المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : «صمت الفراشات» لليلى العثمان



عزُ الدينْ جوهري
01/01/2009, 09:08 PM
«صمت الفراشات» لليلى العثمان
عز الدين جوهري
وأنا أقرأ رواية الكاتبة الكويتية الكبيرة ليلى العثمان «صمت الفراشات»، الصادرة لدى «دار الآداب»، تذكّرت مقولة للروائي الطاهر جاووت: «إن الصمت هو الموت، وإذا تحدّثت ستموت، وإذا صمتّ ستموت أيضاً، إذاً تحدّثْ ومت».
ربما تصلح هذه المقولة كإطار عام لفهم الرواية واستيعاب ما تريد الكاتبة قوله.
ليلى العثمان لا تريد لأبطالها أن يبقوا صامتين إلى الحدّ الذي يجعل منهم أدوات للعبودية والقهر. فلا يمكن لقارئ هذه الرواية إلاّ أن يندى مرارة للوضع الذي مازالت تعانيه المرأة العربية عموماً، والخليجية خصوصاً. لكأنه قدّر لها أن تعيش طول عمرها مشوّهة نفسياً ومهمّشة اجتماعياً. الرواية ترصد مشاهد لفتاة اسمها نادية (بطلة الرواية)، وهي ابنة لأب كويتي يدعى محسن، ولأم حلبية تدعى زينب، تعرّف إليها محسن حين كان يتردّد هو وأهله على الشام في فترات الصيف يستأجرون خلالها بيتاً ويتعرفون إلى أهله. ولم يمانع أهل زينب من تزويج ابنتهم لكويتي، ما أدّى إلى ألفة وحميمية تربط الأسرتين ببعضهما بعضا. لكن المشهد الصادم هو موافقة محسن على تزويج ابنته الشابة نادية من عجوز كويتي كان متزوجاً وله أبناء ،وعمره يتجاوز الستين، وهي ابنة السبعة عشر عاماً. هل طمعا في المال؟ ربما، فوالدة نادية لا تمانع، ذلك أن العجوز سيموت قريباً، وسترثه ابنتها.
لا يتمكّن العجوز من فضّ بكارة نادية، لذلك يحضر عبده عطيّة لينوب عنه، ومن ثم يمارس الحب معها، طالباً منها أن تصمت على ما حدث. وهذا ما يحدث (تصمت)، فالجميع يطلب منها أن تصمت، ومع الأيام، وبعد 4 سنوات تقريباً من مكوثها في القصر، تحاول نادية الهرب من القصر الذي سُجنت فيه، حيث أنها غافلت عطية (العبد) يوماً وهربت إلى الطريق العام، مستنجدةً بأول سيارة أوصلتها إلى بيت أهلها، وحين علم العجوز نايف بالأمر هدّدها. لكن أمّها وأباها وقفا إلى جانبها، حتى تحوّل الأمر إلى شجار أفضى إلى سقوط العجوز أرضاً: أغمي عليه فمات. هكذا ترث نادية القصر ومال الزوج.
ازدواجية المعايير
بعد وفاة العجوز نايف تقرّر نادية أن تتعلّم في الجامعة، وفيها تتعرّف إلى الأستاذ جواد المتزوج من امرأة أميركية وله منها ابن، لكنها تقيم في أميركا في حين يقيم هو في الكويت، ويريد امرأة يتسلّى بها؛ يتزوّج منها في السرّ، ويحاول ذلك مع نادية التي ترفض عرضه بشدّة، وتوافقها أمها على رفضها. جواد هذا الذي لا مانع لديه من خيانة زوجته، يخبر نادية أنه سيقتل زوجته إذا علم أنها تخونه! في تلميح صريح من الكاتبة عن ازدواجية معايير الرجل العربي.
في ختام الرواية تميل نادية إلى عطية (العبد)، لكن المجتمع يظلّ ينظر إلى عطية على أنه عبد. تنسى نادية ما فعله عطية بها ليلة عرسها، وتسامحه ولا تحقد عليه، خلافاً لأمها، بل وتعطيه شقة طالبةً منه أن يتعلّم، وتوظّفه في شركتها، ولا تمانع في أن يكون زوجها، وهي التي عرضت عليه أن تزوّجه من امرأة أخرى! لكن أمها وأخاها يرفضان سلوكها، ويستغربان منها ما تقوم به: أن تزوره في شقته، فالعبد يُنادى فيطيع... لكن ماذا تفعل نادية الشابة بحاجة الجسد؟ ماذا تفعل والمجتمع ينظر إلى الأرملة نظرة سلبية؟ وهل تتزوّج؟ المفاجأة أن عطية هو الذي رفض الزواج منها، لا لأنه ما زال يرى في نفسه عبداً، بل لأنه منذ الليلة التي فضّ فيها بكارتها ما عاد قادراً على ممارسة الجنس معها. لقد أصابته العنة. تنهي ليلى العثمان روايتها بالأسطر التالية: «آآآه يا عطية… كم أغبطك رغم ما أعانيه، فأنت الآن السيد الحرّ الذي يتخذ قراره ببسالة الفرسان، بينما أنا – العبدة - الضعيفة أكمن في سرّي، وأنتظر من يمنحني شهادة عتقي» (ص 286).
عطية الذي رفض أن يكون زوجاً لنادية تحرّر أخيراً. لكن المرأة - السيدة ليست كذلك، إنما هي العبدة، والعبودية ما زالت سمة بارزة في المجتمع العربي، ما دام الرجل غير حرّ أيضاً وأولاً.
«صمت الفراشات» (موت الفراشات؟) ترجمة ذاتية مصوغة بضمير الأنا، تشخّص معاناة البطلة وشخصيات أخرى في مرض الصمت الذي يُفرض عليهن. وهي صوت جريء لا يصالح الواقع، بل يقاومه ويتصدّى له، تماماً كما قال الروائي حنة مينا: «ليلى لا تصالح الواقع، لا تراه قَدَراً، لا تتعبده صنماً، لا تنوء تحت وطأته، لا تهرب منه إلى الأمام بل تواجهه، ترفضه، تقاومه، تستأنف ضدّه، وتومئ إلى واقع آخر».