المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فاس وفأس القهر . مشردون بالجملة



محمد التهامي بنيس
22/03/2009, 02:03 PM
فاس وفأس القهر
مشردون بالجملة
, فقلت إنها أكلة الشواء في ساحة الأطلس ,فأعقب . وهي " البيصار" في شارع الشفشاوني قبل ذلك ,ويا ليثني لم أوافقه على الاختيار , فأول مشهد مروع لاحظه , كان جماعة من المشردين تزاحم القطط الضالة على فضيلة قمامة أزبال , يتدلى أحدهم يلتهم ما يروقه أو لا يروقه وما أن يرمي بكيس قمامة منزلية جديد , حتى يتجمعوا حوله للبحث عما يؤكل وما يصلح ليحمل لتكون منه وجبة في وقت لاحق , وتنبعث من كل واحد رائحة كريهة تعرف بسرعة أنها رائحة السراج أو رائحة الديليون , وأظافر أصابع أيديهم طويلة جمعت من الأوساخ ما أصبح جزئا لا يتجزأ منها . كل هذا في ركن على مفترق الطرق , أما قبالة محل الأكلات الخفيفة وحيث يجلس بعض رواد المحل تتجمع صبية يضايقون الجالسين بطلب لقمة أو الانقضاض على فتات أي صحن تركه الآكلون ويلحسونه لحسا قبل أن ينهرهم النادل ويشبعهم سبابا – وهو يفعل ذلك مكرها وخوفا من غضبة صاحب المحل – وبعيدا عن النادل تدلى ثلاثة فقراء دفعة واحدة في صندوق قمامة يبحثون عن طعام , يأكلون بعضه ويحفظون قليله في كيس متسخ قالوا : إنه وجبة للأبناء , واستلقى آخر فوق إسفلت الساحة على ظهره كأنه ميت , لا يتحرك من هذا الوضع إلا على صوت منبه سيارة الإسعاف أو سيارة الأمن الوطني الذي يسمعه قويا كأنه يأمره بالفرار
صديقي الضيف بطول لسانه وموضوعيته . حتى وهو يلوك اللقمة في فمه يحلل ما شاهده وهو يقول : أصبح الاقتصاد في فاس اقتصادين : اقتصاد لا يعرف الأزمة والركود , هو في ازدهار دائم وفي وفرة مبالغ فيها , بل هو مع أزمات الآخرين وركود حالهم , يزداد اكتنازا رغم أنه اقتصاد قلة , اقتصاد أصحاب الشركات والمقاولات الكبرى ومحظوظي السلطة وشركاؤهم خارج السلطة ورئيس المجلس ورؤساء المقاطعات وبعض أباطرة تبييض الأموال وغسل الأدمغة . يقابله اقتصاد الكثرة الساحقة ممن هم في حالة فقر متزايد لا علاقة لهم بالوضع الاقتصادي سواء ركد الاقتصاد أو ازدهر , فهو في كلتا الحالتين يقضي بإفقارهم ومصادرة مستقبلهم ومستقبل أبنائهم ويدفع إلى تهجير قواهم الحية
فقلت لصديقي : كفاك انفعالا فما تشاهده وتتألم لرؤيته هو نتيجة لتغييب أية محاولة جادة – عدا مبادرات جلالة الملك وما تحمله من دلالات ورسائل ثم بعض عمليات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية – من أجل تحقيق الاندماج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لفئات الأحياء الفقيرة والتي فلت تنفيذ البرنامج فيها من يد السماسرة والمتلاعبين بالمال العام الذين جعلوا كل محاولات الاندماج موصدة في مجتمع الفقراء حتى ترسخ إحساسهم بالتهميش والتمييز والدونية من كثرة الشراكات التي تبرم – باسم الأنشطة المدرة للدخل – مع جمعيات وهمية وأعداد وهمية . مما يجعل أزمة فاس اليوم أزمة اقتصادية واجتماعية غائرة , بينما الصمت المطبق هو جواب المسئولين وفشلهم في ضبط ومراقبة المال العام , جراء الإخفاق في التعامل والتتبع . وهو صمت يضع الكبريت بجوار البنزين , وقد يهدر تلك المحاولات الجادة
محمد التهامي بنيس