المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكاية السندباد - السفرة الثامنة - قصة قصيرة - ابراهيم درغوثي - تونس



ابراهيم درغوثي
20/12/2006, 07:56 PM
حكاية السندباد
السفرة الثامنة

قصة قصيرة

ابراهيم درغوثي / تونس



- احك يا شهرزاد .
- لقد تعبت من الكلام وفرغت جعبتي يا عزيزي ، الآن جاء
دورك لتحكي .
- لكننا لم نتفق على هذا ، وسآمر بالسيف والنطع .
- لن تقدر على ذلك ، فقد رشوت سيافك بجارية وقنينة خمر .
- مسرور ... يا مسرور ....
- لا تتعب نفسك ، فلن يسمعك يا .... حبيبي .
- مسرور ..... تعال يا ابن الكلب .
- قلت لك لن يسمعك ، فلا تتعب نفسك بالصياح يا صاحب
العظمة .
*****
لست أدري كيف تقودني خطواتي كلما هممت بالذهاب إلى السوق أو المقهى أو أي مكان آخر ، إلى بيتها ... أحس بتيار جارف يحول اتجاهي ، وأنسى ما كنت أنوي القيام
به . ولا أفيق إلا وأنا أقرع بابها .. تفتح لي الخادمة ، وتسبقني إلى الصالون . وتذهب لتعلمها بوصولي .
تقول لها :
- سيدي وصل الآن .
فترد عليها :
- احضري له بيرة أو كأس ويسكي ، وأغلقي الباب وراءك .
أمص الويسكي حتى استنفاذ رحيقه ، وأرمي بالكأس فارغة على الحائط فتتكسر محدثة ضجيجا وجلبة ... ساعتها تخرج من الحمام ملتفة في منشفة حمراء ، والماء يقطر من شعرها ومن ذقنها ، ويفور فوق النهدين وتحت
الإبطين . تخطو فوق الموكات بشبشبها المبلول ، وجلة خطو الحجلة المفجوعة بأزيز رصاص الصياد . وتمد يدها الحارة مسلمة تسليما مهذبا ، ثم تقول :
- كأس أخرى من الويسكي .
ولكنها تستدرك بسرعة :
- بيرة أفضل يا حبيبي .
وتفتح القارورة . وتفرغها في كأس مذهبة الحواشي ، فتشرب نصفها وتسقيني الباقي ، قائلة :
- اشرب من هنا ، من هذا المكان .
وتضع إصبعها فوق الموضع الذي كانت تشرب منه .
فأستدير لها لأشرب من الكأس أولا ، ثم من فمها دائما .
أشرب خمرة أحلى من المدام . وأستزيد ، فتزيدني ، ولا أشبع . أصب السائل الذهبي فوق جسمها ، وألحس بلساني وشفتي من الثغر ومن النحر ومن فوق النهد ومن تحت الإبطين وما بين الفخذين ومن وسط السرة . وآه من السرة ، أملأها حتى تفيض وأظل أشرب منها حتى الشبع . فتضحك ، ولساني يدغدغ بطنها مقرقرة قرقرة طفل سعيد بأبويه . وتستفزني أكثر وهي تلوك الشوينغوم . تمضغه ، ثم تنفخ فيه فيخرج من فمها بالونا تفرقعه في وجهي وتلحسه رويدا رويدا لتصل بي حدود النشوة القصوى . ثم تنزع عنها المنشفة وتتمدد فوق أريكة كبيرة . وتغمز، فتبدأ عيني في النباح ... أنزع قميصي ... أرميه على الأرض وأدخل الجنة . أأكل من تفاحها ومن عنبها ومن عسل نحلها ، وأقتل العقرب الكبيرة ما بين فخذيها ... وأموت ... وهي تأكلني أكلا لما ... وأموت ، وسم العقرب يسري في شراييني . ولا أستفيق إلا بعدما ترش على قلبي من عطر الجنة ، فأستريح لحظات فوق صدرها ثم أقوم مودعا :
- تصبحين على خير يا صاحبة العظمة .
- يسعد مساءك يا حبيبي ، إلى أين أنت ذاهب ؟
ابق معي ، الليلة سنحتفل بعيد القمر .
- لا ، لن أقدر .
- قلت لك ابق ، الليلة عيد ميلادي ولن أبيت وحدي في هذا القصر الكبير .
- تلفني للخادمة أو للجنائني .
فترفع في وجهي ذيلها .
رأيت المرأة وهي تتحول إلى عقرب صفراء ترفع في وجهي ذيلها الكبيرة فاحة :
- هل ستبقى ؟
وأنا أرد على فحيحها خائفا :
- بلى ، سأبقى حتى الموت ...
وتذكرت صديقي " الجنائني " الذي مات بعدما عرفني بهذه المرأة بيوم واحد .
وحين سألتها عنه قالت :
- صديقك مات بلسعة عقرب يا صاحبي ، ولا تعود للسؤال عنه حتى لا تلحقك لعنته .
كان الرجل يعمل في مزرعتها . يفلح الأرض ويعتني بالأشجار والبقر الحلوب إلى أن رأته صدفة لما كانت في زيارة لحقولها صحبة المصون زوجها .
وكان صاحبي قويا كالثور الأسود ، يشع من عينيه بريق سبع شموس ، فطلبت من زوجها أن يحوله إلى القصر .
قالت في نفسها :
- حرام أن يأكل الدود والتراب هذا الجسد قبل أن أشبع منه .
يومها ، وقفت أمامه ، فجست عضلاته كما لو كانت تجس خروفا . وقاست طوله وعرضه . ونظرت في وجهه ومررت يدها على شعر رأسه ، وزوجها يتفرج ولا ينبس ببنت شفة . ثم سألته عن عمره ؟ فقال : عشرون . وهل هو متزوج ؟ فرد : أعزب . وحين نظرت تحت سرته ، في المكان المكور الذي انتفخ عندما انفرجت فخذيها وهي تنزل من السيارة فارتفع فستانها وتعرى اللحم الأبيض السمين ، خاف أن تضع يدها هناك فيفتضح أمره . لكنها اكتفت بالنظر وبالكلام مع بعلها .
سمعها تقول له :
- الجنائني العجوز هرم ، والحديقة في حاجة إلى شاب يعتني بها .
ورأى الرجل يهز رأسه بعلامة الإيجاب موافقا على مقترح تحويله من حقل الريف إلى حديقة القصر ، فلم يمانع .
ولم يدر صديقي الجنائني أنه ذاهب إلى بستان اللذة المزروع بالعقارب ...
احك يا شهريار . احك حكاية لم تسمعها مني .
سأحكي لك عن رحلة السنبداد الثامنة
احك يا شهريار . احك ...

*****

قال السندباد :
عندما عدت من سفرتي السابعة ، أقسمت بأغلظ الأيمان ألا أعود إلى السفر والمغامرة مرة أخرى . فعشت في أرغد عيش مع الخلان والأصحاب والأهل والأحباب إلى أن كان يوم خرجت فيه إلى البحر ، فرأيت التجار يحملون بضائعهم على السفن . فدفعت كفارة يميني وركبت معهم الفلك . فسارت بنا أيام وليال إلى أن وصلنا إلى " جزائر العجائز المتصابيات " ، فاستقبلنا الجمارك ببرود شديد ، وفتشوا بضاعتنا صندوقا صندوقا ، وقلبوا كل شيء رأسا على عقب . قالوا إنهم يبحثون عن المتفجرات ، وإنهم يخافون من أن نقوم في بلادهم بعمليات إرهابية . وتثبتوا من جوازات سفرنا لعلهم يجدوا من بيننا جاسوسا مدسوسا للنيل منهم . ونظروا مليا في أجهزة الكمبيوتر ، فأوقفوا بعضنا ومنعوهم من الدخول إلى البلد ومكنوا البعض الآخر من إقامات وقتية . وعندما جاء دوري ، أدخلوني إلى غرفة سوداء ، وطلبوا مني الوقوف فوق جهاز يشتعل وينطفئ ثم مرروا عصا كهربائية فوق ثيابي . وبعد كل ذلك طلبوا مني الوقوف في صف طويل للتثبت من هويتي وفحص جواز سفري بأشعة إيكس . كل هذا وأنا أعجب لأفعالهم وألعن نفسي التي طاوعتها على السفر بعدما كنت أقسمت على عدم مغادرة " دار السلام " ، إلى أن سمعت اسمي ينادى به من مكبر صوت معلق في حائط ، فوقفت أمام جمركي وقفة المتأدب . أعطاني الرجل استمارة وطلب مني تعميرها ، فذكرت اسمي ومهنتي وعمري والبلاد التي أتيت منها وسبب دخولي إلى هذه البلاد .
قرأ الرجل هذه الإخباريات متمعنا في كل كلمة ، وطلب مني إيضاحات أخرى كأن أذكر البلدان الأخرى التي زرتها وشد على أفغانستان وبلاد البوسنة والشيشان . وطلب مني أن أذكر إن كنت متأهلا أم لا ، ثم دعاني إلى الاستظهار بالنقود التي أحملها معي فأخرجت له من جرابي دنانير ذهبية ودولارات أمريكية وعملة أوروبية . ونفحته بدينار ذهبي متوج برأس الخليفة هارون الرشيد دام له العز والسؤدد فدفع لي جواز سفري وطلب مني النزول إلى قاعة المسافرين . عندما وصلت إلى هناك ، رأيت جماعة من الناس واقفين أمام سكة تدور وفوقها حقائب كثيرة وكل واحد يخطف حقائبه ويفر فرار الصحيح من المجذوم . فترقبت حتى وصلت حقائبي فحملتها وقصدت قاعة التفتيش فعرضتها على شرطي أثقل علي من جديد بأسئلة كنت أجبت عنها في السابق ثم قلب أدباشي بطريقة أفزعتني فبحث داخل الجيوب وفتح قوارير العطر فتشممها وحقق البخور فبعثرها وسألني عنها وعما تصلح ولمن تهدى . وفي الأخير جاء بكلب فتشمم من جديد كل شيء ثم تشممني من رأسي حتى مؤخرتي ...
وجاءت ساعة الفرج عندما طلب مني أن أجمع بسرعة كل ما بعثر من أدباشي . ومر إلى مسافر آخر .
عندما خرجت من الميناء ، كان الليل قد نزل وكانت ندف من الثلج تهبط على الأرض . وهب هواء بارد ، فرفعت ياقة معطفي ووقفت كالصنم أترقب سيارة أجرة تنقلني إلى داخل البلد . وقفت مدة طويلة تزيد على الساعة ولكن لا أحد قبل استضافتي في سيارته ، فصرت أتحرك جيئة وذهابا أمام بناية الميناء الكبيرة حتى لا أتجمد من البرد وعدت إلى لعن الساعة التي تركت فيها " دار السلام " . ولكن هل ينفع الندم ؟
كان اليأس قد أخذ مني كل مأخذ عندما رأيت امرأة تنزل من سيارة واقفة غير بعيد عن أبواب الميناء . كنت قد رأيت هذه السيارة عندما خرجت من القاعة ولكنني لم ألتفت إليها لأنني ظننتها للمراقبة أو لشيء لا أعلمه في هذه البلاد الغريبة الأطوار .
وقفت المرأة قدامي وقاستني من فوق إلى تحت من وراء نظارة سوداء ثم سألتني إن كنت أرغب في الذهاب إلى المدينة ، فشكرتها ووضعت حقائبي داخل سيارتها وركبت إلى جانبها ، فزمجر المحرك وعوى مغن داخل " راديو كاسات " قريبا من المقود فأمالت مضيفتي رأسها على نغمات نباح هذا المغني وطربت لصراخه وضجيج آلاته وأنا أتفرج على المشاهد التي تمر أمامي منبهرا بالأضواء الضاجة بالحياة إلى أن خففت المرأة من السرعة ، فنظرت إليها خفية وأعطيتها ستين سنة .
قالت بأنكليزية ركيكة :
- ما اسمك ؟
- سندباد يا سيدتي .
- لماذا جئت إلى هذه البلاد يا سندباد ؟
- للتجارة والارتزاق يا سيدتي
- ولكن ، هل لديك إقامة ؟
- لا ، يا سيدتي الأميرة .
قالت ، وقد أبهرها وصفي لها بالأميرة ، أنا القادم من بلاد الأمراء والسلاطين :
- سوف تطرد من هذه البلاد يا سندبادي العزيز إذا لم تحصل على ترخيص بالإقامة في أقرب وقت .
- وما العمل حتى لا أطرد يا أميرة الأميرات ؟
ردت ببرودة فاقت كل التصور :
- تزوجني يا سندباد .
حينها كنا قد وصلنا أمام النزل الذي اختارته لإقامتي ، فأطفأت محرك السيارة وطلبت مني أن أترقب عودتها .
حين عادت ، كان يسير وراءها واحد من عمال النزل ، فرفع حقائبي وترجاني الرفقة . لكن صاحبة السيارة استبقتني قربها لحظات لتقول لي :
- هي ليلة واحدة . ستنام في هذا النزل ليلة واحدة ومن الغد ستسكن في قصري إذا وافقت على طلبي .
وقلت :
مع السلامة .
فقالت :
إلى اللقاء .
بت ليلتي الأولى في هذه البلاد التي فاقت في غرابتها جزيرة سرنديب ، على أحر من الجمر . وتذكرت أيامي في دار السلام فبكيت وعضضت على أصابعي . ولكن هيهات فلن يفيد الندم .
في الصباح جاءت " ليدا " إلى غرفتي فألبستني ثيابا ثقيلة . قالت لتقيني البرد القارص الذي يهد العظام . فبلادنا ليست كبلادكم . وبردنا ليس كحركم . وناسنا ليسو كناسكم يا سندباد البلاد البعيدة . ثم تأبطت ذراعي و دعتني إلى مرافقتها إلى دارها ، فلبيت طلبها وأنا كالمسحور لا أعرف بماذا أرد ولا ماذا أفعل .
عندما وصلنا إلى دارها ، انبهرت بعظمتها وفخامتها . لقد فاقت حسنا وجمالا قصور أمير المؤمنين هارون الرشيد أدام الله له العز والسؤدد ، ففي هذه الدار ما لا يخطر على البال من الأثاث والرياش والستائر والفرش وأدوات الزينة والترفيه . هي دار كالجنة التي حدثتنا عنها كتب السماوات . فوقفت مشدوها لا أعرف أين أضع قدمي . لكن تلك العجوز الجنية عرفت كيف تستغل انبهاري ، ركبت فوق كتفي وقادتني مباشرة إلى بيت نومها ففرشتني على السرير وضلت تضاجعني ولا تستريح . وتبدل مواضع النكاح أنى شاءت ، فتسد بآلتي المستفزة كل مخارجها ولا تعبأ باحتجاجاتي عن الحلال والحرام إلى أن تعبت وانهد كياني . حينها ، قامت كالشبح فأطفأت زرا صغيرا ينبعث منه نور خافت وعادت تنبح :
- هل ستتزوجني :
...............
لقد نجحت في الاختبار ولن أفرط فيك .
.................
- سآتيك بصك الإقامة إلى هنا . ولن تخاف بعدها سطوة البوليس .
......................
وأدرك شهريار الصباح ، فسكت عن الكلام المباح .
*****
- هل ترغب في قارورة " بيرة " أخرى أم في كأس " شمبانيا " ؟
- كأس " شمبانيا " .
تضع الثلج في الكأس وتصب فوقه السائل الأصفر .
فأدفع بالسائل إلى حلقي وأشربه دفعة واحدة .
وتملأ الكأسين من جديد ، وتضغط على زر بجانب السرير
فينساب صوت فيروز هادئا كنسائم الربيع :
" لم يكن وصلك إلا حلما
في الكرى ،
أو خلسة المختلس "
- ابق معي ...الليلة سنحتفل بعيد القمر .
وتبكي فيروز "
" كل السيوف قواطع
إن جردت ،
وحسام لحظك
قاطع ،
في غمده ."
- ابق ... سنحتفل بعيد ميلادي .
وترفع العقرب شوكتها لتهوي بها في سرعة البرق . ويصل السم إلى قلب صديقي " الجنائني " الذي مات في اليوم الذي عرفني بها .
ويصل السم إلى قلبي .
" إن شئت تقتلني
فأنت محكم .
من ذا يطالب سيدا
في عبده " .
وتدور الكؤوس من جديد ، فأسكر وأعربد .
لكنها تقول ، وهي تشدني من أرنبة أنفي :
- لا عربدة في الجنان يا صاحبي .
فأقوم لها أضاجعها حتى الفناء .
وعندما تشبع ، تقول :
احك يا شهريار.
فأرد عليها :
سأحكي لك عن رحلة السندباد الثامنة .

*****
قال السندباد :
- صرت كالثور وأنا آكل من خيرات الدنيا ما لذ وطاب . وأدمنت
" الكافيار " ، بيض السمك المجلوب من بحر قزوين خاصة بعدما أعلمتني " ليدا " أنه يزيد في قوة الرجل فلا يكل ولا يمل من الحب ومشتقاته . فأملأ بطني بالطيبات وأملأ ما بين فخذيها بالطيب اللذيذ القادم من صهد الصحراء .
ظللت على هذه الحال أكثر من ثلاثة أشهر ، ثم تسرب الملل إلى حياتي فبدأت أتهرب من نظراتها المسكونة بالشبق ومن مراوداتها السمجة ،الثقيلة على قلبي . فبادرتني ذات يوم وأنا أتعشى بواحدة من مفاجآتها السعيدة ، قلت :
أعرف أنك مللتني ، ما رأيك لو آتيك ببنت صغيرة ؟
فلم أرد على تساؤلها ، وإن كنت رغبت في الأمر .
بعد يومين : جاءت مصحوبة ببنتين أحلى من الورد وألذ من عسل النحل ، وطلبت مني أن أقوم بالواجب . لكن الخجل أصابني عندما رأيت البنتين تدخلان سوية غرفة النوم وتبدآن في التعري وفي التحرش برجولتي . وطلبت النجدة من العجوز ، فكنت كالمستجير من الرمضاء بالنار إذ دعتني وهي تضحك باستهتار إلى مضاجعة البنتين في مرة واحدة وانزوت وراء ستار تصورنا وتدعونا إلى التفنن في أداء الأدوار . وأعجبني هذا العالم الجديد ، واستفزني هذا اللحم الأبيض المكتنز والنهود الطرية والصرخات الخارجة من جهاز تسجيل مثبت تحت السرير ، فهجت هيجان الثور. ونطحت نطح الكبش . ولم أستسلم إلا وأنا على أبواب الموت ...
وامتلأ منزل مضيفتي بالرجال والنساء من كل الأجناس والأعمار . وجاء فريق تصوير بأجهزة فيديو وتلفزيونات وكاميرات كبيرة وصغيرة وسكك حديد . نصبوا كل هذه الآلات داخل ساحة فسيحة مفروشة بالزرابي والأرائك وطاولات الأكل والشرب . وتداعى الخلق لهذه الوليمة وسط الرقص والموسيقى الصاخبة والشهيق والنهيق والعض والبوس واللحس واللمس والقرص . والكاميرا تصور البطون العارية والنهود المندفعة كالصواريخ والعيون الملأى باللذة والمني المتدفق فوق الظهور والأرداف وما بين الأفخاذ وداخل الأفواه والشفاه تمص أعواد الآبنوس وتبتلع رحيق الحياة . وأنا الأسمر الفتي ، " علم في رأسه نار " أصول وأجول أدك الأسوار المنيعة وأفتح المدائن الشامخة .
ولم تنته تلك الليلة إلا بعدما شاهدت شريط فيديو مسجل مكتوب عليه بالخط الكبير : " مغامرات سندباد العربي في بلاد الثلوج " .
قالت " ليدا أنها ستبيع منه مئات النسخ في جهات الدنيا الأربعة ، ثم أضافت وهي تغمز لي بعينها :
- ستأخذ نصيبك من الغنيمة يا عربي ، فلا تخف . نحن شرفاء ولا نأكل مال غيرنا بالباطل .

عرفني بها ذات مساء صديقي " الجنائني " .
قال لي :
سيدتي في حاجة إلى سائق سيارة ... لماذا لا تعمل عندها ؟
كنت أيامها عاطلا ، بعد أن أغلق المصنع الذي كنت أعمل فيه أبوابه وسافر صاحبه وراء البحر .
ذهبت معه إلى دارها ، فقدمني لها بطريقة أحرجتني كثيرا .
قال لها :
جئتك يا ستي بصريع الغواني .
فقالت وشبح ابتسامة يزين شفتيها :
صريع الغواني ؟ أهلا به .
وطلبت مني أن اقترب منها ، فجستني من صدري ومن ظهري كما يجس الخروف ثم حطت يديها على فخذي واقتربت حتى كادت تصل الأماكن الحرام .
وسمعتها تهمس لنفسها :
- لا بأس به . هذا ثور وأنا أعشق الثيران .
ومات صديقي الجنائني .
قالت ، عندما سألتها عنه :
- صديقك مات بلسعة عقرب يا صاحبي . ولا تعد لمثل هذا السؤال مرة أخرى .
ومدت يدا كالعاج ، فقادتني إلى غرفة في لون البنفسج . وأجلستني فوق أريكة وجلست قبالتي ثم سكبت الخمرة في كؤوس من البلور الصافي فشربنا حد الانتشاء . كانت أثناء الشرب تحكي لي عن زوجها . قالت إنه يملك معامل ومصانع وحقول ودولارات وماركات ودنانير من الذهب الخالص مطمورة في بنورك سويسرا ونيويورك
يملك كل هذا وأكثر ، ولكنه لا يملك قلبي .
وقالت إنها صاحبته في بعض سفرياته ، ثم امتنعت بعد ذلك عن السفر معه ، فقد ضبطته عدة مرات يمارس الإثم مع صبيان في عمر أولاده وبنات نهودهن كالتفاح .
وقالت :
- احك يا شهريار . احك فالليل طويل ومسرور قبل رشوتي وأعطاني سيفه والنطع .
احك يا شهريار ...
فقلت لها :
- سأحكي لك عن رحلة السندباد الثامنة .

*****
قال السندباد :
وصرت أتاجر في المخدرات .
قالت لي " ليدا " :
- ستتكفل بنقل الحقائب فقط .
تذهب إلى بهو المطار . تجد حقيبة سوداء . تحملها ، وتخرج من الباب الكبير فتجد أمامك سيارة سوداء تفتح بابها الأيمن لتضع الحقيبة وراء السائق وتذهب في حال سبيلك .
وقمت بعملي على أحسن الوجوه حتى أتقنت الصنعة وبرعت في التخفي وفي مغالطة البوليس . لن أكذب عليك ، في المرات الأولى أصبت برهبة وأنا أجتاز الباب وأحيي الشرطي الواقف أمامه ، ولكنني بعد ذلك صرت أقوم بعملي وكأنني إنسان آلي .
أحمل الحقيبة السوداء . أضعها وراء كرسي السائق ، وأذوب ...
ثم أن مضيفتي قالت إنها أصبحت تفخر بمواهبي ، فكلفتني بسياقة السيارة عوضا عن الرجل الغامض الذي كان يشاركني عملياتي وأعطتني عناوين كنت أضع عندها حقائبي السوداء وكانت تتغير باستمرار .
وتكدست عندي الدولارات الحقيقية والمزيفة . وأصبحت أبيع بنفسي الأفلام المسجلة على كاساتات الفيديو.
وكبرت تجارتي ، فدخلت السوق السوداء من أبوابها الواسعة ، وتعرفت على دنيا المافيا . وصادقت رجالا كبارا في الحزب الكبير ، فتغطيت بجلبابهم حتى لا أجلب الشبهات . ودافعت في المنتظمات التي دفعوني للمشاركة فيها أنا القادم من دول الجنوب ، على سياسات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي . وصدرت حبوب منع الحمل للدول النامية . وتوسطت في عدة صفقات لبيع السلاح الفاسد لجنرالات الحرب . وتحصلت على رشاوي لتصدير دبابات وهيلوكبترات وبنادق أوتوماتيكية لمكافحة الشغب في الدول التي تعادي الدولة العظمى .
وكبرت ، حتى أن دولتي " مدينة السلام " ساندت ترشيحي لشغل منصب دولي رفيع في منظمة دولية رفيعة .
ولكن دوام الحال من الحال ، فقد أفقت ذات يوم والأصفاد بيميني والأغلال بشمالي . وحوكمت كمجرم حرب ومخرب عالمي وأحد فساد المعمورة . فبقيت في السجن ما شاء لي الله حتى فرجت بعفو من حيث لا أدري .
عندما خرجت من المعتقل ، ذهبت إلى الميناء الذي دخلت منه البلد أول مرة ، فرأيت مركبا يرفرف عليه علم بلادي . هزني الشوق فحييت العلم وغنيت له " بلادي ...، بلادي ... ، بلادي ... ، لك حبي ومرادي " ثم ركبت مع التجار والمسافرين . ولم نزل في حل وترحال ، من جزيرة إلى جزيرة ومن بحر إلى بحر ، وأنا أرجو النجاة وأترجى الرب بالصلوات والدعوات . وكلما تذكرت " بلاد العجائز المتصابيات " يركبني الهم ويضغط على قلبي الغم إلى أن وصلنا بعون الله وحمده مدينة " دار السلام " . فذهبت إلى حارتي ودخلت داري . وقابلت أهلي وأصحابي ففرحوا بسلامتي وهنأوني على النجاة .
وكنت قد خبأت في مكان أمين بعض الصكوك البنكية فصرفتها وتصدقت ووهبت وكسوت الأيتام والأرامل . وصرت في غاية البسط والسرور . وعدت لما كنت عليه من المعاشرة والمرافقة ومصاحبة الإخوان واللهو والطرب .
وطلع الصباح ، فسكت شهريار عن الكلام المباح .
*****
لست أدري أي شيطان ركب رأسي عندما اقتربت مني في آخر الليل ، فقمت أتحسس جيدها . كان الجيد ناعما كالحرير ، فبدأت بالضغط قليلا قليلا .
قالت بغنج :
لا تمزح هكذا ، فأنت تؤلمني .
وزاد ضغط الأصابع على الحرير ، ففتحت عينين مفجوعتين وبدأت تتلوى . وزدت في الضغط حتى تبست وسقطت فوق الأريكة بدون حراك .
عندها فقط ، نفضت يدي من الحرير وذهبت أشم هواء الصباح الجديد ...


dargouthibahi@yahoo.fr

محمد ربيع
21/12/2006, 05:58 PM
امتعتني كثيرا هذه القصة ..
من ملهاة السياف المرتشي حتى فاجعة الحرير :
( .... وزاد ضغط الأصابع على الحرير ، ففتحت عينين مفجوعتين وبدأت تتلوى . وزدت في الضغط حتى تيبست وسقطت فوق الأريكة بدون حراك .
عندها فقط ، نفضت يدي من الحرير وذهبت أشم هواء الصباح الجديد ...)

تقبل خالص مودتي واحترامي .







لمن يرغب التلطف بزيارتي هنا :
http://www.arabswata.org/forums/showthread.php?t=3874

ابراهيم درغوثي
21/12/2006, 09:20 PM
شكرا أخي محمد ربيع على مرورك الباذخ على هذا النص القصصي
مع المودة والتقدير
ودمت قارئا لنصوصي وللنصوص الجميلة