المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جنس العقل



أدهم مطر
29/12/2008, 01:12 AM
المقدمة

الرجال مختلفون عن النِساءِ. فهم متساوون فقط من حيث عضويتِهم المشتركةِ لنفس النوعِ، الجنس البشري ،كما أن التحدث عن تساوي كلا الجنسين (الذكري والأنثوي) في نفس الكفاءات و المهارات أَو السلوكِ هو كمن يحاول أَنْ يَبْني عالماً خيالياً مستنداً على بعض الأكاذيب البيولوجية والحيوية والعلمية.
إنّ الأجناسَ مختلفة لأن أدمغتَهم مختلفة، فالدماغ، العضو الإداري والعاطفي الرئيسي للحياةِ، يُبْنَى بشكل مختلف في الرجالِ، عنه في النِساءِ؛ ولهذا، فإنه يُعالجُ الأوامر والمعلومات عَلى نَحوٍ مختلف في كلا الجنسين، والتي تُؤدّي إلى التصوّراتِ المختلفةِ في الأولوياتِ والسلوكِ.
لقد حدث إنفجارُ كبير في البحث العلمي في السَنَوات العشْر الماضية، الأمر الذي كشف عن اختلاف الأجناس، وبعد أن شرع الأطباء والعلماء وعلماء النفس وعلماء الاجتماع، يَعْملون كل على حِدى، إلا أن استطاعوا التوصّل في نهاية المطاف بعد جمع النتائجِ معاً، إلى رسم صورة ثابتة جداً وشديدة الوضوح، وقد كشفت في تفاصيلها عن واحد من اللاتناظرِ الجنسيِ المذهلِ.
وأخيراً , أصبح هناك جواب للسؤال المُثار على الدوام:
" لماذا لا تستطيع المرأة أن تَكُونُ مثل الرجل؟"
لقد حان الوقت لتَفجير الأسطورةِ الاجتماعية القائلة بأن كلاًّ من الرجالِ والنِساءِ قابلين للتبادل عملياً، حيث كان سائدً أن هناك تساوياً في كل الأشياء، إلاّ أن كُلّ الأشياء لَيستْ متساويةَ في حقيقة الأمر.
كان تفسير وتوضيح الاختلافات السلوكية بين الأجناسِ، وحتى فترة قريبة، يتم بعيداً عن التَكيّف الاجتماعي، فتوقّعات الآباء من حيث مواقفهم الخاصة، تباعاً، يَعْكسُ توقّعاتَ المجتمعِ؛ فالأولاد الصِغار يُلقَّنون بأن هم يَجِبُ أَنْ لا يَبْكوا، وأن الطريق إلى النجاح والقمةِ يَعتمدُ على مدى صلابة المركز الذكوري والعدواني لإثبات ذلك.
على الرغم من أنه لم يُعَر كثير من الاهتمام إلى وجهةِ النظر البيولوجية(الحيويةِ) القائلة بأننا قد نكون في ما نحن عليه بسبب الطريقة التي خُلقنا فيها، إلاّ أنه، يوجد في الوقت الحاضر، أكثر من دليل بيولوجي(حيوي) على سيادة جدل النظرية الاجتماعية، فقد زوَّدتنا نظريات الجدل البيولوجية(الحيوية)مؤخراً بإطار شامل لأدلّة قابلةٍ للبرهان العلمي، بحيث يمكننا أن نبدأ بفهم من نحن ولماذا نحن؟؟؟.
إذا ما كان التفسيرِ الاجتماعي ناقصاً، فإن الأدلّة الكيماوية الحيوية تَبْدو أكثرَ معقولية- بأن هورموناتُنا هي المسؤولة التي تَجْعلُنا نَتصرّفُ بأساليب وطرقِ مُعيَّنة و ُمبسّطة جداً- لكنه، وكما سنَكتشفُ لاحقاُ، فإن هورموناتنا لوحدها لا تَعطي الجوابَ الكاملَ والشافي الذي يُفسّر جوهرياً أوجه الاختلاف في التفاعلُ بين الهورموناتِ وبين أدمغةِ الذكورِ أَو الإناث، لأن الأمور التي تُحدِث الاختلافات قد تكون مثار قلق في كيفية التعامل مَعها بشكل محدد.
إن ما سوف تقرؤونه في هذا الكتابِ حول الاختلافات الحقيقية بين الرجالِ والنِساءِ قد يثير غضب أو اشمئزاز كلا الجنسين، إلاّ أن كلا ردود الفعلين خاطئة، فإذا كان هناك سبب لغضب واهتياج النِساءَ فلَيسَ لأن العِلْمَ قد وَضعَ كفاحهن المُضني للمساواة بالرجال في مرتبة تافهة، وغير ذات قيمة، فغضبهن المُبرر حسب ما يعتقدن، يَجِبُ أَنْ يَكُونُ بالأحرى موجهاً نحو أولئك الذين أرادوا تَضليلهن وتجاهلهن وحِرمانهن من جوهرَ وجودهن، فقد تعرض العديد مِنْ النِساءِ في الثلاثين أو الأربعين سنة الأخيرةِ للاعتقاد بأنهن، أَو يَجِبُ أَنْ تكُنّ "جيّدات "كمثل الرجلِ القادمِ المُنتظر" لكنهن عملياً، قد تحمّلن في سبيل ذلك آلاماً حادة وغير ضروريَة بالإضافة إلى الكثير من اليأس والإحباط، فقد كُنَّ على قناعة بأنهن، وحين ينفُضن عن كاهلهنّ قيودَ الإجحافِ والظلمِ الذكوريِ - والمصدر المُفتَرَض لوضع منزلتِهنّ في الدرجة الثانيةِ – فإن باب الأرضِ المَوْعُودةِ لإنجازِ التساوي سَيُفْتَحُ؛ وستتحرر النِساء أخيراً لخوض غمار وبلوغ المستويات القيادية المشرفةِ للمِهَنِ.
لكنه،وبدلاً مِن ذلك، فعلى الرغم مِنْ توفر الانعتاقِ الأعظمِي من ناحية التعليمِ، والفرص، والمواقف الاجتماعية، إلاّ أن "أفعال النساء"لم تكن أفضل حالاً على المستوى المنظور مما كان عليه وضعهنّ قبل ثلاثين سنةً، إلاً أن رئيسة الوزراء في الحكومة البريطانية السّيدة "مارغريت تاتشر" ما زالَتْ الاستثناء الذي يُثبتُ القاعدةَ، فقد كانت نسبة النساء في الحكومة البريطانية في الثلاثيناتِ أكبر منها في الوقت الحاضر، حيث لم تكن هناك زيادةُ هامّةُ في عددِ أعضاءِ البرلمان النسائيِ خلال العقود الثلاثة الماضية. ترى بَعْض النِساءِ في الجانب الآخر مدى بُعد جنسَهنّ وإخفاقهن السريع في الوصول إلى الوضع المثاليِ المُفتَرَضِ للاشتراك بالسلطةِ،ورغم إحساسهن بالفشل ، إلاّ أنهن أخفقن تماماً في أن يَكُنَّ مثل الرجالِ.
لم يجد الرجال، من ناحية أخرى، أي سببِ للاحتفال المُرضي، على الرغم من أن البعضِ سَيَجِدونَ ذخيرةَ حتماً لإجحافِهم، فعلى سبيل المثال، إن أكثر النساء في حقيقة الأمر لا يَستطعنَ قِراءة الخرائط بنفس الدقة التي يقوم بها الرجل، لكن النِساءَ في المقابل يُمْكِنُ أَنْ يَقْرأنَ شخصيات البشر بشكل أفضل، وبطبيعة الحال، فإن قراءة الِبشر أكثر أهميَّةً مِنْ قراءة الخرائطِ (العقل الذكوري في هذه النقطة ، سَيُفكّرُ فوراً باستثناءاتِ هذه النتيجة).
لقد أصاب الفزع بَعْض الباحثين لصراحة ما قد اكتشفوه، فقد كانت بعض نتائجِهم، إنْ لمْ تُُقْمَع، إلاّ أنها وَضعت على الرفِّ على الأقل بشكل هادئ وذلك خوفاً من تأثيرِها الاجتماعي المحتملِ.
لَكنَّه من الأفضل عادة التَصَرُّف والعمل بناء على القاعدةَ المستندة على حقائق الأمور، بدلاً مِنْ الإبْقاء، على إرادة العالم الفُضلى القائلة بأن ما هو حقيقي وصحيح لَيْسَ لهُ الحقُّ في أن يكون كذلك، بل إنه لمن المستحسن في هذا المجال أيضاً، الترحيب فيما يتعلق باستغلال الاختلافات المكمّلةَ بين الرجالِ والنِساءِ، حيث يجب على النِساء استغلال الحافز المتوفر والناجم عن التنافس في أَنْ يُساهمنَ في إغناء النّعم التي وُهبن إياهنّ وتطوير سبل هدايتهن الأنثوية المحددة بدلاً مِنْ إهْدار طاقاتِهن في السعي لتقمّص جنس الذكورةِ البديلةِ، فخيال المرأة الأعظمِ يُمْكِنُ أَنْ يَحْلَّ مشاكلَ عنيدةَ- محلية كانت أو خاصة – وذلك بما يتحلّين به من قوة حدسية على ما يبدو.
إن أفضل حجّةِ للاعتراف بوجود الاختلافات بين الجنسين تكمن في القيام بمحاكمات منطقية ومن أنَّ ذلك سوف يَجْعلُنا - من المحتمل- أن نشعر بالسعادة، فالتقدير، على سبيل المثال، من أن للجنسِ أصول مختلفةُ، ودوافع، وأهمية خاصة ضمن سياق الأدمغةَ الذكرَية والأنثوية َ، ذلك أن الزواجِ يُعتبر- وبشكل كبير - أمر غير طبيعي بالنسبة إلى البيولوجيا الذكورية وإلى بيولوجيا (عِلْمِ أحياء) الذكرِ عموماً، وقَدْ يَجْعلُنا ذلك أزواجَاً وزوجاتَ مُراعين لشعور الآخرينَ بشكل أفضلَ، كما أن الفَهْم بأن دورا الأبِّ والأمِّ لَيسا قابلين للتبادلَ قَدْ يَجْعلُنا نُحسّنُ أكثر من أوضاع الآباء والأبوّة بشكل عام .
إنّ الاختلاف السلوكيَ الأكبرَ بين الرجالِ والنِساءِ يتلخص فيما يدعى بالعدوانُ الفطريُ الطبيعيُ لدى الرجالِ، والذي يُوضّحُ إلى درجة كبيرة هيمنتهم التاريخية للنوعِ الذكوري، بيد أن الرجال لَمْ يُتعلّموا العدوانَية كأحد وسائلَ حربِ الجنسَ، فنحن بالتأكيد لا نُعلّمُ أطفالنا الذكور لكي يَكُونواَ عدوانيينَ، على الرغم من أننا في الحقيقة نُحاولُ عبثا أن لا نُعلّمُه ذلك، فحتى الباحثين الذين يقدرون المساواة، إلا إنهم في حقيقة الأمر ، يقفون ضد الاعتراف بحقيقة الاختلافاتِ الجنسِية، بل ويُوافقونَ بأن هذه الميزّة (العدوانية) إنما هي ميزة ذكورية، وإحدى الميزات التي لا يُمْكن أنْ تُوضّح بالتَكيّف الاجتماعي.
كتب المؤلف "مونروH.H.Monro الملقب بساكيSaki " قصّةَ صَغيرةَ تعليميةَ حول إحدى العائلات التحرّرية حيث أراد فيها الوالدان قَمْع عدوانِية ابنهم الذكورية الطبيعية وذلك برَفْضهم شراء مجموعة من الألعاب على شكل جنود مصّفحِين؛ بل قاموا بدلاً مِن ذلك، بشراء مجموعة من الألعاب على شكل موظفين حكوميين ومُعلّمين ،وقد شَعروا في البداية بأن هم قد أفلحوا في مساعيهم حتى انسلّوا خلسة في أحد الأيام إلى غرفةِ ألعاب الصبي، وُدهشوا عندما رأوا الطفل وقد اختلق مشاجرة جماعية بين فصيلة الألعاب المُعلّمين ، وفصيلة الألعاب الموظفين البيروقراطيين، لقد كان ذلك الطفل محظوظَاً، فقد أيقن أبويهِ في النهاية عبثَ مُحَاوَلَتهم في جَعْله شيءِ ليس هو عليه َ، ولا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كذلك أبداً.
نُعتبر نحن البشر نوعٌ متغطرس، فقد تفوَّقنا على جميع الحيواناتِ الأخرى من ناحية قدراتِنا على التَفكير والتَمييز، حتى قِيلَ عن منزلتنا بأننا أقربِ إلى الملائكةِ مِنّْا إلى قرود الشمبانزي، وربما يَقودنا ذلك إلى التفكير المغرور في أن نَعتبر أنفسنا كسادةِ أقدارِنا، في حين نُهملُ الفكرةَ الأساسية في أننا ما زِلنا خاضعين للأولوياتِ البيولوجية الحيويةِ لأجسامِنا، مثل بقية الحيواناتِ الأخرى، لكننا نتناسى من نحن وما نحن عليه، وكيف نحيا، وهذا ما تفْرُضُه بقوة الرسائلِ التي تُقولبُ وتُعلمُ أدمغتَنا.
يُمْكِنُ للرجال والنِساء أَنْ يَعِيشوا بسعادة أكثر في حال استطاعوا فهم وحُبّ بعضهم لبعض مما سيؤدي إلى تنظيم العالمَ لتَحسين أوضاع التأثيرِ، وذلك يتحقق فقط إذا ما اعترفنا وأقررنَا باختلافاتنا، حيث سيُمْكِنُنا بذلك أَنْ نَبْني حياتَنا على الأعمدةِ التو أمية لهويّاتِنا الجنسيةِ المُتميّزةِ.
لقد حان الوقت لإيقاْف الزعمِ العقيمِ بأن كل من الرجالِ والنِساءِ قد خُلِقا متساوين بذات القدر، فهم ما كَانوا، ولن يكونوا كذلك مطلقاً، ولا المثاليةِ، أَو حتى الخيالِ الطوباويِ يُمْكِنُ أَنْ يُعدّلا من هذه الحقيقة الدامغة، حيث أن ذلك الزعم العقيم لا يسعه إلاّ أن يُشوّه ويؤذي ُالعلاقةَ بين الجنسين.
بيد أنه في حال تمّ فهم بأن الرجالِ أقوياء في بعض الأمور وضعفاء في أمور الأخرى، في الوقت الذي يمكن أن تكون فيه النساء ضعيفات في الأمور التي يقوى فيها الرجال وقويات في الأمور التي يضعفون فيها، لكن المرأة يُمكنُ أَنْ تَكُونَ مديرة في مكاتب المدراء وفي غرفةِ النوم، وفي ذلك بِداية الحكمةِ وبدايةٍ لعلاقةٍ أكثر سعادة بين الجنسين.
لقد أصبح الاعتقاد السائد بأن كتاب "كل ما يفهمه الرجال عن النساء "- وعلى أنهن لسن أكثر من صفحات فارغة في هذا الكتاب - مجرد نُكتةٍ قديمةٍ وبالية، ومحدودة الفائدة، وإن كان كذلك، فقد حان الوقت للكِتابَة على تلك الصفحات.

ابراهيم ابويه
29/12/2008, 01:38 AM
أستاذ أدهم ،تحية طيبة.
لقد استفدت استفادة كبيرة من هذا المقال العلمي الذي وضعت هنا ،واستطعت الان أن أبني معرفة حقيقية حول اختلاف الجنسين من وجهة نظر البيولوجيا وعلم الإجتماع.
والمهم في هذا المقال كذلك ،هو تصحيح بعض الأفكار المغلوطة حول تساوي الجنسين ،والتي روج لها دعاة "النِساءِ قابلين للتبادل عملياً، حيث كان سائدً أن هناك تساوياً في كل الأشياء، إلاّ أن كُلّ الأشياء لَيستْ متساويةَ في حقيقة الأمر".
أشكرك على هذا المجهود الموفق والى اللقاء في تحفة أخرى.