نظام الدين إبراهيم أوغلو
23/04/2009, 03:16 PM
أسباب إنتصار وهزيمة المسلمين
نظام الدين إبراهيم أوغلو
محاضر في جامعة هيتيت بتركيا/ 2005م.
e.mail.nizamettin955@hotmail.com
أسباب إنتصار وفلاح الأمم في نظر الدّين الإسلامي:
يمكن القول أنّ عناصر إنتصار الأمم تكمن بصورة عامة في ثلاثة عناصر رئيسية وهي كالأتي : 1ـ الزّعماء العادلون مع القيادات الحكيمة. 2ـ كثرة العلماء الأفاضل. 3ـ إلتزام الأمة بالأخلاق الكريمة. بالإضافة إلى الإعتماد على الله وعلى أسباب النصر الأخرى المعروفة من العدد والعدة والتكنولوجيا والدبلوماسية والسياسة الماهرة والإقتصاد القوي وخدع الحروب (تكتيكات الحروب).
أما أسباب إنتصارات الأمم الإسلامية فتكمن أيضاً في ثلاثة أسباب أساسية وهي كالأتي:
1ـ التمسك بالقرآن والسنة بصدق وإخلاص فقال (ص) في حديث صحيح (تركتُ فيكم آمرين لن تضلّوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسُنة نبيّه ) أخرجه الحاكم في المستدرك.
2ـ التطبيق الصحيح للقرآن والسنة، ولأجل التطبيق الصّحيح كما نعلم أن هذا يحتاج إلى علماء وأمراء صالحون لأجل التوضيح والتفسير والإفتاء الصحيح، ولتنفيذ أحكامها يحتاج إلى أمراء عادلين، فقال (ص) (صنفان من النّاس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس: العلماء والأمراء) رواه أبونعيم في الحلية. (أفة الدّين ثلاثة: فقيهٌ فاجرٌ وإمامٌ جائرٌ ومجتهدٌ جاهلٌ) في الجامع الكبير رواه الدّيلمي عن إبن عبّاس. (سيكون أمراء فسقة فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولستُ منه ولن يردعلى الحوض) رواه احمد والنسائي والترمذي والبزاز. (لاتزال الأمة على شريعةٍ ما لم يظهر فيها ثلاث: مالم يقبض منهم العلم، ويكثر فيهم الخبث، وتظهر فيهم السّقارة. قالوا وما السّقارة يا رسول الله؟ قال بشرٌ يكونون في آخر الزّمان تحيّتهم بينهم إذا تلاقوا التّلاعُنُ) حديث عن سهل بن معاذ عن أبيهِ.
ومثل ذلك يمكن القول أنّ إحترام وتقدير العلماء والأمراء الطّيبين والمخلصين وحمايتهم واجب إسلامي، وإن وجدوا فيهم بعض الأخطاء الغير العقائدية، وإذا أخطأؤا في أمور دنيوية دون قصد فلهم أجر واحد لأن الرسول (ص) يقول (كل إبن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون)، وهناك قاعدة فقهية يقول للمجتهدين (إن أَصَابُوا فَلهم أَجرَان وَإِنْ أخطئوا فَلَهم أَجْرٌ وَاحِدٌ)، ثمّ إنّ إحترام العلماء والأمراء الصالحين من أمور الدين ويعتبرون من أولي الأمر فيلزم طاعتهم، قال تعالى (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، لأن بدون قائد لا يمكن أن تنتصر الأمم. وعلينا أيضاً أن نبتعد عن صفة ذميمة وهو تكفير العلماء والأمراء المسلمين دون تحقيق مسبق عن شخصيتهم وأن لا نحكم عليهعم بمجرد قول رجل فاسق، قال تعالى (وإن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا).
3ـ قوة إرادة وإيمان المسلمين دون خوفهم لومة لائم: يسيطرون على قوة الغضب والشهوة والمال ويصبرون على الأذى والجوع ويؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة، بالإضافة إلى توحيد صفوفهم وكلمتهم.
لقد طبقت الأسباب الثلاثة بكاملها في عصر نبينا محمد (ص) ثم في عهد الخلفاء الراشدين. ولكن بعد إستلام الأمويين الحكم وما بعدهم الدولة العباسية والسلجوقية والعثمانية، فقد المسلمون شيئاً فشيئاً بعض هذه الأسباب، إلى أن إستلمت إرادة الحكم حكام ضعفاء وفسقة ومنافقين وغير مؤهلين للحكم بسبب تطبق الحكم الوراثي الأعمى، وهكذا هُزمت أمام الأعداء.
ويمكن أن نقول أيضاً أنه بعد سقوط الدّولة العثمانية والخلافة الإسلامية، فقدنا أيضاً تمزق الأمة إلى أمم والدولة الواحد إلى دول كثيرة، وفقدنا أرضنا ووطنا وإستقلالنا وحرياتنا.
وبالتحديد فقدنا الخلافة العثمانية بعد خلع أخر سلاطين الدولة العثمانية "السلطان عبد الحميد الثاني"و تمّ تعيين حكام عملاء للدول المستعمرة، فقتلوا وسجنوا وعزلوا الحكام والعلماء الصالحون ثمّ جلبوا بدلاً منهم علماء منافقون وفسقة بعيدون عن كافة المبادئ السامية إلى مناصب هؤلاء الطيبين. والقوى الإستعمارية الشريرة الكبرى لم تكتف بهذا بل فكّروا وخططوا وسعوا بكل ما بوسعهم من أجل تدمير كافة أسباب نجاح ونصر المسلمين، ومن أهم أسبابها هو إبعاد المسلمين عن دينهم، مع تمزيق وحدة صفوفهم، وإبعاد مفهوم الجهاد عن دينهم، وحتى تمزيق مفهم الأسرة السعيدة والرجل الصالح والمرأة الصالحة. ويمكن القول أنهم حققوا نجاحاً باهراً في كل ذلك هذه الأمور. والدليل على ذلك يمكن أن يلتمس كل ذلك أي إنسان منصف، فأنظر عن العلاقات والروابط الزوجية بين العوائل في السابق وفي الحاضر، وكيف أنّ الأزواج في صراع دائم مع ابعضهم وعائلهم ، وأنظر أيضاً العلاقات السيئة بين الأباء والأبناء. وأنظر إلى الحكام الذين سكتوا عن توليهم وظلمهم لهم، وأنظر إلى فتاوى العلماء الخاطئة والمضحكة والذين يفتون لأجل إرضاء حكامهم فقط دون إرضاء الله تعالى، وأنظر أيضاً كيف أنّ الأفراد بدؤا لا يثقون بأصداقهم، والتاجر لا يثق بتاجر، وجار لا يسلم على جاره ولا يزور مرضاه وموتاه. بالإضافة إلى زيادة أمكان الدعارة والفحش والخمور وسياحة السواحل على شوطيء البحار والأنهار وخروجهم بمظاهر لا يليق المسلمين، ويمكن زيادة الأمثلة.
وهكذا يمكن القول أنه قد زالت أسباب النصر عند المسلمين وأصبحوا أذلاء أمام الأعداء في كافة معاركهم.
ولكننا متفائلون كثيرأ لقد أفاق المسلمون وإسيقظوا من سباتهم وإزدادت وعيهم الديني، في نهاية القرن التاسع ونلتمس هذا بشكل بارز في كافة الدول الإسلامية، وهذا يبشرنا بالخير وإن شاء الله ستكون راية حضارة الأمم بأيدي المسلمين في أوائل القرن العشرين من جديد.
ولكن عليهم بزديادة تقواهم وبالسعي الكثير وأخذ كافة أسباب النجاح والنصر لأجل الرقي والأزدهار بأذن الله تعالى.
ونحن نعلم أنّ كل منصف وعاقل منا يتألم ويتحسر على حال المسلمين، ويفكر في إنقاذ دولته والدول الإسلامية الأخرى من يد الأعداء والظالمين والمنافقين، ويفكر في إستقلالية أمته بصورة مباشرة وأن يعيش حراً آمناً مطمئناً غنياً ومرفوع الرأس.
ويمكن أن نذكر هنا أنّ أطول حكم إسلامي هو الحكم العثماني التي إستمر أكثر 6 قرون بسبب عدالتهم الفائقة وعدم ظلمهم الشعوب التي تحت رعايتهم وبتقوى حكامهم بصورة عامة. أما فيما بعد سقوط الدولة العثمانية فقدنا حكم الأمة بالدستور الإلهي وفقدنا كذلك أكثر العلماء وحتى أكثر الشعوب الطيبة، بالقتل والتهجير والتعذيب والسجن كما ذكرت. فقال تعالى (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)، وعليهم أن لا يلوموا غيرهم من الظالمين والمنافقين.
لأن الأعداء يعملون عملهم العدائي بجد وإخلاص، ولو فعلنا نحن عملنا بجد وإخلاص مثلهم في إنقاذ الشعوب من ظلمهم العدائي لأنتصرنا بفضل الله تعالى، لأن الله وملائكته وشفاعة ودعاء نبينا محمد (ص) والمسلمين معهم، لذا فالمسلمون لا يخسرون المعركة أبداً، لأنه عندهم قاعدة إسلامية "إما النصر وإما الشهادة" في كلا الحالتين المسلمون منتصرون. أما عند العدو لا يوجد هذا المفهوم لأنهم لا يؤمنون بالشهادة ولا بيوم القيامة.
أسباب إنتصار العرب والمسلمين في صدر الإسلام وفتحهم المدن الكثيرة:
1ـ كان العرب والمسلمين أهل الهمة والغيرة والشجاعة والشهامة، لأنهم عاشوا في البادية، وتربوا على هذه التربية الجليلة.
2ـ كانوا يؤمنون بالقضاء والقدر، ويؤمنون بالأجل، ولا يخافون لومة لائم، ولا يخافون الجهاد والموت من أجل الله تعالى ومن أجل الإسلام.
3ـ كانوا يعرفون أساليب الحرب بشكل جيد، فيعرفون المبارزة مع الأعداء، ويعرفون الفروسية والرماية وإستعمال السيوف والرماح بشكل متميز، ويستعملونها بمهارة فائقة، أفضل من أعدائهم الروم والفرس وكفار قريش.
4ـ ولم يعرفون الإسراف في أموال البيت، ويعتبرونها حراماً لهم.
5ـ كان للعرب صفة الصبر والمتانة والتفكر في الحرب، وخدع الحرب من كرّ وفر مع تطويل الحرب وهذا يضعف العدو.
6ـ ومن عادتهم أنهم عندما كانوا يظنون هزيمتهم في الحرب، فيطلبون المعاونة أو النجدة من القبائل الأخرى.
7ـ ترك خط الرجعة في الحرب، وحتى باب الصلح كانت عندهم مفتوحة.
8ـ كثرة الحروب بين الأعداء والتمزق الحاصل بين صفوف الروم والفرس، والفساد الأخلاقي في مجتمعاتهم، مع ظلم الحكام لهم وعدم إعطاء الحرية الكاملة لشعوبهم. كل هذا كان عاملاً مساعداً لإنتصار المسلمين.
9ـ وجود الموسومين في المملكة الرّومية وحقدهم على الرّوم.
10ـ تطبيق المسلمين نظام العدالة والمساواة والحرية والرّفق والتقوى والزهد وعدم الإستبداد والظلم بين كافة الشعوب، مما أدى إلى إنتصارهم.
11ـ عدم إعتداء المسلمين على العادات والمعاملات والأعراف لشعوب غير مسلمة، وكذلك عدم التدخل في أديانهم الذين ينتمون إليه.
12ـ من أهدفهم ومبادئهم السامية إعلاء كلمة الحق وإرضاء الله تعالى مع خدمة البشرية جمعاء، ولم يكن هدفهم منافع الدنيا أبداً. وبذلك إتحد صفوفهم وظهر قياديين حكماء ومتقين مثل: خالد بن الوليد، وسعد بن وقاص، وخالد بن سعيد، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد الطلب، وأبو عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان)[20].
أسباب عدم إنتصار المسلمين:
قد يسأل سائل لماذا لا ننتصر الأعداء ما دمنا عباد الرحمن وقوتنا أكثر من قوة الأعداء الإقتصادية والعددية والعقلية والسياسية؟ وقد يكون الجواب: لأننا كمسلمين قد فقدنا الولاء لله تعالى وطاعة أوامره وفقدنا الأخلاق الفاضلة وإحترام الأخرين. وخاصة بعد سقوط الخلافة العثمانية الإسلامية فكثر الفساد العقائدي والأخلاقي والنفسي والمالي عند أكثر الناس وحتى عند رؤساء وأمراء ووزراء ووكبار شخصيات الدولة بالإضافة إلى عامة الشعوب الإسلامية، وهكذا إزدادت الجرائم والقتل والظلم والزنا والظلم والكذب والإفتراء وشرب الخمور ولعب القمار وإسراف الأموال ونحو ذلك. فكيف يمكن لله تعالى أن ينصرنا ويقبل دعاءنا وأن لا يذلنا عند القوم الكافرين، كما نعلم أنّ الله يقول في لسان نبينا محمد (ص) (الظالم سيفي أنتقم به)، وبعد فعل كل هذه الموبقات ألم نكن ملعونين عند الله؟ كما لعن الله من قبلنا الشياطين ومن الإنس فرعون وهامان ونمرود وقارون وأقوام عاد ولوط وإرم وبني إسرائيل ونحوهم، ألم يحق علينا كذلك غضب الله؟.
هذا هو السبب بالإضافة إلى ذلك أفعالنا تجاوز فسق الأعداء، فأصبحنا من أكذب الأقوام وأشدّ الناس إفراطاً في القومية والمذهبية والطائفية، وأكثر الشعوب حباً للشهوات والمحرمات بإستثناء الفئة القليلة من العلماء والأمراء والصالحين من الناس. وحتى تركنا أسباب النجاح والفلاح كما أمرنا الله تعالى وتوكلنا في العلم والصناعة والإنتاج والتكنولوجيا على الأعداء.
وقد تريدون الإثبات على ذلك: أنظروا إلى حال الحكام والوزراء والأمراء وأولادهم وأقاربهم عندما يخرجون إلى خارج بلدهم؟ وأنظر إلى حياتنا اليومية ووضعنا وتعاملنا مع بعضنا في البيت مع الأطفال والأزواج وفي خارج البيت مع الأصدقاء والمجتمع والدولة. فهل نحن أمة موحدة؟ وهل الشعوب الإسلامية تحب بعضها؟ وهل الفساد المالي عندنا أكثر أم أقل من الدول الأوروبية؟ وأسئلة كثيرة يمكن أن نسألها. فأين بقي قول الله تعالى (ويؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة) (وأين بقي قول الرّسول (ص) (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وآيات كثيرة حول الأخلاق الفاضلة.
أفضل حل للإنتصار والعيش السعيد بعزة وكرامة هو الإلتزام والرّجوع إلى القرآن والسنة، ولا سبيل لغير حكم الشّرع، وأن نواعد الله تعالى بالتوبة وعدم الرّجوع إلى الفساد أبداً، وأن يعفو عنا وينصرنا على أعدائنا وأعداء الله إلى يوم القيامة.
نظام الدين إبراهيم أوغلو
محاضر في جامعة هيتيت بتركيا/ 2005م.
e.mail.nizamettin955@hotmail.com
أسباب إنتصار وفلاح الأمم في نظر الدّين الإسلامي:
يمكن القول أنّ عناصر إنتصار الأمم تكمن بصورة عامة في ثلاثة عناصر رئيسية وهي كالأتي : 1ـ الزّعماء العادلون مع القيادات الحكيمة. 2ـ كثرة العلماء الأفاضل. 3ـ إلتزام الأمة بالأخلاق الكريمة. بالإضافة إلى الإعتماد على الله وعلى أسباب النصر الأخرى المعروفة من العدد والعدة والتكنولوجيا والدبلوماسية والسياسة الماهرة والإقتصاد القوي وخدع الحروب (تكتيكات الحروب).
أما أسباب إنتصارات الأمم الإسلامية فتكمن أيضاً في ثلاثة أسباب أساسية وهي كالأتي:
1ـ التمسك بالقرآن والسنة بصدق وإخلاص فقال (ص) في حديث صحيح (تركتُ فيكم آمرين لن تضلّوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسُنة نبيّه ) أخرجه الحاكم في المستدرك.
2ـ التطبيق الصحيح للقرآن والسنة، ولأجل التطبيق الصّحيح كما نعلم أن هذا يحتاج إلى علماء وأمراء صالحون لأجل التوضيح والتفسير والإفتاء الصحيح، ولتنفيذ أحكامها يحتاج إلى أمراء عادلين، فقال (ص) (صنفان من النّاس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس: العلماء والأمراء) رواه أبونعيم في الحلية. (أفة الدّين ثلاثة: فقيهٌ فاجرٌ وإمامٌ جائرٌ ومجتهدٌ جاهلٌ) في الجامع الكبير رواه الدّيلمي عن إبن عبّاس. (سيكون أمراء فسقة فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولستُ منه ولن يردعلى الحوض) رواه احمد والنسائي والترمذي والبزاز. (لاتزال الأمة على شريعةٍ ما لم يظهر فيها ثلاث: مالم يقبض منهم العلم، ويكثر فيهم الخبث، وتظهر فيهم السّقارة. قالوا وما السّقارة يا رسول الله؟ قال بشرٌ يكونون في آخر الزّمان تحيّتهم بينهم إذا تلاقوا التّلاعُنُ) حديث عن سهل بن معاذ عن أبيهِ.
ومثل ذلك يمكن القول أنّ إحترام وتقدير العلماء والأمراء الطّيبين والمخلصين وحمايتهم واجب إسلامي، وإن وجدوا فيهم بعض الأخطاء الغير العقائدية، وإذا أخطأؤا في أمور دنيوية دون قصد فلهم أجر واحد لأن الرسول (ص) يقول (كل إبن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون)، وهناك قاعدة فقهية يقول للمجتهدين (إن أَصَابُوا فَلهم أَجرَان وَإِنْ أخطئوا فَلَهم أَجْرٌ وَاحِدٌ)، ثمّ إنّ إحترام العلماء والأمراء الصالحين من أمور الدين ويعتبرون من أولي الأمر فيلزم طاعتهم، قال تعالى (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، لأن بدون قائد لا يمكن أن تنتصر الأمم. وعلينا أيضاً أن نبتعد عن صفة ذميمة وهو تكفير العلماء والأمراء المسلمين دون تحقيق مسبق عن شخصيتهم وأن لا نحكم عليهعم بمجرد قول رجل فاسق، قال تعالى (وإن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا).
3ـ قوة إرادة وإيمان المسلمين دون خوفهم لومة لائم: يسيطرون على قوة الغضب والشهوة والمال ويصبرون على الأذى والجوع ويؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة، بالإضافة إلى توحيد صفوفهم وكلمتهم.
لقد طبقت الأسباب الثلاثة بكاملها في عصر نبينا محمد (ص) ثم في عهد الخلفاء الراشدين. ولكن بعد إستلام الأمويين الحكم وما بعدهم الدولة العباسية والسلجوقية والعثمانية، فقد المسلمون شيئاً فشيئاً بعض هذه الأسباب، إلى أن إستلمت إرادة الحكم حكام ضعفاء وفسقة ومنافقين وغير مؤهلين للحكم بسبب تطبق الحكم الوراثي الأعمى، وهكذا هُزمت أمام الأعداء.
ويمكن أن نقول أيضاً أنه بعد سقوط الدّولة العثمانية والخلافة الإسلامية، فقدنا أيضاً تمزق الأمة إلى أمم والدولة الواحد إلى دول كثيرة، وفقدنا أرضنا ووطنا وإستقلالنا وحرياتنا.
وبالتحديد فقدنا الخلافة العثمانية بعد خلع أخر سلاطين الدولة العثمانية "السلطان عبد الحميد الثاني"و تمّ تعيين حكام عملاء للدول المستعمرة، فقتلوا وسجنوا وعزلوا الحكام والعلماء الصالحون ثمّ جلبوا بدلاً منهم علماء منافقون وفسقة بعيدون عن كافة المبادئ السامية إلى مناصب هؤلاء الطيبين. والقوى الإستعمارية الشريرة الكبرى لم تكتف بهذا بل فكّروا وخططوا وسعوا بكل ما بوسعهم من أجل تدمير كافة أسباب نجاح ونصر المسلمين، ومن أهم أسبابها هو إبعاد المسلمين عن دينهم، مع تمزيق وحدة صفوفهم، وإبعاد مفهوم الجهاد عن دينهم، وحتى تمزيق مفهم الأسرة السعيدة والرجل الصالح والمرأة الصالحة. ويمكن القول أنهم حققوا نجاحاً باهراً في كل ذلك هذه الأمور. والدليل على ذلك يمكن أن يلتمس كل ذلك أي إنسان منصف، فأنظر عن العلاقات والروابط الزوجية بين العوائل في السابق وفي الحاضر، وكيف أنّ الأزواج في صراع دائم مع ابعضهم وعائلهم ، وأنظر أيضاً العلاقات السيئة بين الأباء والأبناء. وأنظر إلى الحكام الذين سكتوا عن توليهم وظلمهم لهم، وأنظر إلى فتاوى العلماء الخاطئة والمضحكة والذين يفتون لأجل إرضاء حكامهم فقط دون إرضاء الله تعالى، وأنظر أيضاً كيف أنّ الأفراد بدؤا لا يثقون بأصداقهم، والتاجر لا يثق بتاجر، وجار لا يسلم على جاره ولا يزور مرضاه وموتاه. بالإضافة إلى زيادة أمكان الدعارة والفحش والخمور وسياحة السواحل على شوطيء البحار والأنهار وخروجهم بمظاهر لا يليق المسلمين، ويمكن زيادة الأمثلة.
وهكذا يمكن القول أنه قد زالت أسباب النصر عند المسلمين وأصبحوا أذلاء أمام الأعداء في كافة معاركهم.
ولكننا متفائلون كثيرأ لقد أفاق المسلمون وإسيقظوا من سباتهم وإزدادت وعيهم الديني، في نهاية القرن التاسع ونلتمس هذا بشكل بارز في كافة الدول الإسلامية، وهذا يبشرنا بالخير وإن شاء الله ستكون راية حضارة الأمم بأيدي المسلمين في أوائل القرن العشرين من جديد.
ولكن عليهم بزديادة تقواهم وبالسعي الكثير وأخذ كافة أسباب النجاح والنصر لأجل الرقي والأزدهار بأذن الله تعالى.
ونحن نعلم أنّ كل منصف وعاقل منا يتألم ويتحسر على حال المسلمين، ويفكر في إنقاذ دولته والدول الإسلامية الأخرى من يد الأعداء والظالمين والمنافقين، ويفكر في إستقلالية أمته بصورة مباشرة وأن يعيش حراً آمناً مطمئناً غنياً ومرفوع الرأس.
ويمكن أن نذكر هنا أنّ أطول حكم إسلامي هو الحكم العثماني التي إستمر أكثر 6 قرون بسبب عدالتهم الفائقة وعدم ظلمهم الشعوب التي تحت رعايتهم وبتقوى حكامهم بصورة عامة. أما فيما بعد سقوط الدولة العثمانية فقدنا حكم الأمة بالدستور الإلهي وفقدنا كذلك أكثر العلماء وحتى أكثر الشعوب الطيبة، بالقتل والتهجير والتعذيب والسجن كما ذكرت. فقال تعالى (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)، وعليهم أن لا يلوموا غيرهم من الظالمين والمنافقين.
لأن الأعداء يعملون عملهم العدائي بجد وإخلاص، ولو فعلنا نحن عملنا بجد وإخلاص مثلهم في إنقاذ الشعوب من ظلمهم العدائي لأنتصرنا بفضل الله تعالى، لأن الله وملائكته وشفاعة ودعاء نبينا محمد (ص) والمسلمين معهم، لذا فالمسلمون لا يخسرون المعركة أبداً، لأنه عندهم قاعدة إسلامية "إما النصر وإما الشهادة" في كلا الحالتين المسلمون منتصرون. أما عند العدو لا يوجد هذا المفهوم لأنهم لا يؤمنون بالشهادة ولا بيوم القيامة.
أسباب إنتصار العرب والمسلمين في صدر الإسلام وفتحهم المدن الكثيرة:
1ـ كان العرب والمسلمين أهل الهمة والغيرة والشجاعة والشهامة، لأنهم عاشوا في البادية، وتربوا على هذه التربية الجليلة.
2ـ كانوا يؤمنون بالقضاء والقدر، ويؤمنون بالأجل، ولا يخافون لومة لائم، ولا يخافون الجهاد والموت من أجل الله تعالى ومن أجل الإسلام.
3ـ كانوا يعرفون أساليب الحرب بشكل جيد، فيعرفون المبارزة مع الأعداء، ويعرفون الفروسية والرماية وإستعمال السيوف والرماح بشكل متميز، ويستعملونها بمهارة فائقة، أفضل من أعدائهم الروم والفرس وكفار قريش.
4ـ ولم يعرفون الإسراف في أموال البيت، ويعتبرونها حراماً لهم.
5ـ كان للعرب صفة الصبر والمتانة والتفكر في الحرب، وخدع الحرب من كرّ وفر مع تطويل الحرب وهذا يضعف العدو.
6ـ ومن عادتهم أنهم عندما كانوا يظنون هزيمتهم في الحرب، فيطلبون المعاونة أو النجدة من القبائل الأخرى.
7ـ ترك خط الرجعة في الحرب، وحتى باب الصلح كانت عندهم مفتوحة.
8ـ كثرة الحروب بين الأعداء والتمزق الحاصل بين صفوف الروم والفرس، والفساد الأخلاقي في مجتمعاتهم، مع ظلم الحكام لهم وعدم إعطاء الحرية الكاملة لشعوبهم. كل هذا كان عاملاً مساعداً لإنتصار المسلمين.
9ـ وجود الموسومين في المملكة الرّومية وحقدهم على الرّوم.
10ـ تطبيق المسلمين نظام العدالة والمساواة والحرية والرّفق والتقوى والزهد وعدم الإستبداد والظلم بين كافة الشعوب، مما أدى إلى إنتصارهم.
11ـ عدم إعتداء المسلمين على العادات والمعاملات والأعراف لشعوب غير مسلمة، وكذلك عدم التدخل في أديانهم الذين ينتمون إليه.
12ـ من أهدفهم ومبادئهم السامية إعلاء كلمة الحق وإرضاء الله تعالى مع خدمة البشرية جمعاء، ولم يكن هدفهم منافع الدنيا أبداً. وبذلك إتحد صفوفهم وظهر قياديين حكماء ومتقين مثل: خالد بن الوليد، وسعد بن وقاص، وخالد بن سعيد، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد الطلب، وأبو عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان)[20].
أسباب عدم إنتصار المسلمين:
قد يسأل سائل لماذا لا ننتصر الأعداء ما دمنا عباد الرحمن وقوتنا أكثر من قوة الأعداء الإقتصادية والعددية والعقلية والسياسية؟ وقد يكون الجواب: لأننا كمسلمين قد فقدنا الولاء لله تعالى وطاعة أوامره وفقدنا الأخلاق الفاضلة وإحترام الأخرين. وخاصة بعد سقوط الخلافة العثمانية الإسلامية فكثر الفساد العقائدي والأخلاقي والنفسي والمالي عند أكثر الناس وحتى عند رؤساء وأمراء ووزراء ووكبار شخصيات الدولة بالإضافة إلى عامة الشعوب الإسلامية، وهكذا إزدادت الجرائم والقتل والظلم والزنا والظلم والكذب والإفتراء وشرب الخمور ولعب القمار وإسراف الأموال ونحو ذلك. فكيف يمكن لله تعالى أن ينصرنا ويقبل دعاءنا وأن لا يذلنا عند القوم الكافرين، كما نعلم أنّ الله يقول في لسان نبينا محمد (ص) (الظالم سيفي أنتقم به)، وبعد فعل كل هذه الموبقات ألم نكن ملعونين عند الله؟ كما لعن الله من قبلنا الشياطين ومن الإنس فرعون وهامان ونمرود وقارون وأقوام عاد ولوط وإرم وبني إسرائيل ونحوهم، ألم يحق علينا كذلك غضب الله؟.
هذا هو السبب بالإضافة إلى ذلك أفعالنا تجاوز فسق الأعداء، فأصبحنا من أكذب الأقوام وأشدّ الناس إفراطاً في القومية والمذهبية والطائفية، وأكثر الشعوب حباً للشهوات والمحرمات بإستثناء الفئة القليلة من العلماء والأمراء والصالحين من الناس. وحتى تركنا أسباب النجاح والفلاح كما أمرنا الله تعالى وتوكلنا في العلم والصناعة والإنتاج والتكنولوجيا على الأعداء.
وقد تريدون الإثبات على ذلك: أنظروا إلى حال الحكام والوزراء والأمراء وأولادهم وأقاربهم عندما يخرجون إلى خارج بلدهم؟ وأنظر إلى حياتنا اليومية ووضعنا وتعاملنا مع بعضنا في البيت مع الأطفال والأزواج وفي خارج البيت مع الأصدقاء والمجتمع والدولة. فهل نحن أمة موحدة؟ وهل الشعوب الإسلامية تحب بعضها؟ وهل الفساد المالي عندنا أكثر أم أقل من الدول الأوروبية؟ وأسئلة كثيرة يمكن أن نسألها. فأين بقي قول الله تعالى (ويؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة) (وأين بقي قول الرّسول (ص) (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وآيات كثيرة حول الأخلاق الفاضلة.
أفضل حل للإنتصار والعيش السعيد بعزة وكرامة هو الإلتزام والرّجوع إلى القرآن والسنة، ولا سبيل لغير حكم الشّرع، وأن نواعد الله تعالى بالتوبة وعدم الرّجوع إلى الفساد أبداً، وأن يعفو عنا وينصرنا على أعدائنا وأعداء الله إلى يوم القيامة.