المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كتاب "الحروب الأهلية فى غرناطة"، ترجمة مروة إبراهيم، مراجعة وتقديم جمال عبد الرحمن



جمال عبد الرحمن
17/06/2009, 09:50 PM
مقدمة "الحروب الأهلية فى غرناطة" لبيريث دى إيتا

كنت من أوائل الذين قرأوا رواية "المخطوطات الحمراء"، فقد أهدانى إياها فور صدورها صديق إسباني يعلم مدى إعجابى بأنطونيو غالا أديبا ومحاضرا.
قرأت الرواية فى فترة خاصة من حياتي، ولما كانت "عين الصب عن كل عيب كليلة"، فقد غفرت للمؤلف بعض تجاوزات لم أشعر – ولا أشعر حتى الآن- أنها تؤثر فى رواية الأحداث التاريخية.
وقد حملنى إعجابى بدقة الرواية فى رصد الأحداث إلى طرح الموضوع مع كل من استطعت. وكان أن زارنا فى مصر مؤرخ إسبانى، فرأيت أن أطرح الموضوع للنقاش. ما لم أكن أتوقعه بالمرة هو أن المؤرخ صب جام غضبه على أنطونيو غالا وعلى كل أديب يجعل من نفسه مؤرخا، وقال فى حدة: "الأدب أدب، والتأريخ تأريخ، وعلى كل إنسان أن يختار"
ظننتها مبالغات من المؤرخ الزائر، واسترحت أن شغلنا بالحديث فى موضوعات أخرى. حدث ذلك منذ سبعة عشر عاما.
تذكرت أنطونيو غالا والمؤرخ الإسبانى كثيرا عندما قرأت كتاب "الحروب الأهلية فى غرناطة" الذى نقدم له الآن.
العلاقة بين التاريخ والأدب لا يمكن أن تنقطع، فهناك الرواية التاريخية، وهناك التاريخ الذى يروى بشكل قصصى يجعل قراءته أكثر متعة ولا يخالف الحقيقة. يبدو كل ذلك من المسلمات، فأين موقع "الحروب الأهلية فى غرناطة" بين التاريخ والأدب"؟

رواية تاريخية؟:
هناك علاقة وثيقة بين التاريخ والإبداع الأدبى فى الرواية التاريخية. ومن المعلوم أن الرواية التاريخية تتكون من جزأين: جزء يروى أحداثا تاريخية وقعت بالفعل ويقدم شخصيات حقيقية، وجزء ثان يسرد أحداثا ويقدم شخصيات من إبداع المؤلف. ويتعين على مؤلف هذا النوع من الروايات أن يراعى الدقة عند عرضه للأحداث التى وقعت بالفعل، وكذلك عند تعرضه للشخصيات الحقيقية. وله أن يطلق لخياله العنان فى الجانب الإبداعى من شخصيات وأحداث. على ضوء هذا التوضيح نطرح تساؤلا: هل "الحروب الأهلية فى غرناطة" رواية تاريخية؟ نستطيع أن نؤكد أنها ليست كذلك، فقد تخلى المؤلف عن الدقة مما أدى إلى خلط الوقائع التاريخية، ونسب إلى شخصيات معينة ما فعلته شخصيات أخرى. إن بيريث دى إيتا يخلط بين ملكين تولى كل منهما عرش غرناطة، يجمع بينهما أن كلا منهما يدعى أبو عبد الله، وكلا منهما يلقب بالصغير. الملك الأول هو الذى اتهم أحد الفرسان بمغازلة زوجته –فهيمة-، لكن المؤلف ينسب القصة إلى زوجة أبى عبد الله الصغير –آخر ملوك غرناطة المسلمين- التى لا نعرف لها اسما. صحيح أن الرواية التاريخية بالمعنى الذى أشرنا إليه لم تكن قد ولدت بعد، لكننا وجدنا من بين النقاد الإسبان من يتحدث عن "الحروب الأهلية فى غرناطة" على أنها رواية تاريخية فآثرنا أن نورد هذا التوضيح.

أجزاء الكتاب
يقع الكتاب فى جزأين، وقد انتهت بالفعل ترجمة الجزء الثانى، ونتمنى أن ترى النور قريبا. الجزء الثانى من الكتاب يتناول ثورة البشرات التى شارك بيريث دى إيتا نفسه فى إخمادها. لكن هناك من يتحدث عن جزء ثالث، فهناك وثيقة تعود الى عام 1604 تتحدث عن ثلاثة أجزاء من "الحروب الاهليه في غرناطة ". لاندرى ما الذي يمكن أن يتضمنه الجزء الثالث، ويبدو أن نجاح هذا الكتاب قد شجع بيريث دي إيتا على تأليف كتاب آخر غير معروف اليوم، ربما كان يشكل الجزء الأول من ثلاثية حول تاريخ غرناطة.


شخصية المؤلف:
قيل إن بيريث دى إيتا موريسكى، واستند من يتبنى هذا الرأى إلى أن المؤلف من مولا، وهى القرية التى ظل الموريسكيون يقيمون فيها إلى ما بعد الطرد، وإلى أن المؤلف اسمه خينيس، على اسم ولى مسلم زعموا أنه يمت بصلة قرابة إلى النبى (ص) (علينا أن ننبه إلى أن إيتا كتب روايته قبل الطرد، وإن روحها تبتعد كثيرا عن تمسك الموريسكى بهويته الإسلامية) لكن الثابت بالفعل هو أن بيريث دى إيتا كان إسكافيا ومن ورشته كانت تخرج عربات تحمل كل أنواع الزينات والاختراعات لاحتفال المدينة بالأعياد المختلفة. من الثابت كذلك تأثر الاسكافى بيريث دى إيتا والحرفيين أمثاله بالفن الموريسكى. لعل هذا يفسر لنا الوصف الدقيق للملابس الموريسكية ولاحتفالات أهل غرناطة.

كان إيتا على درايه بكتب الفروسيه وبكتب الأخبار التي تتناول آخر سنوات مملكة غرناطة، وكانت له صلة بالأغنيات الشعبية القديمة والجديدة، وكان يصدق أية أخبار يراها مطبوعة. كان يخلط بين الحقيقة التاريخية والخيال الشعري، ويلغى الحدود الفاصلة بين الواقع والخيال.
ونحن نعلم انه فى أثناء الحرب ضد الموريسكيين كان جنديا حل محل احد الأغنياء عندما تلقت مدينة لوركا Lorca طلبا ثانيا لإرسال فرقة من الرجال للمشاركة فى الحرب. من بين أولئك الذين طردوا كان هناك أصدقاء ومعارف للمؤلف ، ممن ذهب لزيارتهم فيما بعد من اجل كتابة تاريخ موثق لثورة الموريسكيين وجدير بالذكر أن بيريث دى إيتا قد رأى فيرناندو دي بالور عندما كان هذا الأخير عضوا فى مجلس غرناطة.
يتحدث المؤلف إذن عن عالم يعرفه جيدا، لكنه سار وفق التيار العام السائد آنذاك، ولم يتفهم حق الإنسان الموريسكى فى حرية الاعتقاد.

أدب دعائى:
المطالع لرواية إيتا يرى أن مسلمى غرناطة كانوا يدخلون فى المسيحية جماعات و أفرادا حتى قبل سقوط مملكتهم فى يد فيرناندو الكاثوليكى، ولا نرى سوى أن هذا من باب الأدب الدعائى الذى عهدناه فى أدب القرن السادس عشر الاسبانى، ودليلنا على ذلك فى غاية البساطة: لو كان الأمر كذلك فلماذا تمسك الموريسكيون بإسلامهم ما يزيد على قرن من الزمان رغم محاكم التفتيش وأهوالها ورغم الصعوبات وانقطاع الصلة مع بقية العالم الاسلامى؟

لكن ما الذى يدفع مؤلفا مثل بيريث دى ايتا إلى التغنى بشجاعة موسى ورضوان وغزول وحامدى الثغرى؟ للإجابة عن هذا السؤال سنستعرض بإيجاز قضية ثارت بعد استيلاء الملك الكاثوليكى على غرناطة الإسلامية, فقد ظهر بين الأدباء الاسبان اتجاهان: أحدهما يلحق بالمسلمين كل نقيصة، والآخر يبالغ فى إظهار قوتهم. ثار جدال بين الفريقين، وتساءل الفريق الأول لماذا التغنى بأمجاد الأعداء؟ فرد الفريق الثانى ردا منطقيا: إن الاعتراف بشجاعة الأعداء وقوتهم يحمل فى طياته مديحاً للملك الكاثوليكى الذى انتصر على عدو بهذه القوة و بهذه الشجاعة

- التعاطف مع المسلم:
يرى كثير من الباحثين الإسبان أن كتابين من الكتب التى وضعها بيريث دي إيتا تندرج فى إطار الكتابات المؤيدة للموريسكيين .على أن هؤلاء الباحثين يقولون إن بيريث دى إيتا لا يتعاطف مع قضية الموريسكيين عندما يطالبون باحترام هويتهم الدينية، ولكنه يتعاطف معهم بالنظر إلى تلك الظروف التي كانوا يعيشون فيها، ويرى أن تجاوزات الجنود أدت إلى فشل سياسة الوفاق التي انتهجها ماركيز مونديخار.
هل كان بريث دى ايتا متعاطفاً مع المسلم كما يذكر لوبيث استرادا وغيره من الباحثين ؟ هناك إجابتان لهذا السؤال: الأولى يمكن أن يقدمها قارئ مسلم تصدمه تعبيرات المؤلف التى يسئ فيها إلى الإسلام وإلى القرآن وإلى النبى (ص), ويرى فيها أن المؤلف بعيد كل البعد عن التعاطف. الإجابة الثانية يمكن أن يقدمها قارئ يضع فى اعتباره أن المؤلف مسيحى ويرى أن دينه هو الحقيقى ولهذا لا يريد أن يموت الفارس المسلم إلا بعد أن يتحول إلى المسيحية حتى يضمن له الفوز بالجنة، وعليه فإن هذا القارئ يرى أن المؤلف متعاطف مع المسلم وإن كان يرى - بصدق أو انصياعا لتيار سائد- أن الإسلام دين باطل.

وصف المبارزات:
جمعتنى واستاذى مائدة العشاء التى دعينا إليها وكعادته دائماً تحدث أستاذنا فى أمور شتى بعضها جد وبعضها الآخر يدخل فى أمور الفكاهة. تحدثنا عن برامج التلفزيون المصرى و بالتحديد عن برنامج المصارعة الحرة وقد أبدى أستاذنا دهشته من التعبيرات التى يطلقها المذيع عندما يصيح " خنقة جميلة " إذ كيف تكون " الخنقة" جميلة ؟ تذكرت استاذى وملاحظاته تلك عندما كنت أطالع صفحات الكتاب الذى يتناول مبارزات بين فرسان قد تنتهى بمصرع بعضهم. رغم ذلك فالتعبيرات التى يستخدمها توحى بان الأمر لا يتعدى لعبة مسلية.
إن القارئ عندما يطالع العبارات التى يتبادلها الفرسان قبل المبارزة حيث يمدح كل منهما شجاعة الآخر ونبل أصله يتخيل انه إزاء منافسة فى الأناقة أو فى لعبة رياضية لا أمام مبارزة قد تضع نهاية لحياة احد الفارسين.
لم يكن بيريث دى إيتا منفردا فى هذا الشأن، ففى كتاب وضعه مؤرخ إسبانى من القرن السادس عشر- غوميرا- عن الحروب البحرية شعرت بأننى إزاء مباراة رياضية، فالمؤلف كان يصف معارك حربية حامية الوطيس يسقط فيها كثير من القتلى لكنه كان يتوقف عند جمال الرايات وزينات السفن.

3- أمة بلا وثائق:
يعترف محمد عبد الله عنان انه عند تأريخ الفترة الأخيرة لمملكة غرناطة الإسلامية اعتمد على الوثائق القشتالية حتى فى ذكر أسماء السلاطين الذين تولوا العرش. لا نظن أن المؤرخين العرب لم يكتبوا شيئاً، بل نذهب إلى أن كتاباتهم فقدت لأننا لا نهتم بالوثائق عادة. انظر مثلاً حالة كتاب المصرى عبد الباسط بن خليل الذى تناول تلك الفترة التاريخية فى كتابه "الروض الباسم فى حوادث العمر والتراجم"، فالكتاب موجود فى مكتبة الفاتيكان فقط،. ومن يسعده الحظ بقضاء ساعات فى مكتبة إسبانيا الوطنية سيدرك على الفور مدى تقصيرنا فى المحافظة على تراثنا.

4- أهمية الترجمة:
من الغريب أن قضية غرناطة الإسلامية برمتها لا نكاد تجد لها وثائق بالعربية, فمعاهدة التسليم نفسها حررت باللغتين العربية والإسبانية. واحتفظ الإسبان بوثيقتهم ولا تزال موجودة الى اليوم أما بالنسبة للنسخة العربية فقد ضاعت كما ضاعت وثائق أخرى كثيرة. و تعين على الباحث العربى أن يترجم الوثيقة الاسبانية تعويضا عن الأصل العربى المفقود. ولما كانت الوثيقة الاسبانية تحرف بعض الأسماء العربية فقد أدى ذلك الى وجود أسماء شبه عربية استعملت بين المؤرخين العرب نتيجة محاولة التوصل إلى الأصل العربى للأسماء الواردة فى الوثيقة الإسبانية.


5- أسماء الأعلام:
لعل الملاحظة الأولى التى سيتوقف عندها القارئ هو أننا اتبعنا فى هذا الكتاب نظاماً جديداً فى كتابة الأسماء بل بالأحرى عدنا إلى النظام المعمول به فى الدراسات الأندلسية، ويتعين علينا توضيح هذا الأمر.
سعت الممالك المسيحية عند استيلائها على مدن إسلامية الى تغيير أسمائها عمداً أو بسبب صعوبات لغوية، وهكذا أصبحت مجريط "مدريد" ووادى آش "آنداراكس" وهكذا. أحيانا يكون التغيير بسيطاً يمكن أن يتنبه إليه القارئ بسهولة, وفى أحيان أخرى يلزم التوضيح، وقد اتبعنا فى كتابة أسماء المدن والقرى الاسبانية نظامين:
- كتبنا الأسماء الأصلية التى كانت تسمى بها هذه المدن إبان الفترة الأندلسية عندما يتعلق الأمر بأحداث وقعت قبل سقوط غرناطة.
- وكتبنا الاسم الجديد الذى استقرت عليه السلطات المسيحية بعد استيلائها على تلك المدن عند رواية أحداث وقعت بعد عام 1492.
أما الشخصيات الواردة فى الرواية فقد تناولناها بطريقتين:
- أسماء الشخصيات الحقيقية حاولنا التحرى عنها قدر جهدنا ونحسب أننا توصلنا إلى الكتابة الصحيحة للجزء الأغلب منها وفى كل الحالات تركنا الاسم بالاسبانية كما أورده المؤلف.
- أما الشخصيات الروائية فلم نبذل فيها جهداً مماثلاً، وقمنا بتعريب الأسماء على ضوء الأسماء التى كانت شائعة فى الفترة التاريخية التى تجرى فيها الأحداث.

سيلاحظ القارئ بونا شاسعا بين رواية الأحداث هنا، وبين رواية الأحداث عند أورتادو دى ميندوثا من حيث دقة العرض وموقف "المؤرخ". كان علينا أن نضع أمام القارئ العربى وجهة نظر أخرى حتى تتكون لديه صورة كاملة عن رؤية الإسبان لما حدث بعد سقوط غرناطة. نحن هنا إزاء "شأن داخلى" إسبانى، لا نملك وثائقه إلا فيما ندر، ولكى نعرف ما حدث ليس أمامنا سوى أن نقرأ ما كتبه مؤلفون اختلفت روايتهم للأحداث. لعل هذا يبرر صدور هذا الكتاب عن المركز القومى للترجمة
والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات
جمال عبد الرحمن
القاهرة فى الثانى والعشرين من رجب عام 1429