المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مكانة المرأة (الإنسان) في المجتمع العربي (1)



نعمان عبد الغني
19/07/2009, 11:40 AM
مكانة المرأة (الإنسان) في المجتمع العربي (1)
نعمان عبدالغني

المرأة في الحقيقة، ليست نصف المجتمع فحسب، بل هي أيضا والدة ومربية للمجتمع بأسره في مدرسته الأولى ـ على الأقـلّ ـ التي تطبعه إلى حد بعيد في بقية مراحل حياته. من هنا تأتي أهميّة وضرورة العناية بالمرأة، بل وإعطاؤها الأولويّة في ذلك على الرّجل؛ فالمرأة، على هذا الأساس، هيّ عماد المجتمع، فإذا ما وقعت العناية بها وإيلاؤها ما يوافق قيمتها وأهـميّتها من الاعتبار الصّحيح والعناية الفائـقة، استقام المجتمع كله وصلح حاله. أماً من أهملها وحطّ من قيمتها وإنسانيّتها وتجاهل وجودها كعضو فاعل في المجتمع، له قيمته المركزيّة، فقد هدم المجتمع أوعلى الأقـلّ، فقد أضرّ بالمجتمع ضررا بليغا.

بناء على ما تقدّم، فإنّنا لا نحسب أنّ ما مرّت به عديد المجتمعات، قديما وحديثا، من تخلّف وانحطاط وانحلال، كان قد حصل لها بمعزل عماً وقعت فيه من إهمال لوضعيّة المرأة ودورها فيها، وما تعرضت له من إساءة خطيرة مخلّة بكرامتها وإنسانيّتها. ولو دقّقنا النّظر والتحليل لوضعيّة المجتمعات المتخلّفة وفي أسباب تخلّفها لوجدنا أنّ ذلك، في جزء كبير منه، يعود إلى الطبيعة السيئة لوضعيّة المرأة فيها. فإذا كانت المرأة مهملة ومحتقرة، تعيش وضعيّة الدّنيّة والجهل والقهر وسحق للشخصيّة وعدم الاعتبار، فلا غرابة أن ينشأ الأبناء أيضا عل الجهل وضيق الأفق وضعف الشخصيّة وتذبذبها.

وإذا ما التحقوا بالمدرسة عند بلوغ سنّ التعليم، فإنّهم غالبا ما يبقوا مرشّحين للفشل في دراستهم، إذ إنّ النّجاح فيها لا يمكن أن يحصل إلاّ بتظافر الجهود بين البيت والمدرسة. وحتّى إذا ما نجحوا يبقى نجاحهم نسبياً ومنقوصا. بينما لو كانت الأمّ متوازنة الشخصية ومتعلّمة وواعيّة فإنّه، فضلا عن حرصها الأشدّ على تعليم أبنائها، وتربيّتهم تربيّة راشدة بمقدورها تلقينهم منذ الصّغر حبّ المعرفة والتّعلّم، وستكوّن فيهم أيضا سعة الأفق، وكذلك منهجيّة أرحب في رؤية الكون وفي أسلوب التّعامل معه، بأفضل ما يستطيعه المعلّم في المدرسة.

وذلك لأهمّية ما يربط الطّفل، من علاقة خصوصيّة، بأمّه، تيسّر عمليّة التبليغ والتلقين بينها وبينه. فعمليّة التعليم والتربيّة تشبه إلى حدّ بعيد عمليّة الرّضاعة؛ بل هي تواصل طبيعيّ لها إذا كانت الأمّ واعيّة ومتعلّمة.

ونخلص مماً سبق إلى أنّ المرأة هي نصف المجتمع عددياً، وهي من ناحية أخرى عماده الأساسي ومدرسته ومربّيته الأولى. لذلك فإنّ العناية بالمرأة عناية جادّة، وإنزالها في المجتمع منزلتها التّي تستحقّها كأمّ ومربّية له، وعضو فاعل فيه، مثلها في ذلك مثل الرّجل، وإيلاؤها الاعتبار الكامل، والمساواة بينها وبين الرّجل من حيث أنّهما يشتركان في قيمة الإنسانيّة، من شأنه أن يحقّق معنى العدل والنّديّة بينها وبين الرّجل. كما هو من شأنه أن يمكّن الجسم الاجتماعي من النّهوض بكلّ أعضائه وقواه وليس بنصفها فقط، لأنّ نصفها الثاًني، المتمثّل في المرأة، مشلول ومعطّل.

لقد ولّى الزّمان، في عالمنا الحديث، الذّي كانت فيه عوامل تحقيق التّنميّة والتّقدّم تكمن في استغلال سطح الأرض وما يوفّره لمستغلّيه من خيرات، وفي بطنها وما تحتويه من كنوز وثروات طبيعية، أو في وسائل وتقنياًت تمكّن من تحويل تلك الثّروات الخامّ إلى منتجات متطوّرة ومتعدّدة تلبي أدقّ المطالب والحاجيات وتشبع عديد الرّغبات. إنّ الأرض ورأس المال تراجعت قيمتهما كعوامل إنتاج، وحلّ محلّهما في الصّدارة في عمليّة تحقيق التّنميّة والتّقدّم الرأس المال البشري وما يحمله من علوم ومهارات فائقة في استغلال المعطيات.

لقد غدا الذهن البشري وقدرته الفائقة على استيعاب الأشياء والمعطيات وطاقاته الواسعة على التّصرّف فيها وتحويلها، هو المنبع الأساسي لخلق الثّروة وتحقيق التّنميّة والتّقدّم، مماً يعني أنّه قد غدا بإمكان المجتمعات المحرومة من كلّ أنواع الثّروات الطّبيعيّة والماليّة أن تتحوّل بدورها إلى مجتمعات ناهضة متطوّرة، إذا ما أحسنت استغلال ثرواتها البشريّة الكاملة من رجال ونساء وقدراتها الذّهنيّة. وذلك إذا أحسنت تكوينها وتنوير الأذهان فيها، بالعلم والمعرفة، وتأهيلها للتّعامل بمهارة فائقة مع المعطيات، ومواكبة ركب تطوّر العلوم والمعرفة في العالم.

على هذا الأساس فإنّه لا يحقّ لمجتمعات نـابهة أن تجمـّد نصف ثرواتها البشريـّة، المتمثّلة في المرأة، وتضحـّي بها فتهملها وتهمشها، ولا تعترف بها كعضو فاعل في المجتمع، له قيمته وأهمّيته ودوره المركزيّ فيه. إن ذلك يكـلّفها خسائر فادحة على مستويات عدّة، وخاصّة على مستوى تنمـيّتها الاقتصادية وازدهارها العلمي والمعرفي وتقـدّمها على جميع المستويات، ويفـوّت عليها فرصا ثمينة في هذا المجال. وهذا الـشّلل الـنّصفي لا يتوقّف ضرره على الـنّصف المشلول فحسب، وإنّما يتعـداه إلى الـنّصف الآخر، الـرّجل. فهذا الأخير إذا كانت إلى جانبه امرأة متعلّمة واعيّة ومحـرّرة الـطاًقات وفاعلة في المجتمع، يكون هو أحسن عطاء وأرفع جدوى ومردوديّة مـماً لو كانت إلى جانبه امرأة جاهلة، مجـمّدة الطاًقات محطّمة الشّخصيّة، معدومة الحضور والاعتبار في المجتمع. فالوضعيّة المتدنّية للمرأة في المجتمع لها تأثيرها السلبي على وضعيّة الرّجل، ولا تجذبها إلاّ إلى الخلف وإلى الأسفل.

إنّ مسألة تحرير المرأة، تحريرا صحيحا وليس استغلالياً ودعائياً فقط، هيّ مسألة جوهريّة وملحّة للغاية في هذا الـزّمان، وذلك لاعتبارات عـدّة، فتحريرها تحريرا حقيقياً مسؤولا، كما تقتضيه إنسانيّتها، ورفع اليد عنها والكفّ عن ظلمها واستغلالها، هـو مطلوب قبل كلّ شيء من منطلق مبدئيّ، لأنّ ذلك من حقّها الطّبيعي والشرعي وليس هو منّة ولا هو هبة من أحد. كذلك هو مطلوب لأنّه ليس هناك ما يمنعه عقلا ولا نقلا، بل على العكس فإنّ العقل والنّقل يؤكّدانه ويحثاًن عليه.

وهو مطلوب أيضا من جهة إقامة العدل الواجب إقامته بين الجنسين. إذ ليس هناك ما يميّز بين الرّجل والمرأة في حق وضرورة التّكريم، وإعطاء الاعتبار، وتنوير العقول، وضرورة الفعل في المجتمع، من أجل تحقيق التّقدّم والرّقيّ والتحضر على جميع المستويات. وهو مطلوب أيضا من جهة الضّرورة والحاجة والمصلحة الجماعيّة للمجتمع، في عصر غدت فيه القدرات والمؤهّلات الذّّهنيّة هيّ القيمة الناًدرة المبحوث عنها لدورها المركزي في عمليّة إيجاد الوفرة وتحقيق التّقدّم والنّهوض عموما.

فمن هذا الجانب لا يليق بمجتمع عاقل راشد أن يتصرّف تصرّف السّفيه، فيهمل ويهمّش أو يجمّد نصف طاقاته البشريّة، وما يحمله من قدرات ذهنيّة وإبداعيّة هو في أمسّ الحاجة إليها. والأمر مطلوب أيضاً من جهة ضرورة تمكين المرأة، ما لمثل الرّجل، من تحقيق إنسانيّتها وترقّيها في سلّم قيّمها، والنّهوض للقيام بدورها في المجتمع وفي الحياة. ولا يتسنّى لها ذلك إلاّ بفسح المجال أمامها، مثل الرّجل للنّهوض بذاتها وتفتيق طاقاتها وتنميّة مواهبها وقدراتها. وهو مطلوب في الأخير من جهة أنّ المرأة، مثلها مثل الرّجل، مكلّفة في هذه الحياة، ومسؤولة، أصالة عن نفسها وليس الرجل هو المسؤول عنها، على وجودها في هذا الكون ومحاسبة عن كسبها فيه، تماما مثل الرّجل. فمن الجور تماما، أن يمكّن الرّجل من فرص التهيؤ والكسب بحرّية، بينما هيّ تحرم، قصرا بسبب الظّلم المسلّط عليها، من فرصة تأهيل نفسها لهذا الكسب الذّي ستسأل عنه بمفردها لا محالة يوم السؤال.