المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكتابة فـــاتنَةً ومـــفْـتُـونــة



حسن العابدي
27/02/2009, 10:34 PM
الكــــتابة فـــــا تِــــــنَـــةً ومــــفْـــتونَــةً *
أبصرت نصوص هذه المجموعة الشعرية مابين1986 تاريخ أول نص من نصوص المقترح الشعري،وسنة2006 الإشارة الزمنية المؤرخة لآخر نص من أصل 34 نصا. وهي نصوص،في مجملها لاتغطي العقد الأخير من القرن العشرين/السنوات التسعينية،إلا بنص واحد ممهور ب"ياتربة الأصل"/مكناس،صيف 1999. وإنها لإشارة دالة على أن في رصيد الشاعرة الابداعي ذخيرة شعرية حية وشائقة/مفاتن شعرية أخرى،فضلت الاحتجاب،ولعلها بصدد تحضير نفسها للظهور بما يليق من زينة وأثواب في يوم من الأيام مجموعة في كتاب.
*عتبة التسمية:
التسمية جملة استئنافية لملفوظ محذوف بمقتضى مقصدية دلالية تحكمها خلفية انزياح واضح على مستوى التركيب تقديره: مفاتن عديدة،قابلة للتبعيض،كما للإضافة والاستبدال والتعويض.ومن ذلك البعض ما أشارت إليه أنملة العنوان دون أن تسميه، وتكتمت على الباقي وأجلت الإفصاح عنه إلى سياق أخر.
-فما هي هذه المفاتن بالشمول والتبعيض؟
-ماقبل صيغة العنوان كملفوظ هو المسكوت عنه الملحوظ.اماصلة الوصل الجامعة بين حدي الكلام بشقيه الملفوظ والملحوظ فهي عود الضمير على متعين معرفة لدى برنامج الكتابة حسا ومعنى،ناب منابه ضمير الغيبة/ها/ واوشت به علاقة الإضافة/بعض مفاتنها/.على اساس أن هذا المضاف اليهالنكرة/مفاتن يمكن التوصل إليه بدلالة مفردة مفاتن المعجمية.وهذه إضاءة تحتاج إلى مزيد توسيع وتوهج.
+ما هو هذا المتعين المعرفة في برنامج الكتابة الشعرية المشار إليه بضمبر الغيبة المؤنث،وهو ضمير مطلق وعام،مستفز وملحاح يستوجب التعيين في سؤال القراءة طالما انه نكرة مغرقة في الإبهام،نصوغه كالتالي: مفاتن من؟ماذا؟//مفاتنها. أهي مفاتن أنثى مثلا؟مفاتن الحيلة؟ أم هي مفاتن على سبيل التمثيل والمجاز لا الحقيقة.اهو مفاتن الكتابة؟كيف نفهم ذلك؟ وإذن فما تجلياته؟

*المفاتن:إضاءة وتوسيع.
من إفادات مادة-فتن- المعجمية واشتقاقاتها:
-1-فتنه الشيء،بمعنىاســـتـــمأله،واستهواه وشغله.
-2-جذبه إليه بقوة وأبقاه تحت تأثيره.
-3- استهواه وحمله على الإعجاب به.

والفتنة اختلاف الناس في الآراء،اختلاف فرقة وتدافع.وهي كذلك شغب وعصيان وتمرد وتصارع.
وإذن فالمفاتن هي ما يعجب ويستميل أو يثير العواطف والأميال.وهي المباهج إطلاقا،كما الروعة والسحر والجمال الفتان استغراقا وكل مثير وجذاب في الطبيعة والفكر والفن والمرأة سواء واتفاقا.
وفي الاستعمال الشعري كثيرا ما تخرج الدلالة عن معناها المعجمي لتفبد معاني سياقية إضافية.وهذاما يجري على مجموعة / ومن بعض مفاتنها.
وحيث إن قوام الكتابة كلمات وتراكيب ورؤية فنية ناظمة،وطريقة في تصريف المكتوب وتوظيف المعجم،فان دلالة المفاتن تقريرا وإيحاء تستوطن معظم نصوص المجموعة الشعرية،وتسكن صوت الكتابة انطلاقا من زغرودة العنوان:

على أعتاب أحلامي الصغيرة-قصيدة مثل فراشةص13..
++غردت تمنحني شيئا من مفاتن غنتها حمامة أتت من هناك.
++يبوح الفجر رويدا/ أتكلم أحلى اللغات/ ويرمي بالنهار عاريا ++اشتعلي قليلا/ واقتربي من فجر قادم إليك.
++كلما التقينا تضوعت عطرا/تعلمت مناسك الجمال.
++ألهمتني الأسوار أن أتعلم الوشي فيها.
++ صغت لوني. /وللعشاق بعضا من مفاتنها وأغانيها.لليمام المقيم في شرفاتها+تشعلني ظمئا للنشوة/أطرز راية
+
من خلال هذه النماذج المسرودة على سبيل التمثيل، نحصل على الكلمات المفاتيح التالية:
-مفاتن-غنتها- أحلى اللغات- الجمال- الوشم-اشتعلي- النشوة—تضوعت عطرا- عاريا-أحلام –أطرز-.....
*الملاحظ أن هذه الكلمات المفاتيح هي مفردات تنتمي إلى معجم /حقل الفتنة وابدالاته،من حيث إن الفتنة ترجمة لأثر
معين أو هي استجابة لمثير ما،أوهي إذا شئنا ردة فعل لمؤثر خارجي.وهذا الأثر الحاصل كنتيجة،سلوك مزدوج ومتراكب قابل للتصنيف كالتالي:
أ-انتشاء مادي، تغذيه مختلف أشكال الجماليات المحسوسة في الواقع الطبيعي.ولاغرو أن يكون افتتانا وفتن، نظراا لوجود فاتن وتواجد مفتون وتوفر عوامل مساعدة.
-ب-انتشاء معنوي نفسي وعقلي:وعلاماته الرغبة والشهوة، الغبطة والفرح، الحلم والحزن، الفرح والأمل، التأمل والإحساس بالمتعة/متعة اللغة أساسا/فتنة اللغة وسحر الكلام.

*الكتابة فاتنة ومفتونة
وحرصا منها على أن تكون بشرة الكتابة ناعمة وجذابة،وصوتها رخيما،يشدان الأنظار، ويأسران الأسماع ،فقد استنفرت الكتابة كل إمكانياتها البلاغية،وحاولت أن تشعل مفاتن الكلام بفتائل الكلام في سهول الكلام وجسد المعاني.وفي نيتها أن ترمي القاري بسهم من سهامها الساحرة لتختبر انتباهه وتخلخل كيانه. وعلى حين غفلة منه في زحمة سوق الإبداع ولغط المعيش،جذبته إلى ألوانها بعفوية مثل فراشة وأبقته تحت تأثيرها للحظات ممتعة وآسرة:

*أخطف منه بعض الضوء
وأركض هاربة/مثل فراشة الفجوات
لأعصره شعرا لربة عشتار
أسقيه من نهر يقطعني أسبح فيه فجرا ثم أخرج مبتلة –قصيدة مثل فراشةص13.

-إن الضوء موضوع الخطف بحسب الإشارة الشعرية"اخطف منه بعض الضوء"هوظل الحقيقة المرموز أليها في حكاية الفراش والضوء المعروفة في مدونة الحكي الشعبي بمختلف تلويناتها القطرية.وأحداثها تصلح للتأشير على فكرة تتمثل في خطورة الإقبال على نوع من أنواع الغامرة الرامية لاقتناص المستحيل الجميل.أقصاها واقساهى في آن واحد،يتمثل في ذوبان الأنامل عالقة والفراشة في قداس جميل لحرائق الكلام/مصير الكاتب العشقي مع الكتابة بما هي حرقة واحتراق في مدخلاتها ومخرجاتها.
هكذا نسجل بداية-قبل أن نسلم- بان صوت الكتابة أتى ليترجم فرحة عارمة بالذات والحياة وبالكتابة:

*واسكبي في كؤوس الكلمات
عناقيد الكروم الأخيرة
كي يولد إشراق الوحي غدا
وتبرعم في كفيك الغيوم كعادتها
حيث أنت والطيور على موعد جميل مع حلم الشجر-اشراقة-ص33.

وتأسيسا على ذلك،يعتبر التلذذ بالكلام حجابا ينكشف من خلاله الوجود ويتضاعف:

-1-*يقطر من أصابعي/يتراقص/ يتلوى الكلام
يمشي ثملا برؤاه على حبال الحروف المريبة.
-2- تمزق عشتار سكون الليل
ثم تخيطه ببعض المعاني
يبوح الفجر رويدا رويدا من تحت وسادتي
تتكلم أحلى اللغات.
وكأن صوت الكتابة يقيم لنا المعادلة التالية:
-سكون الليل: لحظات الصمت والانتظار،وما أطولها!
- تخيطه ببعض المعاني: تترجمه الكتابة إلى شيء أخر،بعد أن تشربه دلالات جديدة.
- تتكلم أحلى اللغات:لغة البساطة والوضوح/لغة الهمس/لغة الطفولة قبل آن يصيبها الدنس.وهي لغة ممتعة ولذيذة"أحلى" علما بان التلذذ بالكلام حجاب كما ذهب ابن عربي.

*الكتابة والوجود
:من زاوية الاستعارة المنفرجة،ينظر صوت الكتابة من خلا ل ثقوب اللغة وشفوف الكلام إلى الأنا والى الوجود كامتداد انطولوجي تتحقق صورته على الورق،بواسطة علامات تشهد ميلاد الحياة وتقوم شاهدا عليها،في طقس احتفالي تقيمه الدوال تحت ظلال الصور وأبنية المجاز ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
يعد مطلع كل يوم حدثا متكررا في سلوك الكون،يرادف في مدلوله كتابة جديدة على صفحة الوجود وبياض الذاكرة،بلغة الطفولة ودهشتها.
الفجر والكتابة كلاهما ميلاد:انبثاق الضوء من رحم الظلام يوازيه تدفق الكتابة على بياض الصفحة، كلاهما حضور وغياب.وكلاهما يستدعي الأخر، يحيل عليه، كلاهما مخاض وبداية، وحنين متجدد إلى زمن البداية في مكان البداية:

*فتنمو عند أول القطر أناملي
كأنها تختط الأغنيات
لكل ميلاد جديد/فوق تربة الوطن
- يذكرني بميلاد النجوم/وهي ترحل سابحة
ومن شهوة البدء/إلى مخاض الوجود.ص134
-وفي قصيدة تربة الأصل نقرا:
*وكلما انبلج الصباح عاريا كالحقيقة
ظهرت طالعة بين جوانحي
وكأنك يوم جديد لزماني.

كلما رام الصوت الشعري تحسس أطرافه،وتلمس حدوده،وهم بان يتخارج مع ذاته،انسحب الجسد كجغرافيا،ساحبا على اللسان بظلال من المجاز ترسم الوجود وتمعنيه. وبذلك تتحول اللغة إلى مكان يستقطب الموجودات ويحتوي الصفات والرموز.بل تؤول القصيدة إلى وطن والوطن إلى طفل طردا وعكسا:
*فأنت والطفلة في كياني توأمان توأمان
يا مكانا واحدا لكل المراحل فينا والأزمنة
-أنت ياوطني/ديوان كوني غنته النوارس
فمن فينا الجوهر يا تربة الأصل
من فينا المحيط؟
-*التحمنا بمداها/اللغة أو القصيدة
وعندما استفقنا/وجدنا أنفسنا جسدا واحدا/لأوطاننا الكثيرة.
تلك كانت الكتابة فاتنة من حيث شكلها التعبيري وأدواتها الفنية.ومفتونة بالنظر إلى هوسها وانشغالاتها.

- ** في اللحظات الأخيرة من هذه الورقة أود أن اهمس للكتابة بكلمات منزهة تماما عن أي تحرش بشخصيتها الإبداعية المستقلة،ومترفعة عن أي تشويش على وضعها الاعتباري.غير أن هذا لا يمنعها من حق التمتع بصفة النسبية كباقي الكائنات.حبا في الإبداع وكوكبة المبدعين، واللغة والمتكلمين.والحب أساسه البذل أولا والغيرة تاليا.

*يسقط سهوا-أحيانا كثيرة-حتى أصبح في حكم العادة- أن تتسرب أخطاء إلى الكتابة، بعضها مقروء، بعد رفع اليد راضية مرضية، عن الكتابة منقحة صافية.يحدث هذا لا محالة في دار الطباعة، طالما أن العمل الإبداعي تحت رحمة الآلة. وحكم هذه ماض، ما لم يبادر المتضرر بتسجيل استئنافه للحكم في اجل أقصاه طبعة لاحقة مزيدة ومنقحة، عليه أن يحضر جلساتها هو بنفسه،قبل المداولة وبعدها،تفاديا لحدوث لواحق/سوابق مماثلة،قد تضر بمصالح الكتابة قبل مصالح المبدع،وحقوق اللغة في الحال والاستقبال.
ماعلينا..فتلك كبوة البداية...

أما بعد،فقد طار الحصان مُلوحا بحوافره في الفضاء ببعض إشارات موثقة بحسب تسلسلها النصي منها:
+ وكان ناي النشوة أخف أجنحتي-والصواب نصب خبر كان لاضمه...........تربة الأصل ص35
+ ثم تُخيطه ببعض المعاني-بضم التاء- والصواب بفتحها.**
+ لأعصُره شعرا- بضم الصاد. والصواب هو كسرها...........قصيدة مثل فراشة ص13.

+ تفـتحت قرائح عيناي ــــــــ والصواب: قرائح عينَيَّ...... الأركانة ص90.
+ ها أنت مكناسة اللؤ لؤ/ تشتهيني ـــــــــــ تشتهينَنِي/ المضارع يرفع بثبوت النون.......مكناسـة ص 106.
+ وإذ تطلع شمس تَكَّانْـتْ ــــــــــــــ تطلع – بضم اللام.
+ تكانت عندما وطأت ــــــــــــــــــــــــ وطــئـــت.
+ حُسُّونة أشـواق ــــــــــــــــــ حسونة أشواق– فتح الحاء.
قصيدة: تكانـت-110 -112— 113 .
+ توأمان توءمان. قصيدة توأمان ص127.

* وفي صفاء سريرتي ما يشفع لي للتدليل على انتصاري للجمال وكل جميل،ومدافعتي بالحسنى لكل زنيم مشين. قديفترق الخلان،ولكن هل يهرب الغصن من ظله،ويتجزأ الإنسان؟!



*مليكة بنمنصور"ومن بعض مفاتنها"- شعر-الطبعة الأولى/2007-مطبعة انفو -برانت-فاس-المغرب
**نصوص المجموعة الشعرية مشكولة/مضبوطة بالحركات.

لطفي منصور
28/02/2009, 01:08 PM
تألقت رؤى الناقد عمقا في المعاني والألفاظ والدلالات الإيحائية..
دراسة فيها إبداعية الناقد تتجلى بعمق نظرته وهدوء دراسته وموضوعية تناوله .
تحية من القلب

لطفي منصور

حسن العابدي
28/02/2009, 04:24 PM
تألقت رؤى الناقد عمقا في المعاني والألفاظ والدلالات الإيحائية..
دراسة فيها إبداعية الناقد تتجلى بعمق نظرته وهدوء دراسته وموضوعية تناوله .
تحية من القلب

لطفي منصور


-أخي لطفي منصور الشاعر الخنذيذ يزورني يا للشرف!
سلام الله عليك وبركاته
- ليت لي قبسا مما أوتيت من بلاغة ورأي ثاقب وحس إبداعي رفيع حتى أستشرف قامتك الإبداعية وشخصك الإعتباري أيها الباسق...

أنا لك من الشاكرين ، وكلماتك تطوقني بالمسؤولية..
تقبل تقديري واحترامي لشخصك النبيل.