المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المقامة المصرية



نورالدين بوعلي أحمد
25/06/2009, 02:15 PM
المقامة المصرية
في نهار أحد أيام الربيع الجميل, حين يطغى الصفاء والهواء العليل, خطر ببالي في لحظة من الزمان, زيارة أحد البلدان, التي غناها كل شاد, وألح عليها فؤادي, فأبيت إلا أن أزورها وأرى ما يساور عنها من وصف وجمال فاق حدود الخيال بلاد عربية, أصيلة أبية, فمن ذا لا يعرف مصر التي لوصفها نفذ الحبر والصبر. وشددت الرحال إلى مملكة الجمال, فأسرجت حماري ولحب مصر خسرت جاري الذي كان له عندي دين ما قيمته درهمين, وقد أنضرني إلى حين حتى يفرجها رب العالمين, فنسيت أمره وكل ما يربطني به وتوكلت في المسير إلى بغيتي والى بلاد النيل كانت وجهتي, وفي طريقي صادفت من الأهوال والـمشاق ما لا يُطاق من لصوص وقطاع طرق ومخلوقات الله وشر ما خلق, ولكن هيهات هيهات فلا كشيش الأفاعي أخافني والعواء هزني أو عن عزيمتي ردني, فكنت أمشي طول نهاري وليلا أرتاح وحماري الذي لا شكا ولا بكا ولا قال يا مسعود هيا من حيث أتينا نعود, وبعد هذا المشي العسير وقرابة شهر من المسير لمحت من بعيد أهرمات الصعيد, شامخة في استعلاء تكاد تعانق عنان السماء فقلت إنه والله المكان المنشود وما دريت أني محض واقف على الحدود فإذا أنا دنوت من المكان ما رأيت إنسا ولا جان, لا شيء سوى أرض مقفرة كأنها مقبرة حينها خاب ظني وضلًَ الصواب عني, فلما رأيت ما رأيت تخدر جسمي وقررت العودة من حيث أتيت, أصفر الـمُحيَّا أشبه بالحية وفي طريق عودتي وحيدا في صحبتي, لا شيء يروقني, كيف والخيبة تأكلني, ثم ليدركني النحس, وما يجلبه للشخص فأضعت الزاد والماء والعتاد. ليأتي دور اللصوص الذين كان لهم حظ وافر معي. فضربا بالسياط والعصي أشبعوني حتى رأيت الموت بين عيني، وأخذوا مالي وحماري وحتى إزاري وعباءتي ولولا أني شيخ كبير لتركوني عريانا كالبعير, وأكملت راجلا إلى قومي أشكوهم همي عساهم ينجدونني ومما أنا فيه ينقذونني فلما وصلت إلى داري رآني أبو مريم جاري (صاحب الدين) فأسرع يجري لست أدري إلى أين وبعد لحظتين جاءني برجلين ضخمين أسودين ودون سلام ولا كلام حملوني وعند القاضي طرحوني وبتهمة عدم قضاء الدين حاكموني فراحوا إلى ظهري وعرَّوه وبخمسين جلدة ألهبوه ثم حملت من جديد ورميت في زنزانة بابها حديد وأكلها قديد لا حياة فيها و لا موت إلا ظلام وبيت للعنكبوت فأطرقت في التفكير في سبب هذا المصير وأنشدت أقول :

- ما غرك لهذا يا مسعود * حتى تستوي هنا والدود
- فالدين إلى نحرك مردود * وحظك في الحياة محدود