرب يميني متطرف، وقد أفرزسلوكه المشين ذاك تكوينه الديني البحت؟! ألا يوجد من ضمن هؤلاء الذين اختاروا سبيل العنف وسيلة لحل مشاكلهم الاجتماعية والسياسية، أولاسترداد حق مهضوم أومغتصب، من هو يساري متطرف ؟! متشبع بمباديء غير إسلامية ؟! آلا يوجد من ضمنهم من كونتهم أفكارعديدة، سواء أكانت تلك الأفكاروالمباديء شيوعية حمراء، أو ليبيرالية متعالية، أوسلفية متطرفة، أووسطية متزلفة، أو حداثية مخرفة، أوأصولية منحرفة، دارسا في شعبة علوم الشريعة، أومتخصصا في النصب والخديعة، وقد قام برتكاب فعل مخالف للدين والقانون مستغلا ذريعة أن الكل يتهم ـ في هذا الأمر المسمى:
(إرهابا)
عند من تضرروا منه وكانوا ضحاياه ..علمانيين وإسلاميين
و( جهادا )
عند الذين مارسوه أو ساندوه أوتعاطفوا معه ـ إسلاميين وعلمانيين ؟!
ألا يوجد في صفوف هؤلاء الإسلاميين من هو مندس ومبرمج خصيصا للقيام بما يخدم أعداء الجزائرفي الداخل وفي الخارج؟!
تقنية الاتصالات وقتل النفس
ولنفرض أن شخصا ما في فترة ما تلقى مئات المكالمات والرسائل القصيرة عبرالهاتف الثابت أو المحمول، أوعبرنهرالانترنت المتدفق، طالبة منه وجوب القيام بفعل معين، وتحت ضغط مغريات معينة مادية أو ابتزازية أو مساوماتية، فهذه الرسائل الكثيرة تعد في نظره ـ إن كان جاهلا، أو متنطعا، أوغوغائيا ـ إجماعا دينيا ومصدرا لا يرقى إليه شك ، وتبريرا شرعيا لتنفيذ جريمته.
(من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا ...)
أنرجع ذلك إلى االتربية الدينية وتدريس علوم الشريعة في المرحلة الثانوية، أم يمكن يكون مصدره منابع أخرى كثيرة ومتعددة لايمكن التنبه إليها إلا بعد فوات الأوان.
فماذا نقول لو أن هذه الطفرة المعلوماتية الجديدة أضلت- لا قدر الله - طائفة كبيرة من الشعب الجزائري - وهذا مانراه يتزايد ويتفاقم يوما بعد يوم - وصارت مسيحية، ثم طفق بعض هؤلاء المسيحيين الجدد يتطرفون ويرتكبون أخطاء ويقومون بأفعال تتنافي والقوانين السائدة ؟ هل نقول أنهم درسوا علوم الشريعة المسيحية ويجب إزالة وتحييد تعاليم الدين المسيحي من مراحل التعليم ،التي أنجبت لنا هذا العنف المنبوذ اجتماعيا وقانونيا ؟ أم نقول أن هؤلاء المتطرفين الجدد في الدين المسيحي قد تأثروا بماضيهم الإسلامي؟!.
ومن ناحية أخرى آلا يعد قرار إلغاء أو تقليص أو زحزحة تدريس شعبة الشريعة الإسلامية والامتحان فيها في المرحلة الثانوية بمثابة قرارإلغاء المسارالانتخابي في بداية التسعينات من القرن الماضي؟! فإن كان كذلك ها نحن نؤسس ونمهد لظهورعنف سياسي أو اجتماعي آخر، مدركين أوغيرمدركين، لما سوف يترتب عنه من نتائج مضرة بالمجتمع إن عاجلا أو آجلا ؟! وماذا يكون عليه الحال ـ فرضا ـ لوأن أغلبية الشعب الجزائري صار شيوعيا
( والعياذ بالله) وقد لجأت شريحة كبيرة منه إلى أسلوب المغالبة بالاحتجاجات المتواصلة تارة وبالعنف تارة أخرى، للمطالبة بضرورة إدراج مادة تدريس الإلحاد، في كل مراحل التعليم، هل نقف لهم في سبيل إلحادهم بقرار سيادي لا رجعة فيه؟ أم ندعو بضرورة اعتناق مباديء الدين الإسلامي وتطبيق شريعته، تفاديا لخطرهم الداهم؟! أم نبحث عن الدوافع الحقيقية الداخلية، والبواعث الفعلية الخارجية للأفراد، التي جعلتهم يشرُدون عن السرب الاجتماعي المتماسك ؟.
ومن جهة أخرى وبناء على ذلك يمكن لأي أحد منا أن يتساءل:
من أعطى مفاتيح الحل والربط لذاك المسؤول الذي يريد أن يعلم الشعب الجزائري أو أي شعب آخرما يجب أن يقرأه وما ينبغي أن يدرسه وما لايجوز قراءته وما لا يحبذ تدريسه ؟ أنزل هذا المسؤول من السماء؟ وصارأعلم وأفقه من كل هؤلاء وأولئك المعترضين، حتى يعلمهم شؤون دينهم ودنياهم ؟ ولا يريهم إلا ما يرى ؟ هل له من سلطان مبين؟ أين حجته التي قد يحاجج بها عموم المسلمين لو كانت هناك ديمقراطية حقيقية، وشورى فعلية، ومناظرات مبثوثة على المباشر كما هو جارفي بعض القنوات الفضائية التي قطعت شوطا بعيدا في مجال ممارسة حرية الرأي والرأي الآخر، حتى ينصب نفسه مفتيا في شؤون التربية والتعليم والشريعة الإسلامية التي لا يعلم منها إلا كلمة
Charia la ؟ أليس القول بضرورة تحجيم وزحزحة هذه المادة أو بالأحرى إلغاء شعبة الشريعة من شهادة البكالوريا دون استفتاء شعبي، أو مصادقة من برلمان ناجم عن تطرف كان خفيا، وقد تلقاه صاحب القرار وتشبع به في سن مبكرة من عمره، حتى صارالآن ، لا يستمع لأحد، ولا يبالي بعدد المعترضين عليه، ولا تهمه النتائج السلبية التي قد يتمخض عنها هذا القرارالخطير؟ كيف يكون موقفه لو طالب الشعب بتنحيته من منصبه؟ ألا يمكن أن يلجأ هو نفسه إلى نوع آخرمن الاحتجاج أو العنف أكثر تطورا وتقية، من العنف الذي قيل أن تدريس الشريعة الإسلامية قد أنتجته أو سوف تنتجه؟!
آلا تعتبر مقولة (التغننانت أومعزة ولوطارت) اللتين ورثناهما عن أجدادنا شكلين من أشكال الاستبداد والاستحواذ بالرأي وعدم الالتفات لآراء الآخرين حتى ولو كانوا على حق؟
كيف يمكن لهذه الدولة أو تلك أن تعرف الاستقرارالسياسي والتماسك الاجتماعي والعيش في جو ديمقراطي، ما دام أمثال هؤلاء المسؤولين الذين كانوا بالأمس القريب يدافعون باستماتةعن الرأي الواحد والفكر الواحد ثم صاروا الآن ديمقراطيين (شكلا؟). ألايعد ذلك كذبا وافتراءا على الشعب؟
ما قول المختصين في دراسة (الشخصية) وهل صحيح أنه يمكن أن يتغير الإنسان من حال إلى حال في توجهاته وقناعاته الفكرية والسياسية بنسبة 180 درجة ؟! هل هذا ممكن علميا؟ هل ارتقى ذاك المسؤول إلى هذا المستوى بوسائل ديمقراطية حقيقية ؟ فإن كان كذلك، فكيف أخطأ الشعب فيه ؟ وولاه على إدارة شؤون أبنائه، ورجال مستقبل الجزائر، لا سيما وهوالذي لا تروقه من القرارات ومقترحات مشاريع القوانين إلا ما يتعارض مع طموحات الشعب وآماله؟.
هل يتغيرالإنسان بيولوجيا أولا أم أيديولوجيا ؟
قال ذات يوم الفيلسوف اليوناني المعروف أرسطولأستاذه سقراط: ( أنه قد توصل بعد تأملات طويلة في ماهية الإنسان وشخصيته، فوجد أنه بين الفينة والأخرى يتحول ويصير شخصا آخر غير الشخص الأول تماما، (بيولوجيا ونفسيا ووجدانيا) وقدم أدلته وبراهينه التي تثبت ذلك، ويبدوأن تلك الأدلة والبراهين لم تقنع أستاذه، ولم يجد الأستاذ وسيلة فعالة لدفعه للعدول عن رأيه بعد نقاش طويل ومساجلات حادة، إلا فكرة بسيطة رآها حاسمة وفعالة ، وبدت له أنها قد تكون ذات تأثير كبير على عقل أرسطو، فقال له:( اقترب مني يا أرسطو وانظر إلي جيدا، فاقترب التلميذ من أستاذه سقراط ، وبعد ذاك رفع سقراط يده عالية فاتحا كفه وهوى بها على وجه أرسطو بصفعة قوية ، اهتزلها أرسطو مرتعدا ومتسائلا :( لماذا صفعتني ياأستاذ ؟ قال سقراط: أأنا الذي صفتعك أبدا.. أنا لم أصفعك، فقد تغيرت وصرت شخصا آخر، فاسأل سقراط الأول الذي صفعك،أما أنا الواقف أمامك فقد تغيرت).
مما يدلل أن الإنسان لا يتغير بين الفينة والأخرى وبتلك السرعة التي أشار إليها أرسطو، إنما يحصل التغيروالتغيير بالتدرج والتدريج، ومع ذلك فقد يتغير الإنسان جسديا، ولكنه لن يتغير في قناعاته وتوجهاته ونفسيته وذهنيته إلا بعد فترة أطول، وقد لا يتغير إطلاقا ونسميه صاحب تغننانت ومكابرة والحديث قياس.
هل الإسلام من غير الشريعة يعني شيئا ؟
دين الدولة الإسلام، هكذا يقول الدستور،في كثير من الدول العربية.. فهل الإسلام من غيرالشريعة يعني شيئا؟! أم أن الشريعة تعني غيرالإسلام ؟! ما معنى الشريعة إن لم تكن نبعا وطريقة ومنهاجا وسبيلا وصراطا مستقيما ؟ ما معنى أن يقول القائمون على شؤون هذا البلد أو ذاك أن لكل حريته، ولا تطبق هذه الحرية إلا في حالات معينة، فمن شاء خمروسكر، ومن شاء صلى وصام ؟ومن شاء آمن واتقى، ومن شاء كفر؟ ومن أراد خاف مقام ربه، ومن شاء فجر؟!
إذن من شاء تعلم اللغة الفرنسية، فليدرسها، ومن شاء تعلم اللغة العربية فليتعلمها، من شاء تنصر وتمسح.. ومن شاء آمن وأسلم.. وبالتالي من شاء يستمع عبر الإذاعات والقنوات الفضائية إلى مفتي المسيحية، والدعوة إلى التنصير فليستمع.. ومن شاء يستمع لقناة
( إقرأ ) و الرسالة أو روثنا بل روتانا فليسمع وليستمتع ، أليست هذه هي الحرية المطلوبة؟.
إذن ما معنى حرية التعبيرإن لم تكن إفتاء واستفتاء واستفسارا واستقصاء فيما أحب الإنسان وفيما كره؟! أليست قضية شعبة الشريعة الإسلامية شبيهة إلى حد بعيد بقضية الحجاب في فرنسا؟ إن لم تكن امتدادا لها؟!
ما معنى أن يفرض على المواطن الاستماع ومشاهدة قناة واحدة ووحيدة وما يبث عبرها من عري وخلاعة - ممجوجتين اجتماعيا وعلى نطاق واسع- وحصص وبرامج لا تعبرولا تعكس ولا ترقى إلى المستوى السياسي والثقافي والاجتماعي الحقيقي للشعب الجزائري الأصيل أو غيره من الشعوب المسلمة ؟ ولا يسمح بفتح قنوات أخر، لمن لا يريد مشاهدة ما تفرضه عليه في وطنه ؟ لماذا لا يسمح بإلقاء محاضرات جادة هادفة تتناول قضايا الأمة الحقيقية وعقد لقاءات وبرمجة حصص خاصة بالشريعة الإسلامية بينما يسمح ببث حصص لا تتجاوز إطارالاستفتاء في شؤون الوضوء ونواقظه والطلاق والزواج وما إليهما من مسائل يمكن الاكتفاء فيها بالقنوات الإذاعية المحلية أوالوطنية ؟
طبعا ذاك يعد حراما في دين الآخرين ولا يسمح به لأسباب لا يعلمها إلا الأوصياء على الشعب والأمة، وطبعا هناك ضرورة المصلحة العليا ، وأمن البلد، وأكثر من نصف الشعب يعيش الفقروالنكد، ويخوض مع حكوماته وولاة أمره حروبا دونكيشوتية تجعله دوما منصرفا عن الالتفات لقضاياه الحقيقية والمصيرية..كيف يمكن فهم الازدواجية في حرية التعبير؟
أنت تقول ما تشاء، وتقررما تشاء، بينما الآخرون عليهم السمع والطاعة وتنفيذ ما تقرره دون مناقشة أو اعتراض حتى لو كانوا مئات آلاف أوملايين؟
أليست هذه أبوية في أرقى صورها ؟
هل من اتخذ هذا القرارأو ذاك هو أكبرسنا أم أطول باعا في العلم من الآخرين ؟ أم أشرف نسبا حتى يفرض وجهة نظره تلك بالقوة والسلطان ؟ فإن كانت المعايير علمية، فكم من علماء تعج بهم الجامعات الجزائرية وغير الجزائرية ويفوقون صاحب القرار سنا ومعرفة واطلاعا ؟ فإن كانت المقاييس نضالا وتضحية، فهل هو أقدم من هؤلاء الذين يعدون بالمئات وقد تجاوز الكثير منهم النصف قرن نضالا وجهادا ؟ فإن كانت المعايير موالاة للغرب وتطبيقا لتوصياته، فأين شخصيتنا الحرة وذاتيتنا المستقلة ؟.. أوَصل الأمرفي انبطاحنا واستسلامنا إلى مستوى هذه الدرجة من فقدان السيادة والاستقلال ؟ نقرأ ونتعلم ما يقرره الغرب لنا، تارة باسم شروط دخول المنظمة العالمية للتجارة، وتارة باسم محاربة منابع الإرهاب، وتارة ثالثة باسم ضرورة العصرنة والتحديث.
أليس الأجدروالأولى والأهم أن يفكرهؤلاء العباقرة في كيفية تجنيد كل الإمكانات المتوفرة لدى شعوبنا للقضاء على الفقرالمنتشرفي ربوع قرانا وحواضرنا ؟! والعمل على إزالة وتنقية أقبية العمارات من القاذورات والمياه الآسنة وتعبيد الطرق والأزقة المهترئة في كل مدن العالم العربي ؟! وكذا العمل على إيجاد وظائف حقيقية لطوابيرالخريجين من المعاهد والمدارس والجامعات ؟! بدلا من هدرالجهد في محاربة ومعاداة وهم إسمه منابع الإرهاب، أكاد أقول أن هؤلاء الذين يختلقون هذه المشاكل والقلاقل، هم الذين يحاولون تأجيج نارالإرهاب ، إذ كلما خمد أوارها، كلما طلع على الشعب الجزائري وغيره من الشعوب العربية والإسلامية مصدر جديد بإعلان جديد بستهدف مبدأ أو ثابتا من ثوابت الأمة، التي ملت وضجرت أيما ضجر من مثل هذه القرارات الاستفزازية، التي يتجه دوما مؤشرها إلى الخلف بدلا من الاتجاه إلى الأمام.
لماذا لا يبشرهؤلاء التنفيذيون الخالدون في كراسيهم الشعب الجزائري والشعوب العربية الأخرى يوما أنهم قد اتفقواعلى اقتراح مشروع عملية استثمارية ضخمة وحضارية، تتعلق بانطلاق دراسة وتنفيذ مشروع السكة الحديدية العابر للجزائر من شمالها إلى جنوبها، 2400 كلم، ومن المحيط إلى الخليج وهو المشروع الاستثماري الأضخم في تاريخ الجزائر والعالم العربي على الإطلاق، المضمون النتائج بكل المقاييس ففي الجزائر على سبيل المثال سوف يمس عديد الولايات لن تعرف بفضله هذه الأخيرة أي معنى للبطالة ولا الفقرولا الإرهاب ولا الاحتجاجات الاجتماعية لأن المشروع سوف تنعش حركة قاطرته كل ميادين النشاطات الزراعية والصناعية والسياحية والاجتماعية، وأن عائداته على المستوى الطمأنينة النفسية والأمن الاجتماعي ستكون أكثر وأجدى مما يتوقعه كل خبراء السياسات العرجاء في الدول العربية بل أكثر مردودية من مداخيل النفط نفسه.
ولكن هذا العمل الكبير لا يعرف المسؤولون- أو يعرفون ولا يريدون - جدواه ونتائجه، على الرغم من كونه يشكل ركيزة كل اقتصاد وعصبه الحيوي.
فحتى لوكلف الدولة الجزائرية أو غيرها 40 ملياردولار فهو الخطوة الحقيقية الأولى لكل وئام ومصالحة حقيقية، ومن يقول بغير ذلك فهو واهم.. وواهم أيضا .
طبعا هذا المشروع الحضاري العملاق لو يفكرهؤلاء المسؤولون الذين ألفوا دراسة مشاريع من نوع:
( الولي، شعبة الشريعة، الكل أمني، التحالف، االائتلاف، الانشقاق، سحب الثقة
( وهل هناك فعلا ثقة!!!) تفجيرالحزب، عقد الجلسات، توزيع ألف محفظة، منح أربع حافلات لتلاميد الأرياف، منع الحوارمع من يستحق الاعتماد، التحاورمع من لا اعتماد له، رفع أسعار الماء ، زيادة أو تقليص حصة الخبازين من الفارينة، هدم عشرة أكواخ بقرارحكومي، قمة عربية استثنائية - تستثني الشعوب وتمنعها من ممارسة حقها في اتخاد القرارات الحاسمة في تحديد معالم مستقبلها ومستقبل الأجيال القادمة -.. إلى غير ذلك من االتدشينات التي يراها المواطن الجزائري والعربي عموما وهمية وعبثية ..لا ترقى - عقدا بعد عقد من الزمن - إلى مستوى طموحاته المشروعة ..
مساجلات فارغة، وإنجازات إسفنجية كارطونية، لا تصمد أمام أية مزنة أو بخة رضاض أو حتى قطرات ندى..
تدشينات عادية استهلكت أموالا طائلة، وأهدرت جهودا هائلة..فتح أقسام دراسية وإقامة شبكة صرف مياه مستعملة وإقامة مهرجانات للشطيح والرديح يعتبرونها إنجازات حضارية...
فوالله لو فكرهؤلاء الساسة المفروضون على شعوبهم في هذا المشروع الحضاري السالف الذكر، لرفعت الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا في وجهه حق الفيتو في مجلس الأمن للاعتراض علي تسجيله وإنجازه ، كما جرى لعبد الناصررحمه الله مع السد العالي، لأنه يمثل اللعبة الاقتصادية الأخطرفي تاريخ الجزائروالوطن العربي من حيث الأهمية الاستثمارية، والاستقرارالسياسي والاجتماعي، ولأنه هوالمشروع الذي سوف ينقل الجزائر والدول العربية من مستواها الحالي إلى مستوى الصين أو ألمانيا أوعلى أقل تقديرإلى مستوى ماليزيا وكوريا الجنوبية.