المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مكانة المرأة (الإنسان) في المجتمع العربي (2



نعمان عبد الغني
19/07/2009, 11:42 AM
مكانة المرأة (الإنسان) في المجتمع العربي (2
نعمان عبدالغني

إذا كان تحرير المرأة تحريراً صحيحاً، أو قل تمكينها من وضعها الطّبيعي الذي خلقت لتكون عليه في المجتمع بشكل تلقائيّ، بهذه الأهميّة والإلحاحيّة، فما هيّ إذن أسباب إهمالها واضطهادها وتهميشها تهميشا كاملا؟! بل وحتّى، في بعض المجتمعات وفي بعض الأحقاب التّاريخيّة، اعتبارها جهلا وظلما، مخلوقا آخر من غير جنس الإنسان، وهي مخلوقة حسب تصوّرهم السّقيم لخدمته، بل ليفعل بها الرجل ما يشاء. يعود ذلك حسب تصوّرنا إلى عاملين أساسيين هما منطلق بقيّة العوامل الأخرى:

أوّلا: غريزة حبّ التّـغـلّـب والتّـفـوّق

رغم أن الإنسان مميّز عن بقيّة المخلوقات، بملكة العقل والقدرة على التمييز بين الخير والشر والاختيار بينهما، وكذلك بالقدرة على التفكير والإبداع، إلاّ أنّه يبقى محكوما في بعض أعماله ومواقفه وقناعاته ببعض الغرائز الفطريّة فيه، المتصارعة داخله مع قيمة العقل لديه، التي تتمّم له إنسانيّته، متى تغلّبت عليها هوت به إلى الأسفل، إلى المستوى الحيواني؛ ذلك لأنّ الحيوان لا يحكمه إلاّ الحسّ والغريزة. ودور الغرائز لدى الإنسان يبرز ويتضخّم كلّما تقلّص لديه، بسبب الجهل وظلماته والجمود وضيق الأفق، دور العقل. ومن بين غرائز الإنسان التّي تقرّبه من الحيوان غريزة حبّ التّغلّب والهيمنة على الآخر. فهذه الغريزة هيّ التّي تنظّم طبيعة العلاقات وسلّم السّيادة في المجتمع الحيواني. لذلك فنحن نلاحظ أنّه كلّما كان الحيوان أ قوى وأشدّ فى التّغلّب والافتراس كانت هيبته وخشيته بين بقيّة الحيوانات أكبر. ولمّا كانت المجتمعات البشريّة الضّاربة في جذور التّخلّف والانحطاط والتقليد هيّ مجتمعات غريزيّة إلى حدّ كبير، فهي إذن مجتمعات تشبه المجتمعات الحيوانيّة في بعض طبائعها وتصرّفاتها، محكومة ببعض الغرائز ومن بينها هذه الغريزة. فهي إذن مجتمعات يسيطر فيها القويّ، بكلّ معاني القوّة، على الضّعيف، بكلّ معاني الضّعف.

وكلّما وقع الإنسان ضحيّة لغريزة التّغلّب لدى أخيه الإنسان، كلّما تضخّمت لديه هو بدوره دوافع هذه الغريزة، وبحث هو من جهته عمّن يسلّطها عليه ويحقّق بها عليه غلبته. والإنسان الجاهل والمتخلّف هو مغلوب من طرف أخيه الإنسان ومن طرف الفقر والفاقة ومن طرف قوّة الطّبيعة، وهو غالبا بسبب جهله وتخلّفه وتوحّشه لا يجد عمّن يسلّط غريزة حبّ التغلّب والتّفوّق إلاّ على المرأة من حوله وفي محيطه، بعد أن عجز على إنفاذها على غيره خارج بيته ومحيطه. وهكذا، وربّما بسبب تفوّقه البدني الفيزيولوجي وشدّة توحّشه وقـساوة قلبه، وربّما لأسباب عدّة ومتداخلة أخرى، لم يجد الرّجل، عبر مختلف العصور، أفضل من المرأة كزوجة وكأخت وبنت وأمّ وقريبة، يتّخذها كضحيّة يسلّط عليها دوافع غـريزة حبّ التّغلّب والتّفوّق الكامنة فيه، فيحكم قبضته عليها ويسلّط عليها ظلمه وتوحّشه بحجّة العديد من الأعذار والتعليلات التي لا ينهض لها دليل معقول ولا منقول. نحسب أنّ هذا العامل هو أحد أهمّ أ سباب حبّ هيمنة الرّجل على المرأة والإبقاء عليها في وضعيّة الطّرف الضّعيف والمهمّش والتّابع.

ثـانيـّا ـ الجهل عـدو الـمرأة الأوّل:

إن كان الجهل هو عدو الإنسان عموما، فهو للمرأة أشدّ عداءً. أمّا عداوته للإنسان عموما فحاصل من جهة كونه يحرمه من استغلال قدراته الذّهنيّة، ويحول بينه وبين التّسلّق في سلّم قيم إنسانيّته، ويتركه مجاورا للحيوان محتكما في معظم الأحيان إلى حسّه وغرائزه. فالجهل ليس شيئا آخر سوى آلة لتعطيل العقل للقيام بمهمّته. والإنسان، كما سبق أن ذكرنا، ليس إنسانا حقيقة، مميّزا عن الحيوان وبقيّة المخلوقات إلاّ بعقله. فمتى تعطّل هذا الأخير، لم يبق للإنسان شيء كثير يميّزه عن الحيوان. فالعقل هو آلة الفهم والتّأمّل والتّمييز والإبداع وصناعة الفكرة والعلم ووعائه. وهو لهذا السّبب ميزة الإنسان ووسيلة ترقّيه في سلّم قيّم إنسانيّته. والجهل، كما ذكرنا، هو أشدّ ضررا وعداء للمرأة. ذلك لأنّه يضرّ بها مثلما يضرّ بالرّجل. زيادة على ذلك فإنهّ يضرّ بها نتيجة الضّرر المسلّط عليها من قبل الرّجل بسببه. فأنت ترى الرّجل نتيجة جهله وتوحّشه، تحمل به المرأة وتضعه ويترعرع في أحضانها وبين ذراعيها، حتّى إذا كبر وصلب عوده قام فقال إنّ المرأة مخلوق آخر غير البشر ودونه في القيمة والكرامة، والرّجل يولد له الذّكر فيقيم الأفراح والولائم وتولد له الأنثى فيحزن ويتبرّم وجهه وفي بعض العصور والأماكن ذهب إلى حدّ وأدها، متناسيا أن المرأة هي التي قامت على مختلف مراحل خلقه وولادته ونمـوّه حتّى استقام عوده. وقد غاب عنه، بسبب جهله وتحجّره، أنّ كلّ الأجناس في الكون من حوله لا تلدها إلا أجناسها ولا تلد إلاّ من أجناسها. وإذا كان الجهل قد بلغ بالرّجل هذا المبلغ من الظلم للمرأة فلا فائدة إذن في الحديث عن بقيّة مظالمه الأخرى لها.