المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التلقين جزء3



أدهم مطر
23/01/2009, 09:05 PM
الفصل الأول
الصّحوة







كوميض من البرق اخترق الألم جسدي ، وبعد لحظة هويت على الأرض.
الخطر! ساعدوني ! لكن ليس من هذا البالغ الواقف هنا بجانبي والذي صعقته الصدمة للتو ويريد أن يمتحنني !.
لا ، فأنا لا أريده الآن! على الرغم من أنني أحبّه، لكنه وفي لحظة خطر ، لم يكن الشخص الذي أريد.
ركضت عائدة إلى الغرفة نحو امرأة غريبة وجميلة والتي كنا قد ألقينا عليها تحية المساء منذ وهلة متمنين لها ليلة سعيدة، لقد ادركت بأنها هي التي ستساعدني على نحو متعاطف جدا.
في عدة أوقات أخرى، أيضا، كنت أتمنى لو أبقى بقربها؛ فلطالما أحببت الرائحة التي تفوح دائما حولها، وأنا وكنت أشعر بأفضل حالاتي دائما وبالأمان المثالي في حضورها، أما الآن، وفي حالة هلعي واضطرابي هذه،فقد هرعت إليها باحثة عن المساعدة.
سرعان ما بدأت أئنّ وأنا أُريها يدي الصغيرة المنفوخة الخدرة التي كانت تتدلي مثل خرقة بالية،والتي لم تكن تستجب ، نظرت المرأة الجميلة إذ ذاك إلى يدي، بعد أن رمت الفستان التي كانت تخيطه جانباً وصرخت بأعلى صوتها :
"روبرت! روبرت! تعال بسرعة! "
ما أن فُتح الباب حتى دخل رجل بالغ بالكاد عرفته حيث كان قد عاش معنا ويخصنّا بشكل ما، وللمرة الأولى حدّقت فيه ملياً وبكثير من الإنتباه الحقيقي، فقد كان رجلاً طويلاً وذا وجه بشبه العاج؛ وقد كان شعر رأسه ولحيته وشاربه أسوداً كالأبنوس، وعينين سوداوين متوقدتين،وقد كان يشعّ بالقوة والأنفة دائماً، الأمر الذي كان يُبقي أي شخص حوله بعيداً وعلى مسافة مؤكدة.
وما أن نظر بلمحة واحدة إلى يدي الهزيلة والعديمة الفائدة حتى صرخ :
- اطلب الطبيب حالاً يا ستيفي .
هرع عمي "ستيفي" لأحضار الطبيب بينما سألنا الرجل الأسمر الطويل عما حدث،فأخبرناه القصة، فبعد أن ألقينا أنا و"غريت" تحية المساء وتمنينا للجميع ليلة سعيدة، أخذني عمي "ستيفي" وحملني على ظهره متوجهاً بي إلى غرفة النوم، وهناك تركني أنزلق عن ظهره، لكنّي انزلقت بشكل سريع جدا، بيد أنه شعر بذلك فسارع لمنعني من السقوط،وأمسك يدّي فجأة، لكنني في نفس اللحظة شعرت بطعنة عنيفة من الألم في رسغ يدي الأيمن ، ثمّ عندما حاولت رفع يدي،شعرت بها تتدلى وهي معلّقة .
- "نعم، "قال الرجل البالغ الطويل " إن رسغها مخلوع، ولكن أسوأ ما في الأمر هو بأنّي مضطرٌّ للذهاب في سفرة عمل و لن يكون بمقدوري الانتظار حتى يأتي الطبيب، ولكني سأبقى طوال الليل وكأني جالس على الدبابيس والإبر .
ثم ربطوني حالما وصل الطبيب .
أخبريني ، وماذا فعل بعد ذلك ؟
- قبّلنا ، وقبّل أمي ثم سافر.
نظرت للأعلى متعجّبة إلى المرأة الجميلة الغريبة التي كانت تشير دائما لنفسها على أنها " أمّنا " والتي كنا ندعوها كذلك .
كنت حتى تلك اللحظة لا أزال أبكي وأصرخ على كلّ ما كنت أستحقه.
لقد كنت محبطة للغاية ومصابة بخيبة أمل شديدة وكنت مرتعبة من اكتشاف أن البالغين لا يستطيعون أن يساعدوني، ولم يكونوا قادرين على إيقاف الألم الذي كان يعذّبني أكثر فأكثر؛ ولا هم قادرون أيضاً على تثبيت يدّي وإعادتها كما كانت قبل ذلك.
لقد أصابتني الدهشة عندما سمعت بأنّ البالغ الأسمر الطويل كان سيذهب، وبأنه سيمضي الليلة كالجالس على الدبابيس والإبر ، وقد تعجبت لذلك ، وشعرت بقلق بالغ لأجله ، لدرجة أنني نسيت البكاء فجأة وسألت أمّي : "لماذا سيكون عليه الجلوس على الدبابيس والإبر طوال الليل؟
رمقتني والدتي في باديء الأمر بنظرة مملوءة بالدهشة لكنها سرعان ما انفجرت ضاحكة وقالت:
"لأن والدك قلق للغاية على ما أصاب يدك".
ولكن ، أي نوع من الأجوبة كان ذلك ؟ لقد كان ببساطة دونما معنى ومجرد هراء! فهو لم يوضّح لي أيّما شيء، فقد كان ذلك الرجل الطويل الذي كنا ندعوه "والدنا" جادّاً كلياً عندما قال بأنّه كان سيجلس على الدبابيس والإبر والآن هاهي ذي أمّي تسخر مني، لماذا؟
لقد كرّرت فقط ما قاله والدي ، ولكن ماذا كانت تعني بأن والدي كان " متحمساً وقلقاً " ولماذا كان لزاماً عليه أن يجلس على الدبابيس والإبر؟ هل يعني ذلك بإنّه كان ذاهبا لكي يوخز بشكل خطير؟
أمضت أمي الكثير من الوقت في الخياطة وقت وقد شرحت لي عن حجم الخطر الذي قد تشكله الإبرة،وعن الموقع غير المرغوب فيه الذي يمكن أن تكون فيه الإبرة والذي قد يسبب الأذى!ومن أجل ذلك تستخدم الإبر فقط للخياطة، لذا كان ذلك الكلام الفارغ للبالغين الذين كانوا يؤنسوني بكلامهم لأن يدي كان عاجزة وتؤلمني جدا مما اضطرني لأن أمسك بها باليد الأخرى ؟ وماذا كانوا يقصدون بأن أبي سيقضي الليلة كاملة وهو جالس تجلس على الدبابيس والإبر، في حين أنه من المفترض أن تستعمل فقط للخياطة؟
لقد اعتدت في حقيقة الأمر على سماع البالغين وهم يناقشون ذلك الهراء في أغلب الأحيان ويعملون أشياء بلا شعور، لكن هذا كان كثيرا جدا بالنسبة لي ، وأنا أصريت على معرفة المزيد ،لكنّي لم أحصل على الفرصة لطرح أسئلة أكثر حول "هذا جلوس على الدبابيس والإبر" لأن عمي "ستيفي" كان قد عاد بصحبة الطبيب.
كان الطبيب رجلاً ودوداً للغاية ، وقد كان طويلاً وجذاباً وحالما نظر إلي أحسست وكأننا نعرف بعضنا بعضاً منذ زمن بعيد ، ثم ما لبث أن قام برفعي عالياً آخذاً بي بعيداً عن الوضعية الوقائية لجلوسي و التي كانت أمي قد أجبرتني عليها، الأمر الذي ملأ قلبي بالخوف الفظيع، فقد سببت حركة الطبيب تلك الحركة موجة جديدة من العذاب والألم، وبدأت بالصراخ من جديد.
أجلسني الطبيب على الطاولة ،ورأيت قدميّ الصغيرتين مُعلّقتان تحت صدري ، ثم ما لبث الطبيب أن هزّ رأسه ضاحكاً وقال :
"أوه كم هي قبيحة هذه البنت الصغيرة وهي تبكي! "
أذهلني ذلك ؟ ماذا ؟ هل قال بأني أصبح قبيحة عندما أبكي؟ كيف يعرف ذلك؟
لقد كنت لغاية الآن أعتقد بأن أحداً ما يستطيع أن يرى كل شيء ما عداي، كلّ شيء وكلّ الأشخاص الآخرين إلا أنا ، البالغون، الطباخ، غريت، طير الكناري، ألعابي ، في الحقيقة لقد كان كل شيء حولي مرئياً، حتى يديّ ، بطني الصغير، وقدمّي، لكنّي أنا نفسي لا يمكن أن أُرى، لقد كنت موجودة ولكن رغم ذلك لم أكن موجودة بعد، لكني كنت موجودة في مكان ما ولكن كنت غير مرئية ، فلم يسبق لي أن رأيت نفسي لحد الآن، ولكني لم أكن أستطع من خلال الحياة التي منحت لي أن أتخيّل كيف يمكن أن يكون محتملاً رؤية هذا الشيء الذي هو "أنا".
ولذلك ، كيف يمكن لهذا الطبيب البالغ رؤية يأسي، ألمي، بكائي: هذه هي "أنا " وهذا ما أنا عليه ؟
يا إلهي ! إذا كان يراني فعلاً ،ويرى دهشتي ،والموقف المرعب الذي كنت فيه ، فإن ذلك حقاً يجب أن يكون "قبيحاً."
أثار موقف الطبيب حفيظتي مما جعلني أتوقف فجأة عن البكاء متعجبة أنظر إلى الطبيب بتساؤل ثمّ ما لبث الكبار أن انفجروا يضحكون عليّ بصوت عال ومسموع .
قالت أمي :
" هل ترون كم هي متكبرة هذه البنت الصغيرة "؟ إنها حتى تحاول أن تقمع ألمها في سبيل أن لا تبدو قبيحة !" وهانحنذا نعود إلى حيث بدأنا ، وهاهي ذي ملاحظة جديدة من ملاحظات البالغين خالية من المشاعر وحتى بلا معنى ! "متكبّرة" ماذا يعني ذلك ذلك؟
كيف أكون متكبّرة ومغرورة، وأنا لا أعرف حتى ماذا يعني ذلك ؟
وكيف يمكن أن أكون "ظاهرة" فيما لم أكن أعرف إذا ما كنت مرئيةً لهم أم لا ؟
فحتى الآن كنت لا أزال أعتقد بأنني مجرد شخص يقوم بالمشاهدة فقط ، لقد كانت الأنا هي التي ترى الأشياء من حولي لكنّي كنت أشعر بطريقة أو بأخرى بأني خارج حدود الرؤيا .
كان كلّ ذلك يدور وينتشر في رأسي، وقد أردت أن أطرح سؤالاً آخر على الطبيب عندما أمسك يدي الصغيرة الهزيلة وسحبها بشدّة، لقد كان ذلك صعباً ومؤلماً للغاية وقد أردت أن أصرخ بأعلى صوتي لشدة الألم، فقد اعتقدت بأن ذلك الرجل المجنون سيسحب يدي ويقتلعها لكي ينظفها!لكنه قام بلفّ وليّ تلك اليدّ الصغيرة على نحو معين بحيث شعرت بطريقة أو بأخرى بأنها قد عادت كجزء مني من جديد، لكن ذلك قد آلمني بشدة، وقد وفجأة ، عادت إلى مكانها الصحيح ثانية.
"هانحنذا" قال الطبيب: " سيتورّم المفصل قليلا، لذا سنجعله ينام على الوسادة، وقريباً جداً سوف ننسى المسألة برمّتها ."
استمرّ البالغون بالتحدّث عني وعن غروري، ويقولون كم كنت مزهوّةً بنفسي للغاية لدرجة أني لم أصرخ حتى عندما كان الطبيب يلفّ ظهر رسغي ويلويه لإعادته إلى مكانه، كانت أمي على وجه الخصوص معجبة بهذا، وهذا ما أثار حزني ، فقد اكتشفت بأن هذه المرأة الجميلة الغريبة التي أحبها جداً لم تكن تفهمني ، ومع ذلك ، فقد بإمكان ذلك الطبيب رؤيتي ، في حين كنت بالتأكيد مخفيةً بالنسبة لأمي، لكنه، وعلى الرغم من هذا، كانت هذه المرأة تشعّ حبّاً بشكل رائع، وبعد برهة قصيرة ، وبينما كنت مستلقية في سريري ، وقد أُسنِدت يدي على الوسادة،لقد كنت في غاية السعادة حين كانت تطلّ بوجهها الرائع الجميل وتتكئ فوقي من وقت لآخر، وتبتسم لي مشجّعةً .
لقد كانت تشعّ بالدفء والطيب، ولم أكن أحس بالوحدة لطالما كانت بقربي،
عرفت بأنّني يمكن أن
لقد كنت أعرف بأنني أعتمد عليها كلياً ،فقد كانت هي التي تمنحني القوة في هذا العمر،وقد كان لدي ثقة كاملة فيها، ثم سرعان ما غلبني النعاس تدريجياً حتى غفوت في نهاية المطاف .
مرّ الليل ، وأصبحت يدي تطيعني من جديد بعد أن عادت جزءاً من جسدي، وصديقتي المخلصة - التي كانت لاحقا تجلب لي كثيرا من البهجة – وكانت تساعد على إيقاظي حين أكون غارقة في حالة اللاوعي .
لكن الطبيب كان خاطئاً ! فأنا لم أنس المسألة كما قال، وخلال قانون المجتمع ، كان يبقى بشكل دائم مرتبطاً بصحوتي الأولى بشكل راسخ وبحالة الوعي الأولى لي في هذه الحياة.
من الآن فصاعداً أصبح وعيي – ذاكرتي – مستيقظاً بشكل ثابت، ومن الآن فصاعداً ، بدأت ألاحظ كلّ شيء، كلّ شيء حولي بالإضافة إلى التي بداخلي،وبالانتباه الأعظم والتركيز المستمر، من الآن فصاعدا عرفت بأنّني قد عشت في بيت حيث كان يوجد ذلك الرجل الطويل الأسمر القوي والذي كان سيداً بارعاً دون منازع ، والذي كانت أمي تدعوه "روبرت Robert " في الوقت الذي كان لا بدّ أن ندعوه نحن " والدنا"والذي كانت العائلة برمتها تدور حوله؛ فأمي تعود إليه روحاً وجسداً ، وكانت قوته منتشرة في أرجاء البيت وطاغيةً علينا كلّنا، وعلى آلاف الناس فيما بعد، كان مثل خيمة، مثل طوق النجاة ، حيث كان كل شخص يقع ضمن دائرة نفوذه يحظى بالمساعدة والأمن و الازدهار.
لم يكن والدنا في المنزل أثناء ساعات الصباح ،لذا ، كان بإمكاني أن أبقى مع أميّ التي سمحت لي بمرافقتها في كافة أرجاء المنزل،وحتى في المطبخ،وعندما كانت تجلس بهدوء لتطرّز مفرش المائدة الكبير بالخيوط الملوّنة الزاهية لقد سمحت لي بالجلوس إلى جانبها ، فرحت أُسلّي نفسي "بتطريز" الأنماط المختلفة طبقاً لخيالي الخاص، وأستعمل نفس الخيوط الملوّنة الزاهية.
عاد والدي إلى البيت وقت الظهيرة، وبعد الغداء، كان لا بد لنا أنا و"غريت" من الذهاب إلى غرفة الأطفال التي لم أكن أحبها على الإطلاق، فقد كانت "غريت" هي طفلة المنزل، وكما ذكرت سابقاً فقد كانت تكبرني بثلاث سنوات ، وفي الوقت الذي خلعت به رسغي ، كانت هي في الرابعة والنصف من العمر في حين كنت لا أزال أبلغ من العمر سنة ونصف .
في الصيف التالي ، أمضينا عطلتنا في قرية محاطة ببحيرة كبيرة ، وقد أقمنا في بيت ريفي صغير تحيط به حديقة كبيرة ومزرعة واسعة، وقد كان بمقدورنا أنا وشقيقتي "غريت" أن نركض حافيتي القدمين ، كما سُمح لنا أيضاً لمرافقة عجوز سمراء متجعّدة الوجه عندما ذهبت إلى الحظيرة حيث تعيش البقرة وعجلها وعدد من الأرانب ذات العيون الحمراء.
لقد أثار ذلك إعجابنا ومنحنا فرحاً عارماً، فقد كان في الحديقة أيضاً زهوراً صفراء عملاقة،وبدت على ما يبدو عالية كعلوّ الأشجار،والتي كانت تتجه دائماً باتجاه الشمس، لقد أُعجبت بها أيضاً.
كان أبي يمر بين الفينة والأخرى ، وكان يقول متى قابل الناس :
"اليوم هو الأحد."
أما بقيّة الوقت فقد كنا نمضيه لوحدنا مع والدتنا وكان بإمكاني أن أقضّي اليوم بكامله معها، كما كنا نقصد البحيرة كل يوم ونستحم ونرشّ بعضنا بالماء الصافي و بسعادة غامرة .
في أحد الأيام قالت لي والدتي :
"غدا هو يوم الأحد، لكن اليوم هو يوم مهم وسيكون لدينا الكثير من المرح، لأن والدك سيأتي اليوم ."
لكن ذلك لم يكن ليثيرني بالتأكيد كحدث سعيد، ذلك لأنني كنت قليلة الاهتمام بوالدي وأعرف بالتأكيد بأنّه متى يكون معنا ، فإن أمي تمضي كل الوقت معه ويتناقشان على الدوام دائما، وكنت في مثل هذه الأوقات لا بدّ أن أذهب للتمشّي مع "غريت وصوفي"، تلك البنت البالغة لزوجة المزارع الهِرم .
أثناء المساء، وبينما كنّا ننتظر عودة والدنا ، سمعت جيراننا فجأة يخبرون والدتي بأن "القطار قد خرج عن مساره" وذلك هو سبب عدم وصول والدنا حتى الآن!.
ضربت أمي على فخذها مرتعبة ، ثم نادت "صوفي" وائتمنتها على العناية بي، طالبة منها وضع جلّ اهتمامها، وأن لا تتركني أغيب عن ناظرها ولو لحظة، ثمّ هرعت مسرعة إلى المحطة، بعد أن سمحت "لغريت " لمرافقتها، لأنها كانت تكبرني بثلاث سنوات، ويمكنها أن تمشي أفضل وأسرع مني ،وهكذا بقيت وحدي مع "صوفي".
كان الظلام قد هبط وهكذا وجدت نفسي وللمرة الأولى يسمح لي بأن أبقى مستيقظة وخارج المنزل في الحديقة في مثل هذا الوقت من اليوم، لقد كان ذلك مثيراً جداً بالنسبة لي، على الرغم من أنّني بدوت مضطربة نوعا ما، بينما كنت قد تعودت على رؤية كلّ شيء في وضح النهار، أما الآن فإن العالم من حولي كان يبدو غير واضح المعالم.
لقد شعرت بأني قريبة من الأشجار والزهور، بدلاً من رؤيتها، وأحسست بأشجار الحور تهمس بطريقة غامضة، لكنني لم يكن لدي المزيد من الوقت لإبداء ملاحظاتي الأخرى حول الحديقة والزهور،لأن حدث شيء مخيف بشكل مفاجئ:
فقد هرعت"صوفي" نحوي والتقطني من ذراعي بسرعة ثم حملتني وتأبطتني حول خصرها نحو سياج الحديقة حيث بدا وكأن ثمة شيء مرعب قد ظهر فجأة من خلال الظلام ،وقد بدا شكله المبهم على هيئة رجل، ولكنه كان لديه أجمة مخيفة من الريش على رأسه،فيما التمعت عيونه في الظلام مثل الجمر المحترق،وعلى سترته التي يرتديها كانت هناك أزرار صغيرة جدا، وكان يحمل شيئا على كتفه، لكني شعرت بالغريزة بأنه قد يكون خطراً جداً ، إلاّ أنني سمعت الاسم لاحقاً "ريفل Rifle "؟!
لقد ظننت بأن هذا الكائن الشرّير يمكن أن يكون كريهاً وخطراً جدا ، وتمنّيت لو أن "صوفي" تأخذني بأسرع ما يمكن، لكن دهشة عظيمة احتلت كياني، بيد أن "صوفي" قامت باللاشعور بشيء لم أستطع فهمه بالطبع ،فبدلاً من أن تهرب بي، توجهت نحون السياج، وسمحت لذلك الكائن الغامض المروّع أن يهمس بأذنها بصوت خافت عميق جدًا، لكن الرجل بعد ذاك – علمت على الفور بأنه كان رجلاً - وضع ذراعيه حولها وضمّها إليه بقوّة، وبما أن "صوفي" كانت تتأبّطني على خصرها بذراع واحدة،فقد كان يضمني بقوة أنا أيضاً،مما جعلني أشعر بكراهية وباستياء شديدين ، لكن ذلك لم يكن كل شيء ،فقد كان لذلك الرجل شارب عملاق،وكان فرعاه منغرزان في وجهه مثل قرنين حادّي الرأس، ثم ما لبث أن سحب "صوفي" بقوة باتجاهه لتصبح ملتصقة به ،حيث بدا لي وكأنه كان يريد أن يعضّها ، توقّعت أنّ تهرب "صوفي" أخيراً من قبضة ذلك الرجل ، لكنها لم تفعل ، بل رفعت ذراعها الحرة وعانقت رقبة ذلك الكائن الفظيع ، وعندما همَّ بعضّها أو أكلها، لم تُشِح بوجهها بعيداً عن فمه، وقامت بدلاً من ذلك بتقديم فمها إليه؟ وبدءا يتصرّفان وكأن كلاً منهما كان مُصرّاً على أن يلتهم فم الآخر.
كانا طوال الوقت الذي يأكلان فيه شفاهما،يقومان بعصري بشدة بحيث كنت بالكاد يمكن أن أتنفّس ، وقد قاومت بكلّ قوّتي لإبقاء هذا الكائن المروّع بعيداً عني قدر المستطاع ،بل كافحت بقوة من أجل إبقاء أنفي حراً . لقد كان ظهوره المفاجئ الصامت أمراً لم يسرّني،فقد كانت تفوح منه كل الروائح الكريهة، وعلى الأخص تلك الرائحة المُرّة، إلا أنه ، لا هو ولا حتى " صوفي" قد أعاراني أدنى انتباه، فقد كانا يعصران رأسي بشدة بحيث أني كنت أسمع ضربات قلب الرجل، حين كانا كلاهما ينوبان عن كلّ العالم وكأن كل واحد منهما كان يريد أن ينزلق ويذوب فم الآخر.!
لطيفة تلك الأشياء المضحكة التي يقوم بها الكبار!فبينما كانا يعانقان بعضهما بعضاً،لم أستطع – على صغر سني – أن أتخيّل ما الذي أدخله ذلك الرجل في صوفي الصغيرة البسيطة، فقد كانت مثل شخص غريب تماماً ولم تُعِر أيما انتباه إلى كفاحي! وبعد ذلك، أطلق ذلك الكائن المروّع سراحنا واختفى بذات السرعة التي ظهر فيها وغاص في الظلام .
بعد لحظات على ذلك ، سمعت الأصوات المريحة لأمي وأبي، حالما تجلّى وجهيهما السعيدين من خلال الظلام، كلّ الجيران تجمّعوا وراحوا يسألون والدي حول خروج القطار عن السكة، في حين كانت "صوفي" تتصرّف وكأ، شيئاً لم يحدث،وحتى لم تكلف نفسها عناء إخبار أي شخص عن ذلك الكائن الفظيع الذي كان يحملها بين ذراعيه قبل دقائق قليلة فقط،وبدلاً عن ذلك فقد كانت تقف هناك بوجهها البريء الهادئ!.
كانت تلك مفاجأة كبيرة أخرى لي، لكنّي لم يكن لدي وقت للتفكير في الموضوع، فقد جلب لنا والدنا سكاكر لذيذة من المدينة وكنت منشغلة ومتلهّفة جدا لاكتشاف فيما إذا ما كانت "غريت" قد حصلت على كمية أكبر مما حصلت عليه من سكاكر .
لقد كنت مسرورة جداً فقد جلب الوالد السكاكر لكل منا بكميات متساوية، والآن جاء دور أمّي لإفساد فرحتي ، فحين هممت بأن أحشو فمي بالسكاكر اللذيذة ، سارعت والدتي بانتزاعها مني تاركة لي قطعة واحدة فقط ،وقد وعدتني بأنها سوف تعطيني قطعة أخرى في اليوم التالي بعد الغداء.
آه يا أنا ! يومًا ما عندما أكبر، سوف التهم الكثير من السكاكر وقتما أريد! ولكن الآن في هذا الوقت ،فلا بد لي أن أسلّم سكاكري وأنام، وبينما كانت أمّي تضعني في السرير، سألتها مباشرة قبل تلاوة صلاواتنا (حيث كان يمنع الكلام بتاتاً بعد ذلك):
"أمّي، ما هو الكائن الذي يلبس أجمة الريش على رأسه، ويحمل شيئاً غريباً على كتفه، وله أزرار تلتمع في الظلام، وله رائحة سيئة وكريهة جدا جدا، ما هو؟ "
نظرت أمي إلي فجأة نظرة لا تخلو من الدهشة وقالت:
" إنه جندي يا عزيزتي ."
سألت أمي ثانية:
"هل الجنود يأكلون الناس؟ فقد أردت أن أعرف إذا كان يريد حقا أن يأكل صوفي، أو ماذا يمكن أن يريد غير ذلك ؟
"لا، لا، "أجابت أمّي ضاحكة، "إنهم يعتنون بالناس الطيبين؛ لا تخافي ، فهو لا يريد أكلك."
أردت إخبارها بأنّ "صوفي" هي التي كان الجندي يريد أن يأكلها ولست أنا ، لكن أميّ قبّلتني، ثم عدلت الغطاء فوقي قائلة :
"اخلدي للنوم يا عزيزتي ، يجب أن أذهب إلى والدك الآن ."
بقيت هناك لوحدي مع أفكاري، مستمرة ولوقت طويل أسائل نفسي، فأنا لا أستطيع أن أفهم ماذا كان يريد الجندي من" صوفي"؟ ولماذا تركته يطوق خصرها بذراعيه، بحيث أُجبرت على تحمّل حضوره المزعج ؟
ماذا يعني كل هذا؟
لكنني، ومثل كلّ الأمور الأخرى،لم أستطع أن أفهم، وهذا ما أزعجني أكثر،بيد أني لاأدري كيف غفوت أخيراً . كانت الشمس ساطعة في اليوم التالي، وبعد أن تناولت قطعة السكاكر ، نزلنا كلنا إلى البحيرة للاستحمام واللعب بالماء ،وفي الطّريق قابلنا الجندي، نفس الجندي ، لكني رأيته تحت ضوء الشمس هذه المرة ، فقد كان راشداً وودوداً وكان يتكلم بمرح بالغ مع والدي، لم أستطيع أن أفهم لماذا تصرّف هكذا وكأنه لم يسبق وأن رآني قبل ذلك في حياته؟ فهو لا يزال بالتأكيد يعرف ما الذي حدث بالأمس! غير أني كنت لا أزال خائفة من شاربه العملاق ولم أجرؤ على توجيه أية أسئلة .
اعتباراً من هذا الصيف نفسه ، كانت هناك ذكرى أخرى حملتها معي خلال السنوات اللاحقة،وقد نشأت عن تجربة تركت في نفسي انطباعاً عميقاً ،ففي إحدى الأمسيات كان والدي معنا، وكان جميع المزارعين جلوسٌ أمام منازلهم ويرتدون ملابسهم الجديدة ويبدون بكامل قيافتهم،لذا عرفت بأنّه كان يوم أحد ، وقد سمعنا أجراس القرية تدق ، لكنها لم تكن تدق بالشكل الذي اعتدنا على سماعه ، فقد كانت الأجراس تُقرع باستمرار وكأنها لا تستطيع التوقف، تقرع وتقرع وتقرع ....
لقد وضع قرع تلك الأجراس حدّا للسلام والسكينة الذي ينشرهما يوم الأحد على كل القرية،وبعد لحظات بدا وكأن كل الناس يهرولون باتجاه واحد بم في ذلك الأب وابن المرأة العجوز، وقد كان كلاً منهم يحمل دِلاءً وفؤوساً .
أما أمي وبقية النسوة فقد ظلّوا معنا نحن الأطفال، بينما استمرت إحدى النساء تكرر العبارة ذاتها :
"أوه، أبانا الذي في السموات، لا تتخلى عنا ، أوه، أبانا الذي في السموات ، لا تتركنا "
كانت والدتي أيضاً جادة عندما قالت :
"نحن يجب أن نصلّي كلنا معاً من أجل أن يعود والدنا حياً إلينا."
سألت أمي :
"إلى أين ذهب والدي ، ولماذا ؟
فأجابت أمي بأن حريقاً كبيراً قد اندلع في القرية وقد ذهب للمساعدة في إخماده ، صلينا كثيراً ، لكنني كنت متشةقة :
قالت الأمّ بأنّ a نار إندلعت في القرية، وأبّ ذهب للمساعدة على محاربته. صلّينا، لكن ' أنا كنت جدا متشوّق لمعرفة ماذا كانت تعني والدتي حين قالت "نار في القرية".
صرحت إحدى السيدات بأنه يمكن رؤية "ألسنة اللهب "من سور حديقتنا، حاولت أن أهمّ بالذهاب لكي أرى ألسنة اللهب لكن أميّ لم تسمح لي، لكن "غريت" على أية حال، سُمح لها مسايرة إبن مالك مخزن البقالة القريب، لرؤية النار، الأمر الذي اعتبرته ظلماً بحقي وبشكل مرير، هل هي التي يجب أن تسمح لها أمي مرارا وتكرارا ولماذا؟ في الوقت الذي لا يُسمح لي أنا بفعل أي شيء ،هل لأنها أكبر مني بثلاث سنوات فقط ؟ ثم إذا النار خطرة إلأى هذا الحد ، فإنها ستكون خطرة عليها كما هي خطر عليّ وحتى لو كانت أكبر مني بثلاث سنوات؟ آهٍ من تلك السنوات الثلاث!كم مرة بعد سوف أسمع تلك العبارة بأنها أكبر مني بثلاث سنوات،في كلّ مرّة يسمح لها بالقيام بعمل ما في حين لا يُسمح لي أنا بذلك، بل لا يُسمح لي بعمل أيما شيء. ولست، ولكني في كلّ مرّة أرفض الاعتراف بسلطتها علي !.
في وقت متأخر من المساء عاد بضعة رجال من القرية مارين بمنزلنا،ثم لحق بهم رجال آخرون ، كانوا مُنهكين لدرجة الإعياء من شدة التعب جرّاء الجهود المضنية التي بذلوها،وكانوا يتحدثون عن والدي الذي استطاع إنقاذ العديد من المنازل ، وكيف تحدىّ الموت مرة تلو أخرى حين كان يقتحم البيوت المحترقة لإنقاذ الأطفال أو الحيوانات ، وكم كان زعيما مثابراً حيث كان بقيّة الرجال يطيعون ما يقول، وقد كان من خلال أفكاره الملهمة وشجاعته الثابتة، يعتبر مثالاً يُحتذى للآخرين لأن يقوموا بما قام به، حيث أخمدت النيران بفضله .
كانت أمي التي شعرت بالفخر تستمع إلى كلام الرجال بحماس ، وعندما عاد أبي أخيراً إلى البيت برفقة ابن زوجة المزارع الهرم ، هرعت أمي إليه، وألقت بنفسها بين ذراعيه وهي تتمتم :
"آه يا عزيزي "روبرت" كم أنت غالي ، كم أنت رائع ، رائع في كل شيء "!
ابتسم أبي بشكل صامت، وقد كان مغطى بالسّخام،ثم سرعان ما انسحب إلى الحمام بسرعة واغتسل جيداً حتى عاد نظيفاً ومُطهّراً من جديد.
لقد كان شيئاً طبيعياً أن يكون والدي بالنسبة لي هو ذلك الشخص الإستثنائي، لقد كان مفهوم "الأبوّة" في عقلي مفهوماً مثالياً ومماثلاً لما كنت أراه في والدي .
فهو ذلك "السيد العظيم" الذي كان فوق كلّ شخص والذي يتحتم على كل من هم دونه أن يتبعوه، كلمته قانون، وبطبيعة الحال هو مثاليّ، لكنه إذا لم يكن كذلك ، فلن يكون هو "السيد العظيم"!
لقد كنت في تلك الأيام قليلة الانتباه لأبي، فقد كان يعني لي ببساطة شعوراً ثابتاً بالأمان ، لم يكن هناك مشكلة بالنسبة،ولذلك لم أُعر له انتباهاً بالغاً بل كان اهتمامي به قليلاً للغاية، ولكن حين كانت تخرج العائلة بكاملها للتنزّه ، أبي وأمي و"غريت " وأنا كان يمسك يدي بيده القويّة لمساعدتي في عبور الشارع،وقد لاحظت بأنّ يدّه كانت تشعّ بقوة هائلة وبأنّ أظافره كانت دائما نظيفة كالثلج الجديد، وهكذا ، فقد كان جليّاً بالنسبة لي أن والدي أراد غسل نفسه ليتخلص من الأوساخ فوراً.
انقضى فصل الصيف، وعدما إلى البيت من جديد، وقد لاحظت أنه عندما كانت أمي تريد أن تأخذني في نزهة قصيرة قامت بتحزيمي بمعطف ثقيل وفراء سميك، وقد بدا الهواء في الخارج وكأنه يلسع وجنتيّ، وقد أخبرني الناس بأن الجو كان "بارداً " لكن أنفي وقدميّ لم يحبّاه، ولكن كانت هناك رقائق بيضاء تعوم أسفل السماء، وفي كل مكان فوق المخازن كان هناك العديد من بابا نويل باللحى البيضاء، و لكن أمي لاحقا ووضعت قبعة من القش وساعدتني لكي أنزلق داخل معطف خفيف.
كانت الحقول والحدائق قد عادت إلى الحياة، وتعج بشتى أصناف الزهور ،وقد سُمح لنا بأن نلعب الكرة والطوق في متنزه المدينة.
لقد كانت هذه الفترة من أجمل فترات حياتي، لكن أمي كانت تعكر صفوها حين كانت تقلّم لي أظافري بين الحين والآخر، وقد كنت أُصاب بالهلع كلما شعرت بأن وقت تشذيب أظافري قد اقترب، فقد كان الجلد تحت
أظافري بالغ الحساسية لدرجة أنني لا أستطيع أن لمس أيّ شيء بعد تقليم أظافري،حتى الاتصال بالهواء بنفسه، يجعلني أعاني معاناة فظيعة،وكنت بعد أن كلّ عملية تقليم لأظافري أركض حول الغرفة وأنا أصرخ فاتحة أصابع يدي بعيداً عن بعضها، وكنت لا أسمح لأيّ شيء أن يلمسني، لم يكن بمقدوري أن أعبر عن الألم الذي يصيبني ،لا ، لم يكن ذلك ألماً فحسب ، بل شعور لا يطاق ، وعندما لاحظت أمي ذلك للمرة الأولى،لم تعرف بأن هناك خللاً بي ، بل بأنّها ربما تكون قد اقتطعت أكثر من الزم من أظافري أثناء تقليمها دون أن تنتبه، وأرادت تفتيش أصابعي لكي تتأكد ،لكنّي صرخت عالياً بمجرد أن لمستني، الأمر الذي زاد من مخاوفها بحيث اتصلت بطبيب عائلتنا وسألته عما يمكن أن يؤول إليه أمري، لكنه أوضح لها بأنّ أعصابي كانت حسّاسة أكثر من اللازم إلى درجة غير عادية، ناصحاً أمّي لأن تغسل لي يديّ بالماء الفاتر، وأصبحت فيما بعد، وكلما قلّمت لي أظافري تتركني ألعب بالماء لفترة وجيزة، الأمر الذي ساعدني بعض الشّيء، ولكن العديد من السنوات كانت قد مرت قبل أن يقوى جلدي بما فيه الكفاية لي لكي أستطيع أن أُقلّم أظافري بدون المرور بهذا الإحساس الذي لا يطاق.
أمّي الغالية العزيزة !كم عاملتني يحبّ وفهم ورقة، وكم حاولت التغلّب على كلّ الصعوبات التي سببتها لي تلك الحسّاسية أكثر من اللازم، لأنك لو لم تغمري بحبّك الطري أعصابي الحسّاسة، كنت سأموت وأنا لا أزال في طفولتي المبكرة، ولكن بمساعدتك انت فقط ، كنت قادرة على أن أنمو بصحة، وبمقاومة تنمو وبشكل هادف. لقد ساعدني ذلك العش الدافئ الناعم الذي قمت أنت ووالدنا الطيب الكريم المحب ببنائه لنا على أن أصبح شخصاً مفيداً ، فقد ساعدتني لأن أتعلّم، من خلال قوى الوعي المتطورة شعوريا، لإبقاء حسّاسيتي متوازنة .
لقد كنت طفلة فقط ،ولم يكن لدي أدنى فكرة حول حسّاسيتي ، فقد كنت ألاحظ كل شيء بتجرّد ،وأردت معرفة كلّ شيء، أما فيما يتعلق بصحتي ، فقد اتبعت نصيحتك تماماً ، ذلك لأني كان لدي ثقة مثالية فيك!.