المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ورقة عمل لابدّ من الاطّلاع عليها للارتقاء بالهدف الإعلامي



ghada
29/12/2006, 12:07 AM
عناصر التكامل والتباين بين الإعلام الحكومي والإعلام الخاص

ورقة عمل مقدمة إلى:
الحوار المهني حول وظائف القطاع السمعي البصري العمومي في الوطن العربي
في ظل منافسة القطاع الخاص
تونس 15 ديسمبر 2006



السلطة واحتكار الخطاب الإعلامي:
تحكم السلطة بأكثر مما تملك.
حين امتلكت القصر حكمت القلعة، وعندما امتلكت البارود حكمت الجيش.
وحين امتلكت وسائل الإعلام، سيطرت على عامة الجمهور وأخضعته لمشيئتها.
تدرك السلطة جدلية العلاقة بين المعرفة والقوة، بمعنى أن المعرفة تهيئ للمجتمع أسباب القوة التي تهيئ له بالتالي فرصاً للمزيد من المعرفة والمزيد من القوة.
وقد أدركت السلطات العربية قدرة الإعلام على تقديم المعلومة ومن ثم بناء المعرفة، فقررت احتكاره كي تسيطر على نوع المعلومة وما تنتجه من قوة لدى عامة الجمهور.
عقود من الزمن أغلقت السلطة دائرة الخطاب الإعلامي العربي ضمن التسبيح والمديح ووعود بالفرح الجميل القادم للمشاهدين الأعزاء. خطاب لم يستطع الإعلام الرسمي أن يطوّر شكله أو مضمونه، و لم يستطع أن يلعب لعبة الديمقراطية الإعلامية المزيفة على طريقة بعض الدول الغربية ظناً بقدرته على محاصرة الجمهور في الأرض و في السماء إلى مالا نهاية.
اتسم الإعلام الرسمي العربي على مدى هذه العقود بغياب المصداقية و الشفافية و بإعلام الصورة الواحدة والصوت الواحد و الرأي والواحد و القناة الواحدة، مع قناة ثانية لتزركش المشهد الإعلامي، و باستثناء مصر ولبنان فهذه الصورة واحدة في كل الدول العربية حتى بداية التسعينيات.
ظن الإعلام الرسمي أنه بسياسة الإحتكار سيسيطر على الشعور القومي والديني والوطني، و قد استُمدت هذه السياسة من الدول الشيوعية و دول أمريكا اللاتينية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لكن شبحاً كان ينتظر هذه السياسة يكبر في الخفاء وفي الخارج، و بدأ يتسلل تدريجياً إلى العالم العربي مكسِّراً الحواجز، مغيِّراً المفاهيم... إنه شبح ثورة الاتصالات.
مثلما كسرت المطبعة إحتكار الكنيسة للثقافة والعلم في أوروبا بشكل حاسم، حطمت ثورة الإتصالات للأبد مبدأ إحتكار السلطة لوسائل الإعلام مهمشةً كل وسائل التمجيد والتعظيم و المديح و الإطناب.
في هذا السياق نقول: إن الاتصال هو علاقة بين الإنسان و الإنسان أولاً، و بين الإنسان والتكنولوجيا ثانياً، و بين الإنسان والسلطة ثالثاً، فلا التقنية الشكلية تعطي جمهوراً و لا الخطاب السياسي الوطني يعطي متتبعين، ما لم توظف التقنية لخدمة الخطاب السياسي فلن يسوَّق الأول و لا الثاني، يتداخل هذا مع العامل النفسي و الغرائزي للجمهور الذي يجعله بعيداً أو قريباً عن هذا الاعلام، و كم من سياسة حكومية عربية فُرضت على الإعلام العربي كانت سبباً في أن يصبح الجمهور زبائن لدى الإعلام المعادي.

مرحلة كسر الإحتكار:
مع بداية التسعينيات بدأ الإعلام العربي التفكير بأمر اهتمت به الصهيونية منذ نهاية القرن التاسع عشر و هو الاستثمار في مجال الاعلام لتحقيق البعد الإيديولوجي و السياسي في أي مشروع في المجتمع، فبدأت تظهر القنوات الخاصة المموَلة حكومياً من تحت الطاولة. استفادت هذه الفضائيات من الهامش المتاح لها و قدمت لأول مرة الخطاب الحكومي بشكل جديد موظِّفةً التقنية في خدمتها. لكن الحبل كان على الجرار فبدأت تنهار الفضائيات على رؤوس المشاهدين و على رأس الاعلام الرسمي العربي.
في هذه المرحلة كُسرت الرقابة الحكومية على البرنامج و على المُشاهد إلى غير رجعة، تعددت الصورة النمطية للحاكم و الحكومة، كُسرت آلاف المحرمات و دخل الاعلام في مرحلة تحللٍ طويل المدى لنظم السلطة البيرقراطية والعائلية، وأدت إلى خروج ٍ شكلي للاعلام الخاص عن الاعلام الحكومي، فزادت شعبية الأول على حساب الثاني؛ و الملفْت للنظر أن انخفاض الحديث عن الحاكم و الحكومة في أي بلد شكَّل عامل إرتفاع للإستماع والمشاهدة لوسائل الإعلام في هذا البلد. هذا إذا لم نتطرق لسقف الحريات في كل وسيلة إعلام و الذي تغيرت معالمه، فلم يعد بإمكان الإعلام الرسمي حماية المواطنين أو تعقيمهم من موجات الأثير الفضائي و لم يعد بالإمكان خلق جزر معزولة ووسائل تشويش جديدة تحول دون وصول السمعي / البصري لهذا الصنف أو ذاك من الناس.
كما أصبح من الصعب منع المثقف أو الفنان من إيصال رسالته للملايين من جمهوره دون رقيب أو حسيب. وإن كان للفضاء التلفزيوني من فضل على جمهورنا فهو، وإن لم يخلق ديمقراطية المعرفة، قد نجح في جعل الرقابة والمنع وسيلة للعجز و التكبر و قصر النظر.

التكامل/ التباين _ القطيعة/ الإحتواء:

من تحت الطاولة كان ثمة تحالفات و مصالح اقتصادية و سياسية جعلت العلاقة بين الإعلامَيْن تتأرجح بين الحرب و السلم. ومع تغير الملكية الاعلامية دخل إلى الفضاء الاعلامي العربي، التاجر و الضابط المتقاعد و مدير البنك و مدير الديسكو و صاحب المعمل و الفلاح الغني و ضابط المخابرات ورجل الأعمال و الحزب السياسي، إلى أن وصلنا إلى قنوات القبيلة و العشيرة و الفخذ و العائلة و قناة هيفا و عمرو و إلخ ... فتحول الاحتكار إلى استباحة لا أخلاقية و لا ديمقراطية للفضاء التلفزيوني وللمشاهد العربي و للاعلام الرسمي.
تحالَف المال و الاعلام خارج الحكومة فأعيد تدوير الانتاج الكمي و النوعي لوسائل التأثير في السياسة، و انشُأت امبراطوريات إعلامية ثقافية تعبر عن مصالح سياسية اقتصادية حكومية و خاصة، و أدت سيطرة المال على الإعلام إلى سيادة قوانين و شروط و متطلبات الترويج السلعي فتحول المثقف و الفنان إلى أدوات مؤجَّره و دخلت السوق معايير جديدة زيفت الثقافة والفن لصالح المال و السياسة.
يعبر كارل كراوس عن هذه المشكلة في كتابه (الإعلام في غياب الابداع) قائلاً:
(ثمة مساحة تحتاج إلى تعبئة كمية لا تكون بالضرورة نوعية). فعندما يستأجر رجل أعمال حزمة على قمر صناعي أو يدفع جنرال سابق لمحطة تلفزيونية و لا يكون لديهما الوعي الاعلامي لهذه المسؤولية الجسيمة، يمكن أن نفهم كل هذا التكرار للبرامج المترجمة ترجمة سيئة، والاستهلاك المتأخر للبضاعة الغربية والأمريكية و استعمال ما هبَّ و دبَّ من المتوفر الفني العربي لدرجاته المتدنية. هنا يكرر الإعلام العربي الخاص مأساة الاعلام الحكومي بسلطتيه المالية و السياسية، الأمر الذي يحرم المشاهدين من فضاء الاعلام (الرسمي _ خارج الرسمي) و يحول الكثير منه إلى بضاعة مُفسدة للوعي و الثقافة.





ديمقراطية الهاتف والـsms :
أتاح الإعلام الخاص للمشاهد العربي، ولأول مرة، فرصة التصويت الحر على كل القضايا التي تهمه سواءً كانت تافهه أو مهمة. تغيرت صورة المشاهد الذي كان يظهر في الإعلام الحكومي، محيياً و مادحاً و مؤيداً، إلى آخر مزمجراً معترضاً و محاسباً. في الجانب الآخر اكتملت الصورة بشريحة الشباب و الفتيات الذين فجروا المكبوت الجنسي والديني في سلسلة من الرسائل غير المسبوقة في أي من الإعلام العالمي، يُعبر فيها جيل كامل عن آرائه بحرية كاملة و يدفع لذلك من ماله الخاص.
هذه الديمقراطية للـ Sms لا يمكن أن تُفهم إلا رداً على غياب الديمقراطية السياسية والإجتماعية والثقافية في المجتمع وفي الإعلام الحكومي.
وجاء الرد الأول الذي عبرت فيه الجماهير عن موقفها من دور الإعلام السياسي في انتخابات مصر وفلسطين، حيث سيطرت الحكومة على الإعلام لكن المعارضة فازت بشكل أو بآخر.
وإذ يقول البعض إن الصورة نفسها في انتخابات إيطاليا، حيث إمبراطور الإعلام الإيطالي بيرلوسكوني لم ينجح. نقول نعم، ولكن الأسباب مختلفة جوهريا في الشكل والمضمون وفي دور الإعلام.
لم تُنجز الحكومات العربية مشاريع الحكومات الإلكترونية، فاستطاع الإعلام الخاص أن يقفز إلى التصويت الإلكتروني حارقاً عشرات المراحل ومبشراً بجيلٍ يعرف أن لصوته ثمن تتقاسمه الفضائيات وشركات الخليوي. لا يهم في هذه الحالة موضوع التصويت و هدفه (سواءٌ كان أغنية، مطربة، معلومة، أو رمزاً للوطن)، فعند هذه النقطة افترق الإعلام الخاص عن الحكومي إلى غير رجعة، ومع هذا الافتراق تاه الجمهور وسط فضاء تدفقت فيه المعلومات فأدت إلى تأطير المعرفة. صار الكم أكبر من قدرة المتلقي على الإستيعاب فأدى إلى هروب المتلقي وانعزاله عن مجتمعه وإدمانه على نمط معرفي تلفزيوني وحيد الجانب. فتقزمت المعرفة والثقافة وابتعدت عن الحاجة والضرورة فضعفت مقاومة الجمهوروأصبح سهل الإقناع.
لقد خلق هذا الفضاء السمعي البصري الفوضوي حالة من الكسل والسهولة الذهنيتان عند جيلٍ من الشباب، يأخذ البضاعة الجاهزة، يعيد استهلاكها دون أن يفكر في إنتاجها. هنا يعود الإعلام الخاص ليتكامل مع الإعلام الحكومي في الرغبة المشتركة للسيطرة على المعرفة عند الجمهور كي يسيطروا على قدرته على إنتاج السلطة.






رؤية مهنية عادية:
يمكن للإعلام الحكومي أن يتكامل مع الإعلام الخاص فيما لو أتاح له الفرصة ليسانده و يكمل الصورة المشهدية الإعلامية في بلده، ولكن هذا للأسف لم يحصل. على الأقل في الفضاء السمعي البصري.
عقود من الزمن لم تتغير التشريعات الخاصة بالإعلام، ( ونستثني هنا مصر و لبنان)، ظل إرسال الإشارة التلفزيونية من المحرمات في كل البلدان العربية، إلى أن احتضنت دبي هذا الإعلام و حولت كل محرمات الترخيص الإعلامي في البلدان العربية إلى قوانين مكَنت الجميع من إطلاق هذا السيل العارم من القنوات الفضائية.
لكن هل كسب الإعلام الحكومي شيئاً من هذه القنوات فيما يخص التعاون على القضايا المحلية والإجتماعية والسياسية لكل بلد عربي؟ الجواب بالتأكيد لا. ذلك أن مدينة الإنتاج الإعلامي في دبي قدمت كل التسهيلات التقنية و تسهيلات الترخيص والمكان لكنها لم و لن تستطع أن تقدم الحاضنة الإجتماعية، الثقافية، البيئية و البشرية التي يحتاج إليها الإعلام الخاص ليملأ الفراغات التي عجز عن ملئها الإعلام الحكومي. هكذا استُبدل التكامل والتعاون بالتنافس، لكن ليس على تقديم صورة المجتمع، وإنما التنافس على الكعكة الإعلانية، وهي الكعكة التي لم يأخذ منها الإعلام الحكومي إلا القليل منذ عقدين من الزمن.
(تبين إحصاءات الشركات الإعلانية أن الإعلام الحكومي }الفضائي و الأرضي{ في مجمله يستحوذ على 20 % من المشاهدين.)
ضمن هذا السياق يمكن أن نحلل و نفهم جزءاً من واقع الفضائيات العربية الخاصة المجردة من الجغرافية ومن التاريخ، والمنتمية إلى النموذج المعلب للتلفزيون الذي يستمد خصوصيته من المادة الفلمية والبرامجية لا من الجمهور المستهدف.
أقدمت بعض الدول العربية على إلغاء وزارات الإعلام في خطوة ظُنَّ منها الإنفتاح على الإعلام الخاص و تسليمه جزءاً من المسؤولية الإعلامية الوطنية، والمتتبع اليوم يرى أن شيئاً لم يتغير لا قبل الإلغاء ولا بعده، فالآلية و العقلية ذاتُها مازالت سائدة. و من وجهة نظرنا لا يمكن للتكامل بين الإعلام الحكومي والإعلام الخاص أن ينجح إلاَّ إذا تأكدت القناعة لدى الطرفين بحاجة كل منهما إلى الآخر؛ و بأن لكل وظيفته التي لا تلغ الآخر، وبأن الإعلام الخاص لا يستطيع أن يقوم بأي دور فاعل و مؤثر إلا إذا انطلق من بلده ومستنداً إلى حاضنته الثقافية البشرية. نستثني من هذا بالطبع الإعلام السياسي الإخباري العابر للقارات الذي يستطيع أن يقول ما يشاء من أي مكان.




مشهد بانورامي:
من الصعب على أي دراسة تقديم رؤية بانورامية للمشهد الفضائي السمعي البصري، في ظل هذه الفوضى وهذا الإنقلاب في الملكية والمفاهيم وكسر الإحتكار وتيه الرسالة؛ مالم تكن هذه الدراسات بحثية إحصائية تحليلية.
بعض الجمهور عاد إلى الإعلام الحكومي كي يحافظ على تماسك منظومة القيم والأخلاق في أسرته مضحياً بالشكل والترفيه.
أما المستور السياسي الذي انتهكته قنوات الأخبار والسياسة قد فتح الأفق واسعاً أمام رؤيا متعددة لمشهد سياسيٍ عربي مضطربٍ أصلا. ولم يعد بإمكان أحد أن يعيد هذا المستور إلى القمقم الذي تكسّرت محرماته وتبعثرت شظاياه في كل بيت.
وأما المستور الجنسي الغرائزي الذي انتهكته دكاكين الموسيقى وقنوات الكاميرا الواحدة والمذيعة الواحدة والشريط الواحد، فهي الخطر المسكوت عنه والذي لا نتوقع منه إصلاحاً لخروجه عن كل معايير الإعلام التلفزيوني من حيث الشكل والمضمون والرسالة.
في هذه الرؤيا البانورامية يغيب تلفزيون الحقيقة لصالح تلفزيون الواقع، الواقع لا كما نعيشه بل كما يريد أن يراه أصحاب الإعلام بشقيه الحكومي والخاص.

علاء نعمة
المدير التنفيذي لقناة سبيس تون
رئيس اللجنة العليا للتنسيق بين الفضائيات

معتصم الحارث الضوّي
29/12/2006, 12:54 AM
دراسة رائعة يا أستاذة غادا .. و لكن ما هو رأيك الشخصي في هذه القضية الشائكة ؟؟

فائق التقدير و الاحترام

هشام فتحي
02/01/2007, 04:46 PM
شكرا لك على هذه الدراسة أخت / غادة

رامي
12/09/2007, 11:37 PM
الاديبة العربية الرائعة غادة السمان شكرا لك على ورقة العمل هذه التي افادتنا كثيرا وخاصة فيما يتعلق بالفضاء السمعي البصري وعلاقتة بالمشاهد العربي..
واسمحي لي بان انقل ورقة العمل هذه الى زاوية اوراق عمل على بوابة الجمعية..
تحياتي وتقديري لشخصك الكريم..