البشــير رويني
19/12/2008, 02:50 PM
يا لغة الشعر..
يا لغة الشعر..
لا زلتُ متعجبا من جيل دولوز ، الفيلسوف الفرنسي الشهير، عندما قال مرة يصف لغة الشعر أنها (لغة شبه أجنبية)1، فالرجل كان يعي ما يقول ، لأن الشاعر الذي يتكلم لغة القوم يصدر كلاما من ذات القوم يجعل الناس تموت انتباها وحيرة وتعجبًا.
هكذا هو تبسيط الإشكالية بسذاجة.
الشاعر ليس ساحرًا بالمعنى العتيق للسحر، ولكن لغة الشعر فيها سحر الجدة وروعة البداءة.
وحقيق على من يتأمل لغة الشعر ان يقف عند تلك المحطات المهمة في القصيدة الشعرية عندما تقف الجماهير القارئة و المستمعة أمام موقف أبدع فيه صاحبه أيما ابداع.
في ذات الوقت أتذكرُ ذلك الرجل الذي كان يخرج في هدأة الليل متلمسًا يسترق السمع فترهف أذنه وتطرب وتهتز لسماع فصول من القرآن الكريم.
لم يكن مؤمنًا،وكان يعتز بذلك ويأنف من غيره، لكن روحه التي تطرب لسماع آي القرآن تجرّ قدميه ليقف صاغرا في مؤتمر الإبداع القرآني يستمنح معزوفة الصدق ويرهف سمعَه بطلاوة الحرف المعتق من الفيض الرباني.
للكلمات سحر..
للغة سحر..
للحرف سحر..
بعض الذواقة الكبار كان يرى الحروف تتراقص أمامه عرائس نور وعشق وحكمة.
كان الحلاج على رأس هؤلاء ، وكان ابن عربي ايضا :
بين التدلل والتذلل نقطة في فهمها يتحير النحرير
هي نقطة الاكوان ان جاوزتها فهو المراد وعنده الاكسيرُ
ولذلك فان الناس في العبرية يسمون الشاعر نبيًا.. نعم، فالشاعر نبي بصورة او بأخرى.
وفي الالمانية أيضا فأن كلمة شعرGedicht تحمل كثيرا من دلالات النبوة والعطاء الرباني
....
الاشراقة الاخرى ان ابن عربي -رحمه الله – عقد فصولا مهمة من علم الحروف والزيرجات وفيها اشارات مهمة في مجال اللغة واللغة الشاعرة. وقد نبه العلامة ابن خلدون في مقدمته الى ان العرب عرفوا أثر الحروف وسر اللغة وعشق البيان.
ليس في تقديري ان ينظر جميع الشعراء الى حروفهم نظرة واحدة، وبعضهم يحب حروفًا معينة لقافيته ويؤثرها على غيرها.
ما هو السر ؟!
الاجابات عديدة ومديدة، بعضها يتعلق بالحروف ذاتها، واخرى بطبيعة الانسان الشاعر وميله الشخصي. بعضهم لم تكفه هذه الاجابات فذهب الى ان ذلك لحكمة ارتآها الخالق ، وان اللغة ككل هي صنعة إلهية ليس للانسان من امرها شئ.
* * *
اللغة مخلوق عجيب، من طينة ساحرة ، يقع تحديدًا بين الروح والنفس، بعضه رقصُ ُ و أكثره موسيقى. وعندما يدخل ذلك المخلوق مختبرَ الشعر تتعانق روحه بروح الشاعر الرقيقة ويمتزج ُ النفـَسان وترتفع أجراس الموسيقى وأوتار العزف في موسم الايقاع الخلاب.
اللغة مخلوق غريب، عندما يحتضنه الشاعر يصبح هذا الاخير حلوًا طريًا محبوبا عند الجميع، مهموما بالناس والناس مهمومة ومهتمة به..وهكذا أحب الناس منذ القديم عنترة بن شداد ولم يكن بالوسيم المغري، ولكن معلقته علقت بقلوب الناس فأحبوه دون أن يروه.
للغة في القلب وقعُ الأسل كما قالت العرب، وربما هذا ما جعل الفيلسوف ريجيس دوبري يعقد لها فصولا مهمة في حديثه عن نظريته في الميديولوجيا. فاللغة في علوم الاتصال الحديثة وفي سيكولوجيا الصحافة يفوق عرضها بإيقاعه على المستمعين كل إيقاع عروض الأزياء التي (تخبطنا) بها دائما كل قنوات العالم..
....
أصابع الفنان ليست كأصابعنا عندما تحتضن العود.. وللصوفي حقُ متعةِ الجحيم!!فالذوبان في المحبوب ينسي متعة الحب !!
..
اللغة مخلوق عجيب، عندما يحتضنه الشاعر يتحول إلى مخلوق أعجب!
__________
- Une langue presqu’ étrangère. 1
يا لغة الشعر..
لا زلتُ متعجبا من جيل دولوز ، الفيلسوف الفرنسي الشهير، عندما قال مرة يصف لغة الشعر أنها (لغة شبه أجنبية)1، فالرجل كان يعي ما يقول ، لأن الشاعر الذي يتكلم لغة القوم يصدر كلاما من ذات القوم يجعل الناس تموت انتباها وحيرة وتعجبًا.
هكذا هو تبسيط الإشكالية بسذاجة.
الشاعر ليس ساحرًا بالمعنى العتيق للسحر، ولكن لغة الشعر فيها سحر الجدة وروعة البداءة.
وحقيق على من يتأمل لغة الشعر ان يقف عند تلك المحطات المهمة في القصيدة الشعرية عندما تقف الجماهير القارئة و المستمعة أمام موقف أبدع فيه صاحبه أيما ابداع.
في ذات الوقت أتذكرُ ذلك الرجل الذي كان يخرج في هدأة الليل متلمسًا يسترق السمع فترهف أذنه وتطرب وتهتز لسماع فصول من القرآن الكريم.
لم يكن مؤمنًا،وكان يعتز بذلك ويأنف من غيره، لكن روحه التي تطرب لسماع آي القرآن تجرّ قدميه ليقف صاغرا في مؤتمر الإبداع القرآني يستمنح معزوفة الصدق ويرهف سمعَه بطلاوة الحرف المعتق من الفيض الرباني.
للكلمات سحر..
للغة سحر..
للحرف سحر..
بعض الذواقة الكبار كان يرى الحروف تتراقص أمامه عرائس نور وعشق وحكمة.
كان الحلاج على رأس هؤلاء ، وكان ابن عربي ايضا :
بين التدلل والتذلل نقطة في فهمها يتحير النحرير
هي نقطة الاكوان ان جاوزتها فهو المراد وعنده الاكسيرُ
ولذلك فان الناس في العبرية يسمون الشاعر نبيًا.. نعم، فالشاعر نبي بصورة او بأخرى.
وفي الالمانية أيضا فأن كلمة شعرGedicht تحمل كثيرا من دلالات النبوة والعطاء الرباني
....
الاشراقة الاخرى ان ابن عربي -رحمه الله – عقد فصولا مهمة من علم الحروف والزيرجات وفيها اشارات مهمة في مجال اللغة واللغة الشاعرة. وقد نبه العلامة ابن خلدون في مقدمته الى ان العرب عرفوا أثر الحروف وسر اللغة وعشق البيان.
ليس في تقديري ان ينظر جميع الشعراء الى حروفهم نظرة واحدة، وبعضهم يحب حروفًا معينة لقافيته ويؤثرها على غيرها.
ما هو السر ؟!
الاجابات عديدة ومديدة، بعضها يتعلق بالحروف ذاتها، واخرى بطبيعة الانسان الشاعر وميله الشخصي. بعضهم لم تكفه هذه الاجابات فذهب الى ان ذلك لحكمة ارتآها الخالق ، وان اللغة ككل هي صنعة إلهية ليس للانسان من امرها شئ.
* * *
اللغة مخلوق عجيب، من طينة ساحرة ، يقع تحديدًا بين الروح والنفس، بعضه رقصُ ُ و أكثره موسيقى. وعندما يدخل ذلك المخلوق مختبرَ الشعر تتعانق روحه بروح الشاعر الرقيقة ويمتزج ُ النفـَسان وترتفع أجراس الموسيقى وأوتار العزف في موسم الايقاع الخلاب.
اللغة مخلوق غريب، عندما يحتضنه الشاعر يصبح هذا الاخير حلوًا طريًا محبوبا عند الجميع، مهموما بالناس والناس مهمومة ومهتمة به..وهكذا أحب الناس منذ القديم عنترة بن شداد ولم يكن بالوسيم المغري، ولكن معلقته علقت بقلوب الناس فأحبوه دون أن يروه.
للغة في القلب وقعُ الأسل كما قالت العرب، وربما هذا ما جعل الفيلسوف ريجيس دوبري يعقد لها فصولا مهمة في حديثه عن نظريته في الميديولوجيا. فاللغة في علوم الاتصال الحديثة وفي سيكولوجيا الصحافة يفوق عرضها بإيقاعه على المستمعين كل إيقاع عروض الأزياء التي (تخبطنا) بها دائما كل قنوات العالم..
....
أصابع الفنان ليست كأصابعنا عندما تحتضن العود.. وللصوفي حقُ متعةِ الجحيم!!فالذوبان في المحبوب ينسي متعة الحب !!
..
اللغة مخلوق عجيب، عندما يحتضنه الشاعر يتحول إلى مخلوق أعجب!
__________
- Une langue presqu’ étrangère. 1