المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة النص الديني وفق الكتاب المسطور والمنشور/ عدنان أبوشعر



عدنان أبوشعر
26/07/2009, 06:01 AM
إلى متى سينفق المسلمون - أعني غير أهل الاختصاص- جلّ أوقاتهم وهم يبحرون في كتب الحديث والسيرة للوصول إلى شاطئ الحقيقة، بحثاً عن صحة أو ضعف نص ديني يتناقض مع حقيقة علمية؟ أولا يوجد في منهج التفكير الإسلامي آلية تخوِّل المثقف المسلم العادي – وهو السواد الأعظم من الأمة والمعوّل عليه في بنائها- البت الفوري بمثل هذه المسائل؟
لاشك أن الجهد الاستثنائي الذي بذله علماء الحديث والمؤرخون والمفسرون الأوائل في القرن الثالث الهجري [1] كان واجباً مقدساً يرقى لمنزلة (فرض العين) بالنسبة لهم، ناهيك عن كونه خطوة لابدّ منها لتأسيس العلوم الإسلامية ومنهجتها (التأسيس الميثودولوجي) آنذاك، ولذلك عكفوا على غربلة مئات الألآف من الأحاديث المرويّة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لفرز صحاحها عن سقيمها المتغلغل فيها، وسيظل التخصص في هذه العلوم مطلباً علمياً لا مندوحة عنه ما كتبت الحياة لهذه الأمة حفظاً لتراثها، وحراسة لعلومها الشريفة.
فليست دراستي ميثودولوجية إذن بمقدار ما هي إبيستمولوجية تبحث في آليات استثمار العقل الإسلامي لما تمخّض عنه الانفجار المعرفي من اكتشافات لقوانين الله المبثوثة في الأرض وما عليها وما حولها في الكون المنظور حين قراءة المقاطع ذات الصلة في النص الديني، لا أكثر ولا أقل.

نقطة انطلاقنا هي القاعدة القرآنية: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} 53/ فُصلت. فكما أن لله كتابه المسطور (القرآن الكريم) الذي دللّ بإعجازه على صدق النص الإلهي، فإن لله كتابه المنشور ( آيات الآفاق والأنفس) - حسب تعبير الأستاذ جودت سعيد- الذي يدلل على صدق النص الإلهي (القرآن الكريم) وصحة النص المفسِر له (الحديث الشريف)، فتعارض النص المفسِر مع كتاب الله المنشور لا يجوز بحال، ولو وقع تحت أيدينا هكذا تعارض فإنه دليل على أن الحديث مجرد تقوُّل على الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا أساس لصحته، و يوجب هلاك صاحبه [2].
ولقائل أن يقول إنك لم تأت بجديد، فابن الصلاح [3] قد أشار إلى ذلك بشكل غير مباشر في تعريفه للحديث الصحيح، فاستوجب شرط خلوِّه من العلّة القادحة [4]. والعلة يعرِّفها أهل الحديث بقولهم: "أمر خفيٌّ يؤثر في صحة الحديث مع أن الظاهر السلامة منه، ولا يطلع عليه إلا أهل المعرفة والنقد من جهابذة الحفاظ المتقنين [5]". فأجيب أن مدار بحثي لا يتعلق (بجهابذة الحفاظ المتقنين) ولا بمنهجهم في التصحيح والتضعيف، وليس بحثنا بحاجة إلى كثير من إعمال العقل في النص، وحين يقع تحت يدي حديث كحديث الأرض التي تطفو على ظهر حوت أو تتأرجح على قرني ثور فإن مرجعيتي في تحقيق الحديث هي (كتاب الله المنشور) الذي يحسم أمر رتبة الحديث المكذوب. ويبقى أمر التحقق (الأكاديمي) من سند الحديث ورواته موضوع رسالة أو حلقة بحث.
لقد أصبح العقل الإسلامي، وبفضل ما توصلت إليه العلوم والمعارف البشرية- باستثناء العلوم الظنية والنظريات التي لم ترْقَ إلى درجة اليقين- يملك القدرة على حسم كثير من اللغط الذي دار سابقاً حول العديد من القضايا والمسائل المتعلقة بالإنسان والطبيعة والكون والمبثوثة في جسد النصوص الدينية، وأصبح بمقدوره الحكم بضعف كثير من الأحاديث ذات الصلة بقوانين (الكتاب المنشور) والمنسوبة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ورفض آراء العديد من مفسري النصوص الدينية – والتي تتعلق بالعلوم البيولوجية والجيولوجية وعلم التاريخ والعلوم الكونية- لكونها لا تتطابق مع كتاب الله المنشور، ولا تعبر إلا عن مفاهيم مغلوطة استوردت من بلاد الهند والسند، أو نقلت من أسفار بني إسرائيل المنحولة.
إن باستطاعة الباحث الإسلامي اليوم (فحص) النص الديني بأدوات غير مسبوقة لا علاقة لها بعلم الجرح والتعديل أو خوارزميات ابن الصلاح في مراتب الخبر والأثر. وقد بشر القرآن الكريم قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام بإراءة الله للإنسان هذا الكتاب الإلهي المنشور في الآفاق والأنفس، ويحقق الإنسان إرادة الله بتدوين العلوم (الكتاب المنشور) بفضل { ن* والقلم وما يسطرون}، وبذا يُعرَف اللهُ بآياته فيشعُّ نورُ (فبي عرفوني) [6].

إن المثقف المسلم- برفضه لبعض النصوص المتنازع على مصداقيتها- لا يسعى للحطِّ من قيمة العلماء الأوائل أو الغمز من قناتهم ( فذلك دونه خرط القتاد)، لكنه يدافع عن وجوده ضمن بيئة ثقافية شرسة تهدف إلى استئصال كينونته، ويذبّ عن عقيدته التي ما فتئ المشككون بها والجاحدون بعلويتها يصمونها بالرجعية تارة، والجهل وتنكب جادة العلم والمعرفة تارة أخرى. فالعقل المسلم يعيش مشكلة ذات بعدين؛ بُعد الغربة السيكولوجية في عيشه عالة (حالياً) على مائدة حضارة مادية يكدِّس فيها الأشياء، لأنه لا يقوى على إنتاجها - حسب تعبير مالك بن نبي - من ناحية، و بُعد الغربة العقدية في عيشه بدون أدنى ولاء لثقافة أنتجت له تلك (الأشياء) لكنها لا تقيم وزناً إلا لما تثبته الحواس والمخابر من ناحية أخرى.

مع كل الحب
عدنان أبوشعر:mh78:


الهوامش:
[1] – يحيى بن معين (158- 233 هـ)، علي بن المديني (ت 234 هـ)، محمد بن إسماعيل البخاري ( 194-256 هـ)، عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي ( ت:235 هـ)، مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (206- 261هـ)، أحمد بن حنبل (164- 241 هـ)، وغيرهم كثير.

[2] – لقوله صلى الله عليه وسلم : " إن كذبا علي ليس ككذب على أحد من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخاري (1229) ، ورواه مسلم في مقدمة صحيحه دون قوله : " إن كذبا علي ليس ككذب على أحد.

[3]- هو تقي الدين عثمان ابن الصلاح هو أحد علماء الحديث، وهو شافعي المذهب، ولد في بلدة شركان سنة (577 هجري - 1181 م -643 للهجرة - 1245 م)، ولما بنى الملك أشرف بن الملك العادل دار الأشرفية للحديث تولى ابن الصلاح أمورها والتدريس بها، وعهد اليه إلى جانب ذلك التدريس في أحد أشهر مدارس دمشق أيامها وهي مدرسة ست الشام وهي المدرسة التي أنشأتها ( خاتون بنت أيوب ) زوجة ناصر الدين بن أسد شيركوه التي عنيت بالعلوم والعلم وكانت من سيدات دمشق الفاضلات، وقد اشتهر ابن الصلاح بين فقهاء وعلماء دمشق وعرف عنه عمق معرفته له العديد من المؤلفات من أشهرها كتابه علوم الحديث .

[4]- أما الحديث الصحيح‏:‏ فهو الحديث المسند، الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذاً، ولا معللاً‏.‏

[5]- مصطفى الخن، وبديع السيد اللحام، الإيضاح في علوم الحديث والاصطلاح، ص57، ط1، دار الكلم الطيب، 1999.

[6]- إيرادي لهذه العبارة لم يكن استشهاداً بجزء من حديث موضوع ومشهور ذكره العجلوني في كشف الخفاء برقم 2016 بلفظ " كنت كنزاً لا أعرف، فأحببت أن أعرف فخلقت خلقاً فعرفتهم بي فعرفوني " وفي لفظ فتعرفت إليهم فبي عرفوني. وجرى على الألسنة هكذا: كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن اعرف فخلقت خلقاً فبي عرفوني. وهو واقع كثيراً في كلام الصوفية. وهذا حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم قال العجلوني : قال ابن تيمية : ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف له سند صحيح ولا ضعيف، وتبعه الزركشي، والحافظ ابن حجر في اللآليء والسيوطي وغيرهم، بل لمجرد تطابقه لمعنى أرمي إليه.

Hussam Zaghloul
26/07/2009, 09:20 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
أستاذنا الكبير الباحث عدنان أبو شعر المحترم:
إعمال العقل والعقل فقط هو الذي يوصلنا إلى نتائج صحيحة. ولو أعمل كل باحث عقله وغيب عاطفته، لما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه. ديننا الإسلامي السمح هو دين عقل ووعي ويقين وليس دين تأويلات وأهواء!
القرآن الكريم هو مصدر التشريعات، لذلك يجب على كل باحث أن يعتمد عليه فقط للوصول إلى الحقيقة وصحة ما يبحث فيه.
من يقرأ ما بين كلماتك وسطورك، يفهم بسهولة ما ترمي إليه. بوركت وبورك قلمك ونفعنا الله بعلمك.
:fl: :mh78:

سعيد نويضي
26/07/2009, 04:03 PM
بسم الله الرحمن الرحيم...

سلام الله على الأخ الأستاذ الجليل عدنان أبو شعر...

بداية كنت أحاول أن أضيف لما سبق القول في المقال السابق ما يعزز وجهة نظركم التي أراها سديدة من حيث الطرح القويم لعلاقة العقل بالنقل مع الاعتماد على منهج أكثر علمية , أكثر موضوعية بعيدا عن الذاتية...فالعالم اليوم يقوم و يقعد على نهج التفكير العلمي،الذي من المفروض أن لا يتناقض مع التفكير الديني القائم و المستنير من القرآن الكريم و من السنة و الأحاديث الصحيحة...

و لذلك بدأت كلامي بهذا الطرح الذي وجدته يتناسب مع المقال الجديد الذي أنزلته أستاذي الفاضل تتمة لما سبق...

سلام الله على الأحبة الكرام...

عدم إتباع الهوى بالمصطلح الديني أي التجرد من الذاتية بالمصطلحات الحديثة...و بالتالي إتباع الهدى بالمصطلح الديني أو الموضوعية باللغة الحديثة...و إشكالية الموضوعية في بحثها عن الحقيقة الموضوعية العلمية تقوم على عدة مبادئ منها الملاحظة و التجربة و القياس و المقارنة حتى في إطار العلوم الإنسانية التي استعارت هذه الأدوات من رفيقة دربها العلوم المحقة أو العلوم الفيزيائية و الكيميائية و البيولوجية و التي تهتم بالجانب المادي في الطبيعة مجال بحثها.

لكن في حالة البحث في قضية العقل و النقل ،الموضوعية تأخذ بعدا أشد صعوبة على أساس أن مفهوم العقل يستمد مفاهيم متعددة انطلاقا من المرجعية التي يستند إليها...فالعقل في جوهره واحد...لكن في مفاهيمه متعددة بتعدد المرجعيات التي يستند إليها...فالعقل في التصور القرآني و بالتالي العقلانية المنبثقة منه، و التي من خلالها يحلل و يقيم و ينظر و يفكر كل صاحب هم و قلق على هذه الأمة في حاضرها و مستقبلها، يعتمد مجموعة من الأدوات قد تتفق مع المفاهيم الأخرى و قد تختلف بنسب متفاوتة...

كما أن العقل في التصور العلمي القائم على المنهج المادي المحض لا يعترف بالعقل أساسا إلا كنتاج لتفاعلات كيميائية تنتج أفكارا كما تنتج الكبد الصفراء...و بالتالي كل تفكير هو نتاج القشرة الرمادية التي تتجمع تحتها كل التفاعلات التي تنتج الأفكار و التصورات...هذا التقابل بين التصور القرآني و التصور العلمي يطرح سؤالا في اعتقادي بالغ الأهمية كمنطلق يحدد إشكالية كبرى...هل العقل و بالتالي العقلانية القرآنية الإسلامية هي عقلانية علمية؟ أم أنها عقلانية غيبية،لافتقارها لعنصر التجربة و المشاهدة الحاضرة بقوة في التصور العقلاني العلمي...؟

بكل تأكيد و بصفة مطلقة أقول نعم أن العقلانية القرآنية هي عقلانية علمية إلى ابعد الحدود...لأن منزل الكتاب القرآن الكريم هو العليم الحكيم سبحانه جل في علاه... الذي علم الإنسان ما لم يعلم...فالتصور العلمي الذي ما فتئ يضرب بالغيبيات عرض الحائط هو الآخر قائم على تصورات غيبية استمدها من فرضيات لم تخضع لتجربة و لن تخضع لأي تجربة....

لكن كيف سيستوعب الإنسان العادي على اساس أن "العادي" تأخذ بعين الاعتبار نسبة الأمية الأبجدية بالإضافة إلى أمية العلم و المعرفة أو ما يسمى بالجهل بصفة عامة،و لا أدعي علما و لا أزكي نفسي و لا أزكي أحدا...لذلك استوقفني السؤال الذي يواجهه أي باحث عن الحقيقة مند قراءة المقال الثاني...

"إلى متى سينفق المسلمون - أعني غير أهل الاختصاص- جلّ أوقاتهم وهم يبحرون في كتب الحديث والسيرة للوصول إلى شاطئ الحقيقة، بحثاً عن صحة أو ضعف نص ديني يتناقض مع حقيقة علمية؟ أولا يوجد في منهج التفكير الإسلامي آلية تخوِّل المثقف المسلم العادي – وهو السواد الأعظم من الأمة والمعوّل عليه في بنائها- البت الفوري بمثل هذه المسائل؟

أعتقد إذا كان المثقف يقف حائرا بين الإيمان بأن الحقيقة العلمية التي أودها الله عز و جل في الكون و الإنسان و الحياة هي حقائق موضوعية، لا تتغير و لا تتبدل ،لأن سنة الله لا تتبدل في خلقه،و لا تتحول ،بنص الآيتان الكريمتان:

{سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً }الأحزاب62.

{سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً }الفتح23.

فالحقيقة العلمية موجودة في الكتاب المنشور الذي جعله الله جل و علا كتابا يتدبره العقل و يصيغه الفكر و يستقر الإيمان بحقائقه في القلب...إلى جانب الكتاب المقروء ،كتاب الله جل و علا و كلامه الذي لا يصله الباطل لا من بين يديه و لا من خلفه...هذا الكلام هو كلام عن الحقيقة العلمية الموجودة في الواقع...أما الحقيقة العلمية الموجودة في عقول البشر و التي تم اكتشافها و استنباطها و استقراؤها من هذا الواقع فهي تمثل جزء من الحقيقة العلمية الحقة و التي لا تتناقض لا من حيث الاصل و لا من حيث المصدر...فالله الخالق لكل شيء...للحقيقة العلمية و للحقيقة الدينية...و التغيير الذي هو حاصل بين البشر هو نتيجة سنة من سنن الله عز وجل في قضية الاختلاف...فالحقيقة العلمية الموجودة في الواقع و الكون و الإنسان و الحياة قد يصل إليها المؤمن والكافر لأنها تشكل قوانين موضوعية بل هي آيات الله عز و جل تنتظم به حركة الحياة و الكون و النهار و الليل و ما إلى ذلك من الظواهر الالمسماة طبيعية...أما الحقيقة الدينية فهي محفوظة في كتاب الله جل و علا القرآن الكريم و في سنته الصحيحة...و من تم فلا تناقض بين الكتاب المقروء و الكتاب المنشور...

و التناقض الموجود بين هاتين الحقيقتين فهو موجود في عقولنا في خلفياتنا المعرفية في ركامنا الثقافي الذي يستطع أن يعمل ذاك الجرد و يعمل الغربال ليصفي به الغث من السمين الحق من الباطل...فالبرغم من جهود العلماء الأجلاء الذي ما فتئوا يصححون و يبحثون عن الصحيح من الحسن من الضعيقف من الموضوع لا زلت تجد من يقوم بطبع الآلاف من الكتب التي تحمل نفس الأحاديث بنفس الأخطاء...

فالعلم الحق عندما يتم تصحيح نظرية لا يعيد إنتاج نفس النظرية المغلوطة، و حتى إذا ما أعاد إنتاجها فإنه يلحقها بالنقد الذي يفند ما فيها و يبين الخطأ فيها...لا أن ينتجها على اسا أنها تمثل الحقيقة أو جزء من الحقيقة...فإذا اتفق الكل من ذوي الاختصاص على عدم صحتها ففي لا نظري لا يجب إعادة لا طبعها و لا ترويجها حتى لا يتيه كل باحث جديد على فرز ما قام به الأولون...فنكون في حلقة مفرغة...و يظل الأجتهاد محصور في دائرة تنقية الجيد من الرديء عوض الانطلاق من الجيد ليستثمر الوقت في ما هو جيد...

فمن آليات التفكير الإسلامي أن يصحح آلياته التي تشكل قوام الأسس الذي يستند إليها في تعامله مع الحقائق العلمية التابثة تبوت الحقيقة الدينية...و من جملة تلك الآليات تحديد مجموعة المفاهيم التي يستند إليها العقل في شموليته و العقل الإسلامي في خصوصية...لأن العقل في الإسلام ليس هو العقل خارج دائرة الإسلام...لأن العقل المؤمن ياخذ في الاعتبار أن العقل أداة من أدوات الفهم و التحليل و التركيب...و العقل خارج دائرة الإيمان فه الإله ،إن اقرها العقل فهي الحقيقة و إن رفضها العقل فهي غير حقيقة...و هنا مكمن الخطأ و المغالطة التي تقوم بها النفس ممارسة عدوانيتها على ذاتها...

فإذا كان الإنسان في نظر المؤمن هو خلق من مخلوقات الله جل و علا ألا يكون العقل الكامن فيه هو كذلك خلق من مخلوقات الله عز و جل؟

فإذا ما فصلت شيئا عن اصله،فبطبيعة الحال ذاك الشيء سيتمرد...و هذا ما حصل للفكر؟ لما تم فصله عن فطرته السليمة تمرد على الذات و ما حولها...فوجد عند البعض سبيلا ليجعل منه إلاه...و العقل إن لم يحكمه "المنطق" فهو خاضع للهوى...و قول الله جل و علا واضح وضوح الشمس في عنان السماء و التي لا تحتاج لا إلى تجربة علمية لتؤكد لنا صحة الفرضية...

{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ }الجاثية23
أفرأيت -أيها الرسول- من اتخذ هواه إلهًا له, فلا يهوى شيئًا إلا فَعَله, وأضلَّه الله بعد بلوغ العلم إليه وقيام الحجة عليه, فلا يسمع مواعظ الله, ولا يعتبر بها, وطبع على قلبه, فلا يعقل به شيئًا, وجعل على بصره غطاء, فلا يبصر به حجج الله؟ فمن يوفقه لإصابة الحق والرشد بعد إضلال الله إياه؟ أفلا تذكرون -أيها الناس- فتعلموا أنَّ مَن فَعَل الله به ذلك فلن يهتدي أبدًا, ولن يجد لنفسه وليًا مرشدًا؟ والآية أصل في التحذير من أن يكون الهوى هو الباعث للمؤمنين على أعمالهم.[التفسير الميسر]...

فالهدى يختلف عن الهوى في الاساس الذي تقوم عليه المرجعية الفكرية التي تشكل العقلية الإسلامية...

فأساس الهدى هو القرآن و سنة نبية الصحيحة و أساس الهوى هو شهوات النفس و رغبات الذات المشروعة منها و غير المشروعة...لكن الفيصل بينهما في الدنيا هو العقل...لذلك خاطب الله عز و جل الإنسان من حيث كونه إنسان عاقل...و ليس إنسان مجنون أو لا يمتلك قدرات الاختيار...فترك لهم حرية الاختيار...اختيار المنهج و المرجعية وووو...و ذكرهم بالآخرة أنه الله عز و جل هو الذي سيفصل بين العباد فيما هم مختلفون فيه في حياتهم الدنيا...و الفصل سيكون بالحق و ليس شيء غير الحق...

و تكملة لما حثنا عليه أستاذنا الكريم على المضي في هذا الاتجاه و تكملة للآية الكريمة كقاعدة قرآنية تجمع بين التبدر في النفس و الآفاق:{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} 53/ فُصلت...

و القرآن الكريم يكمله بعضها بعضا و يشرح بعضه بعضا حتى نبتعد عن الذاتية...يقول الحق جل و علا: {قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ }يونس35.

و للحديث بقية إن شاء الله...فاللهم اغفر لنا إن أخطأنا أو نسينا...

ابوعمر الاثري
26/07/2009, 05:47 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين اما بعد :
الاستاذ عدنان ابو شعر
لقد ذكرت ضمن مقالك النص التالي :
فكما أن لله كتابه المسطور (القرآن الكريم) الذي دللّ بإعجازه على صدق النص الإلهي، فإن لله كتابه المنشور ( آيات الآفاق والأنفس) - حسب تعبير الأستاذ جودت سعيد- الذي يدلل على صدق النص الإلهي (القرآن الكريم) وصحة النص المفسِر له (الحديث الشريف)، فتعارض النص المفسِر مع كتاب الله المنشور لا يجوز بحال، ولو وقع تحت أيدينا هكذا تعارض فإنه دليل على أن الحديث مجرد تقوُّل على الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا أساس لصحته، و يوجب هلاك صاحبه [2].
واقول : ليس من الواجب ان يكون التعارض بين اية وحديث سبب في ترك هذا الحديث ( انا ان وجدت تعارضا بين نصين ارده الى نقص فهمي وتقصيري في طلب العلم واحاول ان اجد الاجابة بسؤال اهل العلم.... والتحقق من اجاباتهم.... واعمال عقلي بها ) فان التعارض يحتمل ان يكون في الظاهرفقط , و اهل العلم لهم اقوال في هكذا تعارض – لا يعرفه السواد الاعظم من الناس المخاطبين بمقالك هذا – فربما يكون ظاهر الامر التعارض , ويمكن التوفيق بينهما في عدة حالات منها
اولا : ان يحمل العام على الخاص مثل اية قطع يد السارق ( والسارق والسارقة فاقطعوا اديهما ) وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا قطع الا في ربع دينار فصاعدا ) فالاية تقول بالقطع في اي قيمة اما الحديث فيخالف في ظاهرة الاية فكيف نخرج من هذا التعارض؟ نخصص العام -الذي هو الآية- بالخاص – الذي هو الحديث -
ثانيا :يمكن ان يكون التعارض تعارض تفسير مثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه )
والاية (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)
ففي ظاهر هذا النص التعارض ولكن كل من له اصبع مغموس في اصغر بحر من بحور العلم يعلم انه لا تعارض بينهما وتفصيل ذلك يطول شرحه جدا فالعماء على عدة اقوال منها ما يدخل في صلب العقيدة كقول الامام ابن تيمية -رحمه الله- حين قال : "والأجل أجلان: مطلق يعلمه الله وحده، وأجل مقيد، وبهذا يتبين معنى قوله: من سرّه أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه"، فإن الله أمر المَلك أن يكتب له أجلاً، وقال: إن وصل رحمه زدته كذا وكذا، والملك لا يعلم أيزداد أم لا، لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر، فإذا جاء الأجل لا يتقدم ولا يتأخر.
وقال في موطن آخر عندما سُئل عن الرزق: هل يزيد أو ينقص، فأجاب: "الرزق نوعان: أحدهما: ما علمه الله أن يرزقه، فهذا لا يتغير، والثاني: ما كتبه، وأعلم به الملائكة فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب ….
والقول الثاني يقول بزيادة العمر بالبركة وهذا القول الاشهر عند الناس
ولعلي تشعبت كثيرا لان هذا الحديث بحاجة الى مبحث خاص وكامل له مقامه ان شاء الله
ثالثا : يمكن ان يكون التعارض تعارضا لغويا – بسبب جهل المتلقي - ينتفي برده الى اهل اللغة مثل قوله تعالى ( وان منكم الا واردها ) الذي يعارضه بالظاهر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (سبعون ألفاً من أمتي يدخلون الجنة بلا حساب ولا عقاب،) والتعارض ينتفي بتفسير صغير وهو ان الورود هو المرور على الصراط وكل الناس يمرون عليه كل أهل الجنة يمرون عليه، لأنه الطريق إلى دخول الجنة ، والصراط منصوب على متن جهنم فيمر أولهم عليه كالبرق وكلمح البصر ثم كالريح ثم كالطير ثم كأجاود الخيل والركاب تجري بهم أعمالهم ، هذا مرور لكن ليس فيه عذاب وإنما هو مرور بغير عذاب ، إلا من أراد الله جل وعلا تعذيبه من العصاة الذين قد تأخذهم الكلاليب ويسقطون في النار لمعاصيهم وكبائرهم التي لم يتوبوا إلى الله منها
رابعا : يمكن ان يكون التعارض تعارض فهم بالتطبيق , مثل كثير من الايات التي تحث الناس على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تتعارض مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة
فانت عندما ترى مسلما ابتلاه الله بالخمر عليك ان تنهاه وتنصحه لكن لا تشهر به واستر عليه وهكذا يمكن الجمع بين الاية والحديث
والامثلة على ذلك اكثر من ان تحصى ....
هذا اذا تعارض اية مع حديث فما قولك ان تعارضت اية مع اية أخرى مثل قوله تعالى: ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) وقوله تعالى ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ...) هل نرد احداهما .......وهذا مستحيل .... – مع العلم ان الاية الثانية تتعارض مع حديث قائل المئة نفس -
فالآية الأولى فيها بيانه سبحانه لعباده أن ما دون الشرك تحت مشيئته قد يغفره فضلا منه سبحانه ، وقد يعاقب من مات على معصية بقدر معصيته لانتهاكه حرمات الله ولتعاطيه ما يوجب غضب الله ، أما المشرك فإنه لا يغفر له بل له النار مخلدا فيها أبد الآباد إذا مات على ذلك - نعوذ بالله من ذلك -.
وأما الآية الثانية :
ففيها الوعيد لمن قتل نفسا بغير حق وأنه يعذب وأن الله يغضب عليه بذلك ؛ ولهذا قال تعالى : {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.
معنى ذلك : أن هذا هو جزاؤه إن جازاه سبحانه وهو مستحق لذلك ، وإن عفا سبحانه فهو أهل العفو وأهل المغفرة جل وعلا ، وقد يعذب بما ذكر الله مدة من الزمن في النار ثم يخرجه الله من النار ، وهذا الخلود خلود مؤقت ، ليس كخلود الكفار ، فإن الخلود خلودان :
خلود دائم أبدا لا ينتهي ، وهذا هو خلود الكفار في النار ، كما قال الله سبحانه في شأنهم : {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}.هكذا في سورة البقرة .
وقال في سورة المائدة :
{يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ}.
أما العصاة : كقاتل النفس بغير حق والزاني والعاق لوالديه وآكل الربا وشارب المسكر إذا ماتوا على هذه المعاصي وهم مسلمون وهكذا أشباههم ، هم تحت مشيئة الله كما قال سبحانه :
{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} فإن شاء جل وعلا عفا عنهم لأعمالهم الصالحة التي ماتوا عليها وهي توحيدهم وإخلاصهم لله وكونهم مسلمين ، أو بشفاعة الشفعاء فيهم مع توحيدهم وإخلاصهم . وقد يعاقبهم سبحانه ولا يحصل لهم عفو فيعاقبون بإدخالهم النار وتعذيبهم فيها على قدر معاصيهم ثم يخرجون منها.
فالواجب يا سيدي هو تاهيل الناس ليستطيعوا فهم هذه المضامين وذلك لا يتم الا بـــ ( اعادة تاهيل المنابر ) لان اغلب المنابر لا تتكلم الا عن الطهارة والحيض والفتوحات وسير الصحابة التى حفظها العامة عن ظهر قلب وباتوا يستمعون لها كأنهم يستمعون الى ( حكواتي القهوة ) - مع انني لا اقلل من اهميتها فليس في الدين صغير - ونادرا ما تجد خطيبا يتكلم في اصول الفقه او العقيدة او علم الحديث بحجة ان العامة لن يفهموا كلامه ..... فان لم يقم هو بتعليم العامة فمن يفعل ذلك اذا ......
هذا بالنسبة للقسم الاول من المقالة واسف على الاطالة لكن كلامي له بقية ان شاء الله تعالى

عدنان أبوشعر
26/07/2009, 07:57 PM
أخي الأستاذ أبو عمر الأثري (و يؤسفني أن أخاطبك بغير اسمك وأنا على معرفة به، ولكنك أردت ذلك فليكن ما تريد)

سلام من الله عليك ورحمات منه
أثمّن ما سطّر قلمك، وأفخر بأخوتك، و أدعو الله أن يرقن ما كتبت في صحائفك يوم الدين، وأحمد الله أن رزق الأمة أمثالك وأمثال الشيخ جودت سعيد – رغم اختلافي معه في بعض أفكاره- وزادك الله علماً ينفع الأمة.
لكنك يا سيدي في واد وما أدعو إليه في واد آخر:
سارت مشرقة وسرت مغرباً **** شتان بين مشرق ومغرب
أدعوك بكل حب لقراءة النص مرة أخرى، ولنتمعن سوية في هذه المقاطع:
1- "بحثاً عن صحة أو ضعف نص ديني يتناقض مع حقيقة علمية؟ ".
2-" فليست دراستي ميثودولوجية إذن بمقدار ما هي إبيستمولوجية تبحث في آليات استثمار العقل الإسلامي لما تمخّض عنه الانفجار المعرفي من اكتشافات لقوانين الله المبثوثة في الأرض وما عليها وما حولها في الكون المنظور حين قراءة المقاطع ذات الصلة في النص الديني، لا أكثر ولا أقل".
3- "لقد أصبح العقل الإسلامي، وبفضل ما توصلت إليه العلوم والمعارف البشرية- باستثناء العلوم الظنية والنظريات التي لم ترْقَ إلى درجة اليقين- يملك القدرة على حسم كثير من اللغط الذي دار سابقاً حول العديد من القضايا والمسائل المتعلقة بالإنسان والطبيعة والكون والمبثوثة في جسد النصوص الدينية، وأصبح بمقدوره الحكم بضعف كثير من الأحاديث ذات الصلة بقوانين (الكتاب المنشور) والمنسوبة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ورفض آراء العديد من مفسري النصوص الدينية – والتي تتعلق بالعلوم البيولوجية والجيولوجية وعلم التاريخ والعلوم الكونية- لكونها لا تتطابق مع كتاب الله المنشور" .

إنني لا أتحدث، يا سيدي، عن الشريعة والأحكام والعبادات، بل عن الجانب المتعلق بكتاب الله المنشور- حيث لا أحكام ولا عبادات ولا قطع يد من الكوع أو البوع، أتحدث عن نظرية (الانفجار الكبير) وعدم ثبوتها حتى اللحظة بالعلم اليقيني، وأتحدث عن كروية الأرض لا كفرضية أتى بها (كوبرنيكوس) (وجاليلو غاليليه) ثم اختلفت معه الكنيسة بشأنها، بل عن كرويتها التي أثبتها (أرمسترونغ) صورةً مرسلةً عبر الأقمار غير خاضعة للمناطحة والمماحكة، أتحدث عن اكتشاف قنبلة الجينوم البشري وآثارها على مستقبل البشرية جمعاء، أتحدث عن قوانين المادة وتسبيح الالكترونات حول النواة (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم)، وأتحدث عن هيكل إنسان (جاوة) و(النياندرتال) و(كرومانيون) ورسومات ولقى وأدوات إنسان العصر الحجري والبرونزي وأثار ذلك على البشرية، أتحدث عن الثقوب السوداء وموت النجوم ومولدها... هذا هو مدار بحثي. فهل عندك ما يمنع الحديث حول كتاب الله المنشور الذي لم تخلقه المادية الديالكتيكية ولم يشارك دوركهايم أو آينشتاين أو إدلر أو فرويد أو ابن ميمون في ترتيبه واتزانه، أيعقل أن أغض الطرف عن هذا الكتاب الذي أراه رأي العين، ويصادر رأيي إذا احتكمت لكتاب الله المنشور كي أثبت عن طريقه وبواسطته زيف الحديث وكذب واضعه؟؟
أجبني يا رعاك الله وأثلج صدري.

مع كل الحب
عدنان أبوشعر

ابوعمر الاثري
26/07/2009, 08:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين اما بعد :
استاذي الاستاذ عدنان انا اعلم تماما ما ترمي اليه من مقالتك وانا لم اعلق على فكرة المقال بعد ....
اما بالنسبة الى ( سارت مشرقة وسرت مغرباً) فانا لم اسر الى المشرق بعد لكني علقت على نقطة الصفر قبل مسيرك الى المغرب .... فما تعليقي الا على الكلمة التي وضعتها سيادتك بين هلالين
يدلل على صدق النص الإلهي (القرآن الكريم) وصحة النص المفسِر له (الحديث الشريف( وانا اعتذر لاني لم اجد التعبير ...فما انا الا رجل نصوص وثوابت ولست ممن يجيدون الكلام انما احاول ان انقل كلام العلماء الربانيين
وجزاك الله خيرا على التنويه
وليعلم الاخوة الاعضاء اني اعرف الاستاذ عدنان معرفة وثيقة ومع اني اخالفه الكثير من الاراء الا انه اكثر انسان اعجب بشخصه وفكره ولا امل من سماع حديثه لساعات واسمحوا لى ان اعبر على طريقة اهل الشام ( مثل الزبدية الصيني من وين ما نقرته يرن ) موسوعة ما شاء الله
ولك مني كل الاجلال والاحترام

ابوعمر الاثري
26/07/2009, 10:45 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين اما بعد :
اولا يا سيدي الكريم يجب ان نتفق على امر , وهو لمن نريد ان نثبت ان لا تعارض بين نص صحيح واية كونية جلية ..
ان كان الجواب ... ان نثبتها ونفسرها لانفسنا ولبني جلدتنا ممن ولجت على قلوبهم بعض الشبهات فالامر سوف يوصلنا الى خير ان شاء الله
أما ان كان الجواب ان نقنع بها من هو كافر بكتابنا وسنتنا فانا خارج هذا النقاش لان لا قواعد مشتركة بيننا للحوار فوقها
ولازيل بعض الشبهات ساذكر مثالا مشهورا جدا وهو ما ثبت في الصحيحين، وصحيح ابن حبان، وسنن الترمذي، ومسند أحمد، ومعجم الطبراني الكبير، وسنن النسائي من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فلما غربت الشمس قال أبا ذر: هل تدري أين تذهب هذه؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال لها: ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها.هذا الحديث يناقض حقيقة علمية ...فما العمل في هذه الحالة :
اولا نقرن هذا الحديث بكلام رب العزة سبحانه وتعالى في الاية (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه يَسْجُد لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم وَالْجِبَال وَالشَّجَر وَالدَّوَابّ وَكَثِير مِنْ النَّاس ((فنجد ان الاية ايضا تناقض الحقيقة العلمية والاية مسلمة الثبوت والصحة – عند المسلمين –
وقد قال شيخ الاسلام ابن تيمية لا يجوز أن يتعارض دليلان قطعيان لا عقليان ولا سمعيان ولا سمعي ولا عقلي، ولكن قد ظن من لم يفهم حقيقة القولين تعارضهما لعدم فهمه لفساد أحدهما
و نحن جميعاً نشهد الشجر و الدواب و الشمس و القمر و لا نعلم كيف يكون سجودهم ولا مخاطبتهم لربهم سبحانه فكل منهم قد علم صلاته و تسبيحه ، و قد قال العلماء عن هذا أن السجود قد يكون متكرراً فى كل لحظة كلما غربت الشمس عن جزء من أرض الله،
و يدل على ذلك أن الشمس إن كانت تذهب لتسجد تحت العرش كما يشبه العقل البشرى فهل يعنى ذلك أنها لا تكون تحت العرش قبل الذهاب؟ الإجابة لا لأن الأحاديث صحت بأن العرش هو أكبر المخلوقات و سقفها كلها و هى بجانبه كحلقة فى فناء
و لو قيل أنها إذا غربت تكون أقرب للعرش فهذا ينافى معتقد من قال بثبوت الأرض إذ أن أقرب لحظة للشمس من العرش حينها ستكون و هى فى الفلك الرابع فى كبد السماء لا حين تغرب
اما إذنه تعالى لها بالعودة من حيث أتت فهو إذن لها بالشروق يتضمن إذن لكل المخلوقات بالسير فى ناموسها المقدر لأن كل شىء مسير بإذنه .
فلا يجب أن نتكلف التشبيه و التصوير فى كل شىء و إلا فكيف نفهم قوله عليه الصلاة و السلام عن الرجل الذى نام عن الصلاة ((هذا رجل بال الشيطان فى أذنيه)) هل يحمل اللفظ على المعنى المدرك المشاهد؟ بالطبع لا فكلنا يعلم أن هذه مسائل تمثيلية فهى تقع حقيقة ولكن كيفها ليس بالصفة التى تنطبق علينا
و الحقيقة أن حديث سجود الشمس تحت العرش يعد من أفضل المفسرات لقوله تعالى عن ذى القرنين ((حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ )) لان الشمس إن كانت تسجد تحت عرش الرحمن بعد غروبها فلا يمكن أن تكون تدخل فى عين حمئة بل يجحب أن تكون فى السماء و بهذا تأكد أن الخبر فى الأية الكريمة عن ثقافة الرائى لا عن حقيقة الأمر و هو ما أكده علماء الأمة منذ قرون كالامام ابن كثير فى تفسيره و الامام ابن حزم ، و حتى شيخ الاسلام ابن تيمية
فانا كمسلم من اهل السنة والجماعة ابتعد عن التجسيم والتشبية لما لا اعلم من الغيب

هذا ما اعلم والله تعالى اعلى واعلم

محمد فتحي المقداد
27/07/2009, 02:09 AM
:mh78::mh78:

عبدالقادربوميدونة
27/07/2009, 01:14 PM
هناك معلومة متداولة على نطاق واسع - حسب فهمي القاصر القوي المتنبه بإذن الله - وهي أن الإسلام أوالدين الإسلامي ينبغي ويفترض بل ويجب الدفاع عنه حتى لا يفسح المجال للمتطاولين عليه النيل منه ..سواء تعلق الأمربالآيات الكريمات أو بالأحاديث الشريفة الصحيحة ..وكثيرا ما نرى ونلاحظ بعض المندفعين بحماستهم الدينية وغيرتهم الإيمانية ينبرون في محاولة للدفاع وكيل الشتائم والسباب لكل من وضع الآيات القرآنية الكريمات أوالأحاديث الشريفات أمامه للتأمل أوالتدبر بغية الحصول على المزيد من الفهم والهضم والتمثل ومن ثم الاستيعاب والتيقن فيمنعونه ويدعونه لوجوب التسليم الأعمى على الرغم من كون القرآن يدعو لغير ذلك والاكتفاء بما وصل إليه فهم من سبقوه ...وكأن القرآن الكريم أوالأحاديث الشريفة في حاجة ماسة لمن يدافع عنهما خشية من الاندثاروحتى التلاشي ..وينسون أويتناسون أويغفلون أويتغافلون أن القرآن والأحاديث النبوية الشريفة قد هزما عبرأربعة عشر قرنا من الزمن آلافا بل مئات الآلاف ممن كانت نواياهم خبيثة أونفوسهم مريضة من عرب وعجم مسلمين ومستشرقين وباءت محاولاتهم بالفشل الذريع وعاد إليهم بصرهم خاسئا حسيرا ..
القرآن الكريم بآياته المسطورة والمنظورة والأحاديث النبوية الشريفة هما اللذان دافعا عن المسلمين ولم يتركاهم هم يضلون عن سواء السبيل منذ قرون وسوف يظلان .. " إنا نحن نزلنا الذكروإنا له لحافظون " فعندما نحفظ آيات القرآن الكريم عن ظهرقلب ونستظهرها قراءة في نفوس وصدورالأجيال نعتقد أننا قد حفظنا القرآن والأحاديث من التحريف والتخريف ..
ذلك الحفظ والاستظهارهما لحفظنا ولصوننا من الضلال وليس العكس ..
والخلاصة هي أننا نحتمي بالقرآن والأحاديث الشريفة ولا نحميهما فالكتاب المسطورلم يأت إلا لقراءة وتفسير الكتاب المنظور ..وليس المنشور - كما أشارإليه بعض الأساتذة الكرام ..المنشورقد يحتمل أن يكون هناك جزء منه غيرمنشور ..بينما المنظورهو لكل ذي بصروبصيرة.. منظورفي الأكوان كلها.. المكتشفة وغيرالمكتشفة الظاهرة منها والخفية.. الملموسة والمحسوسة.. الطافية منها والمغموسة ..الخام وتلك المدروسة ..

(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) (فصلت: الآية 53)
من المعروف لغويا أن حرف ( السين) إذا دخل على الفعل المضارع يفيد حصول ذلك الفعل فيما استقبل من الزمن، الزمن القريب، بينما ،( سوف) تفيد حصول الفعل في المستقبل البعيد، فالآية تتحدث عن حتمية إظهارآيات الله في الآفاق لكل ما استقبل من الزمن، أي زمن.. وصل وحصل.. أوما زال لم يحن ميعاد حصوله ، لكل جيل من الأجيال معجزات تبهرعقولهم وتحيرأفهامهم على إدراك حقيقة ما يتوصلون إليه من حقائق كونية لم تكن من قبل لتدرك . ففي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كان الناس يعتقدون أن الآفاق هي المسافة أوالمساحة التي يصلها البصرأفقيا، أما عموديا إلى حيث القمروما وراء القمرمن مجرات ونجوم فلم يخطرعلى قلب بشرآنذاك، وأنه سيأتي يوم يصعد فيه الإنسان إلى ما فوق السحاب وأنه بإمكانه قطع مسافات تقدربملايين الكيلومترات و بالسنوات الضوئية إلى المريخ والزهراء وما بعدهما من كواكب وأجرام ونجوم ومجرات ،، فذاك أمريعد ضربا من ضروب المحال آنذاك.

سنريهم: من هم هؤلاء الذين سيريهم الله؟
سيبين لهم؟
سيظهرلهم؟
علامات وجوده؟
وقدرته؟
وعظمته، جل وعلا ؟
الكفار ، الملاحدة، والعياذ بالله ، الذين ينكرون وجوده ، والذين يقولون بخلق الكون هكذا عبثا، دون مبدع ، دون خالق
( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون...)(المؤمنون، الآية 115)
ففيمَ تتبين لهؤلاء الكفارعلامات وجود الله ؟!
في الآفاق أولا..
أي في السماوات وما تحتويه من كواكب ونجوم ومجرات وأجواء وموجودات...
وفي أنفسهم ثانيا..
أي في نتائج تلك البحوث البيولوجية والفيزيولوجية وعلوم النفس والخلايا وعمل آلاف الأعصاب والمخ ووظائف القلب المبهرة هذا القلب الذي يتحرك ويضخ الدم إلى مختلف أنحاء الجسم من دون محرك كهربائي أوبطارية فلا يكل ولا يتوقف ولا يستريح، نائما كنت أم يقظا، متحركا أم ساكنا ، في جهازالسمع والبصر، وحركة اليدين والرجلين ما الذي يجعل هذه الأعضاء تتحرك دون محرك يمنة ويسرة فوقا وتحتا؟!!
الله سبحانه وتعالى، هل استطاعوا جعل ( الروبوت) يمشي ويتحرك دونما طاقة كهربائية أونفطية هل بإمكان هذا (الروبوت) الحركة والسير ذاتيا دون دفع خارجي أوداخلي ؟!!
يسمى (آليا) ولكن هذه الآلية ما الذي يدفعها للحركة؟
إن لم تكن مزودة بشكل ما من أشكال الطاقة.
إذن المسألة مفصول فيها عقلا ومنطقا، ومنذ مئات آلاف السنين، إن لم نقل ملايين أوحتى مليارات، ومع ذلك ما يزال بعض المتنطعين الجدد في العالم الإسلامي يحاولون السيرعكس التيارـ تيارعودة الأمم والشعوب إلى ينبوع الإيمان الذي لا ملاذ لهم غيره، سواء وصلوا إلى نهاية العالم ونفاد الزمن أم بقوا يتأرجحون في بداياتهما ـ

بتلك النتائج التي توصلوا إليها عبرالبحث في الجينات البشرية والحيوانية، وإنجاب الأطفال بواسطة الأنابيب والاستنساخ المتكررللمخلوقات، في محاولة يائسة للوصول إلى عدم صدقية الأنبياء والرسل ،وهي محاولات كمن ينطح الصخرالصوان برأسه،بلحم وشحم ودم أملا في تفتيته..، فمن كان يمتلك القدرة على التفكيروالإبداع، فليقل للبشرية عن الكيفية التي يمكن بها القضاء على مختلف الأمراض والأوبئة، وكذا الوسائل والطرق التي من شأنها الحد من مآسي الفقروالأمية والجهل المتفشية في ربوع العالم ، وما هي الآليات المثلى لتحجيم الصراعات وتقليصها إلى أدنى حد ممكن ، حتى تعيش البشرية في وئام وانسجام، وحتى يعم الرخاء سائرأنحاء الكرة الأرضية، ويعيش الجميع متحابين متآزرين، من شاء يؤمن فليؤمن ومن شاء يكفر فليكفر.. ولكن دونما صدام، ولا سفك للدماء في إطارحريتك تنتهي عند بدء حريتي، وليس بتسفيه إيمان الآخرين ومحاولات حصرهم في زاوية الضالين المتحجرين المتخلفين، ظلما وعدوانا ومن ثم إلغاء حقهم في الوجود.
ذلك هوالكتاب المنظورانطلاقا من صفحات الكتاب المسطور ..وشكرا لك الأستاذ الجليل صاحب العقل والدليل عدنان أبوشعير القدير .
والله أعلم .

د.محمد فتحي الحريري
29/07/2009, 11:58 PM
اخي الفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته واشكر اهتمامكم
اخي الفاضل ما من عاقل يقول بالاختلاف بين العقل والنقل
وما من عاقل الا ويسعى للحقيقة
المشكلة في قصور عقولنا وغرورنا احيانا ، ذلك الغرور الذي ينسينا الحق وبالتالي نقرأ النص بمنهجية مسبقة الصنع !!!!
لكل زمن لغته وروحه ، وفي يوم من الايام لم يسمح احد المشايخ لشخص ان يضحي بعجل وزنه طن بالتمام والكمال ، واذن ان يضحي بعجل لايزيد وزنه على 250 لانّ الاول لم يبلغ ثلاث السنوات والثاني بلغ ، ولما افتيته بالجواز طار صواب شيخنا واعتبرني خارجا من الملة ولي بذلك بحث مشهور ومنشور في مجلة نهج الاسلام بسورية مع الادلة ، والقصة يعرفها اخونا الشيخ جودت سعيد وكان له موقف جميل منها ،،((مجلة نهج الاسلام - دمشق العدد44 في ذي الحجة 1411 هـ
المعضلة اننا نريد ان نحنط معلوماتنا ولا نسمح للتيارات الهوائية ان تهب من نوافذنا !!!
وعبارتكم كتاب الله المسطور والمنشور ليس اول من استخدمها اخونا الشيخ جودت وانما هو استعارها مني انا شخصيا - من كتاباتي - وانا استعرتها من المرحوم سيد قطب ، والافضل ان نقول كتاب الله المسطور وكتاب الله المنظور ، وبحوث المفكر جودت سعيد في آيات الافاق والانفس والدكتور خالص جلبي وزوجته المرحومة ليلى سعيد ( اخت الشيخ جودت ) هي في المحور نفسه لكن هناك خطوط جاوزها الاستاذ جودت عن حسن نية فوقع في دائرة الحتميات والاعنزال المعاصر من حيث ظن انه يحسن صنعا ، كقوله بجواز زواج الكتابي من المسلمة اذا كان ممن يحترم الاسلام ولا ينكر محمدا .( مجالس بئر عجم ) وكان بامكانه ان يقول اذا اسلم وينتهي الامر ،،،
المهم ليس هنا مربط الفرس وانما الاختلاف بالراي لا يفسد - ان شاء الله - للود قضية وادب الاختلاف والاحترام من صلب فقهنا وديننا الحنيف ، لكن المصيبة اننا دائما بحاجة الى التذكير بالبدهيات كى لا يتهمنا اي طرف بالفرى ، ويقول فينا مالم يقله مالك في الخمرة ...
انا اشد على يديك اخي الاستاذ عدنان ، لنجتهد واخطأ من سد باب الاجتهاد ولكن لايجوز لنا الوقوع بمحذورين اثنين في قراءتنا للنص وهمــــــــــــــــــــا :
1 * ان نســــــفـّـه الآخر او نحتقر آراءه ،
2 * ان نعتبر رأينا هو الاصوب او انه خاتمة العلوم والاجتهادات ، وبالتالي يحملنا الغرور على حمل الآخرين عليه ،،،
دمت بود - مولاي - ومع التقدير والثناء الحسن اكرر الشكر .

ناريمان الشريف
30/07/2009, 07:27 PM
أخي الكريم
سلام الله عليك
قرأت مقالتك باهتمام .. وقد قلت فيها :

إلى متى سينفق المسلمون - أعني غير أهل الاختصاص- جلّ أوقاتهم وهم يبحرون في كتب الحديث والسيرة للوصول إلى شاطئ الحقيقة، بحثاً عن صحة أو ضعف نص ديني يتناقض مع حقيقة علمية؟

هنا أتساءل : وما المانع في انفاق الوقت في ذلك .. أليس أفضل من إنفاق الوقت في أمور أخرى .. كذلك .. فهؤلاء كما تقول غير ذوي الاختصاص .. فلربما النبش وانفاق الوقت في البحث .. سيثري المعلومات لديهم

كذلك قلت :
إن باستطاعة الباحث الإسلامي اليوم (فحص) النص الديني بأدوات غير مسبوقة لا علاقة لها بعلم الجرح والتعديل أو خوارزميات ابن الصلاح في مراتب الخبر والأثر.
كيف يمكن ذلك ؟

إضافة الى أن لي ملاحظة أرجو أن تحتملني .. وهي أنك تصر على ذكر ( الكتاب المسطور والمنشور )
وما الى ذلك .. فلم لا تخاطب قرآننا العظيم بما اعتدنا عليه من أسماء .. فقد تعودنا أن نقول
( القرآن الكريم )

.... الى هنا
مع تحياتي ... ناريمان الشريف

عدنان أبوشعر
31/07/2009, 04:41 AM
الأخت الأديبة الشاعرة الفاضلة ناريمان
سلام من الله عليك يفتح بصيرتك، ويشعل نور الحق في قلبك، وينير درب الحقيقة أمام بصرك وبصيرتك فيجلي مستغلقاً، لتسلكي درباً لاحباً لا ظلمة فيه ولا كدر.

قولك: " هنا أتساءل: وما المانع في إنفاق الوقت في ذلك (البحث في علوم الحديث لغير المختصين).. أليس أفضل من إنفاق الوقت في أمور أخرى .. كذلك .. فهؤلاء كما تقول غير ذوي الاختصاص.. فلربما النبش وإنفاق الوقت في البحث .. سيثري المعلومات لديهم ".

رعاك الله وألبسك ثوب المعرفة، وعرَّفك بسر وجود ولد آدم المختزل في قوله عزّ شأنه :{ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات:56]، والمفسَّر في محكم تنزيله: { هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها} [هود:61]، وهو محض إرادته في الاستخلاف : { وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} [البقرة:30]، والذي يبدو المراد منه أكثر وضوحاً في قوله تبارك وتعالى: { يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله } [ص:26-27]، ولعل الأمر يصبح أكثر بياناًً فيجلي المشتبه على العقول حين تدبر آياته في مراده من الخلافة: { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } [سورة يونس : 14] فالخلافة غاية الوجود الإنساني ولا تناقض بينها وبين العبادة بالكلية، فهي وجه من وجوه العبادة.

ولعل حديثي عن العبادة والخلافة ليس استطراداً مخلاً يبعدنا عن تساؤلك، فغاية ما أرمي إليه هو التنويه إلى أهمية الدور البشري في تحقيق مفهوم عمارة الأرض لكونه مستخلفاً فيها، وهو مسؤول بالتالي عن ( عمره فيما أفناه): أي كل دقيقة ضيّعها بغير جدوى. إن مسؤوليتنا في البناء والتحديث وإعادة نهضة هذه الأمة لا تكون في صرف جهودنا فيما لا يثمر، وقد نوّهت في مقالي أن هذه الأبحاث هي أبحاث تخصصية، فكما أنه من غير المعقول اشتغال كل الناس بمهنة الطب أو الهندسة، فإنه من غير الضروري لشباب هذه الأمة أن (ينبشوا) كتباً تخصصية بدعوى البحث عن حقيقة هي في متناول أيديهم: (آيات الآفاق وآيات الأنفس). فإذا أتموا عدتهم بقراءة كتاب الله والاطلاع على سنة رسوله وتاريخ الأمم، لزمهم أن يقرؤوا آيات الآفاق التي دعاهم ربهم إلى استكشافها والعمل على تسخيرها ليكونوا جديرين بحمل لقب الخلافة، ويستعمروا الأرض (أي يعمروها) وفق شروط الخلافة الأصلية ببناء الأجيال المربوطة بحبل السماء لا بطين الأرض اللازب، مصداقاً للنداء العلوي { قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة} [العنكبوت:20]، لكن المسلمين تركوا (تشارلز دارون) يركب سفينته (بيغل) ويتجشم عناء السفر لآخر المعمورة حتى ينظر كيف بدأ الخلق فأتاهم بنظرية ما زال العالم يكابد من أجل الخروج من استحقاقاتها. ولم يتابع المسلمون النظر في قوانين الأرض والسماء (كأسلافهم) العلماء، وسخروا أوقاتهم لغير ما أراد الله لهم، فضربوا صفحاً عن أوامره بالنظر في ملكوته: { قل انظروا ماذا في السموات والأرض} [يونس: 101]، وتركوا (جورج غاماو) عام 1948 يتبختر بنظرية (الانفجار الأول- big bang ) وكأنه قد شفى غليل صدور الملحدين في أصل الكون. والمسلمون أيضاً توقفوا عن دراسة الأركيولوجيا والجيولوجيا والتاريخ غير عابئين بنداء رب حكيم وهو يدعوهم أن الأرض تستطيع أن { تحدث أخبارها} [الزلزلة:4] عن تاريخ الأرض والحضارات كما الآثار.

إننا يا عزيزتي مترفون مترفون، ولا قيمة تذكر للوقت عندنا وهو أساس صناعة الحضارة. لقد أتى الإسلام ليعطي مفهوماً للوقت ما كان موجوداً بين ظهراني العرب الذين كانوا يعيشون حالة استرخاء وكسل تعبر عنها لوحة (سلفادور دالي) الشهيرة والتي أسماها (الزمن). ولعلي لا أكون مبالغاً إذا قلت بأن المسلمين اليوم لا يملكون جواباً لسؤال يُسألونه يوم القيامة عن عمرهم فيما أفنوه وعن عن علمهم كيف طبقوه:عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعـن ماله من أين أكتسبه وفيـم أنفقه وما عمـل فيما علم ) [صحيح : أخرجه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح ].

قولك: "كيف يمكننا فحص النص الديني بأدوات غير مسبوقة؟".
إن دعوتي لقراءة النص على ضوء الكتاب المنشور(المنظور) هي المعنية.


قولك:" فلم لا تخاطب قرآننا العظيم بما اعتدنا عليه من أسماء، إذ تعودنا أن نقول (القرآن الكريم)".

لا أظن وصفي للقرآن بما هو عليه (الكتاب المسطور) خروجاً عن الأدب مع الله وكتابه الكريم – حاشاه أن يذكر بما يخدش مكانته وعلويته. لكن الله سبحانه وتعالى استخدم عين اللفظ بقوله: { والطور* وكتاب مسطور} [الطور:1-2]، والقرآن الكريم له عدة أسماء وأوصاف: الكتاب {ألم *ذلك الكتاب} [ البقرة:1-2]، القرآن الحكيم {يس* والقرآن الحكيم} [يس:1-2]، التنزيل: {وإنه لتنزيل رب العالمين} [الشعراء:192]، الكتاب المكنون: { إنه لقرآن كريم* في كتاب مكنون* لا يمسه إلا المطهرون} [الواقعة:77-79] (على خلاف في التأويل اقتضى اختلافاً فقهياً حول مس القرآن لغير المتوضئ).

اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، وعين لا تدمع، وعلم لا ينفع، ودعوة لا يستجاب لها.
مع كل الإخلاص
عدنان أبوشعر

عدنان أبوشعر
03/08/2009, 12:53 AM
--------------------------------------------------------------------------------
وردني عبر بريدي الالكتروني ما يمكن اعتباره دراسة مكملة للموضوع الذي نحن بصدده:" قراءة النص الديني وفق الكتاب المسطور والمنشور"، وصاحب هذا الرد هو الدكتور عصام عيدو الباحث الإسلامي، الذي أترقب بلهفة انضمامه إلى دوحتنا الثرية المثمرة الغناء (واتا) والتي تتميز بباقة فريدة من المفكرين والشعراء والأدباء والمترجمين؛ نخبة يحق لها أن تأخذ دوراً قيادياً في معالجة مشكلة البناء والتحديث والتقدم في العالم الإسلامي والعربي. ولا أصدر هنا عن رؤية رومانسية، بل أتحدث عن دور النخبة الفاعل عبر تاريخ البشرية.
فإلى الدكتور عصام عيدو:


تعقيب على مقالتي "قراءة النص التاريخي والديني" و"قراءة النص الديني وفق المسطور والمنشور" للأستاذ عدنان أبو شعر

الأزمة التي يحياها العالم الإسلامي اليوم بانشداده إلى الماضي الذي يشكل له تراثاً وهوية وديناً وعاطفةً ومصدر وجودٍ مرَّ بها العالم الغربي مبتدئاً بسؤال الشك، والخروج من ربقة الإيمان المصنَّم. كانت بداية التحولات محاولة لكسر أصنام المعرفة التي قدمتها الكنيسة والخطاب الديني آنذاك. وبدخولنا إلى فهم تلك اللحظة التاريخية المهمة في التاريخ الغربي لابد لنا من ملاحظة أمرين: أولهما: السياق، ثانيهما: السلطة. وأقصد بالسياق البيئة الاجتماعية التي كان يحياها أناس ذلك الزمان، لماذا فكروا بالتحول؟ ولماذا ظهرت هذه الأسئلة؟ ولماذا شعروا كنيستهم أغلالاً في أعناقهم؟ وأين كانت السلطة تتموضع؟ ومن بيده سلطة التأويل والتغيير؟
يبدو واضحاً أن السلطة في تلك العصور كانت بيد الكنيسة تفسر وتجير النص لصالحها، وتمعن في السياسات التكفيرية والإقصائية لمن يريد فك حصار هذه الأيقونات المقولبة.

وعلى أية حال، كان مشهد الثقافة الشعبية والحالة النخبوية إلى حدٍّ ما واضحاً، بمعنى أن ما كان يجري في عقول النخبة له صداه في عقول العامة. وكانت العامة بلغت حدوداً واضحة من التقزز والنفرة من السلطة الكنسية، ولم يحصل ذلك في سنوات قصيرة وإنما امتد عبر قرون وقرون عرفت بقرون العصور الوسطى التي يعتبرها بعض الباحثين الغربيين مرحلة العدم في تاريخ الثقافة الغربية. كان المخاض طويلاً وعسيراً، حتى استطاع العامة أن يقتربوا من النخبة، وحتى صارت النخبة ناطقة باسم العامة. والكل يتترس ضد تلك الكنيسة المقيدة بالأصفاد.

وخلافاً لذلك التاريخ الغربي، فإنني أرى أن السلطة في سياق منظومتنا هي النص وليست الأشخاص. هي الكلمات وليس المتكلمين. في السياق المسيحي، المُشكِل هو شخص المسيح نفسه، الذي حملته مريم، وهو الكلمة ذاتها التي اشتغلت عقول الكنيسة منذ تأسيسها بفهم حالته. أما في سياقنا فالنص القرآني هو الكلمة التي حملها محمد عليه الصلاة والسلام، وهو الباعث على اختلاف العقول والاتجاهات، نص محدد لا لبس فيه ولا اختلاف، فيه من السلطة ما فيه، من أراد اللعب به حرقه. ولهذا أتى استثناء الأستاذ عدنان لهذا النص كلما أراد أن يعمل معاول النقد والتأويل. فالنص القرآني خط أحمر.
نعم هو خط أحمر لا لأنه وافق عقولنا فقط، ولكن لأنه أتى بطرق لا يمكن تكذيب المخبرين فيها.
أهم ما يميز الدين هو قضية الغيب. وقضية الغيب فيها من الخوراق أضعاف ما في عالم الشهادة من الحقائق.
قضية الغيب اجتهد الغرب في القرون الأخيرة لتغييبها وإبعادها من نطاق اهتمامهم، متجهين لتفسير الظواهر تفسيراً رياضياً منطقياً تجريبياً. ولكن كثرت النداءات في الفترة الأخيرة المطالبة بأن يكون الغيب واحداً من الطرق الموصلة للعلم، ويرى بعض الفلاسفة الغربيين أن النظرية العلمية في سعيها إلى تفسير كلي للظواهر تقترب من مفهوم الغيب.
الغيب مصدر مهم جداً للمعلومات، يعطي تفسيرات لا يمكن للعلوم النظرية أن تمدنا بها. ولكن ما حدود علاقتنا بهذا الغيب.
عندما يأتينا نص ديني لا يتوافق مع واقعنا أو عقولنا، أو مع مبادئ العلوم التي نتعلمها. ما موقفنا منه.
أرى أننا أمام ثلاثة مواقف لا رابع لها:
وحتى لا أذهب باتجاه الحديث الظني الثبوت، فإنني سأخصص الكلام في القرآن القطعي الثبوت.
الموقف الأول: الرفض المطلق للنص.
الموقف الثاني: التأويل بما ينسجم مع بقائنا مؤمنين.
الموقف الثالث: الإيمان به كما هو على أنه أمر خارج حدود عقلنا وتصوراتنا.
هذه المواقف الثلاثة حدثت متدرجةً في العقل الغربي تجاه نصوصها. ولكون نصوصها لا تتمتع بالموثوقية اللازمة. أول ما فعلوه في عصر أنوارهم أنهم فكوا ارتباطهم بهذه النصوص، واعتبروها نصوصاً لا تتمتع بأي درجة من درجات العلم، ولكن الذي حدث بعد ذلك أنهم رأوا أنفسهم عراةً فاقدي الهوية، لفقدهم ذلك التراث، فبدأت الاتجاهات الانتقائية كنسية وغير كنسية، تقليدية وتجديدية، إصلاحية وإحيائية، سلفية وعلمية .... إلى ما هنالك من الأوصاف الكثيرة الكثيرة. بدأت هذه الاتجاهات بأخذ ما يحلو لها، وما يتناسب مع واقعها العقلاني. ولكن سرعان ما هدَّم الأكاديميون هذه الانتقائيات واعتبروها أصناما معرفية وشروطاً مسبقة لا تجوز في عالم المنهج. وبدأوا ببناء منهج "الأدبيات" أي فك الارتباط بهذه النصوص إيمانياً، والارتباط بها تراثياً. أي أنها مثل الأرض والتاريخ والذكريات التي لا يمكن للإنسان أن يعيش بدونها، ولكنها لا تشكل له مصدر إيمان.
وفي سياقنا: ثلاثة مواقف، والنص القرآني قطعي الثبوت، فماذا عساك أن تفعل، النص ثابت صلب لا يمكن اللعب به. ومن يلعب به يرميه خارج نعيم المسلمين.
ولكي ألامس الواقع: أطرح مثالين من القرآن:
الأول: "وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم"
الثاني: حديث سليمان مع النملة، وسماعه إياها.
من المعلوم لطالب الابتدائية اليوم أن قانون الجاذبية قانون لا يمكن الاختلاف حوله. وأن تكذيب هذا القانون يعدو ضرباً من البلاهة والسخافة.
إذن، فإذا كان حال هذا القانون كذلك، فماذا عسانا أن نرى في نص "الجبل"؟ هل نرفض؟ هل نؤول؟ هل نقبل مطلقاً؟ نص الجبل يخالف معطيات واقعنا، بل أبجديات علومنا؟ بل يخالف كل ما تعلمناه ودرسناه وتربينا عليه من مناهج أكاديمية في شرق العالم وغربه. ونص الحوار مع النملة أليس مضحكاً في ضوء معطيات واقعنا؟ ألسنا نمر عليه كلما قرآناه ولا نجد فيه مشكلة، ذلك أنه ورد في القرآن، ولكن مجرد تخيّلنا لذلك في الوقت نفسه يدعونا للضحك والتندر؟
في موقف الرفض سأكون منهجياً محترماً متوازناً، ذلك أن المدخل عندي هو العقل، والعقل فقط. فلماذا نستثني القرآن ونعتبره وثيقة تاريخية خارج سرب تثبتنا وتحققنا؟ استثناؤنا للقرآن مبني على إيمان به، وليس لموقفٍ عقليٍ بحت. ومن فتح عقله للنقد لا يمكنه الاستثناء. إذا أردت أن تستثني القرآن من دائرة منهجك العقلاني الذي ينبني على أساس أن أي مخالفة تاريخية لحقيقة علمية مرفوضة وغير مقبولة، فهذا عين الانتقائية.
إن استثناء القرآن من هذا المنهج لا علاقة له بالعقل مطلقاً ، وإنما مبني على قضية التواتر التي أتى من خلالها القرآن. فلماذا تستثني القرآن ولا تستثني السنة؟ الجواب: أن السنة وردت بطريق ظني. وفي المنهج التاريخي لا يوجد استثناء، كل شيء خاضع للبحث والتحقق.
وفي حال استثناء القرآن من ذلك المنهج. لم يبق لنا إلا احتمالان:
أولهما ينبغي تأويل النص، ولماذا تأويله؟ الجواب: حتى لا نقع في دوائر الشك والتهم. ولماذا لا تؤول الحديث؟ عين الانتقائية!!
ثانيهما: القبول مطلقاً. إذن عليك ألا تفرق بين النصوص، لأن مصدر علمك هو الغيب، وفي الغيب كل الخوارق مقبولة.
هذه محاولات في المنهج، وإظهار للاحتمالات. أردت أن أوردها للاقتراب أكثر من القضية.
إنني أرى وأعاني كما يعاني – الأستاذ عدنان – والنقاش في هذا الموضوع بالغ الأهمية. ويجب أن تُسوّد فيه صفحات وصفحات، وعندما ينتقل هذا الموضوع إلى ساحات العامة، حينها يمكنك التنبؤ بشيء.
الثقافة الشعبية تقود الركب. والسلطة بيدها. وهي التي تأمر وتنهى. بربك أين علماء اليوم ودعاة الإسلام الذين يقودون الركب. ولا أريد هنا التقليل من شأنهم، علماء اليوم ودعاة الإسلام تياران كبيران:
تيار محافظ وتيار مُجارٍ.
وأقصد بالمحافظ أنهم لا يغيرون حتى يتغير الناس، وكلما كان هناك مجال للكلام يسمعه الناس قاموا بالتغيير، أغلب علماء اليوم على هذه الشاكلة، أين الأفكار الخلاقة؟ أين المشاريع التي تقود العامة؟ لا أرى إلا كلاماً معلوكاً وصدءاً.
والتيار الثاني تيارٌ يتكلم بما يهواه العامة وما يريدونه وما يطلبونه.
الثقافة الشعبية هي التي تقود الركب، وتفسيرها للقرآن مهم، ودور علماء اليوم هو تحفيظهم الدروس اليومية التي تلقوها عبر حياتهم في تكرار المفاهيم نفسها واللوك فيها. وإن انحراف علماء الإسلام عما يريده العامة خروج من الدين.
فالنص والعامة هما أساس السلطة اليوم. وهذه العامة متغيرة بتغير الأزمان، وأخلاقها متغيرة. وكلما تغيرت تغير فهم النص معها، حتى تحل الفوضى بهم، ويبدأ الاشمئزاز من هؤلاء العلماء، وهنا يمكننا الحديث عن نخبة فاعلة موصولة بحبال العامة.

عصام عيدو

سعيد نويضي
27/08/2009, 09:40 AM
بسم الله الرحمن الرحيم...

سلام الله على الأحبة الكرام...و كل رمضان و الأمة الإسلامية إلى الله جل و علا أقرب...

هو تعقيب على تعقيب...سلام الله إلى الدكتور الفاضل عصام عيدو...و كل رمضان و النخبة المثقفة إلى الحق أقرب...

بسم الله الرحمن الرحيم...

أعتقد أن الأستاذ الكريم في قوله هذا "عندما يأتينا نص ديني لا يتوافق مع واقعنا أو عقولنا، أو مع مبادئ العلوم التي نتعلمها. ما موقفنا منه."

فالسؤال المطروح ما المقصود بـ "نص ديني"؟

هل يحيلنا على النص الديني أي الوحي "القرآن الكريم" و السنة النبوية الصحيحة منها؟ أم على تفسير الفقهاء من الأقدمين و المعاصرين لـ "نص ديني" معين؟ أم المقصود بالنص الديني سلطة الكلمات التي يمارسها المستخلف و المكلف بتطبيق النص الديني؟

و ما دام التحديد القطعي الذي أورده الأستاذ أن المقصود بالنص الديني هو "القرآن الكريم" دون الحديث النبوي...فهذا ما يحدد بشكل واضح أننا نتحدث عن كلام الله جل و علا...الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه و لا من خلفه... {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }البقرة2.

يفترض أستاذنا الكريم أن هناك ثلاث مواقف لا رابع لهم اتجاه عدم التوافق :

1- الرفض المطلق للنص...
و هذا لا يحتاج لمجادلة...لأن الرفض المطلق يعني أن كل كلام سوف لا يحمل أية فائدة...و بالتالي فإن النص الديني ليس بنص علمي...أي نص لا يحمل حقيقة صادقة تطابق الواقع في لحظة زمنية و مكانية معينة...ولأن الصم لا يسمع الدعاء...فمن يرفض النص الديني رفضا مطلقا بماذا سيجيب عن الآية الكريمة: {فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ }الذاريات23.
فكيف يتم عدم التوافق مع نص ديني الذي يشكله قوله الله عز و جل في الكتاب المسطور مع واقع ضمن كتاب الله المنظور...فهذا اللاتوافق يفترض خللا في الطرح...أهو في النص الديني...؟و هذا من باب الاستحالة المطلقة...لأن النص الديني لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه...فيظل مجال الواقع و مجال العقل هو الحامل للخلل، و بالتالي لعدم المطابقة و الموافقة لكتاب الله جل و علا...و هذا هو جوهر الحرية ...هل نتبع ما أنزل الله جل و علا؟ أو ما نتبع الواقع و العقل رغم عدم اليقين في صدق أحكامه؟ بمعنى آخر هل نتبع الهدى أم نتبع الهوى؟[حديث النملة].

2- التأويل بما ينسجم مع بقائنا مؤمنون...بداية لا يعلم تأويله إلا الله جل و علا... {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }آل عمران7.
فالله جل جلاله هو الواحد الأحد الذي يعلم تأويله على وجه اليقين...أما العلماء و خاصة منهم الراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا...

أما التفسير الذي لا يعتبر تأويلا بل يعتبر فهما وقع في القلب و صاغه العقل بأدوات الفكر في جمل تعبيرية ذات دلالات متعددة [قد يكون هو المقصود من كلام الأستاذ] يجعلنا نطمئن لكلام الله جل و علا اطمئنانا نسبيا يجيزه العقل و يصادق عليه المنطق من جهة و الواقع من جهة ثانية...إلى أن نصل إلى حالة الاطمئنان التي يتم فيها التصديق دون ريب...كما حدث في قصة إبراهيم الخليل عليه السلام... {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }البقرة260.

أما بقائنا في دائرة الإيمان فهو كذلك بمشيئة الله جل و علا...لذلك كان من دعاء النبي عليه الصلاة و السلام..." يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. ‌
تخريج السيوطي : (ت ك) عن أنس (ت) عن شهاب الجرمي (ك) عن جابر.
تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 7987 في صحيح الجامع.‌

فاختلاف الواقع مع النص الديني، هو اختلاف في ما نحمله من معارف و أفكار و تصورات عن هذا الواقع...لأن الواقع الذي نتحدث عنه ليس في علم الغيب بالنسبة لله جل و علا...فالله جل و علا بكل شيء عليم، و بكل شيء محيط،
{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }يونس61.

{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ }الرعد9.

فعالم الشهادة الذي يمثله الواقع الذي يعلم منه الإنسان الجزء اليسير مقارنة بعلم الله جل وعلا و لله المثل الأعلى...لا يمكن أن يتناقض مع كلامه...كلام الله جل و علا.

3- الإيمان به كما هو على أنه أمر خارج حدود عقلنا و تصوراتنا...النص الديني هو كلام الله جل و علا...فهو أصلا فوق حدود معارفنا و قدراتنا كبشر...فتدبر أيها الأخ الكريم الآية الكريمة التي رد بها الله جل و علا على موسى عليه السلام لما طلب منه رؤيته...بناء على رغبة بنو إسرائيل لما طلبوا منه نفس الطلب كشرط لكي يؤمنون برسالته و بدعوته و بنبوته... {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ }البقرة55.

فطلب من الله عز و جل رؤيته ليس شرطا لإيمانه بل حبا في رؤيته...

يقول الله جل و علا: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ }الأعراف143.

فالعقل بكل ما أوتي من علم أو قدرة يظل قاصر...ناقص...على الإلمام بكل شيء و الإحاطة بكل شيء...لأنه مخلوق من مخلوقات الخالق...فكيف يستوي المخلوق و الخالق؟

فالعقل مخلوق كأداة رفيعة المستوى، دقيقة المبنى، جبل على التساؤل حتى يجد الإجابة،على البحث حتى يكتشف المجهول ،على وزن الأمور حتى يقيسها، على القلق حتى يطمئن، على الفصل بين الحق و الباطل...

فكل نظريات العلوم على اختلاف أنواع العلوم و الحقول التي تناولتها بالبحث و المبادئ المنطقية الراسخة التي لا تقبل التناقض... هي تفسيرات بشكل عقلي لما أبدعه الله جل و علا في الكون من آيات...

فمقياس التوافق الذي يتحدث عنه الأستاذ الكريم..." عندما يأتينا نص ديني لا يتوافق مع واقعنا أو عقولنا، أو مع مبادئ العلوم التي نتعلمها. ما موقفنا منه."
فالنص الديني نزل أصلا ليفسر أو ينظم ، أو يبين حقيقة هي غائبة عن عقل البشر... نزل لينقل الإنسان بالعقل من الظلمات ،ظلمات الجهل ، إلى النور، نور العلم اليقيني و المعرفة الصادقة...

الحقيقة أن كل ما يمكن أن يأتي به الواقع في كليته و شموله يجد له الإنسان مثلا في كتاب الله جل و علا...
يقول الله عز و جل: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً }الإسراء89.

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً }الكهف54.

{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ }الروم58.

{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }الزمر27.

فإذا كان الإنسان يبحث عن تفاصيل التفاصيل و عن جزئيات الجزئيات كما يحدث في ما يسمى العلوم الدقيقة ، التي هي أصلا تشكل جوهر آية من آياته أو سنة من سننه في كونه و في خلقه و مخلوقاته...فيمكن القول أن هذا الشخص يبحث في كتاب الله المنظور و ليس في كتاب الله المسطور...
يقول الحق جل و علا: {مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً }الكهف51.
فإذا لم يتفق نص ديني مع واقع عقولنا و تصوراتنا أو مع بعض المبادئ التي تنتمي لحقل من حقول العلم فذاك راجع لنقصنا أو لعدم علمنا...لأن كمال العلم هو لله جل و علا وحده لا شريك له.
فهل حياة النمل، و عالم النمل، التي كتبت فيه المؤلفات، هل هذا يعجز الله عز و جل[ و هو القادر على كل شيء و العليم بكل شيء] أن ينزل فيه الآلاف بل الموسوعات الكبرى في تبيان حياة هذا الكائن...و هو القائل في كتابه الكريم: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً }الكهف109.

{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }لقمان27.

"فالعلم[العالم/الإنسان] هو في بحث مستمر عن الكمال لشعوره الخفي بالنقص.

[...وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ]" فالجدل يفيد عدم اليقين و عدم الاقتناع الكامل". و هذه خاصية من الخصائص التي خلقها الله عز و جل في الإنسان ليتم تبادل العلوم و المعارف بين بني البشر...

لكن خاصية الجدل تنتفي كصفة بين الأنبياء و الرسل عليهم صلوات الله و سلامه و بين الله جل و علا...
لماذا؟
لأن الله جل و علا اصطفاهم ليبلغوا ما أمرهم...لا لكي يجادلوه...فأمرهم جل و علا أن يبلغوا رسالاته كل للقوم الذي أرسل إليهم... {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }البقرة285.

لذلك أعتقد أن طرح السؤال التالي قد يثير و ينير مساحة قد سبق من أثارها قبلي...
كيف يتشكل الهوى[و ليس المقصود بالهوى مسألة الذاتية] [مثال داروين لم ينطلق من الذاتية و لكن انطلق من الهوى في بحثه عن سؤال الخلق] كمكون أساسي من مكونات الذات البشرية في عالم المعرفة و يؤثر في الباحث لدرجة اعتقاده الراسخ أن النص الديني يخالف الواقع و لا يتفق المبادئ العلمية...؟

عجبا يا أستاذي الكريم كيف تنظر للوقائع التي هي وقائع و ثتير فيك الضحك و لا تثير فيك التسبيح لمن يسبح له من في السماوات و الأرض...

"ولكي ألامس الواقع: أطرح مثالين من القرآن:
الأول: "وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم"
الثاني: حديث سليمان مع النملة، وسماعه إياها.
من المعلوم لطالب الابتدائية اليوم أن قانون الجاذبية قانون لا يمكن الاختلاف حوله. وأن تكذيب هذا القانون يعدو ضرباً من البلاهة والسخافة.
إذن، فإذا كان حال هذا القانون كذلك، فماذا عسانا أن نرى في نص "الجبل"؟ هل نرفض؟ هل نؤول؟ هل نقبل مطلقاً؟ نص الجبل يخالف معطيات واقعنا، بل أبجديات علومنا؟ بل يخالف كل ما تعلمناه ودرسناه وتربينا عليه من مناهج أكاديمية في شرق العالم وغربه. ونص الحوار مع النملة أليس مضحكاً في ضوء معطيات واقعنا؟ ألسنا نمر عليه كلما قرآناه ولا نجد فيه مشكلة، ذلك أنه ورد في القرآن، ولكن مجرد تخيّلنا لذلك في الوقت نفسه يدعونا للضحك والتندر؟"

قانون الجاذبية الذي وضعه رب الكون لكي تتماسك الأجسام فوق الأرض و لا تسقط للأعلى...لا يمكن اختراقه بشكل طبيعي[أي دون استعمال أدوات تساعد على تماسك الجسم في الفضاء] إلا في حالة واحدة إذا شاء الله جل و علا ذلك كآية يؤيد بها رسول من رسله عليهم الصلاة و السلام...كموسى عليه السلام... في آية الجبل و آية انشقاق البحر...أو العصا التي تنقلب حية ثم تعود لحالتها الطبيعية...ليبين لقومه أن ما يدعو إليه ليس من عنده بل هو من عند الله جل و علا خالق كل شيء و الذي له صفة القدرة المطلقة على كل شيء...حتى في مثل الجبل بعظمته و قوته و حجمه...فمثالك أستاذي الكريم يشبه مثال ضرب عصا موسى عليه السلام للبحر حتى انشق كالطود العظيم...أي قانون علمي يسري على هذه الواقعة؟ و من له القدرة على فعل هذا؟ غير الله جل في علاه...

سؤالك علمي لدرجة كبيرة...كيف سنوفق بين قانون الجاذبية و "الجبل فوقهم" في عقول الأطفال؟ كيف سيستوعب الطفل أن قانون الجاذبية الذي وجد في الطبيعة سيخترقه قانون آخر فوق الطبيعة و يتجاوزه ليحقق شيئا ما؟ على مستوى العقل و خاصة قانونه الأساسي القائم على منطق السببية و ما يجري من الأمور العادية الطبيعية؟

لكن يا أستاذ هل للعقل الحق أن يطرح قدرة الله عز و جل في المختبر و أن يبحث فيها...يجبنا الحق جل و علا في العديد من الآيات التي أشار فيها الله عز و جل لاستعمال العقل لكن بأداة رائعة تقرب بين المعاني فيما بينها...ألا و هي أداة "المثل" بلغة القرآن الكريم...أو القياس بلغة المتعاملين مع كتاب الله الكريم...فإذا كانت أداة السؤال العلمي هي "كيف"...فالله جل و علا يقول: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }العنكبوت20.

و لكي يجعل من العقل السليم أداة فصل بين الحق و الباطل...يقول الله جل و علا: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }البقرة164.



فكيف سيستوعب الطفل أن نملة تكلمت ففقها شخص بشر و كأنه كباقي البشر و أن علمه محدود و عقله مركب كباقي العقول و ليس من النخبة التي اصطفاها الله جل و علا،سليمان عليه السلام، من الأنبياء و الرسل لتجري على أيديهم و ألسنتهم خوارق تتجاوز المعتاد و المألوف و الثابت من القوانين التي أودعها بديع السماوات و الأرض...

إذا كان المدخل هو العقل لفهم النص الديني و هو كذلك المدخل لفهم الواقع...فالعقل ليس معطى جاهز...فالعقل يولد ثم ينمو كما تنمو البذرة في الأرض ليصل إلى مرحلة من مراحل النضج ثم الرشد...فلو استطاع المعلم و الأستاذ و الأب و الأم و المربي بصفة عامة أن يجعل من البشر كل سواء باستثناء الأنبياء و الرسل عليهم الصلاة و السلام...لأعطى للعقل مكانته الطبيعية من جهة...لأن الفرق شاسع بين الأنبياء و الرسل كنخبة اصطفاها الله جل و علا ليبينوا لبني البشر ما استشكل عليهم من أمور الحياة كقضية الخلق و الكون و الإنسان و ما يمسى الآيات الكبرى التي أيد بها الله جل و علا رسله و أنبياءه...و التي تسمى المعجزات عند البعض و الآيات عند البعض الآخر... و العديد من الأسئلة الكبرى التي لا زال العقل غير الموقن يتخبط في أجوبتها بين مؤمن و كافر...بين مصدق و مكذب...
فهل تعتقد أستاذي الكريم أيهما أقرب إلى الفهم الصائب "النخبة المثقفة " التي تستطيع أن تبين للطفل أن كل عالم و لله المثل الأعلى لكي يؤكد نظريته لابد له من الحجج و البراهين و الأدلة حتى يثبت صحة نظريته و صدقها...؟
هذا بشأن تعليم الأطفال أن آيات الله جل و علا و المسماة "معجزات" قد تتجاوز القوانين الطبيعة التي وضعها أصلا الله عز و جل لتسير الحياة في الكون بشكل منتظم...

أما الحديث عن "النخبة المثقفة و نخبة العامة أو العامة التي هي السواد الأعظم من الأمة و العامة المقصود بها النخبة الأمية ذات الثقافة الشفهية أو الثقافة المحدودة...كيف ستقترب النخبة المثقفة من نخبة العامة إذا كان القاموس المستعمل في كلا الدائرتين يختلف اختلافا كبيرا عما هو متعارف عليه بين كل دائرة على حدة؟

فتلك معضلة أخرى...

و للحديث بقية إن شاء الله جل و علا...