المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الثقافة الذكورية في المجتمعات العربية والمرأة



احمد محمود القاسم
24/05/2009, 09:48 PM
الثقافة الذكورية في المجتمعات العربية والمرأة
الكاتب والباحث احمد محمود القاسم
تسود المجتمعات العربية من المحيط إلى الخليج، نوع واحد تقريبا، من الثقافة الذكورية، وان تباينت هذه الثقافة، في شدتها وعمقها ما بين التحرر والتخلف، والنظرة في استعباد المرأة، من مجتمع إلى آخر، بحيث تزداد في المجتمعات الخليجية عمقا وشدة، وزيادة في التحكم بالمرأة واستعبادها، عنها في المجتمعات العربية الأخرى، وخاصة في المجتمع اللبناني، بحيث يعتبر المجتمع اللبناني، من أكثر المجتمعات العربية انفتاحا وتساهلا مع المرأة، وتحلللا من العادات والتقاليد الاجتماعية القديمة البالية.
ومع الأسف الشديد، إن هذه الثقافة الذكورية، تتجلى وتنصب في معظمها في النظرة إلى المرأة العربية بالذات، وتهدف إلى إضعاف المرأة وتهميشها وقهرها وإذلالها، ومحو شخصيتها من الوجود، وشل حركتها، بحيث تكون المرأة فيها ضعيفة ومستضعفة، إلى ابعد حد ممكن، حتى تصبح طيعة وسهلة بيد الرجل العربي والشرقي بشكل عام، يتحكم بها ويشكلها كالعجين، وقتما يشاء، وكيفما شاء.
كما تهدف إلى عزلها عن البيئة المحيطة بها، ووضعها بين أربعة جدران لا تغادرهم، إلا في أقسى الظروف، وتكميم عيونها وفمها، بل وكل أجزاء جسمها، حتى أن البعض يود أن يتحكم بها بالريموت كنترول، ولا يود أن يعرفها بحقوقها، كي لا تعمل على المطالبة بها، وفي كل مكان، يبثون الدعايات الكاذبة ضدها، كي يجعلوها لا تعرف قيمتها، وأهميتها في المجتمع، حتى تكاد تخجل من نفسها كونها خلقت امرأة، بحيث يستطيع الطفل، كونه ذكرا، ان يتحكم بها، ويهز كيانها وشخصيتها، ولا يعرفون لها دورا في الحياة والمجتمع، سوى المطبخ والسرير، فهم يقولون عنها:
(لو طلعت المريخ، آخرتها للسرير وللطبيخ)، و(البنية بلية)، و(ماتت بنته، من صفاوة نيته)، و(حية ولا بنية)، وإذا ذكر اسم المرأة قالوا: (تكرموا يالسامعين) أو (حاشاكم يا السامعين)، ويقولون أيضا (المرأة عورة)، و(صوتها عورة) و(اسمها عورة)، و(المرأة ناقصة عقل ودين) (بغض النظر عن المعنى المقصود) و(المرأة خلقت من ضلع آدم الأعوج، وإذا ما حاولت تصحيحه ينكسر)، لذا فلا تحاول، و(المرأة والشيطان، رضعا من ثدي واحد)، و(ثلثي أهل النار من النساء)، و(اضربوهن في المضاجع)، وهذه تفهم، بان اضربوهن في كل مكان وزمان، و(شاوروهن ثم خالفوهن)، و(المرأة فتنة)، و(ما اجتمع رجل وامرأة، إلا وثالهم الشيطان)، و(الرجال قوامون على النساء).
فالرجل يبث هذه الثقافة المسمومة في المجتمع منذ مئات السنين، ويرددها بين أولاده جميعا باستمرار، ويشجعهم على فهمها وممارستها، ويمارسها الذكور على الإناث، في كل المناسبات، ويتناقلونها عبر الأجيال من جيل إلى آخر، وكأن المرأة، وبشكل عام الأنثى، مخلوق من كوكب آخر، لا يحق له التمتع بما يتمتع به الرجل، أو الذكر، من حقوق إنسانية، مع أن المرأة، أثبتت كفاءة منقطعة النظير في العلم والتعلم، وقادت السيارة والطيارة، والتحقت بشتى المناصب القيادية والإدارية، وأصبحت مسئولة عن مجالس إدارة الشركات، في الكثير من الدول العربية، وحصلن الآلاف منهن على شهادات الدكتوراة والماجستير والبكالوريوس، في كافة العلوم الطبية والهندسية والعلمية والأدبية والأبحاث، وخرج منهن عالمات نابغات خدمن بعلمهن واكتشافاتهن المجتمع الإنساني برمته، ولا داعي لذكر التفاصيل.
فهناك آلاف النساء المعروفات بأسمائهن تبوأن مراكز صنع القرار السياسي والاقتصادي في العالم، وحتى في العالم العربي، وفي منظمات الأمم المتحدة، العاملة على مستوى العالم، تشهد لهن بذلك، والجامعات العربية من المحيط إلى الخليج، تذخر بالأساتذة والدارسات والباحثات العلميات، واللواتي يحملن شهادات الدكتوراة من أعرق جامعات العالم، ومع هذا وذك، ما زالت المرأة العربية، تضطهد من قبل الرجل، ومن قبل المؤسسات الرسمية عبر قوانينها التمييزية، ولا تعامل بمساواة مع الرجل بالحقوق، فهناك تمييز بالرواتب، وتمييز بالمناصب، التي تتبوأها وبدرجات التعيين، ويمنع من مشاركتها في صنع القرار السياسي، وتحرم من الكثير من الوظائف كونها أنثى، والبعض يفرض نفسه وصيا عليها وعلى أموالها وممتلكاتها، ويمنعها من قيادة السيارة أو الركوب بها إلا بشروط، كوجود محرم معها، وتمنع من السفر والتنقل من مكان إلى آخر الا بوجود محرم معها أيضا، أو ولي أمرها كما هو وضعها في المملكة العربية السعودية.
بعض من الدول العربية، ما زالت تعيش بعقلية الماضي، منذ عشرات السنين، بقوانين عفى عليها الزمن، ولم تعد صالحة لزماننا ولا للأزمنة القادمة، ولا تختلف عن أزمنة العصور الوسطى، فتحاول جاهدة منع الاختلاط بين الجنسين، بالرغم من أن الأقمار الاصطناعية تنقل كل شيء في كل مكان وكل زمان، إلى كل إنسان بدون تحفظات، حتى أصبحت الممنوعات بين الرجل والمرأة، أكثر انتشارا من المباحات، وتحاول عرقلة خروج المرأة من القمقم الذي تعيش فيه، فيحرم عليها مثلا قيادة السيارة أو الخروج لوحدها إلا بمحرم معها، ولبس البنطلونات أو الجينز وغيرها من المحرمات، التي لا أساس لها من الصحة أو الأهمية، ويمنع اختلاط الإناث مع الجنس الآخر من الذكور، مع أن الاختلاط بين كلا الجنسين، لا مفر منه، ويصعب منعه.
ففي الأسواق العامة والجامعات ووسائل النقل والمطاعم والمتنزهات وفي شواطئ البحار، يتم الاختلاط يوميا، وإذا ما تم منعه في احد الأمكنة، يتم ظهوره في أمكنة أخرى، وبلاد أخرى بكل سهولة ويسر، بعيدا عن أعين السلطات المسئولة، وبشكل كبير، فما الفائدة من منعه بالظاهر، طالما انه موجود على ارض الواقع، وبالباطن، تحت شعار "وإذا بليتم فاستتروا" والا فإننا نكون كالنعامة التي تضع رأسها بالرمل، وتدعي بأنة لا احد يراها، فإذا ما كانت رغبة الناس بالاختلاط، فما هو الداعي لمنعه بين الناس؟؟ وتكميم الأفواه؟؟؟
افليس الأجدى، تعليم الناس، وتثقيفهم وتقوية شخصياتهم، ووضع القوانين الصارمة التي تحفظ حقوقهم، و مكتسباتهم، وتمنع استغلالهم والاستبداد بهم، بدلا من منع الاختلاط بينهم مثلا، أو تكميم أفواههم، وتشديد القيود عليهم.
المملكة العربية السعودية، نموذج للمجتمع الخليجي والعربي المتخلف، حيث تمارس التمييز العنصري على المرأة، فتمتنع الحكومة عن أداء التزاماتها بموجب اتفاقية إزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة (cedaw) التي انضمت إليها في سبتمبر/أيلول 2000م.
وقد منعت الحكومة النساء من الانتخاب والترشيح في الانتخابات البلدية، وهذا مخالفٌ للاتفاقية المذكورة التي تضمن للمرأة الحق "بالتصويت، في جميع الانتخابات والاستفتاءات العامة، وأهليتها لأن تُنتخب إلى جميع الهيئات المنتخبة".
لم تسمح الحكومة للنساء بالمشاركة في صياغة السياسات الحكومية على قدم المساواة مع الرجال، وعلى سبيل المثال، تُستبعد النساء من المجلس الأسبوعي، الذي يستمع فيه أفرادٌ من الأسرة المالكة، إلى شكاوى المواطنين السعوديين واقتراحاتهم، ومعروف أنه من غير الممكن، وجود إصلاح سياسي جدي ومستدام، دون المساهمة الكاملة للمرأة، كناخبة ومرشحة ومشاركة في الحياة العامة.
لا تزال النساء في المملكة العربية السعودية، يعانين من التمييز الحاد في أماكن العمل والمنازل والمحاكم، ومن تقييد حريتهن بالحركة، فليس للمرأة الحق في مغادرة منزلها دون مرافقة أحد الأقارب الذكور من المحارم، أو دون إذنٍ خطي من ولي أمرها، وهو إذنٌ مطلوبٌ أيضاً للتسجيل في المدرسة أو الجامعة، ولالتماس المساعدة الطبية، أو فتح حساب مصرفي في البنك.
وثمة تقارير تفيد، بأن بعض المؤسسات الحكومية، ترفض قبول بطاقة الهوية الشخصية الجديدة للنساء، وتصر على رؤية بطاقة الأسرة أيضاً، وقد وجدت دراسةٌ حديثة للبنك السعودي الأمريكي تقول: بأن "تعويض الذكر السعودي يعادل ضعفي تعويض الأنثى السعودية عند تساوي سوية التعليم"، وقد امتنعت الحكومة حتى الآن، عن العمل بموجب التوصية الصادرة عن "الحوار الوطني" المعين من قبل الحكومة، والذي دعا إلى تعيين قاضيات في المحاكم العائلية.
تسمح المادة 149 من قانون العمل الجديد، المُقَر في أواخر سبتمبر/أيلول 2005م للمرأة بالعمل في جميع المهن "المناسبة لطبيعتها"، وهذا شكلٌ واضحٌ من أشكال التمييز، إذ لا توجد أية قيودٍ على الميادين التي يمكن أن يعمل بها الرجل، من ناحية "طبيعته". وتمنع المادة 150 تحديداً المرأة من العمل ليلاً، كما تمنح المادة 149 وزير العمل سلطة إعلان مهنٍ معينة "مهناً خطرة"، وبالتالي فهي غير مناسبة للنساء، إن هذه المواد تُبقي الحظر على عمل المرأة في القانون والهندسة والعمارة.
يجب أن تكون المرأة حرةً في تقرير العمل الذي يناسبها، وتضمن اتفاقية إزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة "الحق في نفس فرص العمل، بما في ذلك تطبيق نفس معايير الاختيار في الأمور المتعلقة بالاستخدام"، كما أن المملكة العربية السعودية دولةٌ عضو في اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 111 الخاصة بالتمييز، فيما يتعلق بالاستخدام والوظيفة، والتي تحرّم أي "استبعاد... يكون من شأنه... خرق مبدأ تكافؤ الفرص، أو المعاملة المتساوية في الاستخدام".
نسمع بالوطن العربي من المحيط إلى الخليج، عن زواج فتيات قاصرات، غير بالغات أو راشدات، يبلغن من العمر حوالي سبعة إلى عشرة سنوات، وعمرهن أقل من ستة عشر عاما، ومن رجال كبار بالسن أيضا، قد يصل فارق العمر بينهما أكثر من عشرة سنين وحتى خمسين سنة في أحيان كثيرة، مع أن الشرع القانوني في الكثير من الدول العربية، لا يسمح بعقد قران أي شابة، يقل عمرها عن 18 سنة، ولكن مع الأسف، بعض رجالات الدين في الدول العربية، ومن يوثقون عقود الزواج، قد يلجأون إلى عقد زواج مثل هؤلاء القاصرات، دون النظر إلى أعمارهن الحقيقية، وحتى دون أخذ موافقتهن الشخصية بشكل واضح، وهذه الظاهرة، منتشرة في دول مثل السعودية واليمن والمغرب وليبيا وجمهورية مصر العربية والصومال وغيرها من الدول العربية، وتعتبر هذه الظاهرة، استغلالا للأنثى جنسيا، وتتنافى مع القيم الإنسانية الحقة.
كما يجري للإناث عملية ما يعرف بالختان، هذه العملية المنتشرة في بعض من الدول العربية، كمصر والسودان ودولة البحرين وسلطنة عمان ودولة الإمارات العربية وبعضها الآخر، ويتم في هذه العملية، إزالة كل أو بعض مما يعرف عند الإناث (البظر) والمنطقة المحيطة بجهاز الأنثى التناسلي (الشفرين)، بشكل عام، ويتميز هذا العضو، باحتوائه على عدد ضخم من النهايات العصبية، القابلة للاستثارة، عند اقل ملامسة له، ولذلك يعتبر من أكثر أعضاء المرأة حساسية للإثارة الجنسية، ويعتقد، إن تحقيق الذروة الجنسية الكاملة للأنثى، تأتي من إثارة هذا العضو، ومثل هذه العملية، والتي يتم بها استئصال بظر الأنثى، تدخل غير طبيعي في مكونات جسم الأنثى الفسيولوجية، بهدف التقليل من إثارة الأنثى جنسيا، ومنعها من حقها بالاستمتاع بجسدها.
يعتقد بعض من يمارس عملية الختان، بأن وجود البظر لدى الإناث، هو ما يدفعهن للانحراف الجنسي، وزيادة شبقهن وطلبهن للذكر، فهم بهذه العملية، يعتقدون بأنهم يحدون من انحرافات الأنثى، فهذه ثقافة ذكورية لقمع الأنثى، وسلبها حقا من حقوقها الطبيعية، كمخلوق وجنس بشري، مثله مثل باقي الإناث في العالم.
على المرأة العربية أن تعي حقوقها جيدا، حقها بالعمل وبالمساواة مع الرجل، بالراتب والوظيفة، وان تناضل من اجل نيل هذه الحقوق، وحقها بالحرية الشخصية وتقرير مصيرها بنفسها، فالحقوق لا تمنح، بل تنتزع انتزاعا، وعلى المرأة أيضا المطالبة والنضال من اجل حريتها الشخصية والتخلص من استبداد واستعباد الرجل لها، وعلى الرجال المثقفين، الوقوف إلى جانب المرأة والأخذ بيدها ومساعدتها على نيل حقوقها واستكمال تعليمها العالي وعدم ابتزاز أموالها أو راتبها وحقوقها الخاصة بها. لأن في المحصلة الخيرة فالمرأة ستنال حقوقها كاملة شئنا أم أبينا، فإذا كان ذلك حتميا، فلماذا لا نسرع به واختصار الزمن، كي نعطي المرأة حقوقها الطبيعية كباقي البشر؟؟؟
انتـــــهى الموضـــــوع