المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحب الأول/ جاكومو ليوباردي



أسماء غريب
05/10/2006, 02:40 PM
عد إلى الذاكرة يا يوما
وقعت فيه بالحب لأول مرة
يا يوما عرفت فيه بأن الإحساس بالعشق
إحساس مرير !
آه، كيف تحكمت بي أيها الحب؟
بهرت بشدة بمن ملكت مني الفؤاد
و منذ ذاك اليوم ظلت
العيون متحجرة
و لها و بكل براءة و طفولة،
كنت قد فتحت بالقلب ممرا
فكيف لإحساس بهذه الرقة
أن يخلق بداخلي كل هذا الألم
و كل هذا العناء؟
ملأني بالأنين و بالشقاء
و لم يمنحني شعورا كاملا
بالأمان و بالصفاء
بل و كيف يا قلب منيت بهذا البلاء؟
احك لي يا قلبي الرقيق
عن ذاك الفزع و عن ذاك القلق
عن ذاك الشعور الذي صير سعادتك إلى ملل
آه، بإغراء مثل بين يدي ذاك الشعور
في تلك الليلة، حيث كل شيء
في الوجود بدا هادئا
القلب يخفق بشدة و في كل آن
و أنا بين قلق و فرح
لا أستطيع للنوم سبيلا
ألهث بين حزن و تعب
ثم أغفو كمصاب بالحمى
أهذي و قد فارقني النوم
آه، كم مليئة هي بالحياة صورتها
أتأملها تحت جفنيّ
و قد أشرقت علي وسط ظلمة
غرفتي الصامتة !
آه كم هي ساحرة تلك الذبذبات
تسري بالعظام !
و كثيرة تلك الأفكار الحائرة
تتشابك بالروح القلقة !
و النسيم العليل يسري
بين كثافة غابتي المهجورة
و بين صمتي و خنوعي للقدر
يخبرني قلبي بأنها تتأهب للرحيل
هي من لأجلها يخفق و يعاني.
ما إن سمعته هذا الخبر
خمد لهيب الحب و كان قد أذكاه
بداخلي النسيم العليل
خمد و حلق بعيدا
أما أنا فبقيت هكذا بدون نوم
حتى فجر اليوم الموالي
و تلك الأحصنة التي ستأخذها بعيدة عني
بدأت تضرب الأرض بحوافرها
عند مدخل بيت والدي
و أنا هناك، خجول ساذج و بدون تجربة
أتجه إلى الشرفة وسط ظلام الغرفة
عيناي مفتوحة و الآذان متأهبة
علّها تسمع صوتها الذي حرمني منه القدر
و قد نبست به شفتيها
لم أسمع سوى أصوات الرعاع
أو لربما توهمت و في شك أذناي سماعها
فتلاحقت لذلك دقات قلبي
إلى أن هل علي أكيدا صوتها الحبيب إلى قلبي
رغما عن ضجيج الأحصنة و العجلات
فبقيت هكذا كالأبله
و فوق سريري ارتميت و انكمشت
و كلي خفقان ثم أغمضت عيني
و حضنت قلبي بيدي و تنهدت
ثم قمت من جيد كالمجنون
أجر قدميّ المرتعشتين
بغرفتي الصامتة
فماذا غير هذا سيحدث لك يا قلبي؟
مريرة هذه الذكرى
التي اتخذت من قلبي مقاما
و حجبت عنه كل صوت أو صورة ليست لها
كي أبحث بألم عن روحي في أعماقك
كما كانت تفعل "أوليمبيا" و هي تمطر
من السماء بحزن كي تغسل الحقول.
و لم اكن أعرفك يا فتى لم تتجاوز آنذاك
سنواتك التسعة عشر
و حينما ولدت في البكاء و الألم
و كنت في الحب صبيا
و حينما أفقدت كل لذة للصمت حياته
و للحقول اخضرارها
حتى بسمتي فقدت آنذاك رضاها عن الكواكب
و عن إشراقة الفجر
و حتى عن الأمجاد شغلني ساعتها هذا الحب
و الشمس أنارت قلبي و أدفأته
و من قلبي أتخذ جمال العشق سكنا
و عن كل شيء شغلني هذا الجمال
حتى عما كان في الحياة لي هدفا أولا
حتى عن الدرس و عن التحصيل.
عجبا كيف تغير كل شيء
و كيف حب جارف كهذا أخذني من كل حب؟
عدما نحن إذن، واعجباه !
لا يروق لي سوى قلبي
دفنت فيه و عن وعي نفسي
و عيني بالأرض حسيرة أو على نفسها منغلقة
لا تريد أن تبصر بشكل عابر أو خاطف أي شيء
لا يهمها وجه آخر قد يكون قبيحا
لا تريد أن تعكر عذرية و صفاء
الصورة التي تحمل بداخلها
لا تريد أن تفعل هذا كما يفعل
موج بحيرة يتحرك لهبوب نسيم عليل
لا تريد حسرة أو ندما على عدم استمتاعها
حتى آخر رمق بكل ذاك الجمال
و لا أن تحرق أو تزعج الروح
لأنه بعد كل هذا ستتحول كل لذة
استطعمتها بالأيام الخالية
إلى سم و عذاب سيبقى حيا حتى اللحظة
و لن يبق إلا وجع، ندم و عار قاس
تحركه في قلبي الذكرى.
إلى السماء، إليكم أيتها الأرواح الشفيفة أقسم
بأن صدري لم يعرف أبدا رغبة وضيعة
و لم يعرف سوى هذه النار العذرية الطاهرة
و حية ما تزال هذه النار و حي هذا الحب
يتغذى بفكري من تلك الصورة الجميلة
صورة لم أر في الحياة كلها لطهرها مثيلا
و لا أرغب بغيرها بديلا.

من هو جاكومو ليوباردي؟

http://www.sandrodiremigio.com/musica/img_musica/giacomo_leopardi.jpg

ولد "جاكومو ليوباردي" بمدينة "ريكاناتي" الإيطالية سنة 1798 ، كان الابن الأكبر لإحدى أغنى و أنبل عائلات المدينة، أبوه كان رجل سياسة ، أدب و دين معروف و لكنه كان بارد الطبع و جافه أما أمه السيدة أديلايد فكانت قاسية و لا يطاق العيش معها ، لذا نجد شاعرنا الصغير قد قرر الهروب بنفسه الحساسة و قلبه المرهف للإلقاء بهما بين صفحات خزانات أبيه الغنية الطويلة العريضة و هو مازال لم يتجاوز سنينه السبع، وجد نفسه بعد ذلك متقنا للعديد من اللغات كالعبرية، الإغريقية، الإنجليزية ، الفرنسية و الأسبانية و هذا ما يسر له أن يعمل في فترة من حياته مترجما و ناقدا كبيرا.
و في 1816 غير من مساره الأدبي ليهتم بنقد الجمالية في الإبداعات الفنية و اشتهر عندها بدفاعه المستميت عن أصالة الشعر الكلاسيكي القديم و أساليبه مقابل المواقف الشجاعة أنذاك للأديبة "ستايل".
بدأت بعد هذه المرحلة فترة المراسلات الأدبية المكثفة بينه و بين الأديب "بييترو جورداني" ثم فترة إعطاء الملامح الأولية لعمله الكبير " لوزيبالدوني" أو " مذكرات مختلطة" و تميزت ذات الفترة بوقوعه في حب "جيرترود كاسّي" التي أهداها شهيرته " الحب الأول".
جسده المستهلك من كثرة الدراسة و التحصيل و الحبس الإرادي داخل البيت بدأ يعاني من توعكات في عموده الفقري و التي تطورت لتصبح تعوجات و تشوهات، تألم لها الشاعر شديد الألم.
و لكن تلك القدرة الجبارة على العطاء التي تسكن دواخله ساعدته على الإنتاج المستمر رغما عن كل الألم و الإحساس بالوحدة و الغربة داخل مسقط رأسه لذا قرر المغادرة إلى روما بعد عدة محاولات فاشلة و هناك بدأ في تأليف " المسرحيات الأخلاقية" التي عكست بشكل كبير تشاؤمه الفلسفي الوجودي و الذي كان يعتبر من خلاله أن الإنسان و العقل هو المسبب الرئيسي لكل مظاهر تعاسة الوجود.
انتقل بعد ذلك إلى" ميلانو" حيث التقى مع الناشر" ستيلاّ " و عرج بعدها على بولونيا و لكنه استقر لفترة ما بمدينة "فلورانس" حيث كتب رائعته " إلى سيلفيا" و عاد من جديد إلى مسقط رأسه "ريكاناتي" .
في 1829 كتب : "الذكريات"، "الهدوء بعد العاصفة"، "سبت القرية"، "الأنشودة الليلية" و غيرها كثير.
في 1830: عاد إلى" فلورانس" و هناك تعرف على أحد المنفيين السياسيين "أنطونيو أنييري" و هو نابوليتاني الأصل.
في 1833: انتقل للعيش هو و صديقه "أنطونيو" للعيش بمدينة" نابولي" و هناك عاشا حياة في غاية الفقر و البؤس. صدر له في تلك الفترة عن دار النشر النابوليتانية "ستاريتا" ديوان " الأغاني" و الذي ضم روائعه: "العصفور الوحيد"، "الأفكار المتسلطة"، "حب و موت"، "إلى نفسه"، و غيرها كثير.
انطفأت شمعته وهو في ريعان الشباب سنة 1837 "بنابولي" بسبب عدوى حمى الكوليرا، و بالكاد استطاع صديقه النابوليتاني " أنطونيو" أن يحصل له على قبر يأوي جسده في رحلته الأخيرة بمقابر بلدية المدينة.

ترجمة: د. أسماء غريب

ياسمين مسلم
08/10/2006, 02:09 AM
فكيف لإحساس بهذه الرقة
أن يخلق بداخلي كل هذا الألم
و كل هذا العناء؟

أستاذتي الدكتورة أسماء غريب
لتقبلي تحيات حرفي وصمتي

صبيحة شبر
08/10/2006, 04:43 PM
عمل رائع من مبدعة عودتنا على روعة العطاء
تحياتي لك ايتها العزيزة
اسماء غريب
ومزيدا من النجاح ايتها الصديقة العزيزة

أسماء غريب
17/10/2006, 05:00 PM
فكيف لإحساس بهذه الرقة
أن يخلق بداخلي كل هذا الألم
و كل هذا العناء؟

أستاذتي الدكتورة أسماء غريب
لتقبلي تحيات حرفي وصمتي

عزيزتي ياسمين
أشكر مرورك و صمتك البليغ
و اعتذر كامل الإعتدار عن هذا التأخير في الرد على كلماتك الرقيقة
و ذلك بسبب ما أصاب جهازي من أعطاب تقنية متوالية أتلفته عن كامله.

http://www.arabswata.org/forums/showthread.php?p=1969#post1969

تحياتي و محبتي و إلى لقاء آخر

http://mygraphics.altervista.org/GLITTERATI/glitter%20quadro%20fiore.gif

أسماء غريب
17/10/2006, 05:02 PM
عمل رائع من مبدعة عودتنا على روعة العطاء
تحياتي لك ايتها العزيزة
اسماء غريب
ومزيدا من النجاح ايتها الصديقة العزيزة

شكرا لك و لمحبتك و نقاءك
http://www.hotelrosaalpina.com/Immagini_Rosa/fiore.gif